قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع

رواية لخبايا القلوب حكايا للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع

أحاطت صورتها في عقل فارس دائرة نارية من الشك، ولكنه استطاع شد لجامها حتى لا تشعل ثباته الذي يحافظ عليه بصعوبة، ونظر أمامه في صمت تام وكأن شيء لم يحدث، هنالك ثغرة لا يعلمها فيما يخص تلك الفيروز، ولكنه سيحبسها في نفس البئر المظلم المجهول ويتسلل لها في الخفاء كما تفعل هي، ليعلم عنها كل شيء.
فالمواجهة الصريحة الان لن تجدي نفعًا، وربما تفر هاربة ولا يستطع الوصول لها مرة اخرى او معرفة ما تريد.

حين استظل الادراك بعقل فيروز، شهقت داخلها في اللحظات التالية ولكنها استطاعت حبسها في باطن جوفها، وقد تذكرت فخ الكذب الذي وقعت فيه بغباءها دون أي تدبير!
نظرت نحو فارس بنظرات تشبعت ذعرًا خشية شكه بها او معرفته لأي شي، ولكن وجدته ثابت ينظر أمامه متظاهرًا بالشرود...

بدأت تحاول تنظيم أنفاسها، تخبر نفسها أن ربما هو الاخر لم ينتبه، وأنه ليس بتلك الدقة فيما يخص الموظفين لديه، وعليها ألا تتوتر فتثير شكه!

توقف المصعد، فنظر لها فارس بشيء من الغموض المستفز، نظرة أحستها ليست عادية، ولكنها أصرت ألا تتوقع السيء فقررت تجاهلها، ثم تخطاها وتوجه نحو استقبال الفندق.
تتبعه فيروز مسلوبة الأنفاس وقد اتضح أنها ليست بارعة بالكذب والتمثيل كما ظن!

بعد فترة...
كان الجميع يتأهبون متجهزين للمؤتمر الكبير الذي كان على وشك البدء، توجهت فيروز لتعد لنفسها كوبًا من القهوة، وقررت أن تفعل لفارس بالمثل وتقدمها له، لتجس نبضه تجاهه، إن كان قد شك بها سيظهر عليه بالتأكيد.!
وحين كانت قد إنتهت، عَلى رنين هاتفها بإتصال من احدى زميلاتها في الفريق، فأجابت بهدوء: -ايوه يا هند.
سألتها الاخرى: -أنتي فين يا فيروز؟

ردت فيروز وهي تسند الهاتف بكتفها وتحمل أكواب القهوة بيديها: -أنا جايه كنت بعملي قهوة وبعمل لمستر فارس عشان واضح إنه مش في المود وأنتي عارفة المؤتمر مهم للشركة قد إيه.
-طب تمام متتأخريش يلا عشان بيسألوا عليكي.
-حاضر جايه.
أغلقت الهاتف، دون أن تنتبه للتي خلفها والتي استمعت لتلك المحادثة القصيرة، وإرتفعت أبواق المكر داخلها معلنة حرب انثوية على وشك البدء.

وبدأت تلك الحرب فعليًا، حين تقدمت نغم طليقة فارس، وبحركة متعمدة كانت تسكب أكواب القهوة التي كانت بيد فيروز وسُكبت أرضًا بعد أن اصابت جلدها بحرق، تأوهت فيروز صارخة بانفعال: -مش تبصي قدامك.
وضعت نغم يدها على فاهها متظاهرة بالصدمة وهي تهتف ببرود: -سوري بقا يا فيروز حظك، دلق القهوة خير!

شعرت فيروز بالغيظ يتسلط عليها كجنود خفية من شيطانها الذي بث فيها رغبة بقتلها، ولا تدري حقًا أي لعنة حلت عليها حتى تأتي تلك المقيتة خلفهم هنا. لم تكن تعلم أن نغم تدير شركة هي الاخرى وجاءت لتحضر المؤتمر مثلهم.
فصاحت فيها باهتياج: -لأ مش خير، المؤتمر خلاص هيبدأ ومفيش وقت أقعد أعمل قهوة تاني.
لوت نغم شفتاها في استهانة مرددة: -وهو حد طلب منك اصلًا تعملي قهوة لفارس، ولا أنتي بتتلككي عشان تقربي منه.

إندفعت فيروز ترد لها الصاع صاعين بقولها: -ليه أنتي مفكره كل الناس زيك ولا إيه؟!
اهتاجت فرائص نغم التي زمجرت بها غير سامحة لها بالمساس بكبريائها الرهيب: -أنتي تطولي أصلًا تبقي زيي يا بتاعة أنتي! فوقي ده أنتي حتة موظفة في شركة.
ردت فيروز مشمئزة: -مش عايزه أطول أصلًا، يوم ما أعوز أطول هعوز أطولك أنتي!

ظهر فارس في تلك اللحظة، ولم يتفاجئ من رؤية نغم، يبدو أنه قد قابلها بالفعل وعلم بوجودها، اقترب منها وهو يسأل مقتطب الجبين: -في إيه صوتكم عالي ليه؟
سارعت نغم بالرد وهي تلبس حروفها ثوب المسكنة: -كل ده عشان كانت بتعملك قهوة وخبطت فيها غصب عني وإتدلقت يا فارس، بدأت تغلط وتقل أدبها.

كادت فيروز تعترض مغتاظة، ولكن فارس أوقفها بإشارة من يده، وقال بحزم حاد بعض الشيء: -في إيه يا فيروز احنا مش جايين نعمل مشاكل هنا، ومش في حضانة.
ثم هز رأسه مضيفًا باستنكار: -وأصلًا تعملي أنتي القهوة ليه هي دي شغلانتك؟ أنتي جايه معانا بصفتك مهندسة معانا مش بتاعت الاوفيس!

تصنمت أمام سيل هجومه المفاجئ الذي اكتسحها مبددًا حروفها الحادة الهوجاء، وشعرت بالغيظ والحقد داخلها يتغذى على ذلك الهجوم، فيما أشار فارس لنغم التي كانت رافعة أنفها بنشوة الانتصار، قائلًا: -يلا يا نغم عشان هنتأخر.
ابتسمت نغم وهي تخبره برقة لا تناسب وحشة باطنها: -هعملك أنا قهوة يا فارس هتعجبك وهتظبط مودك قبل المؤتمر.

بادلها ابتسامة أعلنت نفسها على ثغره عنوة، وهو يجيبها بهدوء: -ياريت، وشكرًا لذوقك يا نغم.
إتسعت عينا فيروز، منذ ثانية كان يوبخها لأنها تفعل شيء لا يخصها، والان يتقبل من الاخرى بصدر رحب!
انتفض داخلها بالاستحقار وهي تدرك أنه يسير وفق اهواءه، فما الذي تتوقعه منه وهي قد رأته مسبقًا يقف أمام تلك المقيتة مسلوب الأنفاس.

ولم تتحمل الصمت فهدرت بحنق جلي: -على فكرة مينفعش حضرتك تحكم وأنت ماسمعتنيش برضو.
استطرد فارس بسماجة وعقل وصوت منغلق: -من غير ما أسمع أنا عارفك وعارف طريقتك، ودي مش اول مرة تعملي مشكلة مع حد.
ثم استدار وغادر دون أن ينتظر ردها، مدركًا داخله أنه ربما ينتقم منها لأنها استغفلته ببساطة وتحيك شيء من خلفه، هو الذي لم يستطع احدهم يومًا أن يضعه في موضع الغافل!

حين كان عيسى في متجره، دخل عليه جاد، فتكهن عيسى بسبب مجيئه والذي لم يصعب تخمينه، وقبل أن ينطق عيسى بأي شيء، كان جاد يفصح عن السبب الذي توقعه عيسى، حين سأله مباشرةً دون مقدمات: -عملت إيه يا عيسى؟
سأله عيسى وكأنه لم يدرك سؤاله كليًا: -عملت إيه ف إيه؟
اغتاظ جاد من ملاوعته، واخشوشنت نبرته قليلًا حين أردف: -في اللي مفروض تعمله وأحنا متفقين عليه!

تأفف عيسى معترضًا على إلحاحه: -منا قولتلك إنه مش هيحصل بسرعة، وإني محتاج وقتي.
-الوقت عمال يعدي وأنت مش بتعمل أي حاجة، ده معناه إيه؟
تشدق جاد بصوت أجش غير راضٍ، فرد عيسى بفتور: -ده معناه إن الموضوع مش سهل.
حينها لجأ جاد لاخر ما جال برأسه، وبحروف ذات مغزى: -طب بص بقا، معاك اسبوعين، اسبوعين بس، والتأخير ده مش هيضرنا لوحدنا.
ثم غادر تحت أنظار عيسى القاتمة، الذي إنتفخ صدره بالغضب.

بعد قليل في منزل عيسى...
كانت كارما في المطبخ تقوم بإعداد الطعام وتقضي يومها الروتيني جدًا في المنزل، حتى سمعت طرقات على الباب، خرجت وفتحته لتتفاجئ بالطارق، إذ أنه كان جاد زوج والدتها، تغضنت ملامحها بالرفض تلقائيًا وهي تخبره دون سؤال منه: -عيسى مش هنا.
رد بهدوء وبرود لم تستغربه منه: -عارف، أنا مش جاي لعيسى أصلًا.
سألته وهي تعقد ما بين حاجبيها متعجبة: -امال إيه؟

كلماته الثانية بقدر ما كانت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها سببت فجوة من الدهشة والتساؤل داخل كارما: -أنا جاي أشوفك وأشوف أخبارك، بما إني تقريبًا مشوفتكيش بعد الجواز إلا كام مرة تتعد على الصوابع.
-وده من امتى يعني؟!
لم تستطع منع سطو حروفها المستنكرة، والتي تجاهلها جاد حين دخل وهو يتابع متسائلًا: -عامله إيه؟
اجابته باقتضاب: -الحمدلله كويسة.
أكمل: -وعيسى عامل إيه معاكي؟ كويس معاكي؟

ارتبكت من سؤاله، وشعرت أن ذلك السؤال متعلق بسبب حضوره المفاجئ غير المرغوب، وتسببت ربكتها في أن واصلت مجودة اجابتها: -كويس جدًا معايا، وأنا مبسوطة اوي هو انسان كويس جدًا.
اجابتها المثالية لم تكن وطيدة العلاقة بشخصها الذي كان يرفض الزواج من عيسى رفضًا باتًا.
لذا أعرب جاد عن شكوكه حين أضاف: -غريبة مع إنك كنتي هتموتي نفسك وماتتجوزيهوش!

عبث التوتر بأرجاء ملامحها مسببًا مرج لم يخفى عن جاد وهي تسترسل: -اديك قولت، كنت! لكن بعد ما عاشرته وعرفته غيرت رأيي.
نهض جاد وهو يهز رأسه، ثم اقترب منها قليلًا رابتًا على كتفها وهو يقول بكلمات اشتمت كارما رائحة الخبث فيها: -طيبة أوي أنتي يا كارما، بس أبقي حذري من الناس متبقيش طيبة أوي كده عشان مترجعيش تعيطي في الاخر.

ثم غادر بعد أن وضع بكلماته قنبلة موقوتة داخل قلب كارما، تاركًا إياها تفتش عن تلك القنبلة التي ستنفجر قريبًا بالتأكيد...

سارت للمطبخ بخطى شاردة، لا تستطع ادراك مغزى كلماته، ولكنه أعادها لمعقل عقدتها وغابة أفكارها الممتلئة بالأشواك الضارية، فهي قد تناست تقريبًا ما انتوته حين قبلت زواجها بعيسى، تناست أنها لا يجب أن تتمادى معه، لأنها ببساطة لن تستطع عيش حياة طبيعية مثل أي شخص، هذا إن بادلها عيسى شعورها بالطبع!

بعد فترة...
وصل عيسى المنزل بعد انتهاء عمله، بدأت كارما تجهز الطعام، ولم توجه له أي كلمة بل حتى كانت تتحاشى النظر له، مقررة في داخلها أنها يجب أن تعيد بناء الجسر الذي سيحميها بينهما، فبالنهاية لن يغرق في طوفانه سواها!

وعيسى كان يظن أنها تخاصمه بسبب اخر شجار بينهما، وبعد أن وضعت الطعام وكادت تغادر أوقفها متسائلًا باستنكار: -أنتي رايحة فين؟
-داخلة جوه، في حاجة؟
ردت بشيء من الجمود، فتابع عيسى مشيرًا لها: -ما تقعدي تاكلي معايا.
-لا مليش نفس.
تأفف عيسى في قنوط: -ااه رجعنا بقا للقمص وشغل الاطفال الصغيرة.
هدرت غاضبة بانفعال: -شغل الاطفال عشان مش جعانة!

تمتم عيسى بخشونة: -شغل اطفال عشان مش عارفة واجبك ودورك كزوجة المفروض عايشة معايا في البيت، ناكل مع بعض زي الناس الطبيعية.
لوت كارما شفتاها بابتسامة ساخرة من تدرج كلماته الاعتيادي للزواج، ثم قالت بسخرية: -رجعنا تاني لنغمة الجواز السخيفة، أظن أنت فاكر كويس أوي إني متجوزاك غصب عني، وبناءًا على اتفاقنا، فياريت ماتتقمصش الدور أوي.

نهض من مجلسه وبدأ يقترب منها ببطء مستطردًا وهو يرفع حاجبيه بسخرية مماثلة: -متجوزاني غصب عنك أوي لدرجة إنك في كل مرة بتدوبي في إيدي زي البسكوته.
تكرار كلماته المستفزة الواثقة، واقترابه الوشيك وكأنه سيثبت لها فعليًا حين يهدد ثباتها بقربه الرجولي المثير منها، استفزها كثيرًا، فهدرت فيه غاضبة: -أنا بنت، طبيعي لما راجل غريب يقرب مني اتأثر واتوتر، منا مش انسان آلي، لكن الموضوع مش حاجة خاصة بيك.

كز عيسى على أسنانه يشعر بالانهزام امام كلماتها المقنعة، واهتزت ثقته في تأثيره عليها!
فيما تحركت هي للغرفة، شاعرة بانتعاش صدرها بالنصر في جولة من جولات معركتهما غير المنتهية.

بعد أن أنهى عيسى طعامه، وكان يقف في البلكون يتحدث مع شقيقه حازم، رآها بطرف عينه وهي قريبة منه، فأراد رد صفعة كلماتها لغروره، لذا قرر التلاعب لها ليثبت لها ولنفسه أن لازالت قابعة اسفل سطوة تأثيره.
فارتفع صوته وهو يكمل مغيرًا مجرى حواره مع شقيقه فجأة: -وانتي عامله إيه، حقك عليا إني كنت مشغول عنك شوية.
أتاه صوت حازم المدهوش: -انتي! انتي مين يا عيسى؟

فاستأنف عيسى متقمصًا الدور الذي قرر تأديته على أكمل وجه: -عارف إنك دايمًا مقدرة انشغالي، بس صدقيني أنتي على طول وحشاني.
ازدادت جرعة الصدمة والدهشة في صوت حازم، الذي أردف متهكمًا: -وحشاك! إيه يا عيسى في إيه ابتديت أقلق وأشك في ميولك على فكرة.
-لا لا متقلقيش عليا خالص أنا كويس يا حبيبتي.
أكمل عيسى وهو يلمحها وقد إنتبهت لحديثه، ويقسم أنه يشعر بألسنة النيران تتقافز نحوه من عينيها الان.

فيما استطرد حازم بمرح شابه الصدمة: -هي وصلت لحبيبتي، لا كله إلا رجولتي!
منع عيسى ضحكته بصعوبة من التحليق في ثغره، ثم أضاف قبل أن يغلق الخط: -طب هكلمك تاني يا حبيبتي، يلا سلام أنتي دلوقتي.
ثم استدار نحو كارما التي كانت قريبة منه، يسألها ببراءة: -في حاجة يا كارما؟
رغم الغيظ الذي أعلن نفسه راعيًا رسميًا لنظراتها وشعورها في تلك اللحظات، إلا أنها ردت ببرود ظاهري: -لا ابدًا، أنا جايه ألم الغسيل.

-اه طبعًا طبعًا، لميه وماله.
غمغم عيسى بسخرية منخفضة تجاهلتها كارما وهي تقترب منه واقفة جواره وبدأت تلملم الملابس بالفعل، نظر عيسى للساتر في البلكون التاندا، ثم اقترب منها ببطء ماكر، حتى أصبح على بُعد إنشات قليلة جدًا منها، حاشرها بين جسده العريض وبين الحائط جوارها، اضطربت أنفاسها على الفور وهي تنهره: -أنت بتعمل إيه! أبعد.

رد ببرود ماكر حمل في طياته عبث غير صريح: -مالك يا كارما اتوترتي كده ليه! أنا باخد مشابك من وراكي بس.

وأطال وهو يتناول ما يريد، ولكن احتكاكة جسده البسيطة بجسدها، لم تصيبها وحدها بالاضطراب، بل كانت وكأنها احتكاكة نارية أنبأت عن شعلة عاطفية تأججت بين ضلوعه، نزل بنظراته ببطء نحو شفتاها المكتنزة التي كانت قريبة جدًا منه، يشعر للمرة الاولى بانحسار أنفاسه في قربها، و الرجل البدائي داخله يحثه على اقتطاف ثغرها في قبلة تنسيها تراهة كلامها وتثبت لها أنه يملك زمامها في قبضته!

هز رأسه وكأنه ينفض عنه تلك الافكار الغريبة. الحارة! وقد إنقلب السحر على الساحر.
بعد دقائق من الصمت كانت كارما قد إستعادت ثباتها، وحين رأت احد المارين، بحركة مفاجئة بثقت من البلكون، فصُدم عيسى: -أنتي بتعملي إيه!
أجابته بانفعال مكبوت: -راجل قليل الذوق والاحترام تصور يا عيسى، بيخون مراته في البيت ومش عاملها أي اعتبار ولا احترام.
تظاهر عيسى بالمفاجأة بينما هو متيقن أنها تقصده هو بكلامها: -لا والله.

أكدت والغل ينضح من نبرتها: -اه والله، ده أنا لو منها أخليه نايم كده وأدب سكينة في قلبه.
رجع عيسى خطوتان للخلف مرتابًا وهو يضع يده على قلبه، وبنبرة درامية استرسل: -راجل بجح اوي، اهو واحد زي ده محدش ياخده قدوة ابدًا.
-ابدًا، خاف على نفسك بقا.
هز عيسى رأسه مؤكدًا بسخرية قبل أن يغادر البلكونة، بينما هي لازالت تحاول اطفاء لهب الغيرة الذي نشب بقلبها.

بعد أن إنتهى المؤتمر، وحين كان الجميع يبدأون بالتجمع لمناقشة ما سيصير، كانت فيروز تحيط كف يدها بيدها الاخرى، ومعالمها تتشنج معلنة ألم يلح عليها، انتبه لها احد زملائها، فاقترب منها قليلًا يسألها متفحصًا: -مالك يا فيروز؟
اجابته بصوت متحشرج: -ايدي اتحرقت بس من القهوة اتدلقت عليها.
-طب محطتيش عليها مرهم للحروق ولا أي حاجة ليه؟
هزت رأسها نافية تخبره: -منا ملحقتش للأسف.

هز رأسه وهو يقول بحزم: -لا مينفعش لازم تحطيلها حاجة كده غلط، إطلعي إغسليها بشوية مايه وأنا هجيبلك مرهم حروق وجايلك.
اومأت موافقة برأسها وهي تنهض بالفعل، فالألم في يدها لا يسمح لها اصلًا بأي اجابة سوى الموافقة.

كانت عينا فارس مترصدة ما يحدث، وقبضة يده مشتدة على المكتب، وكأنه يصارع نفسه التي تود التدخل والانقضاض عليهما، اقتربت منه نغم التي لاحظت انتباهه لما يحدث، وقررت وضع الزيت على النار حين همست بالقرب منه: -أبقى اختار موظفينك كويس يا فارس.
ثم غادرت القاعة بهدوء واثقة أنها أشعلت ما يكفي لإحراق تلك الفتاة.

بعد قليل من المجاهدة نهض فارس هو الاخر وقد إنتصرت نفسه على سيطرته التي كان يحاول فرضها وترويض غضبه، فرآى أحمد وهو يضع لفيروز علاج الحروق، اقترب منهما متسائلًا بحروف مشدودة: -في إيه؟ سبتوا الاجتماع اللي هيبدأ دلوقتي ليه؟!
اجاب أحمد بقليل من التوتر: -فيروز إيديها إتحرقت فكنت بحطلها مرهم حروق وكنا جايين على طول.

اقترب فارس منه، رابتًا على كتفه برفق، وبنغمة مالت نحو السخرية الصريحة لأول مرة تصدر منه تجاه احد موظفيه: -بعد ما شوفت رقة قلبك دي، أنت لازم تسيب الهندسة وتشتغل دكتور احسن.
ثم احتدت حروفه نوعًا ما وهو يكمل بغضب طفيف: -إتفضل على شغلك يا باشمهندس، أحنا جايين رحلة شغل وشغل مهم جدًا مش رحلة شهر عسل!

تمتم أحمد بصوت أجش قبل أن يتراجع أحمد عائدًا لمكانه: -مفيش حاجة حصلت لكل ده يا مستر فارس، ومفيش تقصير حصل او هيحصل مننا.
غادر المكان تاركًا فيروز التي كانت على وشك الإنفجار بوجه ذلك المتعجرف، فازداد غيظها أضعاف مضاعفة حين أشار لها دون اهتمام وببرود قاسٍ: -يلا بقا مش هنقعد اليوم بطوله نشوف حرق الأميرة ديانا.

ثم تحرك مغادرًا، بعد أن تركها في حالة صدمة حقيقية، وما الذي كانت تتوقعه منه؟! أن يهتم ولو قليلًا؟!
كيف سمحت لخيالها أن يرسم لها خيلات من مجرد اقتراب عادي ونظرة منه اخطأت تفسيرها، بل وبكل سذاجتها ظنت أن هذا سيزيد من سرعة تحقيق ما تريد والتقرب منه!

في خضم أفكارها ومشاعرها، لم تنتبه للذي كان يقترب منها مدققًا النظر لها، وما إن صار أمامها حتى ردد متفاجئًا من تواجدها بشيء من الشك: -فيروز!
فزعت مصدومة هي الاخرى ما أن رأت أمامها خالها وأيقنت أنها في ورطة حقيقية هذه المرة....

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة