قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الرابع عشر

- جيتي لية يا رضوى؟
توقفت بصدمة من قوله الجاف، لاحظت نظراته الخالية من اي مشاعر، عادت لتكمل تقربها منه لكن ببطء وحذر وربما خوف!، سألته وهي تبتسم بريبة
- اية السؤال الغريب دة؟
- اية الغريب؟
اجابته بخيبة وهي تقف امامه مُباشرةً، تحدق به بتركيز
- كنت متوقعة انك تقابلني عكس كدة
رفع زاوية فمه بهزء وهو يتساءل بحيرة مُصطنعة
- هو انا كان المفروض اقابلك بطريقة غير دي؟
- طبعاً.

كرر قولها التلقائي بشيء من الغضب، بينما اضافت رضوى بإنفعال، فهي لا تستوعب رد فعله حقاً.
- رسايلك ليا كانت بتدُل انك عايزني ارجع وطبيعي أتوقع مُقابلة احسن من دي
اتاها رده الهادئ الغريب، كانت نبرته كالجليد
- اسف لاني خيبت ظنك بس شايف ان ملهوش لازمة رجوعِك.

لم تكن رضوى الوحيدة المصدومة من رد فعل عمر، كذلك سهام و يارا اصابتهم الصدمة، كانا يتوقعا ان عمر سيأخذها بين ذراعيه ويرحب بها بحرارة لكن حدث العكس تماماً! كيف؟، لكن رغم صدمة سهام إلا انها كانت تشعر بالرضا الشديد.
ابتسمت رضوى في غضب وهي تُكرر بإستهزاء
- ملهوش لازمة؟، اومال لية كنت بتبعتلي رسايل؟ لية كنت بتقول لي...
قاطعها مُعترفاً بصراحة وقد ارتفعت نبرة صوته قليلاً.

- كنت غبي، وعرفت دلوقتي اني لازم احترم رغبتك وان بُعدِك الأحسن لينا احنا الاتنين، معلش وصلت متأخر للحقيقة بس النتيجة اني وصلت ودة كويس
حدقت به بصدمة غير مستوعبة ما يقوله، أيمزح معها؟، قهقهت بقوة وهي تستدير وتلويه ظهرها للحظات، قالت من بين ضحكاتها.
- بتعمل فيا مقلب ولا اية!
- دة شكل واحد بيعمل فيكِ مقلب انتِ كمان؟

قطع قول يارا التلقائي ضحكات رضوى، دُهش عمر من تدخلها لكنه لم يُمانع، بينما إستدارت اها سهام وحيتها بالخفاء على دعمها لأخيها، فإبتسمت يارا عنوة وهي توبخ نفسها، فلم تتدخل عن قصد لكن رفض رضوى لإستيعاب موقف عمر استفزها ودفعها لقول ذلك.
التفتت له رضوى مرة اخرى لتواجه نظراته بغضب دفين، تقدمت منه بضع خطوات لتصبح قريبة منه، سألته بهدوء مُعاكس لإشتعال حدقتيها
- بتردهالي يعني؟

قطع اتصال نظراتهما وهو يُجيب بحزم
- انتِ عارفة اني مليش في حركات الستات دي
تحركت قليلاً حتى تقابل وجهه مرة اخرى، وقالت
- عارفة، بس هعتبرها كدة، وهاخد دورك دلوقتي وانا اللي هجري وراك، هتكون راضي؟
- ولية تعملي كدة؟ مش انتِ اللي نهيتي علاقتنا؟
صححت له بثقة
- منهيتهاش، كنت عايزة اخد فترة راحة عشان اعرف انا عايزة اية
احتدت ملامح وجهه وهو يؤكد ما قاله سابقاً.

- نهيتها، ومتحاوليش تألفي كلام جديد لاني فاكر كويس كل كلمة قولتيها
تراجع خطوة بعيداً عنها وهو يتذكر بوضوح ويسرده عليها
- مش عايزة اكمل عشان زهقت، قولتي كدة بظبط، انا مش ناسي
ابتسمت رضوى، لقد نست للحظة انه يحمل ذاكرة جيدة جداً، وأيضاً ثقتها في حبه لها جعلتها تكذب! اعتقدت انه سيصدقها بل سيتخطى ألم تركها له لأنه يحبها؟، حتى رسائله المُتمسكة بها جعلتها تصدق ذلك، لكن ماذا تغير الان؟ لا تعلم.

نقلت بصرها ل سهام وقالت له بلطف
- شايفة اننا نتقابل في مكان برة ونتكلم، هيبقى اريح، اية رأيك؟
- مفيش كلام تاني هيتقال
تجاهلت رفضه وقالت وهي تتخطاه
- نبقى نتفق مع بعض على الموعد
توقفت بجوار يارا وربتت على كتفها وهي تقول بصدق
- مبسوطة اني شوفتك يا سلمى
ردت يارا بداخلها بكبت
- كان نفسي اقولك وانا
لكنها احتفظت بذلك لنفسها واكتفت بالإبتسام.
تنهد عمر بعمق بعد ان غادرت، كأن وجودها خنقه!، تنحنحت سهام لتقول له برضا.

- كويس اللي عملته، متديهاش فرصة، دي متستاهلكش
اردفت مُتسائلة بتفكير
- بس انت كنت عارف انها راجعة؟ عشان حساك مش مصدوم؟
استدار عمر ناظراً لوالدتها، طلب منها بتهذيب
- نتكلم بعدين يا ماما، هطلع ارتاح
- بس...
ابتلعت إعتراضها حين رأته يغادر الصالون، تقابلت عينيه مع عيني يارا التي كانت تحدق به بترقب، مرت ثواني قبل ان تهرب هي بحدقتيها بعيداً، لماذا لم تعُد تستطيع مواجهة عينيه؟

تخطاها وصعد لغرفته بينما اتجهت هي ل سهام لتستفسر بالخفاء
- ما تقوليلي يا ماما اية اللي حصل بظبط بينهم؟، انتِ كنتِ قايلة لي المُلخص لقصتهم بس
- طب ناوليني كوباية المية دي عشان ابلع شوفة الوش العِكر اللي شوفته دلوقتي
ضحكت يارا بقوة على قول سهام الظريف، ناولتها ما ارادت ثم بدأت الاخيرة في سرد قصة عمر و رضوى بالتفصيل.

- اتعرف عمر على رضوى بالصدفة في درس العربي في ثانوية عامة، كانوا صحاب عادي بس لما دخلوا الجامعة قربوا من بعض اكتر رغم ان هو في جامعة وهي في جامعة تانية خالص، من اول ما شوفتها وانا مش مستريحة ليها بس قولت مش مشكلة هما اصحاب وبس، بعدها بسنتين بظبط اكتشفت وبالصدفة انه ارتبط بيها، طبعاً رفضت واتخانقت معاه وهو عاندني، فترة شباب بقى
استوقفتها يارا لتستفسر بحيرة
- طب ولية كنتِ رافضاها؟

- زي ما قولتلك مكنتش مرتاحة ليها وغير كدة عشان مستواها، بصي انا عمري ما فرقت بينا وبين حد عشان في الاخر كلنا بشر بس في ناس كدة بتعرفي من اسلوبهم انه مينفعوش معانا ابدااا، يعني أول حاجة بتلقت انتباهي هي التربية والأخلاق والأهل، كل دول معجبونيش فيها
- بس مش ممكن تكوني انتِ متحاملة عليها شوية؟

- خليني اكملك الاول، اضطريت بعدها أوافق عليها عشان مبعدش اخوكِ عني، عدت عشر سنين وكل دة متخطبوش، اكتشفت بعدين ان هي الرافضة وانه عرض عليها اكتر من مرة وهي تقوله استنى شوية استنى شوية
كانت يارا تستمع لها بتركيز شديد وفضول، طلبت منها ان تُكمِل
- ها وبعدين؟

- في اخر مرة اتكلموا فيها عن الموضوع اتخانقوا خناقة كبيرة وفضلوا شهر كامل مبيكلموش بعض تقريباً، بعد الشهر لقاها بتتصل بيه عشان يتقابلوا ويتكلموا واتاريها كانت ناوية تنفصل عنه وقتها في حين ان اخوكِ كان ناوي يصلح الدنيا وجايبلها ورد كمان
ضحكت في حسرة على ولدها الطيب، استطردت بضيق.

- يابنتي دة مقعدش، كان لسة بيديها الورد لقاها بتقوله بوقف كدة مش عايزة اكمل معاك عشان زهقت، سألها اية السبب راحت قالتله انها عايزة تجرب حياتها من غيره، عايزة تسافر وتشوف شغل برة قالها انه مش هيعارضها وهيسبها تعمل اللي هي عايزاه بس مش لازم يسيبوا بعض بس هي رفضت، هي مش عايزة تبقى معاه.

توقفت لتلتقط انفاسها، عادت لتتحدث بصراحة
- عارفة لو عمر وحش وبيتحكم فيها بطريقة اوفر كنت هقول معاها حق، بس دة عمر كان شايلها على كفوف الراحة طول العشر سنين، مفيش طلب كان بيرفضه ليها، بس عارفة الناس اللي تتعود على انها تاخد وميكفيهاش! هي كدة
غمغمت يارا بتفهم، قالت سهام آخراً
- انا تعبت، هطلع ارتاح بقى
نهضت يارا معها لتوصلها لغرفتها، لم تتوقف سهام عن تكرار دعاءها حتى استلقت على الفراش.

- ربنا يبعدها عن ابني
وجدت يارا نفسها تردد خلفها بتلقائية!
- يارب
خرجت من الغرفة وقبل ان تخرج من الجناح كان إبراهيم يدلف للأخير، القت عليه التحية وهي تمنحه ابتسامة صغيرة، قابلها بإبتسامة مُقتضبة لاحظتها بوضوح، ودون ان يقول شيء تركها واتجه لغرفته، فتخطت تصرفه واكملت طريقها للخارج لتذهب لغرفتها.

- ملك
استدارت سريعاً وقد اتسعت مقلتيها بخوف وهي ترى والدها يقترب منهما وملامح وجهه تعرفها جيداً، تعلم ما يفكر به الان.
- بابا
همست بها بتوتر حين توقف بجوارها ونظراته مُعلقة على إياد، سأل بصوت غليظ
- مين دة؟
اجابته بتلعثم وهي تضم كفيها لبعضهما البعض
- دة، دة زبون، زبون عندي
رفع حاجبيه وهو يرمقهما بنظرات مُريبة، استنكر قولها
- زبون؟، وبتعملي اية مع الزبون برة مكان الشعل يا ملك؟

تدخل إياد مُقدماً نفسه بتهذيب
- انا إياد، اعرف بنت حضرتك...
سبقه والدها بقوله الخشن مُستعجلاً على الحصول على توضيح
- ايوة تعرفها منين؟، وبتكلمها برة حدود الشغل بصفة اية؟
تعرف جيداً معنى نظرته المريبة ل إياد، لذا قالت برجاء وخوف من إتهامها وإحراجها بأي شيء امامه
- هفهمك يا بابا في البيت، لوسمحت
وحدث ما كانت تخشاه، ارتفعت نبرة صوته تدريجياً وهو يضيق عينيه.

- لية؟ خايفة لية؟ مين دة؟ مش عارفة تعرفيه عليا لية؟
شعر إياد بتوتر الاجواء، وفهم ما يحاول ان يرمي اليه والدها، فتدخل مؤلفاً سبب للقاءهما
- حصلت مشكلة في الشغل بسببي فبعتذر من الآنسة ملك
نظرت له واكملت التمثيلية، لقد أنقذها حقاً وأعاد تشغيل رأسها، قالت برسمية
- خلاص يا أستاذ إياد حصل خير
ثم امسكت بذراع والدها وسارت به بعيداً، فلم يُعارض، بينما ظل إياد يتابع إبتعادهما بقلق.
- زبونك دة عينه منك على فكرة.

خرج قول والدها فجأة بعد صمت قليل، ولحق قوله بسؤاله الخافت الخبيث
- غني؟
اتت ان ترد لكنه سبقها بقول اخر
- متقلقيش مش همانع علاقتك بيه لو غني
تركت ذراع والدها بإنزعاج وهي تتذمر
- بابا لوسمحت
توقف وهو يرمقها بسخرية كقوله
- فاكرة اني صدقت انه زبون؟
هتفت بتلقائية مؤكدة
- هو فعلاً زبون
- اكيد؟
- اكيد
هز رأسه وحذرها بهدوء
- زبون زبون، بس لو اكتشفت بعدين حاجة غير كدة هدبسه فيكِ
- يعني؟

صاحبت قولها عقد حاجبيها بعدم فهم، فقال وهو يُكمِل سيره
- انا اديتك فرصة تقولي الحقيقة
ضربت جبينها بكفها، تباً ما الذي وقعت فيه؟ لماذا يجب ان يراها والدها من بين الجميع؟، تنهدت بإستياء، تعتقد انها فهمت ما يقصده بقوله (هدبسه فيكِ) لكنها تحاول الكذب على نفسها، الجهل افضل من تخيل ما قد يفعله والدها، قررت، يجب ان تكون حذرة وصارمة مع إياد وان تُبعده عنها.

اليوم التالي
استيقظت يارا بصعوبة، لم تستطع النوم جيداً، تباً لماذا اصبح عمر يشغل حيز كبير من تفكيرها في الفترة الاخيرة؟
خرجت من غرفتها وهي تنوي الذهاب لزيارة والدتها اليوم، فربما مازالت متأثرة بموقفها حين اخبرتها عن حقيقة والدها، كانت تسأل عنها بإستمرار في اليومين الماضيين لكن لن ترتاح إلا بعد ان تراها.
جذب انتباهها صوت عمر من خلفها حيث كان يخرج من غرفته وهو يتحدث عبر الهاتف.

- انت عارف اني بفكر في واحدة تانية و...
ابتلع بقية كلماته حين استدار ورأى يارا تقف خلفه، تبادلا النظرات والتي لم تتخطى الثوان حتى يعود هو لهاتفه.
- خلاص اكلمك بعدين
واغلق الخط، كانت مازالت واقفة، تقدم منها وهو يسألها
- عايزة تقوليلي حاجة؟
رفعت حاجبيها وهي تسأل ببلاهة
- نعم؟ لية اعوز؟
اجابها ببساطة
- عشان لسة واقفة وبتبصيلي
أنكرت ذلك سريعاً
- مكنتش ببصلك كنت سرحانة في حاجة بس.

إبتسم وهو يتمتم اثناء هبوطه درجات السلم
- ماشي
وصلا لحديقة الفيلا حيث طلبت سهام اليوم ان يتناول الجميع طعام الإفطار في الهواء الطلق.
شق إبراهيم الصمت الذي بينهم بقوله
- عرفت ان رضوى جت امبارح
رفع عمر نظراته ل سهام بعتاب
- لحقتي يا ماما تقوليله؟
- كنت عايزها تخبي عليا يعني؟
- مش قصدي اكيد بس كنت عايز اقولك بنفسي
ابتلع إبراهيم الطعام الذي يلوكه في فمه ثم قال
- المهم، ناوي تعمل اية معاها؟

- مش ناوي اعمل حاجة عشان موضوعنا منتهى
هز رأسه بتفهم وساد الصمت مرة اخرى، فتطرقت سهام لحديث اخر.
- صحيح، اية رأيكم نروح مصيف في إسكندرية ليومين كدة؟
أبدى عمر اعتراضه بمزاح
- من امتى بروح معاكم مصيف؟
سخرت سهام في البداية ثم قالت بجدية
- ودي حاجة جديدة؟، بس المرة دي عشان اختك معانا لازم تبقى معانا
ثم اقترحت بحماس
- ممكن تطلب من صُحابك يجوا وانتوا في شالية وإحنا في شالية
- هشوف كدة.

قالها عمر وهو ينقل نظراته ل يارا، بينما اقترح إبراهيم
- اية رأيكم نروح دهب؟
بينما ظلت يارا تتابع حديثهم وهي ترفض الفكرة بداخلها، كيف ستذهب معهم وتترك والدتها لأيام دون رؤيتها؟ وكيف تذهب معهم؟، تشعر بالغرابة.

في السيارة
كانا يتجادلان حول الامر، تخبره يارا انها ترفض الذهاب لأي مكان مع عائلته، بينما هو يحاول ان يعرف السبب فلا يرى اي مانع لذهابها.
- طب ما انتِ عايشة معاهم، ففهميني وجهة نظرك بعيداً عن حجة والدتك
- هو انا كدة
شعر انها تُعانده، لذا هز كتفيه وهو يترك لها الامر
- على كدة اتصرفي انتِ معاهم واعترضي
- بس ساعدني
نظر لها وهو يخبرها بشفافية
- اساعدك لية وانا عايزك تيجي!

حركت حدقتيها لتقابل خاصته بعدم فهم، هتفت بطريقتها التي لا تخلو من السخرية خاصةً وهي تتحدث معه
- عايزني اجي؟ هو انت عيان؟
هز رأسه بجدية وهو يتمتم
- شكلي كدة فعلاً
فمدت كفها بتلقائية لجبينه لترى إذ كانت حرارته مُرتفعه، فدُهش من تصرفها، قالت وهي تسترد كفها
- مش سُخن ولا ح...

سقطت بقية حروفها حين وجدته يُمسك بكفها في منتصف طريقه للعودة اليها، التقطه بإحكام، قربه من انفه فسرت قشعريرة بجسدها حين شعرت بأنفاسه الحارة على كفها الرطب.
- غيرتي البرفان!
شعرت بحرارة تصعد لوجنتيها، انه يلاحظ كل شيء!، سحبت كفها بقوة نابع من توترها الذي لا تريد ان يشعر به، هتفت بعدوانية
- وانت مالك!
لم يكترث لعدوانيتها، قال بإعجاب لم يُخفيه
- بس حلو.

ضمت كفيها لبعضهما وهي تُشيح بوجهها للناحية الأخرى، هتفت بحدة
- هغيره مدام عجبك
ضحك وقال بإستمتاع
- غيريه وربنا يستر من ذوقك
قلدت قوله بغيظ بينما استمر هو في الضحك الذي قطعه رنين هاتفه، كان رقم مجهول لذا رد.
- الو، رضوى!
لمجرد ذِكر اسمها امتلأت روحها بالفضول، لماذا تتصل به؟، مالت بجسدها قليلاً بالقرب منه لعلها تسمع شيء لكنها لم تستطع فحاولت تخيل ما يدور بينهم من ردوده.

- تقريباً كنت قايل ان ملهوش لازمة نتقابل ونتكلم، انتِ عايزة فأتصرفي، متستننيش، السبب!.
توقف ونقل نظراته ل يارا الجالسة بجانبه والتي كانت توجه له اذنها محاولة استراق السمع، كانت وضعيتها واضحة جدا فضحك رغماً عنه، مد إصبعيه ليدفع رأسها بخفة فحركت حدقتيها اليه بحذر وابتسمت إبتسامتها الصفراء وهي تعتدل في جلستها، فأبعد بصره عنها وهو يقول بهدوء ل رضوى
- نتكلم بعدين، ايوة هكلمك، دي مش فرصة ليكِ، سلام.

وانهى المكالمة دون ان يُعلق على اي شيء، أوصلها للمحطة القريبة من منزلها وغادر لمقابلة إياد.

في المطعم
وضعت ملك الأطباق على الطاولة بعنف وهي ترمق إياد بنفاذ صبر، فسألها ببراءة مُصطنعة
- اية في اية؟
سألته بعتاب ونبرة بها شيء من الحدة
- مُصِر تضايقني يعني؟
ابتسم بإستفزاز وهو يخبرها بنبرة جليدية
- متفكريش كتير، مش جاي عشانك
- مدام مش عشاني روح في اي مكان تاني وقابل اللي عايزهم
رمقها بنظرة غريبة وهو يرد بنبرة منخفضة بعض الشيء
- لا المكان دة عاجبني
التقط كوب الماء وهو يُضيف.

- وغير كدة مكملناش كلام امبارح بسبب الوالد
- ملهوش لازمة الكلام..
اندفع جسده للأمام وهو يقاطعها بصرامة
- لا لِه لازمة، عايز توضيح لإتهامك ليا
- معنديش وقت
- انا هخلي عندك وقت
قالها وهو ينهض بحزم ويتخطاها، استدارت تتابعه يبتعد مع حاجبين مرفوعين، شهقت حين رأته يسلك طريق مكتب المدير فأسرعت لتركض مما جذب انتباه الأعيُن عليها، أعاقت طريقه في الرواق قبل ان يصل لباب الغرفة وهمست بين انفاسها المُتقطعة.

- بتعمل اية؟ انت اتجننت؟
- مش بتقولي معندكيش وقت؟ فهكلم..
قاطعته بأستسلام، فلا ينقصها شبوهات هنا في العمل
- ماشي ماشي، هقابلك بعد الشغل في الكافية اللي ورا المطعم..
هز رأسه وقد لمعت عينيه بإنتصار، استدار بهدوء وعاد ادراجه، تابعته بأعين مُستاءة حتى عاد لمقعده، تتمنى فقط ألا يحدث اي شيء سيء حين تُقابله.

في فيلا إبراهيم السويفي
- انا هحجز اسبوع لدهب
أخبرت سهام إبراهيم بذلك وهي تلتقط هاتفها، فقال الاخير
- استني بس نشوف عمر هيعمل اية
- مليش دعوة، مش هستنى عمر وهحجزله معانا واحطه قدام الامر الواقع
صمت إبراهيم للحظة قبل ان يُنبهها
- بس معرفتيش رأي سلمى، مش ممكن متبقاش حابة تروح؟
استنكرت سهام قوله
- مين اللي ميحبش يروح مصيف يا إبراهيم؟، مستحيل اللي بتقوله دة.

اغلق الجريدة الذي كان يقرأ فيها ووضعها جانباً، هم بالنهوض وهو يسرد توقعاته
- هتيجي النهاردة بليل وهتقولك انها مش عايزة تروح وتطلعلك الحجج الفطسانة، وهتشوفي
نظرت له وقالت بتعجل
- على كدة هحجز دلوقتي عشان احطهم قدام الامر الواقع
- يبقى احسن
تمتم بها وهو يبتعد ليغادر ويذهب للشركة.

مساءً
في منزل ملك
تجلس والدتها امام التلفاز وهي تخرط الملوخية، قطع مُشاهدتها وقوف والد ملك امام التلفاز فهتفت بسخط
- الحتة دي حلوة، وسع
- مش وقت الزفت التلفزيون، اسمعيني
نظرت له بضيق فتحدث
- انا مش مرتاح لرفض بنتك لكل العِرسان، ومعرفش هي بتعمل اية في الشغل وبتقابل مين هناك، ومش مرتاح للواد اللي شوفته معاها، حاسس ان في حاجة مابينهم
- مش انت قولت انها قالت انه زبون عندها؟
- قالت كدة بس..

سحب بقية كلماته وتطرق لقول اخر
- انا هروح أتأكد بنفسي، يارب تكون معاه
دُهشِت والدتها من قوله، بماذا يدعي هذا؟
- نعم؟!
اكمل حديثه دون ان يوضح شيء
- عشان أربطه بيها ونخلص
هتفت بنفاذ صبر
- انت بتتكلم ازاي؟
- باين عليه غني
همس بها بحماس وهو يبرم مقبض باب الشقة ثم غادر مُغلقاً اياه خلفه، فهتفت والدتها بجزع..
- يا ابو ملك، يا ابو ملك
تنهدت بإستياء وحدثت نفسها بقلق
- هيعمل اية لو شافها مع الزبون دة؟ ربنا يستر.

لا تستطيع تخيل ما قد يفعله، بل تخاف من تخيل شيء، تعلم ان زوجها مولع بالنقود ورغبته في تزويج ابنته الوحيدة من غني، قد يفعل اي شيء لتحقيق ذلك حتى إذ لم ترغب ملك بذلك.

ترجلت يارا من الحافلة وقررت اخذ المسافة من المحطة الى الفيلا سيراً على الأقدام بدلاً من اخذ سيارة اجرة، فهي تشعر بحاجتها لهذا النسيم الجميل النادر في هذا الصيف، فأقتراح والداتها التي اقترحته قبل مُغادرتها جعلها تتشتت رغم حزمها عند الرفض، ففي أي امر يخص والدها يهتز كيانها وتتذبذب.
- لو عايزة تروحي تزوري ابوكِ في قبره روحي، هكلم لك عمتك.

ذلك العرض الذي لم يخطر على بالها قد اصبح مركز تفكيرها، تشعر بالخيانة، انها تخون نفسها الجريحة، كيف تتذبذب بعد ان رفضت الذهاب!، كيف تترد في امر محتوم كهذا؟ ألم تتعهد انها ستتخطى مسألة والدها تماماً حتى تعيش بسلام؟

توقفت قدمها عن السير حين لمحت عمر واقفاً على مسافة بعيدة عنها وأمامه رضوى، كانا يقفان بجوار بوابة الفيلا ويبدو انها تُعيق طريقه، اضاقت عينيها وهي تُعود لتكمل سيرها اكن ببطء وحذر، تشعر بالفضول حيال ما يقولانه، وتشعر بالتحامل على رضوى والغضب بسبب ما فعلته ب عمر، وبررت شعورها بأنه شعور طبيعي فإذ سمع اي احد قصته سيحزن عليه وسيكرهها.

توقف تفكيرها مع توقف خطواتها، اتسعتا مقلتيها بصدمة مع تفريق شفتيها حين رأت اقتراب رضوى القوي من عمر وتقبيلها له، ليست قُبلة عادية، لقد قبلته من شفتيه!

في المقهى
جلست ملك امام إياد الذي كان ينتظرها، قالت بإقتضاب
- هما خمس دقايق وهمشي
- بدأت اشك انِك رئيسة الجمهورية
تخطت سخريته وتحدثت مُباشرةً
- عارفة انك مُرتبط بواحدة و..
قاطعها ضاحكاً وهو يهتف بدهشة
- نعم؟، امتى؟ هو انا ارتبطت وانا معرفش؟
- انا شوفتك وانت بتحضن واحدة شقرة كدة
عرف سريعاً عن من تتحدث هي، فأتى ان يوضح لكنها سبقته برجاء
- مش عايزة توضيح لوسمحت ولا عايزة اعرف هي مين بظبط، ولكن...

قاطعها بإنفعال وهو يأسر عينيها بقوة
- لا لازم تعرفي عشان الفكرة الغلط اللي عندك تتصحح
- صدقني ملهوش لازمة لأنه...
قاطعها صوت احدهم من خلف إياد
- مش هتطلبوا حاجة ولا اية؟
رفعت ملك نظراته بتوتر لوالدها الذي يرمقها بنظرات نارية مُعاكسة لإبتسامته الواسعة، رد إياد دون ان يلتفت
- شوية وهنطلب
- ب، ابا!

عقد إياد حاجبيه بعدم فهم وتابع خط سير نظراتها وصدم حين رأى والدها خلفه، تحرك الاخير وسحب الكرسي ليجلس بينهما، سألهم بتفكير وهو ينقل بصره بينهم
- لسة بتحلوا المشكلة بتاعة امبارح؟
رد إياد بغباء
- لسة
رمقته ملك بغضب، ماذا يقول هذا؟، هز والدها رأسه بتفهم وقد استقرت نظراته على إياد، استفسر
- وبتشتغل اية يا حضرة الزبون؟
- بشتغل مع والدي في شركته
- شركة!، يبقى انت غني على كدة؟
- بابا.

قالتها وهي تمسك كف والدها وتترجاه بعينيها، تترجاه بألا يُحرجها لكنه لم يهتم واكمل مُتسائلاً ببساطة
- امتى هتيجي تتقدم لبنتي؟
- نعم!
هتف بها إياد بذهول، ماذا يقول هذا الرجل الكبير؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة