قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الأول

انتى بتقولى ايه ياتيتة؟، ازاى اتجوز واحدة مشفتهاش قبل كدة ولا حتى اعرف شكلها لمجرد انها تبقى بنت عمى وبس، مش معقولة طبعا، مستحيل
نطق يوسف بتلك العبارة فى حدة فأحست جدته انها لن تصل الى أى مكان اذا تابعت حديثها مع يوسف بلهجة الأمر، لذا ألانت صوتها وهى تقول:.

نور مش بس بنت عمك، نور بنت عمك اللى مشوفنهاش من وهى عندها 3سنين، نور هى الحاجة الوحيدة اللى فاضلالى من ابنى الصغير محمود ربنا يرحمه، مامتها اخدتها بعد وفاته وسافرت من غير ماتقولى او تدينى فرصة اختار، من غير حتى كلمة وداع، تعبت كتير فى غيابها وحاولت كتير ألاقيها وكنت قربت أيأس، لغاية ما ربنا هدانى لمكانها وعرفت انها عايشة فى اسكندرية وبعتلها جواب قلتلها فيه كل حاجة، وطلبت انى اشوفها وتجيلنا المزرعة، خصوصا بعد وفاة والدتها، يا يوسف يا ابنى انا لما طلبت منك تتجوزها كانت محاولة يائسة منى عشان اربطها بينا هنا، خايفة تيجى تبص بصة واحدة للمكان وتمشى علطول، بيقولوا الواحد بيكون مطرح ماقلبه بيكون، وهى لو حبتك واتجوزتك هيكون مكانها معانا هنا، فى حضنى، فاهمنى.

اطرق يوسف بوجهه فى حيرة وهو لا يدرى بماذا يجيب جدته فهو من جهة يشعر بمعاناة جدته واسباب طلبها الغريب هذا، ومن جهة اخرى يعلم انه لا يستطيع ان يحقق طلبها، كيف يتزوج فتاة لم يراها من قبل وربما تخالف كل ماتمناه فى شريكة حياته، قال فى هدوء:
رغم ان كلامك منطقى جدا بس انتى محطتيش فى بالك احتمال ان حد فينا ميحبش التانى او يطيقه
نظرت اليه جدته قائلة فى رزانة:.

لو اديت لنفسك فرصة، هتحبها وتخليها تحبك، ادى بس نفسك فرصة ومترفضش قبل ماتشوفها، ارجوك يايوسف، اسمع كلامى ياابنى، يلا روح وهاتها م المطار وخليك لطيف معاها ومع صاحبتها، واللى فيه الخير يقدمه ربنا
ابتسم يوسف فى سخرية قائلا:
صاحبتها، قولتيييلى بقى، هتجيبها معاها كمان؟
ابتسمت جدته قائلة:.

ايوة، كرمة، صاحبة نور وبتعتبرها زى اختها، وطبعا انها تيجى مع نور ده دليل على انها خايفة تيجى عندنا لوحدها، فمن فضلك خليك طيوب
زفر يوسف بقوة قائلا:
حاضر ياتيتة، هروح بس مقدرش اوعدك بحاجة
ابتسمت الجدة قائلة:
روح بس يايوسف وربنا يقدم اللى فيه الخير ياحبيبى.

اتجه يوسف الى باب الخروج ليذهب الى المطار وهو يؤنب نفسه لأنه لم يستطيع ان يرفض طلب جدته ولكنه هكذا دائما، نقطة ضعفه الوحيدة هى عائلته التى تتضمن جدته وآسر أخيه، لا يستطيع ان يرفض لهما طلبا حتى وان كان على حساب سعادته، لن يتردد.

توقفت نور فجأة وكادت كرمة ان تصطدم بها ولكنها تداركت امرها وتوقفت قائلة فى قلق:
مالك يانور؟وقفتى ليه؟
نظرت نور لها قائلة فى تردد:
مش عارفة ياكرمة، حاسة بخوووف، نفسى نرجع للطيارة تانى ونروح بيتنا، خايفة اوى م اللى جاى، بسأل نفسى ياترى اللى بعمله صح ولا غلط؟
ابتسمت كرمة فى هدوء قائلة:.

كل مخاوفك طبيعية يانور، بس اللى بتعمليه عين الصح يا حبيبتى، انتى بتزورى اهلك، كل اللى باقى من عيلتك بعد ماكنتى فاكرة انك بقيتى وحيدة فى الدنيا دى، لقيتى عيلة نفسها تشوفك، انتى مش خايفة م اللى جاى. انتى خايفة ما يتقبلوكيش بينهم وده مستحيل ياقلبى، اللى يشوفك ومن اول مرة بيحبك عطول زيى وزى مريم وزى...

توقفت كرمة عن الكلام على الفور وهى تدرك ماكانت ستقوله ولكن ملامح نور أنبأتها بان الخطأ قد وقع. فقد غامت ملامحها وترقرقت دموع حزينة فى مقلتيها فأسرعت كرمة تقول:
انسى يانور، امحى الزكريات المرة دى وعيشى حياتك بقى، فاتت 3سنين يانور، 3سنين، عيشى حياتك ومتبقيش أسيرة للماضى
قالت نور فى مرارة:.

قلبى مش بايدى ياكرمة، قلبى لسة مجروح، اخوكى كان صديق طفولتى واول دقة فى قلبى كانت له، كان كل شئ بالنسبة لية، مكنتش اعرف ان القدر هيكون قاسى بالشكل ده، أخده منى ومفاتش على خطوبتنا أيام، مقدرتش اسعده ياكرمة، حادثة بشعة مخلتنيش اقدر اودعه حتى، انتى عارفة يعنى ايه انك تصحى فى يوم تلاقى سر حياتك اتخطف منك، عارفة اد ايه ده جارحنى وواجعنى؟

كانت دموع كرمة تجاوب دموع نور فى حزن شديد ومضت دقائق وكلاهما لا يستطيع الكلام ثم مسحت كرمة دموعها فى تصميم قائلة:
حازم هيفضل فى قلوبنا يانور لكن الحياة لازم تستمر وانت مش بس صاحبتى، انتى اختى وحبيبتى ومش عايزاكى تعيشى فى الماضى وتفوقى فى يوم تلاقى نفسك لوحدك
ابتسمت نور فى حزن قائلة:
ومين قال انى هكون وحيدة، انا عندى انتى ياكرمة، ومريم كمان، الوحدة آخر شئ ممكن يقلقنى
ابتسمت كرمة قائلة:.

طيب طيب، سيبينا م الذكريات ويلا نخرج من المطار عشان تشوفى عيلتك ياقمر.

ابتسمت نور وبدأت فى المشى تجاه البوابة ثم فوجئت بشاب يبدو فى الثلاثين من عمره يحمل لافتة مكتوب عليها (نور الغازى)فتبادلت النظرات مع كرمة ثم عادت ببصرها الى الشاب تتأمل ملامحه الوسيمة فى وجل فقد كان طويل عريض المنكبين قمحى البشرة ذو لحية خفيفة، أنيق المحيا وكان ينظر باتجاه البوابة فى ضجر وارتفعت عيناه فى تلك اللحظة فتلاقت عيناه العسليتان بعينيها الخضراوتين فانتابتها رجفة شديدة وكادت تقسم ان رجفتها كانت لها مثيل عند ذلك الشاب وتساءلت فى نفسها، من ذلك الشاب الذى يحمل لافتة عليها اسمها ولماذا ترتعش من نظراته التى شملتها وكأنها تغرق فيها، من ياترى؟

كان يوسف ينظر فى ملل إلى بوابة المطار ينتظر ابنة عمه نور حين أحس فجأة بأنه مراقب فرفع نظره وتلاقت عيناه بأجمل عينين رآهما فى حياته ولم تكن العينان فقط هما الجميلتين بل ان صاحبة العينين هى أجمل امرأة وقعت عليها عيناه، ذلك الشعر الذهبى المسترسل فى نعومة وتلك الملامح الملائكية والقد الرشيق وانتابته رجفة ورغبة هائلة فى التعرف اليها وتفاجأ بأنها تتقدم نحوه وبجوارها فتاة أخرى فعقد حاجبيه وقد بدأ يدرك أن الفتاتين ربما تكونان من حضر لاستقبالهما ولكن أيهما ابنة عمه، تمنى يوسف ان تكون نور هى الفتاة ذات العينان الخضراواتان وادرك ان أمنيته قد تحققت حين قالت الفتاة بصوت رقيق:.

أنا نور الغازى
ظل يوسف صامتا ينظر اليها مطولا مما أصابها بالخجل والاضطراب وشعرت بأنها أسيرة لتلك العينين العسليتين حتى سمعت صوت كرمة يقول فى ارتباك:
وأنا كرمة المسيرى صاحبة نور، مين حضرتك؟
أفاق يوسف من شروده وهو ينظر الى كرمة ثم يعود بنظراته الى نور مجيبا كرمة قائلا:
أنا يوسف الغازى ابن عم نور وجيت عشان استقبلكم واوصلكم البيت بنفسى، اهلا بيكم فى الفيوم.

حاولت نور ان تبتسم وهى تقاوم الاضطراب الشديد بداخلها من جراء نظراته المتغحصة لها قائلة:
احنا متشكرين جدا، فين تيتة؟
ابتسم يوسف قائلا:
كان نفسها تيجى تستقبلكم بنفسها بس زى ماانتى عارفة هى مريضة ومتتحملش الطريق، يلا بينا هوصلكم ليها، العربية هناك أهى.

جلست نور بجوار يوسف الذى اتخذ مكانه خلف مقود السيارة، بينما جلست كرمة فى المقعد الخلفى، أحست نور بالارتباك وهى تشعر بيوسف يرمقها بين الحين والآخر وكان الصمت هو السائد حتى اقتربا من المزرعة فتأملتها نور وكرمة فى اعجاب وقالت كرمة فى انبهار:
المزرعة بجد روعة
اومأت نور برأسها موافقة ثم نظرت الى يوسف قائلة:
من امتى بتملك عيلة الغازى المزرعة دى يايوسف؟

اغمض يوسف عينيه فى تلذذ وهو يستمع الى اسمه لأول مرة من شفتيها، ثم نظر اليها قائلا:
من 3أجيال، وكنا خلاص هنخسرها لما بابايا وباباكى اتوفوا فى الحادثة، لولا اصرار تيتة وماما ان احنا منخسرهاش، فوظفوا اللى يقدروا ياخدوا بالهم منها لغاية ماكبرت وقدرت استلم منهم الشغل
ابتسمت نور فى تقدير قائلة:
بجد برافو عليكم، المزرعة شكلها يجنن وفعلا تستاهل التعب
ابتسم يوسف ولم يعلق ثم أشار لها قائلا:
البيت هناك أهو.

نظرت نور الى حيث يشير يوسف وهى لا تصدق عينيها، كان المنزل أشبه بالقصور، تشعر تجاهه بالرهبة ونظرت الى كرمة التى تبدو على ملامحها الدهشة ثم نظرت مرة اخرى باتجاه المنزل وتوقفت السيارة وترجلوا منها ونظرت نور باتجاه سيدة تقف على الباب، كانت سيدة جميلة رغم سنوات عمرها التى تعدت الستون، تبدو على ملامحها الطيبة والسعادة، تنظر الى نور وكرمة بلهفة، ترقرقت الدموع فى عينى نور ثم مالبثت ان انطلقت الى احضان جدتها التى غمرتها قائلة:.

حبيبتى يانور، ياريحة الحبايب، وحشتينى ياقلبى
قالت نور من خلال دموعها:
وانتى بردو ياتيتة، وحشتينى قوى، ياريتنى عرفتك من زمان، انا كنت خلاص اتعودت انى ماليش اهل، لولا جوابك اللى رجعلى السعادة من تانى
ابتسمت جدتها وهى تمسح دموعها قائلة:
وانتى كمان ياحبيبتى رجعتى الفرحة على بيتنا من تانى، كنت خايفة متجيش واديكى جيتى ونورتى حياتى.

ابتسمت نور فى سعادة وتنبهت الجدة الى كرمة التى غمرت عيناها الدموع تأثرا بذلك المشهد فقالت:
اعذرينا يابنتى، سعادتى بنور نستنى ارحب بيكى، اهلا بيكى حبيبتى نورتينا
ابتسمت كرمة قائلة:
ده نورك ياتيتة تسلمى
ابتسمت الجدة فى حنان ثم نظرت الى يوسف الذى كانت نظراته على نور فاتسعت ابتسامتها وهى تقول:
هات الشنط يايوسف، وتعالوا ياولادى ندخل جوة. اكيد عندنا حكايات كتير مشتاقين نحكيها لبعض، يلا بينا.

دلفوا جميعا الى المنزل وبداخل كل منهم مشاعر جياشة يحاولون احتوائها والتعامل معها والشعور الغالب عليهم هو السعادة، سعادة انتظروها كثيرا وآن لها ان تظهر.

جلست مريم تنقر بقلمها على سطح مكتبها فى شرود، لم تفق بعد من صدمتها منذ أن علمت من هو رئيسها الجديد، هل هى صدفة أم قدر؟
من بين كل الناس، يكون هو وهو فقط من يشترى الشركة التى تعمل بها من مالكها القديم، ليصبح هو رب عملها ورئيسها المباشر، هو من كان سبب دمار حياتها، وهو أيضا من منحها سببا لتعيش من أجله، هو، عمر، عمر الجمال.

رجعت مريم بذاكرتها لخمس سنوات مضت، عندما كانت تعمل سكرتيرة شخصية لمدير المبيعات فى شركته، لطالما كان عمر فارس أحلامها، تراه من بعيد، تتأمله فى اعجاب صامت تخفيه عن الجميع، كانت سعيدة بخيالها الذى يجمع بينهم، وكانت سعيدة بتلك اللحظات التى تحظى فيها برؤيته ولو من بعيد، حتى كان ذلك اليوم الذى زادت فيه تحرشات عماد رئيسها فى العمل مما أدى بها الى صفعه فطردها، لم تهتم، نعم حرمت من سعادتها الخيالية ولكنها لم تعد تحتمل ذلك المدعو عماد، كل الشركات التى تقدمت اليها للعمل رفضوها لأنهم عندما يتحدثون الى مديرها السابق يسمعون عنها أشياء مشينة، ومع رفض آخر طلب لها اتخذت قرار بأن تشتكى عماد لرئيس الشركة، عمر، فلم يعد لديها ملجأ آخر والمال بحوزتها يكاد ان ينفذ، ولكن هل تستطيع مواجهته دون ان تظهر عليها مشاعرها؟، كانت مخاطرة لابد وان تقوم بها، منعت من الدخول الى الشركة بسبب عماد فسألت عن عنوانه حتى توصلت اليه، وهاهى تقف امام باب شقته، ينتابها التردد، تتسائل عن صحة ما تفعله، أخذت نفسا عميقا ودقت جرس الباب، لتفاجأ بعمر يفتح لها الباب بنفسه فالتقت عيناها الزرقاوتان بعينيه الخضراوتين والتى لطالما جذبتاها ولكن تلك هى المرة الاولى التى تراهما بهذا القرب، انتابتها القشعريرة وهى تراه يتأمل ملامحها وألجمتها الصدمة تماما حين سمعته يقول:.

تتجوزينى؟
توقفت دقات قلب مريم لتعود مرة أخرى للحياة وهى تقول فى دهشة:
انت تعرفنى؟
كاد ان يقع فأمسكت يده تسنده فاستند الى يدها ناظرا اليها مرة أخرى قائلا فى تصميم:
تتجوزينى؟
احست مريم ان عمر ليس طبيعيا بالمرة بنظرات عينيه الزائغة وكلمته الثقيلة ولكن احساسها بقربه ولمسته طغيا على تفكيرها فقالت وهى تنظر اليه فى حيرة:
بس...
وضع يده على فمها قائلا:
مفيش بس، هبعت أجيب المأذون.

كان عقل مريم يصرخ بها رافضا كل مايحدث، ولكن قلبها يصرخ مطالبا اياها بالرضوخ والموافقة لتصير احلامها والتى كانت تظنها دربا من الجنون حقيقة، وبالفعل وافقت وجاء المأذون والشهود، وتزوجا ليعيشا سويا ليلة من ليالى الف ليلة وليلة.

فى اليوم التالى استيقظت مريم لتراه نائما بجوارها يحيطها بزراعيه فابتسمت بخجل وهى تتذكر تفاصيل ليلتهما الرائعة، قبلته فى وجنته قبلة خفيفة، وقامت لتأخذ حماما وبما انها لم تحضر ملابس اخرى لها لذا ارتدت ملابسها التى جاءت بها وعند خروجها لم تجد عمر فى الحجرة، لبست حجابها واستعدت للخروج لتبحث عنه حين وصلها صوته يقول فى حدة:
معرفش، قلتلك معرفش.

استمعت مريم لصوت آخر يحادث عمر، صوت تعرفه جيدا انه، عادل، صديق عمر وابن خالته وشريكه بالعمل يقول بغضب:
يعنى ايه ياعمر، ازاى متعرفش؟
ظهر الغضب ايضا فى صوت عمر وهو يقول:
معرفش وخلاص ياأخى، معرفش مين دى، مش فاكر حاجة خالص
وضعت مريم يدها على فمها لتكتم شهقة كادت ان تخرج منها وهى تستمع اليه يستطرد قائلا:.

انبارح زى ماانت عارف كانت الذكرى السنوية الاولى لوفاة بابا وانت عارف اليوم ده كان صعب اد ايه بالنسبة لى، شربت، عارف انى اتنيلت غلط لما شربت وخصوصا انها اول مرة فى حياتى اعمل حاجة تغضب ربنا، بس اللى مكنتش اتخيله، انى اغضبه اكتر واجيب واحدة من الشارع فى بيتى واعمل اللى عملته ده ياعادل، دى مش اخلاقى.

انهمرت الدموع من مريم، اذا هو لا يتذكر زواجهما، لا يتذكرها هى حتى، كان طلبه الزواج منها وهو مغيبا من تأثير الخمر، كانت تظن ان كلماته مزقت قلبها ولكن كلماته التالية حولته لأشلاء وهو يستطرد قائلا:
اهم حاجة دلوقتى ياعادل تخلصنى م البلوة اللى جوة دى، انا هروح آخد شاور فى الحمام التانى وانت مشيها، اديها فلوس، اى حاجة، مش مهم، المهم انى مش عايز أخرج ألاقيها قدامى، انا مش مستعد أشوف الأشكال دى.

انهمرت دموع مريم وهى تنعى حبا ولد ليموت على يد حبيبها، ولكنها هى من أخطأ، لقد حكمت قلبها وألغت عقلها، وكان هذا هو عقابها، تمالكت نفسها بقوة فلابد لها من لملمة أشلاء قلبها لتخرج من تلك الحجرة التى تذكرها بمشاعرها الخائنة، مسحت دموعها وخرجت من الغرفة لتواجه عادل الذى عقد حاجبيه فى دهشة عندما رآها، شعرت أنه يعرفها، فأخفضت بصرها للحظة ثم مالبثت ان رفعت عينيها لتواجه عينيه فى إباء وعندما حاول ان يتكلم أشارت اليه بيدها كى يصمت قائلة:.

أرجوك، أنا سمعت كل حاجة وكل اللى انا طالباه دلوقتى انى اخرج من المكان ده حالا
اومأ عادل برأسه وقد ظهرت الحيرة على ملامحه، فاتجهت إلى باب الشقة وعيناه تتابعانها فى صمت وكادت أن تخرج من الباب، ولكنها توقفت والتفتت اليه قائلة فى حزن:
زى ماهو مش فاكرنى، أنا كمان مش عايزة أفتكره، وياريت ياأستاذ عادل أفضل شخصية مجهولة بالنسبة له.

اومأ عادل برأسه متفهما، فالتفتت مغادرة الشقة وهى تجر خطواتها جرا، لا تدرى كم لبثت فى شقتها تبكى حالها، ربما يومين، ثلاثة، لا تذكر حقا، وحين استطاعت تمالك نفسها قررت الرحيل عن تلك المدينة التى ذاقت فيها عذاب الحب، قررت الرحيل الى الاسكندرية لتعيش مع ابنة عمها ندى، ربما تبدأ من جديد فى مكان آخر، ربما تستطيع ان تنسى هى الأخرى، وبالفعل سافرت الى الاسكندرية، وهناك بدأت تبحث عن عمل حتى وجدته فى تلك الشركة التى تعمل بها الآن، وبعد مرور شهرين اكتشفت المصيبة الكبرى، هى حامل، نعم، تحمل فى أحشائها طفل عمر، ألجمتها الصدمة وكادت أن تجهضه، لولا قلبها الخائن الذى رفض أن يتخلى عن الشئ الوحيد المتبقى لها منه، ولولا وقوف صديقتيها نور وكرمة الى جوارها، فتركت طفلها ينمو وينمو معه الأمل فى سعادة مفقودة، وجاء سيف الى الدنيا، ليعيد لمريم ضحكتها، نسخة مصغرة من أبيه، يحمل نفس عينيه، وجهه يحمل لها ذكريات ماض لا تستطيع نسيانه وسعادة حاضر تضغى على مرارة الذكريات، وبعد مرور السنوات، وبعد ان ظنت أنها دفنت ذكرياتها فإذا بنبأ عودة عمر الى حياتها يعيد لها الذكريات، وتساءلت ماذا يجب عليها أن تفعل، هل تستقيل من الشركة بعد ان اثبتت جدارتها واستحقت ان تكون السكرتيرة الأولى لرئيس الشركة؟هل تبدأ من جديد؟أم تبقى لتواجهه وتجازف باكتشافه لابنهما سيف، ولكنها نفت امكانية حدوث ذلك، فهو لا يتذكرها فكيف سيربط بينه وبين ولدهما، كما انها لا تستطيع ان تفكر ايضا فى استقالتها فلديها التزامات مالية كبيرة، حضانة سيف الخاصة واقساط السيارة الجديدة، لذا أيقنت أن الحل الوحيد لمشكلتها هو البقاء والمواجهة ولكن هل ستستطيع مواجهة عمر؟وهل حقا ماتت مشاعرها تجاهه؟أحقا لم يعد يمثل لها شيئا؟أم أن رماد مشاعرها قد يشعله لهيب قربه؟إنها حقا لا تدرى...

أخبارك ايه ياروما؟
نطقت نور بذلك السؤال فى مرح عبر الهاتف لترد عليها مريم قائلة فى توتر لمسته نور على الفور:
القدر مش سايبنى فى حالى يانور، مصر يلعب لعبته معايا
قالت نور بتوتر:
مالك بس ياقلبى، احكيلى علطول
تنهدت مريم وهى تقول:
هحكيلك يانور، هحكيلك على كل حاجة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة