قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل السابع

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل السابع

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل السابع

وضعت يارا المال في حقيبتها وهي تتخطى الحاجز الأمني للسوق التجاري، توقفت للحظات تنظر حولها بسخط، كم تكره التسوق والآن هي تتمنى فقط ان تجد فستان لائق لتشتريه دون عناء او بحث ممل، دخلت اول محل صادفها، لم تجد ما يعجبها، اتجهت للمحل الذي يليه، أعجبها احد الفساتين وقررت قياسه، لكنه بدى سيء جداً عليها، خرجت من المحل الاخير وصعدت السلم الكهربائي لتصل للطابق الثاني وتدخل محل آخر لتخرج منه خائبة كسابقيه.

توقفت للحظة وقد تذكرت انها قد نست حقيبتها في غرفة القياس، هرعت للمحل لتقتحم غرفة القياس الفارغة التي استخدمتها، حمدت الله حين رأتها مُعلقة كما هي، اخذتها وهي تتنفس براحة ما لبثت ان تلاشت وحل محلها الإحباط، هتفت بجزع
- فلوسي راحت فين؟، انا اتسرقت، الفلوووس!
اقتربت منها البائعة تسألها بقلق
- طب اهدي حضرتك ا..
قاطعتها بخشونة
- اهدى اية!، بقولك الفلوس اتسرقت، نسيت الشنطة رجعت اخدها ملقتش الفلوس فيها.

- تعالي معايا حضرتك وهنشوف الكاميرات ونتأكد
شاهدا ما سجلته كاميرات المراقبة من لحظة مغادرة يارا، وجدوا ان فتاة دخلتها ومعها فستان وما لبثت ان خرجت تاركة ما أخذته لتقيسه، اخبرتها البائعة بهدوء محاولة إعطائها امل
- هتصل حالاً بأمن المول عشان يمسكوها ومتهربش، وإن شاء الله فلوسك هترجع.

ضمت يارا كفيها لصدرها وهي تدعوا الله ان تجد ذلك المال، ماذا تفعل إذ لم تُعيده؟، هل سيحاسبها عمر عليه ويطالبها به، لكن من اين ستأتي بذلك المبلغ لو طلب! ألا يكفيها أزماتها المالية الحالية؟، تجمعت الدموع في مقلتيها رغماً عنها، حاولت ان تكون قوية وان تُطمئِن نفسها وتعطيها أمل لكن تلك الفكرة أثقلتها.
- ممكن حضرتك تنزلي تستني في أوضة الأمن.

اومأت يارا برأسها ونهضت مُغادرة، توقفت خارج المحل مخفضة رأسها بحزن، لا تستطيع التغلب على افكارها السلبية التي تراودها الان، وأكثر ما تخافه هو رد فعل عمر ليس من صراخه، بل من طلب النقود منها.
تحركت بخطوات بطيئة وقد بدأت دموعها تنزلق من مقلتيها واحدة تلو الأخرى، تلوم نفسها، انه خطأها، كيف نست حقيبتها بتلك الطريقة الغبية!
توقفت حين قابلها جسد ضخم، عرفته من صوته
- في اية؟ حصل اية؟ بتعيطي لية؟

رفعت نظراتها له وارتجفت شفتاها لتتعالى شهقاتها، وضعت كفها على عينيها تخفيهما، اجابته بنحيب
- الفلوس اتسرقت مني، الفلوس اتسرقت، الفل..
اخفضت كفها بجوارها لتعود وتنظر له بلوم
- قولتلك الفلوس كتير وممكن تتسرق، شوفت قلبي كان حاسس ازاي!
عادت لتبكي بقوة من جديد وهي تهمس بقهر
- هعمل اية دلوقتي!، هتحاسبني عليهم اكيد، طب هجيبهم منين!
مسحت دموعها بظهر كفها دون ان تستطيع ان توقف بكائها، اخبرته بصدق من بين شهقاتها.

- خلاص مش عايزة اروح الحفلة، بس متاخدش الفلوس مني
تعاطف معها، شعر بالشفقة عليها!، كل خوفها وما يهمها هو المال!، لكنه يتفهم حد تفكيرها، ابتسم وهو ينحني قليلاً ليصل لطولها الأقصر منه، نظر في وجهها بتعمق وهو يقول بخفوت لطيف
- خلاص مش مشكلة، المهم انك كويسة، مش مهم الفلوس
رفعت حدقتيها اليه بذهول ظهر بين دموعها الكثيفة، لديها حق، فكيف تتوقع من عمر رد مُسامح كهذا!، اكمل الاخير بإبتسامته الجذابة!

- ومتقلقيش، مش هطلبهم منك
شقت الابتسامة شفتيها بتلقائية ودون ان تشعر، وبدت الراحة على ملامح وجهها، تنفست بقوة وقد انتهت دموعها، مسحت وجهها بكفيها ويبدو انها عادت لطبيعتها!، قالت بجدية
- طب انا كنت رايحة للأمن عشان لو في اي أخبار، هنروح ولا مش مهم؟
رفع حاجبيه بذهول من تغيرها السريع، مد يده ومعه هاتفها ليعطيه اياها قائلاً
- روحي انتِ كملي لف على فستان، وانا هروح اشوف الموضوع مع الأمن واجيلك.

صمتت لبرهة قبل ان توافق، تعلم انه مُضطر لأخذها للحفل بسبب والدته.

اغلقت الخط معه بعد ان اخبرته عن اسم المحل الذي تتواجد فيه حالياً، عادت لتنظر للفستان الذي امامها، احمر اللون، طويل ذو شريط اسود لامع حول الخصر مع فتحة صغيرة للصدر وذراعين من الدانتيل، سمعت صوته من خلفها يقول
- لا مش حلو، ممكن نشوف دة!
وأشار لفستان اخر بجانبه، نظرت لِما اختاره، سألته وعينيها مُعلقة على الفستان الذي اختاره
- ها مسكوها؟
- لا
تنهدت بإستياء واعتذرت
- انا اسفة.

نظر لها وابتسم بشيء من الدهشة، انها تعرف كيف تعتذر إذاً!، تمتم
- مش مشكلة
اردف مُقترحاً
- تعالي، اعرف محل فساتين اكيد هتلاقي فيه اللي انتِ عايزاه
رفعت رأسها تنظر له بضجر
- ياريت عشان زهقت
- زهقتي!
سارا معاً للخارج، اجابته
- مش بحب أتسوق اصلاً
صحح لها
- اسمها شوبينج
رمقته بإنزعاج، فبرر
- لو قولتي أتسوق قدام حد من الناس اللي نعرفهم هيتريقوا عليكِ
زمت شفتيها بسخط هامسة
- اية الناس الغريبة دي
- هو دة.

توقفت اثر توقفه ونظرت للمحل الضخم الذي امامها، يبدو عليه الرُقي، سألته بفضول
- وعرفته منين؟
لم يُجيبها فوراً، فقد صمت للحظات قبل ان يأتيها صوته الأجش الخافت
- ملكيش دعوة
شعرت بتغير نبرته واهتزاز حدقتيه، لم تكترث كثيراً وهمت للدخول والبحث عن فستان، صُدِمت من الأسعار، هتفت بإستنكار
- فستان ب عشرين الف؟ بتهزر؟
- وطي صوتك فضحتينا
ادركت نفسها وحاولت التحكم في صدمتها، اقتربت منه هامسة بسخرية.

- اية فستان من دهب!
تخطى سخريتها وقال بهدوء
- خلصي شوفي هتشتري اية وملكيش دعوة بالسعر
- ازاي مليش دعوة، دة تبذير
زفر بنفاذ صبر وتخطاها ليشير لإحدى الفساتين
- ها اية رأيك؟
اعترضت بقوة
- مش هلبس عريان اكيد
اختار لها اثنين آخرين لكنها اعترضت، تنفس بقوة ونفاذ صبر، سألها بحدة
- اية اللي مش عاجبك فيهم؟
اجابته بإنفعال لم يكن له داعي
- واحد ايديه عريانة والتاني الرجل والتالت فتحة الصدر، مش متعودة البس لبس مكشوف كدة.

- طب اختاري انتِ مدام اختياراتي مش مناسبة لحضرتك
رمقته بغيظ وابتعدت لتبحث في الارجاء، توقفت عند فستان كحلي من القماش المخملي ضيّق ومرفقة بحركة صغيرة عند جانب من الخصر، كما اتّسم بالأكمام الطويلة وفتحة صدر صغيرة، لمعت عينيها بإعجاب
- دة حلو، هجربه
لم ينل إعجابه وهذا ظهر جلياً في نظرته، قال مُقترحاً بهدوء
- شوفي غيره
اسرع ليردف مُتراجعاً، فهو يعلم انها تسير عكسه، لذا ترك الامر لها.

- اعملي اللي تعمليه، انا هدفع وبس
ضحكت بخفة، اصبح يعرفها، لكن هذه المرة لم تكن لتعانده، كانت ستفعل الأفضل.
خرجت من غرفة القياس وأخبرته
- هاخده
لم يجادلها، اتجه ليدفع لكنها اوقفته لتقول بخفوت بجانبه
- ينفع نأجره لبكرة وبس!، عشان حرام نشتريه دة غالي اوي
رمقها بنفاذ صبر قائلاً بتذمر
- هي فلوسك!، لا، يبقى ملكيش دعوة.

مطت شفتيها بتبرم، فحتى إن لم تكن نقودها، فلا يجب عليها استغلال ثراءه والتبذير فيه دون مُراعاة.
نظرت لساعة يدها وصُدمت، كيف مر الوقت وحل المساء!، كيف ستذهب لوالدتها الان؟، زفرت بضيق وهي تخرج هاتفها مُبتعدة لتتصل بوالدتها وتتحجج بنفس حجة العمل الزائف.

دقت عقارب الساعة منتصف الليل..

بين ذلك الظلام الموحش والهدوء المخيف، هناك نقطة مُضيئة في الغرفة مُعلقة نظراتها بها، وقلبها يشعر بالخوف والفراغ البارد، تشعر بحاجة مُلحة بأن تذهب لوالدتها وتنام بجوارها بين ذراعيها الدافئتين، خرجت انفاسها من بين شفتيها بنعومة وهي تحيد بحدقتيها عن تلك البقعة الى ارجاء الغرفة المُظلمة وقد ترسخت تلك الفكرة في رأسها، ستنهض وتغادر لتعود لمنزلها المتواضع ودفئه، لقد اشتاقت الى جدرانه المشققة والقريبة منها، فكرت بحزن، ما شعور والدتها وهي تقضي مساءها بمفردها؟ بالتأكيد تشعر بالوحدة رغم مناوبة ام محمد و ملك على زيارتها وقضاء الكثير من الوقت معها.

عزمت امرها ونهضت لتبدل ما ترتديه بملابسها القديمة المعتادة، انها تحرص على ارتداء ملابسها القديمة في زياراتها لوالدتها والبُعد تماماً عن الملابس الذي يبدو عليها الرُقي التي اشترتها لها سهام.
تسللت خارج غرفتها بخفة وحذر مُغادرة، طلبت سيارة أُجرة لتوصلها الى منزلها بأمان.

فكرت في رد فعل عمر الذي سيعنفها بالتأكيد، لكن لا بأس في مُجادلة صغيرة تُضاف لتلك الأساسية المُعتادة بينهم، وأيضا انها ستحاول ان تعود صباحاً قبل ان يشعر بمغادرتها احد.

وصلت لمنزلها في وقت قصير، دست المفتاح في القفل وادارته لتدلف للداخل، وضعت أغراضها جانباً وتقدمت حيث كانت والدتها نائمة، أخذت مكان بجوارها مُعانقة اياها بقوة، شعرت بها كوثر وفتحت عينيها لترتسم الابتسامة سريعاً على شفتيها وهي تقول بصوت ناعس
- جيتي!
- ايوة، استأذنت عشان اجي انام معاكِ، وحشني حضنك يا ماما
ربتت كوثر بحنان على ظهر يارا وصمتت، قالت بعد دقائق.

- سيبي الشغل المتأخر دة يا يارا، انا مش حاباه، مش حابة تباتي برة بعيد عني
تنهدت يارا مُطالبة برجاء
- استحملي الوضع دة لشهرين كمان وبس، وبعدها هرجع تاني لشغلانة واحدة و..
قاطعتها كوثر بنبرة غريبة وهي تسأل
- مش مخبية عني حاجة يا يارا؟
لم تجرأ يارا لرفع نظراتها لوالدتها وهي تكذب بوقاحة امام عينيها
- اخبي عليكِ اية بس يا ست الكل، بس لازم اضغط على نفسي واشتغل جامد عشان القرض والبيت.

صمتت كوثر لدقائق وقد ظهر عليها التردد، تنهدت قبل ان تُخرج ما بداخلها من افكار
- الصراحة انا خايفة عليكِ، انا واثقة فيكِ، اهو بقول انا واثقة فيكِ بس خايفة لتروحي لطريق الغلط و..
فزت يارا من مكانها كأن أفعى لدغتها، فقد صُدِمت مما تعتقده والدتها، هتفت مُدافعة عن نفسها
- مستحيل، متفكريش كدة يا ماما بيا ابداً، مستحيل امشي بطريق غلط عشان محتاجة فلوس وبس، انتِ مربتنيش على كدة، والمكان اللي بشتغل فيه ب...

سقطت بقية حروفها تدريجياً، لا تريد ان تكذب على والدتها اكثر، استدارت وهي تمسح وجهها بقوة مُتنهدة، قالت بخفوت مرهق
- ممكن تديني فرصة يا ماما!، قريب جداً هقولك على كل حاجة بس، بس خليكِ واثقة فيا.

تأملت كوثر ابنتها للحظات قبل ان تهمهم بالموافقة، ستنتظر، ستمنحها الوقت لتأتي لها وتخبرها بما تخفيه عنها، انها تثق بها ثقة عمياء، وتقسم انها لم تشك بها ولو بمقدار خردل، انها فقط تريد ان تطمأن، ان يكون لديها فكرة عن عملها المجهول، ان ترد بثقة امام الناس وامام اي اتهام او تلميح يمسها، مدت ذراعها وهي تناديها بصوت حاني
- يارا، تعالي لحضني.

عادت يارا لذراعي والدتها بلهفة، لم ولن تشبع من دفئه ابداً، بعد لحظات من الصمت الجميل، قالت كوثر
- واثقة فيكِ لأنك تربية ايدي، بس خلينا نتفق على رد قدام كلام الناس و اي سؤال عن شغلك وغيابك
رفعت يارا رأسها لتنظر ل كوثر قائلة بهدوء
- انتِ عارفة ان الناس وتفكيرهم وفضولهم ميهمنيش، الناس القريبة مني بس هما المهمين، بس عشان ترتاحي هقولك على رد يكتم ظنونهم لو كان في..

وأخذا يتحدثان حتى غلبهم النوم وذهبوا في سبات عميق.

مع بداية إشراق الشمس، كانت يارا قد استيقظت وجهزت الإفطار لوالدتها التي مازالت نائمة ثم غادرت بهدوء.

ترجلت يارا من سيارة الأجرة امام الفيلا وعبرت البوابة بخطوات مُتسارعة، افضل شيء انه لا يوجد حُراس او خدم ليرونها في هذا الوقت، تخطت باب الفيلا واتجهت الحديقة حتى تدخل من شرفتها، لكنها تصلبت حين رأت عمر جالساً على الكرسي من بعيد ووجهه في اتجاهها، كتمت انفاسها وهي تراه مُسترخي مغمض العينين بهدوء لذا حاولت الفرار والانسحاب دون ان يشعر بها، لكنها ما لبثت ان استدارت حتى سمعت صوته الأجش
- بتعملي اية هنا؟

ضمت قبضتها بإنزعاج وهي تسب بداخلها، كيف شعر بها؟، استدارت رغماً عنها لتتقدم منه وتسحب الكرسي المقابل له وتجلس، قالت بفظاظة
- ملكش دعوة
ظل ينظر لها مُنتظراً الإجابة التي يريدها، كانت تراه من طرف عينيها، عادت لتعدل اجابتها وهي تجز على أسنانها
- في بيتي
عقد حاجبيه بإستغراب مُتسائلاً
- روحتي امتى؟
- بعد ما الكل نام
فرقت شفتيها لتحذره وهي تنظر لعينيه مُباشرةً، لكنه سبقها بسؤاله المهتم الذي بدى غريب لها.

- حصل حاجة؟، مامتك تعبت تاني؟
حدقت به لبرهة مُفرقة شفتيها ببلاهة اثر ذهولها، هزت رأسها ببطء بالنفي هامسة
- لا الحمدالله
هز رأسه مكرراً كلمتها الاخيرة، وساد الصمت لتقطعه هي بسؤالها التي طرحته بإقتضاب
- غريبة صاحي لية؟، الساعة لسة ستة
تنهد بإستياء وهو يُجيب ونظراته مُعلقة بهاتفه
- مش عارف، صحيت على كابوس ومعرفتش انام تاني.

غمغمت بتفهم وأسف، وعم الصمت مرة أخرى، تابعته وهو يعبث بهاتفه، يضغط على حروف كثيرة ثم يُرسل، أهذه رسالة جديدة لحبيبته؟، هزت رأسها بأسف وهي تحدث نفسها بشرود ناظرة لنقطة بعيدة عنه
- بيبعت رسايل مش هتوصل
وصله قولها الذي هز داخله، رفع نظراته لها ببطء وظل هادئاً للحظة قبل ان يسأل بخفوت جاذباً حدقتيها لخاصته
- قصدك اية؟

ادركت ما قالته فعضت شفتيها وهي تنعت نفسها بالحمقاء، متى ستتخلص من هذا التصرف اللا شعوري الذي يخرج منها، سعلت بخفة وهي تقابل نظراته الفضولية، لم تهرب ولن تُمثل الجهل، صارحته بحروف رزينة
- رسالة مش هتتقرأ من الطرف التاني يبقى تبعتها لية؟
وكأنه ادرك بل تأكد عن من تتحدث هي وتقصد من بقولها، لذا سألها بثبات
- وانتِ عرفتي منين انها هي؟
- مش عارفة، توقعت.

صمت مرة اخرى وهو يخفض رأسه قليلاً، صدح صوته فجأة بسؤال لم تكن تتوقعه ابداً
- عايزة تعرفي اية الحصل بينا؟
قوله صدمها جعل فكها يسقط، هل سيتحدث معها في ذلك الامر؟، هل هما مقربين لتلك الدرجة حتى يخبرها بذلك بنفسه؟، ردت بحروف شاردة لكنها ثابتة
- لو عايز تقول، انا سامعة
لم يرفع رأسه لينظر لها، ابتسم بخبث وهو يقول بتهكم
- صدقتي اني هقولك!

ثم ضحك بخفة وهو يلتقط هاتفه مرة اخرى، عضت شفتيها بحنق وهي تكاد ان تحرقه بالنيران التي تنبعث من حدقتيها بشرارة، لقد كانت تعلم انه لن يتحدث معها عن امور شخصية كهذه، تمنت لو سخرت ورفضت بلامبالاة حين سألها، لا يجب ان تتعاطف معه مرة اخرى.
نهضت بخشونة لتغادر لكنه اوقفها بقوله
- في الحفلة اياكِ تحطي البرفان المستفزة اللي بتحطيه دايماً
استدارت له لتنظر له وقد أصبحت نيران حدقتيها تتحداه بشراسة.

- عنيا، دة انا مش هحط غيره
وعادت لتستدير مرة اخرى لكنه اوقفها كالسابق
- وطبعاً غيري ديل الحصان الجربان دة، مش هتروحي بِه حفلة اكيد
لم تلتفت هده المرة، قالت بثقة قبل ان تبتعد
- هبهرك، اصبر عليا
رفع زاوية فمه بسخرية وهو يهتف ليغيظها
- ربنا يستر.

عصر اليوم
خلعت ملك مريولها لتضعه جانباً، التقطت هاتفها حين ارتفع رنينه، أجابت
- يارا يا يارا، عاملة اية
- الحمدالله يا لوكة انتِ عاملة اية يا فتاة؟
- اهو الحمدالله، لسة مخلصة شغل وهروح
- بجد!، طب حلو، ممكن اطلب منك خدمة؟
- قولي
- انتِ اشتغلتي قبل كدة في كوافير وعارفة ازاي تمكيجي وتعملي تسريحات شعر وكدة، وانا عندي حفلة وانتِ عارفة اني بطاطا في الكلام دة، فهتعرفي تيجي تساعديني؟

عقدت ملك حاجبيها وهي تستفسر
- حفلة اية دي؟
- حفلة لازم اروحها لصاحب عمر، إياد انتِ تعرفيه
غمغمت ملك وصمتت لدقائق قبل ان تقول
- ماشي، بس ازاي هجيلك؟
- هاجي انا اخدك
- بس عادي اجي كدة؟، هتقوليلهم انا مين؟
- متقلقيش، هقولهم صاحبتي وهما مش هيشكوا في حاجة
واردفت يارا
- صحيح، عندي هنا كل حاجة هتحتاجيها فمتقلقيش
- حاضر، استناكِ فين؟
- عند المحطة، وساعة زمن وابقى عندك.

حل المساء وعم الهدوء..
كانت ملك تضع لمساتها الاخيرة والبسيطة على وجه يارا لتنتهي بعدها بدقائق وتمنح الاخيرة الفرصة لترى نفسها في المرآة، لمعت حدقتيها بإنبهار بينما إبتسمت سهام التي كانت جالسة تشاهدهم برضا، سألتها ملك بفضول
- ها اية رأيك؟، عملتك زي ما طلبتي، ميكب سيمبل كدة وفي نفس الوقت يليق على فستانك وجو الحفلة.

نظرت يارا لصورتها المُنعكسة، تأملت نفسها وشعرها الذي صُفف بتسريحة ناعمة -الخصلات المرفوعة- مع اكسسوار مرصع بالأحجار عند جانب شعرها وترك بعض الخصلات تنعم بالحرية على وجهها، قالت بإعجاب
- تحفة اوي بجد، تسلم ايدك
ابدت سهام رأيها وقد لمعت حدقتيها بالدموع
- طالعة قمر يا سلمى
استدارت لها يارا تنظر لها بإمتنان، سمعا طرقات تعجلهم على الباب، فنهضت سهام لتقول
- عمر تقريباً خلص ومش هيسكت، فخمس دقايق وتنزلي ماشي؟

- حاضر يا ماما
نقلت سهام نظراتها ل ملك وشكرتها بصدق
- شكرا يا ملك على وقفتك مع بنتي
- دي حاجة بسيطة
وضحت سهام بصوت مُتأثر حاني
- طبعاً بشكرك على تعبك النهاردة بس كمان بشكرك على انك فضلتي معاها وكنتِ صاحبة وفية وكويسة ليها
نظرت ملك ل يارا ثم ل سهام، هزت رأسها هامسة بخجل
- العفو
فور مغادرتها قالت ملك بتعاطف شديد
- دي شكلها طيبة اوي بجد
وافقتها يارا بشدة، سألتها الاخيرة
- هتعملي اية بعد ما تمشي من عندي؟

- هروح البيت الاول وبعدها هنزل اطمن على طنط كوثر
نهضت يارا وعانقت ملك وهي تشعر بإمتنان شديد لها ول جارتها
- بجد شكراً على وقفتكم جمبي
نكزتها ملك بخفة مُعاتبة اياها
- يا بت احنا اخوات بقى مفيش الكلام دة ما بينا
ابتعدت يارا عنها وقالت
- يلا عشان تروحي، هخلي السواق يوصلك
- اية دة كمان في سواق؟ واو
- وانا لسة عارفة النهاردة ان في سواق اصلاً، تقريباً كان ماخد اجازة الفترة الفاتت.

ارتدت يارا صندال ذي شرائط ونظرت لنفسها في المرآة للمرة الاخيرة قبل ان تغادر الغرفة ومعها ملك.
اتجهت للخارج حين اخبرتها سهام ان عمر سينتظرها خارجاً، ودعت ملك التي صعدت مع السائق واتجهت ل عمر الذي كان يقف بعيداً مُستنداً على سيارته ينظر في النايحة المعاكسة لها.
جذب انتباه عمر وقع اقدام خلفه فأستدار بضجر وهو يتذمر
- كل دة تأخ..

ضاعت بقية حروفه حين ظهرت في محيط رؤياه، ارتفع حاجبيه بذهول وفُرِقت شفتيه وهو يتابعها اثناء اقترابها منه، أهذه هي حقاً!، انها جميلة!، ادرك نفسه فأستدار سريعاً ليلويها ظهره وهو يزدرد ريقه بتوتر، انها المرة الثانية التي يقر فيها بجمالها، كانت المرة الاولى حين مثلت اصطدام السيارة بها وضحكاتها التي سرقت انتباهه ودقة من دقات قلبه، رغم انه كان منشغل في غضبه حينها لكنه لم يغفل عن جمال ضحكتها، وها هي المرة الثانية، تبدو مختلفة، جذابة!، ابتعد عن السيارة ليفتح بابها ويصعد لمقعده، تابعها وهي تصعد بجواره بهدوء، اخترقت انفه رائحتها المختلفة، لم تضع ذلك العُطر السيء، ابتسم بداخله برضا، نظر لها بطرف عينيه قائلاً بجفاء مصطنع.

- مش بطال
سألته بإستخفاف لا يحمل اي لين
- شوفتني سألتك عن رأيك؟
رفع زاوية فمه بسخرية وساد الصمت بينهم حتى وصلا لموقع الحفل، قبل ان تترجل سألته
- في صحفيين؟
- اكيد، مش حفلة شغل!
اتسعت مقلتيها بتوتر وهي تقول بإنفعال
- لية مقولتش ونبهتي قبلها! مكنتش جيت
اجابها ببرود مستفز
- أولاً مسألتنيش، ثانياً استحملي نتيجة عنادك
انهى جملته وترجل، تبعته بغضب صافقة الباب بقوة هاتفة
- استنى رايح فين؟

توقف امامها ناظراً لحدقتيها التي تهتز بغضب وتوتر اول مرة يراه فيهما، تنهد ومد كفه ليلتقط ذراعها ويجعلها تتأبط ذراعه قائلاً بهدوء خافت، مُطمئِناً اياها
- حتى لو في صحفيين مش هيجيوا جمبك، متقلقيش
نظرت له بشك، تخاف الثقة به، لكنها نادمة على عنادها الان، ما كان يجدر بها المجيء معه، تنفست بقوة وهي تحاول ان تعود لثباتها، رسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة وسارت معه بخطوات واثقة مزيفة للداخل.

كان الحفل في الهواء الطلق على العشب الأخضر امام حوض سباحة كبير، كانت الموسيقى الهادئة سائدة في المكان، والرقي ظاهر من البدلات والفساتين الأنيقة حتى شراشف الطاولات.
تقدم منهم إياد فور رؤيته لهم، حياهم بحرارة ثم قال ل عمر بإهتمام
- جبتها معاك عادي كدة؟، انت غبي!، لو عرفوا انها اختك الأضواء هتبقى عليها
- اضطريت اخدها اعمل اية يعني!
تنهد إياد ثم اقترح.

- خلاص قعدها في مكان على جمب كدة اهو نتفادى الفضول شوية
وافقه عمر، كانت تتابع حديثهم بإنصات، اشارت لمقعد بعيد قبل ان يطلب منها
- هروح اقعد هناك بس هروح الحمام الاول، ممكن اعرف مكانه؟
نظر لها عمر بينما أرشدها إياد لطريق المرحاض، سحبت ذراعها لجانبها وابتعدت عنهم، ظلا ينظران لها حتى اختفت خلف المبنى
- مزة مفيش كلام
استدارا على صوت مروان الذي اتى بعد ان تحركت من جانبهم بلحظات، رمقه عمر بحدة مُحذراً اياه.

- لم لسانك يا مروان
لم يكترث مروان لتحذير الاخير، سأله بعبث
- مش هتظبطني معاها بقى؟
- لا، ولو اتكلمت عن الموضوع دة تاني متلومش غير نفسك
سئم عمر من إصرار مروان الذي اصبح غليظ، رفع الاخير حاجبيه مستنكراً
- انت صدقت انك اخوها ولا اية؟
زمجر عمر بإسمه بخشونة
- مروان
امسك إياد بذراع مروان ليأخذه بعيداً، القى عمر نظرة سريعة إتجاه الطريق الذي سلكته يارا قبل ان يجذبه احد رجال الأعمال للحديث معه.

رفع عمر ذراعه لينظر لساعة يده، مرت خمسة عشر دقيقة ولم تعد يارا من المرحاض، استأذن من الرجل الذي يتحدث معه وابتعد مُتجهاً للطريق الذي سلكته هي سابقاً، توقف عن السير حين وجدها تسير بخطوات سريعة ناحيته وقد تسارعت اكثر حين رأته هو، نظراتها تستغيثه، نقل نظراته خلفها فوجد اثنين من الصفحيين يلاحقونها فعلم سبب هروبها، قطع المسافة المتبقية بينهم بخطوتين ليمد ذراعه ويلتقطها من خصرها مقربها منه حتى التصقت به، اخفت وجهها في صدره وهي تلهث بتوتر، شعرت بكفه الاخر الذي وضعه على رأسها وهو يهمس لها.

- انا هتصرف
هزت رأسها بالإيماء ورائحته تخترق انفها لتصل لروحها وتبعثرها للمرة الاولى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة