قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل العاشر

- الحقني يا عمر، الحقنييي
صراخها جعله ينتفض، ترجل من السيارة بقوة وهو يسألها بقلق
- في اية؟ حصل اية؟
في الحقيقة لم يكن ينتظر رداً منها ليتحرك، فقد اتجه بخطوات سريعة لداخل المبنى وسرعان ما تحولت لركض حين انقطع صراخها وأُغلق الخط، لم ينتظر وصول المصعد الكهربائي بل اتجه لدرجات السلم صاعداً اياها كل اثنين معاً حتى وصل للطابق المطلوب، حرك نظراته الحادة حوله باحثاً عن الشقة رقم 10 وقد وجدها.

طرق على الباب طرقاً عنيفاً يكاد يكسره، لم يتحمل الانتظار فقد ابتعد لينقض على الباب دافعاً اياه بقوة ليُفتح على مصرعه، صعدت الدماء لرأسه حين سمع صوت صراخها الذي من بينه تُخرج كلمات مُتقطعة
- ابعد عني، يا حقير، ابعد، أبعد
هرع لمصدر الصوت ووصل للغرفة، توقف بصدمة وهو يرى ذلك الرجل يعتليها مُحاولاً نزع سترتها بالكامل، عصف صوت عمر الغاضب في المكان
- أبعد عنها يا.

مع نهاية قوله كان قد انهضه بعنف مُديره له ليقابله سريعاً بلكمة قوية جعلته يرتد للخلف، توالت ضرباته العنيفة للرجل المخمور والذي يضحك مع كل ضربة مما يزيد غضب عمر.

رفعت يارا جسدها ببطء وهي تتألم اثر سقوطها القوي، اخذت تنتحب بقهر وهي ترى تمزق ذراع سترتها، لماذا تتعرض لكل هذه المواقف الصعبة والمثيرة للشفقة!، رفعت نظراتها المهتزة ناحية عمر المنقض على الرجل، تكاد تلمح وجه الرجل الحقير الذي تزين بالدماء، يستحق اكثر من ذلك.

ابتعد عمر عنه وهو يلهث بخشونة، استدار لينظر لها، مسح وجهه بكفه بعنف، يشعر بالذنب لانه رفض ان يصعد معها، إذ لم يتركها تصعد بمفرده لِما كان حدث هذا، تقدم منها ليجثو امامها، مد كفه ليبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها ويرتبه بحنان، تأملها بعيون مُتألمة وهو يرى ارتجاف شفتيها الزرقاء ولون بشرتها الشاحب، للمرة الاولى يراها بهذه الهشاشة والضعف، سألها بقلق وهو يتفحصها
- عملك حاجة؟، أذاكي؟

هزت رأسها مُجيبة اياه ب لا، تنهد براحة وهو يمسح دموعها بلطف، نهض والتقط حقيبتها ثم عاد لها ليجدها تحاول الوقوف فأسرع ليحملها بين ذراعيه بسهولة، تعلقت عينيه بخاصتها التي بدت انها تُعاتبه هو، وتأكد حين قالت من بين شهقاتها الخفيفة
- كل دة بسببك، انت قولتي شقة عشرة
لكنه لم يفهم، فطلب توضيح
- دي مش شقة قريبة ماما سهام، شقة عشرين مش عشرة
إذا انه غلطه بالكامل، ازدرد ريقه بتوتر واعتذر بصدق.

- اسف لانك اتعرضتي لحاجة زي دي بسببي
اردف بتوعد اسود
- ومتقلقيش هربي الحيوان دة ومش هسيبه
هزت رأسها بالإيماء ودموعها تتجمع من جديد في مقلتيها، أسندت رأسها على كتفه وهي تبتسم بإمتنان لإنقاذه لها ولضربه المُبرح لذلك الحقير وأخذ حقها.
وضعها داخل السيارة برفق، وضع حزام الأمان حول خصرها ثم رفع كفه ليمسح دموعها مجدداً، اخبرها بخفوت
- هرجعلِك تاني
امسكت ذراعه بجزع وهي تسأله بهمس ضعيف
- رايح فين؟

- هعمل حاجة وجي، متخافيش
ربت على كفها ليُطمأنها قبل ان يبتعد ويعود لداخل المبنى.

أغمضت يارا جفنيها وهي تشعر بإرتجافها التي مازالت تحاول التحكم به، كم كانت لحظات صعبة قاسية عليها، مجرد تذكرها لمحاولته للمسها وتخلصه من ملابسها تجعلها تشعر بالغثيان والخوف الشديد، انتفضت من اهتزاز هاتفها بجوارها، تنفست بقوة وهي تلتقطه، نظرت للشاشة بفتور، انه رقم والدها، ماذا تفعل؟، لم تكن تنوي مقابلته وتشعر بعدم قدرتها الان لفعل ذلك لكن، هناك صوت بداخلها يخبرها ان تذهب لمقابلته.

رفعت الهاتف لأذنها وظلت صامتة تستمع لصوته الذي جعلها تبكي بصمت وحنين
- فينك يا يارا يا حبيبتي؟، انا وصلت ومستنيكِ
وضعت كفها على شفتيها تكتم شهقاتها، همست بداخلها بإحتياج
- ب، ابا
طال صمتها فسأل بحيرة
- يارا!، سمعاني؟
ازالت كفها وهي تحاول اخراج حروفها بثبات
- في الطريق اهو
لا تعرف لمِ اخبرته بذلك، هل قررت الذهاب اليه حقاً!، استمعت لرده
- ماشي متتأخريش
- حاضر.

انهت المكالمة ودون تفكير كانت قد ترجلت تاركة هاتفها، اخذت فقط النقود حتى تشتري لها سترة بدلاً من هذه التي مُزِقت.

حين تركها عمر مُتجهاً للمبنى كان قاصداً شقة ذلك الحقير، فلم يهدأ غضبه منه، وأثناء صعوده كان قد اتصل بالشرطة، لكنه لم يكتفي.
توقف سانداً جسده على إطار باب الغرفة يتابع ذلك الحقير بحدقتين مظلمتين وهو يحاول ان ينهض.
- قوم، يلا قوم.

صوته القوي القاسي دوى في الغرفة، ابتعد بعد لحظات بجسده عن الباب ليتقدم للاخر بخطوات بطيئة، بدى كالأسد الذي يكاد ان ينقض على فريسته، صرخ فجأة بهياج وهو يركل جانبه بطريقة وحشية لتفشل محاولته الشاقة في النهوض
- دي عشان فكرت بس تأذيها
ركله الركلة الثانية في جانبه الاخر وهو مازال يصرخ بغضب اسود
- ودي عشان لمستها.

كان يلهث بخشونة وهو يتذكر تلك الصورة البغيضة الذي رأها فور دخوله سابقاً، نظرات عدوانية شرسة ستفتك به حتماً مع اخر ركلة وجهها لرأسه ليفقد الاخر الوعي تماماً ويصل هو لنهاية غضبه.
- وكدة خدت حقها
استدار مُغادراً لكنه لن يغادر بسلام، امسك بعصا ليحطم كل ما هو قابل للكسر اثناء خروجه.

وصل للاسفل وتقدم من سيارته، دُهش حين لم يجدها داخل السيارة، اين ذهبت؟، اخرج هاتفه ليتصل بها لكن ضوء هاتفها في مقعدها جذب انتباهه، لقد تركته!، ضرب باب السيارة بغضب، اين سيبحث عنها الان وكيف سيصل اليها وهي بتلك الحالة!، تباً لها ولقلقه عليها.

في المطعم
توقفت يارا حائرة تنظر حولها، اين والدها؟ كيف ستتعرف عليه وهي لا تتذكر ملامحه حتى!، شعرت بخيبة امل سرعان ما تحولت لإضطراب حين وقف رجل يبدو عليه الكِبر ينظر لها من بعيد وكأنه يتأكد من معرفته لها وخلال ثوان كان قد رفع ذراعه ليدعوها، فعلمت انه هو، والدها.

تحركت بعد لحظات في اتجاهه وهي تستمع بدقات قلبها التي تضطرب اكثر وأكثر مع كل خطوة تخطوها اليه، هل ستقابل والدها اخيراً!، توقفت امامها بتردد، كم تريد الهرب الان.
- بنتي
ابتسم بسعادة وهو يتأملها، اندفع ليعانقها بقوة وإشتياق، كم كلن عناقه دافئ ام من احتياجها اليه تخيلت ذلك!، سالت دموعها على وجنتيها بتأثر وهي تبادله العناق هامسة بتعب
- بابا.

لقد نست بل تناست كل سيء قد فعله، تريد ان تشعر بوجوده بجانبها في يوم بغيض قد مرت به، ابتعدت وهي تمسح دموعها التي لم تتوقف، سحب كفها واجلسها بجواره، قال براحة
- كنت خايف متجيش، بس جيتي الحمدالله
ابتسمت بجهد، سألته عن حاله برسمية لم تستطع تخطيها
- حضرتك عامل اية؟
- بعد ما شوفتك بقيت كويس
سألته بفضول بعد صمت
- عرفتني ازاي؟، يعني ازاي عرفت اني انا يارا لما دخلت!
- شوفتك مرتين قبل كدة
عقدت حاجبيها مُتسائلة.

- امتى؟
- عند بيتنا، اللي كان بيتنا وشوفتك بالصدفة هناك..
اردف وهو يتلمس وجنتها بحنان
- على فكرة انتِ متغيرتيش خالص
لم تستمتع لقوله الاخير فقد علقت بذلك التناقض التي لم تستطع ان تغفل عن رغم تعبها،
- بس انت قولتلي انك دورت كتير على رقمي و..
قاطعها بتلعثم بعد ما فهم ما تريد قوله
- ايوة فعلاً دة حصل بس بعد ما شوفتك، مقدرتش اطلب رقمك من حد فأضطريت ادور عليه بنفسي.

هزت رأسها وتخطت تلك النقطة، امسك بيدها وقال بملامح مُتأسفة
- انا اسف لكل السنين اللي عدت وانا بعيد عنك فيها، بس تصرفي وقتها ميمنعش اني بحبك يا بنتي و..
قاطعته بإستنكار حاد ظهر فجأة
- ميمنعش انك بتحبني!، لو كنت بتحبني مكنتش عملت فيا وفي ماما كدة.

استيقظت من موجة حنينها واحتياجها له حين اعتذر، هل هذا الاعتذار اللفظي سيمحي الماضي! سيمحي الألم والعذاب الذي مرت به!، انقلب حالها فجأة لتصبح هائجة، نهضت بإنفعال بينما كان يقول هو بضعف لا يستحق ان يتحدث به
- مش عارف لية عملت كدة وقتها، بس انا ندمان على العملته و..
تركته اثناء حديثه غير مهتمة بسماع ما يقوله من حجج فارغة، وبخت نفسها بإنزعاج
- انا اية اللي جابني عشان اقابلك!

- استني يا يارا، استني يا بنتي
لم تتوقف، أكملت طريقها وهي تشعر بالغضب والظلم والغباء، كيف تناست الماضي واتت لمقابلته بهذه الطريقة المثيرة للشفقة!؛ توقفت جانباً لتستند بجسدها على الحائط واضعة كفيها على وجهها تخفي وجهها الحزين، لكن هل تستطع اخفاء دموعها!

اوقف عمر سيارته امام بوابة الفيلا من الخارج مُنتظرها، كل دقيقة تمر يتزايد غضبه ناحيتها، كحال قلقه، سيوبخها بشدة على استهتارها معه، كيف لا تخبره انها ذاهبة! وما الامر الضروري الذي يجعلها تغادر بعد تعرضها لوضع صعب كالذي مرت به!
انتظر ساعة، ساعتين، وها قد اتت اخيرا، اندفع ناحيتها بخطوات حازمة وملامح لا تنوي على الخير ابداً، انفجر موبخاً اياها فور وقوفه امامها.

- بتستهبلي؟، هو انا كيس جوافة عشان تمشي من غير ما تعرفيني حتى؟، مش مهم تخليني اقلق كل الساعات دي وحضرتك ولا في بالك!
رفعت نظراتها الباهتة اليه، كاد ان يُكمِل توبيخه لها لكن انطفاء لمعان بندقيتها وتغلفهما بالحزن والدموع اوقفاه، لانت نبرته كملامح وجهه وهو يسألها
- روحتي فين؟
لم تُجيبه، فقط طلبت منه برجاء
- عايزة اطلع ارتاح من غير ما اكلم حد
لم يُريد ان يضغط عليها، سار بجوارها، اخبرها ليُريحها.

- بالنسبة للأمانة وصلتها، وحالياً ماما هتكون نايمة
اكتفت بإماء رأسها.

أشرقت شمس يوم جديد
كانت يارا مُستلقية على السرير تنظر للسقف بفراغ، مازال اليوم الماضي بأحداثه يؤرقها، قد سبب لها الكوابيس مما جعلها لا تستطيع النوم، التقطت هاتفها الذي يرن منذ دقائق وهي تتجاهله قصداً.
- الو
اتاها رد ملك المُعاتب
- حرام عليكِ يا يارا مش بتردي عليا من امبارح لية؟، قلقتيني
- في حاجة؟
- هقولك بس ردي عليا، انتِ كويسة؟
- الحمدالله
تمتمت بها يارا، اتت ملك بِما ارادت الحديث عنه.

- عايزة اطلب منك طلب بس مش عارفة هتوافقي ولا لا، بس يعني ياريت توافقي
- قولي في اية وانا هقرر
- فاكرة عم ايمن بتاع محل الألعاب؟
- ايوة، ماله؟
- فتح فرع جديد وطلب مني اني البس اللبس التنكري دة قدام المحل واوزع إعلانه للرايح واللي جي قدام المحل
تساءلت يارا بحيرة وهي تعتدل جالسة
- طب اية المشكلة دلوقتي؟

- ان عندي شعل ومش هقدر اعمل اللي طلبه وفي نفس الوقت مش عايزة أخسر الراجل دة عشان بيساعدني لما احتاج شغل إضافي وبيشغلني فهماني!، فلو تروحي انتِ بدالي وتشتغلي
- ماشي
وافقت سريعاً ودون تفكير، لا تريد ان تقضي اليوم هنا في هذه الغرفة او مع احد، تريد ان تشغل تفكيرها وتشتته، انهت المكالمة مع ملك بعد ان اعلمتها بالتفاصيل المهمة.

اتجهت للخارج بعد ان انتهت من تبديل ملابسها، قابلت عمر عند الدرجة الاخير من السلم، اوقفها ليسألها بإهتمام
- عاملة اية النهاردة؟
لم تُجيبه، تخطته لتتجه للباب، اسرع وأعاق طريقها وهو يسألها بحدة أراد الا يُظهرها لكنه فشل
- مش بتردي لية؟، ورايحة فين كدة؟
اجابته بإقتضاب وهي تنظر للباب خلفه
- ورايا شغل
- شغل اية؟
نقلت نظراتها المُتحفظة عليه، طلبت بحزم
- ممكن توسع!
- ردي عليا الاول
- تعالى وصلني لو عايز تعرف.

قالت ذلك وهي مُتأكدة من انه سيرفض وسيتركها تذهب بمفردها، لكن حدث عكس ذلك، قال بجدية موافقاً
- ماشي، استني خمس دقايق وهوصلك
حدقت به لوهلة، ألم يكفيه انه كان احد أسباب عدم نومها ليلة امس!، فلم تستطع تخطي تصرفاته الرجولية والدافئة معها ليلة امس، تنهدت بإستياء وهي تُخفض رأسها، قالت مُتحججة
- لازم امشي دلوقتي، مش لازم أتأخر
- خلاص مش مشكلة، تعالي يلا اوصلك
زفرت بضيق خاضعة لعرضه.

- شكل ماما سهام مش في البيت النهاردة
قالتها وهي تصعد بجواره في السيارة، رد عمر وهو يُدير المقود
- راحت تزور قبر تيتة
ساد الصمت بعد ذلك الحديث القصير، تطرق عمر لحديث اخر، كان مُتردد جداً في الحديث عنه
- بالنسبة للي حصل امبارح..
قاطعته بحسم
- متجبليش سيرة امبارح، لوسمحت.

اومأ برأسه مُتفهما، لكنه أراد ان يعتذر مرة اخرى ويُعلمها انه اخذ حقها وان ذلك الحقير الان بين القضبان وسيتعفن في السجن بكسر انفه الذي سببه له عمر، لكنه يحتاج فقط لشهادته حتى تسير الأمور كما يُريدها.
تنحنح وقال
- هقول حاجة صغيرة بس، اني محتاج شهادتك في القضية عشان ياخذ الحقير دة جزاته
لم يتلقى رد سريع منها، فقد اتى ردها بعد دقيقة كاملة
- امتى المفروض اروح؟
- النهاردة
- ممكن بعد الشغل؟

اومأ برأسه، ثم قال بتردد
- ماشي، بس، بس هتبقي كويسة؟
هزت رأسها قائلة بثبات حاولت إقناع نفسها به
- اكيد.

في المطعم التي تعمل به ملك
كان إياد جالساً مع مروان وصديقاً اخر يتحدثون عن امور عدة، كانت عينيه تذهب كل دقيقة للباب الذي تخرج منه النادلات لعلها تخرج ويراها اليوم، جذب انتباهه حديث بين اثنين خلفه يتحدثان بطريقة قاسية عن فتاة..
- دة انا لما قولتلها نبقى صحاب قولتها عشان شكلي قدام صحابنا الباقيين بس
- بس انت عاملتها ازبل معاملة الصراحة في الفترة الاخيرة.

- كان لازم اعمل كدة، اصلها كانت صدقت اني بحبها بجد وهتجوزها
كم أراد ان يستدير اليهم ليسبهم ويلقي عليهم كل ما يعرفه من ألفاظ بذيئة، لكن ليس له الحق لفعل ذلك، قرر عدم التركيز معهم لكن ذكر اسمها جعله يتوقع ان الذي خلفه هذا هو كريم
- ياعيني ملك كانت طيبة اوي
- طيبة اية يابني دي فقيرة وبترسيم عليا عشان تكش فلوسي
- مكنش باين عليها كدة.

رفع عمر هاتفه امامه لينظر من خلاله على صورة الشخص الذي يجلس خلفه ويتأكد إذ كان توقعه صحيح، وكان كذلك.
ضم قبضته بغضب حين سمع قول كريم الخافت
- ولا دلوقتي وقعت واحد غني وارتبطت به، استنى كام شهر وهيرميها زي الكلبة
تابع بحقارة تخطت سابقيها
- دي واحدة متسواش تلت تعريفة.

مع نهاية قول كريم كان قد نهض إياد دافعاً الكرسي الذي يجلس عليه بعنف ليلتفت لذلك الحقير القذر، رغم انه لعوب لكنه لم يصل لتلك القذارة ابداً، لم يقم بإهانة إحداهن او الحديث عنها بشكل مُشين مع أصدقائه، فكيف سيصمت امام قذارة الذي خلفه خاصةً انها اتجاه فتاة هو مُعجب بها!
قال بأحرف حادة مُماثلة لنظراته المخيفة
- سمعني كدة تاني!، مين اللي متسواش تلت تعريفة!

نهض كريم بتوتر حين تذكر الذي يقف امامه، ادرك من ملامح وجهه التي لا تُبشر بالخير انه سمع كل ما قاله عن ملك، ابتسم في توتر وهو يُرحب به مُتخطياً ادراكه
- اية الصدفة السعيدة دي!، عامل اية واخبار ملك اية؟
ازاح إياد الشاب الذي يفصل بينه وبين كريم ليصل للأخير ويجذبه من ياقة قميصه بخشونة آمره
- بقولك سمعني اللي قولته كدة تاني
تدخل مروان مُتسائلا
- في اية يا إياد؟، حصل اية؟ عملك اية دة؟

بينما اصر كريم على تصنع الجهل
- قولت اية؟
- انا هعرف افكرك
قالها وهو يبتسم بقسوة قبل ان يسدد لكمة قوية في وجه كريم ليرتد للخلف مُصطدماً بالكرسي ثم يسقط ارضاً، اسرع مروان وصديقه ليوقفا إياد بينما اسرع صديق كريم لمساعدة الاخير.

بينما داخل المطبخ، كانت ملك تعلم بوجود إياد في المطعم فقد لمحته حين دخل، طلبت من المدير ان تساعد اليوم داخل المطبخ بدلاً من تقديم الطلبات فوافق على طلبها لغياب العاملين في المطبخ اليوم.

فجأة سمعوا صوت شجار في الخارج فأسرع المدير للخارج وكذلك العاملين ليفضوا هذا الشجار، تركت ملك ما بيدها من أطباق كانت تنظفها حتى تقف عند الباب وترى من بعيد ماذا يحدث، لكن رؤيتها ل إياد و كريم وهما يتشاجران جعلاها تقف مصدومة، ماذا يحدث؟ هل هي سبب هذا الشجار؟ ماذا غير ذلك! فلا يوجد اي شيء بينهم سواها هي، استيقظت من صدمتها حين قالت زميلتها بجوارها بحماس
- دي هتولع.

رمقتها ملك بغضب وهي تبتعد لتسرع لهم، سارت بين المتفرجين لتصبح في المنتصف، امسكت بذراع إياد وهي تهتف بغضب
- بتعمل لية كدة؟، سيبه
نقل نظراته المخيفة اليها حتى انها شعرت برعشة خوف مرت بجسدها، قال من بين انفاسه اللاهثة
- عارفة كان بيقول عليكِ اية!؟
ابعدت نظراتها بإحراج وهي تقول بخفوت
- يقول اللي يقوله، سيبه.

دفعه إياد تاركاً ياقة قميصه بعنف، استدار واتجه للخارج وقد انتقل كل حنقه وغضبه اليها، هي خائفة على ذلك الحقير!
تقدم كريم منها وهو يقول بحنق
- دة مجنون ضربني م...
قاطعته بصفعة قوية جعلت الأفواه تسقط بصدمة، لا تعلم من اين اتت لها تلك الشجاعة والقوة لتصفعه وتصرخ في وجهه بغضب اول مرة يراها به
- اخرس، انت المجنون، انت واحد مريض ولازم تتعالج.

تركته واتجهت للخارج لتلحق ب إياد الذي كان يقف خارجاً يدور حول نفسه كالأسد السجين الذي يُريد ان يخرج من قفصه ويفتك بأعدائه، نعم قد اصبح كريم عدواً له.
- طب فهمني يابني في اية؟ مين البنت دي ومين دة الآي اتخانقت معاه عشانها؟
كان يسأله مروان بإصرار، توقف إياد عن دورانه حين لمح قدوم ملك ناحيته، فتخطى مروان ليصل اليها ببنيته الضخمة، هتف بحنق امام عينيها البريئة
- خايفة عليه مني!، انا باخدلك حقك وانتِ..

قاطعته بصوت مرتفع لعلها تعلو صوته ليسمعها
- شكراً لانك عملت كدة، بس
ازدرد ريقه وهو يتأملها، أكملت بنبرتها المنخفضة الحرجة
- بس انت ملكش دعوة، انت مُصِر تدخل نفسك في حياتي..
اعترض موضحاً
- لا..
اسرعت لتصحح قصدها
- مش قصدي حياتي، قصدي مساعدتك ليا وقتها وبسبب مساعدتك اهو دخلت في مشكلة بسببي...
- اومال اسمع كلامه ال عنك واسكت!

احمر وجهها خجلاً من لفظه البذيء الذي نطق به للتو، اخفضت رأسها وصمتت، بينما أضاف بعدم استيعاب
- مش عارف ازاي بتحبي واحد زيه!
صححت له بحزم
- كنت، وندمانة دلوقتي
تبادلا النظرات للحظات قبل ان يقطعها صوت مُديرها الغاضب من الخلف
- ملك، تعالي حالاً
استدارت سريعاً لتذهب للداخل لكنه أمسك برسغها موقفاً اياها
- استني
قالتها بتعجل وهي تتخلص من قبضته على رسغها
- لازم ارجع للشغل.

تركها تذهب، تابعها حتى اختفت من امامه، صفر مروان من خلفه وهو يقول بخبث
- ايوة ووالعة معاك ياااا
- اخرس
قالها إياد وهو يبتسم، استدار مُتجهاً لسيارته فلحق به مروان وصديقه دون ان يرحماه من تعليقاتهم الخبيثة.

بعد مرور ساعات.

ظل عمر جالساً في سيارته يراقبها من بعيد دون علمها، لقد ارتدت الملابس التنكرية الضخمة وبدأت في التجول حول المحل لتوزع ورق الاعلان الخاص به، فكر بضيق، لماذا تعمل الان وهو قد وفر لها القدر الكافي من المال بعملها معه، ان الجو حار كيف تتحمل هذا الثوب الثقيل!، انتفض من مكانه ليخرج من السيارة حين رأها تسقط من بعيد، ركض اليها وحين وصل كنت قد نهضت بمساعدة اثنين من المارين، خلعت الرأس من فوق رأسها وهي تشعر بالاختناق، رتبت خصلات شعرها التي أصبحت مبللة من العرق، توقفت يدها عن الحرمة حين رأته امامها، ماذا يفعل هنا؟، توقف مقابلاً لها وهو يلهث اثر ركضه وغضبه منها، قال بحزم.

- يلا عشان نمشي
سألته بحيرة
- انت ممشيتش؟
- لا
اضاقت عينيها بشك، اخبرته وهي تلتقط انفاسها بتعب
- لسة مخلصتش...
لم يستمع لها، امرها بصرامة
- يلا اقلعي التُهمة دي عشان نروح
ظلت واقفة مكانها، قال وهو يكاد يتخطاها ليدخل للمحل
- خلاص انا هتكلم مع صاحب المحل
اسرعت لتمسك بذراعه فنظر لها بدوره، قالت بإنفعال
- انت مالك في اية ها؟، ما تسيبني في حالي ومتدخلش في اللي بعمله
صمت لوهلة قبل ان يقول بإنزعاج
- شايفة حالتك طيب؟

- مالها حالتي؟
تنفس بحنق منها، اخرج من جيبة مناديل ليمد يده به بعدها ويمسح وجهها من العرق، حدقت به بذهول، تصرفاته غريبة معها، تراجعت للخلف واخذت من يده المناديل لتقم هي بذلك، قالت آخراً
- مش هضيّع تعبي عشان حضرتك عايزني اروح، كدة كدة ساعتين وهخلص
- طب اقعدي ارتاحي، من اول ما جيتي مخدتيش بريك!
رمقته بطرف عينيها وهي تتسائل بشك
- وانت بتراقبني لية بقى؟
اجابها بتلقائية ودون تفكير.

- خايف ليحصلك حاجة تاني ولو حتى مش بسببي
ادرك ما قاله فتلعثم وهو يوضح
- طبعاً بقول كدة عشان انتِ سلمى حالياً ولو حصلك حاجة هيبقى على دماغي
هزت رأسها بتفهم، ماذا غير ذلك!، عادت لترتدي رأس الدُب، فأبتعد، فأعتقدت انه غادر لكنها وجدته يعود بعد لحظات ومعه حقيبة بلاستيكية، قذفه اليها عن قرب فألتقطته، وجدته ينزع عنها رأس الدُب وهو يخبرها بسخط نابع من عنادها.

- كُلي واشربي الاول بعدها كملي الشغل الهباب دة، الجو حر ومش ناقص غير تقعي ويغمى عليكِ
نظرت لما يوجد داخل الحقيبة، شعرت بالإمتنان له فقد كانت تشعر بالجوع لكنها كانت تحاول تجاهل شعورها، شكرته بخفوت دون ان تنظر له
- شكراً
- هستناكِ في العربية
اخبرها قبل ان يبتعد من جديد مُتجهاً لسيارته البعيدة، فلم يكن لديها فرصة الاعتراض حتى.

انتهت يارا من عملها وصعدت بجوار عمر في سيارته، كان الصمت سائد بينهم، كانت هي صامتة لا ترغب في فتح احاديث معه، اما هو كان فكره شارد بما توصل اليه من حقيقة صادمة بالنسبة اليه في الساعتين الذي انتظرها فيهما.
أعلن هاتفيهما عن وصول رسالة، التقطا كل منهما هاتفه لينظرا فيه، اوقف عمر سيارته جانباً حين قرأ اسم المُرسل من الخارج، انها رضوى!

لم تلاحظ يارا انه اوقف السيارة بسبب انشغالها بفتح الرسالة التي كانت من والدها، اهتزت حدقتيها بقلق حين قرأت محتواها
- يارا كلميني ضروري، عارف لما هتصل بيكِ مش هتردي عليا بس، بس انا في مشكلة كبيرة وممكن اموت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة