قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني عشر

في غرفة عمر
وقفت يارا امامه تضم كفيها لبعضهما البعض بتوتر لم تُظهره له، يجب ان تكون قوية او تنجح في إظهار ذلك حتى تستطيع تقبل اي رد فعل منه، لن تلومه لكنها تتمنى عدم حدوث ذلك.
- ها سامعك، في اية؟
ازدردت لُعابها ببطء قبل ان تُفرق شفتيها بشجاعة لتتحدث مُباشرةً ودون مقدمات
- في شخص بيهددني ومعاه رقم ماما سهام و..
قطع حديثها بخشونة اثر اندفاعه الحاد
- بيهددك ازاي؟، ومعاه رقمها ازاي ولية؟

ابعدت بصرها عن ملامحه التي أصبحت حادة، عينيه ترمقها بترقب وغضب، اجابته
- بيهددني انه يقول حقيقة اني مش سلمى
جحظت عينيه بغضب جامح، كيف يحدث شيء كهذا؟، هل ستُهدم خطته بسبب حقير مثله!، اقترب منها يسألها بإنفعال خشن
- مين الحقير دة؟، وإزاي عرف حقيقتك؟
جفلت جين امسك بذراعيها يهزها لتُجيبه حين أطالت في صمتها، اخرجت حروفها بخزي شديد
- ابويا
- نعم!

هتف بها بدهشة لم تستغرق ثواني حتى يتخلص منها ليضحك بعدها في غضب وهو يترك ذراعيها بعنف، استدار حول نفسه يفكر بعدم إستيعاب، لماذا يجب ان يكون والدها؟ لماذا هو بهذه الدرجة من الحقارة حتى يهدد ابنته للحصول على المال فقط؟
توقف اخيراً مُقابلاً لها، طرح سؤاله بإقتضاب
- عايز كام؟
لم ترفع نظراتها له حتى الان، لا تُريد ان ترى نظرات مُحتقرة او إتهام لها، اجابته بأسى
- نص مليون.

شتم وهو يتنفس بغضب، بينما وضحت بخفوت موقفها
- معرفتش اتصرف لوحدي فقولت ا..
قاطعها بإتهام قاسي صدمها وآلمها في نفس الوقت، كان بارد حقير وهو يقول
- بس انا اية الضمني انك مش بتضحكي عليا عشان تاخدي الفلوس دي ليكِ؟
رفعت رأسها سريعاً تنظر له بصدمة، لماذا دائماً يتهمها بنفس الامر؟ لماذا لا يثق بها؟، شعرت بنيران تسري بداخلها وقد انعكست على حدقتيها، هدرت بإنفعال اثر شعورها بالظلم.

- فاكر إن سهل عليا اني اجي اقولك ان ابويا بيهددني عشان اجي وأمثل عليك مثلاً؟، لو عايزة اضحك عليك واخد فلوس مش هتجه لحجة بابا ابداً لانه مساعدنيش في الحقيقة عشان يساعدني في كدبة انت بتتهمني بيها!
لا يشعر بإحراجها من إخباره ان والدها يهددها، كم انه امر قاتل ان تُعلِم الناس حقيقة كره والدها لها وتصرفاته معها التي أوصلته لهذه النقطة.

قاومت ألالم ألذي يدفعها للبكاء، لن تبكي امامه، حاولت الحفاظ على حدة حروفها دون تكسرها وهي تُضيف
- وانا قولتلك عشان تساعدني وتقولي اتصرف ازاي، الموضوع مش انا فيه لوحدي إنما اهلك وانت فيه وممكن يحصل حاجة لماما سهام لو عرفت، وقتها هتحمّل مين المسؤولية؟، هتحملهاني انا وانا معنديش طاقة اشيل ذنب حد
خانتها دموعها التي لمعت في حدقتيها جنباً الى جنب، قالت آخراً بصرامة.

- انا عملت اللي عليا وعرفتك، عايز تصدقني أهلاً وسهلاً مش عايز يبقى أتحمل انت مسؤولية اللي يحصل.

اتت ان تتخطاه بعد قولها لكنه قبض على ذراعها بقوة موقفاً اياها، اضطرت ان تنظر له وتقابل حدقتيه الغاضبة، كان ينوي ان يقول شيء لكنه تراجع حين رأى دموعها ونظرة الإنكسار التي تحاول التغلب عليها بحدة بندقيتها، ترك ذراعها فأكملت طريقها للخارج بصمت، إذ أكملت حديثها معه ستسقط باكية في النهاية وهذا اخر ما تريد حدوثه خاصةً، امامه.

فور مغادرتها ضرب عمر الحائط بقبضته ضربات مُتتالية غاضبة، غاضب من نفسه ومن اتهامه السخيف لها، لقد خرج اتهامه منه في لحظة غضب وثوران لا اكثر، لم يقصد اتهامها حقاً.

بينما في الناحية الأخرى، مع إغلاقها لباب غرفتها كانت دموعها قد سالت على وجنتيها، ادارت المفتاح في القفل حتى لا يدخل عليها احد ويراها بهذه الحالة الضعيفة، اتجهت للفراش لتجلس عليه وقد أصبحت دموعها كالشلالات، لن تستطيع إيقافها حتى إذ ارادت، فكم ارادت البكاء سابقاً لكنها تحملت وتحملت، اما الان لقد أُتيحت لها الفرصة حتى تتخلص من الثقل الذي تشعر به على قلبها.

التقطت الوسادة لتدفن وجهها بها وتكتم بها صوت شهقاتها التي تتعالى بطريقة مثيرة للشفقة، كم تكره شعورها الذي يعتريها الان، ألم يقبض على قلبها وروحها اليتيمة، ضجيج بين الكثير من المناقضات داخل عقلها يكاد يجعلها تنفجر صارخة بظلم، مشاعر متضاربة بين الكره والنفور والاشتياق والتمني، لماذا يجب عليها ان تُعاني للان؟، لقد كبِرت بشكل كافي حتى تستطيع إصلاح قلبها المُنكسر لكن لماذا، لماذا لا تستطيع؟

سحبها حزنها لتذكُر ماضيها المثير للشفقة، طفولتها التي شوهها لها والدها وجعلها تكبر على خوف عدم قبول الآخرين لها، فقد كان يرفضها منذ البداية، منذ ولادتها وحين اكتشف انها فتاة وليست صبي وان الطبيب اخطأ في كشف جنس الطفل.

كبرت حتى أصبحت في عمر السابعة لتستطيع تذكر معاملة والدها الجافة لها وتوبيخه لها من اقل فعل يصدر منها، وما زاد رفضه لها هو تأخر عمر عقلها، فلم تكن صاحبة ذاكرة قوية او صاحبة درجات مرتفعة في الدراسة مما اثار جنونه، تتذكر توبيخه القاسي حينها
( - انتِ جايبة بنت حمارة مبتفهمش حاجة وعندها تخلف
عانقت كوثر يارا من الخلف وهي تُعاتبه بحدة
- متقولش كدة قدامها غلط.

- غلط؟، خليها تسمع ممكن مخها الخربان دة يشتغل، دي مش نافعة في حاجة، اطلب منها تجيب حاجة تقف متنحالي، اجي اشوف درجاتها مش درجات واحدة سليمة عقلياً
أضاف بحنق وهو ينكز كتفها بخشونة
- انتِ غبية معندكيش مُخ تفكري بيه
اردف موجهاً كلامه ل كوثر
- وعشان تعرفي اليوم اللي هسيبكم فيه اعرفي انه بسبب بنتك الغبية دي).

كانت تبكي بحرقة كلما قال لها تلك الكلمات السلبية التي جعلت نفسيتها مريضة، دائماً ما كان يخبرها انها لا تروق له وانه يبغضها، وقد انتشر الامر حين أعلن هو بجبروته انه يرفض ابنته وسيغادر لأنه سئم منها، حينها تعرضت للتنمر في المدرسة وقد ابتعد عنها أصدقائها ولم يرغب احدهم في مصادقتها، فأصبحت تنزوي بمفردها ولا تتجرأ من الاقتراب لأحد.

رغم ذلك تمنت وجوده في أمل ان يتغير ويحبها، دائماً ما كانت تشتاق لشعورها بوجود أب ليس هو تحديداً، حتى حين عاد كان لديها نفس الأمل الأحمق في تغيره.
لكنها تعترف، لولا مواسات وتشجيع والدتها لها لكانت الان شخصية اخرى ضعيفة منبوذة، وكذلك ل ملك دور في تحسنها، فقد أصرت الاخيرة على التقرب منها ومُصادقتها حين كانا في الحادية عشر.

رفعت وجهها وهي مازالت تنتحب لكن بصمت، وضعت كفها على صدرها ناحية قلبها الجريح، انه يؤلمها، استلقت على السرير بنفس حالتها ونامت دون ان تخف دموعها.

اليوم التالي
اتجهت ملك لداخل المطعم، قابلت المدير فور دخولها والذي اوقفها ليتحدث معها بل ليحذرها
- رجعتك للشغل اة بس مش هقبل اي غلطة منك، سمعاني؟
تمتمت بخفوت
- حاضر
تركته واتجهت للمطبخ، القت التحية على زميلاتها فبادلوها اياها مع نظرات خبيثة، التقطت مزأرها وأثناء ارتداءه كانت تقول إحدى زميلاتها
- مش هتقوليلنا علاقتك اية ب إياد الحديدي؟
رفعت ملك نظراتها الى الأخرى سريعاً وهي تقول بتلقائية مُستنكرة.

- مفيش علاقة مابينا طبعاً
اتى قول اخر من زميلة اخرى
- اومال لية اتوسطلك عند المدير؟
تنفست ملك بضيق، قالت بإقتضاب وهي تتجه للخارج لتأخذ طلبات الزبائن
- معرفش
توقفت بتوتر فور خروجها من المطبخ فقد رأت إياد وهو يدخل للمطعم، توقف هو بدوره ينظر لها بود وإبتسامة صغيرة تعلو شفتيه، اشاحت بوجهها سريعاً وأكملت طريقها لإحدى الطاولات مُتجاهلة اياه بصعوبة.

في فيلا إبراهيم السويفي
خرجت يارا من غرفتها بهدوء، سارت خطوتين وتوقفت حين سمعت صوت صرير باب إحدى الغرفتين، استدارت لتقابل سهام لكنها لم تكن هي كما توقعت، كان عمر، تلاشت إبتسامتها فور رؤيتها له ثم استدارت لتكمل هبوطها لدرجات السلم.
لاحظ عمر رد فعلها، عَلِم انها مُتضايقة منه، تنهد واتبع خطواتها للاسفل، توقف مع نهاية السلم عاقداً حاجبيه بإستغراب وهو يتابعها بنظراته تتجه لمكتب والده!

طرقت يارا بخفة على الباب ثم دلفت حين سمعت إذنه لدخولها، قالت بنشاط مُصطنع
- صباح الخير
رفع إبراهيم رأسه عن الأوراق التي ينشغل بها لينظر لها، ابتسم بحبور وهو يقول
- صباح النور يا حبيبتي
جلست في الكرسي المقابل له وهي تطلب بلطف
- كنت جاية استلف كتاب اقرأه، ممكن؟
- طبعاً، اعتبري المكتب مكتبك.

شكرته وهي تنهض بحماس مُتجهة للرفوف للبحث عن كتاب يروق لها، راقبها وهي تتحرك، يدرس كل حركة تقوم بها، سألها وهو يبتسم بهدوء
- الوحمة اللي في ضهرك لسة موجودة؟
توقفت يدها عن تقليب صفحات الكتاب التي أخذته منذ وهلة، حركت حدقتيها حولها وهي تُجيب بحذر
- الوحمة!، اكيد لسة موجودة
رفع زاوية فمه وهو يتمتم
- اكيد
وعاد لينظر للأوراق بهدوء، رفعت الكتاب الذي بيدها سريعاً، استدارت له لتخبره
- انا هاخد الكتاب دة.

سألها دون ان يرفع نظراته لها
- اسمه اية؟
- قواعد السطوة
هز رأسه قائلاً بتشجيع
- حلو، ينفعك
ابتسمت ثم استأذنت لتغادر، توقفت فور خروجها حين رأت عمر واقفاً على جنباً مُنتظراً اياها، كادت ان تتخطاه لكنه أعاق طريقها قائلاً بصوت منخفض حذر
- كنتِ بتعملي اية جوة؟
لم تكلف نفسها الرد، كادت تُكمِل طريقها كأنه لم يُعيد طريقها لكنه لم يسمح لها بقوله المُنزعج
- بكلمك عفكرة.

تنفست بقوة وهي ترفع نظراتها المُقتضبة له، كقولها
- وانا مش عايزة اتكلم معاك، وياريت منتعاملش مع بعض إلا قدام اهلك
ثم تخطته بخطوات حازمة، فلم يُعيق طريقها هذه المرة.

في المطعم..
خرجت ملك من المطبخ وهي تحمل الصينية لتتجه بها للطاولة المقصودة، لمحته بطرف عينيها، مازال إياد جالساً في مكانه ولم يغادر، تباً له لماذا يُصر على جعلها متوترة!، وضعت الأطباق على الطاولة بيد مُرتجفة، وحين حملت طبق الحساء الساخن سقط منها في جانب الزبونة التي تلطخت ملابسها بعض الشيء فصرخت بغضب وهي تنهض
- ما تحاسبي، اية الغباء دة!

اعتذرت ملك بتوتر وحرج عدة مرات، لم تكترث الزبونة لإعتذاراتها واكملت توبيخها
- مدام انتِ مش قد الشغل دة بتشتغلي لية؟
- اسفة جدا بجد، اسفة
اتت عاملة النظافة لتنظف الارض ومازالت ملك تعتذر لكن الأخرى مازالت توبخها مما اثار جنون إياد الذي كان يتابع ما يحدث بحنق، حاول التماسك وألا يتدخل لكن تلك الزبونة الحمقاء تُثير غيظه، أشعرته ان ملابسها مصنوعة من الذهب.

نهض ليتجه ل ملك ويقف خلفها، قال بكبت وهو يضع كفيه في جيوب بنطاله
- مالِك مأفورة الدنيا كدة لية؟، دي طرطشة شوربة مش حوار يعني
نظرت له الزبونة بغضب من إستهانته بالموقف التي هي فيه، قالت بصوت مرتفع حانق
- وانت بتدخل لية؟ وغير كدة همشي بالشكل دة ازاي؟
رمقها بإستخفاف قبل ان يسخر بنبرته الباردة المستفزة
- شكل البلوزة كدة احلى صدقيني البقعة دي عملتلها شكل فأشكريها
جحظت حدقتيها وهي تهتف بشراسة.

- نعم!، انت عارف البلوزة دي م...
قاطعها بملل مُحرِجاً اياها
- مش عايز اعرف، مش هنتصاحب احنا
تسارعت انفاس الزبونة اثر غضبها وغيظها من هذا الأحمق الذي تدخل في امر لا يعنيه، صرخت بثورة
- فين المدير؟ فينه؟
فزعت ملك وحاولت تهدأتها بجزع
- اهدي لوسمحتي اهدي
دفعت الزبونة يد ملك بعنف التي مدتها لتربت على ظهرها، فغضب إياد وهتف بجدية وصوت جهوري
- على فكرة انتِ قليلة الذوق.

جفلت ملك من صوته وصُدِمت من جديته المُفاجئة، لم تكن الوحيدة التي صُدِمت فلم تكن الزبونة اقل منها صدمة، انه يتطاول عليها!
اتى المدير ينظر لهذه الاجواء المُشتحنة، فأتاحت ملك له الطريق وهي تُحدِث نفسها بخوف وإستياء
- هتطرد وش.

قصت عليه الزبونة ما حدث وكان كل تركيزها على إياد فتحولت المشكلة بين زبونين، استدعاهم المدير لمكتبه بتهذيب فذهبا معه، نظر إياد نظرة سريعة ل ملك التي كانت تنظر للاسف بأسف، استدار عائداً لها فرفعت نظراتها له حين رأت قدمين تقترب منها، سألها بخفوت
- انتِ كويسة؟
رمقته بحنق وهي تُجيبه بحدة بجانب نبرتها الخافتة
- لما تبعد عني هبقى كويسة.

تختطه بخطوات غاضبة عائدة لعملها، بينما ظل واقفاً للحظة يفكر، هل تدخله جعل الوضع يسوء اكثر؟

في حديقة الفيلا، كانت يارا جالسة مع سهام يتحدثان الاثنان عن امور عدة، اتى عمر وجلس مُقابلاً لهم بهدوء، كان يرفع نظراته من حين لاخر ل يارا التي تضحك وتبتسم ل والدته، تدخل في حديثهم فجأة مُبدياً رأيه
- مش هيليق عليكِ
لم ترفع نظراتها له، بينما قالت سهام بثقة
- بنتي حلوة في كل حاجة
- طبعاً طبعاً
قالها بإستخفاف وهو يخفض حدقتيه لهاتفه بإحباط، لم تستجيب لمحاولة إستفزازه لها، نهضت يارا ناظرة لساعة يدها.

- الساعة تلاتة، هروح لماما كوثر زي ما قولتلك
نبهتها سهام وهي تُثقل على حروفها
- بس متتأخريش
تمتمت وهي تميل لتُقبلها
- حاضر
فور اعتدالها وجدت عمر يقول
- تعالي هوصلك
- ربنا يبارلك يا حبيبي
قالتها سهام له، فإبتسم وهو ينهض ليلحق ب يارا التي ابتعدت هاربة فور عرضه لإيصالها.

توقف للحظة حين وصلا لبوابة الفيلا، رفع زاوية فمه بسخرية حين لاحظ خطواتها السريعة التي تدل على انها تهرب منه ومن إيصاله لها، هتف بخبث وإستمتاع
- حاسبي تُقعي بس وانتِ بتجري كدة.

وكأنه كان يتنبأ بسقوطها لتتعثر وتسقط ارضاً، مال بجسده وهو يضحك بقوة من بعيد بينما ضمت هي قبضتها بحنق لكن ألمها كان يُشغلها اكثر، نظرت لبنطالها الذي تمزق عند ركبتها تمزُق طفيف، انها تؤلمها، همت للنهوض لكنها وجدت كفيه يمسكان بذراعها من الخلف ويُنهضها برفق، سألها وهو يبتسم كالأحمق
- كويسة؟
نظرت له بطرف عينيها بغيظ، ابتعدت لتتخلص من كفيه المُمسكان بها لتستدير بحدة له.

- لية قولت انك هتوصلني؟ مش كنت بتضايق من توصيلي؟
اخفض كتفيه مُجيباً بصراحة
- عشان اتكلم معاكِ
ابتسمت بتهكم وهي تسأله بضيق لم تستطع إخفائه
- تتكلم مع واحدة حرامية ونصابة؟
حدق بها للحظة قبل ان يُجيب مُبرراً بحرج
- كنت متعصب وقتها، فمتاخديش بكلامي
ردت بخشونة وإستياء لمع في حدقتيها
- لا هاخد بيه لان دة تفكيرك عني
اخفض رأسه صامتاً لثوان، قال اخيراً مُعتذراً
- اسف على اللي قولته، فعلاً مكنش قصدي.

اشاحت بوجهها عنه حين شعرت بصدق إعتذاره، قالت بجفاء تصنعته
- خلصت؟، عايزة امشي
ابتسم بهدوء مُغيظاً اياها برده
- خلصت، يلا عشان اوصلك
يعلم انها ستعترض لذا اسرع ليمسك بكفها ويسحبها خلفه، اتسعت مقلتيها قليلاً وهي تنظر لكفه الذي يضم كفها، شعرت بالتوتر، سحبتها بعنف وهي توبخه بخشونة تخفي بها توترها المُفاجئ والجديد.
- بعرف أمشي لوحدي.

توقف رافعاً كفيه مُعلناً إستسلامه، انتظر ان تسبقه ببضع خطوات للسيارة ليكمل سيره خلفها.
- هديكِ الفلوس بكرة
قالها وهو يُدير المقود، اخبرته بعد صمت وهي تنظر امامها
- مش هروح لوحدي
رد ببساطة وهو ينظر للطريق
- مكنتش هسيبيك تروحي لوحدك
تساءلت بريبة، لماذا اصبح يتعامل معها بشهامة؟ هل يحاول إصلاح علاقته معها؟ لكن هذا تصرف بعيد عنه، تباً انه يجعلها مُضطربة.
قالت بعدوانية بعد صمت.

- لو عليا مش عايزاك بس عشان تشوف يعينك ان الفلوس دي مش هاخدها
تنهد بإستياء بداخله، لن تنسى ما قاله وستظل تُذكِره وتُشعره بالذنب، لم يرد ليتجنب جدال لا حاجة له.

مساءً
كانت يارا ووالدتها جالستان يتحادثان عن عملها، كانا يتناقشان، فليس من السهل إقناع كوثر وجعلها ترضى عن عمل يارا.

نهضت يارا لتحضر لوالدتها دواءها وتجعلها تتناوله، بعدها جلست مُقابلة اياها شاردة الذهن، تفكر في التحدث عن والدها للمرة الاولى مع والدتها، كانا يتجنبا ذِكره في حديثهما، كان سبب كوثر هو حماية ابنتها من تذكُر تلك الايام السيئة والتي تؤذي يارا، اما الاخيرة كانت تتجنبها حتى لا تُحزن والدتها فحين تأتي سيرة والدها تشعر بحزن وحسرة والدتها.

لكن هذه المرة ارادت فتح الحديث معها عنه، ليس لتذكر الماضي بل لترى رد فعل والدتها وهل ستتقبل فكرة موافقتها على مُقابلتها لوالدها دون علمها!، حتى انها تُريد إرشاد والدتها لها في تهديده لها.
تشجعت وسألتها ببطء
- هتعملي اية يا ماما لو بابا رجع؟
حدقت بها والدتها وقد اظلمت حدقتيها، همست والدتها بعد لحظات من الصمت
- مش هيرجع، مش هينفع يرجع
ازدردت يارا لُعابها قبل ان تمتم بخفوت
- بقول لو يعني.

تنهدت كوثر وهي تجول بنظراتها حولها بتوتر، هدرت بأسى
- معدش ينفع نحط الاحتمال دة يا بنتي
- لية؟
شعرت بالفضول حول رد والدتها الغامض، لماذا لا ينفع؟ لقد عاد، انه عاد.
استقرت حدقي كوثر على نقطة بعيدة جداً عن يارا، شعرت بصعوبة خروج كلماتها لكنها مُضطرة، يجب على ابنتها ان تعلم الحقيقة، لقد حان الوقت.
- ابوكِ مات يا يارا من سنتين.

اتسعت مقلتي يارا على مصرعيها غير مستوعبة ما قالته والدتها، من مات؟، هل والدها ميت؟ ماذا؟ كيف؟
أكملت كوثر حديثها مُبررة تكتمها على الامر
- محبتش اقولك وقتها عشان حسيت ان ملهوش لازمة تعرفي لان هو كدة كدة مش موجود في حياتك
فرقت يارا شفتيها لتخرج حروفها وهي مازالت تحت تأثير الصدمة
- بس، بس هو..
قاطعتها كوثر بسرد ما حدث يومها.

- جالي الخبر يومها من اخته، عمتك اللي مفكرتش تتصل بينا ولو مرة تطمن علينا واتصلت لما مات، مش عارفة كانت مستنية منا اية؟ نزعل عليه مثلاً!
تشتت يارا، أصبحت تنظر حولها تحاول جمع شتات نفسها وتفكيرها، والدها ميت، إذاً ذلك الشخص الذي حدثها ليس والدها؟ انه نصاب؟ لكن كيف علِم بحقيقتها ولماذا يفعل بها ذلك وكيف يستغل ذلك؟ من المؤكد انه شخص يعرفها.
- ورفضت الميراث، نصيبك ونصيبي.

اتسعت مقلتي يارا وقد استيقظت من صدمتها حين سمعت قول والدتها، رفضت حقها؟، لماذا؟، قالت بخفوت مُرهق وقد بدأت انفاسها تتسارع
- لية عملتي كدة؟
- مش عايزين حاجة منه
اجابتها كوثر بهدوء، جفلت الاخيرة حين نهضت يارا بخشونة صارخة بثورة
- دي اقل حاجة يقدمهالنا لية رفضتيها؟، لية رفضتي اخد حقي منه!، مش كفاية انه مدانيش حقي فيه عشان تحرميني من حقي في فلوسه اللي استخسرها فينا؟

سالت دموعها بقهر مع تهدج وإنخفاض صوتها تدريجياً، كم تشعر بالظلم في هذه اللحظة
- مات بالبساطة دي من غير ما يعتذرلي؟، من غير ما يبوس راسي يقولي حقك عليا انا اسف؟ لسة مشوفتش في عينيه الدموع بسبب شعوره بالذنب، لسة معتذرليش، ازاي مات وهو لسة معملش كل دة؟ مات وارتاح وانا اية؟ انا اية؟
اندمجت حروفها الاخيرة مع بكاءها المرير الذي مزق قلب والدتها عليها، سقطت جالسة تضرب الارض بقبضتها بقهر، تتمتم وهي تنتحب.

- انا اية! انا اية؟
رفعت كفها لصدرها تضرب عليه بقوة مع خروج صرخة غاضبة مكبوتة بداخلها، فبكت كوثر بألم لرؤية ابنتها تتألم بهذه الطريقة القاسية.

في منزل ملك
خرجت ملك من غرفتها لتساعد والدتها في إعداد العشاء، اخذت تقطع السلطة الذي يحبها والدها، بدأ والدتها الحديث معها
- جالك عريس
ادارت ملك حدقتيها في مقلتيها بضجر مُتسائلة دون حماس
- مين المرة دي؟
- ابن صاحب ابوكِ، من البلد
توقفت يد ملك عن تقطيع الخضراوات لتنظر لوالدتها بإستنكار
- البلد؟، مستحيل
اتى صوت والدها الحاد من خلفهم
- ومالها البلد يا ملك؟
استدارت له ملك موضحة ببساطة.

- مش عايزة اتجوز واحد من البلد عشان مش هعيش هناك، صعب عليا اعيش عيشتهم
قالت والدتها بضيق
- مالها عيشتهم؟، دي عيشتهم تجيب الراحة النفسية للواحد، تصحي تلاقي الزرع قدامك والفراخ هناك و...
قاطعتها ملك بتهذيب
- لوسمحت مش عايزة اتجوز دلوقتي، ممكن؟
هتف والدها بضيق
- هتفضلي قاعدة معانا يعني؟
صمتت ملك وعادت لتقطيع الخضراوات، فعاد والدها للصالون بينما رمقتها والدتها بلا أمل.

مغرب اليوم التالي
خرجت ملك من المطعم بعد ان انتهت من عملها، كانت تسير على الرصيف بفكر شارد، لقد اختفى إياد ولم يأتي اليوم، ولم تره أمس بعدما تركته غاضبة لكنها سمعت من زُملائها انه دافع عنها امام المدير وانه لم يرحم تلك الزبونة من إنتقاده، تباً انها تفكر به رغماً عنها.

تباطأت خطواتها فجأة حين رأت من كانت تفكر به يقف امامها مُستنداً بجسده على سيارته، انها ترى جانبه فقط، تسارعت دقات قلبها الغبي من رؤيته فقط، هل اتى لرؤيتها؟، اتتها الإجابة سريعاً وكم كانت صادمة، فقد رأته يفتح ذراعيه ليستقبل فتاة تركض اليه مُعانقاً اياها مع إبتسامة واسعة على شفتيه.

سقطت ذراعها المُمسكة بحقيبتها بصدمة وهي تحدق به من بعيد، ألم يُخبرها انه مُعجب بها؟ لقد اهتم بها وساعدها كثيراً، لماذا كان يتصرف هكذا معها وهو مع اخرى؟، اشاحت بوجهها الناحية الأخرى موبخة نفسها، لماذا تشعر بالخيبة والخيانة؟ لا يجب عليها الشعور بذلك، فهو لا احد بالنسبة لها.
اجبرت نفسها على السير دون ان تلتفت مرة اخرى لتنظر له، حتى انها سارت في طريق مُعاكس عن طريق عودتها حتى لا يراها.

شعرت بدمعة تسيل على وجنتها، تباً لماذا تبكي؟ كم هي حمقاء.

صعدت يارا بجوار عمر في السيارة وانطلقا الى المكان الذين اتفقوا على مقابلة والدها المُزيف فيه.
كان ينظر لها من حين لآخر وبداخله فضول شديد حول ما حدث لها فجأة، فمنذ ان عادت من زيارة والدتها وهي صامتة مع الجميع حتى والدته تختصر معها الحديث، كذلك هو حاول ان يستفزها اكثر من مرة لكنها لا تستجيب ابداً.
أراد ان يفتح معها حديث، لذا سألها بحيرة
- لية السيد الوالد اختار مكان مقطوع زي دة؟

اجابته بجفاء وهي تنظر لأصبعها الذي تُلاعب به ميدالية
- انا اللي اخترت المكان دة
عقد حاجبيه بإستنكار
- انتِ؟، لية؟
نقلت بصرها للطريق بحدقتين مُظلمتين، اجابته بخفوت غامض
- لانه مناسب
تعجب من ردها، فلم يفهم كيف مُناسب؟
وصلا للمكان المقصود، التقطت الحقيبة التي بداخلها النقود وفتحت الباب لتترجل، اوقفها عمر بقوله
- متقلقيش، هياخد الفلوس من هنا وهدخله السجن من هنا.

اومأت برأسها وترجلت لتقترب من ذلك الرجل النصاب الذي يقف على مسافة منها، بينما ظل عمر مُنتظراً داخل السيارة بناء على رغبة يارا.
مع كل خطوة كانت تخطوها له كانت النيران بداخلها تتلظى، والحقد بقلبها يزداد، تُقسم انها لن ترحمه، توقفت امامها بينما قال برضا
- جبتي الفلوس، شاطرة بتسمعي الكلام
ابتسمت بشراسة وهي تقول بهدوء
- طبعاً لازم اسمع الكلام وإلا هتكشف حقيقي
- حلو، يلا هاتي الفلوس.

مد كفه مُنتظراً تقديمها للحقيبة، اختفت ابتسامتها تدريجياً مع تبدُل ملامح وجهها لتصبح قاسية، قالت بخفوت مخيف
- طبعاً هدهالك اومال اية!
وما لبثت ان انتهت من جملتها حتى رفعت يدها المُمسكة بالحقيبة لتضرب رأسه بها بكل قوة تملكها فصرخ بألم وهو يسقط أرضاً، فهل تهدأ!، ابداً، تقدمت منه وأكملت ضربُه بالحقيبة وهي تهتف بغل
- تضحك عليا؟، فاكرني مش هعرف انك واحد نصاب؟، هتضحك عليا بالسهولة دي يا حقير؟

شهق عمر بصدمة واتسعت مقلتيه غير مستوعباً ما يراه، ماذا يحدث؟ لماذا ضربت والدها؟ كيف ضربته؟، ظل مصدوماً يتابع ما يحدث بحماقة، لم يتحرك إنشاً واحداً، لكن حين رأها تُلقي بالحقيبة جانباً لتلتقط بدالها صخرة متوسطة الحجم فزع، هرع ليترجل ويركض لها ويمنعها صارخاً
- بتعملي اية يا مجنونة؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة