قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي والعشرون

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي والعشرون

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الحادي والعشرون

- عايزني في اية يا إياد؟
سأله عمر بتعب وهو يجلس على الاريكة في صالون شقة إياد، اخذ الاخير نفساً عميقاً قبل ان يسرد له حقيقة والده، ولقد توقع رد فعله العنيف، حيث قفز عمر من مقعده بثورة صارخاً موبخاً اياه
- انت بتقول اية؟ انت بتستهبل؟ ازاي تطلع كلام زي دة على بابا؟
اردف بغضب وقد انخفض صوته
- يارا طلعت مش سهلة، انها تطلع كلام حقير زي دة على بابا
حاول إياد اخباره ب
- انا قولت اقولك على السمعته و..

قاطعه عمر بخشونة
- وانت ازاي تصدق كلامها؟ ازاي تتخيل ان ممكن بابا يأذيها، ولا اية قتل اختي؟ هو احنا في فيلم ولا اية!
ضحك في عصبية غير مستوعباً تصديق صديقه لهذا الهراء، بل لا يصدق كيف اختلقت يارا هذا السيناريو على والدها الذي لم يؤذيها ابداً، لم يتخيل في يوم انها من هذا النوع الحقير من الأشخاص، ألا يكفيها ما فعلته بوالدته وبخذلانها له؟ هل اتى الدور لوالده!

- انا هدفي الوحيد انك تعرف الحقيقة، عارف انه صعب تصدق كدة وانا زيك بس افرض انه حقيقة، هتعمل اية؟
صرخ عمر بجنون وقد احمر وجهه من شدة انفعاله
- عارف يعني اية اتهم ابويا بحاجة زي دي؟، ممكن أخسره لو طلع كل دة كدب
- عمر افهمني..
لم يسمح له لقول اي شيء او إقناعه، هز رأسه واشتعلت حدقتيه بتوعد وهو يستدير ليتجه للخارج
- رصيدها خلص من عندي فهعرف اتصرف معاها كويس.

اسرع إياد ليلحق به دون ان يحاول إيقافه فهو يعلم ان عمر لن يرضخ له ابداً لذا ان يصاحبه لهناك افضل من ان يتركه يذهب بمفرده.
- هتأذيها وانت بتحبها؟
سأله إياد بعد ان صعد بجواره داخل السيارة، فرد عليه عمر ببغض واحباط
- زي ما هي أذتني، وبدأت اقتنع او اقتنعت ان الحب شيء مش مهم لازم أتخلص منه لاني مش نافع فيه، ومش هخسر اهلي عشانها.

اوقف عمر سيارته أسفل منزل يارا، هتف إياد بتوجس
- متقولش ان دة بيتها؟
- ايوة
- مينفعش يا عمر اللي هتعمله دة، مينفعش تطلع..
لم يُكمِل جملته حتى وجد عمر قد ترجل ودلف للمبنى المقابل، اسرع ليلحق به مُحاولاً ايقافه هذه المرة لكنه فشل.

وصل للطابق المقصود ووقف امام احدى الشقتين، انه يتذكر رقم الطابق التي دونته يارا في الاتفاق اما بالنسبة لرقم الشقة لا يذكرها لذا اختار احدى الشقتين ليطرق بابها وقد وُفق في اختياره فقد ظهرت هي حين فُتِح الباب.
- عمر!
هتفت بها بذهول وهي تحدق به بعدم تصديق، أهو حقاً امامها؟ لحظة، ماذا يفعل هنا! في منزلها؟، قبل ان تسأله كان قد دلف دون حتى ان تأذن له!، استدارت بخشونة وهي تكاد توبخه.

- انت بتعمل اية؟ ازاي تدخل ك..
قاطعها والشر يتطاير من عينيه لها
- اتهمتي بابا بحاجة حقيرة زي دي ازاي؟ ازاي رسمتي السيناريو الخطير دة!
اتسعت مقلتيها قليلاً، كيف علِم؟، حركت شفتيها ببطء اثر صدمتها
- مين، قال لك؟
ثم التفتت لتنظر ل إياد، لابد من انه هو، فلا احد يعلم سوى ملك فربما هي اخبرته؟
- ملك قالت لك؟
اتى صوت كوثر من الداخل
- مين يا يارا؟

ازدردت يارا ريقها بتوتر وهي تعود لتنظر ل عمر الذي اكمل أقواله المُحتقرة لها
- بتلزقي حقارتك وانانيتك على بابا؟ انت خدتي قرار انك تنسحبي فمتورطيش حد بريء معاك، ولا دي عادة فيك تأذي ناس مشوفتيش منهم حاجة وحشة!
علقت بوهن وقد عبست بشدة، كان الحزن ظاهر جلياً في حدقتيها
- مش بأيدي
ضرب الحائط بقبضته وهو يصرخ بثورة.

- هتمثلي دور الضحية!، مفيش ضحية هنا غير اهلي، كنت ماخدك على انك تساعديني بس طلعتِ طماعة وكل همك الفلوس، شكلك مبقتيش محتاجة لباقي الفلوس عشان كدة استحقرتي
امسك بكتفيها وهو يخبرها بألم أخفاه بنبرته الحادة المُزدرية
- انتِ خدعتيني، انتِ متختلفيش عن رضوى بحاجة
ضمت قبتضها بجوارها محاولة التحكم في انفعالاتها، ستظل هادئة وقوية، سألته بهدوء
- خلصت؟

هدوئها استفزه، يزيد قهره وغضبه حين يراها هكذا، يريدها ان تدافع عن نفسها حتى إن لن يصدقها، يريد ان يرى خوفها من خسارته حتى يهدأ ويسامحها لشخصه.
كاد ان يُتابع احتقاره لها الا انها منعته حين هتفت بنفاذ صبر
- بقولك هو اللي أجبرني اعمل كدة
اشارت لعنقها بأصبعها المرتجف وهي تتحدث بإنفعال حاد..

- شايف اثر ايديه لسة معلمة ازاي؟، ونظرة عينيه المريضة اللي مبعرفش انام بسببها، انت مش عارف حاجة، تعالى اتهمني بالكذب بعد ما تتأكد من صحة كلامي او كدبه
صمت، فقط كان يحدق بعينيها الصادقة التي لم تكذب ابداً، تنحنح بعدها بلحظات وهو يقول بخفوت متوعد
- مش هسامحِك لو حياتي خربت..
قاطعته بحزم طاردة اياه
- اخرج برة.

برزت عروقه النابضة في عنقه بغضب كظمه بأعجوبة، ابتعد مُستديراً ليغادر تاركاً اثر رحيله محفور بداخلها.
- هو دة الموضوع يعني!
اتى قول كوثر الجالسة على الكرسي المتحرك من خلفها، نظرت لها يارا وإبتسمت بحزن وهي تخبرها بإرتياح مزيف
- كل حاجة خلصت، بالبساطة دي.

اوقف عمر سيارته امام الفيلا، ترجل معه إياد وهو يسأله
- هتتأكد من كلامها؟
اغلق عمر باب السيارة واسند كفيه عليه وهو يُجيب بضياع
- تفتكر ان كلامها ممكن يكون حقيقة!
- الإجابة عند ابوك محدش غيره
هز عمر رأسه وهو يخرج تنهيدة عميقة، ابتعد عن السيارة ليتجه للداخل، تمتم بفراغ
- سلام.

انخفض كتفي إياد وهو يشعر بالشفقة على صديقه، فالموقف الواقع فيه ليس بالهين ابداً، رفع يده لينظر للساعة فوجدها العاشرة مساءً، عبر البوابة وهو يضع الهاتف على اذنه ليصل له صوت ملك بعد ثواني
- انا عند يارا دلوقتي
سألها بإهتمام
- الاوضاع عندِك اية؟
- طنط كوثر عرفت فبتكلم معاها
غمغم بأسف وأردف
- ويارا عاملة اية؟
- بتبين انها كويسة بس..
قاطعها بإستياء
- زي عمر
- ربنا يعينه على اللي هو فيه
- يارب
اردف إياد بلطف.

- وانتِ عاملة اية؟، وحشتيني
ردت بخجل
- كويسة
سألها بعبث وهو يبتسم
- مفيش وانت كمان؟
ابتسمت وهي ترد بهمس
- اكيد، وانت كمان
ثم سألته بحيرة
- انت لسة مروحتش؟
- وصلت عمر واهو راجع
- خلي بالك من نفسك
اتسعت إبتسامته وهو يقول بعدم تصديق مُصطنع
- ياه اللي يشوفِك دلوقتي ميشوفكيش من اسبوع وانتِ بتتخانقي معايا من اقل حاجة
ضحكت وهي تقول
- امسك الخشب
- ماسكه.

في فيلا إبراهيم السويفي
- فاضي نتكلم؟
قالها عمر وهو يقف عند عتبة مكتب والده، نظر اه الاخير بهدوء قائلاً
- فاضي، في حاجة؟
تقدم عمر للداخل وجلس على الكرسي المقابل له، تحدث الاخير
- افتكرت النهاردة حاجة بالصدفة وكنت عايز اتكلم معاك فيها
- اية هي؟
- ماما كانت قيلالي زمان انك كنت بتروح لدكتور نفسي
صمت إبراهيم للحظة قبل ان يومأ برأسه
- ايوة دي حقيقة، في مرحلة من حياتي
- ودلوقتي؟
- مش فاهم!
- يعني شفيت دلوقتي!

انفعل إبراهيم هاتفاً بنفاذ صبر وريبة
- في اية يا عمر اتكلم دغري
غير عمر مجرى الحديث لنقطة يعلم انه سينجح في إشغال والده عن الحديث السابق
- عايزين ندور على سلمى
هتف إبراهيم بغضب
- تاني!
وضح عمر
- عايز أتأكد إذ كانت عايشة ولا ميتة
كان يراقب انفعالات والده، استرجع الاخير هدوئه في لحظة، قال
- انت لسة عندك امل!
- بعمل كدة عشان ماما
- وانت!
كذب عمر وهو يُجيب
- مش مهتم، وجود سلمى او عدمه مش فارق معايا.

رأى السعادة في عيني والده من رده، ووافقه دون تفكير
- انا زيك، فلية ننكد على نفسنا، احنا التلاتة مع بعض، فلية نفكر في حد ميت؟
لقد صدمه، كان يتوقع ان ينهره لقوله، فأي والد يوافق ابنه على رد بغيض كهذا، كان يلاحظ دائماً عدم اهتمام وضيق والده عند بحث سهام عن ابنتهما الضائعة وقد برر ذلك بداخله على أنه يتصنع للامبالاة حتى لا يتألم ويتعايش مع فكرة ضياعها، لكن الان وفي هذه اللحظة تراوده الشكوك.

لحظة، انتبه الان لقول إبراهيم الاخير، فعقد حاجبيها وهو يتسائل
- ميت؟ قصدك على سلمى؟
اهتزت حدقتي إبراهيم بتوتر، كيف يقع بخطأ فاضح كهذا؟، ابتسم وقال بتلعثم تحكم به قليلاً
- تكهنات، اصل بقالنا كام سنة بندور عليها ومش لاقينها فأية اللي هيجي في بالك! انها ميتة
اردف بحزن وأسف مزيفان
- احنا لازم نتقبل احتمال زي دة يا عمر.

اشاح عمر بوجهه وفي رأسه ضجيج لا يتحمله، افكار مناقضة وسيئة تمنعه من التركيز وتحديد اي شيء، جذبه إبراهيم بحديثه الحزين من جديد.
- انت عارف اني كنت يتيم ومكنش عندي عيلة، كان عندي حلمين وانا صغير اول واحد اني اشتغل وأكبر ويبقى ليا اسمي في السوق، تاني حلم ان يبقى عندي عيلة
- قولت لي الكلام كدة وانا صغير..
علق عمر بذلك بينما اكمل إبراهيم ببغض عند ذِكر اسمها.

- بالنسبة لموضوع المُحتالة اللي اسمها يارا، انا اتضايقت منك لما عرفت انك أجّرت واحدة تمثل انها سلمى، سبب ضيقي كان انك دخلت واحدة الله اعلم نيتها اية، ممكن كانت تفكك عيلتنا وانا بخاف على عيلتنا اللي كونتها بعد تعب، فمش هسمح لحاجة تخسرني حياتي
ابتسم عمر بهزء مُناقض لرده الساخط
- عيلة اية يا بابا!، عيلتنا متفككة اصلاً وكلنا عارفين
ضم إبراهيم قبضته ليظل مُتحكماً بإنفعالاته بقدر المُستطاع، رد بوقار أتقنه.

- حتى لو عيلتنا مهزوزة من جوة اهم حاجة اننا نبقى مع بعض ونحاول نتماسك ونصلح اللي اتكسر
اومأ عمر برأسه ونهض فيكفي هذا القدر عليه اليوم، سأله
- انا طالع اوضتي، عايز حاجة؟
- انت قابلت المحتالة؟
وجد عمر نفسه يكذب اثناء إجابته
- لا
بينما اكمل إبراهيم طرح اسألته
- ومش بتحاول توصلك او حاجة؟
- لا، لية في حاجة؟
- لا مفيش، بطمن انها بعدت عننا
- متقلقش، تصبح على خير.

اغلق عمر الباب خلفه وظل واقفاً لوهلة وقد تاه، هل افعال وردود والده طبيعية وحقيقة ام انها مُريبة، فهل يتخيل؟

صعد درجات السلم بفكر شارد، القى بجسده على فراشه وهو يتنهد بحرارة، لقد بدأ عقله يذكره تدريجياً بأفعال والده السيئة الذي اعتقد انه نساها من تحسن تصرفاته مع مرور الوقت، تذكر تناقض ردود افعال والده حين اكتشفت سهام انه يخونها! ذلك الحدث قد تناساه عمداً حتى يُكمِل الجميع حياته بطبيعية، لكنها لم تُعيد كالسابق، فقد بدأ كل شيء بالتغير منذ ضياع سلمى.

تدهورت حالة سهام بعد ضياع ابنتها وعانت من اكتئاب حين أُغلقت القضية بعد مرور سنة كاملة، ظلت تعاني لسنة اخرى، حاول إبراهيم وهو ان يُخرجانها من اكتئابها بإرشادات الطبيبة التي تتابع حالتها وقد نجحا في النهاية، مرت شهور اعتقد فيها ان حياته قد عادت للسابق بل وأفضل لكن إبراهيم هدم اعتقاده حين خان سهام التي رأته في مكتبه يعانق سكرتيرته بحميمية، تذكر توسلات إبراهيم لوالدته.

- انا غلطت، انت اسف سامحيني، غلطة ومش هتتكرر، متخربيش بيتنا وتفككي عيلتنا عشان نزوة، سهام، سهام حبيبتي، سهام
حتى انه بكى اثناء توسلاته العاجزة، بالرغم من بغض عمر لوالده في تلك اللحظة الا انه سامحه وشعر بصدق ندمه حتى انه طلب من سهام ان تسامحه.
فتراجعت سهام عن قرارها بسبب عمر حتى لا تدمر حياة طفلها المُتبقي بإنفصالهما.

اليوم التالي
- اتفضلي الفطار..
قالتها يارا مع إبتسامة صغيرة على محياها ل كوثر التي واجهتها بعينين ضيقتين، اتجهت يارا للكومود لأخذ حقيبتها بينما تحدثت كوثر
- مش حابة تتكلمي معايا في حاجة؟
مثلت يارا الجهل وهي تتساءل
- زي اية؟
- عن الحصل امبارح مثلاً!
نظرت لساعة الحائط وقالت بتعجل زائف
- اتأخرت على الشغل
لم تسمح لوالدتها بالتحدث واستدارت لتتجه للباب، لكن ذلك لم يمنع كوثر من الحديث.

- ملك قالتلي على علاقتك انتِ وعمر
توقفت يارا واخذت نفساً عميقاً قبل ان تقول بصبر
- قولتلك يا ماما متقلقيش، كل حاجة انتهت
- ولية لازم تنهيها؟
استدارت يارا تنظر لها بدهشة
- نعم!
صُدِمت، كانت تتوقع ان والدتها ستشعر بالراحة لإبتعاد عمر وعائلته عنها لكن حدث العكس!، اضافت كوثر
- مش ناوية تروحي تزوري سهام؟
زادت دهشتها وانعقاد حاجبيها، بينما أكملت كوثر..

- ايوة انكشفت الحقيقة بس شايفة انه مش مشكلة لو روحتي زورتيها، الله يعينها اكيد حالتها دلوقتي مش كويسة وانتِ ليكِ أيد في حالتها فدة واجب عليكِ
شردت يارا في قول والدتها، انها مُحقة، لا بأس في زيارتها، اهتزت حدقتيها بتأثُر حين اضافت كوثر مع إبتسامة سمحة
- وبالنسبة لتهديد ابوه، محدش بياخد اكتر من اللي مكتوبله، فمتخافيش عليا.

أسقطت حقيبتها وأسرعت لتعانق والدتها بقوة وقد سالت دموعها، فربتت كوثر على ظهر ابنتها بحنان.

وضع عمر عبوة الدواء على الطاولة وقربها ل إياد الذي كان يُطالعه بإستغراب، وقبل ان يسأل أعطاه عمر الإجابة
- الدوا دة لقيته في مكتب بابا
هتف إياد بعدم تصديق
- فتشت مكتبه؟
تجاهل عمر تساؤل صديقه وطلب منه التالي..
- صاحبك الدكتور النفسي اللي كان اسمه محمد، اسأله واعرفلي اية الدوا دة
التقط إياد علبة الدواء وقال
- علاقتي به سطحية بس هسأله، بليل هتلاقي الإجابة عندك
- ياريت
ثم نهض، فتمسك به إياد.

- رايح فين؟ خليك قاعد شوية
- مرة تانية عشان هروح لماما المستشفى
غادر عمر بينما انشغل إياد بالإتصال الثقيل على قلبه.

مساءً
ركضت والدة ملك خلف الاخيرة لتوقفها قبل ان تصل لغرفة والدها لكنها فشلت، دفعت ملك باب الغرفة بغضب ازداد حينما وقع بصرها على والدها الجالس مُسترخي على الاريكة.
صرخت بثورة وهي تتقدم منه
- كلمت إياد تاني على الفلوس لية يا بابا! لية؟
رد ببرود وهو يرفع بصره لها ببطء
- محتاج فلوس
- على اي اساس بتطلب منه فلوس؟ على اي اساس؟
- بنتي هتبقى مراته..
قاطعته بضحكها المُستهزء من رده، تحدثت بحدة.

- مراته؟، دة انا هقطع علاقتي بيه بسببك
ابتسم بإستفزاز وهو يقول بثقة
- بتحبيه ومش هتقدري تعملي كدة
- هقدر، مدام خسارة ليك هعملها
كانت صادقة، تستطيع فعلها واستشف والدها ذلك؛ عادت لتصرخ بمزيج من الغضب والرجاء
- اخرج برة حياتي، متدخلش فيها ممكن!
- ممكن، بس بشرط
لم تسأله، انتظرت ان يفصح عن شرطه.
- تظبطيني لما تتمكني
ضمت قبضتها وهي تحدق به بنفاذ صبر، في كل مرة يهدم لها أمل تغيره.

- هروح ل يارا شوية عشان اتخنقت هنا
قالتها بفراغ وغادرت دون انتظار موافقتهم، وهم لم يعترضوا.
توقفت اسفل المبنى لتتحدث مع إياد عبر الهاتف.
- انت فين؟ فاضي؟
سألها بفضول
- في حاجة؟
- عايزة اقابلك، خمس دقايق بس
رد بحبور
- عنيا ليكِ، عشر دقايق وهبقى عندك
- هستناك عند الشارع الرئيسي
- ماشي.

في فيلا إبراهيم السويفي
انها تقترب، تقترب وهي تمتم بكلمات لا يفهمها، عينيها تُعاتبه وتتهمه بحزن، فجأة وصلت اليه وأصبحت تخنُقه بكفيها الذان يكبران حتى التهمته فيهما.
- بابا، بابا
انتفض إبراهيم بفزع من مكانه وأصبح يلهث بعنف، ادرك بعد لحظات وجود عمر بجواره فهو من أيقظه من كابوسه.
- عمر..
- انت كويس؟
مسح إبراهيم وجهه بكفيه وهو يتمتم من بين انفاسه المُتقطعة
- كان كابوس وحش اوي
- عن سلمى؟

ازاح كفيه ببطء وهو ينظر له بصدمة، فوضح عمر
- كنت بتتكلم وانت نايم وبتقول متموتنيش يا سلمى متموتنيش
ظل إبراهيم صامتاً للحظات، تنحنح قائلاً بتعب وهو ينهض
- متاخدش في بالك
قبل ان يبتعد سأله عمر مُباشرةً بعد ان اخرج الدواء من جيبه
- اية الدوا دة؟ بتاع اية؟
استدار ابراهيم ناظراً اليه بإستغراب
- لقيته فين؟
كذب عمر
- كان هنا، جمبك
- دوا للصداع
- صداع؟ هو الدكتور ضحك عليك ولا اية يا بابا؟
- نعم!

- دة دوا بيدوه للناس اللي عندهم أمراض نفسية..
ساد الصمت، يتبادلان النظرات، ضحك إبراهيم مُستنكراً
- دوا للأمراض النفسية بيعمل عندي اية؟
- ولو عندك هو عيب؟
تجهم وجه إبراهيم واحتدت نظراته، قال بحزم
- هات يا عمر الدوا
واجهه عمر بنظرات صارمة مُصِرة، سأله بشفافية
- جاوبني الاول، انت قتلت سلمى؟
- يارا بنت ال
خرجت من إبراهيم بإنفعال، فعلق عمر
- مدام عرفت مين اللي قال لي يبقى دة حقيقة.

استدار إبراهيم وهو يمسك برأسه وبداخله نزاع، يحاول ان يكبح نفسه، ان يُسيطر على نوبته التي ستتملك منه لذا قال
- اخرج يا عمر، بسرعة
- مش هخرج إلا لما اعرف الحقيقة
اندفع صارخاً وهو يتقدم منه ويدفعه للخلف حتى وصلا للحائط
- بقولك اخرُج.

اتسعت مقلتي عمر الى مصرعيها بصدمة، رغم استعداده لمواجهة حقيقة والده إلا انه صُدِم، تمنى ان تكون شكوكه وأقوال يارا خاطئة، لكن من رؤية عينيه تذكر كلمة يارا، انها أعيُن مُخيفة كعين مُجرم مريض نفسي، فرق شفتيه مُحاولاً التغلب على صدمته بإخراج حروفه المُهتزة
- قتلتها؟
حرك إبراهيم رأسه جانباً وهو يُبرر
- كانت قليلة الادب، استفزتني
سالت دمعة من عيني عمر وهو يهمس بألم
- يعني قتلتها
رد والده بضعف
- من غير قصد.

دفعه عمر بعيداً عنه بنفور صارخاً بقهر وعدم إستيعاب
- يعني قتلتها وعايش كدة! عايش بضمير مرتاح؟
- مرتاح؟ دي مش سيباني في حالي، مبعرفش انام بسببها
رمقه عمر بإزدراء قائلاً
- اقل ما تستحقه..
اخرج عمر هاتفه من جيبه ليضغط على عدة ارقام، سأله إبراهيم بريبة
- بتعمل اية؟
- بتصل بالمصحة
ظهر الخوف على محيا إبراهيم وهو يتمتم بجزع
- مصحة! هتدخل ابوك المصحة يا عمر؟
- مش احسن من السجن؟
- مش هتعمل كدة في عيلتنا!

استهزء عمر بألم
- عيلتنا؟ عيلة اية اللي بتتكلم عليها!

صعدت ملك في المقعد الأمامي المجاور ل إياد بوجه مُقتضب، رحب بها وقال
- تعرفي اني كنت رايح المستشفى
عقدت حاجبيها بتساؤل
- مستشفى لية؟
- كنت هقابل يارا هناك عشان هتزور طنط سهام
- مقالتليش
- ما لسة ماخدة قرارها حالاً، فبعتلها عنوان المستشفى
- طب كويس
ساد الصمت لدقائق ليقطعه هو بفضوله
- ها قولي كنتِ عايزة اية؟
استدارت بنصف جسدها بعنف له واندفعت حروفها من بين شفتيها بتسارع غاضب.

- مقولتليش لية ان بابا كلمك؟ انه طلب فلوس منك؟ لية رديت عليه اصلاً!
كيف كان يتوقع انها ان تعلم!، ابتسم وطلب منها برفق
- ممكن تهدي طيب؟
- لا
اوقف السيارة جانباً ونظر لها قائلاً بهدوء
- اولاً مينفعش أتجاهل اتصاله، ثانياً انا بعرف اتصرف معاه فمتقلقيش عليا
استنكر قوله بحنق
- بتعرف تتصرف معاه فتديه فلوس؟ فاكر كدة اني هتبسط مثلا
- ممكن متاخديش الموضوع بالحزازية دي!
- لا مش ممكن.

تغيرت نظراته للعتاب، فتداركت نفسها، التقطت انفاسها بقوة ثم قالت مُتراجعة
- ممكن، بس تعرفني قبل ما تتصرف، ممكن؟
ابتسم بود موافقاً
- ممكن طبعاً
والتقط كفها وقبله قُبلة حانية، نظر لها بحب قائلاً بإستياء
- بس تعرفي انِك وحشتيني جداً!
ابتسمت في خجل، همست وهي تتمسك بكفه اكثر.
- وانت كمان.

سارت يارا بإطمئان في الرواق، فقد أخبرها إياد ان عمر ليس معها، لكن التوتر لم يتركها، فهي متوجسة من رد فعل سهام، خائفة من ان تثور وتسوء حالتها.
تنفست بعمق وهي تضع كفها على مقبض الباب، ادارته وفتحته ببطء، شعرت بالراحة حين رأتها نائمة، اغلقت الباب بحذر خلفها وتقدمت منها لتجلس على الكرسي المحاور لسريرها.
- استنيتك كتير..
ما لبثت ان جلست حتى وجدت سهام تقول ذلك، استعت مقلتيها قليلاً وهي تتمتم.

- انتِ صاحية؟
- مش المفروض تيجي تشوفيني من قبل كدة يا سلمى!، قصدي يا يارا!
اخفضت يارا رأسها مُعتذرة
- اسفة
ابتسمت سهام بحزن قائلة
- اية فايدة الاعتذار، ما كسرتيلي قلبي
ضمت يارا كفيها لبعضهم البعض، ازدردت ريقها وهي تخبرها بصدق
- بس كنت بعاملِك بحسن نية والله، زي ما بعامل ماما بظبط، ما نفسي بجد اعوضك عن خسارة بنتك
هزت سهام رأسها قبل ان تقول
- عارفة، وتقريباً دة السبب اللي ممكن يخليني أسامحك.

لمعت حدقتي يارا بأمل، بينما أكملت سهام بسماحة
- فكرت كتير، مش شايفة ان في فايدة من اني أكرهك، ضحكتي عليا ومثلتي عليا انك بنتي ودة ضايقني بس في نفس الوقت مليتي فراغ جوايا وريحتيني...
توقفت حين ارتفع رنين هاتف يارا، اعتذرت الاخيرة عن مُقاطعتها ونظرت للشاشة فوجدت رقم جارتها ام محمد، اضطرت ان تُجيب فقد تركت والدتها معها.
- الو يا ام محمد
اتاها رد ام محمد الجزع
- الحقي أمك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة