قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع

ظن عمر انه اغلق الباب لكنه كان موارباً، كانت سهام قد استأذنت من صديقاتها لتنادي ابنتها من جديد فقد قالت انها ستعود بعد دقائق لكنها لم تفعل، تباطأت طرقات العصا التي تستند عليها مع سماعها لصوت عمر الغاضب داخل غرفة سلمى، دفعت الباب بقلق وهي تنقل نظراتها بينهما بجزع
- في اية؟، ماسك اختك كدة لية يا عمر!
جفل عمر تاركاً ذراع يارا بتلقائية، تحكم في توتره سريعاً ليرد مع ابتسامة هادئة.

- مفيش يا ماما، بس بتناقش في حاجة مع سلمى، ما تقولي حاجة يا سلومة!
نظرت له بنزق مُتكلفة الابتسامة، ايدت قوله وأكملت ببراعة
- ايوة، كنت عايزة اخرج معاه في السهرة مع صحابه بس عمر مرضاش فشدينا
- لا طبعاً مينفعش يا سلمى
ثم نقلت سهام نظراتها ل عمر بعتاب مُحذرة اياه
- وانت يا عمر متتعاملش كدة مع اختك، تقدر تفهمها بالهداوة
اومأ عمر برأسه واقترب من يارا مُقبلاً جبينها مُعتذراً
- انا اسف يا حبيبتي متزعليش مني.

ابتسمت يارا على مضض وهي ترمقه بغضب تكاد تفتك به، تشعر انه يستقصد لمسها وهذه المرة تقبيلها حتى يغضبها، تراقص الخبث في حدقتيه أكد لها ذلك، نقل عمر نظراته لوالدته يسألها
- كدة راضية!
هزت سهام رأسها بالإيماء وقالت قبل مغادرتها
- يلا يا سلمى الضيوف تحت مستنينك
- حاضر يا ماما
اتبعتها وقبل ان تغادر الغرفة استدارت له لتحرك أصبعها على رقبتها بمعنى سأقتلك، رفع حاجبيه بتسلية مع ابتسامته السمجة.

دقت الساعة منتصف الليل
اقتحمت يارا غرفة عمر بخطوات حادة، تنوي تسوية الأمور معه اليوم، شهقت واضعة كفيها على عينها حين رأته مستلقي على الفراش عاري الصدر، اعتدل جالساً ليسألها بضيق
- مش تخبطي!
تجاهلت قوله مُطالبة اياه بسخط
- ممكن تلبس حاجة فوق!
اردفت محدثة نفسها بصوت خافت منزعج
- نفسي مرة ادخل فيها الاوضة دي الاقيك لابس
تجاهل كل ما قالته هاتفاً بملل
- خلصي عايزة اية!

انزلت كفيها بجانبها لتتحدث بحزم وهي تنظر لوجهه
- قولتلك اكتر من مرة متقربش مني ولا تلمسني، فتيجي تبوس راسي!، حتى لو تمثيل انا مش عايزة يحصل تلامس مابينا
غمغم ببرود وهو يعود ليستلقي مرة اخرى
- ها اية تاني!
- مخلصناش كلامنا عن العقد والتغيير اللي عملته من مزاجك
- مفيش تكملة كلام، يلا اخرجي عايز انام.

تثاءب بقوة مع ختم كلماته، ضمت كفها بقوة حتى ابيضت مفاصلها، عضت على شفتها السفلية بغيظ حتى كادت تدميها، تحاملت كل ذلك لتخرج حروفها بهدوء لم يخل من الحدة
- مش هسيب الموضوع كدة
واستدارت لتغادر لكنها توقفت للحظة، تنظر لذلك الإطار الصغير الموضوع على المنتضدة حاملاً صورة ل عمر مُعانقاً فيها فتاة بحميمة، يبدو انها حبيبته!
- أطفي النور معاكِ وانتِ خارجة.

أكملت طريقها للخارج دون ان تفعل ما طلبه منها لتُثير غيظه.

مر اليوم التالي بهدوء، لم تستطع يارا التخلص من حصار سهام لها وتمسكها الشديد بها فلم تستطع بالمقابل الذهاب لزيارة كوثر واكتفت بالتحدث معها عبر الهاتف لدقائق قليلة مُتحججة بالعمل.

رغم ذلك كان قضاء الوقت مع سهام ممتع بالنسبة لها، لقد أخبرتها عن أشياء كثيرة وذكريات فاتتها، فهي تريد ان تُشعر ابنتها بوجودها في تلك اللحظات، حتى انها أخبرتها عن حياة عمر لتُعرفها به اكثر، والتي شغلت تفكيرها، لم تكن تتوقع ابداً ان تجد هذا الجانب فيه.

القت بجسدها على الفراش بتعب، ظلت تحدق في السقف بفراغ، كتمت حسرة عنيفة بداخلها لطالما هربت منها، سماعها لقصة حب عمر وتمسكه بحبيبته بتلك الطريقة أشعرتها بذلك النقص الذي يملأها، لم يهتم بها أحد يوماً ولم يتمسك بها اقرب الأشخاص لها كوالدها، لقد تخلى عنها بكل بساطة مُهلكة.

نقلت نظراتها للباب حين سمعت صوت عمر في الخارج، شعرت بالشفقة عليه، كيف له ان يتمسك لهذه اللحظة بشخص قد تخلى عنه بجفاء مُحزن!، وبحجة تقليدية غير مُقنعة بالمرة، فهل ينتهي الحب بعد كل تلك السنوات! وبهذه السهولة!
نامت وهي تفكر بالكثير.

أشرقت شمس يوم جديد
خرجت يارا من الغرفة في نفس وقت خروج عمر من غرفته، تابعته وهو يتخطاها كأنها لم تكن واقفة، تبعته لتسير خلفه، اخبرته بإستمتاع وهما ينزلا درجات السلم
- امبارح كان يوم تحفة، تبقى تكرمنا بغيابك اكتر من كدة.

لم يرد بل لم يسمعها، كان منشغل بهاتفه، لمحت رسائل كثيرة مُرسلة من قِبله، خمنت ان تكون ل حبيبته، توقف عمر مع نهاية درجات السلم، ومن انشغالها مع محاولاتها في لمح الاسم صُدِمت بظهره وكادت ان تسقط، لكنه لحقها بيده التي امتدت ممسكة بذراعها ليساعدها على الاتزان، اعتدلت واقفة بإحراج واتجهت بصمت الى غرفة الطعام.

تجاذب عمر و إبراهيم أطراف الحديث عن العمل، رغم ان عمر طيار إلا انه يعلم بعض الأمور عن عمل والده الذي يدير شركة لصناعة قطع غيار السيارات، جذبت سهام انتباه يارا الصامتة بسؤالها
- تحبي نعملك الحفلة امتى يا سلمى؟
عقدت يارا حاجبيها بحيرة
- حفلة اية!
تدخل عمر حينها مُقترحاً
- بلاش حفلة يا ماما، سلمى مش متعودة على الأجواء دي ومش هتحبها
ثم نظر ل يارا ليوضح لها
- حفلة ترحيب عشان رجعتي بينا، انتِ اية رأيك!

وصلت رسالة عمر لها من نظراته التحذيرية والتي تحثها على رفض الامر، وافقته
- مش عايزة يا ماما حفلة، مش بحب الأجواء دي زي ما قال عمر
- بس..
ارادت سهام إقناعها لكن إبراهيم قاطعها قبل ان تفعل ذلك
- سيبي البنت براحتها يا سهام متجبرهاش على حاجة هي مش عايزاها، اديها فرصة تتأقلم على حياتنا الاول
ثم نظر ل يارا وعلى وجهه ابتسامة سمحة
- زي ما انتِ عايزة يا حبيبتي.

اومأت سهام برأسها بإحباط ظهر في حدقتيها، تناول عمر القليل من طعامه ونهض، طلب من يارا
- تعالي معايا
قبل ان يستفسر احدهم قال
- هاخد سلمى معايا تغير جو
وافقت سهام بسعادة وقالت مُشجعة
- ايوة خدها وخرجها تغير جو.

في سيارة عمر، دلك الاخير رقبته بتعب وإنزعاج من صوت يارا الصاغب، التي لم تكف عن سؤاله حول المكان الذي سيذهبان اليه، صرخ مُجيباً اياها بنفاذ صبر
- مش كنتِ عايزة تتكلمي عن العقد!
اومأت برأسها ثم رفعت حاجبها بحيرة مُتسائلة
- مش انت قولت انك مش هتتكلم عن الموضوع تاني!
لم تنتظر توضيح منه، شقت الابتسامة الخبيثة طريقها الى شفتيها مع لمعان ماكر في بندقيتها
- عموماً ملهوش لازمة الكلام، العقد معايا.

استدار لها بعنف مُحاولاً تكذيب ما خطر في باله
- نعم!، قولي تاني كدة!
تطلعت له ببرود قاتم، انها خبيثة لدرجة بعيدة، انها لا تؤتمن ابداً، أكدت بسلاسة وهي ترفع رأسها بتحدي
- زي ما فهمت، خدت العقد من اوضتك امبارح وانت مش موجود
قبض على ذراعها بخشونة جاذباً اياها بعنف، قاطعت حروفه الاولى بنبرتها العدوانية الجنونية
- قولتلك متلمسنيش، متستقواش عليا
قابلها بنفس نبرتها واشد، فلم يكن اقل منها غضباً.

- ازاي تدخلي اوضتي وتاخدي العقد من ورايا!، بتلعبي في عداد عمرك
تخلصت من قبضته وهي تهدر بإستهزاء حاد النبرة
- ولا انا بخاف منك اوي، بقولك اية انت سايق العوج معايا..
قاطعها بهدوء تحلى به فجأة!، نظراته الثلجية التي تتغلف بشعلة مُنتصرة خبيثة
- مش معاكِ العقد!، مش خدتيه عشان تولعي فيه!، ولعي، أقدر اتحكم فيكِ واخليكِ تنفذي اللي عايزه من غير حتة ورقة زي دي
- وهتعمل كدة ازاي ان شاء الله!

رمقته بسخرية غير مقتنعة بما قاله، انه يحاول إخافتها بتهديد زائف لا وجود له.
قاطع تلك الأجواء طرقات خفيفة على زجاج النافذة التي بجوار عمر، نظر خلفه، كان مروان واقفاً خلف الزجاج، زفر عمر بسخط، هذا ما ينقصه!، نظر ل يارا مُحذراً اياها
- متخرجيش من..
لم يُكمِل كلامه حتى وجدها فتحت الباب وترجلت، انها تعانده ولا تعلم ما عاقبة ما تفعله!

رفع مروان نظراته لتلك التي ترجلت من سيارة عمر، رمقته بلامبالاة وهي تستدير لتغادر لكنه اوقفها حين تذكرها، انها هي تلك النادلة.
- استني
توقفت لتعود وتنظر له بإقتضاب، ترجل عمر وقذفها بنيران حدقتيه الغاضبة، بينما نقل مروان نظراته بينهما قائلاً بإستمتاع وحقد دفين
- اية دة عرفت توقعها يا طيار!، بالسرعة دي!
جز عمر على اسنانه بحنق وهو يركل مروان بخفة في قدمه صارخاً
- اخرس يا، هفهمك كل حاجة تعال ورايا.

رمقها بإنزعاج وسخط وهو يتخطاها
- عاجبك كدة!
لم تفهم ما يحدث، لحقت بهم لداخل المقهى وجلست مقابلة لهما، فهمت الان، لقد حذرها من الترجل حتى لا تظهر ل مروان ويضطر ان يكشف له الحقيقة، لكن لماذا لم يُريد ان يعرفه بالأمر!، أليس صديقه!، نقل الاخير نظراته ل يارا وهو يقول ل عمر بوقاحة
- على كدة اقدر أصاحبها براحتي
جحظت حدقتيها واشتعلت بغضب، اندفعت للأمام في جلستها لتخرج حروفها الحادة الشرسة
- ما تحترم نفسك!

رفع مروان حاجبيه بذهول قبل ان يقهقه بإستمتاع غريب، اومأ برأسه وهو يُغازلها مع غمزة عينيه
- اموت في القطط اللي بتخربش، متقلقيش بعرف اتعامل معاهم
وصل إياد لهم حين انهى مروان قوله الذي اصاب يارا بالجنون، وما اثار جنونها اكثر هو صمت عمر، حتى وإن كانت العلاقة بينهم غير مستقيمة أيفترض عليه ان يصمت هكذا دون ان يحد من تصرف صديقه!، امسكت بكوب الماء لتلقيه في وجه مروان، رمقته بإزدراء وكذلك عمر وغادرت.

اكمل مروان ضحكه بينما ظل عمر ببروده، قال إياد بتبرم
- اكيد مسيبتهاش في حالها
قال ل عمر بعدم رضا
- وقولت للأفندي دة لية!، احنا ناقصين الدنيا تخرب
رفع مروان رأسه قائلاً بثقة
- عيب عليك تقول كدة، سركم في بير
وأردف بعبث وهو يمسح وجهه بالمناديل
- كنت هزعل اوي لو عرفت متأخر، وانت عارف ان نقطة ضعفي البنات، ويارا داخلة مزاجي اوي
ربت على كتف عمر قائلاً بمكر
- بس عمر هيظبطني معاها، صح!

دفع عمر كفه عن كتفه، لم يكترث مروان وبعد دقائق غادر، سأله إياد بهدوء
- مالك!، من امبارح مختفي والنهاردة ساكت بطريقة غريبة
خطر في باله امر واحد وكشف عنه بإستنكار وترقب
- متقولش رضوى تاني!
- فتحت رقمها ت..
قاطعه إياد يهتف بإنفعال
- وانت مالك تفتح رقمها ولا لا، اية علاقتك بيها عشان تهتم، انساها بقى هي اللي اتخلت عنك وسابتك
زمجر عمر بخشونة، فضل الصمت لينهض ويغادر المقهى، زفر إياد بضيق تاركه يغادر.

أعلن هاتف إياد عن وصول رسالة، قرأ محتواها على مضض ولم يُكمله ليخرج من المحادثة وينظر للمحادثة التي أسفلها، جز على اسنانه بحنق من تلك التي يُرسل لها الرسائل ولا تُجيب رغم رؤيتها لها.

مساءً، في المستشفى
طرقت ملك بخفة على الباب ثم دلفت بوجهها البشوش الملائكي
- عاملة اية يا طنط كوثر النهاردة؟، كله تمام؟
نظرت لها كوثر وابتسمت بتعب ظهر جلياً على صوتها
- الحمدالله على كل حال
- معلش اتأخرت عليكِ بس لسة مخلصة شغل
- ولا يهمك يا بنتي، يارا كانت هنا من ساعتين وقضت معايا اليوم من اوله اصله يوم إجازتها.

أخذت كوثر تتحدث عن يومها مع ابنتها، اخرجت ملك ما أحضرته من فاكهة لتطعم كوثر منها، اثناء انشغالها بذلك أعلن هاتفها عن وصول رسالة، التقطت هاتفها ونظرت من الخارج دون ان تفتحه لترى انها رسالة اخرى من إياد المُلِح، لماذا يُرسل لها الكثير من الرسائل دون اي سبب! اجابته في مرته الاولى بتردد لكنه استمر في ذلك، ضحكت بسخرية من موقفه الإيجابي فرغم عدم إجابتها عليه إلا انه مُستمر في سؤاله عن حالها كالرسائل السابقة التي لم يتم الرد عليها.

تركت الهاتف جانباً ونظرت ل كوثر بقلق حين سعلت بقوة واحمر وجهها ثم أصبحت تعاني من ضيق تنفس مُفاحئ، هرعت لتنادي اي احد من طاقم الأطباء ليسعفها، أتت الممرضة راكضة لتضع لها الأكسجين وبعدها بدقائق اتى الطبيب ليصرخ بعد ثوان
- محتاجة إنعاش، بسرعة.

أخرجتها الممرضة من الغرفة واغلقت الباب في وجهها، ظلت ملك واقفة للحظات مصدومة مما حدث، تنحنحت لتخرج هاتفها من حقيبتها بيد مُرتجفة، اخذت تشهق قي بكاءها وهي تتصل ب يارا للمرة العاشرة وهي لا تُجيب، ماذا تفعل الان وكيف تتصرف! تحركت مُستندة على الحائط حتى وصلت للمقعد وجلست، ضربت بقدمها الان وهي تنتحب ناظرة لهاتفها
- ما تردي يا يارا، ردي يا غبية ردي.

توقفت عن البكاء وقد أوجد لها عقلها حل، ستتصل ب إياد لتطلب منه رقم عمر وهكذا ستصل ل يارا، حمدت الله حينها انها لم تحذف رقمه.
وضعت الهاتف على اذنها مُنتظرة اجابته وهي تتمتم برجاء
- رد رد، امانة رد
اتسعت مقلتيها بلهفة وسعادة حين وصلها صوته
- لا مش مصدق انك بتتصلي!
ردت بصوتها المتحشرج مُعتذرة
- آسفة اني بتصل بيك في وقت زي دة ب..
قاطعها برده اللعوب
- لا دة انتِ تتصلي في اي وقت انتِ عايزاه.

شعرت بالحرج مما قال، حاولت ان تجهم صوتها قليلاً وتتحدث بصرامة
- ممكن رقم عمر، ضروري
- لية في اية؟
عاد صوتها ليضعف وهي تُجيبه بجزع
- طنط كوثر تعبانة جدا ومش عارفة أوصل ل يارا اتصلت بيها اكتر من عشرين مرة ومش بترد
اتاه صوته الذي بدو عليه الجدية
- خلاص اقفلي وانا هكلم عمر حالاً، متقلقيش انتِ بس
هزت رأسه اكثر من مرة وهي تتمتم برجاء
- خليها متتأخرش عليا.

طمأنها وانهى المكالمة لينهض بعدها وهو يرتدي ملابسه اثناء اتصاله ب عمر.

في فيلا إبراهيم السويفي
خرج عمر بتعجل من غرفته بعد اتصال إياد به واتجه للغرفة المجاورة ليدخلها، يعلم ان يارا جالسة مع والدته في غرفة الاخيرة حتى ان صوت ضحكاتهم تصل اليه وهو في غرفته!، لم يُريد ان يقطع لحظات والدته السعيدة.
وجد هاتف يارا موضوع على المنضدة فأخذه ووضعه في الدُرج ثم غادر مُتجهاً للمستشفى حيث سبقه إياد الى هُناك.

وصل إياد الى المستشفى، اسرع من خطواته حين رأى ملك الجالسة والخوف ظاهر جلياً على ملامح وجهها الباكي، نطق اسمها بقلق
- ملك!
رفعت حدقتيها الحمراوتين اليه بلهفة وسألته وهي تبحث عن يارا خلفه
- فين يارا؟
- هتيجي مع عمر، بس قوليلي وضعها اية؟
امتلأت مقلتيها بالدموع من جديد خافضة رأسها بحزن
- خدوها للعناية المركزة، انا مش عارفة اية الحصلها، كانت كويسة.

مد كفه ليربت على كتفها مواسيها لكنها جفلت وابتعدت حين شعرت بكفه يلمسها، هز رأسه بتفهم واكتفى بمواساتها بكلماته.
اتى عمر بعد فترة وجيزة من وصول إياد بمفرده!، سألته ملك بوهن
- فين يارا؟، مجتش ولا اية!
تجاهل سؤالها ليطرح سؤاله الفظ البارد
- ماتت ولا اية؟
احتقن وجه ملك غضباً، كيف يطرح السؤال بهذه الطريقة البشعة!، هدرت بخشونة وإستنكار من أسلوبه
- سألتك فين يارا ولا مش سامعني؟، وغير كدة حد يسأل بالطريقة دي!

تدخل إياد مُحاولاً إخماد تلك الأجواء المُلتهبة
- اكيد مش قصده يا ملك
نقلت نظراتها الى عمر الذي قال بهدوء مستفز
- يارا مشغولة مش هتقدر تيجي
عقدت حاجبيها بعدم فهم، كيف يارا غير متفرغة لوالدتها!، أيمازحها!، قفز عقلها الى افكارها السيئة، فأتسعت مقلتيها بفزع صارخة بحدة مُتهمة اياه.
- انت عملت فيها اية؟
رمقها بإستخفاف ناقلاً نظراته ل إياد ليخبره.

- انا هروح اشوف الدكتور واعرف حالتها وأقوم باللازم، فقول للي جمبك تهدى شوية
هتفت بإنفعال وهي تراه يبتعد
- يعني اية؟، يعني يارا مش هتيجي كدة؟، امها تعبانة ومش هتيجي؟، انت عملت فيها اية رد عليا!
حاول إياد تهدأتها بقوله الرزين
- اكيد في حاجة حصلت عشان كدة جه عمر بدالها، استني وهتفهمي كل حاجة اكيد.

لم تهدأ، فالقلق قد تملكها ولن ترتاح إلا بعد سماع ذلك من يارا نفسها، التقطت هاتفها وتابعت سلسلة اتصالها بها دون إجابة.

اليوم التالي
فتحت يارا جفونها بتثاقل، نظرت بجوارها كانت لاتزال سهام نائمة، ومازالت معانقة اياها، ابتسمت بإمتنان فقد نامت ليلة امس براحة على عكس الليالي السابقة، انها تذكرها بوالدتها لدرجة كبيرة؛ نهضت بخفة وغادرت الغرفة ثم الجناح، تشعر بالغرابة حول مكوث سهام و إبراهيم في غرفتين منفصلتين، لكنها عللت ذلك بمرض سهام.

دلفت لغرفتها وهي تمط ذراعيها طاردة الكسل عن جسدها، بحثت أولاً عن هاتفها لتتصل ب ملك وتطمأن عن حالة والدتها، وجدته بعد بحث طويل، كيف وصل إلى الدرج! إذ لم تخُنها ذاكرتها انها لم تضعه هناك، لم تكترث كثيرا وهمت في فتحه، ذُهِلت حين رأت ذلك الكم من المكالمات الفائتة من قِبل ملك، تملكها القلق فوراً وأكد ذلك رسالة الاخيرة التي ارسلتها بعد ان فقدت الأمل من رد الأخرى.

طنط كوثر تعبانة يا يارا وخدوها العناية المركزة، مش عارفة اوصلك، اول ما تشوفي الرسالة اتصلي بيا، على الاقل طمنيني عليكِ
اتسعت مقلتيها في صدمة وهلع، توقف عقلها عن العمل، ظلت جامدة مكانها لثوان حتى تداركت نفسها وأسرعت لتبديل ملابسها مغادرة وهي تتسابق مع ظلها للوصول، اتصلت ب ملك في طريقها لكن الاخيرة لا تُجيب.

في المستشفى
كانت ملك جالسة مع الطبيب الذي يشرح لها حالة كوثر، اخبرها بأن حالة الاخيرة مضطربة لذا ستظل في العناية المركزة، لكنه طمأنها بأن لا داعي للقلق الزائد، فحالتها مستقرة في الوقت الراهن.
شكرته بإمتنان شديد وهي تكاد ان تبكي، لن تنسى تلك اللحظات المرهقة ابداً، والخوف الذي مرت به والكوابيس التي عانت منها في لحظات نومها التي لم تتجاوز الساعة.

خرجت من غرفة الطبيب وهي تجر قدميها بإرهاق شديد، رفعت نظراتها ناحية صوت يارا الراكضة اليها
- ملك، ملك
توقفت امامها وهي تلهث، امسكت بذراعيها تسألها بجزع من بين انفاسها
- مالها ماما؟، لية خدوها للعناية المركزة؟، ردي عليا ماما كويسة؟
دفعتها ملك عنها بقهر صارخة
- حرام عليكِ مش بتردي عليا من امبارح لية، اتصلت بيكِ كتير اوي
قاطعتها يارا برجاء وقد لمعت عينيها بالدموع
- قوليلي بس ماما كويسة دلوقتي؟

مسحت ملك دموعها مُطمأنة الأخرى
- الحمدالله كويسة، لسة خارجة من عند الدكتور دلوقتي
- وقالك اية؟
اخبرتها ملك بما قاله الطبيب، همت يارا لتذهب لرؤية والدتها لكن ملك اوقفتها لتطرح سؤالها بريبة
- انتِ مكنتيش عارفة بجد؟
- لسة عارفة حالاً، صحيت من النوم لقيت رسالتك و..
بترت بقية كلماتها حين تساءلت ملك بحيرة
- يعني عمر مقلكيش؟
اعتدلت يارا لتواجهها، عاقدة حاجبيها بإستغراب مُتسائلة ببطء
- نعم!، هو عمر يعرف؟

- ايوة، انا اتصلت ب إياد عشان يتصل ب عمر وأقدر اوصلك، وهو جه هنا
- جه! هنا!
هتفت بذهول ثم احتدت ملامحها، تمتمت بإستنكار
- يعني هو عارف من امبارح وجه كمان!، خبى عليا!
شعرت ملك منذ البداية ان تصرف عمر خلفه أمر ما، وتأكدت بعد صدمة ورد فعل يارا، سردت ملك ما حدث ليلة امس وموقف عمر وما قاله ل يارا التي استشاطت غضباً، كيف يخفي عنها شيء كهذا؟، لم يعد يقتصر الامر على استفزازها.

اخرجت ملك هاتفها الذي يهتز في جيب بنطالها ناظرة للشاشة، كان إياد، حين لمحت يارا رقم صديقه اخذت الهاتف من يد الأخرى واجابت بترقب قبل ان يصل صوت الاخر
- انت فين؟، معاك عمر؟
دُهش إياد حين سمع صوت يارا الذي كان حاد، وجد نفسه يُجيب كتلميذ نبيل
- احنا قربنا من المستشفى وعمر جمبي اهو
- حلو، نزلالكم
انهت جملتها واغلقت، سارت بخطوات غاضبة وهي تتوعد لذلك الأناني الحقير.

نظر إياد لشاشة الهاتف بحاجبين مرفوعين ببلاهة، نظر له عمر مُتسائلاً
- في اية؟، مين بيسأل عني؟
- يارا، شكلها متعصبة
ادرك عمر على الفور انها علِمت بتصرفه، أخذ نفساً عميقاً ليستعد لمواجهة نوبة غضبها التي من المؤكد لها حق فيها.
- هي واقفة كدة لية!

قالها إياد بضحك بعد ان عبرت سيارته البوابة الحديدية للمستشفى، كانت يارا تنتظرهم في المنتصف، مفرقة قدميها بزاوية واضعة كفيها على خصرها بصرامة، يكاد ان يرى دخان ينبعث من حولها.
ابتسم عمر بسخرية قائلاً اثناء ترجله
- اجهز دة انت هتحوش دلوقتي
تقدمت يارا منه بخطوات غاضبة، تنوي الفكاك به، تسارعت خطواتها حتى وصلت اليه ودفعته بغضب جامح صارخة بجنون
- انت ازاي حقير للدرجة دي؟، ازاي تخبي عليا ازاي.

كادت ان تضربه على صدره مرة اخرى لكنه التقط رسغيها مكبلاً اياهم ب كفيه بتحفظ كقوله
- مقدرتش اقولِك، مقدرتش اقاطع ضحك وفرحة امي عشان انتِ معاها واقلقها في وقت متأخر
حدقت به بصدمة من رده الغير متوقع والأناني، تصاعدت ضحكاتها في خشونة وهي تستدير، تهز رأسها بعنف غير مستوعبة لِما يقوله من هراء
- انت بتستهبل صح!، لا قولي بجد دة رد!
تطلعت اليه ونيران بندقيتها تتلظى وتلتهب، عادت لتقترب منه هادرة بإهتياح.

- يعني ماما لو حصلها حاجة كان عادي!، لو ماتت وانا بعيدة عنها كان عادي!، عادي مدام أمك مبسوطة في وهم انت معيشها فيه!، رد عليا، امي تتعب وبنتها مش جمبها عشان أمك تبقى مبسوطة؟
تكسرت حروفها الاخيرة اثر دموعها التي اعاقتها بقهر، بينما كان يتابع انفعالاتها بهدوء، اخفض رأسه وهو يتنهد بعمق تبعها بإعتذاره
- اسف..
رفعت رأسها بخشونة حين وصلها اعتذاره، ضحكت بهزء وهي تقلده
- اسف!

رمقته بإزدراء قبل ان تتركه وتبتعد، لكنها ما لبثت ان عادت له، هناك شيء تريد ان تواجهه به، انه يستحق ان يتألم كما فعل بها..
- انت واحد أناني وحقير، انت متتعاشرش، تلاقيها مسبتكش عشان زهقت منك، اكيد اكتشفت فيك صفاتك القذرة وانانيتك عشان كدة هربت منك وليها حق
أتت ان تبتعد من جديد لكنه لم يسمح لها، جذبها من ذراعها بخشونة مُعتصر ذراعها، تأوهت بألم ونظراتها تصطدم بعينيه القاتمة.

كيف تحكم عليه في ذلك الامر وهي لا تعلم اي شيء!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة