قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي عشر

عاد عمر للفيلا بمفرده، لا يعلم متى اختفت يارا من جانبه فحين استدار لها كانت قد ترجلت وهي تخبره بتعجل
- هروح مشوار بسرعة، اسبقني انت
وقد ادرك رحيلها بعد مغادرتها بلحظات، فالرسالة شتت كيانه وتركيزه.

صعد عمر لغرفته مُلقياً بجسده على الفراش وهو يشعر بالتشتت والحيرة من رد فعله، لماذا هو غير سعيد برسالة رضوى!، ماذا تغير في هذه الايام القليلة!، لقد كان ملهوف لوصول رد منها على رسائله المثيرة للشفقة الذي كان يُرسلها لها لكن الان!، ماذا الان؟
شرد في لحظةٍ أُخرى في ما أدركه اليوم، لقد ادرك انه يهتم ب يارا ويعتقد ان هناك مشاعر بداخله ناحيتها!، لكن متى حدث هذا! وكيف هي؟ كيف!

في الحقيقة يعلم متى بدأ هذا، يوم الحادث كان بداية كل شيء، ومن بعدها بدأ يلاحظ كل تصرف يصدر منها وإذ كان صغيراً.
روحها كانت البذرة التي أُلقت في ارضه الخصبة، وكانت النتيجة هي اهتمامه بها والذي يُنذر بإعجابه بها، يعرف نفسه ويعرف ان بداية وقوعه في حب احدهم هو اهتمامه به دون ان يشعر، وقد حدث هذا في الفترة الاخيرة وإن لم يُظهر ذلك لها، وقد تأكد اليوم.

رفع شاشة الهاتف امامه مرة اخرى لينظر للرسالة القصيرة التي كانت من المفترض ان تُسعده!
- هرجع مصر قريب، وحشتني
هل كان سيصبح سعيداً بهذه الرسالة إذ لم يُدرك مشاعره ناحية الأُخرى!، لكن كيف يشعر بهذه الحيرة بين حبه الاول وإعجاب جديد؟، ألا يجب على حبه الاول الانتصار دون تفكير حتى!
اتته الإجابة في مُقارنة رسمها عقله له بين رضوى و يارا، كان هناك فرق واضح أكد له استحقاق وقوعه في حيرة ونزاع.

القى هاتفه بجواره بإرهاق، اعتدل جالساً حين دلفت سهام للغرفة لتسأله عن يارا بقلق فلم تراها منذ صباح اليوم، فأجابها بحجة غياب جديدة.

وصلت يارا للمطعم الذي قابلت والدها به المرة السابقة، فبعد قراءتها لرسالته المُقلقة هاتفته ليرد عليها بصوت مُنكسر ويطلب منها مُقابلتها، فأسرعت لفعل ذلك دون تفكير حتى.
رأته من بعيد فأسرعت اليه لتجلس امامه وتسأله بعينين تتفحصانه بقلق
- في اية؟ مشكلة اية؟ تعبان او حاجة؟
اجابها بخوف
- في ناس بتلحقني وعايزة تقتلني
اتسعت مقلتيها بصدمة، سألته بريبة
- لية عايزين يقتلوك؟ عملت اية؟

- كنت مستلف منهم فلوس ومعرفتش أرجعها
- طب ما تطلب منهم يدوك فرصة و..
اجابها بإحباط وصوت خافت
- جربت، اصل دول شبه مافيا
تنهدت يارا بسخط وهي تُشيح بوجهها، بينما قال بصوت ضعيف
- لو تعرفي تساعديني يا بنتي
نظرت له بصدمة، كيف يطلب منها طلب كهذا، ألا يجب عليه انتظار عرضها؟، قالت بإستياء
- للاسف حالي مش احسن من حالك
- ازاي؟، ما انتِ شغالة مع ناس اغنية و..

ارتفعا حاجبيها بدهشة، من اين علم؟ وهل يعلم بأمر اتفاقها مع عمر!، حاولت ان تكون هادئة وهي تسأله
- عرفت منين؟
اجابها ببساطة
- مش بنتي؟، لازم اعرف عنك كل حاجة
إجابته غير مُريحة بالنسبة لها، قالت وهي تضيق عينيها
- وعارف اية تاني؟
- هتساعديني؟
شعرت بأنه يواسمها، سحبت يدها من بين كفه بحدة وهي تسأله بإتهام
- انت رجعت عشان كدة!، عشان الفلوس؟
لم يكترث لإتهامها، اخبرها بجفاء وهو يعود بظهره للخلف
- محتاج نص مليون.

كم خاب ظنها وشعرت بإحباط لاذع، ظهرت سحابة حزن في حدقتيها مُعاكس لنبرتها الحادة
- راجع عشان الفلوس؟، وفاكر معايا المبلغ دة؟
- هتجيبيه
قالها بهدوء وثقة لا تعلم من اين اتى بها!، ابتسم بسخرية لاذعة على قلبها وقد لمعت حدقتيها بالدموع
- يعني انت رجعت عشان الفلوس مش عشاني؟ طب جر رجلي الاول ليك وبعدها اطلب مني الفلوس مش بالطريقة دي!
برر بهدوء اثار غيظها
- محتاجها.

لماذا تشعر بالخيبة! أهذا تصرف بعيد عن من تخلى عنها؟ الإجابة بسيطة، لا.
نهضت بإنفعال وقد قررت الصمت، فالتغادر بصمت هذا افضل لها ولما تبقى لها من قوة تحمل، لكن قوله جعلها تتسمر في مكانها بصدمة، قوله بل تهديده كان كالصفعة بالنسبة لها
- لو مجبتليش الفلوس هقول لأمك انك نصابة بتخدعي ناس اكابر عشان تاخدي فلوسهم.

حدقت به بعينين مُتسعيتن غير مستوعبة حقارته!، انه يعلم كل شيء ويستغلها الان ويهددها!، حاولت استجماع شتات نفسها لترد بثبات كاذب
- ماما عارفة
رفع زاوية فمه بخبث وهو يقول
- يعني مش هتديني الفلوس!، ماشي..
وكأنها قرأت ما يدور برأسه، فقالت مُندفعة بخشونة مُحذرة اياه
- اياك تفكر تروح ناحية الناس اللي بشتغل عندهم
اتسعت إبتسامته الخبيثة وهو يقول بإستمتاع
- لية؟ دول هيتبسطوا اوي لما يعرفوا الحقيقة.

ضربت بكفها على الطاولة بغضب، ظلت تنظر له للحظات وهي تتنفس بإنفعال، فرقت شفتيها لتخرج حروفها رغماً عنها بإنكسار من حقيقة والدها
- تعرف!، كان عندي امل ترجع في يوم، ترجع تعتذر عشان سيبتني انا وامي، تعتذر على اللي عملته فيا، ولما رجعت رجعت عشان تكمل أذيتك، رجعت تطلب فلوس من بنتك اللي رميتها ومصرفتش عليها ولا جنية، اية البجاحة دي ياخي؟

سالت دموعها الحارة سريعاً على وجنتيها، اسرعت لتلويه ظهرها لتخفي دموعها عنه، قالت بصوت حاولت جعله طبيعيا، لكنها كانت جادة فيما تقوله
- لو فكرت تبوظلي حياتي وتكشف حقيقتي للناس اللي بشتغل عندهم بحلفلك، بحلفلك اني هموتك من غير ما يرمش ليا جفن، وبالمرة اكون بردت ناري ناحيتك
ابتسم بسخرية وهو يراها تبتعد مُغادرة المطعم، اخرج هاتفه القديم من جيب سترته البالية ليضغط على أزرار الهاتف ويتصل بأحدهم، تحدث معه.

- أنا طلبت منها الفلوس، لا مقدرتش استحمل التمثيلية دي اكتر من كدة
صمت يستمع لصراخ الاخر، رد ببساطة مُحاولاً مُطمئن الطرف الاخر
- متقلقش، كله ماشي حسب الخطة بس الفرق اني سرعت الموضوع شوية
انهى المكالمة بعد ان نال نصيبه من التوبيخ، زفر بضيق قبل ان ينهض ويغادر.

وصلت يارا للحي الذي تعيش فيه، لقد قادتها قدميها الى هنا، الى بيتها الدافئ، لقد قاومت دموعها بكبرياء، لكن جرح قلبها ينزف بقوة بعد ان تخيلت انه ألتئم مع مرور هذه السنوات المرة.
اخرجت هاتفها من حقيبتها لترد على اتصال سهام التي سمعت هِتافها القلق فور وضعها للهاتف على اذنها
- فينك يا سلمى كل دة؟ اتأخرتي اوي
ليس لديها القدرة على التمثيل في هذا الوقت، لكنها اجبرت نفسها على ذلك، قالت مُعتذرة بفتور.

- اسفة يا ماما
- مش هتيجي بقى؟، مش اتفقنا ان بقية الاسبوع هتبقي معايا والجمعة والسبت بس عندها؟
ادركت ان عمر اخبرها انها عند والدتها كوثر لذا سهام تُعاتبها الان، تحججت يارا بكذب
- معلش النهاردة بس عشان ماما كوثر تعبانة و..
قاطعتها سهام رافضة بغيرة
- لا، هي كل شوية تعبانة وانتِ بتفضلي معاها
صمتت يارا بتعب، لا طاقة لديها لإرضاء احد الان، همست برجاء
- يا ماما، لوسمحت متصعبيش الدنيا عليا.

زفرت سهام بضيق، قالت بحدة
- براحتك يا سلمى، براحتك
ثم اغلقت الخط، تنهدت يارا بإستياء، ستُراضيها عندما تذهب لها غداً.
وصلت امام منزلها وكادت ان تدلف لرواقه لكن مُناداة ملك لها من خلفها اوقفتها، استدارت لها بينما سألتها الاخيرة
- يارا؟، بتعملي اية هنا؟
- هبات النهاردة مع ماما
- طب حلو، انا كنت جاية اطمن عليها
صعدا معاً، اخبرتها ملك بإحباط وهما يصعدا درجات السلم
- اطردت النهاردة من الشغل.

توقفت يارا عن الصعود وسألتها بقلق
- لية؟ حصل اية؟
رفعت ملك رأسها بفخر وهي تُجيب
- ضربت كريم النهاردة في المطعم، ودة سبب طردي اني ازاي اضرب زبون وان لازم افصل مابين الأمور الشخصية والشغل
سقط فك يارا بذهول، أهذه ملك حقاً!، قفزت في مكانها بسعادة وهي تُحيها على فعلتها، بينما اضافت ملك
- مضّربش مني لوحدي
عادت لتقف بثبات وهي تسألها بفضول
- مين ضربه غيرك؟
- إياد
ارتفعا حاجبيها بذهول بينما قالت ملك وهي تبتسم.

- اية رأيك نطلع فوق واحكيلك كل حاجة؟
ادركت يارا انهما يتحدثان على السلم، اومأت برأسها وهي تضحك، اكملا صعودهما لشقة الاخيرة.

في شقة إياد
وصل عمر اخيراً ليشارك إياد و مروان سهرتهم، قال الاخير بسخرية
- وأخيراً شوفناك يا طيار!، دة انت فايتك كتير
قال جملته الاخيرة وهو ينظر ل إياد بخبث، عقد عمر حاجبيه مُتسائلاً
- اية اللي فايتني!
- شكل إياد عنده صيدة جديدة
نظر عمر ل إياد مُنتظراً توضيح منه، فقال الاخير بحنق
- فكك منه دة بيهبد، الموضوع مش زي ما الزفت دة فاهم
- طب قولي انت يا طيار، بيتخانق مع واحد عشان واحدة يبقى دة اية؟

جز إياد على اسنانه وهو يبرر
- كان لازم اتصرف كدة
هتف عمر بغيظ
- طب ما تقول حصل اية وانا احكم بعدها
سرد له ما حدث دون ان يذكر ملك، فهو لم يخبره عن الامر منذ البداية حتى حين سأله سابقاً عن سبب طلب يارا لرقمه وإذ هاتفته لكنه تصنع الجهل وقتها وعدم المعرفة بسبب اتفاقه مع الاخيرة بالتكتم عن الامر.
صمت عمر ولم يُعلق بشيء، نهض مروان ليذهب للمرحاض، فأندفع عمر للأمام ليقول بعيون ضيقة.

- مش المطعم دة اللي بتشتغل فيه ملك صاحبة يارا؟
ابتسم إياد، فكيف امر كهذا قد يمر على عمر دون ان ينتبه له!، غمز له الاخير وهو يستفسر
- اية في تطور بينكم ولا اية؟
صمت إياد قليلاً قبل ان يُجيب
- لا
- احسن، مش عايز مشاكل مع يارا
تجاهل إياد قول عمر الذي اغاظه، قال بإستمتاع
- بس هيبقى في قريب ان شاء الله
اعاد عمر ظهره للخلف وهو يتساءل بحيرة
- انت مُعجب بيها بجد؟، افتكرت الموضوع تسلية زي القبله.

عاد مروان فقطعا حديثهم، قال الاخير وهو يجلس
- ها قولي، اخبار قطتي اية؟
عقد عمر حاجبيه بعدم فهم
- قطتك!
- يارا يبني
تبدلت ملامح وجه عمر وأصبحت مُتجهمة، قال بكبت
- مش قولتلك قبل كدة شيلها من دماغك؟
رفع مروان زاوية فمه بتحدي وهو يرد
- عايزني أضيع الصاروخ دة من ايدي!
اندفع عمر بجسده للأمام صارخاً بغضب
- ما تحترم نفسك يا زفت
احتدت نبرة مروان وهو يقول بإنفعال.

- ما تهدى انت على نفسك، مش عارف مالك كل ما اجيب سيرتها تتعصب كدة!
لماذا يغضب!، فقط نطقه لأسمها يُزعجه فهو يعرف مروان وخبثه، لا يُريدها ان تكون في تفكير مروان القذر، هدر عمر بصرامة
- عشان قولتلك اكتر من مرة متفكرش فيها حتى
- حاجة متخصكس يا طيار
قول مروان البارد زاد من غضب عمر الذي فز واقفاً ليثبت أحقيته في هذه النقطة بكل حزم
- لا يخصني.

نهض إياد ووقف أمام عمر، فهناك شجار سينشب الان بين الاثنين، نهض مروان ببرود قائلاً بنفس طريقته الغليظة
- اخرج منها انت يا عمر، ومتنساك انك اخوها قدام الناس ها
وغمز له قبل ان يلتقط مفاتيحه ويتجه للباب بنظرات ساخرة موجهة ل عمر، انه شخص خبيث كقوله الاخير.
التقط عمر انفاسه بخشونة وهو يدور حول نفسه ضامماً قبضته بقوة لعله يكظم غضبه وغيظه اتجاه ذلك الغليظ، فكرة إعجاب مروان ب يارا تُثير جنونه من البداية.

- مالك يا طيار؟، اهدى
توقف ليصدح صوته بغضب مُجيباً بسبب هياجه
- انت عارف ان مروان حاطط عينه على يارا وهو حقير ممكن يأذيها
شعر إياد بشيء غريب في صديقه لكنها تخطاها في الوقت الراهن، عاد ليجلس وهو يقول بسلاسة
- يابني خليه يجرب معاها محسسني انها هتديله وش!، دي تمسح بكرامته الارض لو جرب يقربلها وانت عارف كدة كويس
هدأ اشتعال حدقتيه تدريجياً وقد شقت ابتسامة صغيرة طريقها الى شفتيه وهو يتمتم
- عارف
اكمل إياد.

- وغير كدة دة اسلوب مش جديد عليه
اندفع مرة اخرى قائلاً بحدة
- يطبقه بعيد عن يارا
رمقه إياد بنظرة يعرفها الاخر جيداً، سأل بعبث
- اشمعنا يعني؟
جلس عمر وهو يتنهد، اجابه بصراحة وإحباط
- تقريباً بدأت أُعجب بيها
قهقه إياد بقوة بعد قول الاخر الغير متوقع، هدأت ضحكاته وأثناء ذلك علق
- مستحيل!، يارا؟ دة أنت مش بتطيقها يبني
- انا نفسي مش مستوعب، تفتكر بتوهم!
اومأ إياد برأسه مؤكداً
- دة اكيد، عندك فراغ يبني.

صمت عمر ناظراً للسقف بشرود، يزداد الامر تعقيداً كلما فكر به، حدث نفسه بضياع
- لو كدة، طب لية قارنت بينها وبين رضوى رغم ان مينفعش أقارن رضوى بواحدة تانية؟
بمجيء اسم رضوى بين أفكاره تذكر أمر الرسالة، اخبر إياد بسخرية وهو ينقل نظراته اليه
- مقولتلكش، رضوى بعتتلي رسالة
- نعم!
ابتسم بسخط وهو يُعيد نظراته للسقف.

صباح اليوم التالي
انتهت يارا من إعداد طعام الإفطار وهي تدندن بإستمتاع، فليلة امس أحدثت معها فرق كبير، جعلتها تُجدد طاقتها حول كل شيء حولها، حديثها ومُزاحها مع ملك ووالدتها جعلها تنسى كل همومها، كانت ليلة دافئة.
حملت الصينية واتجهت بها لغرفة والدتها، وضعتها على الطاولة وقامت بتحضير شطيرة لتقدمها لها، أخذتها منها الاخيرة وعلى وجهها ابتسامة سعيدة مُرتاحة لوجود ابنتها بجانبها.

انتظرت يارا حتى انتهت كوثر من تناول طعامها وأخذ دواءها لتستجمع شجاعتها بعدها وتُخبرها عن حقيقة عملها، فهي لا تُريد ان تحدث فجوة بينها هي ووالدتها إذ علِمت الحقيقة عن طريق والدها الذي قد يظهر لها، فهي لا تعلم إذ صدق كذبتها ام لا.
- ماما، عايزة اقولك حاجة
قالتها بتوتر وهي تضم كفيها لبعضهما، تعرف كيف سيكون رد فعل والدتها.
- قولي يا حبيبتي.

تنفست بعمق قبل ان تخبرها مُباشرةً ودون مُقدمات بحقيقة عملها، كلماتها تتسابق مع بعضهما البعض حتى تصل للنهاية وهي تلهث، رفعت نظراتها بحذر لوالدتها ترى ملامح وجهها التي تجهلها، اهتزت حدقتيها حين رأت العِتاب وعدم الرضا تستقر في عيني كوثر، قالت الاخيرة بصوت يمتلأ بالخيبة
- مكنتش أتوقع انك توافقي على شغل زي دة يا يارا، بقيتي نصابة خلاص!
اسرعت يارا لتدافع عن نفسها بجهد.

- مش بنصب عليهم والله، قولتلك ابنهم طلب مني اعمل كدة ودة لمصلحتهم
هزت كوثر رأسها بأسف وهي تقول
- تعرفي إذا أُمه عرفت الحقيقة هيحصل اية؟، ممكن تطب فيها وتكوني انتِ السبب، هتقدري تشيلي ذنبها وقتها!
تشنج جسدها من تلك الفكرة، لقد حمَلت نفسها ذنب رحيل والدها منذ الصغر وكم هو شعور قاتل، لا تستطيع تحمله مرة اخرى، قالت محاولة مُطمأنة نفسها قبل والدتها
- ان شاء الله مش هتعرف الحقيقة وهتعدي التلت شهور..

قاطعتها والدتها بعنف
- انتِ بتتكلمي ازاي يا يارا!، بتتكلمي ازاي انتِ فهميني
ازدردت يارا ريقها بصعوبة وهي تهرب بحدقتيها بعيداً عن والدتها التي أكملت بنبرة مُنفعلة اثر خوفها على ابنتها
- فكرتي كويس قبل ما توافقي؟، عارفة ان اللي بتعمليه دة جريمة ممكن تدخلي فيها السجن لو عيلته عرفوا!
همست يارا بإضطراب
- مش هيحصل
صرخت كوثر بثورة
- لا هيحصل، وانا هتحسر وقتها على بنتي.

سعلت بقوة فأسرعت يارا لها بفزع تُربت على ظهرها بخفة، امتلأت مقلتيها بالدموع حين رأت دموع والدتها تنهمر على وجنتيها، قالت بصوت مُتحشرج
- متعمليش كدة فيا، متخوفنيش من الطريق اللي ماشية فيه
بكت كوثر وهي تقول بعجز
- انا خايفة عليكِ، خايفة ليأذوكي
امسكت يارا بكف والدتها وحاولت التماسك امامها وهي تخبرها
- هما شهرين وكل دة هيخلص، ادعيلي انتِ بس، ها!
مسحت كوثر دموعها وهي تقول برجا
- سيبي الشغل دة.

تنهدت يارا وهي تُجيبها بخفوت
- مش هينفع
- لية؟
- خدت نص الفلوس
اسرعت كوثر لتقول بأمل
- عادي، ممكن نرجعها
اخفضت يارا رأسها بإستياء
- صعب
وكأنها علِمت سبب صعوبة إعادة تلك النقود، سألتها لتتأكد
- عمليتي كانت من الفلوس دي، صح؟
اومأت يارا برأسها، بعدها وجدت والدتها تشهق في البكاء بطريقة آلمت قلبها، علِمت سبب بكاءها لذا لم تسأل، سالت دموعها المقهورة على وجنتيها وهي تتقدم لتعانق والدتها وتُشاركها في البكاء.

في المطعم
وضعت النادلة الصينية التي تحتوي على فنجان قهوة وشطيرة على الطاولة امام إياد الذي شكرها ثم سألها بخفوت
- ملك مجتش النهاردة؟
عقدت النادلة حاجبيها بإستغراب من سؤاله عن زميلتها في العمل، اجابته بتهذيب
- مبقتش تشتغل هنا
حرك حدقتيه في مقلتيه حوله بحيرة، هل تهرب منه لذا تركت العمل؟ ام هناك شيء حدث!، سألها بفضول
- يعني هي سابت الشغل بمزاجها ولا اية؟
مالت النادلة قليلاً لتُجيبه بصوت منخفض.

- لا، اتطردت
قضب جبينه بحدة وسألها بصوته الذي بدى عليه الانزعاج
- لية؟ حصل اية؟
- اسفة، مش هقدر اقول اكتر من كدة، عن إذنك
هز رأسه مُتفهماً ثم نهض تاركاً نقود على الطاولة قبل ان يغادر.
خرج من المطعم وهو يعبث بهاتفه بأصابع حادة، مُرسلاً لها رسالة
- فينك؟، مستنيكِ قدام المطعم
كان يتوقع انها ستتجاهل رسالته كالعادة لكنها اجابته بعد دقائق من وصول الرسالة!
- اسفة، مش هقدر اجي.

خرج من غرفة الدردشة الخاصة بها بحنق ليتجه لقائمة الاسماء ويبحث عن اسمها ليتصل بها، اتجه لسيارته وهو ينتظر إستقبالها لإتصاله.

بينما في الناحية الأخرى، كانت ملك تتنقل بين محل واخر باحثة عن عمل، لكنها لم تجد واحداً حتى، حاولت التغلب على شعورها بالإحباط بتشجيع نفسها وإعطاءها امل.
جلست على المقعد الرخامي عند محطة الحافلات مُنتظرة قدوم حافلة مُعينة، تنهدت وهي تنظر امامه بشرود، عادت لتفكر بكلام يارا لها بالأمس بشأن إياد وتحذيرها الصارم حوله حيث قالت..

- هو ساعدك وكتر خيره بس ابعدي عنه وخلي بالك منه لان باين عليه انه صايع ومش سهل وممكن يوقعك في ثواني، وانتِ ماشاءالله عليكِ بثقي في الناس بسرعة وبتصدقي انهم كويسين وطيبين وفي الاخر بتاخدي على دماغك، بلس ان حظك تحفة بتقعي دايماً في حب الشخص الخطأ وكريم اكبر مِثال.

يارا مُحقة في كل ما قالته بشأنها، انها تقع في الحب بسهولة لذا كانت تتجنب التعامل مع اي رجل يعاملها بود وتقطع علاقتها بأي رجل يُبدي إعجابه بها سواء بتصرفاته او بإعتراف صريح كحال إياد، لقد استطاع أن يشغل تفكيرها بسهولة مُخزية، لكنها لا تعلم كيف تتصرف!، تريد تجنبه تماماً لكنها خائفة فقد تحتاجه بشأن كذبتهمها.

اخرجت هاتفها من حقيبتها لتعبث به قليلاً فوجدت رسالة منه، فتحتها بتلقائية وقد وبخت نفسها على تسرعها، فكرت، هل تُجيب ام تتجاهل رسالته البسيطة!، قررت بعد دقائق ان ترد بإقتضاب، تنهدت بعد إرسال ردها بنجاح، جفلت حين اهتز هاتفها بين كفيها وكان اسمه، توترت، لماذا يتصل بها؟ تركت الهاتف على حجرها وهي تُحدِث نفسها بثبات
- مش هرد مش هرد.

نظرت حولها مُنتظرة توقف اهتزاز هاتفها وقد حدث، شعرت بالراحة لانه اغلق لكنه عاد ليتصل من جديد، التقطت هاتفها مرة اخرى وهي ترمق اسمه بإنزعاج وكأنه هو امامها، حدثته بسخط
- بتتصل لية تاني!، ها بتتصل لية!
قربت إصبعها من الشاشة بتردد لتضغط على الزر الأخضر، رفعت الهاتف الى اذنها وهي ترد بخفوت
- ايوة
اتاها صوته الأجش الجاد
- اتطردتي من الشغل لية؟
لم تُجيبه فوراً، وحين أجابته قالت بهدوء
- حصل اللي حصل
- دة مش رد.

تذمر بخشونة، اردف بحزم
- قولي انتِ فين عشان عايز اقابلك
اتسعت مقلتيها وهي تهتف رافضة بتلقائية
- لية؟، مش عايزة اقابلك
لاحظت صمته، فأضافت بحرج
- قصدي مش هينفع عشان...
قاطعها وقد تغيرت نبرته وأصبحت مُقتضبة
- خلاص مش مشكلة، سلام
واغلق دون ان ينتظر رداً منها، نظرت للهاتف بذهول، لقد اغلق في وجهها!، هل ازعجه ردها التلقائي لهذه الدرجة!، شعرت بالضيق من نفسها، لكنها حقاً لم تقصد إهانته بردها.

في سيارة الأجرة، كانت يارا تستند برأسها الثقيلة على زجاج النافذة، لقد أقنعت والدتها بصعوبة بأن تُكمِل عملها مع عمر، لن تكذب، لقد ايقظت والدتها بداخلها الخوف الذي شعرت به منذ البداية لكنها كانت تتجاهله عمداً.
ايقظها من شرودها رنين هاتفها، نقلت نظراتها لهاتفها المستقر بين كفيها، كان رقم مجهول، ردت دون تفكير
- الو
- صباح الخير
انه صوت غير مألوف بالنسبة لها، سألت بثبات
- مين معايا؟
- مروان يا قطة.

جحظت بعينيها، من اين حصل على رقمها!، احتدت نبرتها وهي تسأله
- جبت رقمي منين؟
- مش مهم منين، المهم انه معايا
ضمت قبضتها بحنق وهي تهدر بتحذير
- يبقى أمسحه احسنلك وإياك تتصل بيا تاني
اعترض بلهفة مُصطنعة
- ازاي متصلش بيكِ تاني!، دة انا مصدقت اسمع صوتك
ضحكت في غضب من أسلوبه المستفز، تشعر انه يقصد التعامل معها بهذه الطريقة حتى يُخرجها عن هدوئها، ابعدت الهاتف عن اذنها بإنفعال وهي تقول
- واحد مجنون.

واغلقت الخط في وجهه، وصلت خلال دقائق امام الفيلا، ترجلت واتجهت للداخل وهي تستعد لمقابلة سهام ودلعها.
اتجهت للصالون وكان إبراهيم جالس هناك، اقتربت منه وعانقته مُرحبة به ثم جلست على شاق الكُرسي الذي يجلس عليه مُتسائلة
- اومال ماما فين يا بابا؟
- نايمة
هتفت يارا بذهول
- لدلوقتي!
رمقها إبراهيم بإنزعاج قائلاً
- ما نامت امبارح متأخر بسببك
نهضت وهي تُخبره بتعجل
- هروح اصالحها.

لم يرد وعاد لينظر للجريدة ببغض، نظراته التي كان ينظر بها لها دون ان تلاحظ هي.
صعدت درجات السلم كل درجتين معاً حتى تصل اسرع، اتجهت أولاً لغرفة عمر لتوبخه فلن يمر أمر صديقه على خير، بعدها ستذهب لإرضاء سهام وقضاء الكثير من الوقت معها.
توقفت امام باب غرفته ودخلتها بعد ان طرقت الباب!، فور دخولها قابلها بقوله المستفز..
- رجعتي يا هانم!
تجاهلت محاولته السريعة لإستفزازها لتقول بإنفعال وعدم إستيعاب.

- هو انا مش كفاية عليا انت عشان تسلط صاحبك عليا؟
عقد حاجبيه مُتسائلاً
- صاحبي مين؟
اجابته وهي تجز على أسنانها
- المجنون مروان
اردفت بشك حاد
- انت أديته رقمي؟
جلس على طرف السرير مُستنكراً بحدة
- وانا مجنون عشان اعمل كدة!
هزت رأسها بقوة وهي ترد بتلقائية
- ايوة مجنون، مش صاحبه!
ضم قبضته بحنق، هتف
- انا اصلاً متخانق معاه بسببك
هدأ اشتعال حدقيتها لتلمع بحيرة
- بسببي؟، لية؟

تنفس بقوة وهو يمسح وجهه بخشونة، قال بصوت غير مقروء
- عالعموم انا هتصرف معاه
حدقت به لثوان، لقد تجاهل سؤالها، لم تكترث وقالت بجفاء قبل ان تتجه للخارج
- ياريت
تابعها وهي تبتعد، وجد نفسه يبتسم وحروفه المُشاكسة تخرج من بين شفتيه بتلقائية
- رجعتي تاني لديل الحصان الجربان؟

استدارت بشراسة بعد قوله الخبيث، قذفته بنيران حدقتيها دون ان ترد، لكنها لن تصمت، انحنت لتلتقط وسادة من فوق الأريكة لتُلقيها عليه فيلتقطها بمهارة، قهقه بإنتصار وهو يرفع حاجبيه لها هامساً ببطء
- غبية
- مستفز بارد
قالتها قبل ان تغادر صافقة الباب بعنف، استلقى واضعاً ذراعيه اسفل رأسه وهو يبتسم بإستمتاع شديد
- عسل
اختفت ابتسامته فجأة وقد أُصيب بالصدمة، لمن قال عسل؟ هل يقصدها هي؟

بدأ الليل يسدل ستاره..
نظرت ملك بضجر لهاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين، إن زميلتها في العمل الذي طُردت منه تتصل بها بإستمرار ودون توقف، لماذا تتصل بها؟ هل لتواسيها فقط؟ ماذا ستستفاد من مواساتها الان؟، اضطرت على الرد في النهاية.
- اخيراً رديتي يا بنتي
اتاها قول زميلتها براحة، فسألتها ملك بإقتضاب
- في حاجة؟
- ايوة، تعالي الشغل بكرة، المدير رجعك
نهضت ملك واقفاً بصدمة هاتفة
- نعم؟ رجعني؟ ازاي؟ لية؟

- بواسطة يا ستي اتبسطي
عقدت ملك حاجبيها بحيرة مُتسائلة
- مين؟
اجابتها الأخرى بتلقائية
- زبون تقيل عندنا
اردفت بتعجل
- انا لازم اقفل دلوقتي، بس متتأخريش بكرة ها!، سلام
واغلقت الخط سريعاً، نظرت ملك لهاتفها بذهول وهي مازالت عاقدة حاجبيها بحيرة، من الذي ساعدها للعودة لعملها؟، انفك عقدة حاجبيها حين دوى اسمه في عقلها، هل إياد من ساعدها؟

اسرعت لتضغط على أزرار هاتفها لتتصل به، وضعت الهاتف على اذنها بحدة، لماذا تدخل في امر كهذا؟، لماذا يتدخل في أمورها دون أذنها؟، هل اخبرته انها تُريد العودة؟، توقفت عند تلك النقطة وهي تُجيب بغباء، نعم انها تُريد ان تعود لعملها في المطعم فالبحث عن عمل صعب جدا.
جفلت حين وصل صوته القوي الرجولي لها عبر الهاتف
- نعم.

لا تعلم لِما توترت، لكنها حاولت ان تتجاهل توترها لتقل ما لديها وتُغلق الخط، كانت حذرة في إخراج حروفها
- لية رجعتني للشغل؟ طلبت مُساعدتك؟
سمعت صوت انفاسه الهادئة في فترة صمته، قال اخيراً
- لازم تُطلبي؟
قالت بضيق وقد ارتفع صوتها قليلاً
- مش بحب يبقى لحد جمايل عليا
تخطى قولها ليقول بإنزعاج ساخر
- مش المفروض تتصلي بيا وتشكريني؟
اسرعت لترد بإنفعال دون تفكير
- ومش المفروض تتصل بيا وتعرفني باللي ناوي تعمله؟

ابتسم في حنق قائلاً بصوت اجش
- اتصلت ولا نسيتِ؟
ازدردت لُعابها بتوتر وصمتت، بينما استطرد بجدية
- متعتبرهوش جميل، عشان عملت كدة عشاني
- عشانك؟، لية اية الفايدة ليك في انك ترجعني؟
- متعرفيش اني باجي المطعم عشانِك ولا اية!
اتسعت مقلتيها وهي تهتف ببلاهة
- نعم!
اكمل بود مُتلاعباً بكلماته
- بحب اشوفك كل يوم الصبح وانا بفطر، بحب ابدأ يومي بيكِ.

رفعت كفها لفمها تكتم شهقتها التي خرجت منها بتلقائية اثر صدمتها، احمر وجهها بشدة مع تسارع دقات قلبها التي شعرت بها بوضوح، أبعدت الهاتف سريعاً عن اذنها واغلقت الخط بتوتر، دارت حول نفسها كالمجنونة وهي تفرك كفيها ببعضهما وتفكر بإقتناع، انه لعوب كما قالت يارا ويجب عليها الابتعاد عنه بقدر المستطاع وإلا ستقع في حبه كالحمقاء.

في فيلا إبراهيم السويفي
تركت يارا سهام بعد ان صالحتها بصعوبة، تعلم انها تتثاقل عليها فقط لتشعر بإهتمام ابنتها بها لذا تصنعت ذلك بمهارة ونجحت به، لقد قضت معها اكثر من خمس ساعات وكم تعبت، توقفت عند درجات السلم حين أعلن هاتفها عن وصول رسالة جديدة، كانت من والدها، زفرت بضيق، كيف ستتخلص منه؟، فتحتها لتنظر لمحتواها وكان تهديد جديد
- خلال يومين لو الفلوس مجتش هتصل ب سهام هانم، مش دة رقمها! ٠١.

اهتزت حدقتيها بجزع، انه رقم سهام، كيف وصل اليه؟، سمعت وقع خطوات خلفها فأستدارت بتلقائية، كان عمر، هل تخبره بالأمر؟ من المؤكد انه سيساعدها لأن عائلته ستُضر لكن كيف ستكون ردة فعله!، انها خائفة منه.
لن تفكر اكثر، ستخبره وتنتهي، اوقفته بندائها
- عمر
توقف ورفع نظراته اليها، اخبرته بثبات أتقنته
- عايزة اتكلم معاك في حاجة مهمة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة