قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

لم ترغب يارا في الخروج من المرحاض والعودة للحفل، كم تود الهروب والمغادرة، ادركت انها قضت وقت طويل في المرحاض دون سبب، اتجهت للخارج وهي تحاول السيطرة على توترها، لكن بعد بضع خطوات توقفت لترفع نظراتها لتلك الفتاة التي أعاقت طريقها لتسألها بتهذيب
- انا شوفت حضرتك داخلة مع السيد عمر، تقربي له اية؟

نزلت حدقتي يارا للكاميرا التي تُمسك بها الفتاة التي تقف امامها، علِمت انها صحفية، نقلت نظراتها حولها محاولة التفكير في طريقة للهرب، لا تستطيع ان تخبرها بأنها اخته بعد ما قاله إياد وأيضا لا تستطيع ان تكذب وتقول انها لا تعرفه، وبخت نفسها وبشدة على عنادها الغبي الذي احضرها لهنا.

قررت تجاهلها، تخطتها وابتعدت بخطوات تكاد ان تكون سريعة لكن الأخرى اسرعت لتلحق بها وقد اشارت لزميلها الذي يقف خلفهم بالمجيء، توقفت يارا وهي مُحاصرة بهما، دفعتها وهي تقول بتوتر حاد ظهر جلياً على صوتها.
- انتِ مالك!، ابعدي من قدامي.

وتخطتهم بخطوات سريعة وقد تسارعت اكثر حين رأته هو، حمدت الله انه اتى في الوقت المناسب، وجدته يقطع المسافة المتبقية بينهم بخطوتين ليمد ذراعه ويلتقطها من خصرها مقربها منه حتى التصقت به!، احمر وجهها من قربها منه لكنها اخفت وجهها في صدره وهي تلهث بتوتر، شعرت بكفه الاخر الذي وضعه على رأسها وهو يهمس لها
- انا هتصرف.

هزت رأسها بالإيماء ورائحته تخترق انفها لتصل لروحها وتبعثرها للمرة الاولى!، بلعت ريقها بإضطراب وهي تشعر بدقات قلبه الهادئة تقابل دقات قلبها المُتسارعة.
قال عمر بجدية وتهذيب حين توقف الصحفيان امامه
- معتقدش ان دة اسلوب متحضر تمارسوه مع الناس!
اتت ان تبرر الفتاة موقفها لكنه لم يسمح لها حيث قال بإنزعاج
- ازاي تضايقوا وتلاحقوا اختي بالطريقة السخيفة دي!
اتسعت مقلتي الفتاة وهي تهمس بذهول
- اخ، ت، ك!

رفعت الكاميرا سريعاً لتلتقط الصور لكنه مد يده ليضعها امام العدسة قائلاً بخشونة
- نزليها، وإلا هعمل محضر ضدك
انزلتها الفتاة بجوارها وهي تشعر بالغيظ، استطرد عمر بهدوء
- اختي لسة مش متعودة على الأضواء والأجواء دي
ابتسم بنزق قائلاً برسمية
- شكراً على تفهمكم
وكأنه يقول لهم وداعاً، تحركا من امامه مغادرين بعدم رضا، فلم يحصلوا على اخبار جديدة.
ضغط على كتف يارا هامساً براحة
- خلاص مشيو.

اندفعت بعيداً عنه وكأنه نار وأحرقتها، جفل لتصرفها المريب، تابعها وهي تلتقط انفاسها المحبوسة بقوة، رفع حاجبيه بدهشة حين هتفت بإختناق وهي تلهث
- اية كابب على نفس ازازة الريحة كلها!، اتخنقت ياخي
فرغ فاهه بذهول، أحقاً هذا ما يهمها!، وفي هذا الموقف!، اغلق فمه ورفع رأسه وهو يمسح بدلته بكفه ليقول بإنزعاج مزيف
- وسختيلي البدلة
وضعت كفها على صدرها المضطرب وهي تجول بحدقتيها بعيداً عنه، قالت بخفوت.

- عايزة امشي، كمل انت الحفلة وانا هروح
انهت جملتها وسارت لتتخطاه لكنه اوقفها مُمسكاً بذراعها مانعاً اياها قائلاً بإعتراض وحزم
- رايحة فين؟، مفيش مرواح لوحدك، استني شوية وتمشي معايا
نظرت له للحظات قبل ان تشيح بوجهها بتوتر، لا تعلم ماذا يحدث لها، هل هي مريضة؟، لماذا تراه وسيم ورجولي فجأة!، تباً ماذا يحدث!
- عمر
كان مروان من ناداه، جز عمر على اسنانه دون ان يلتفت بينما نظرت يارا ل مروان وقالت بسخط.

- انت كمان هنا!
توقف مروان امامها وهو يبتسم إبتسامته السمجة قائلاً بثقة مستفزة
- اية مبسوطة بشوفتي!
سحبت ذراعها بقوة من بين كف عمر وهي تقول بسخرية
- اوي اوي، مش باين على وشي!
القت نظرة سريعة على عمر وهي تخبره بثبات
- انا همشي
- لا استني
قالها مروان وهو يمسك رسغها لكنها دفعت يده بنفور قائلة بثورة
- انت اتجننت؟ ابعد ايدك عني
ابتسم مروان في غضب مستنكراً
- ما عمر بيمسكك، هو عادي!

جذبه عمر من ياقة قميصه بغير رفق قائلاً بنبرة خافتة لكنها حادة ومخيفة
- انت صاحبي اة، بس مش هحذرك المرة الجاية
رفع مروان زاوية فمه ليستفز الاخر وهو يقول بتحدي
- وريني هتعمل اية
استدارت يارا تاركة اياهم لتغادر، فدفعه عمر تاركاً اياها ليلحق بها، التقط كفها ليغير طريقها ويسيرا في الطريق المعاكس قائلاً قبل ان تعترض
- هنخرج من الباب اللي ورا احسن
حاولت سحب كفها الذي يحتجزه كفه وهي تقول بإنفعال.

- طيب سيب ايدي، انا بعرف امشي لوحدي
مع انتهاء جملتها كان قد حررها، توقف لتسبقه ببضع خطوات ليكمل السير خلفها.
اتصل ب إياد ليعتذر ويخبره ان مغادر، صعدا لسيارته، قطع الصمت وهو يقول بصوته الأجش الحاد
- اهو شوفتي نتيجة عنادك!، فأنا عايزِك تعانديني بعد كدة.

لم تنظر له، ظلت تراقب اضواء أعمدة الإنارة المتلاحقة دون ان ترد، فهو محق، حتى هي تلوم نفسها لانها لم تفكر بالعواقب، أسندت رأسها على زجاج نافذتها بإستياء واغلقت جفونها لعلها تنعم بالقليل من السكون.

اليوم التالي
استيقظت يارا على صوت سهام التي ايقظها بحنان
- سلومة حبيبتي، يلا قومي يا عيون ماما
اعتدلت يارا جالسة وهي تفرك عينيها بكسل، مدت يدها لتلتقط الخبز المحمص من الصينية الموضوعة بجوارها، عادت لتستلقي وتتدثر اسفل الفراش وهي تقول بنعاس
- انا كويسة يا ماما، بس عايزة أنام ممكن!
- متأكدة؟، تعب بطنك راح يعني؟

سبت يارا عمر بداخلها، فهو دائماً ما يلجأ لكذبة تعاني منها هي مع والدته، فقد علل عودتهما المبكرة ليلة امس بمرضها، ألا يكفيها انها عانت من أرق مُرهق حتى تستيقظ مُبكراً بسبب قلق سهام على شيء غير حقيقي!
- الحمدالله كويسة، متقلقيش
ملست سهام على شعر يارا بود هامسة
- الحمدالله
ثم نهضت لتطرق بالعصا على الارض وهي تتجه للباب
- هسيبك تكملي نوم براحتك
لكنها توقفت عند الباب قبل ان تخرج لتخبر يارا بحماس.

- النهاردة هعملك كيكة تاكلي صوابعك وراها
- متتعبيش نفسك يا ماما
أصبحت ملامح سهام حازمة وهي تقول
- ملكيش دعوة انتِ، يلا نامي عقبال ما تصحي اكون عملتها
خضعت يارا وعادت للنوم الذي سحب اقدامها بكل سهولة.

ترجلت ملك من الحافلة وعبرت الشارع لتسير على الرصيف حتى تصل لمكان عملها، رأت إياد من بعيد وهو يقف مُستنداً على سيارته الفارهة وانتباهه مصوب للهاتف الذي في يده، ابعدت نظراتها عنه حين اقتربت وكانت تنوي ان تتخطاه وتتصنع عدم رؤيته لكن لسوء حظها كان قد رفع رأسه في لحظة تخطيها له فرأها وأوقفها، اوقفت قدميها عنوة لتستدير وتنظر له بإقتضاب
- أفندم!
وضع هاتفه في جيب بنطاله وهو يسألها بهدوء
- عاملة اية؟

- الحمدالله، عن إذنك
اجابته بإختصار لتفر هاربة، لماذا تهرب منه او تتجنه؟، مد كفه قائلاً
- است...
لم يُكمِل كلمته بسبب تشابك نداء احدهم خلفه مع قوله
- ملاك!

توقفت ملك واضطرب قلبها واتسعت مقلتيها قليلاً وهي تستمع لذلك الاسم الذي لا يُناديها احد به عدا شخص واحد، حتى الصوت يؤكد انه هو!، استدارت بقلب خائف وهي تدعو الله ان يكون توهم رغم تأكدها، اهتزت مقلتيها بتوتر حين رأته، نعم انه هو، تابعته وهو يقطع تلك المسافة ليقف امامها ويسألها بإبتسامة واسعة عن حالها، اهو احمق!
- ياه بقالي كتير مشوفتكيش، عاملة اية؟

طلت صامتة، شعرت ان لسانها قد أُلجم، رفع حاجبيه بإستنكار قائلاً
- مش معقول تكوني نسيتيني بعد الايام الحلوة اللي بينا!
اردف بعتاب
- مش اتفقنا اننا نكون صحاب!
اتسعت مقلتيه بذهول وهو يقول
- لتكوني ارتبطتي تاني!، وهو مش عايزك تتعاملي معايا
زهر رأسه قائلاً بثقة
- طمنيه ان مفيش حاجة مابينا وان احنا صحاب دلوقتي وبس فملهوش لزوم قلقه دة
اتسعت مقلتي ملك بصدمة حين وجدت إياد يلف ذراعه حول كتفها مقربها منه ليقول.

- مش هتعرفيني عليه ولا اية يا ملك؟
ماذا يحدث؟ ماذا يعتقد نفسه فاعلاً!، اتت ان تبعد ذراعه عنها لكنه شدد عليها وهو ينظر لها عن قرب، نقل نظراته الجادة الى ذلك الذي يقف امامه، مد كفه قائلاً بصوت أجش لامس حد السخرية
- انا إياد، اللي ملهوش لازمة انه يقلق من علاقتها القديمة بِك
تحركت عضلة في فك الذي امامه بتوتر، مد يده ليصافح إياد قائلاً
- اهلا وسهلاً، انا كريم.

ضغط إياد على كف كريم بقوة قبل ان يتركه، تنحنح الاخير مُستأذناً ليغادر.
ما ان استدار كريم حتى دفعت ملك ذراع إياد عنها بحدة، تأكدت من ابتعاد كريم لتلتفت وتنظر ل إياد بغضب، سألته بخشونة
- قولت كدة لية؟
اجابها بهدوء وهو يكتف ذراعيه امام عضلات صدره
- مشوفتيش شكلك كان ازاي؟
- مالك بشكلي انت!، انت دلوقتي حطيتني في مشكلة
عقد حاجبيه بإستنكار وهو يعترض
- مش المفروض تشكريني؟
هتفت بإنفعال.

- اشكرك لأنك حطيتني في مشكلة!
تنفست بغضب وهي تمرر أناملها بين خصلات شعرها، قالت وهي تفكر بقلق
- هيحصل اية لو نشر الموضوع وحد سألني عن حبيبي اللي انت مثلت انك هو دلوقتي؟
رمقته بإنزعاج شديد وهي تبتعد مُتجهة للمطعم، هتف بإستمتاع وهو يستند على سيارته
- تبقي تشيلي البلوك بقى.

سارت اسرع تضرب الارض بخطواتها العنيفة، لماذا ظهر ذلك الأحمق في حياتها مرة اخرى!، ولماذا تدخل إياد لمساعدتها، هل يعتقد انه بهذه الطريقة ساعدها بحق!، هذا ما ينقصها المزيد من التعقيد في حياتها.

عصر اليوم
استيقظت يارا على رنين هاتفها المستمر، وضعت الهاتف على اذنها دون ان تنظر لأسم المُتصل، قالت بصوت ضعيف
- الو
- انتِ نايمة؟، قومي، شوفي المصيبة اللي انا فيها
فتحت يارا عينيها وقد تملكها القلق وهي تسأل ملك
- مصيبة اية؟، في اية؟
- كريم
اعتدلت يارا لتجلس بإنفعال بعد سماعها لأسمه
- مال الحقير دة؟، متقوليش قابلتيه؟
- ايوة
تسارعت انفاس يارا بغضب وهي تقول برجاء
- قوليلي انك مشيتي وسيبتيه، ها!
- لا.

دفعت يارا الغطاء عنها بحدة وهي تهتف
- غبية
لاحظت صمت ملك فتنهدت واعتذرت
- معلش بس انتِ عارفة اني بتعصب لما تيجي سيرة الحقير دة
استطرد بهدوء حاولت التحلي به
- ها قولي حصل اية، ازاي قابلتيه؟
تنفست ملك بقوة محاولة عدم البكاء، سردت ما حدث ووصلت إلى تدخل إياد وتوقفت لتقول بإحباط
- انا فعلا مكنتش عارفة اتصرف ولا ارد، وعارفة ان إياد كان عايز يساعدني بس، بس مساعدته ليا غلط
اردفت بإستياء وهي تبكي.

- انا مش عارفة لية بيحصل معايا كدة!، لية كريم ظهر في حياتي تاني، ولا بكل لامبالاة، كان بيبتسم في وشي؟ بعد اللي حصل! ولا قال صحاب؟ هو ناسي إهانته ليا!
كانت يارا تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تستمع لما تقوله ملك، قالت بغضب
- يارتني كنت معاكِ كنت اديتله قلم محترم يبرد قلبك
تنهدت وهي تجلس على الأريكة لتضيف بعدها بلطف.

- عموماً متضايقيش من نفسك، انتِ طبيعتك كدة مش بتعرفي تتصرفي مع الأشكال دي، وانا شايفة ان تصرف إياد ساعدك جدا، ومتفكريش بسلبية، هي كلمة وخلاص والدنيا مش هتوسع ان شاء الله
حاولت ان تُطمأنها قدر المستطاع، تعلم مدى تأثر صديقتها بهذا الامر وقد كانت شاهدة على مُعاناتها بعد ان تركها ذلك الحقير الذي يُدعي كريم، كانت دائماً تُحذرها منه لكن لا فائدة.
انهت ملك المكالمة فقد انتهت فترة الاستراحة.

انتهت يارا من اخذ حمام ساخن لتتجه بعدها للمطبخ حيث توجد سهام.
- صباح الخير
ابتسمت سهام وهي ترد بمشاكسة
- قولي مساء الخير، المغرب قرب يأذن
نظرت يارا لساعة الحائط وقالت
- لسة ساعتين على المغرب يا ماما
اردفت بفضول
- ها اية اخبار الكيكة؟
جفلت حين سمعت صوت عمر الذي لم تلاحظ وجوده عند دخولها
- مدام سلمى جت، تبقي تطلعيلي حتة معاها يا ماما
قضبت حاجبيها بحدة وهي تقول بداخلها
- لية خدامة اهلك!

اغلق الكتاب الذي بين يديه ورفع نظراته امامه وهو يبعد جسده عن الحائط، استقام ببطء حين سقطت نظراته عليها، لقد حررت شعرها للمرة الاولى ولم تربطه!، لاحظ انه يحدق بها بطريقة مريبة فسعل بخفة وهو يبتعد مُغادراً.
- تعالي يا سلومة دوقي، عملتلك الكيكة بالنكهة اللي انتِ بتحبيها
جلست يارا بجوارها وقد تلاشت إبتسامتها حين رأت الكعكة الوردية، سألت سهام
- بنكهة اية دي؟
- الفراولة، كنتِ بتحبيها اوي.

حركت يارا إصبعها على الطاولة بتفكير، لا يجب عليها تناول الفراولة ابداً فهي تعاني من الحساسية، تراجعت بتلقائية حين قربت سهام الشوكة من فمها، ماذا تفعل؟، لا تريد ان تُحزِن سهام فقد صنعت هذه الكعكة خصيصاً لها ورغم تعبها، ازدردت لعابها ثم ابتسمت، لا بأس بقطمة واحدة، ستأخذ الدواء بعدها، فتحت فمها لتطعمها سهام بسعادة، سألتها الاخيرة بلهفة
- ها؟، اية رأيك؟ عجبتك؟

اومأت يارا برأسها بحرارة وهي تقول بإنبهار حقيقي
- تحفة جدااا جدااا بجد، اول مرة ادوق كيكة بالحلاوة دي
وكانت صادقة، فهذه المرة الاولى التي تتناول فيها كعكة لذيذة كهذه، وأيضا بطعم الفراولة التي حُرمِت منها بسبب الاعراض التي تُصيبها بعد تناولها، قالت سهام بحنين وتفاخر.

- دة انا كنت طباخة شاطرة بعمل اكل اية!، تاكلي صوابعك وراه، بس بعد ما تعبت من سنتين وانا مبقتش ادخل المطبخ ودي المرة الاولى، ايوة كانت صعبة بس الحمدالله اطمنت اني مخسرتش موهبتي
ابتسمت يارا بتعاطف، مدت يدها لتربت على كف سهام وهي تقول بإمتنان
- بجد تسلم ايديك
- خدي كلي
قدمت لها سهام قطعة كبيرة، فتعللت يارا وكذبت
- مش بقدر اكل حلويات على لحم بطني كدة، هاكل حاجة سريعة كدة وبعدها احلي بكيكتك القمر، ماشي؟

- ماشي، بس خدي القطمة دي كمان
خضعت يارا لها وتناولت قطعة اخرى وهي تشعر بالرضا بداخلها، فطعمها لذيذ وكم تتمنى ان تأكلها بأكملها، اتجهت للثلاجة تُخرج الجبن والخس لتبدأ في صنع شطيرة لها، اثناء انشغالها مدت كفها لتحك رقبتها، مرة اثنين حتى انتقلت الحكة ليدها، استعت مقلتيها وقد تركت ما بيدها لتتجه للخارج وهي ترد على سؤال سهام، رد كاذب
- نسيت اتصل ب ملك.

كيف نست للحظة ان تصعد لتأخذ الدواء؟، اقتحمت الغرفة واتجهت للسرير لتجثو على ركبتيها امام الكومود وتفتح احد ادراجه وتخرج دواءها التي تحمله معها دائماً للاحتياط، اخذت منه قرص ثم صعدت لتجلس على السرير وهي تتنهد بينما مازالت تحك رقبتها، حاولت التقاط انفاسها التي انقطعت اثر صعودها السريع للسلم وركضها، لكنها شعرت بشيء غريب، تشعر بصعوبة التنفس، وضعت كفيها بتوتر على فخذيها وشدت ظهرها وهي تحاول اخذ انفاسها بهدوء، لعلها تتوهم لا اكثر، رفعت يدها تستخدمها كمروحية لكن لا فائدة، أصبحت تتصبب عرقاً وهي تشعر بحجر موضوع على صدرها يُصعّب تنفسها، نهضت بخوف فقد اتت لها هذه النوبة حين كانت في الحادية عشر ووقتها كانت قد عرفت ان لديها مرض الشرى، كم عانت وقتها من رهبة وخوف مِما مرت به.

فتحت باب الغرفة بقوة واتجهت لغرفة عمر وهي تدفع بابه بتعجل وتغلقه خلفها، استدار بفزع ثم هتف حين رأي انها هي
- مش هتبطلي د...
توقف عن إكمال تذمره حين لاحظ حالتها الغريبة ووجهها الشاحب، بجانب صوتها التي جاهدت ان تخرجه
- نفس، ي، ن، فس، ي مش قادرة، مش قادرة اخذه
قفز من مكانه ليصبح امامها ويسألها بفزع
- لية؟، عيانة؟ مش قادرة تاخديه لية؟
اجابته بتقطع وهي تضرب صدرها بقبضتها
- الفراولة، عندي حساسية منها، نفسي..

تفحصها بعيون قلقة، امسك بكفها ليسحبها ويُجلسها على الأريكة ويجثوا امامها، ابعد خصلات شعرها الحرة بأصابعه التي لامست رقبتها ليجمعهم للخلف وهو يقول بهدوء حاول إتقانه امامها حتى يستطيع مساعدتها
- طب اهدي، خدي نفس براحة، بعد كدة خرجيه براحة، متخافيش
سالت دموعها بخوف وهي تكاد تهمس
- جربت مش نافع
قبضت على كتفه فجأة وهي تقول بإختناق
- المستشفى، هموت، هم..

لم تستطع ان تتحدث اكثر، اتسعت مقلتيه بفزع وهو يراها تشحب اكثر، انتفض واقفاً لينهضها بعدها وهو يقول بتعجل
- تعالي بسرعة، هاخدك المستشفى
- اهلك...
- مش مهم دلوقتي، تعالي يلا
سار بها للخارج، حملها بين ذراعيه وهبط بها درجات السلم ليصل لخارج الفيلا خلال ثوان، وضعها بالمقعد المجاور ثم انطلق بها لأقرب مستشفى.

في المستشفى
ضرب الطبيب كفيه ببعضهما البعض وهو يوبخها
- استغفرالله العظيم، يعني انتِ عارفة ان عندك حساسية منها ومش اي حساسية وكلتيها برضه؟
وجه حديثه ل عمر بجدية
- الحمدالله انك جبتها في الوقت المناسب ومحصلش مضاعفات
سأله عمر بقلق
- يعني هتبقى كويسة؟

- ان شاء الله، التقرحات اللي في جسمها هتروح خلال اربعة وعشرين ساعة، وهنسيبها تتنفس من الجهاز الاصطناعي لغاية ما تقدر تاخد نفسها لوحدها، ومتقلقش اديتها مضادات للحساسية
شكره عمر بحرارة ثم غادر، جلس الاخير على الكُرسي بتعب، اسند مرفقيه على ساقه يلتقط انفاسه المضطربة وهو ينظر لها بغضب مكبوت، انها تعلم ان تناولها للفراولة سيعرضها لهذا رغم ذلك تناولته!، تحدث مُحاولاً التحكم في غضبه.

- سؤال بس، انتِ مبتفكريش قبل ما تتصرفي؟
صمتت واشاحت بوجهها الجهة الأخرى بينما اكمل بتفكير مُنفعل
- مدام انتِ عندِك حساسية منها وانتِ عارفة انها هتسببلك ضيق تنفس تاكليها لية؟، مستغنية عن حياتك كدة دايماً!
صمت لبرهة وهو يمرر أصابعه بين خصلات شعره بحدة، نهض بحدة ناظراً لها بإتهام وهو يقول بإنزعاج
- انتِ مُصِرة تتعبيني معاكِ وتقرفيني صح!

ابعدت يارا قناع التنفس قليلاً وهي تدير رأسها بحدة لتنظر له وهي تدافع عن نفسها بإنفعال
- يا غبي الفراولة كانت في الكيكة وكلتها عشان مامتك متزعلش لانها وقفت وتعبت في عمايلها
عادت لتضع القناع وهي تلهث، ابتلع عمر ريقه ببطء وحدق بها، لم يتوقع هذا الرد المؤثر منها، حرك رأسه قليلاً وهو يدلك رقبته بتردد، قال بخفوت
- شكراً.

لم يرى شبح الابتسامة التي ظهرت لثوان على شفتيها واختفت، طبقت جفونها لترتاح؛ اتجه عمر لخارج الغرفة ليستند بجسده على الحائط المجاور للباب وهو يتنهد براحة، لقد مرت تلك اللحظة الصعبة وانتهت، حتى انه لا يعلم كيف خرج بشجاعة من الفيلا دون ان يقلق من مصادفة والديه.
اخرج هاتفه من جيبه واجاب على سهام التي سألته بقلق
- انت فين؟ خرجت امتى؟ وفين سلمى؟ معاك؟
اخفض رأسها وهو يكذب.

- سلمى معايا، صاحبتها ملك تعبت واحنا معاها في المستشفى دلوقتي
- ولية متدنيش خبر قبل ما تمشوا؟
- كنا متلهوجين، متزعليش مني
هزت سهام رأسها وكأنه يراها، سألت بإهتمام
- طب وملك عاملة اية دلوقتي؟
- كويسة الحمدالله، وقبل ما تسألي، ساعتين ونرجع
ابتسمت سهام وغمغمت برضا.

بعد مرور ساعتين، في السيارة
قالت يارا وهي تنظر امامها
- ملكش جمايل عليا
عقد عمر حاجبيه بعدم فهم وهو ينظر لها بطرف عينيه، فأوضحت بخفوت
- على مساعدتك ليا وكدة
رفع زاوية فمه بذهول وسخرية!، هل بها صحة حتى تستفزه الان!، قال وهو ينظر للطريق
- شكلك بقيتي كويسة
صمتت للحظات قبل انا تقول بغيظ
- طبعاً مصدقت اني اتعب وتخلص مني، بس بعينيك.

تقريباً لا تفكر قبل ان تُخرج كلماتها!، ضغط على المقود بعنف وهو يتنفس بقوة، ألم ترى حالته وقلقه الغبي عليها!، قال بأسف ساخر
- كنت هبقى مبسوط اوي بس اعمل اية! محتاجك عشان الاتفاق
ساد الصمت بعد قوله، حيث انشغلت هي بمتابعة الطريق وهو يقود بهدوء، قال فجأة
- اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكيش وانتِ تعبانة
شهقت وهي تستدير له بإنفعال، وجهت كفها نحوه وهي تهمس
- قل اعوذ برب الفلق.

ضحك رغماً عنه من رد فعلها التلقائي الظريف!

مساءً
كانت يارا جالسة مع سهام يتحدثان عن امور عدة، وصلت الى الحديث عن كوثر حتى تتشجع وتخبر سهام عن قرار قد اتخذته بشأنها
- بصي يا ماما عايزة اقولك حاجة بِما اننا جبنا سيرة ماما كوثر
- قولي
تنهدت يارا قبل ان تتحدث
- حالياً ماما كوثر خرجت من المستشفى ومش عاجبها موضوع اني ببات برة، طبعاً انا قايلالها اني بشتغل و..
قاطعتها سهام مُقترحة
- طب ما تقوليلها الحقيقة وتريحنا.

- هقولها، بس في الوقت المناسب، المهم ففكرت في حل
- اية هو؟
- اني اروح ابات معاها كل خميس وجمعة وارجع هنا السبت، وطبعاً بقية الاسبوع هي فكراني اني ببات في الشغل وكدة
ارتفع رنين هاتف يارا، نظرت للشاشة وجدته رقم مجهول فلم تستقبل المكالمة وعادت لتنظر ل سهام وتستمتع لردها الذي اتى بعد صمت
- ماشي، يومين بس مش اكتر، وطول الاسبوع هتفضلي معايا
- عنيا يا ست الكل.

وقبلت رأسها، التقطت هاتفها وهي تنظر بحيرة الرقم ألدي يتصل بها للمرة الثانية، استأذنت لتنهض
- انا هقوم ارد اشوف مين اللي بيتصل دة، تصبحي على خير بقى
- وانتِ من أهله يا حبيبتي
اتجهت يارا للخارج ودخلت غرفتها، توقفت خلف الباب وهي تُجيب على المُتصل
- الو
اتاها صوت رجل
- يارا؟
تخطت سؤاله وطرحت سؤالها
- مين معايا؟
- يارا؟
كان مُصِر على التأكد إذ كانت هي ام لا، أجابت بنفاذ صبر
- ايوة، مين معايا؟

أتتها إجابته بعد لحظات
- انا ابوكِ
اتسعت مقلتيها بصدمة عند اختراق تلك الكلمة لطبلة اذنها، دفعت الهاتف عن اذنها لتلقيه على السرير كأنه أفعى سامة وهي تلهث بعنف، توقف عقلها عن العمل لدقيقة كاملة وهي تجول بنظراتها حولها حتى ادركت نفسها اخيراً، اسرعت لتلتقط الهاتف مرة اخرى بلهفة وتضعه على اذنها بحذر، ازدردت ريقها قبل ان تخرج حروفها بخوف..
- با، با!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة