قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الخامس عشر

كان عمر في طريق عودته للفيلا، كان يتجاهل رنين هاتفه فهو يعلم هوية المُتصل، فمن غير رضوى!
سلك الشارع الذي توجد فيها الفيلا، اضاق عينيه حين لمح شخص يقف خارج الفيلا بجوار البوابة وحين قلت المسافة ادرك انها رضوى، تأفف بإنزعاج، ألن تتركه!؛ اوقف السيارة جانباً وترجل فتقدمت منه وهي تتذمر
- مبتردش عليا لية؟
توقف امامها ونظراته كالجليد لها، قال ببرود
- لاني ببساطة مش عايز ارد، ومش عايز ضغط منك، لوسمحتِ.

احمر وجهها بغضب وهي تختف بإنفعال اثر عدم استيعابها لموقفه
- انت بجد عمر؟ عمر اللي كان بيبعتلي رسايل كتير ويقول ارجع؟ هو دة انت؟
اجابها بهدوء استفزها، هدوء لا يتماشى مع الوضع الذي هما فيه
- لا، عمر اللي كان بيبعتلك رسايل كان لسة معمي بحُبِك اما عمر اللي واقف قدامك دلوقتي فاق وفتح عينه، وقلبه دق لواحدة تانية
اتسعت مقلتيها بصدمة، هزت رأسها برفض وهي تكرر ما قاله بسخرية مصدومة.
- نعم! دق لواحدة تانية!

اضاقت عينيها وهي تتقدم خطوة منه اثناء تخمينها لواحدة فقط خطرت على بالها
- ميرنا؟
وضع كفيه في جيوب بنطاله وهو يخبرها
- واحدة متعرفهاش
اخفضت رأسها وهي تفكر بجنون، لقد تم أخذ مكانها بهذه السهولة؟، عادت لترفع رأسها لكن بخشونة كقولها
- هنسيهالك، هخليك ترجعلي
حدق في عينيها للحظات قبل ان يسألها
- قوليلي السبب الحقيقي في رجوعك
اجابته بتلقائية وثقة
- انت، عشان بحبك
رفع زاوية فمه وهو يُعدِل إجابتها بوضوح.

- بتحبيني ولا بتحبي محفظتي؟
رفعت حاجبيها وهي تستنكر سؤاله
- اية السؤال دة؟ بعقلك تسألني سؤال زي دة؟
- طبعاً بعقلي، قولتلك فوقت من غبائي
كان قوله حاد، عينيه قاسية، حين يتذكر ضعفه امامها يُجن، كيف كان بذلك الغباء؟
حاولت رضوى التحكم في إنفعالاتها قليلاً، قالت وهي ترفع رأسها بثقة وتفاخر
- اكيد اللي عجبتك نسخة مني
ابتسم بثقة تفوقها وقول سحقها.

- بالعكس، عجبتني عشان مختلفة عنك ١٨٠درجة، هو انا هقع في نفس الغلطة مرتين؟
اشارت على نفسها بإصبعها بألم وهي تسأله بحزن
- انا غلطة يا عمر؟
لم يعد يتأثر بها بأي شكل، يا سبحان من يغير القلوب، أكد لها بقسوة
- اكبر غلطة في حياتي
احتدت نظراتها واشتعلت بغضب بجانب دموعها التي لمعت بهما، تمتمت بتوعد
- هخليها غلطة بحق.

انهت رضوى قولها لتقترب منه بعدها، لفت ذراعها حول رقبته بإحكام وطبقت شفتيها على خاصته بوقاحة ودون خجل!
صُدِم عمر من تصرفها الغير اخلاقي، حتى انه لم يُدرك الامر إلا بعد لحظات ودفعها بقوة عنه حتى كادت تسقط، مسح شفتيه بظهر كفه بتقزز، رمقها بإزدراء كقوله
- من امتى وانتِ رخيصة كدة؟
ثم تخطاها مُصطدماً بكتفها تاركاً اياها خلفه، زاد نفوره منها بعد فعلتها، عاد ليصعد سيارته وينطلق بها بعيداً.

بينما فرت دمعة من بين جفنها بقهر، لقد انتهى أمرهما، تتأكد من هذا الان.

- امتى هتيجي تتقدم لبنتي؟
- نعم!
هتف بها إياد بذهول، ماذا يقول هذا الرجل الكبير؟، بينما اكمل والدها
- ولا هتفضل ماشي معاها من ورايا؟
اتسعت مقلتي إياد قليلاً وهو يُسرع ليصحح حُكم والدها الخاطيء
- شكل حضرتك فاهم الدنيا غلط، انا وبنت حضرتك...
قاطعه بحزم
- مش عايز توضيح، عايز رد
زمجرت ملك بحرج شديد
- بابا
- اسكتي انتِ.

صرخ بها والدها وهو يحذرها بنظراته، ثم اكمل حديثه بهدوء مع إياد الذي يحاول ان يسعف نفسه ويخرج من هذا الموقف الغريب الذي وقع فيه.
- بنتي متربية وأول مرة اشوفها واقفة مع راجل بأي صفة كانت، ومدام شوفتها بتكلمك يبقى في حاجة اكيد
تسرع إياد في الحُكم على والدها، فصارحه بإعترافه
- انا فعلا مُعجب ببنت حضرتك..
لم يسمح له والدها بإكمال جملته فقد قاطعه مُقترحاً، وكأنه كان ينتظر ذلك الاعتراف.

- بسسس، يبقى تعال اطلب ايديها مني
ضحك إياد بداخله بذهول، هل ما استنتجه صحيح! هل يحاول والدها شبكها معه بأي طريقة؟، هل هذا مقلب؟ أهناك أي كاميرا خفية هنا؟ شك للحظة في ذلك.
تنفس بعمق قبل ان يطلب منه بتهذيب
- ممكن حضرتك تسمعني؟
وكأنه لم يتحدث، فقد نقل والد ملك نظراته للأخيرة وهو يخبرها
- بكرة تروحي تقدمي استقالتك، خلاص مفيش شعل، بيت جوزك اولى بيكِ
لم يتحمل إياد اكثر من ذلك، نهض وهو يهتف بعدم إستيعاب.

- انت بتقول اية؟
صُبت الأعين عليه ومن الضجيج الذي احدثه، فنظر له والدها من الأسفل وأخبره بمكر
- انا عارف انك غني وعارف شركة ابوك تكون اية وعارف كل حاجة عنك، وانت عريس لُقطة لبنتي وانا مش هضيعك
نقل إياد نظراته بين ملك التي لم تجرأ على رفع رأسها من إحراجها ووالدها، استقام وهو يتنفس بإنفعال..
- ممكن نخرج نتكلم برة؟
نهض والدها والابتسامة التي على شفتيه تتسع بطريقة سمجة مع قوله الخبيث.

- لا هستناك على اخر الاسبوع في البيت، نتكلم هناك احسن
ثم أمر ملك
- يلا قومي
نهضت بخضوع وسارت خلف والدها لخارج المقهى وهي تكاد ان تبكي بقهر من الموقف الذي وضعها فيه والدها.
بينما ظل إياد واقفاً وقد اصابته الصدمة مرة اخرى.

خرجت يارا من البقعة المُظلمة التي اختبأت فيها بعد ما رأته، خرجت بعد ان رأت مُغادرة سيارة عمر وعودة رضوى لأدراجها، سارت للفيلا وهي تشعر بالضيق الشديد مما رأت، حتى انها لم تستطع إكمال رؤية تلك الوقاحة لذا اختبأت.
اخذت تُحدِث نفسها بإنفعال..
- ازاي تعمل كدة؟ هي فاكرة انها في بلد اجنبية؟، وهو ازاي سمحلها تعمل كدة؟
توقفت عن السير وهي ترد على نفسها
- اكيد ضعف عشان لسة بيحبها..
عادت لتكمل سيرها وهي تفكر.

- بس رد فعله كان بيدل على عكس كدة
عبرت بوابة الفيلا وهي توبخ نفسها
- وانتِ مالك يا يارا؟ يعمل اللي يعمله، يرجعلها ولا يبعد عنها حاجة متخصكيش..
حاولت إقناع نفسها بأنها لا تهتم، واجبرت نفسها على الحياد عن التفكير به، ولم تنجح، حتى انها وجدت نفسها تخبر سهام بِما حدث!، فأنقلبت الاجواء في الفيلا خاصةً بعد ان علِم إبراهيم.

اتصل عمر ب إياد ليذهب اليه ويتحدث معه بشأن ما حدث، فهو غاضب من فعلتها، لكنه حين ذهب لشقة الاخير اكتشف ان حال صديقه لا يقل عنه سوءً، لذا أجل الحديث في موضوعه ليفهم ما حدث ل إياد الذي كان يسرد له ما حدث بإنفعال وهو يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً.
- ايوة انا فعلاً مُعجب بيها بس مش لدرجة اني اتقدملها
حاول عمر تهدأة إياد بقوله
- طب اهدى كدة وهنفكر سوا
لم يسمعه، بل اكمل بثورة.

- دة بيدبسني فيها عشان الفلوس؟، انت مُتخيل!
توقف لينظر ل عمر بهلع وهو يشاركه تفكيره المُخيف
- لو ابويا دخل في الموضوع تبقى كارثة، هيجوزهالي لو الموضوع هدد سمعته، وانا مش ضامن ابوها هيعمل اية وهيوصله اية
- على كدة قول انت ل ابوك قبل ما يوصله ابو ملك
جلس إياد وهو يتنفس بإنفعال، قال وهو يضم كفيه لبعضهما وهو يرفض إقتراح عمر
- لا لا، انا هحاول اتصرف
- ازاي؟
سأله عمر بفضول، فصرخ إياد مُجيباً اياه بضياع.

- مش عارف، مش عارفة، بس هفكر في حل، اكيد هوصل لحل اكيد
تعالى رنين هاتف عمر وكان والده، أجاب بهدوء
- ايوة يا بابا
دوى صوت والده الجهوري الغاضب
- تعال البيت حالاً، متتأخرش
- في اية؟
ابعد الهاتف عن اذنه حين اغلق والده الخط دون اي رد، فنهض وهو يشعر بالقلق، قال بتعجل وهو يتجه لباب الشقة
- نكمل كلامنا بعدين
سأله إياد وهو يعقد حاجبيه
- حصل اية؟
- لما اعرف هقولك.

في فيلا إبراهيم السويفي
كانت يارا جالسة على كُرسي في زاوية الصالون، توبخ نفسها على إندفاعها وإخبار سهام بِما حدث، كم تُريد قص لسانها المتهور هذا، فهو السبب في هذه الفوضى.
رفعت حدقتيها للباب حين سمعت قول إبراهيم الحاد
- اخيراً شرفت يا أستاذ
تابعت اقتراب عمر بحدقتين مُحرجتين، وحين تقابلت عينيها بخاصته أخفضتها سريعاً.
- في اية يا بابا؟ حصل اية؟
القت سهام بقولها المُعاتب
- احنا ربيناك على كدة يا عمر!

نقل بصره لوالدته مُتسائلاً
- لية حصل اية؟
أمره إبراهيم لكن بنبرة مُتحفظة
- تعال هنتكلم في المكتب، لوحدنا
- حاضر
لحق به عمر والشك يراوده.
دخلا المكتب وفور إغلاق عمر للباب تحدث إبراهيم بهدوء
- وصل لي كلام انك عملت تصرف غير اخلاقي بالمرة مع رضوى، ولا قدام الفيلا
ضم عمر قبضته، تمنى ألا يعلم احدهم بذلك فهو موقف مُخجل، لكنه تحدث بهدوء ووضح لوالده ما حدث، وأضاف
- وعمري ما هعمل تصرف مُعيب زي دة ولا أقبله.

هز إبراهيم رأسه بتفهم ثم قال بإستغراب وتفكير
- مصدقك بس، بس سلمى قالت عكس كدة، قالت انك انت اللي بدأت
تسارعت انفاس عمر وهو يسأل بضيق
- سلمى اللي شافتنا؟
- ايوة، وقالت ل سهام وسهام قالتلي
ثم اقترب أبراهيم من عمر وربت على كتفه وهو يُطمئنه
- متقلقش انا مصدقك، انا متأكد من تربيتي وواثق فيك.

منحه عمر إبتسامة سريعة قبل ان يستأذن، حين فتح الباب وجد سهام واقفة ويبدو من وضعها انها كانت تحاول التنصت، لم يهتم وتخطاها صاعداً لغرفته بوجه مُتجهم، بينما دخلت سهام ل إبراهيم ليخبرها بِما حدث بينه وبين عمر.
صعدت يارا خلف عمر بعد ان شعرت بغضبه حين لمحته، وقفت امام باب غرفته بتوتر وتردد شديد بين الدخول والإعتذار وبين تركه يهدأ والحديث في وقت لاحق.

لم تكن تعرف انه يقف هو أيضاً خلف الباب ويعلم انها تقف في الناحية الأخرى، كما انه مُتردد في فتحه قبل ان تطرق هي الباب وتدخل، انه مُحرج من مواجهتها وغاضب أيضاً منها لأنها أخبرت والديه لكن السبب الأساسي لغضبه هو انها رأته في وضع كهذا، وأن لديها فكرة خاطئة عنه.

اتخذ قراره، فهو يُريد ان يوضح ويصحح فكرتها الخاطئة، مد كفه ليُمسك المقبض ويبرمه بعزم فظهرت في محيط رؤياه، حدقا ببعضهما البعض بصمت ألجم لسانهما للحظة، تحرك مُتيحاً لها الطريق لتدخل فقطعت إتصال اعينهما وهي تدلف للداخل، اغلق الباب واستدار ليُبادر في قول شيء لكنها سبقته بإعتذارها
- مكنش قصدي اني أقولهم واعملك مشاكل والله، فأنا اسفة بجد
تقدم منها ليقف امامها مُباشرةً ناظراً لها من فوق، اعتذر يحرج.

- انا اللي اسف عشان شوفتي حاجة زي دي، وعايز اوضح حاجة ان مش انا اللي بدأت، واني بهدلتها على اللي ع...
قاطعته بقول مُناقض للرد الذي بداخلها
- مش لازم توضح حاجة، دي حياتك الشخصية وانت حُر فيها
شعر بالإحباط من ردها، فخرج قوله التالي دون سبب او تفكير منه
- في واحدة تانية شاغلة تفكيري وقلبي.

حزنت بعد قوله دون سبب واضح لها، تراجعت خطوة للخلف دون ان تتجرأ لترفع بصرها له، تخطته سريعا وهي تقول بسخرية جاهدت لأول مرة في إتقانها
- فاكرني اختك بجد عشان تقولي!
وغادرت صافقة الباب خلفها، دلفت لغرفتها وهي تلهث بغضب، لا تعلم ماذا اصابها! لِم حزنت؟ لماذا هي غريبة هذه الفترة؟ ستُجن.

في منزل ملك
جلست والدة ملك بجوار الاخيرة التي كانت تبكي بحرقة، قالت بشفقة
- حرام عليكِ نفسك، من اول ما جيتي وانتِ حابسة نفسك وبتعيطي كدة
رفعت ملك رأسها لتنظر لوالدتها بعينيها الحمراوتين، قالت ببكاء
- انا تعبت من بابا وتصرفاته المحرجة دي، بيحسسني اني رخيصة
امسكت والدتها بكفها بحنان وهي تخبرها بهدوء
- انتِ عارفة ان ابوكِ عايز مصلحتك، ممكن بيتصرف بطريقة غلط بس نيته مش وحشة.

استطرت وهي تمسح على شعر بنتها
- ابوكِ عايزك تعيشي حياة احسن من عيشتنا، عايزك تعيشي مرتاحة عشان انتِ شقيانة من صغرك
اعترضت ملك بقهر
- مش بالأسلوب دة، كدة بيبن للغير انه باعيني، انه طماع باصص للفلوس، كدة هو مش بيعززني يا ماما..
اعتدلت جالسة وهي تتحدث بإنفعال
- دة هدد إياد، خلى عنده فكرة غلط عني، دة حتى لو وافق على الهبل اللي بابا قاله هيبصلي ازاي؟ انا هتعامل معاه ازاي وهبصله ازاي؟

اخفضت كتفيها بإنكسار وهي تتمتم
- اهو هيجوزني من واحد غني ولو هو كويس بس شاف طريقة عرض بابا ليا هيبصلي ويعاملني برخص
وافقتها والدتها على أقوالها السابقة
- معاكِ حق في كل كلمة قولتيها وانا هتكلم مع ابوكِ
عادت لتستلقي على السرير وهي تخبر والدتها بوهن
- ملهوش لازمة الكلام معاه، لانه مش هيتغير ابداً.

صباح اليوم التالي
لم تخرج ملك من غرفتها بعد ان منعها والدها من الذهاب للعمل، لم تجادله حينها وعادت لمخبئها، أصبحت تشُك في نية والدها.
انها تسمع نداء والدتها التي تدعوها لتناول الإفطار لكنها تتجاهله، لن تتناول شيء معهم، ستقاطع والدها حتى يتوقف عن تلك التصرفات.
رفعت هاتفها أمام رؤياها، تنظر للرسالة التي كتبتها ل إياد ليلة امس.

- اسفة جدا على الحصل النهاردة واعتبره انه محصلش، انا هتعامل مع بابا وهحاول امنعه من انه يعمل اي حاجة ممكن تجبرك على عرضه، انا اسفة تاني للموقف اللي اتحطيت انت فيه بس والله العظيم مكنتش اعرف انه هيعمل كدة، اسفة بجد
لم يرد، لقد رأى رسالتها ولم يرد عليها، تتفهم موقفه، تتوقع الان انه يندم على مُقابلته لها، ربما اصبح يبغضها.

في فيلا أبراهيم السويفي
- يومين وهنطلع دهب
قول سهام سبب الذهول لكلاً من عمر و يارا اللذان هتفا في نفس الوقت
- نعم!
بينما اضافت سهام بحزم
- ومش هقبل اي حجج منكم، انا وابوكم قررنا وحجزنا والموضوع منتهي
دفع عمر الكُرسي وهو ينهض، قال بإنزعاج
- بجد بتهزروا
وغادر، بينما اخفضت يارا نظرها لطبقها دون ان تُعلِق.

فجر اليوم الثالث، في المطار
كانت يارا تسير بجوار سهام لتُساندها بينما سبقهم عمر لإنهاء الإجراءات، وكان إبراهيم يجُر الحقائب لحين عودة عمر.
لم تذهب يارا برغبتها، لقد حاولت التحجج بالكثير لكن سهام أصرت على قرارها بطريقة مُزعجة، حتى عمر لم يستطع إقناعها بإلغاء السفرية.

عاد عمر بعد فترة وجيزة وتحركا ليصعدا الطيارة، توترت يارا لعِلمها انها ستركب طيارة، لم تركبها من قبل لذا تشعر بالتوتر والخوف والحماس أيضاً.
كادت ان تجلس بجوار سهام لكن إبراهيم امرها بأن تجلس بجانب عمر.

جلست ووضعت حزام الأمان حولها وهي تنظر بتفحص حولها وأثناء ذلك كان قد اتى عمر وجلس بجوارها، منحته نظرة سريعة قبل ان تُشيح برأسها ناحية النافذة، لقد كانت تتجنبه اليومين الماضيين دون سبب واضح، وهو لم يحاول معها، وهذا زاد من ضيقها.
- هتفضلي كدة كتير؟
جذب انتباهها بسؤاله المُفاجئ، عادت لتنظر له وهي تتمتم
- مش فاهمة؟
- باين جدا انِك ماخدة جنب مني
أنكرت ذلك، وكانت كاذبة
- لا خالص، اخد جنب منك لية؟
- اسألي نفسك.

صمتت، فعلق مُغيراً مجرى الحديث
- كويس عرفتي تقفلي الحزام
- مش مسألة رياضة هو
ضحك على ردها الساخر وساد الصمت، بعد لحظات سألته يارا
- بِما انك طيار، المفروض اعمل اية لو الطيارة وقعت؟
اجابها ببساطة دون ان ينظر لها
- بِما اني طيار مش هسمح انه يحصلك حاجة، متقلقيش
ابتسمت بنزق وهي تقول بحنق
- متعملش فيها بطل دلوقتي، جاوبني على سؤالي
ثم اردفت مُحذرة اياه
- تعرف لو حصلي حاجة امي مش هتسيبك
ضحك وأومأ برأسه بصمت.

مع انطلاق الطيارة، تمسكت بذراع كرسيها بقوة واعادت ظهرها بقوة للخلف واخذت تردد الادعية والاذكار، بينما نظر لها عمر بإستمتاع، أراد ان يمسك بكفها لكنه تراجع عن تلك الفكرة، نظر للناحية الأخرى وما لبث ان عاد لينظر لها حين شعر بكفها يُمسك بكفه بقوة، سمعها وهي تتمتم بخفوت دون ان تفتح عينيها
- هستلفها ثواني وارجعهالك
ابتسم برضا وسعادة وهو يتأملها بحدقتين لامعتين.

ظُهر اليوم
في منزل ملك
خرجت ملك من غرفتها لتتجه للمرحاض، جذبها صوت والديها في الغرفة، كادت ان تُكمِل طريقها لولا سماعها لكلمة عريس بوضوح، تقدمت من غرفتها لتستمع لحديثهما بوضوح.
- يعني اتصل بيك؟، قال انه جاي النهاردة؟
- ايوة، روحي قولي ل بنتك بقى ان العريس جاي يتقدملها زي ما اتفقنا.

اتسعت مقلتي ملك بعد رد والدها، استنتجت سريعاً ان الحديث عن إياد، هل وافق حقاً؟ ماذا فعل والدها حتى يوافق؟، اقتحمت الغرفة وقد انفجرت اسألتها على والديها
- مين دة؟ مين اللي وافق؟ إياد؟
- ايوة هو، فأجهزي
تقدمت من والدها وهي تسأله بشك
- لية؟ لية وافق؟ وصلت لأبوه؟ هددته؟
اجابها والدها بصدق
- معملتش حاجة، لقيته بيتصل بيا إمبارح وبيقولي انه هيجي النهاردة، حتى مش عارف جاب رقمي منين.

اخذ صدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها الذي سببه كبتها لغضبها الذي يشتعل بداخلها، رمقت والدها بشك، لا تُصدق ما يقوله، طلبت منه وهي تضم قبضتها
- عايزة موبايلي لوسمحت
لقد اخذ هاتفها منها منذ يومين، قال وهو يجلس على طرف السرير
- هدهولِك بليل، بعد ما توافقي على عريسك
انه يُصِر على فقدانها لأعصابها، وستمنحه هذه الفرصة بسهولة هذه المرة، حيث صرخت بثورة
- مش هوافق على حد، سامعني، مش هوافق، مش هتجبرني.

اسرعت والدتها لتمسكها وتُخرجها، فهتفت قبل ان تخرج تماماً من الغرفة
- انت بتعمل كدة عشان مصلحتك مش مصلحتي
توقفت حين رد عليها بصراحة
- عشان مصلحتنا احنا الاتنين، بس نسبة مصلحتك اكبر من مصلحتي
عادت والدتها لتسحبها من جديد وتذهب بها لغرفتها، فدخلت ملك غرفتها وأغلقتها قبل ان تدخل والدتها اليها.

وصلا للشالية المحجوز لهم، كان يطل على البحر مُباشرةً، وكم سعدت يارا بذلك لذا سبقتهم للبحر بينما أصعد عمر الحقائب للغرف، وساند إبراهيم سهام حتى وصلت لغرفتها لترتاح.
كانت واقفة على الرمال تشاهد البحر وتقلباته بإستمتاع، مع نسيمه البارد رغم حضور أشعة الشمس، مرت فترة وجيزة دون ان تتجرأ على الاقتراب من الماء، كانت تكتفي بتلامس الماء لقدمها فقط.
- لية واقفة مكانك؟ ولا بتخافي؟

سمعت قول عمر من خلفها، استدارت له وقالت بعناد
- طبعاً لا، اخاف اية انت كمان
خلع سترته وهو يتقدم منها فعادت لتلويه ظهرها دون ان تتوقع ما سيفعله بها.
تسارعت خطواته حتى وصل لها وحملها في لحظة بين ذراعيه فصرخت بذعر وزاد صراخها حين اتجه بها للمياة.
- لا لا، بخااااف، لاااا.

انقطع صوتها حين القاها في البحر، اخذت تضرب الماء بذراعيها لتخرج، لا تستطيع الخروج، انها تختنق هنا في الماء، صوت ضحكاته واضحة بالنسبة لها، توعدت له إذ خرجت حية ستقتله على فعلته.
مد ذراعه والتقطها بسهولة من خصرها ليُخرج نصف جسدها من الماء، فتمسكت به بلهفة، بزقت الماء واخذت تلهث وهي تمسح وجهها بكفها المُرتجف، فتحت عينيها وحين قابلت وجهه صرخت به
- كنت هموت، كنت هموت يا حقير
ازدادت ضحكاته وهو يستخف بها.

- دة احنا على اول البحر، اومال لو كنت رميتك في العميق كان هيحصل اية؟
ضربته بقبضتها الأخرى وهي تقول بقهر
- بتضحك يا حقير! بتضحك!
رفع حاجبيه وهو يقول بعبث
- مش قولتِ مش بتخافي؟
لفت ذراعيها بإحكام حول رقبته وهي تعترف بخوف
- لا بخاف، بخاف اوي كمان
ثم طلبت منه برجاء
- خرجني لوسمحت، بسرعة
نظر لحدقتيها وقال بإستمتاع مُغيظاً اياها
- قوليلي لوسمحت يا سيد عمر
زمجرت وهي تضرب الماء بقدميها
- عمررر
قال بإصرار
- قولي وهخرجك.

عضت على شفتيها بحنق قبل ان تفرقهما وتقول بنزق
- خرجني يا سيد عمر، لوسمحت
إبتسم برضا وهو يتمتم
- كان لازم اصورك فيديو
تهكم وهو يخرج بها من البحر
- شكلك ناوية تموتيني مخنوق
خففت إحكام ذراعيها قليلاً وهي تهمس
- هعملها بس استنى اخرج من هنا
سمعها بوضوح فضحك بإستمتاع.
فور وصوله للشط كان قد القاها بعيداً عنه و فر هارباً منها، فضحكت رغماً عنها من موقفه.

مساءً
كانت يارا ووالدي عمر جالسين امام الشالية، يستمتعون بهذا المنظر المُريح للأعصاب، رغم خوفها من النزول في المياة إلا انها تستمتع جداً بمشاهدة البحر والجلوس امامه.
وجهت سهام حديثها ل يارا
- وكنتِ عايزة تفوتي المُتعة دي يا سلمى!

نظرت لها يارا ولم ترد، اكتفت بالإبتسام، بينما تذكرت انها كذبت على والدتها وأخبرتها انها لن تستطيع ان تأتي لزيارتها خلال الايام المُقبلة لأنشغالها مع سهام المريضة، فلم تُعارض، تشعر بالضيق لانها تكذب على والدتها لكنها ما كانت لترضى إذ اخبرتها الحقيقة.
- اية دة؟ اية اللي جاب دي هنا؟

قول سهام جذبها من شرودها، التفتت لتنظر للبقعة التي تنظر لها سهام، فأتسعت مقلتيها قليلاً وهي ترى رضوى تقترب منهم، وليست بمفردها، بل مروان معها، هذا ما ينقصها، اكثر اثنين لا تتقبلهما يقتربان منها الان.

في منزل ملك
وصل إياد واستقبله والدها بإبتسامة واسعة تكاد تصل لأذنيه، بادر والدها في الحديث
- يعني جيت قبل الموعد
هذا الرجل الذي يجلس امامه يستفزه لأبعد حد، قال إياد وقد تخلى عن الرسمية
- انت عارف جي لية النهاردة، ففين ملك عشان نخلص؟
اعترض والدها
- بس مسمعتش طلباتي وموافقتش عليها لسة
- واية طلباتك؟
ابتسم والدها وقال بكل بساطة
- طلباتي بسيطة، عايز فيلا لبنتي، بإسمها، ومؤخر ٢٠٠ الف
- ٢٠٠ ألف؟

- ايوة، عشان اطمن على بنتي
ضحك إياد على رد والدها الذي اعتبره سخيف، أهذا والد يبدو عليه انه يهتم بأبنته؟
- تطمن عليها!، اتأثرت
سخرية إياد جعلت والد ملك يغضب
- ولد!، احترم نفسك
تجاهله، سأله بهدوء
- فين العروسة؟ مش هقابلها؟
- يا ام ملك، نادي ملك
ساد الصمت لدقائق قبل ان تصرخ والدتها
- ألحق يا ابو ملك ألحق
فز واقفاً بعد نداء الاخيرة، اسرع لها، توقف في منتصف الرواق حين وصل له قولها الباكي.

- ملك هربت يا ابو ملك، ملك مش موجودة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة