قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

وصل عمر اخيراً للمطعم بعد مُعاناة مع زحام الطريق، اندفع جالساً امام إياد الذي كان يحتسي فنجان القهوة بإستمتاع
- قولي بسرعة اية اللي في راسك ها؟، انت بمخك يعني تختار البنت المجنونة دي؟
اعاد إياد الفنجان على الطاولة قائلاً بهدوء.

- يابني انا دورت عليها وعرفت عنها حاجات كتير وشايف انها مناسبة جدا وفيها مميزات كتير تنفعنا، اولها انها محتاجة فلوس فمش هتشطح في المبلغ اللي هتاخده وهتبوس أيديها على اي حاجة
علق عمر بسخرية
- وانت ايش ضمنك يا فالح؟
- ما دي الميزة التانية ان عندنا كرت رابح معاها ونقدر نفوقها لو فكرت تتشطر علينا، واللي هو أمها
اعاد عمر ظهره للخلف طالباً
- احكيلي كدة من الاول عشان انا مش مجمع.

اومأ إياد برأسه وبدأ في سرد ما لديه من البداية
- روحت المطعم تاني يوم وقابلت البنت اللي حاشِتها، طلعت صاحبتها المقربة المهم طلبت منها توصل إعتذارنا ليها عن اللي حصل ففضلت تمدح في صاحبتها انها غلبانة وطيبة بس اعذروها ظروفها صعبة وكدة فأنا من هنا جريت الكلام معاها
طالبه عمر بأن يقُل المفيد.

- ماشي ماشي، عرفت ان ابوها سابها هي وامها من لما كان عندها عشر سنين كدة وهي حالياً عايشة مع أمها المريضة ومحتاجة فلوس عشان عملية امها، وبص دي بقى، دي طلعت مش بتكمل شهر في شغلانة بسبب المشاكل اللي بتعملها
فز عمر من مكانه وكأنه كان ينتظر عيب فيها
- اهووو انت قولت انها بتاعت مشاكل وانا مش ناقص
ضحك اياد قائلاً.

- يا عم افهم، ثق فيا وفي رأيي، يارا دي المناسبة مية في المية أولاً لانها مش متسهوكة كدة ولا هتتلزق فيك، وشخصيتها قوية و...
- وانت اية اللي عرفك؟
هتف عمر بعدم اقتناع مُتسائلاً، فأجابه الاخر ببساطة
- سبب خناقها معاك اكبر دليل بلس لانها ببساطة مش طايقاك
وأضاف إياد الكثير من المزايا، سأله آخراً بحماس
- فها اية رأيك؟، يارا ولا ميرنا؟
رمقه عمر بحنق مُجيباً بعناد
- ميرنا.

التقط اياد فنجانه مرة اخرى ليحتسي قهوته بهدوء اثناء قوله
- خلاص براحتك، بس اهو ببصملك انها هتنكشف في خلال يومين بظبط
صمت عمر وهو يُشيح بوجهه بعيداً ليفكر بعمق، بعد مرور ربع ساعة من الصمت قال إياد وهو يهم للنهوض
- انا هروح الشركة، عايز حاجة؟
هز رأسه بالنفي، فنهض اياد وقبل ان يبتعد عن جانب عمر قال الاخير بثبات
- الاقي اللي اسمها يارا دي فين؟
اتسعت ابتسامة إياد وهو يقول بعبث
- اقتنعت بكلامي يعني!
- هشوف لسة.

اومأ اياد برأسه وقال وهو يبتعد
- هبعتلك عنوان شغلها الجديد على الواتس.

بدأ الليل يسدل ستاره
في محل ملابس
القت يارا بجسدها على الكرسي بتعب وتأفُف بجانب تذمرها
- لا الزبونة دي صعبة اوي، عايزة دة لا عايزة دة، مخلياني الف وراها وفي الاخر اشترت شيميز واحد وبالعافية!
ضحكت زميلتها وعلقت
- معلش بقى استحملي
مسحت يارا وجهها بكفها وهي تقول
- هستحمل..
ثم اتسعت ابتسامتها وهي تُردف بحماس
- بس بعد ما اكل عشان انا جعانة، تاكلي كُشري معايا؟
- اشطا، هروح اشتريه انا.

- لا، انا عايزة اخرج اشم هوا عشان الزبونة دي خنقتني بجد
غادرت المحل وسارت مُتجهة لشراء الكُشري من المطعم المُفضل لديها والذي لحسن حظها انه قريب من مكان عملها، سلكت الرواق لتختصر الطريق، توقفت حين سمعت نداء احدهم لها من الخلف
- يارا
واستدارت ليرتفعا حاجبيها بذهول ثم بحدة لرؤيتها لذلك الرجل الذي تتذكره جيداً، هل هو مُلاحق مجنون؟، قالت بصوت حاد
- عرفت اسمي منين؟، وبتعمل اية هنا؟
تقدم منها وهو يُجيب.

- عايز اتكلم معاكِ
رفضت بشراسة
- معرفكش اصلاً عشان اتكلم معاك
ثم لاوته ظهرها وهي تهم للمغادرة، فأسرع بخطواته ليصل لها ويجذبها من ذراعها قبل ان تتخطاه قائلاً بهدوء
- استهدي بالله كدة واسمعيني
- ابعد ايدك عني يا متحرش
رفع حاجبيه بذهول مُردداً قولها بنبرة مُنزعجة
- متحرش؟
- ايوة كلامك كان خادش للحياء ويعتبر تحرش
امتص غضبه وكظم غيظه منها ليقول بهدوء
- طب اسمعيني الاول، وبع..

مازالت تحاول التملص منه، الا تفهم ما يطلبه؟، دفعها للحائط بقوة قابض كفه على عنقها بشيء من العنف هامساً بصوت أجش
- بقولك اسمعيني، هعرض عليكِ عرض وياريت تفكري فيه وبطلي عنادك والهبل اللي بتعمليه دة
تنفست بعنف وهي تصيح بإنفعال غير مستوعبة فعلته
- انت ازاي تعمل معايا كدة؟، وإزاي عايزني اتكلم مع واحد م...
قاطعها صارخاً بها بنفاذ صبر.

- انا مش متحرش، اتحرش بيكِ لية انتِ كمان!، ولو انا واحد كدة هتحرش بيكِ انتِ مثلاً!
ابعدت قبضته عنها هاتفة بخشونة
- قول خلصني عايز اية
- عندي شعل ليكِ
عقدت حاجبيها مُتسائلة
- شغل زي اية؟
- طب ممكن نقعد في مكان نتكلم؟
هزت رأسها رافضة بحزم
- لا طبعاً، واشتغل معاك لية اصلاً
واتت ان تتخطاه للمرة الثانية لكنه لم يسمح بإمساكه لرسغها، فأعنفته
- بقولك متلمسنيش، مبتفهمش؟!
صرخ بها بدوره وهو يترك رسغها.

- وانا بقولك عايز اتكلم معاكِ في موضوع مهم، اسمعيني وبعدها قرري
تنفس بقوة وهو يدور حول نفسه، استطرد بنفس إنفعاله
- الموقف اللي حصل مابينا قبل كدة كان سوء تفاهم، فياريت تنسيه
ظلت مُحدقة به تدرس ملامح وجهه وبداخلها قلق ناحيتُه، هزت رأسها لتقول بعدها
- خلاص استناني بعد ما اخلص الشيفت بتاعي
- هتخلصيه امتى؟
- بعد ساعة
- خلاص هستناكِ
واتاح لها الطريق، ابتسمت بنزق قائلة
- اشطا يا ابو عيون خضرا
- مش خضرا على فكرة.

هزت كتفيها بعدم اكتراث وهي تبتعد
- انا شايفاها كدة
عادت لعملها ولم تحضر ما كانت تنوي إحضاره، جلست وهي تشعر بالفضول والقلق في آن واحد، لكنها كانت تنوي الفرار، لن تلقاه ولا يهمها عرضه.

مرت ساعتين ولم تخرج، ضرب المقود بكفه بغيظ، ما الذي يجبره على انتظارها كل هذا وتحمل اسلوبها المستفز؟، قرر في لحظة المغادرة ولكنه تراجع حين رآها تخرج من المحل بخطوات سريعة وكأنها تهرب منه؟، تأكد من ذلك حين رآها تلتفت حولها لتتأكد من عدم وجوده، ابتسم في ضيق مُحدثاً نفسه
- لا ذكية!
قاد السيارة ليُعيق طريقها، انزل زجاج النافذة لينظر لها وهي تمط شفتيها بسخط، قال بتهكم
- خلصت الساعة والساعتين ومجيتيش!

واجهته بصراحة بطريقتها الفظة
- بص من الاخر مش عايزة اتكلم معاك ولا عايزة اسمع عرضك، خالصين!
كادت ان تكمل سيرها لكن قوله المُغري اوقفها
- هتقبضي مية الف جنية
عادت لتنظر له بذهول هاتفة بتلقائية
- لية!، دعارة ولا اية؟
- دعارة اية انتِ كمان، تعالي نقعد في اي مكان عام ونتكلم.

جز على كلمة مكان عام وهو يتحدث بجدية، صمتت للحظات تفكر سريعاً، قررت في النهاية منحه فرصة لتستمع لعرضه، فهو يتحدث عن عرض عمل قد يكون مُناسب لها.
ذهبا لأول مقهى قابلهم وجلسا فيه، وضح بحزم قبل ان يتحدث فيما يريد
- الحصل مابينا سوء فهم، مش انا اللي عاكستك..
اردف بإنزعاج حين رأى نظراتها المُستخفة
- عايزة تصدقيني صدقيني، مش عايزة يبقى براحتك، انا وضحت وخلاص.

رمقته لوهلة قبل ان تتخطى ذلك لتستعجله ليقُل ما لديه
- عايزك تمثلي ان..
قاطعته ساخرة وهي تضحك
- امثل!، امثل اية يا عم انت كمان
وضح كاظماً غيظه، يسأل نفسه للمرة الثانية، لماذا استمع لكلام إياد!
- مش التمثيل القدام الكاميرات
- اومال؟
- طب خليني اكملك وهتفهمي!
قالها بنزق ثم استطرد ما كان يقوله
- هتمثلي كأنك اختي، اختي اللي لاقيتها بعد عشرين سنة
- ثواني، ولية همثل كأني هي!
تنفس بقوة قبل ان يشرح.

- عشان حالة والدتي بتدهور بسبب انها مش لاقياها، وانا بعمل كدة عشان أريحها
- طب ما تدور عليها!، ولا عشان الورث!
قالت الجزء الاخير من جملتها دون إدراك منها، فقد خرجت منها بينما كانت تفكر بها فقط، كان رد فعله عنيف وهو يهتف
- وِرث اية انتِ كمان؟، احنا بقالنا عشرين سنة بندور عليها ومش لاقينها
اعتذرت بصدق
- آسفة والله مش قصدي، الجملة كانت في راسي معرفش اية اللي خرجها!

قالت كلماتها الاخيرة بحيرة بجانب حدقتيها التي تدور داخل مقلتيها مُفكرة، انتبهت لنفسها حين شعرت بنظراته المُتعجبة من تصرفاتها الغريبة، قالت وهي تبتسم كالبلهاء
- كمل، كمل
سأل نفسه، ما الذي يفعله معها الان؟، هل هي المناسبة حقاً!، يشُك في ذلك.

- محتاجك شهرين، شهرين بس وترجعي لحياتك تاني، وكل حاجة مخطط لها وهفهمك الخطة كلها، بس اهم حاجة امي متحسش بحاجة خالص، ولا حد يعرف عن الموضوع دة غيري انا وانتِ سواء قبلتي او رفضتي
اسندت مرفقيها على الطاولة وهي تخبره بتشتت
- بس انا مش فاهمة الدنيا برضه
- هفهمك وهعرفك كل حاجة بس بعد ما توافقي
اجابها بهدوء وهو يراقبها، سألته بتردد
- هتديني مية الف فعلاً!

- هديكِ نص الفلوس اول ما توقعي على العقد والباقي بعد ما نخلص
- عقد كمان!، شكل الموضوع كبير
- عشان لو فكرتي تهربي بنص الفلوس
ضحكت في حنق قائلة بإستنكار
- اهرب!، انا اهرب!
- شيء طبيعي مدام محتاجة فلوس وخاصةً ان حالتك المادية مش تمام خالص
رد بطريقة استفزتها!، رفعت حاجبيها وهي تقول
- انت اتحريت عني بقى!
- حاجة زي كدة
واردف عائداً لسبب حديثهم الأساسي
- نسيت اقولك، هتعيشي معانا في الفيلا كل الفترة دي
هتفت مستنكرة.

- نعم!، ازاي وامي التعبانة؟
- هوصيلها على ممرضة
- ما الممرضة دي مش هتبقى معاها طول اليوم، مش هتبات معاها، مش...
قاطعها مُجيباً إياها
- هجيب واحدة تعيش معاها متقلقيش
- لا اقلق طبعاً
هتفت وهي تنهض بإنفعال، اضافت
- بص بصراحة، انا مش موافقة على عرضك، فمتتعبش نفسك
التقطت حقيبتها وعادت لتنظر اليه وتسأله
- بس عايزة اسأل سؤال محيرني يعني، لية اخترتني؟
رد بصراحة فظة وهو يلتقط مفاتيحه.

- مش انا اللي اخترتك، بس كويس انك موافقتيش، عشان انا مش مقتنع بيكِ اصلاً
نهض مُغادراً دون ان يتوقف ليستمع لردها الذي تخيل مدى شراسته، سب إياد على أقتراحاته الفاشلة وهاتفه ليوبخه ويطلب منه ان يبحث عن أُخرى.

عادت يارا لمنزلها وهي تستشيط غضباً من كلماته الاخيرة معها، اتجهت لغرفتها مُباشرةً لتتصل ب ملك وتقص عليها ما حدث، فلن تستطيع ان تكظم غضبها وتصمت بسلام، ظلت الاخيرة صامتة ولم تُبدي اي رد فعل، شعرت يارا بالريبة فسألتها
- مالك؟ مش بتردي لية وساكتة!
- اصلي بجمع الاحداث
- تجمعي احداث اية انتِ كمان!، ما انا قولتلك على ال..
قاطعتها ملك بندم
- مش قصدي على الموقف دة، قصدي على قبل كدة.

- بت انتِ انا مش فاهمة حاجة
طلبت ملك منها برجاء
- بصي هقولك بس امانة متتعصبيش
- حصل اية يا ملك قلقتيني
تنفست ملك بعمق لتستجمع شجاعتها وتسرد ما حدث
- كان صاحبه جه من بعد الخناقة الحصلت واعتذر وقالي اوصل لك اعتذارهم بس، بس انا خوفت اوصلك الحصل عشان هببت الدنيا خالص
سألتها يارا بحدة
- نعم! وعملتي اية تاني؟
بدى الاحراج ظاهراً على صوت ملك وهي تُكمِل.

- والله ماقصدي بس حكيت لصاحبه حاجات كتيرة عنك بس كان غرضي اني ابين له انك طيبة وغلبانة ومش بتاعة مشاكل و..
قاطعتها يارا صارخة بعدم تصديق
- يعني انتِ السبب في انهم جم وعرضوا عليا العرض دة؟
صمتت لوهلة قبل ان تضحك في حنق قائلة
- اها اصل انا هبقى محتاجة الفلوس ومش هرفض!، اصل انا غلبانة
حاولت ملك توضيح الأمور بعجز
- انا معرفش والله عن الشغل دة اصلاً، كل غرضي كان...
- اقفلي يا ملك اقفلي عشان ضايقتني.

وأغلقت الخط دون ان تستمع لبقية كلام ملك، عبست ملامح وجهها وهي تتنهد بحزن، لماذا هي مثيرة للشفقة لهذه الدرجة؟، عدم امتلاكها للمال الكافي يجعلها طِعم لؤلاء الأغنياء!، يجعلها تظهر في صورة المحتاجة!، لكنها ليست كذلك.
نهضت لتخرج من غرفتها وتستلقي بجوار والدتها على فراشها وتعانقها بقوة، ابتسمت كوثر وربتت على ظهرها بحنان
- بنتي الحلوة، عملتي اية في الشغل النهاردة!، كلتي حاجة ولا مكلتيش؟

- أكلت طبعاً يا ماما، والشغل الحمدالله اهو ماشي كويس، للآن
- ايوة اهتمي بصحتك ومتهمليش نفسك عشان تحوشي الفلوس
اومأت يارا برأسها وقد ضاق صدرها والغصة تؤلم حلقها، لكنها لم تصمد كثيراً امام قول والدتها التي مزق قلبها
- آسفة لانك شايلة الدنيا كلها على راسك، وأنك مش عايشة سنك بسببي وبسبب الفلوس اللي بتشتغلي هنا وهناك عشان تجيبيها، ياريتك مكنتيش بنتي عشان متعانيش من كل دة بسببي.

بكت يارا وتعالت شهقاتها لدقائق متواصلة، بدأت تهدأ لكن بكاءها مستمر
- متقوليش كدة، انا مبسوطة اني بنتك ومش مهم اني بتعب دلوقتي، ان شاءالله هنرتاح قريب وربنا هيفرجها
- ربنا يسعدك ويفرح قلبك ويفرجها عليكِ
- يارب يا ماما يارب.

بعد مرور يومين، مساءً
في شقة إياد، التقط عمر كوب الماء بعد ان جف حلقه من كثرة حديثه عن الامر ذاته، فوالدته لا تكف عن الضغط عليه في امر اخته المفقودة ولم يجد واحدة تروق له لتقوم بهذا الدور، فأقترح إياد المرة الالف
- طب اية رأيك ب...
- انت زهقتني بيها، قولت مش حاسس انها مناسبة
هتف عمر بغضب وهو يضع كوب الماء بحدة على الطاولة، فأتى إياد سريعاً بقوله المنفعل.

- بس برضه قولت انها تنفع للموضوع، هو اسلوبها بس اللي مش عاجبك ودة ممكن نحله
زفر عمر بقوة وهو ينهض قائلاً بإستياء
- انا هفكني من الموضوع وهواجه امي بالحقيقة ان مفيش امل
حرك إياد رأسه بإحباط، لقد حاول مساعدته ولكن الامر اصعب مما توقع، غادر عمر وهو عازم على قراره.

دلفت يارا لشقتها بخطوات متثاقلة، كم تريد النوم والراحة في هذه اللحظة لكن قبل ان تخضع لرغبتها اتجهت لغرفة والدتها لتطمأن عليها لكنها لم تجدها!، اين ذهبت؟، شعرت بالقلق واتجهت سريعاً للشقة المقابلة لهم وهي شقة جارتهم ام محمد، فتح لها ابنها الصغير لتسأله عن والدته فيخبرها بصوته الطفولي
- راحت مع مامتك للمستشفى هي وبابا
اتسعت مقلتيها بصدمة وهي تضرب على صدرها، هتفت بلهفة وقلق مُتزايد.

- نعم!، تعرف حصلها اية؟ وخدوها لمستشفى اية؟
أتت اخته الأكبر منه ببضع سنوات لتُجيبها
- قلبها كان واجعها وعمالة ترجع، اتصلي ب ماما واعرفي مستشفى اية
تركتهم يارا لتعود لشقتها وتأخذ حقيبتها وتغادر وهي تتصل ب ام محمد وتعرف منها عنوان المستشفى، أخبرتها الاخيرة وهي تبكي
- يارا، أمك محتاجة تعمل العملية النهاردة قبل بكرة، مينفعش نستنى اكتر من كدة، هتروح منك، هتعرفي تتصرفي؟

توقفت يارا في منتصف الطريق وهي تشهق في البكاء، ماذا تفعل وكيف تتصرف الان!، هل ستترك والدتها تموت!، اغلقت مع ام محمد واتصلت ب ملك لتطلب منها النزول لمقابلتها، فأتت الاخيرة بعد مرور دقائق قليلة، أخبرتها بحالة والدتها وبقول جارتها، تريدها ان تساعدها في التفكير لتبتعد عن الفكرة الوحيدة التي لمعت في عقلها، لكنها وجدتها تأخذها لذلك الطريق أولاً وتحثها عليه.

- وافقي على عرض الناس الاغنية دول، مفيش حل غير دة، خمسين الف هيعملوا عملية أمك وعلاجها كمان، مش قدامك غيرهم حالياً، انتِ معندكيش لا قريب ولا بعيد معاه الفلوس دي ولا حد هيرضى يسلفك كمان
ضمت يارا كفيها بقوة وهي تعترض
- بس..
لم تسمح ملك لها بالاعتراض، وقالت مُشجعة اياها
- وافقي دلوقتي وبعدين تبقي تفكري ازاي تظبطي امورك، حياة طنط كوثر اهم دلوقتي.

ظلت يارا صامتة للحظات، تحاول ان تسعف تفكيرها الغريق الذي يتفق مع قول ملك، تريد ان تبتعد عن هذا الطريق الذي ستسكله، لكنه الطريق الوحيد الذي امامها!، انها خائفة من ان تندم لاحقاً.
- معاكِ رقم صاحبه؟
سألتها بحزم بعد ان أخمدت قلقها حول المستقبل المجهول، ستفكر الان في إنقاذ والدتها فقط.
- معايا، اتصل به؟

اتصلت ملك ب إياد الذي اجاب مع اتصالها الثاني، بعد تحية قصيرة طلبت مقابلته ومعه صديقه عمر للتحدث عن امر مهم، اصرت امام فضوله بأن تخبره حين يأتيا.

بعد مرور نصف ساعة، في إحدى المقاهي الشعبية
اتى عمر على مضض بعد إجبار إياد له، كانت ملك تتحدث بدلاً من يارا الصامتة بطريقة غريبة!
- ولية انتِ بتتكلمي بدالها؟، لسانها ابو شبرين اتقطع؟
تهكم عمر جعلها تسترجع ذاتها، لماذا هي صامتة! لماذا تجعل صديقتها تتحدث على لسانها!، انها لا تفعل شيء خاطئ، وأنها لن تأخذ هذه النقود كصدقة بل ستقوم بدور مقابل هذا المال، رفعت رأسها لتنظر له وتسأله بشراسة وحدة.

- بقولك اية بلاش تماطل، العرض بتاعك مُتاح ولا لا؟، لو لا قول عشان نقصر كلام
ابتسم عمر بإستمتاع بدت مستفزة لها، نكزه إياد بخفة ل ييسر الأمور لكن عمر دفع يده بلامبالاة، قال وهو يشبك أصابعه ويستند بذقنه عليهم
- اعتقد ان دلوقتي انتِ المحتاجاني، فأية رأيك تتكلمي بطريقة احسن من دي!
استندت على الطاولة وهي تنظر له بصرامة، قالت بثبات.

- احب اصححلك عشان شكلك ناسي، انت محتاجني زي ما انا محتاجاك، انا محتاجة فلوسك وانت محتاجني عشان امثل دور اختك
هز عمر رأسه ببرود وهو يعود بظهره للخلف وصمت، مرت فترة وجيزة وهم يتبادلا نظرات مُشتحنة، نهضت يارا فجأة واستدارت لتغادر، نهضت ملك سريعاً لتوقفها، وفي نفس الوقت سألها عمر بهدوء
- هتوقعي على ورقة بيضة وتاخدي الفلوس؟!
استدارت يارا لتنظر له معترضة
- بيضة!، طب لو شروطك معجبتنيش!، اكون لبست!

- متقلقيش، شروطي كلها هتكون مابين انك متعمليش تصرف يكشف حقيقتك وتصرف يفضح عيلتي
اجابها ببساطة ثم نهض واقترب منها ليقف مقابلاً لها ويسألها
- ها، هتوقعي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة