قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والأربعون

حب البشر للبشر يكفيهم
وحبِ لكِ لا يكفيكي
كلما زدت تدللتي
وحين أنقصته هجرتيني
هل من علاج لدائك الأبدي يا أسيرتي، أم أن اللعنة تمكنت مني ولم يعد هناك أمل للشفاء منكِ إلا بكِ.

تحول الطريق إلى ساحة من العراك، أطاح حامي برأس الأول واستدار للثاني يسدد له ضربة مميتة في وجهه، توقفت سيارات الحرس لتحيط بالمكان وخرج منها الحراس تباعا ليلتفوا حول رب عملهم فيتوقف الصوت تماما أمام عددهم هذا، ابتسم حامي وهو يرمقهم بتحدي واثقا، مال على الممدد على الأرضية أمامه ناطقا بعيون لامعة ومعالم منفعلة اثر المجهود العنيف: عرفت بقى الفرق بين حامي العمري ورئيس الوزراء؟

كان الألم يظهر جليا على وجه الرجل فاستقام حامي معتدلا وهو يلقي عليهم نظراته المشمئزة، خطر في ذهنه شيء ما فتحرك مبتعدا عن محيط العيادة الطبية بمسافة قليلة.
في الأعلى.

طمأن أحدهم الجميع بأن الشجار العنيف انتهى فعادت الأوضاع لهدوئها السابق حتى خرجت المساعدة تطلب من عائشة الدخول فجذبت نيرة يدها مهرولة وهي تمسح قطرات العرق بمنديلها الورقي هاتفة بامتنان: الحمد لله يارب، الحمد لله ان الواحد قام من هنا سليم.

دلفا إلى غرفة الطبيب المعالج فوجدا شاب في مقتبل العمر يضع لوحة تحمل اسمه اعلى المكتب أحمد قابلهم بابتسامته الهادئة وتأكد من جلوسهما ليسأل بعدها بأدب: استاذ حامي كلمنِ بخصوص محمد ممكن حضرتك تقوليلي ايه اللي حصل النهاردة؟
شرحت عائشة وضع صغيرها باهتمام موضحة: كان كويس جدا امبارح قبل ما ينام، النهاردة من ساعة ما صحي عياط متواصل وكل الحجات اللي ممكن تسبب العياط منعناها عنه، وبيعيط برضو.

استقام احمد واقفا وطلب بأدب من نيرة الحاملة للصغير: طب ممكن الولد لو سمحتي.
أعطته له نيرة بحرص شديد وقد كساها القلق هي وصديقتها بسبب عودة صراخه، راقبت عائشة الطبيب أثناء فحصه للصغير وابتسمت مع نيرة وهو يحدث محمد أثناء فحصه بضحك: في حد يبقى عنده عيون حلوة كده ويعيط العياط ده كله؟

دقائق وانتهى من فحصه ليعود بالصغير مردفا بسلاسة: شوية مغص، هتداومي على الحجات الدافية اللي بتتعمله وهكتب نوعين دواء يتجابوا والدنيا هتبقى فل مع الباشا.
سألته نيرة مسرعة: طيب يا دكتور ليه المغص ده، و العياط نعمل فيه ايه؟
المغص ملهوش سبب محدد في حجات كتير، الاهم بس نتخلص منه ومتقلقيش هو بعد ما ياخد الدوا ده هيهدى.
استقامت عائشة واقفة ومدت يدها تطلب الصغير فتمنع عن إعطائه.

فأردفت بهدوء حاولت أن تجعله المسيطر: لو سمحت هات الولد واكتبلي الدوا اللي هيحتاجه علشان نمشي.
مط شفتيه بأسف أثناء قوله: للأسف حضرتك مش هتاخدي محمد.
رمقته باستنكار محاولة أن تستوعب قوله لتتحدث نيرة معترضة بانفعال: يعني ايه مش هناخده هو احنا بنلعب، هات محمد.
سمعت عائشة رنين هاتفها فأجابت بلهفة وهي ترى اسم زوجها وقبل أن تستغيث سمعت نبرته التي تحفظها جيدا أثناء قوله: سيبي آمن مع أحمد وانزلوا.

تحدثت رافضة بغضب: انت بتقول ايه يا حامي لا مش هسيبه.
طمأنها بقوله الصادق والذي طمئنها بعد الشيء: سيبيه وهيكون نايم جنبك زي كل يوم ما تخافيش.
تحدثت بنبرة أوشكت على البكاء وقد انكمشت ملامحها تحتج على فكرة ترك صغيرها: طب اسيبه ليه؟، انا هخاف اسيبه هنا وانزل.

نطقت جملتها الأخيرة وعيونها معلقة على الصغير، فطلب منها وهو يحاول استدعاء صبره النافذ حتى لا يصيبها غضبه: يا عائشة انزلي هتروحي تلاقيه في البيت، اديني نيرة.
علمت نيرة أن أمر ما يحدث، ناولتها عائشة الهاتف بإهمال وعيونها لا تفارق الصغير وكل إنش بها يمنعها عن النزول بدونه، وضعت نيرة الهاتف لتسمع قول شقيقها المؤكد: نيرة اسمعي اللي هقوله ونفذيه بالحرف الواحد، و تفهمي عائشة قبل ما تنزلوا.

حركت رأسها وهي توعده بالتنفيذ: حاضر.
أعاد منبهًا: مش عايز غلطة يا نيرة.
أكدت له أنها ستفعل ما يطلبه منها لتبدأ في الاستماع باهتمام إلى ما يمليه عليها في الهاتف.
في مكتب رضوان
صاح بعنف فانتفضت ميرال أثناء قوله المنفعل: اهدي بقى خلينى اشوف هنخرج من هنا ازاي.
هرولت ناحية هاتفها الموضوع على الطاولة لتستغيث بأي شخص فقطع فعلها الرسالة الصوتية التي أصدرت رنين عالي وكانت من رقم غير معروف.

زاد انهمار دموعها وهي تنظر حولها بإنكار أن تبقى هنا حتى تلتهمها النيران، ضغطت على زر التشغيل فارتفع الصوت الذي عرفه رضوان جيدا يردد بانتصار: عدم المجيء يعرض حياتكم للخطر، بعد قليل من الآن ستصبحوا رمادا.

شهقت عاليا واضعة كفها على فمها تهز رأسها بنفي باكية لتتابع الرسالة وسط ترقب رضوان: أمامكم فرصة أخيرة لا يوجد سواها، إما الخروج من هنا وأن يأتي من طلبتهم للمكان المحدد أو الموت، وسأصل في أي مكان انت يا رضوان تعلمني جيدا ألست صديقك القديم؟، مفتاح المكتب تم تغييره بواسطتي لذلك لم ينفتح الباب عند المحاولة، ستجد الجديد أسفل المكتب يمكنكم الخروج الآن ولكن احذر خروج دون تنفيذ الأوامر هو خروج للموت.

اختتم حديثه بإسمه: محمد صادق العمري.
سقط الهاتف من يد ميرال وهي تهرول لتجلب المفتاح تبعها رضوان وحاول أن يسرع من خطواته البطيئة بسبب ألم ساقه حتى وجدت المفتاح فأخرجته وأخذت شهيقا واسعا كمن عادت له الحياة من جديد لتهرول حتى تتخلص من مقر موتها هذا.
بعد مرور وقت.

وصلا عائشة ونيرة أمام بوابة المنزل، حاولت نيرة إخماد ثورة عائشة المشتعلة ولكنها لم تنجح فتحت عائشة الباب وهرولت ناحية غرفتها متجاهلة سؤال الجميع، تسمرت مكانها حين وجدت الصغير في الفراش وهو جواره يداعبه ضاحكا وكأن لم يحدث شيء، دخلت وأغلقت الباب بانفعال، رفع رأسه ينظر لها وليس على وجهه أي تعبير فألقت الحقيبة على المقعد أثناء قولها الغاضب: ممكن افهم ايه اللي حصل ده؟
ايه اللي حصل؟

سؤاله أثار استفزازها ففقدت المتبقي من صبرها وهي تنطق بضجر وسط نظراته التي لا تحيد عنها: ايه حصل!، هو انت شايف انه طبيعي انك تخليني أسيب ابني لواحد معرفهوش بكل بساطة كده وتطلب من نيرة اننا ننزل وقدام الناس اللي بتتخانق تحت دي نعمل انه يا حرام اتاخد مننا ومش لاقيينه وعمالين ندور وتروح حضرتك بعتنا مع عربية الحرس تروحنا وواقف انت تكمل اللي بتعمله.

وضعت كفها على جبهتها إثر الدوار الذي شعرت به وحاولت التنفس وهي تتابع بنفس غضبها: ده انت شايفه عادي مش شايف فيه مشكلة؟
انتظرت جوابه فلم يتفوه إلا بكلمة واحدة جعلتها ترمقه بعدم تصديق: اقعدي.
مش عايزة اقعد، انا مش عايزة اقعد أنا عايزة حالا تفسير للي حصل ده ومتقوليش انك مش مضطر تديني تفسير.

استقام واقفا وتوجه ناحيتها بنفس تعابيره الثابته، وقف أمامها فالتقت عيناها بزيتونيتيه لتسمعه يقول: ماكلتيش حاجة من الصبح وطول اليوم من عربية لعربية لو مقعدتيش حالا هتقعي وأنا بصراحة مليش نفس أشيل.
فتحت فمها بصدمة تحاول استيعاب ما يقوله ففاقت على تكرار قوله الصارم: اقعدي.

جلست على الأريكة المتواجدة خلفها بإنزعاج وجذبت الوسادة تسند يدها عليها أثناء تأففها، جلس مجاورا لها ووضع الساق فوق الاخرى ووضع كفيه من الخلف ليستند برأسه عليهما أثناء قوله المتزن: ابنك لو كنتِ نزلتِ بيه كنتِ هتوصلينا لنقطة أنا بقالي أيام مبنامش علشان ما نوصلهاش.
وجهت نظراتها الغير مستوعبة له فتابع حديثه بنفس نبرته الأولى: ابنك كان متأجر واحد علشان يخطفه.

صدر رنين هاتفه فقطع حديثه ونظر لاسم المتصل، رفع شاشة الهاتف أمام وجهها مشيرا بعينيه على الاسم وفتح الاتصال وفعل مكبر الصوت وهو يسأل: عملت ايه يا حامد؟

بدأ المتصل في السرد: أنا كنت همشي الموضوع زي ما انت قولت يا باشا اروح ورا المدام العيادة وهي فجأة تقول انها مش لاقية ابنها واصورها وانزل، بس مكنتش اعرف ان عدنان هيبعت رجالة يعملوا قلق تحت على أساس يسهلي الموضوع ويتأكد اني نفذت، لولا وجود حضرتك كانت الدنيا باظت، المدام لما نزلت هي واخت حضرتك ولقوك تحت وقالولك انهم مش لاقيين ابنك والرجالة شافتهم خلاهم اتأكدوا اني نفذت، وانا عملت اللي قولت ايه كلمت عدنان وقولتله اني نفذت وبعتت فيديو والمدام بتدور عن ابنها، وزي ما حضرتك توقعت بالظبط أول ما قولتله اني نفذت وان الواد معايا قالي اخليه معايا اكيد مش عايزني اعرفله طريق، وانا جهزت الخطة التانية اللي اتفقنا عليها علشان في اي وقت يطلب الولد فيه، باشا انا بس كنت عايز اقول حاجة انا سايرته اه في الأول بس مكنتش هخطف ابنك، انا لما عملت اللي عملته كان علشان كنت محتاج وعايز اعالج امي وادي امي ماتت، مش العلقة اللي ضربتهالي هي اللي خلتني مخطفش محمد، انا عارف ان بمنظر الحراسة اللي شوفته النهاردة ده مكنتش هعرف اخطفه اصلا بس العلقة دي فوقتني.

قاطعه حامي وهو يختتم منهيا الحوار: بعدين نتكلم.
أغلق الهاتف ونظر لعائشة رافعا حاجبه الأيسر وعلى حين غرة مال عليها فشهقت عاليا واحتوته عيناها وهو ينطق بسخرية وأصابعه على وجنتها: متبقاش تنفعل كده تاني يا وحش، علشان بخاف.

قال كلماته وألقى عليها نظرة أخيرة ثم ابتعد عنها تاركا الغرفة بأكملها وبمجرد خروجه نطقت محدثة نفسها باشتعال: لازم انا دايما اتوقع انه بيعمل صح، لازم اتصدم مينفعش يديني فكرة علشان مابقاش زي الحمارة والدكتور بيقولي هاتي ابنك وكأني لازم ابرمج عقلي على أن حامي قال هنمشي هنا يبقى نمشي هنا من غير تفكير، ولو عملت عكس ده بطلع غلطانة ومعرفش ارد عليه، طب ليه من الأول ميقوليش؟

صمتت ثوان ألقت فيهم الوسادة بانفعال ثم سريعا ما ظهر على وجهها ضحكة واسعة وهي تقول بصدمة: في حاجة غريبة!، ده بررلي قالي هو عمل كده ليه، مقاليش انه مش لازم يديني مبرر للي بيعمله ولا يحكيلي عن خطواته...
زادت ضحكتها وهي تصيح بفرحة: ده حكالي.

دخل الغرفة مجددا فاصطدم بضحكتها الواسعة فمط شفتيه بتعجب وهي تنظر له ببراءة أثناء قوله الساخر: هاتلي أكتر راجل العالم كله مجتمع انه مجنون وأنا اجيب ليك ست كل الثوابت بتقول انها عاقلة واثبتلك انها اجن منه.

خرجت منها ضحكة حاولت كتمها حتى تظل على موقفها فاقترب من الطاولة المجاورة للأريكة ووضع عليها طبق ناطقا بمكر: هنا عاملة أم على وبعتالك ده، عايزة تقعدي تاكليه هنا براحتك، عايزة تخرجي تاكليه معاهم انتِ حرة، بالمناسبة عايزة انبهك لحاجة من ساعة ما دخلتي وانتِ عمالة ابني، ابني، ابني، في نا انتِ ناسيها اسمها ابننا مش ابني، الطبق اهو كلي.

قال كلماته الأخيرة مشيرا على الصحن أوشكت على الاعتراض ولكن شعرت بهروب الكلمات منها فنطقت بغيظ: مش عايزة.
دس الملعقة في الصحن وتناولها باستمتاع ناطقا بإهمال: أحسن هاتيه انا هاكله.
هي أوشكت على فقد وعيها بسبب قلة الطعام، والآن يأكل أمامها أجمل ما صنعت هنا بكل استمتاع، لم تتحمل فأخذت الطبق الموضوع على الطاولة ومدت كفها تطلب الملعقة الموجودة في يده بنظرات متحدية.

ضحك وهو يضعها في الطبق وينطق أثناء توجهه للخارج: ما كان من الأول يا وحش.
في نفس التوقيت
جلس يحيي أمام والدته مقبلا كفها أثناء نطقه برجاء: يا هنون خلاص بقى.
أشار على الصينية المجاورة لها مرددا بمزاح: طب خاصميني وولعي فيا بس هاتي طبق.
ضحكت صوفيا على فعلته واقترب كريم بطبقه له يقول بلطف: خد ده يا عمو.
منعته هنا بنظراتها وهي تطلب منه بلين: كل يا كريم طبقك وملكش دعوة بيه.

ضحك يحيي بمكر وأخرج من جيبه شيء أخفاه أثناء قوله المتهكم: بقت كده يعني، ملكش دعوة بيه، طب بصي أنا جايبلك ايه؟
مش عايزة أشوف.
أخرج سوار بدا عليه الرقي بمجرد أن رأته لمعت عيناها، سوارها القديم هديتها من زوجها العزيز
ذلك السوار الذي انقسم ولم تصلحه فبقى كما هو في موضعه منذ زمن.
انتشلته منه تنظر له بعدم تصديق ناطقة بدهشة: انت جبتها منين؟

ارتفعت ضحكاته الشريرة وهو يردف باصرار: تقولي سامحتك يا يحيي يا حبيب قلبي، يانور عيني. ياللي غلطت فيك، يا...
قطعت حديثه حين دفعته بغيظ فقالت صوفيا ضاحكة: خلاص بقى يا هنا كفاية عليه كده.
ناولته والدته طبق وهي تقول بغيظ: ده علشان صوفيا بس ولو اتكررت تاني يا يحيي عارف هعمل فيك ايه؟
قاطعها وهو يقول بندم: أوعدك يا ستي مش هتتكرر تاني، ركزوا تاني علشان عايزكم تساعدوني.

نظروا له باستفهام فاعتدل في جلسته وهو يأكل من طبقه بنهم موضحا بتخطيط: أنا عايزكم تركزوا معايا على الاخر، علشان اللي جاي ده مهم جدا عندي.
أعطوه كامل انتباههم ليستمعوا إلى هذا الأمر الهام الذي أراد قوله.
في الطريق
قادر عمر السيارة وقد غلب عليه شروده يتذكر ما حدث
Flash Back
ازيك يا مدام صابرة.
لم تجب وهي تلتقط أنفاسها التي أوشكت على النفاذ فنطق بنبرة ساخرة: ياه معقول معرفتنيش!، ده احنا حتى عشرة.

اختتم بما جعلها تشعر ان الأرض تهتز هزة عنيفة تحت قدميها وهي تسمع هذا الاسم الذي تحفظه عن ظهر قلب: عمر الزيني يا مدام.
خرج صوتها مهزوزا أخيرا وهي تقول: عايز ايه مننا؟

ضحك عمر ساخرا وهو يجذب مقعد موضوع أمام الباب ويجلس عليه ناطقا بسخرية: أنا مش عايز، انتِ اللي عايزة، حاولتي تتصلي باختي بعد السنين دي كلها لا وكمان عايزة توقعي بينها وبين جوزها، وأنا متأكد ان اللي دفعلك المرة دي علشان تعملي كده هو نفسه اللي دفعلك قبل كده علشان تخلي جوزك يسيب قضية أبويا.
أردفت بهرب من حديثه: أنا معرفش حاجة عن اللي بتقوله ده.

هز رأسه بموافقة على حديثها ثم قال باستحقار: هدفعلك اكتر على فكرة، خدي وقتك وكلميني.
تحرك راحلا وقبل خطوته الأخيرة سألت بتردد: هتدفع كام؟
كان يتوقع سؤالها فضحك بنصر ليقول مختتما: معاكِ يومين تفكري، واظن 20 مليون وشقة في مصر الجديدة كفاية اوي، هما صحيح هيطلعوكي من البيت ده بس مش هينضفوا اللي جواكي.

ألقى الكارت الخاص به على الأرضية أمامها وتابع رحيله بخطوات واثقة لتميل بتردد تلتقطه وقد كسا الطمع نظراتها
Back.

فاق من شروده على اتصال أحدهم فأجاب مسرعا: ايه يا عم كل ده!
أجاب المتصل ضاحكا: كنت بظبطلك الدنيا ياعمر، بص هو يعتبر معظم الحجات خلصت فاضل شوية إضافات حامي زودها بس، ممكن كله يخلص على بعد بكرا.
طلب منه بلطف: طيب ابعتلي الصور كده انا عايز اتفرج.
عمر هو انت صوتك متضايق؟

تنهد عمر عاليا فهو بالفعل في ضيق، تلك الذكرى المؤلمة تحطمه، ذكرى الفقد المريرة، اليوم الذي احتضن فيه شقيقته باكيا أمام قبر والده ووالدته، ذلك المحامي الذي تخاذل وتخلى يعيد ذكرى تلك الواقعة، أغلق عمر الهاتف بإهمال وغير مسار طريقه وقد تكونت الدموع في عيونه، ليذهب إلى مكان يعلم أنه سيشعر بالراحة عند الوجود فيه.

كان يقف على سطح المنزل، يجلس على السور العالي ورجله ممددة في الهواء الطلق، لمعت ابتسامته وهو يراقب السماء، يتأمل في جمالها الذي لا يضاهيه شيء، القمر ولمعانه وكأن بريق العالم تجمع في القمر في هذه الليلة، ضحك على تخيله بأن يظل جالس هكذا طوال العمر يراقب البشر من سور عالي، ضحك من نفسه ساخرا فهو من اقترح على يحيي إصلاح سوار هنا، واشترى لصوفيا واحدا ولم يستطع الذهاب لها به، دق قلبه باضطراب حين قرر الذهاب إلى غرفتها وإعطائها السوار، هو يكره الاضطراب فقرر تأجيل التجربة والمحاولة في وقت لاحق.

أخرج هاتفه ليجري اتصال ب علي اتته الإجابة سريعا فسأل بثبات: ها يا علي؟
سمع إجابة على الذي قال بفخر لنجاح ما فعله: كل حاجة تمام، روحت النهاردة عند الراجل اللي قولتلي هيسلمني خاتم ميختلفش عن الأصلي اللي خدناه من اليخت، وخدته وروحت حطيته مكانه، كل حاجة بقت تمام، أي وقت بابا هيدور على الحاجة هيلاقي الورق في مكانه والخاتم كمان مكانه.

هز حامي رأسه وهو يقول: حلو اووي كده، انت بقى دلوقتي مهمتك انت عارفها صح؟
قال علي بتأكيد: اه، سالي هتحط المنوم لبابا في العصير وأنا بعد ما ينام هتصرف وأطلع بيه من القصر أوديه على المكان اللي اتفقنا عليه، المكان اللي هيلاقي فيه نفس الورق والخاتم.

ابتسم حامي براحة حتى تنغصت راحته وهو يسمع قول علي المضطرب: حامي أنا عارف اد ايه هو انسان مش كويس، بس هو في الآخر أبويا، الراجل ده لو عنده في قلبه ذرة حب واحدة لحد هتبقى ليك، طول الوقت كان يقول خليك زي حامي اعمل زي حامي، لما كنت اقوله هو مين فينا ابنك كان بيقولي هو، انا مش بقولك كده علشان يصعب عليك، أنا رضيت من الأول أكون معاك، أنا بس مش هقدر أشوفه وهو بيتعذب علشان انا مش زيه...

قاطعه حامي بشراسة: كفاية يا على لو مش عايز تخسرني، ابوك ده عمره ما يعرف يحب، رضوان قتلني ومش مرة واحدة لا كتير اوي، قتلني مرة لما قتل أبويا، ومرة لما حبس امي عنده، ومرة لما خطف اختي وبعت هدومها المتغرقة دم، وغيره وغيره لو عدينا مش هنخلص، ابوك طول عمره بيضرب فيا من ضهري وانا وقفت في ضهره كتير وحميته، عايز مثال شوف اسم رضوان دلوقتي في السوق عامل ازاي، واسمه من كام سنة لما كان مربوط بحامي العمري كان عامل ازاي، السواد اللي جواه ممكن يخليه يقتلك انت شخصيا زي ما بيتاجر بعرضه، وحاطط ايده في ايد اللي رمى ابنه الصغير، لو البشر كلهم استحقوا الشفقة هو ميستحقهاش، ولو مش عايز تكمل خليك راجل وقول دلوقتي وانا مستغني عن خدماتك، شكرا.

قال علي بحزن على حالة الانفعال هذه التي أدخل حامي بها: أنا اسف، انسى اي حاجة قولتها، انت وعدتني انك مش هتعمل زيه، وهتجيب حقك منهم ميري وأنا معاك للاخر.
ماشي، أنا هقفل معايا مكالمة تانية.
قالها حامي وأغلق هاتفه بضجر وهو ينطق بسخرية: قال ذرة حب قال، ده متعهد حب بس مع الفلوس والعلاقات اللي في الضلمة.

قطع حديثه مع نفسه، سماعه خطوات من الخلف فاستدار ليجد الصغيرة تقفز بمرح على الأرضية قائلة بضحكة واسعة: ازيك.
ضحكتها تجبر من أمامها على الابتسام، فضحك لها فهرولت ناحيته تطلب منه: شيلني قعدني على السور جنبك.
أصدر صوت رافض وقال مغريا: هديكي نضارة لو قولتيلي طلعتي هنا ليه.

لمعت عيونها بفرح صارخة: ايه ده، أنا بقالي كتير ما أخدتش نضارات، أنا هقولك عيوش هي اللي قالتلي اطلع اشوفك بتعمل ايه لوحدك علشان هي مخاصماك.
همست عائشة من خلف الحائط بغيظ: روحي يا لينا ربنا يسامحك يا بعيدة.
دخلت مسرعة لتصلح من موقفها، شعر بخطواتها فاستدار لها لتقول مسرعة بارتباك: طنط صوفيا عايزاك تحت.
انزلي ياليو قوليلها اني جاي، وخدي النضارة من الدرج.

شعرت بالغضب إثر تجاهله لها، وقبل أن ترحل نطق: استني.
نزلت الصغيرة، وقفز هو ليتحرك ناحيتها بهدوء أربكها، على حين غرة كان يحملها بين يديه فنطقت بصدمة وهي تنظر حولها: ايه اللي انت بتعمله ده.
اقترب من السور مجددا وهو يقول ببراءة: هساعدك تقعدي.
رمقها يبثها الأمان وهو يسألها: انتِ خايفة؟
قالت بتهرب من عينيه: نقعد على الأرض أنا بقلق من الأماكن العالية.

حرك رأسه موافقا وأنزلها على الأرضية، وجلس هو مستندا بظهره على الحائط فجاورته بصمت لم تتحدث، ثم بعد لحظات من الصمت نطقت أخيرا: هنا فرحانة اوي بالاسورة اللي يحيي صلحها، مفكرتش يعني ت، تجيب واحدة لطنط.
أخرجها من جيبه بهدوء فنظرت لها بصدمة وهي تسأله باندهاش: ليه ما ادتهاش ليها؟
أخذ نفس عميق أتبعه بقوله الصارم مع نفسه التي تفكر في التراجع: هديهالها.

شعرت بتخبطه فربتت على كفه بابتسامة مطمئنة: أنا ممكن اجي معاك وانت بتديهالها.
ضحك محركا رأسه بموافقة: ماشي يا وحش.

نظرت للسماء والضحكة تعلوا وجهها وهي تنظر له بجانب عينيها، صوت أعيرة نارية شق الأجواء جعلها تنتفض فاحتضنها وتشبثت هي بملابسه بكل قوتها، مال برأسه عليا لتصبح زيتونيتاه البراقة أمام عيونها، ورأسه مستندة على رأسها وهو ينطق بضحكة عابثة: ده انتِ طلعتي خفيفة اوي، قلبك عمل الكهربا دي علشان صوت الرصاص.

استمر صوت الأعيرة النارية وهي على وضعها فقال غامزا وهو يحرك جبهته على خاصتها: لما قلبك بيتنفض كده من الرصاص، امال بيتنفض ازاي لما يشوفني يا وحش.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة