قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية لعبة القدر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

ياحبيبتى ياروما
قالت كرمة تلك العبارة فى أسى بعد ان استمعت لما يحدث مع صديقتهما من نور، لتقول مستطردة:
طب وبعدين يانور، حكايتها عقدت اوى واحنا دلوقتى مش جنبها عشان تستقوى بينا
زفرت نور قائلة:
مكنش أدامى غير انى اساندها بالكلام، شجعتها وقلتلها ان هى أد أى حاجة وانها مش ضعيفة وتقدر تواجه المستحيل، تقدر تواجه ماضيها وتتحداه بس بردو قلبى مش مطمن ونفسى اسافرلها بس انتى عارفة حالة تيتة الصحية وتعبها.

اومأت كرمة برأسها قائلة:
مع الاسف، كان نفسى نكون جنبها ونردلها شوية من جمايلها اللى فى رقابتنا، ده لولا وقفتها جنبنا فى محنتنا كنا ضعنا، هى كانت صحيح جارتنا بس فى فترة قصيرة بقت قريبة مننا اوى، مريم مش بس صاحبتنا، مريم أخت لينا واكتر
أومأت نور برأسها فى شرود تتساءل عن حالة مريم وكيف تتعامل الآن مع عمر ومع ذكرياتهم المريرة معا.

جلس يوسف على الكرسى فى الحديقة شاردا فى افكاره التى تدور كلها حول نور، تلك الفتاة ذات العينين الخضراوتين والتى سلبت لبه منذ النظرة الأولى بجمالها ورقتها وزاد تعلقه بها فى الأيام القليلة الماضية وهو يرى طيبتها وحنانها وطريقتها العذبة فى التعامل مع الجميع بما فيهم عمال المزرعة، وأكثر ماجذبه اليها هى تلك النظرة الحزينة والتى تظهر احيانا فى عينيها والتى تحاول ان تخفيها عن جدتها ولكن هو فقط من يلمحها فيجد قلبه وقد اعتصر ألما عليها، يود لو يقبل تلك العينين ليمحى ألمهما ويبدل حزنهما الى سعادة، عقد يوسف حاجبيه فى حيرة وهو يتساءل، كيف تطورت به مشاعره من رجل كره النساء الى عاشق محب.

نعم هو عاشق، يجب ان يعترف لنفسه بذلك، عشق نور، ينتظر كل يوم بلهفة طلتها المرحة وابتسامتها المشرقة ومزاحها الرقيق مع جدتها وصديقتها، يعشق تفاصيلها ويدق قلبه بشدة عندما تتلاقا عيناهما، شعور قوى ينتابه لأول مرة. لقد كان يظن انه احب من قبل ولكن شعوره الذى يتملكه الآن يفوق كل ماأحس به تجاه اى فتاة، يشعر بأنه خلق لها وهى خلقت له، يغار عليها من الهواء الذى يمر بخصلات شعرها فيجعله يتطاير حول وجهها بنعومة ويجعله يتنشق عبيرها الرائع ولكنه يشعر بأنها لا تبادله مشاعره، تتجنب الاحتكاك به او التقاء عينيه بعينيها، يحتار فى تصرفاتها والتى تبدوا وأنها تخصه بها وحده، عليه ان يفاتحها بما عزم عليه ورغبة جدتها فى تزويجهما، والليلة.

كانت نور تجلس مع كرمة شاردة فى أفكارها حتى قاطعتها كرمة قائلة:
مالك يانؤنؤ، فيكى ايه ياقلبى؟
أفاقت نور من شرودها قائلة:
مفيش حاجة ياكارو أنا تمام قوى
كرمة:
لأ، فيه حاجة شاغلة بالك، لسة بتفكرى فى مريم
قالت نور فى هدوء:
لأ، كلمتها واطمنت عليها من شوية، عمر لسة مظهرش، وهى الحمد لله نفسيتها أحسن
قالت كرمة:
الحمد لله
واستطردت فى اصرار قائلة:
بس انتى فيكى حاجة، انتى مش متعودة تخبى علية حاجة؟

نور وهى تخفض بصرها قائلة:
مفيش حاجة صدقينى، كله تمام
كرمة وهى تدقق النظر فى وجه نور قائلة:
يوسف!
ارتفع بصر نور فى سرعة فالتقت عيناهما فقالت:
تقصدى ايه؟
نظرت كرمة مباشرة فى عينى نور قائلة:
انا حاسة بيكى، انتى مش بس صاحبتى انتى توأم روحى، يوسف موترك، بتتجنبى تشوفيه، مبتخليش عينك تيجى فى عينيه، خايفة من اهتمامك بيه، صح؟
ترقرقت الدموع فى عينى نور وهى تقول:.

ازاى تقولى كدة ياكرمة، انا اهتم بيوسف؟، مستحيل طبعا، انا عمرى مااهتميت بحد غير حازم، حازم ده حب الطفولة، حبيبى الوحيد، الموضوع كله انى حاسة ان يوسف هو اللى مهتم بية، نظراته بتوترنى، خايفة يزيد اهتمامه بية، بحترمه وبقدره زى أخ، صديق، مش عايزة اجرح شعوره، خايفة اخسر عيلتى ياكرمة
ربتت كرمة على يد نور قائلة:
لازم تنسى حمزة يانور، لازم تفتحى قلبك للحب من تانى
انتفضت نور وهزت رأسها بقوة وهى تقول:.

بطلى بقى تقولى كدة، وبعدين انتى ازاى اصلا تقوللى الكلام ده، انتى عارفة انى مقدرش، فاهمة مقدرش، انا مش عارفة انتى جرالك ايه؟
وانصرفت غاضبة وعينا كرمة تتابعانها قائلة:
لازم اخليكى تفوقى من اوهامك يانور وتفتحى قلبك للحياة والحب، لازم اعمل حاجة...
قاطعها صوت يقول فى سخرية:
ممكن أعرف حضرتك مين وبتعملى ايه هنا؟

التفتت كرمة الى صاحب الصوت فى حدة فوجدت شاب يبدو فى اواخر العشرينات من عمره، طويل القامة ذو جسد رياضى يحدق بها بعينين رماديتين ساخرتين أثارا فيها مشاعر مختلفة، أحست بلسانها يعجز عن الكلام ولكنها تداركت نفسها قائلة:
انت اللى مين وعايز ايه؟
اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول:
حضرتك فى بيتى وانا اللى من حقى أسألك
نظرت اليه كرمة فى دهشة قائلة:
انت آسر؟
عقد آسر حاجبيه قائلا:
انتى تعرفينى؟
تلعثمت كرمة قائلة:.

ها، آه، أصل، يعنى، أنا كرمة صاحبة نور بنت عمك
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول:
مين؟
قاطعته الجدة قائلة:
دى حكاية طويلة هحكيهالك بعدين، حمد الله ع سلامتك ياآسر
أسرع آسر الى جدته يقبل يديها وهو يقول فى حنان:
وحشتينى ياتيتة
ربتت الجدة على رأسه قائلة فى حنان:
وانت كمان ياحبيبى وحشتنى قوى، تعالى جوة هحكيلك على كل اللى فاتك، فيه حاجات كتير محتاجين نقولها تخص مستقبلكم ياعيلة الغازى، تعالى انتى كمان ياكرمة.

قالت كرمة:
لا خليكوا براحتكم ياتيتة، انا هتمشى شوية
قالت الجدة بحنان:
على راحتك يابنتى، بس متتاخريش
اومأت كرمة براسها، وغادرت لتتابعها عينا آسر، تتبعت الجدة نظرات آسر لتتسع ابتسامتها فى خبث قائلة:
مش يلا ندخل ياحبيبى
أفاق آسر من شروده قائلا:
آه، يلا ياتيتة
وأمسك بيدها وهم يدلفوا الى داخل منزلهم الجميل.

انت بتقول ايه، انت اتجننت؟
نطقت نور بتلك العبارة فى صدمة فانعقد حاجبى يوسف فى غضب وهى تستطرد قائلة:
جوازى منك مستحيل، فاهمنى، مستحيل
حاول يوسف ان يرسم قناع البرود رغم تأجج مشاعره الغاضبة وهو يقول:
ايه بقى اللى خلاه مستحيل؟
نظرت اليه فى غضب قائلة:
عشان بحب واحد تانى، ياترى رجولتك هتقبل بواحدة قلبها ملك غيرك؟

انعقد حاجبى يوسف فى صدمة من كلمات نور التى حطمت قلبه الى فتات، لقد أعاده حبها الى الحياة، ثم اذا بكلماتها تقتله من جديد، وتساءل فى سخط عن ذلك الشخص الذى امتلك قلبها؟، سؤال تأجج داخل قلبه المفطور وترجمه لسانه ليقول فى غضب:
مين ده؟مين اللى بتحبيه يانور؟وليه لغاية دلوقتى ماارتبطوش؟
ظهرت تلك اللمحة من الحزن داخل عينيها وامتلأت عيناها بالدموع، ثوان ادمت روحه، لترسم قناعا جليديا على وجهها وهى تقول:.

مش من حقك تسألنى الاسئلة دى
عقد حاجبيه قائلا بصرامة:
بالعكس ده اكيد حقى مادام رفضتينى.

عبر عينيها ذلك الحزن مجددا وعينيها تمتلئ بالدموع قبل ان تستدير مغادرة المكان تاركة اياه يتساءل عن سر حزنها، وسر ذلك الحبيب الذى امتلك فؤاد محبوبته، لماذا هما مفترقان، هل آذاها؟، هل هو بانتظارها بالاسكندرية حيث كانت تقطن؟كيف استطاع ان يفارقها، لو كان مكانه ما تركها ابدا، كان سيخفيها داخل قلبه للأبد، أحس بالضياع عند تلك اللحظة، هل تحول حبه الى ماض، زكرى يعيش عليها؟أنقذه من ذلك الضياع صوت كرمة يقول:.

هتستسلم؟
نظر اليها فى حيرة قائلا:
وهعمل ايه؟قلبها ملك واحد تانى
ظهر الحزن فى عينى كرمة مما اثار دهشة يوسف وانتظرت كرمة ثوان تغالب دموعها قبل ان تقول:
الواحد ده معتش موجود فى الدنيا دى، بقى زكرى، حلم مستحيل، اما انت فحبك واقع والواقع هو اللى بيفوز
نظر اليها فى لهفة قائلا:
تعرفيه؟
اومأت كرمة برأسها فى حزن قائلة:
كان اخويا
ازدادت دهشة يوسف وقال فى حيرة:
كان!
قالت كرمة فى شرود حزين:.

ايوة. حازم كان اخويا وصديق طفولة نور، حبوا بعض من وهما لسة فى كى جى، كنا فرحانين قوى بالرابط اللى بيربطهم ببعض، كانوا زى التوأم، ولما حبهم كبر وكانت النهاية الطبيعية ليه الارتباط، اتخطبوا وبعدها بايام، اتقلب كل الفرح لحزن، مات أخويا مع بابا وماما فى حادثة عربية، نور جالها انهيار عصبى، تعبت كتير وعانت كتير ولولا وجودى ووجود واحدة صاحبتنا اسمها مريم، ووقوفنا جنبها لغاية مااتخطت المحنة دى، كان ممكن تإذى نفسها، بعد كدة قفلت ع قلبها ونفسها، بقت واحدة تانية خالص لغاية لما جالها جواب جدتك، حسيت بيها بترجع من تانى، بترجع نور اللى طول عمرى عارفاها، بس وهى بينكم فى المكان ده.

ثم نظرت مباشرة الى عينيه المصدومتين قائلة:
نور محتاجالكم قوى يايوسف، محتاجة لحبكم عشان تخرج من احزانها محتاجة لحبك انت بالذات
استمع اليها يوسف وبداخله بركان من المشاعر حزن على مامرت به نور واملا فى حبها وقد ايقن ان غريمه فى حبها لم يعد ع قيد الحياة
نظرت اليه كرمة قائلة:
ها يايوسف هتحارب ولا تستسلم؟
نظر الى عينيها فى حيرة قائلا:
مش عارف، ازاى هحارب زكرى، ازاى هحارب شبح واحد ميت؟
ابتسمت فى حزن قائلة:.

بتحبها؟
شردت عينيه تستحضر ملامحها، ضحكتها، روحها فقال فى هيام:
بعشقها
اتسعت ابتسامتها قائلة:
يبقى هتحارب وتفوز كمان
ابتسم قائلا:
معاكى حق، هحارب وافوز باذن الله
ثم استطرد قائلا:
انتى انسانة جميلة أوى ياكرمة، انتى الاخت اللى طول عمرى بتمناها
اتسعت ابتسامتها وهى تقول:.

وانت كمان يايوسف، شايفة فيك الأخ اللى وجوده عوضنى عن حرمانى من اخويا الوحيد، ولولا احساسى بحبك الكبير لنور مكنتش هساعدك ابدا، نور تستحق الحب، وتستحقه من واحد زيك، انا حاسة بده هنا وهنا.

وأشارت الى قلبها وعقلها، اتسعت ابتسامة يوسف وظهر فى عينيه التصميم، كانا غافلين عن عين تراقبهما من بعيد، عين ساخرة تنظر الى هذا اللقاء وتظنه لقاء بين حبيبين، ليتاكد ان كل النساء سواء، خائنات، فها هى كرمة ورغم معرفتها بزواج صديقتها من يوسف تحاول ان تجتذبه اليها، هز رأسه فى غضب قائلا:
كلهم خاينين ياآسر، اوعى فى يوم تنسى ده، اوعى.

كانت مريم تخطو إلى داخل بهو الشركة ينتابها التوتر والقلق، اليوم ستقابله، ستعيد فتح جراحها من جديد. كيف ستتعامل معه؟بالله كيف وافقت أن تستمر بالعمل وتعيش تلك الجراح من جديد.

كادت أن تستدير لتغادر الشركة ولكنها مالبثت أن توقفت، تذكرت كلمات صديقتها نور، انها لم تكن أبدا بهذا الضعف، يجب أن تكون قوية من أجل طفلها، هى لم تعد تلك الفتاة الساذجة التى كانتها، انها الآن أقوى آلاف المرات مما كانت عليه أبدا، ولن تضعف الآن، توجهت مرة أخرى الى المصعد لتدلف الى مكتبها بتصميم، فوجدت سعاد، تلك الموظفة الجديدة فى الحسابات تقابلها بلهفة قائلة:
وصل يامريم، وصل، المدير الجديد وصل.

ازدادت دقات قلب مريم وحاولت ان ترسم اللامبالاة على وجهها قائلة وهى تنظر الى ساعتها:
بدرى كدة؟
قالت سعاد فى هيام:
ياااه على جماله، ولا نجوم السينما، يابختك يامريم، هتشوفيه ليل ونهار، هيكلمك وتكلميه وتقعدى معاه...
قاطعتها مريم فى حدة وقد اشتعلت عيناها غضبا قائلة:
ايه اللى انتى بتقوليه ده؟احنا جايين نشتغل، نشتغل وبس، اتفضلى ياأستاذة على شغلك
غادرت سعاد الحجرة وهى تقول فى غل:.

ايه البنى آدمة دى، هى فاكرة نفسها مين؟أنا غلطانة أصلا انى وقفت واتكلمت معاها.

ترددت مريم كثيرا فى دخول مكتب عمر ولكنها حسمت أمرها ومالبثت أن طرقت الباب وما ان سمعت صوته يأمرها بالدخول حتى توقفت أنفاسها من جراء سماعها لصوته الذى لطالما اشتاقت اليه فأخذت نفسا عميقا ثم دخلت فوجدته يجلس على كرسيه معطيا اياها ظهره ومتأملا الخارج من خلال النافذة الزجاجية التى تقع خلف مكتبه، أخذت نفسا عميقا آخر ثم قالت:
أهلا بيك يافندم، أنا أبقى سكرتيرة حضرتك، مريم
سمعته يقول بصوته الرخيم:.

سمعت عنك كتير من الأستاذ حمدى
ثم التفت اليها بكرسيه اليها قائلا:
والحقيقة انه...

توقف عن الكلام متأملا اياها فى دهشة، كانت ملامحها الرقيقة مألوفة اليه بشكل ما، بتلك العينين الزرقاوتين وذلك الوجه الدائرى الرقيق وذلك الثغر الشهى كحبة الكرز، نعم تبدو مألوفة اليه بطريقة عجيبة بل يكاد يقسم أن شعرها الذى تخفيه خلف حجابها فى لون أشعة الشمس المشرقة، مهلا للحظة، انها هى فتاة أحلامه التى تراود أحلامه منذ سنوات، نعم ولكنها صارت أجمل وأنضج فى الواقع، وتساءل فى صمت، هل هو القدر الذى جعل فتاة احلامه حقيقة تقبع على بعد خطوات منه؟أم ماذا؟ تعجب عمر من ازدياد خفقات قلبه وهو ينظر الى تلك العينين اللتين تحملان الآن نظرة غريبة، هل مايراه الآن فى عينيها مزيجا من الشوق والعتاب، لماذا؟ولم تحولت ملامحها الآن الى البرود وهى تقول مقاطعة تأمله لملامحها:.

إنه إيه يافندم؟
ابتلع ريقه قائلا:
ها، آه، كنت بقول انه وصى عليكى جامد ويشرفنى انك تكملى شغلك معايا
اومأت برأسها قائلة فى برود:
الشرف ليه يافندم، أى أوامر تانية؟
تحاشى عمر النظر اليها قائلا وهو ينظر الى الملفات التى أمامه:
ياريت تجيبيلى ملف الشركة المتحدة وملاحظاتك عليها
التفتت مريم مغادرة الحجرة فى هدوء قائلة:
تحت أمرك.

ثم أغلقت الباب خلفها وعينا عمر تتابعانها فى حيرة، تنتابه تساؤلات عديدة، لماذا هى بالذات من تظهر فى أحلامه، لقد كانت هى السبب فى عدم ارتباطه حتى الآن، كلما عرضت عليه والدته فتاة للزواج قارنها بفتاة أحلامه لتفوز فتاة أحلامه وبجدارة، أغمض عينيه وهو يحاول ان يتمالك نفسه ويهدئ من دقات قلبه المتسارعة، لابد وأن يعرف عنها أكثر، وبسرعة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة