قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن عشر

شعرت فيروز بالصدمة تطرق اقدامها بالأرض كمسمار غليظ فشلت في إعادة اخراجه، فيما نهض خالها خالد بحالة مماثلة من الصدمة، واقترب منها مرددًا دون استيعاب: -أنتي بتعملي إيه هنا؟!
ابتلعت ريقها الذي صار جاف كالصحراء، وردت: -بشتغل.
انعقد ما بين حاجبيه وتابع باستنكار: -بتشتغلي! من امتى وازاي أنا ماشوفتكيش ولا مرة؟!

شعرت بالحروف تختنق في حلقها، والثبات كان أصعب ما قد تفعله حاليًا. فخرج صوتها مُذبذب نوعًا ما رغمًا عنها: -بشتغل من بدري آآ...
قاطعها حين تابع مسرعًا كأنه تذكر للتو: -أنتي قولتي إنك شغالة مع شركة المنافسة لينا؟
هزت كتفاها معًا، وأجابت بنبرة كاذبة مهتزة: -ما أنا جيت بعدها اشتغلت هنا.
استدار نحو فارس الذي كان متابع لما يحدث بصمت، مضيقًا عينيه، يترصد نهاية ذلك الحوار ليفرغ كلاهما ما بجبعتهما.

ثم سأله بصوت يقطر شكًا: -هي شغالة هنا من امتى يا فارس؟
استغرق فارس ثوانٍ معدودة قبل أن يجيبه بعملية: -من شهور.
تشكلت حروف خالد التالية بهيئة سؤال ولكنها كانت استنكار بحت مخلوط بعدم التصديق: -أنت عارف دي مين؟
هز فارس رأسه نافيًا بهدوء يُحسد عليه فعليًا في ظل التوتر الذي يخنق حلق كلاً من فيروز وخالد: -لأ، مين؟
-دي بنت أختي، جايه هنا عشان تنتقم مني وتأذيني في شغلي.

تفجرت القنبلة التي لم تكن تخشَ سواها، حتى أنها تشعر بشظاياها التي غُرزت بمنتصف قلبها الذي توقف عن ضخ الدم وإنقبض في ألمٍ جلي.

نظرت صوب فارس الذي نهض مرددًا بحروف بطيئة: -إيه! بنت أختك؟!
راحت تهز رأسها دون معنى، محاولة التشبث وألا تسقط من عينيه، بل من قلبه!
فوجدت عيناه جليدية مُغلفة بغطاء كثيف حجب عنها رؤية مشاعره!
حاولت صب جام تركيزها على خالها ومناطحته حتى تتجزء خسارتها، فلا تخسر فارس وحقها في آنٍ واحد.

ثم هتفت اخيرًا تسأله بلهجة متحدية: -ويا ترى إيه السبب؟ قوله لو تقدر.
تدخل فارس متسائلًا بجدية: -إيه السبب يا خالد؟
هز خالد رأسه متهربًا من اجابة كان متأكدًا أنها لن تعجب فارس على الإطلاق: -السبب مشكلة عائلية حصلت من سنين.
بصلابة ردد فارس: -أعتقد إنها مابقتش مجرد مشكلة عائلية، المشكلة دي طالتني وكنت ممكن اتأذي في شغلي بسببها.

لم تستطع فيروز منع حروف قلبها التي فرت محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا صورتها المشوهه في نظره: -لأ، أنا عمري ما فكرت أأذي حد معمليش حاجة.
ومنعت بصعوبة بقية حروفها التي كادت تخصه بعدم إمكانية الأذى مطلقًا؛ مدركة أن الوقت ليس المناسب للإعلان عن مشاعرها المكبوتة تجاهه.

ثم نظرت نحو خالها وأكملت بابتسامة متحسرة متهكمة: -ولا حتى اللي عملي، أنا كل اللي كنت عايزاه حقي.
أتاها صوته كسوطٍ قاسٍ تستشعر لسعاته الضارية وهو يقول: -ومين اللي فهمك إن الحق بيتجاب بالكذب والملاوعة!
هتفت بصوت أجش وكلمات متحرقة تمامًا كقلبها: -لما تكون بقالك سنين بحاول تاخد حقك بكل الطرق السلمية الهادية البريئة وتحس إنك بتجري ورا سراب، ساعتها هتكون مضطر تلجأ للكذب والطرق الملاوعة.

بدأ ينفي عنه التهمة بأشد الطرق بشاعة: -اه اعملي فيها مظلومة بقا، هو مش أنا جيت لكم أكتر من مرة عشان أديلكم حقكم وأنتي وأمك رفضتوا؟!

لوت شفتاها بتهكم واستنكار صريح: -قصدك تدينا لماليم قصاد اللي أخدته، عشان تسكت ضميرك ده إن كان موجود اصلًا.
-اهو الطمع ده هو اللي جابكم ورا.
إتسعت عيناها بذهول حقيقي، التبجح الذي يتحدث به وكأنه المجني عليه أذهلها، بل وجعل ضحكاتها تصدح عالية وهي تصفق متابعة بسخرية: -أنت مش طبيعي، تستاهل اوسكار على قدرتك على قلب الترابيزة حقيقي شابووو!

ثم عادت ملامحها للصلادة من جديد، تعلن عصرًا مر، ولكن معالمه بقيت داخلها، ثم أردفت موجهه حديثها لفارس الذي كان صامت: -أنا هقولك اللي حصل يا فارس.
أرهف السمع وهي تقص عليه كل ما حدث، تحت انظار خالد الذي حُشر في زاوية ضيقة يصعب عليه الإفلات منها، مجهزًا حجة يجب أن تكون قوية، فهو أخر شيء يفكر باحتمالية حدوثه هو خسارة أعماله مع فارس!

وبعد أن إنتهت راحت تتنهد وهي تشعر بحملٍ كالجبل يعفيها من ثقله المُهلك، فيما نظر فارس صوب خالد قائلًا بخشونة وحزم: -الحق لازم يرجع لصحابه يا خالد.
تلعثم خالد قليلًا ولكنه راح يستطرد مسرعًا: -أنا حاولت أرجعلهم لكن آآ...
قاطعه فارس بنبرة ذات مغزى: -حقهم اللي أخدته كله يرجعلهم، مش اللي أنت قررت تمِن عليهم بيه.

أنقذ خالد طرقات السكرتيرة ثم دخولها وهي تخبره بنبرة مهذبة: -مستر مصطفى مستني حضرتك في مكتبك يا مستر خالد.
اومأ خالد مسرعًا ثم تحرك مغادرًا المكتب، شاكرًا للنجدة الالهية التي أتته على هيئة ذلك النداء، فهو لن يتنازل عن أمواله، ولن يخسر فارس ايضًا.!

نظر فارس تجاه فيروز بعد مغادرة خالد، ثم نهض مقتربًا منها ببطء، تراجعت هي عدة خطوات للخلف في توتر ملحوظ، ثم تمتمت: -فارس بص أنا آآ...
هز رأسه مقتربًا منها أكثر وهو يسألها مترقبًا: -ايوه، أنتي إيه بقا؟
غمغمت بحروف تكاد تكون متقطعة من فرط التوتر الذي انتابها: -صدقني أنا كنت هقولك لكن آآ...
قاطعها يقر بصوت صلب: -أنتي عارفة إن أنا بكره الكذب.

اومأت مؤكدة برأسها، والأسف يقطر من حروفها معترفة: -عارفة، بس غصب عني أنت متعرفش أنا مريت بإيه.
-عارف.
حملقت به وهي تردد دون استيعاب: -عارف! عارف إيه؟
اجاب ببساطة مذهلة: -عارف كل حاجة حصلت زمان.
سألته دون تردد؛ في محاولة منها لإستيعاب أن فقاعة القلق والخوف من معرفته، التي كانت تحيطها حتى كادت تخنقها. كانت في عقلها هي فقط!: -ازاي وامتى؟

أجاب ونبرته ترميها لرماد الكذب الذي اختلقت به كل أفعالها السابقة: -عرفت بطريقتي، من يوم ما غلطتي ونسيتي إنك بتمثلي قدامي إنك عندك فوبيا.
استرسلت ذاهلة، وبقدر ما ارتاحت لعلمه، بقدر ما تفاجئت من قدرته على التظاهر باللاشيء أمامها: -عارف وساكت كل ده، ياااه ده أنت يتخاف منك بقا.

فسر لها بهدوء وثبات: -كنت مستني أشوف أخرك، وكان لازم اختبرك واشوف انتي مؤذية وعايزه تأذي ولا لا، اه حسيت بغضب وكنت مش طايقك بس بعدين عذرتك لما عرفت اللي حصل، أنا مستحيل أظلم واحدة الأيام ظلمتها.

عجزت عن اضافة اي شيء سوى اعتذار لم تستشعره ثقيل على لسانها كعادتها: -أنا مش عارفة أقولك إيه بس أنا أسفة فعلًا.
لوى فارس شفتاه قليلًا ثم أردف بنبرة درامية تخفت بثوب الجدية: -للاسف أنا عارف نفسي قلبي أسود وما بسامحش بسهولة.
استنكرت بقلبٍ ينبض بلوع احتمالية الفقدان: -ما بتسامحش! حتى بعد ما عرفت.
زيَّن المكر سواد عينيه وهو يستطرد: -في طريقة ممكن أسامح بيها بس اظن مش هتعجبك.
-طريقة إيه؟

رد بنبرة بريئة في ظاهرها، مُخزنة بالعبث والمكر في باطنها: -إنك تعتذري مثلًا.
لطالما كان الاعتذار شيء تجزع له روحها الأبية، ولكنها تنهدت وهي تأخذ نفس عميق مكررة: -أنا أسفة.
هز رأسه نافيًا: -لا الاعتذار مش كده.
عقدت ما بين حاجبيه وراحت تشاكسه: -هما نزلوا اعتذار جديد في السوق وانا معرفش؟
رد يناكفها متعمدًا اثارة غيظها: -أصلك مش ناضجة كفاية عشان تعرفي.

فأصرت بزهو تعمدت انبثاقه على خلفية ملامحها: -لا أنا ناضجة اوي أنا ناضجة جدًا.
-ولما أنتي ناضجة كده ازاي متعرفيش إن اقرب طريق لقلب الراجل...
فقاطعته مسرعة بابتسامة خفيفة: -معدته، معروفة يعني.
هز رأسه نافيًا وبجدية مُضحكة قال: -لا طبعًا، خده!
استنكرت دون فهم: -خده!

اومأ مؤكدًا بنفس النبرة التي حملت قدرًا ملحوظًا من شقاوته الخفية معظم الاوقات: -اه طبعًا، الخد الشمال بيوصل للقلب على طول، أنتي ماكنتيش بتاخدي علوم ولا ايه؟
اجابته بابتسامة سمجة متعمدة: -لا كنت بنام في الحصة بتاعتها.
-ااه هنقضيها تريقة واحنا غلطانين!
فتحت فمها وكادت تعترض، ولكنه اشار لها بصرامة زائفة ممزوجة بالمكر نحو وجنته وهو يمنع ابتسامته من الظهور بصعوبة.

فاقتربت على مضض وبقليلٍ من التردد كانت تطبع قبلة صغيرة سريعة على وجنته، وما إن همت بالابتعاد حتى جذبها بقوة نحوه من جديد حتى إلتصقت به، محيطًا خصرها بذراعيه، فغمغمت والتوتر يضرب أقصاها: -إيه في إيه!
أضاف بعبث لامع بعينيه: -أنتي مش شايفه الطريق زحمة ولا إيه؟
سألته: -طريق إيه؟
رد ببراءة: -الطريق لقلبي.
ومالت نغمة صوته لمكر رجولي مداعب أوتار انوثتها: -في طريق تاني سالك.

ثم ودون مقدمات كان ينحني ملتقطًا شفتاها في قبلة نارية توازي تلك النيران التي ألهبت قلبه، وانتفخ صدره بالرضا حين شعر بانتفاضتها بين أحضانه تأثرًا، مدركًا داخله أن مسألة امتلاكها لن تطول كثيرًا، هو لن يسمح لها أن تطول أصلًا!

تركها اخيرًا، فكان وجهها مختنقًا بالعاطفة وقد تدرجت له حمرة الخجل، ومن ثم أردف بصوت مبحوح: -دي قلة ادب على فكره.
ناغشها بحنق ظاهري يعكس ترنح قلبه ومشاعره في سُكر لذيذ: -تصدقي أنا غلطان إني كنت بشوفلك طريقة عشان اعرف اسامحك بيها، وعلى فكره بقا أنا مسامحتكيش ولازم تبذلي مجهود اكتر من كده.

-وحشتك مش كده؟
هتف بها إيهاب بنبرة باردة متعمدًا استفزاز عيسى الذي كان وجهه مكفهر يحكي يأسًا أصاب عمق قلبه!

ثم عادت ملامح إيهاب للفظاظة المعتادة عليها وهو يسأله بحدة: -بتعمل إيه هنا يا عيسى؟
رد عيسى بلا مبالاة؛ فهو فشل وانتهى الأمر: -أنت عارف كويس أنا بعمل إيه هنا.
سأله من جديد رغم علمه مسبقًا أنه لن ينال اجابة لسؤاله: -مين اللي عرفك إن حاجتك هنا؟
ابتسم عيسى ببرودة كانت بعيدة كل البُعد عما يعتمل داخله الان: -العصفورة.

ثم استدار ليغادر ولكن ايهاب أوقفه بنبرة حادة مُحذرًا: -دي اخر فرصة ليك يا عيسى، لو مانفذتش اللي إتفقنا عليه يبقى جهز العيش والحلاوة.

ضغط عيسى على أسنانه حتى أصدرت صكيكًا عاليًا، ثم غادر وداخله كالعاصفة حرفيًا التي على أتم الاستعداد للعبث بكل شيء حولها...

وبعد مغادرة عيسى كان إيهاب يهدر في رجاله: -لازم أعرف مين اللي عرفه وعرفه كمان أحنا بنمشي امتى، ولولا الحظ وإني جيت كان زمانه خد كل حاجة ومشي لا من شاف ولا من دري، مين خاين بينا!

اومأ قائد رجاله برأسه مؤكدًا: -امرك يا باشا.
أشار له إيهاب بنفاذ صبر: -غوروا.
لم يمنع الاخر السؤال الذي إندفع من بين شفتيه: -وعيسى، هنسيبه كده يا بوص؟
اومأ ايهاب برأسه يخبره بهسيس شابه فحيح افعى: -مؤقتًا، لحد ما ينفذ اللي احنا عاوزينه، بعد كده هعاقبه بطريقتي عشان يكون عبرة لغيره هو واللي ساعده...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة