قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج1 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والعشرون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج1 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والعشرون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج1 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والعشرون

البروده تحيط بالأجواء، تلك المرتفعات الشاهقة والسماء التي تلبدت بالغيوم، ليسود اللون الفضي، وقفت عائشة خارج الغرفه تتابع مايحدث في الداخل بقلب وجل، لقد أبرحه حامي ضربا، اضطرب عقلها أمير ليس بالشخص الهين، إنه أفعي لاتستطيع توقع متى سيصلك السم منها.

في نفس التوقيت داخل الغرفه، تصبب حامي عرقا من ذلك المجهود البدني العنيف الذي بذله بينما كان أمير يتأوه بصمت مما حدث له، حاول التغلب على آلامه ليردف هامسا: أنا أمير الجوكر ولسه دي اول جوله.
ابتسم حامي بسخريه وهو يعدل من هندامه بينما أردف أمير ثانيا بصعوبة: اللي حصل ده هتدفع تمنه غالي اووي.
تركه حامي في هذه الغرفه البارده وتوجه للخارج بثقه وهو يردف بسخريه: وماله، أنا أدها.

بمجرد خروجه وجد عائشة صامته فقط تتابع مايحدث بصمت لاتثرثر كعادتها أو تلقي بغيظها عليه.
حثها بإشارة من عينه قائلا: يلا، عربيتي قريبه من هنا.
أومأت له وسارت بجانبه بهدوء، كانت الأرض مليئة بالمرتفعات كادت تتعركل وتسقط ولكن استعادت توازنها قبل أن تقع، التقط مرفقها بعد ماحدث وهو يردف: بدل ماتقعي، وأنا خلاص مش هشيل تاني.
آتت لتسحب مرفقها بغضب وتجيب عليه ولكنه قاطعها قائلا: أنا مصدع ومش عايز كلام.

انا اتكلم زي ماانا عايزه، هتمنعني عن الكلام كمان.
استدار لها يرمقها بنظراته البارده لينطق بهدوء محذر: وانا امنعك ليه، اتكلمي كلمه كمان وانا هخليكي تسكتي من نفسك.
هتكلم برا...
قطعت حديثها تلقائيا عندما لمحت هذه النظرات التي تصيبها بالإرباك لتردف بغير وعي: انت بتبصلي كده ليه.

توقف عن السير واقترب منها بخطواته الواثقه لتعود إلى الخلف تلقائيا حتى كادت ان تسقط من فوق هذا المرتفع، أحاط خصرها بقبضبته قبل أن تزل قدمها، لتصبح قريبه منه حتى أن رأسها لامست صدره، همس لها: اتكلمي.
لم تستطع التفوه بأي شيء فقط فاقت من هذا الوضع الذي سارت به فاابتعدت سريعا قائله بإرتباك: مستغل.
ضحكه خافته خرجت منه ليقول بمكر: على أساس اللي جريت حضنتني من شويه كانت امي.

توردت وجنتاها وأسرعت نحو السياره التي آتت كالنجده بالنسبه لها، لم تجيبه بل تجاهلت قوله ووقفت في انتظار ان يفتح لها باب السياره، فدخل هو إلى مقعد القياده بينما ابتعدت شفتاها بصدمه من فعلته لتسمعه يقول بتذمر: ما تركبي.
فتحت باب السياره الخلفي بغضب، لتجلس على المقعد الخلفي تاركه الأمامي بجانبه فارغ.
رفع حاجبه الأيسر قائلا: وده اسمه ايه بقى!، سواق معاليكي انا.

أجابته بغيظ: حضرتك المفروض من الزوق انك تفتحلي الباب بس طالما انت ملكش في الزوق فانا هقعد في المكان اللي يريحني.
استدار لها ليلتقط كفها فنطقت بغضب: في ايه.
تفحصها قائلا: ماهي حلوه اهي وشغاله، افتحلك الباب ليه بقى؟
تأففت قائله بضجر وهي تنتشل يدها منه: الواحد غلطان انه بيتكلم معاك اصلا.
اعطى اوامره قائلا: انزلي اركبي قدام.
لا، تنزل تفتحلي الباب الأول.

ترك مقعده ليخرج من السياره، ذهب إلى الخلف ليجذبها من مرفقها ويفتح الباب الأمامي ملقيا إياها بإهمال على المقعد بينما عاد هو إلى مقعده وسمع همستها وهي تتفحص ذراعها بألم: وقح.
عموووري.
نظر للجهه الآخرى بينما احتست هي مشروبها الساخن قائله: ماخلاص بقى ياعم، قولتلك والله كنت بحسبك حد تاني.
تممت لينا على حديثها قائله: فعلا هي كانت مفكراك عثمان.

عاد بنظره إليها لينطق بااستنكار: عثمان!، وده مين عثمان ده كمان ياست هانم، شربتي بانجو ولا لسه ياسعديه.
زجرتها نيره بينما حاولت تبرير الموقف سريعا: هفهمك، عثمان ده كان بيتصل علشان زينه حامي قاله يتطمن عليها مش أكتر.
ياراجل.
استشاطت غيظا لتندفع قائله: ماخلاص بقى ياعمر اقتلك نفسي يعني ولا اعمل ايه، قولتلك معلش ستين مره.
وقفت لينا لتقول بحماس حقيقي: مامي بتتصل.

في نفس التوقيت في حي المغربلين، حمدت ساره ربها أن ضيوف هنا قد أطالوا في قِعدتهم، مالت على صغيرها قائله بحب: انت واحشني اووي.
اردف هو الآخر: انتي كمان اووي ياماما.
حمسته قائله: أنا بتصل ب ليو، انت عندك اخت حلوه اووي اسمها لينا.
قطع اتصالها بإبنتها اتصال آخر فأجابت سريعا: ألو.
جاوبها الطرف الآخر سريعا: في حاجه مريبه بتحصل، نادر اتصل برضوان وقاله انه عايز يقابله كمان ساعه في المكان القديم.

معرفتيش فين المكان ده؟!
أجابها الطرف الآخر قائلا: لا معرفتش، انا حتى مش عارفه احط الجهاز اللي حامي باشا ادهولي في بطانة البدله اللي نادر هيخرج بيها، مخرجش من الأوضه خالص. ومطلبش حتى انها تروح الدراي كلين.
وبعدين يا سالي اتصرفي انا مش هعرف اجيلك دلوقتي خالص!
في نفس التوقيت وداخل المطبخ الخاص ب هنا.

ارتدت القفازات لتخرج الصينيه الساخنه بينما همهم يحيي بإعجاب جلي: هموت من الريحه، تعرفي ان انا نفسي افتح كافيه اقدم فيه ام على بس وتكوني انتي اللي عاملاها.
أطلقت ضحكاتها على آماله بينما اقترب هو من الوعاء الساخن لتزجره بتحذير: ايدك!، الصينيه سخنه مولعه، كملي لحد ماتبرد شويه.

مط شفتيه بضيق بسبب إبعادها له بينما تنهد عاليا وهو يتابع: بعد الخناقه حامي خدني عنده البيت، مكانش لسه عنده كل الامبراطورية دي، كان لسه في بداياته، بس مكانش شخص سهل، مركز في كل حاجه لدرجه تخليكي هتجنني، سنه صغير عنده شركات ده غير انه بالرغم من ان لسه مجاله مش واسع اووي الا ان اسمه معروف، اول ماخدني عنده وبمجرد ما وصلنا قالي: احكي.

اتوترت ومبقتش عارف احكي ايه اصلا، جيت احكيله عن الخناقه والسبب لقيته بيقولي لا احكيلي انت مين، قبل مااقول أي حاجه لقيته بيقولي ايه رأيك في اسم هنا، اتوترت جدا وتوتري ده أكدله اللي كان في دماغه، بعدها عرف ان انا يحيي وحكتله كل اللي حصل بالظبط، عرفني من السلسله.
نظر للقلاده ساخرا وهو يردف: اللي فضحانا في المنطقه.

ابتسمت هنا بينما تابع هو: شغلني معاه ومع الوقت اسمه ارتبط بااسمه، ساعتها كان مصر انزل مصر وتعرفي اني موجود وعايش بس انا رفضت لاني مكنتش حققت أي حاجه، وكنت شايف اني هجيلك بس لما الوقت يكون مناسب.
وشغلكم ده عباره عن ايه بقى؟!، مصدر الفلوس اللي عند حامي دي منين!
اقترب من الحامله المعدنيه ليغير مجري الحديث قائلا: أم على تلجت مش بردت بس.
نادته بتحذير: يحيي!
استدار لها قائلا: ايه؟!

استعادت حزمها قائله: حامي بيشتغل ايه؟!
مط شفتيه قائلا: استيراد وتصدير، مقاولات، أغذيه. عقارات، كل حاجه تقريبا، ده غير انه بيمول مشاريع كبيره في مصر وبره، وانا معاه في كل ده.
اقتربت منه قائله بتسائل: هو ده بس شغلكم، يعني مفيش حاجه كده ولا كده؟!
كفايه رغي بقى حقيقي مش قادر اتكلم تاني، هتجيبي ام على اللي عامله عليها حظر دي ولا امشي.
تجاهلت هروبه قائله: استني هحطلك في طبق.

التقط الصينيه بأكملها قائلا: لا انا هاخد الصينيه كلها واتصرف انا.
هرولت هنا خلفه وقلبها يرفرف فرحا على عودته من جديد لها.

حل الظلام على الأجواء، كانت البروده شديده ولكن تلك النسمات البارده تشعرك بالإنتعاش، كان حامي مازال يسير بسيارته بينما تابعت عائشة الأجواء الخارجيه باانبهار في هذه البلده التي تزورها للمره الأولى، ثوان معدوده ثم اشتدت الأمطار لتمليء الأرجاء، كان هطول الأمطار عنيفا ورائحتها منعشه، اتسعت ابتسامتها وتشبثت بالنافذه وكأنها تود اختراقها، أوقف سيارته قائلا: انزلي.

أدركت عندما لمحت ذلك المقهي الشبابي أنهما سيقبعان بداخله قليلا حتى تهدأ هوجة الأمطار.
التقطت عيناها تلك المظلة الموضوعه في السياره فأخذتها قائله: هاخد دي.
نزلت من السياره سريعا، لتفتح المظله وتقف تحت الأمطار بسعاده وهي تمد يدها لتنعشها الأمطار قائله: شايف المطر عامل ازاي هنا، دي طلعت بتتف علينا في مصر.
خرج من السياره آمرا إياها: ادخلي الكافيه.
استعطفته قائله: نقف شويه بس.

وقفت تحت الأمطار تتأمل المكان بينما ترفع تلك المظله، تأففت هو بإنزعاج بينما نفذ رغبتها ليقف جوارها.
انطلق صوت دافيء من داخل المقهي الواقفان أمامه لتصدع تلك الكلمات
أبلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله
أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه.
صرخت بفرحه وقد ابتهجت ملامحها: الله انا بحب الأغنية دي اووي، اللي بتغني جوه دي بنت عربيه.
ارتفعت بعيناها لتنظر للأمطار التي سقطت على وجهها بينما حلق قلبها مع كلمات الأغنيه.

دندنت الفتاة من جديد: ( وأن قلبي موصول برؤيته
وإن تباعد عن سكناي سكناه. )
استدار لها عندما التقطت أذنه هذه الكلمات ليتابعها بنظراته اللامعه.
(ياليته يعلم أني لست أذكره وكيف أذكره إذ لست أنساه)
استدارت له هي الآخرى، لتلتقي أعينهما، دقات قلبها العاليه ونظراته المبهمه، كأن كلمات الفتاه تتحدث هي تاركه مساحه آخرى للغة العيون.
(يامن توهم أني لست أذكره والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه).

وضع كفه على يدها وكأنما سلب عقله بينما تمتمت هي مختتمة كلمات الأغنيه ونظراتهم متحده: من يسكن الروح كيف القلب ينساه.
فاق من شروده عندما توقف صوت الفتاه، تنحنح ناطقا: يلا نمشي، المطره قلت.
قطع ذلك أحد الأصوات النسائية التي أردفت بإندهاش: مش ممكن حامي العمري هنا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة