قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع عشر

عادت فيروز لمقر عملها من جديد، بذهنٍ مُشتت. وقلبٍ مطعون بسكين مغموسة بعلقم الغدر، لا تدري ما سمعته حقيقةً ام لا، ولكنها تخشى أن يكون حقيقة. رغم أنها تخفي عليه سرًا ولكنها تستشعر صعوبة تقبل ذلك!
هل هذا شعور أن يستغلك احدهم؟
تنهدت بصوت مسموع وهي تدلك جبهتها وكأنها تفتت كتلة أفكارها السوداء التي تحجب عنها التعقل، وبدأت تحاول العودة لعملها بتركيز فر منها.

بعد قليلٍ، توجهت صوب مكتب فارس، طرقت الباب ودخلت لتجده مُنهمك في عمله، ولكن ما أن رآها ارتسمت بسمة صغيرة على شفتيه وهو يردد بخفوت: -تعالي يا برتقانة.
تقدمت منه بخطى جامدة، رغم تلك الاهتزازة العاطفية الصغيرة التي اختضت داخلها ما أن ردد ذلك اللقب المُحبب لهما.
ووضعت بعض الأوراق على المكتب أمامه وهي تقول بكلمات مقتضبة: -محتاجة إنك تشوف ده يا باشمهندس.

رفع حاجبيه معًا وشاكسها بمرح: -تاني، تاني يا زكي! لا ده أنتي شكلك حبيتي الموضوع أوي.
ابتلعت ريقها تنفي العبث الذي تسلل لبقاع إداركها، وغمغمت بنبرة بها لفحة من التوتر: -موضوع إيه؟ ياريت حضرتك تشوف وتقولي تعديلاتك عشان ورايا شغل كتير.
عقد فارس ما بين حاجبيه بتعجب نابت، وردد: -حضرتك وباشمهندس في وقت واحد، إيه يا برتقانة هتعلني عليا الحرب ولا إيه؟!

رفعت حاجبها الأيسر ساخرة بغضب مكتوم استشعره فارس بذكاء: -أعلن عليك الحرب ليه، هو أنت عملت أو بتعمل حاجة؟
رفع كتفاه معًا متمتمًا ببراءة: -أنا؟ ده أنا غلبان.
لم تعلق على جملته، بل ظلت ملامحها متغضنة بالضيق والغضب المكتوم، ثم أردفت: -عمومًا أنا هروح لحد ما حضرتك تخلص وهاجي تاني، بعد اذنك.
وكادت تنصرف لولا يد فارس التي قبضت على معصمها لتوقفها، يليها سؤاله المُشبع بالاستنكار: -مالك يا برتقانة؟ حصل إيه؟

نفضت يدها بعيدًا عنه وهي تجيب بجمود: -محصلش، برجع بس الحدود بينا زي ما كانت عشان لا أنا ولا أنت نندم.
-نندم!
رددها مشددًا على حروفها بنبرة مثقولة بالضيق والتعجب والاستنكار!
ثم نهض من مكانه واقترب منها حتى أصبح أمامها، ومن ثم سألها مكررًا ذات السؤال: -حصل إيه يا فيروز؟ مالك؟
هزت رأسها نافية: -مليش عادي.

أمسك وجهها يُجبرها على النظر له، ثم تحسس بأطراف أصابعه وجهها المُخضب بإحمرار ناتج عن غضب ناري يجتاح صدرها، وهمس بخفوت: -بس وشك اللي بقا شبه الطمطماية بيقول غير كده!
تراجعت خطوة على الفور مبتعدة عنها، فأخر شيء تريده حاليًا أن تتأثر به عاطفيًا.

نظرت له بصمتٍ، وكأنها تدرس إمكانية المخاطرة بقص ما حدث له، لأنها حينها ستكون مجبرة بطريقةٍ ما على إخباره بحقيقتها بالمقابل!

ثم قررت الإفراج عن السؤال المنقبض في جوفها، حين استطردت متساءلة: -أنت اتجوزتني ليه؟
تفاجئ بالسؤال المباغت، ولكنه أجاب بثبات كالذي تخيل ذلك السؤال آلاف المرات ونسج اجابته مسبقًا: -ممكن أأجل الإجابة؟
حسبة فارس كان ضمان إتمام علاجه، حتى لا يُضطر على الابتعاد عنها فيما بعد، فهو لن يظلمها معه ويحرمها من حق مشروع!

ولكن ما وصل لفيروز كان معاكس لذلك تمامًا، فإجابته بالنسبة لها كانت بصمة خافتة تأكيدية للظنون السوداء التي تتآكل بعقلها.

لذا هدرت فيه بغضب بدأ يتفجر: -تأجل الإجابة ليه؟ عشان يكون اللي أنت عايزه حصل؟
صمت فارس لبرهه، قبل أن يسألها بهدوء: -وهو إيه اللي أنا عايزه؟
أجابته بقوة بما همست نغم به بأذنها كالشيطان، غافلةً عن كونها تخدش جرحه: -إنك تخلص علاجك وتخلف وترضي نفسك ومش مهم أي طرف تاني في الموضوع.

تجمد مكانه لثوانٍ كمن سُكب عليه دلو بارد، فهو لم يتوقع أن تتعرى ندوب روحه المعطوبة أمامها الان، كان يود أن يتخلص منها اولًا ثم يخبرها كيلا يشعر بمرارة النقص أمام شخص جديد، وخاصةً هي!

ثم أجاب بلسانٍ ثقيل منزوع الهدوء السابق الذي كان يعتريه: -مين اللي قالك الكلام ده؟
هزت رأسها نافية كعلامة على رفضها إخباره، وتابعت: -مش مهم مين اللي قالي، المهم إني عرفت.
-أنتي شايفاني واحد حقير كده عشان أستغل حد بالطريقة دي؟

سألها مترقبًا إجابتها التي ستشكل المعايير في علاقتهما، فتشدقت هي بنبرة يفوح منها الخذلان: -بالعكس، أنا ماكنتش مصدقة، مستحيل يكون فارس اللي أنا أعرفه بيكدب وبيمثل بالبراعة دي، بس أنت دلوقتي أكدتلي ده!

هز رأسه نافيًا، وبدأ يقترب منها بخطوات بطيئة وهي تتراجع بمثلها، ثم أضاف بصوت خافت عادت له السَكينة رغم الألم الذي لازال ينبض بعينيه: -مش معقول تكوني غبية ومش فاهمة ولا حاسه كل ده.
ازدردت ريقها متساءلة: -مش فاهمة إيه؟

قال وهو يجذب كف يدها عنوة ليضعه على صدره تحديدًا موضع قلبه الذي تعلو دقاته وكأنها صدى تأكيدي لحديثه المفعم بالحب والشغف: -مش حاسه بيا واللي بتعمليه فيا، والنار اللي بقت في قلبي من غير ما أحس.
ثم اقترب منها أكثر، وهبت أنفاسه على وجهها وكأنها لهيب تلك النيران العاطفية المشتعلة بصدره، وواصل ببحة خاصة: -نار مابتنطفيش غير وأنتي جمبي.

كانت فيروز تنظر أرضًا، فهي في موقف لا تحسد عليه حقًا. من جهة اعترافه المُذيب يُطرب قلبها، ومن جهة يزداد ذلك الرعب من معرفته للحقيقة وابتعاده عنها!

رفع فارس وجهها برقة، يتحسس وجنتها مستشعرًا نعومتها، وهمسه المخضب بالمشاعر يتسرب لأذنها: -معقول كل ده مش حاسه إني بحبك وبموت فيكي يا برتقانة.
وناغش أنفها بأنفه ببطء، متابعًا بذات النبرة التي تداعب اذنها منه للمرة الاولى: -وبحلم باليوم اللي تقوليلي فيه إنك بتحبيني زي ما بحبك، وتبقي كلك ليا.
غمغمت فيروز بكلماتٍ مشتتة كحالها المثير للشفقة: -واللي نغم قالته؟

كز على أسنانه على ذكر سيرتها، تلك الثعبانة التي لا تكف عن ملاحقته وبث سمومها في حياته.
ثم أخبرها بتروٍ: -نغم دي ولا حاجة، كل همها إنها تبعدنا عن بعض عشان ماينفعش أكمل حياتي عادي بعد ما الهانم خرجت منها وإتخلت عني في أكتر وقت كنت محتاجها فيه.

ثم ابتلع ريقه، وتشدق رغم شعوره بالحروف التي يجبرها على الخروج كالشوك الضاري: -اه أنا حاليًا بتعالج، لكن ماتجوزتكيش عشان كده، أنا حبيتك فعلًا، ولو عايز أخلف منك ف عشان مش عايز غيرك تكون أم ولادي ونجيب برتقانات صغيرة كده.

نجح في سلب الابتسامة من ثغرها العابس، فغمزها بطرف عينيه متابعًا: -إيه بقا؟
-إيه؟
-مش عايزه تقوليلي حاجة؟
سألها بشقاوة صبيانية صارت تعرفها جيدًا، فهزت رأسها نافية بتوتر: -لأ مش عايزه.
هز رأسه مؤكدًا بمكر ومرح في آنٍ واحد: -لأ عايزه ايش عرفك أنتي، قولي يلا أنا سامعك.
تراجعت عدة خطوات وهي تعترض متذمرة: -أقول إيه يا فارس، بطل بقا.

فجأة جذبها من خصرها حتى شهقت وهي تصطدم به، ثم رفعت رأسها له حين قال بعبث: -هتقولي بمزاجك ولا أخليكي تقولي أنا بطريقتي؟ وأنتي عارفة مفيش حاجة أحب على قلبي من كده، أصل أنا تخصص صعوبات بس.

تمتم بأخر كلماته وهو يغمزها بتعبير ذو مغزى، فنال منها عبثه؛ مسببًا ذبذبات عاطفية لكيانها كله، جعلتها ترضخ في النهاية وهي تغمغم بصوت يكاد يسمع: -فارس أنا بحبك، لكن آآ...
وضع إصبعه على شفتيها يمنعها من المتابعة، وراح يضيف بابتسامة حلوة: -مفيش لكن، على الأقل دلوقتي! سيبيني أعيش اللحظة شوية يا هادمة اللذات.

ضحكت فيروز وهي تبعد وجهها عنه في خجل، فأعاد فارس وضعية وجهها أمامه كما كان، وقبل برقة أرنبة أنفها وهو يهمس بحنان: -ربنا يخليكي ليا يا أحلى وأطعم برتقانة شوفتها في حياتي.

بعد يومين...
كان عيسى يرتدي ملابسه، بينما كارما تقف خلفه تعض على أصابعها من فرط القلق الذي أصابها مؤرقًا إياها، ثم هتفت تقطع الصمت بتذمر طفولي لم تجد سواه حجة: -بذمتك في واحد يسيب مراته في أيام شهر عسلهم المفروض! ده إيه جوازة الهنا دي؟

استدار لها عيسى مبتسمًا، ثم أمسك بكف يدها مقبلًا إياه برقة، وأردف بحنو مخلوط بالعبث: -أنتي عارفة إنه غصب عني يا كرملة، لولا كده أصلًا ماكنتش سيبتك تفلتي من حضني.
رغم الخجل الذي اعتراها، إلا أن تفكيرها ومشاعرها كانت محصورة في الخوف الذي ترجمته حين ترجته بخفوت: -عشان خاطري ماتروحش يا عيسى، أنا خايفة عليك والله.

حاول إقناعها مرددًا بجدية: -خايفة عليا ليه بس يا كرملة منا فهمتك كل حاجة، إن شاء الله هروح أخد المطوة بتاعتي وهما مش موجودين والفيديو القديم اللي متصورلي وأنا بطلع اثار معاهم اللي كانوا بيهددوني بيه، وأمشي.

رفعت حاجبها الأيسر ساخرة في اعتراض جم: -ياه بالبساطة دي؟ تضمن منين إن الراجل اللي إتفقت معاه مابيكذبش عليك ومش هيبيعك؟ وافرض الزفت ايهاب ده عرف انك بتكذب عليه لما قولتله إني هرفع عليك قضية اتهمك بالتزويير؟

تنهد عيسى قبل أن يهز كتفاه معًا، وأقر بالحقيقة: -مفيش حاجة مضمونة طبعًا يا كارما، لكن أنا مضطر.
ظلت كارما عابسة والدموع تهدد عينيها، قلبها يأن منقبضًا في خوف، فأحاط عيسى بوجهها بكفيه وضيق عينيه مستطردًا: -خلاص بقا يا كرملة، ده أنتي عيوطة أوي.
أخبرته بصوت مختنق: -أنا خايفة عليك أوي والله.
فضرب على صدره مرددًا بمرح ليخرجها من ذلك الجو المشحون: -ماتخافيش معاكي أسد!

ابتسمت كارما بشحوب رغم مخاوفها التي لم تتبدد، واحتضنته بقوة تدفن نفسها بين ضلوعه متمنية لو لا تخرج من هناك ابدًا.

وصل عيسى لذلك المكان الذي تم إخباره به أن سيكون به كل ما يخصه، وكان ذلك المكان به اثار يحتفظون بها في مأمن بذلك المكان المهجور، الذي لولا المفتاح الذي معه لما استطاع الدخول له!

بعد فترة قليلة، سمع عيسى صوت احدهم يفتح الباب، فتحرك مسرعًا ينوي الاختباء ولكن الاخر كان أسرع منه وفُتح الباب بالفعل، وظهر أمامه إيهاب بابتسامة مستذئبة يهتف: -يا اهلًا، أنا كنت هبعتلك بس الظاهر إني وحشتك فقررت تجيلي بنفسك.

في الشركة.
توجهت فيروز صوب مكتب فارس تنوي أن تستشيره بما يخص العمل في مشروعهما الجديد، لم تكن السكرتيرة موجودة ففتحت الباب ودخلت دون مقدمات وهي تقول: -فارس بص آآ...
ولكن الشخص الماثل أمامها لم تكن تتوقعه اطلاقًا، بل كادت تنسى وجوده المشؤوم!
فقد كان خالها يجلس أمام فارس، وما أن رآها حتى ضيق عينيه مرددًا بدهشة: -فيروز!
شعرت فيروز بانحسار أنفاسها وتجمدت أمامهما، بعد أن شعرت بالنهاية تقترب كثيرًا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة