قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

رواية لروحك عطر لا ينسى للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

بعد مرور ثلاث ايام
نظرت له يارا لتسأله بفضول
- وانت بتشتغل اية بقى!
القى نظرة باردة سريعة عليها، اجابها بإقتضاب اشبه بالرسمية، كأنه يقدم لها بطاقته الشخصية
- عمر السويفي، قربت على التلاتين، طيار واعذب
خرجت منها ضحكة قصيرة ساخرة أثر أسلوبه، أوقف عمر سيارته امام الفيلا، نظر ل يارا التي تجلس بجواره بهدوء، أكد عليها قبل ترجله
- متنسيش اتفاقنا، واعملي كل حاجة اتفقنا عليها وأو...

قاطعته بضجر دون ان تنظر له
- خلاص حفظت هقول وهعمل اية فمش لازم كل دقيقة تعيد
ترجل وفتح لها الباب تحت أنظار والدته التي تقف مستندة على الممرضة عند باب الفيلا تنتظر بترقب وتوتر شديد مجيء ابنتها، لم تنم منذ ان اخبرها عمر بأنه وجد سلمى، كانت تنتظر وتحلم بهذه اللحظة في الثلث ليالي التي مضت، اخيراً ستستطيع ان تعانق ابنتها الضائعة!

فتح عمر باب السيارة لتترجل هي بدورها ثم حاوط كتفها بذراعه مما لم يعجبها، تذمرت بنبرة حادة هامسة مع حفاظها على ملامح وجهها الهادئة
- ابعد ايدك، متلمسنيش
ابتسم وهو ينظر لها قائلاً من بين اسنانه مُحذراً.
- اهدي، مش من اولها.

ابتلعت انزعاجها وأكملت سيرها معه، تقابلت نظراتها مع تلك المرأة التي يظهر عليها التعب بوضوح، ذكرتها بوالدتها التي تركتها منذ ساعات لتأتي إلى هنا، لقد خضعت للعملية ونجحت والآن هي تحت المراقبة في المستشفى، وقد وصى عمر عليها مما جعلها ترتاح وتطمأن قليلاً لتتركها مع ملك وجارتها ام محمد.
- سل، مى، بنتي!

قالتها سهام بصوت متحشرج ودموعها تكاد تنفجر من اسفل مقلتيها، مدت ذراعيها لتدعوها لها وتقربها، تريد ان تلمسها، لا تصدق ان ابنتها امامها الان!
نظرت يارا لذراعيها الممدودة لها ثم لعينيها الزيتونتين التي تلمعان بإشتياق ولهفة، لمعت الدموع في مقلتيها بتأثر، وسالت على وجنتيها حين عانقتها، ذلك الدفئ وصوت بكاءها جعلها تشفق عليها، انها أُم وتستحق ان تحظى بهذه اللحظة لكن مع ابنتها الحقيقة.

- مش مصدقة، اخيراً يا سلمى، اخيراً لقيتك
زاد نحيب سهام مع كلماتها السعيدة، أخذت تستنشق رائحتها بقوة لعلها تروي اشتياقها وتداوي ندوب فراقهما، ابتعدت عنها وعانقت وجهها بكفيها اثناء دراسة ملامح وجهها الجميلة، قالت والابتسامة السعيدة تشق ثغرها
- ياه كبرتي اوي وبقيتي عروسة، مش مصدقة اني شايفاكِ قدامي!، كنت قربت افقد الأمل واموت.

اشاح عمر بوجهه بعيداً، سعادة والدته الوهمية تؤلمه، تمنى ألا يلجأ لخداعها لكنه مُضطر، استطردت سهام حديثها
- لما وراني نتايج التحليل مصدقتش نفسي، إيجابي!، يعني انا خلاص لاقيت سلمى! هترجع لحضني من تاني!
امسكت بيد يارا وقبلتها ثم عانقتها من جديد وهي تعتذر دون ان يقل بكاءها
- انا آسفة لاني ضيعتك زمان، كنت أُم مُهملة، بس وعد مني هعوضك عن كل يوم عِشتيه بعيد عني
ربتت يارا على ظهر سهام بحنان وتمتمت.

- وانا فرحانة، فرحانة لأني رجعت لحضنك يا ماما
زاد نحيب سهام بعد سمعاها لكلمة ماما منها، ضمتها لصدرها اكثر، لم تتحمل قدمها فأنزلقت لتجلس على الارض فجثت يارا بجوارها وهم مازالا مُتعانقين.
ظلا هكذا لفترة تُقارب الخمسة عشر دقيقة، بعدها دلفا للداخل، لم تُفلت سهام يد يارا من بين كفيها ابداً وكأنها خائفة من ان تضيع منها مرة اخرى.

خرج إبراهيم من غرفة مكتبه ليقف فور دخوله للصالون، ظل يُحدق ب يارا للحظات بينما قالت سهام مع ابتسامة سعيدة
- ايوة دي سلمى يا إبراهيم، بنتنا اهي
ارتسمت على شفتيه ابتسامة وقد لمعت عينيه بالدموع، مد ذراعيه لتنهض هي بدورها وتُعانقه، ضمها بإشتياق وهو يهمس لها
- مكنتش متخيل ان اليوم دة هيجي
ابعدها عنه قليلاً قائلاً وهو يمسح على شعرها البُني بكفه بدفئ.

- نورتي حياتنا من تاني، خلاص رجعتي لحضننا ومش هسمح بأنك تبعدي تاني
اومأت يارا برأسها وهي تبتسم وتعود لتعانقه من جديد، قال عمر ليجذب انتباه والديه بعد دقائق من انشغالهم بها
- خلاص نسيتوا ابنكم!
ضحكت سهام و دعته ليجلس بجوارها، ربتت على كفه وهي تقول بإمتنان شديد
- شكراً ليك لانك رجعتلي اختك، وعدتني ووفيت، ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك ابداً
فقبل جبينها ثم نقل نظراته ل يارا ليقول
- تعالي اوريكي اوضتك.

اعترضت سهام بحزم
- لا انا هوريهالها، تعالي معايا
ابتسم عمر وتركها تذهب مع والدته، وقبل ان تختفي من امامه رمقها بنظرة تحذيرية، اقترب منه إبراهيم وجلس بجواره..
- اشكرلي صاحبك عشان رجعلنا اختك في شهر بس
التمس عمر شيء من السخرية في نبرة والده، يعلم انه يشك في أمره من رد فعله حين قدم له نتائج التحاليل، لكنه متأكد من انه سيتخطى شكه مع مرور الوقت.

في الأعلى، دلفت يارا للغرفة التي ستصبح لها، ذُهِلت من اتساعها، انها ثلاث أضعاف غرفتها الصغيرة المتواضعة، رغم دهشتها لم تشعر بالسعادة لقضائها أيامها المقبلة في غرفة كبيرة كهذه وبمفردها!، انه لأمر مُخيف بالنسبة لها، نظرت ل سهام لتسألها بلطف
- مفيش أوضة اصغر من دي!
ضحكت سهام قائلة وهي تسحبها للداخل
- هتتعودي مع الوقت على الحياة دي.

فتحت لها الخزانة الممتلأة بالكثير والكثير من الملابس، شهقت يارا من ذلك الكم، سألت ببلاهة
- كل دة ليا؟
- طبعا ليكِ يا حبيبتي، يارب اكون جيبتهم على المقاس الصح، اصل خليت عمر يوصفك ليا ومش عارفة إذا هيبقى على قدك ولا اية
اخذت يارا إحدى الفساتين ووضعتها على جسدها، لمعت عينيها ببريق كاذب كقول سعيد
- حلو اوي وعلى قدي
- طب الحمدالله، فرحتك دي تكفيني وزيادة.

ثم اخذتها ليجلسا على الأريكة، اردفت سهام طالبة منها الحديث عن حياتها، اجابتها يارا كما المتفق عليه
- خدتني ست كبيرة كانت عايشة لوحدها، عيشت معاها طول السنين دي و...
قاطعتها سهام لتسألها بقلق
- وكانت بتعاملك حلو؟
- كانت طيبة اوي وبتعاملني احسن معاملة، مخلتنيش محتاجة حاجة
ابتسمت سهام بإمتنان واخذت تدعي لتلك المرأة بالخير، ثم سألتها بفضول
- وقوليلي، ازاي وصلك عمر واية كان رد فعلك؟

صمتت يارا للحظة قبل ان تسرد
- مش عارفة، بس ممكن من الميتم اللي كنت فيه لسنتين كدة!، جالي في مكان شغلي وطلب يتكلم معايا، قالي الحكاية، مصدقتش نفسي يعني خلاص لقيت اهلي؟، خدني عشان نعمل تحليل ال DNA وبعدها بأسبوع طلعت النتيجة وكانت إيجابية، عمر كان عايز ياخدني ليكم وقتها بس انا رفضت عشان ماما تعبانة، جاية هنا من وراها، متعرفش اني لقيت اهلي
- لية كدة؟

- مش هتستحمل، خايفة يحصلها حاجة لو عرفت اني هبعد عنها، هي اصلا محجوزة في المستشفى
امسكت سهام بكف يارا بفزع وهي تسألها بقلب مُضطرب
- يعني هتسيبينا تاني لما تخرج من المستشفى؟!
شعرت يارا بالإشفاق عليها وعلى حالها، لذا ابتسمت وربتت على كف سهام بجانب قولها الذي بث بداخل الأخرى الراحة والطمأنينة.

- طبعاً لا، بس هروح اشوفها وازورها كل يوم عشان متحسش بحاجة غريبة، وهي اللي ربتني يا ماما فمينفعش ارمي جمايلها ورا ظهري!
- طبعاً يا حبيبتي طبعاً، كتر خيرها انها ربيتك
واخذت تسألها سهام عن امور كثيرة حولها، تريد ان تعرف كل شيء عن ابنتها، تريد ان تملأ ذلك الفراغ الذي بداخلها بأصغر تفصيلة تخصها.

بعد مرور ساعتين، اتجه عمر للغرفة لكنه لم يجد والدته و يارا، اين ذهبا!، استدار حين فُتِح باب جناح والدته المقابل وكانت يارا تخرج منه، سألها
- نامت؟
اومأت يارا برأسها وهي تتقدم منه، سحبها من ذراعها حين أصبحت امامه ودلف للغرفة التي ستصبح لها، نزعت كفه عنها بخشونة هاتفة بحدة وتحذير
- ابعد ايدك، متجرنيش كدة تاني
تجاهل تحذيرها السخيف بالنسبة له وسألها بخفوت
- قوليلي، عكيتي الدنيا ولا اية؟

رفعت رأسها بتفاخر وهي تُجيبه بثقة
- عيب عليك
ثم اردفت بإستياء
- بس حاسة بالذنب اني بضحك على مامتك، ياعيني نفسها اوي ترجعلها بنتها
تنهد عمر بإحباط قائلاً
- مفيش حاجة بأيدي، دورت عليها كتير ومش لاقيها
غمغمت بأسف وعادت لتسأله بترقب
- صحيح فين العقد؟
- في مكتب اياد، هبقى أجيبه
اضاقت عينيها بعدم راحة، أعلمها وهو يقف عند الباب
- نامي عشان بكرة هيبقى يوم مُرهق بالنسبالك
عقدت حاجبيها بحيرة مُتسائلة
- لية؟

- هتعرفي بكرة
قالها بإقتضاب وقد غادر، قلدته بحنق وبطريقة ساخرة ثم اتجهت للفراش لتجلس عليه وتلتقط هاتفها لتتحدث مع ملك، بعد ان اطمأنت عن حال والدتها وحدثتها، اخدت ملك تسألها عن الأوضاع لديها، فأجابتها يارا
- مش عارفة للان بس شكل أُمه طيبة اوي، صعبت عليا جدا، لو تشوفيها وهي بتحضني على اساس اني بنتها، لقيت نفسي بعيط معاها وبتصرف كأني بنتها فعلا مش تمثيل
- يارب بس متكتشفش الحقيقة.

- اة والله، دة ممكن يحصلها حاجة
اردفت بقلق
- بقولك اية، انا صراحة قلقانة
- من اية؟
- مش عارفة، بس هو اللي انا بعمله صح؟، يعني اني بمثل وبدي امل لناس شكلهم طيبين وكمان بكدب على ماما بحجة ان الشيفت بتاعي بليل عشان كدة سايباها
تحدثت ملك بإيجابيتها وبساطتها المعتادة.

- أولاً ارمي الأفكار دي من راسك لسبب، ابنهم هو اللي طلب منك تعملي كدة وهو ادرى بحالهم وانتِ قولتي انه قال ان دة لمصلحة أُمه، اما بالنسبة لأمك اعتبريها كدبة بيضة يعني، وانتِ فعلا بتشتغلي دلوقتي وفي نفس الوقت مبتعمليش حاجة غلط
غمغمت يارا ومازال التذبذب ساكن بداخلها رغم محاولة ملك في بث الراحة لها، تنهدت بإستياء وهي تفرغ ما يشغل تفكيرها.

- وغير كدة ماما اكيد هتسألني اني جبت الفلوس دي منين، تجاوبها وقتها ازاي؟، هي عارفة ان مفيش حد حوالينا يقدر يساعدني اصلا
- هنفكر في حاجة اكيد، متشغليش بالك دلوقتي ونامي
- انام!، اة ماشي.

هتفت يارا بسخط، اغلقت معها والقت بجسدها للخلف، لتنهض بعد دقائق وشعور الجوع يراودها بإلحاح، حاولت تخطيه لكنها فشلت، نهضت لتتجه للخارج وتقف حائرة، اتذهب للاسفل مُباشرةً ام تستأذن منه؟، ولكنها لا تعرف اين غرفته!، وجدت غرفة واحدة بجوارها، من الممكن ان تكون هي!
فلا يوجد فالطابق إلا ثلاث، غرفتين واحدة لها وجناح والدته التي دخلته سابقاً، والثانية لا تعلم عنها شيء لذا خمنت انها له.

طرقت على الباب بخفة لأكثر من مرة لكن لا يوجد اي رد!، فتحتها وهي تفكر انها قد تكون فارغة وغرفته في الأسفل، لكنها ادركت انها مُخطئة حين قابلتها صورته المُعلقة على الحائط فور تطلعها لداخل الغرفة، تقدمت للداخل وأغلقت الباب خلفها وهي تنادي بأسمه
- عمر!، انت هنا!
- نعم!

اجفلت حين سمعت صوته خلفها بعد لحظات من مناداتها، استدارت فوجدته يقف امام باب المرحاض المُلحق بغرفته، يضع منشفة حوله وصدره عاري، احتقن وجهها بحنق ولاوته ظهرها سريعاً وهي تهتف بتذمر
- حد يخرج بالشكل دة!
رفع عمر زاوية فمه بسخرية مُعلقاً
- تقريباً دي اوضتي!، وطبيعي اخرج من الحمام كدة عشان اخد لبس..
قطع حديثه واتى بسؤاله الفضولي
- انتِ بتعملي اية هنا؟

اجابته وهي تلتف لتتجنب رؤيته حين اتجه لخزانته بعد طرح سؤاله
- جعانة، عايزة اكل
- واعملك اية؟
سألها ببرود، مطت شفتيها بحنق هاتفة
- من الذوق انك تكرم الضيف و...
- انا معنديش ذوق، هتخرجي عشان اغير ولا هتتفرجي؟
سألها بوقاحة، زفرت بغضب وهي تتجه للخارج دون ان تُجيب، لقد أخطأت حين قررت ان تستأذن منه وتطلب المساعدة من شخص مثله!، اتجهت للاسفل قاصدة المطبخ لتتناول الطعام، وجدته بعد عناء.

شعرت بالإحراج من العبث في ممتلكات أشخاص لا تعرفهم، سقطت أنظارها على علبة البسكوت الموضوع على الطاولة، أصدرت معدتها صوتاً مُطالبة للطعام، اخذت البسكوت وعادت لغرفتها وهي تتوعد لذلك الحقير الذي تجاهلها وتعامل معها بتلك الطريقة الفظة.

صباح اليوم التالي
ينظر عمر لصورته المُنعكسة على المرآة بشرود، لم يذق طعم النوم بسبب تفكيره المُستمر والمرهق حول خطته، تنتابه مخاوف كشف الحقيقة لوالديه، مخاوف من يارا التي قد تفعل شيء لا يحتسبه وتقلب كل شيء رأساً على عقب، ماذا سيفعل وقتها!، ماذا لو لم تتحمل والدته الصدمة؟، حينها سيكون الذنب ذنبه، هز رأسه بعنف طاردا ًتلك الأفكار السلبية مُردداً.

- مش هيحصل حاجة وكل حاجة هتمشي زي ما انا عايز، إن شاء الله
هندم حلته قبل ان يغادر مُتجهاً لغرفة الطعام، القى التحية على والديه ومعهم يارا التي كانت تتجاذب أطراف الحديث معهما بمرح، كانت قد جلست في مكانه، لم يُعلق وجلس بجوارها بهدوء، راقب والدته والسعادة التي تملأ روحها حتى انعكست على وجهها بوضوح، شعر بالراحة حين رأى ذلك.
انتشله إبراهيم من تأمله بسؤاله الذي تبعته غمزة
- رايح فين بالشياكة دي؟

- رايح مشوار للمطار وراجع
اجابه عمر وهو يلتقط الخبز ويضعه امامه، قال إبراهيم بعبث
- المطار برضه!
ضحك عمر مؤكداً
- ايوة المطار
اسرعت سهام لتعترض بذعر
- لا، هتروح المطار لية!، اومال مين هيروح مع سلمى عشان تشتري كل اللي نفسها فيه؟
رفع حاجبيه بذهول قائلاً بإستنكار
- انا هروح معاها يا ماما!
- ايوة مفيش غيرك، انا مش هقدر اروح معاها انا تعبانة، وانت اخوها اولى تروح معاها وعشان محدش يضايقها
- انا مش فاضي لل...

قاطعته بنظرتها الصارمة، بينما اخفضت يارا رأسها لتقول بخفوت حزين كان مُصطنعاً
- خلاص سيبيه يا ماما متجبرهوش على حاجة هو مش عايزاها، انا هروح لوحدي
كتمت تأوهها بصعوبة حين نكز ساقها بقدمه فهو يعلم جيدا تأثير هذا الأسلوب على والدته وخاصةً منها، عضت يارا على شفتيها بقوة لتتحمل الألم، حاولت كظم حنقها حتى لا تلتفت له وتقتله في يدها.
سبق إبراهيم سهام في القول الآمر.

- أجل مشوارك مدام مش ضروري وروح مع اختك، وبالمرة تقضوا وقت مع بعض وتقربوا لبعض
لمح ابتسامتها المُنتصرة التي فلتت منها لوهلة وأخفتها سريعاً، اعتصر قبضته بغضب مُناقض لموافقته الهادئة على والديه، قفزت يارا بسعادة وهي تنهض لتعانق إبراهيم ثم سهام، ذكرتها الاخيرة قبل ان تصعد يارا لغرفتها وتستعد للذهاب مع عمر.
- بس متتأخروش عشان الضيوف.

غادرا الفيلا معاً تحت أنظار سهام، انطلقا بسيارة عمر مع نظرات مُتشاحنة بينهم، تحدث بغيظ مكتوم
- انتِ قاصدة تصرفك دة!
غمغمت ببرود قاصدة استفزازه مع قولها الموضح سبب فعلتها
- عشان اتنادلت معايا امبارح، فبالتالي هجبرك تيجي معايا تعمل اكتر حاجة بيكرهها اي راجل
رفع زاوية فمه بسخرية مُتسائلاً
- وانتِ فاكرة اني هاجي معاكِ بجد!
- طبعاً، وإلا هقول لماما سهام انك سبت اختك تلف في الشوارع لوحدها.

هل تهدده الان!، احتدت ملامح وجهه وهو يهتف بخشونة
- لا حاسك اتقمستي الدور اوي!، فوقي، انا ممكن افركش كل دة واخليكي ترجعيلي فلوسي و...
قاطعته بلامبالاة
- مش هتقدر، انت مش مستغني عن حياة أمك ولا مكنتش جبتني من الاول
قبض على المقود بقوة وهو يبتسم في حدة
- بس شكلك انتِ مستغنية، فأية رأيك اطرد السيدة الوالدة من المستشفى وتتبهدلي بيها!
احمر وجهها غضباً صارخة بإنفعال
- انت هتستهبل!، احنا بينا اتفاق.

هدأت ملامحه وخمدت نيران حدقتيه حين وصل لمبتغاه واغضبها، قال بنبرة جليدية
- الاتفاق بح لو فضلتي تستفزيني
اشاحت بوجهها بعنف تنظر امامها وهي تتنفس بخشونة، هزت رأسها بعد ثوان، تخبره بجدية
- لكل فعل رد فعل، مدام مش بتضايقني يبقى مش هستفزك، فالموضوع في ايدك انت
استقرت نظراتها المتجهمة عليه تستطرد بحروف مستقيمة كحد السيف مُحذرة اياه
- ولو جربت تنقد الاتفاق وجيت عليا صدقني هخربها فوقك ومش هيهمني حاجة.

ترجلت من السيارة صافقة الباب بقوة غير عابئة لرده الذي سيكون تهديد بدوره.

في شقة إياد
نهض الاخير بتثاقل على طرقات الباب المتتالية العنيفة، هتف بسخط حين فتح الباب وكان عمر
- حد يخبط كدة؟
دفعه عمر دالفاً للداخل بخطوات غاضبة
- انا عايز أولع فيك وفي دماغك
ادرك إياد فوراً ان الامر يتعلق ب يارا، ضحك مع اغلاقه للباب وتقدمه من الاخر مُتسائلاً
- ها عملت اية تاني؟، مش عارفة تمثل!
اخذ عمر لفافة تبغ مما تخص إياد وهو يتهكم بحنق
- مش عارفة!، دي عقربة.

جلس إياد مُتطلعاً اليه مُنتظراً حديثه
- دي مستفزة بطريقة، بتستقصد تستفزني
- شيء طبيعي لانكم مش طايقين بعض اصلاً
نفذ دخان لفافة التبغ متوعداً لها
- والله ما هتسلم مني
- يابني مينفعش كدة، دة لسة اول يوم والحال كدة، فأزاي هتكملوا اللعبة دي!، ولا عايز كل حاجة تنكشف!
رمقه عمر بشر، يريد ان يفتك به، طلب منه بصرامة
- اسكت انت عشان اللي بيمشي وراك بيروح في داهية، زيي كدة
كتم إياد ضحكته وقال وهو ينهض.

- مش مهم الشد اللي بينكم، المهم ان الدنيا تمام بينها وبين اهلك.

في المستشفى
جلست يارا بجوار والدتها، تحتضن يدها بين كفيها والابتسامة تشرق وجهها، محاولة بذلك بث الطمأنينة لوالدتها التي ظهر عليها القلق من الوضع الحالي، فأسئلة كثيرة طرحتها عليها وكانت يارا تُجيبها بشيء واحد فقط (ثقي فيا وكل حاجة هتبقى تمام) لكن ذلك لم يُريحها بتا.
- ريحي قلبي وقوليلي جيبتي الفلوس منين، وشغل اية دة اللي يكسب كل الفلوس دي في يومين!
مطت يارا شفتيها بتبرم مُجيبة.

- هقولك، خدت قرض من البنك وبيتنا هو الضمان، خلاص كدة!
اسرعت لتُكمل قبل ان تُبدي كوثر أي رد فعل
- وحالياً بشتغل اكتر من شغلانة في اليوم عشان ادفع الفوايد كل شهر، ومتقلقيش هسد الفلوس وبيتنا مش هيحصله حاجة
ترقرقت الدموع لتسيل على وجنتي كوثر بألم، انها حِمل ثقيل على ابنتها، لم تقدم لأبنتها شيء سوى التعب والعبء، اسرعت يارا لتمسح دموع والدتها قائلة برجاء، فهي تعلم سبب بكاءها.

- متبدأيش امانة عليكِ، عارفة هتقولي اية بس انا كدة مرتاحة، وانتِ احسن وأطيب ام في الدنيا، بس قومي بالسلامة كدة وهبقى مبسوطة اوي ومش هبقى عايزة حاجة من الدنيا دي
اومأت كوثر برأسها وهي تحاول ان ترسم على وجهها ابتسامة حتى لا تُحزن قلب ابنتها اكثر من ذلك، طلبت منها برجاء
- طب خرجيني من المستشفى، حرام مصاريف على الفاضي
نهضت يارا رافضة بحزم
- لا مش هتخرجي من المستشفى الا لما حالتك تستقر، لوسمحتي متعترضيش..

دلفت ملك بإبتسامتها المشرقة وقولها المرح
- يا صباح الجمال على ام جمال، وانا بقول المستشفى منورة لية طلعت يارا هنا
ابتمست يارا ورحبت بها، ثم قالت وهي تلتقط حقيبتها
- كويس انك جيتي عشان لازم ارجع للشغل
- روحي ومتقلقيش انا قاعدة مع طنط حبيبتي
قبلت والدتها، اخذت ملك جانباً لتتحدث معها بصوت خافت
- مش بعطلك عن شغلك صح!
- لا لا متقلقيش، خدت اجازة النهاردة
- آسفة جدا والله اني..
قاطعتها ملك موبخة اياها بعتاب.

- متقوليش كدة احنا اخوات وطنط كوثر زي امي
عانقتها يارا وشكرتها بإمتنان، ثم ودعتهما وغادرت على اتفاق ان يتحدثا مساءً.

بدأ الليل يسدل ستاره، في فيلا إبراهيم السويفي
شعرت يارا بالإرهاق الشديد والصداع من ثرثرة أصدقاء سهام المملين جدا بالنسبة لها، دُهشت حين رأت تلك الحيوية على الاخيرة المناقضة لحالتها التي رأتها بها لأول مرة، ايقنت ان ما فعله عمر صحيح وظهور ابنتها ولو حتى مُزيف لمصلحتها.

لقد كانت سهام تتفاخر ب يارا وبجمالها رغم انها ترى نفسها عادية جداً ولا تستحق ذلك الثناء المُبالغ به، دلفت لغرفتها ناظرة لصورتها المُنعكسة على المرآة، بداية من شعرها البُني وعيني الغزال البُندقيتن إلى شفتيها الرفيعتين، أهي جميلة حقاً!، هزت رأسها بلامبالاة واتجهت للفراش لتستلقي عليه مُتنهدة، فزعت حين فُتِح الباب فجأة دون إستأذان، ومن غيره!، قذفته بنظراتها العنفوانية هاتفة
- مش تخبط!

جلس على الأريكة ببرود، ناظراً لها بجمود وهو يضع ورقة على الطاولة
- العقد اهو
نهضت بتعجل والتقطت الورقة لتقرأ ما بها بتطلع، اضاقت عينيها بإستغراب وتحولت لحدة وهي تنقل نظراتها إليه
- اية دة؟
هدرت بإعتراض حاد
- يعني اية مش محدد موعد لنهاية العقد، مش احنا متفقين على شهرين!
نهض بعنف مقترب منها، هاتفاً بحدة مع نبرته الخافتة
- وطي صوتك
حاولت التحكم بإنفعلاتها ونبرتها المرتفعة وهي تُطالبه بعدم استيعاب.

- طب فهمني، فهمني ازاي!
- دة الأحسن
- الأحسن لمين!، ليك انت..
قاطعها بجفاء وبرود شديد أفقدها صوابها
- ملهوش لازمة الكلام دة عشان كدة كدة انتِ موقعة على العقد و...
اتسعت مقلتيه بصدمة وغضب وهو يراها تهم بتمزيق العقد لنصفين، اسرع لينقذه من بين يديها صارخاً
- اتجننتي!
- انت واحد حقير ملكش كلمة و..

تبدلت بقية حروفها بتأوهاتها من قبضته الخشنة على ذراعها وجذبه لها بغير رفق قائلاً وهو يجز على اسنانه بغضب مع نبرة غير قابلة للنقاش
- هقصلك لسانك دة لو طولتيه تاني، واللي اقوله انا يتنفذ لو قولت شهر ولا خمسة كلامي هيمشي، انا مش مديكِ مية الف عشان أمشي بمزاجك انتِ
فرفت شفتيها بشراسة لترد لكن صوت سهام الجزع وهي تنقل نظراتها بينهما منعها
- في اية؟، ماسك اختك كدة لية يا عمر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة