قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية كبير العيلة الجزء الأول للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون والأخير

رواية كبير العيلة الجزء الأول للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون والأخير

رواية كبير العيلة الجزء الأول للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون والأخير

كانت تخلع السماعة الطبية حينما سمعت طرقات هادئة فقطبت وهي تدعو الطارق للدخول والذي ما إن شاهدته حتى انفرجت أسارير وجهها وقالت ببشاشة:
- أنا كمان قلت مغاوري مش ممكن يخبط بالرقة دي كلها، دا بيهد عليّا العيادة...
ابتسمت سلافة التي اقتربت من شقيقتها وقالت وهي تقف أمامها: - لاقيت نفسي زهقانه طلعت اتمشيت وقلت آجي لك هنا ونروّح سوا.

سلمى وهي تخلع معطفها الطبي وتعلّقه على العلّاقة المخصصة لذلك الموضوعة بالزاوية:
- امممم، كويّس انك خرجت عموما يعني، من يوم ما حصل اللي حصل وجدي أصدر فرمانه وأنتي حابسة نفسك في البيت زي ما تكوني خايفة تخرجي من هنا وغيث يدخله من هنا خصوصا ان جدي حدد إقامته طول ما إنتي في البيت ما يهوّبش غير بمعاد سابق!

عقدت سلافة ساعديها وقالت بابتسامة صغيرة: - بابا جد ودا ربنا يخليهولي، فيه زيّه، هو اللي عرف ييجيب لي حق صح، يعني كان منتظر إيه وهو عامل لي فيها هركليز ويخطفني وشغل جيمس بوند وقال إيه أنا لسه مراته، أهو احنا رجعنا لمرحلة الخطوبة تاني، ويبقى يقابلني لو اتجوزنا في سنتنا!

تقدمت منها سلمى وبطنها البارز واضح في فستان الحمل الذي ترتديه: - بذمتك مش صعبان عليكِ؟، شهاب كان عنده امبارح وبيقول لي غيث اتغير خالص، يا سلافة مينفعش أحلى أيامكم تضيع في العِند والمكابرة، هتندمي على الوقت دا صدقيني، خصوصا دلوقتي!

قطبت سلافة وأجابت في يربة: - وايش معنى دلوقتي يعني؟..
لتطالعها سلمى برفعة حاجب فتبرّمت سلافة وأجابت بحنق: - وبعدين تعالي هنا فكرتيني، بقه غيث صعبان عليكي صح؟، وعشان كدا كنتي بتنقليله أخباري أول بأول!

أُسقط في يد سلمى ولكنها لم تشأ الهروب من مواجهتها لم تفعلها سابقا في أي من مواقف حياتها وحتما لن تبدأ الآن مع تلك المتهورة وعاشقها المجنون!، تنفست بعمق وجابهتها قائلة بهدوئها المعهود:.

- أولا أنا برفض تلميحك أني بنقل له – وشددت على الكلمة – انا مش جاسوس عليكي له، دا جوزك، اللي حصل وبمنتهى البساطة أني أشفقت عليه لما لاقيته كل يوم بيقف تحت العمارة عندنا مستني سيادتك عشان تخرجي أو بس يلمحك!

ذُهلت سلافة وأسدلت يديها بجانبيها وهي تهتف بدهشة: - إيه؟، غيث كل يوم كان بيستنى تحت البيت؟..
تنهدت سلمى بأسى وهي تحرك رأسها يسارا ويمينا وأجابت بابتسامة ساخرة: - أيوة، ولو إني إديتو كلمتي أني ما أقولكيش حاجة، لكن لازم تعرفي غيث اتعذّب وبيتعذب أد إيه!..

سحبت نفسا عميقا ثم اقتربت من شقيقتها الصغيرة وأحاطت كتفيها بذراعها وهي تردف بحنو:
- أنا الأول شكِّيت قلت يمكن صدفة خصوصا أنه أول أيام بعد الطلاق ما كونتيش بتخرجي، لغاية ما لاقيتني بشوفه تقريبا كل ما بخرج، ولما شهاب صالحني ورجعت معاه، شوفته هنا، وفاتحته في وجوج شهاب اللي طلع عارف لأنه حضرته كان بيكون موجود معاه لدرجة أنه اتغاظ مني إني أخدت بالي من غيث وهو لأ!

وشردت بابتسامة حانية وهي تتذكر صيحة شهاب الحانقة وهو يهتف بها: - يعني بدل ما كنتي مركزة مع غيث بس كنت اضربي بعينك شمال شوية أو يمين شوية كنت هتلاقيني معاه!..

وقتها ضحك كل من غيث وسلمى على هتافه الحانق كما الأطفال تماما!، انتبهت من شرودها بعدها وتابعت:.

- ساعتها أنا اللي قلت له على كل اللي مرّ بيكي من ساعة ما رجعنا مصر، سواء في الشغل أو في أي مكان تاني، وطلبت منه أنه ما عادش يسافر تاني وأني هطمنه عليكي على طول، وفعلا أخبارك كانت عنده أول بأول مش عشان تكوني تحت عينه ويعرف الصغيرة قبل الكبيرة لأ، عشان أنا حاسيت أنه غيث بجد تعبان وقوي كمان، وأنه فعلا بيكفّر في كل دقيقة عن كلمة طايشة اتقالت في ساعة غضب، واللي حرّكها كانت شيطان في توب انسان، وللأسف كمان الانسان دا كان أمه! انتي مقدرة حجم الكارثة يا سلافة؟ لو أنتي زعلانه عشان حبيب سابك في لحظة غضب أومال هو بقه يعمل إيه؟، هو مش بس بعد عن حبيبته لأ، وعن أمه كمان! ويمكن دا السبب اللي خلّاني أسامح شهاب وأحاول أنسى وأدّيه وأدي نفسي فرصة تانية، مش عشان الطفل اللي جاي في السكة وبس لأ. عشان اللي بيننا يستاهل أننا نسامح ونغفر ونحاول مرة واتنين وتلاتة!

ارتعشت شفتي سلافة وهمست بصوت مشروخ وعينين غائمتين بدموع أبت الهطول: - وانتي فاكراني ما اتعذبتش وبتعذب في كل لحظة بتمر عليّا واحنا كدا؟ عارفة يا سلمى، التجربة اللي أنا مرِّيت بيها أنا وغيث دي خلِّيتني أعرف وأتأكد أنا أد إيه بحبه، وأوي كمان، لأني ببساطة شديدة جدا لو ما كانش حبه العمق دا في قلبي ما كونتش الى الآن حاسة بالوجع دا كله في قلبي، أنا قلبي موجوع أوي أوي يا سلمى، كان بالنسبة لي من رابع المستحيلات أنه غيث يسيبني ويرميني بكلمة مهما أنا طلبتها منه، غيث ما كانش بس جوزي لأ، كان جوزي وأخويا وصاحبي وحبيبي، كنت بدلّع عليه وأتنرفز وأطلع جناني عليه وهو بيستحملني، تمام زي الأب لما بيستحمل بنته، ولما، أمه اتهمتني إني كنت بحاول أضربها وأنا كنت بمنعها هي أنها تضربني قلت لا يمكن يصدقها، ساعتها بصّ لي بصّة عمره ما هنساها أبدا، نظرة غضب على حزن على خيبة أمل، ولما حاولت تخنق ماما وأنا فعلا لو كان جدي إتأخر شوية كنت مموتاها مموتها لأني وقتها كنت حاسة أني بموّت شيطان مش إنسان أبدا، ساعتها فعلا كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير زي ما بيقولوا وهو بيتهمني اني عاوزة أموتها وقتها ما دريتش بنفسي وأنا بطل منه الطلاق وسمعت جدي وهو بيتحايل عليه أنه ما يقولهاش.

سكتت تلتقط أنفاسها قبل أن تكمل بابتسامة مرارة وأسى: - دا حتى ما كلّفش نفسه انه يبص على الكرسي اللي ماما كانت عليه تقريبا شبه مغمي عليها، ونطقها، ياااااه يا سلمى – وكشرت بوجهها وهي تبتلع دموعها التي تهدد بالانهمار- مهما وصفت لكب تبقى صعبة إزاي مش هقدر أوصل لك احساسي وقتها كان عامل إزاي، منتهى الاهانة انك تحسي من الشخص اللي كان أقرب لك من نفسك انك برخص التراب عنده!..

سلمى وهي تمسد خصلاتها السوداء: - وانتي لما قلتي له طلقني وأكتر من مرة ما حاسش هو الاحساس دا؟، ما حاسش انه مراته وبنته وحبيبته بيعاه ومش عاوزاه؟ سلافة. غيث وشهاب صعايدة عارفة يعني ايه صعايدة؟ يعني مهما اتعلموا أو حتى سافروا أو وصلوا لأي درجة من التحضر والمدنية انتي تتخيليها جوّاهم لسه الصعيدي اللي بالجلابية والعمّة والشنب اللي يقف عليه الصقر!

ابتسمت سلافة من وسط حزنها المرسوم على وجهها فيما أردفت سلمى: - عارفة المشكلة فين؟ المشكلة أنه كل واحد منكم شايف المسألة من وجهة نظره هو بس، واللي طبعا بتطلعه انه هو المظلوم، لكن لو كل واحد فيكم حط نفسه مكان التاني أنا متأكده أنه الأمور لا يمكن كانت وصلت لكدا، وبعدين ما تنسيش أنك رديتها له وفي مقتل، بقه يا ظالمه يا مفتريه توافقي على سامي وإنتي لسه في العدة؟، ثم مش سامي دا اتقدم لك بدل من المرة تلاته ايش معنى دلوقتي اللي توافقي عليه؟..

نظرت سلافة الى سلمى باضطراب قبل أن تلعق شفتيها بتوتر ملحوظ وهي تجيبها بخفوت: - أقولك على حاجة وما تقوليش لحد؟، وخصوصا شهاب!
ابتسمت سلمى وأحنت رأسها إلى شقيقتها قائلة: - سرّك في بير يا سولي!..
ما أن انتهت سلافة من كلامها حتى شهقت سلمى بذهول صاعق ونظرت اليها بغير تصديق وهي تهتف:
- انتي بتقولي إيه يا سلافة؟ انتي أكيد اتجننتي؟..

في حين احمر وجه سلافة من تقريع أختها ولكنها أبت الاعتراف بخطئها وبدلا من ذلك تكتفت وهمست بإصرار عنيد:
- هو اللي بدأ. وأنا مش بسيب حقي أبدا، ولسّه، يا ما هتشوف مني يا غيث اكتشافات ومواهب!

جلس الجميع حول مائدة الطعام فيما عدا، غيث! تذمر الجد من خلو مقعد الأخير ومال على عثمان الذي يجلس الى يمينه وهمس:
- أني بدي أفهم. هو مش اللي خاطب ديه يعني ياجي لخطيبته ايزورها ويشوفها؟ رادي أعرِف ولدك عاوز إيه بالظبِّط؟ لا بياجي ولا بنشوفَه. أني لمن جولت ياجي في معاد سابج عشان يتجّل رجليه اهنه مش يجطعها علاولاه!

عثمان بهدوء: - أني عكلمه يا حاج...
قطع حديهما الجانبي الهامس الجدة وهي تقول بفرح: - امني حانكم كلاتكم متجمعين عشان أجولكم على آخر الاخبار...

نظر اليها الجميع بانتباه في حين رمقها الجد بنظرة عابرة وهو يعلم تماما أي قنبلة ستلقي بها زوجته التي رفضت أن تدعه يتحدث مع عثمان أولا في هذا الأمر، فقد أخبرته أنها تفضل أن تطرق الحديد وهو ساخن خاصة وأنها قد ألمحت الى عثمان بهذا الأمر فأخبرها أن هذا الحديث سابق لأوانه كما أنها متأكدة أن الحديث اليه وسط عائلته سيكون أنسب إذ سيلقى قبولا للأمر من الجميع، وجّهت نظراتها الى عثمان وأردفت بابتسامة:.

- شوف عتبجى فاضي ميتى يا عتمان يا ولدي عشان نخلّصوا موضوعك اللي سبج وجولت لك عليه...

تغير وجه عثمان في حين تبادل الباقيين نظرات التساؤل فتابعت الجدة بثقة: - بوكوم محتاج مَرَه اتكون جاره وإمعاه، وهوّ لسّاته اف عزّه، وأني شوفت له بنت الحلال اللي عتصونه وتريّح باله...

تبادل شهاب وسلمى نظرات الدهشة في حين قال رؤوف الجالس بجوار شقيقه وهو يربت على ساعده: - ألف مبروك يا عثمان يا خويا، ان شاء الله ربنا هيعوضك خير...
في حين هتف عثمان باعتراض: - يا أمّاه!
الجدة بهدوء وابتسامة صغيرة على وجهها: - خابار إيه يا عتمان يا ولدي، اعيالك ما هومّاشي أصغار، كافاياك اللي شوفتوه طول عمرك مع اللي فاتت. معتضيعشي أيامك الجايه من بين يديكي، احنا ولاد إنَّهارْدِهْ...

رؤوف بهدوء: - الحاجة معها حق يا عثمان...
ليسارع شهاب بالقول وقد استقر رأيه: - على بركة الله يا حاج، اللي يريحك احنا كلنا موافقين عليه...
سلمى بتساؤل قلِق: - حتى سلسبيل؟..
لتهتف الجدة بجدية: - سلسبيل متزوجة وعنديها بيتها وراجلها وعيالها، وأني عارفاها. عاجله. وبعدين الليث امعاها عيجف جنبيها، لمهم دلوك، أني عكلم الحاجة زينب يا حاج عبد الحميد وأشوف معاد مناسب عشان تروحوا لهم فيه...

وأنتهى الحديث في هذا الأمر بناءا على عبارة الجدة الأخيرة والتي أنهت النقاش تماما في هذا الشأن!..

كان يجلس على الزرع الأخضر يطالع في البعيد حيث المروج الخضراء المنتشرة من حوله على الضفة الثانية من فرع النيل الصغير الذي يجلس بمحاذاته، يقبض على عصا رفيعة بيده وهو يخط بضعة حروف على الرمل أمامه حين سمع صوتا يناديه، فالتفت الى الخلف وما إن أبصر صاحب الصوت حتى عاد ينظر الى الأمام ثانية ببروده الذي يلزمه منذ أن أُجبر على خطبة، زوجته!

رمى شهاب نفسه بجواره وقال وهو يلهث: - ايه يا بني. كل دا ومش سامعني؟..
أجاب غيث ببرودة وهو ينظر الى البعيد: - سامعك يا شهاب...
شهاب وهو ينظر اليه بتساؤل: - انت مقاطعنا ولا إيه يا غيث؟
ابتسم غيث بتهكّم وأجاب: - ليه يعني؟، إكمني ما باجيشي الدار؟، مش جدي أمر أنه ما خطيش إهناك إلا بمعاد؟..

قبل أن يتثنى لشهاب الاجابة استدار إليه يتابع بغيظ واضح: - أني يا شهاب؟، أني أخطب ماراتي؟، انت متصوّر انها سهلى عليّ اني أجعد امعاها وكأننا تنيين أغراب عن بعض؟، ديه ماراتيّ – مشددا على مخارج حروف الكلمة – عارف يعني إيه ماراتي؟..

شهاب وهو متخوف من ردة فعله من الأنباء التي يحملها له ولكنه آثر أن يعرفها منه قبل أن يفاجأ بها أمامه:
- احم، أومال هتعمل إيه لما تعرف باللي جدي أمر بيه؟ أو بمعنى أصح باللي هيا طلبته منه وجدي وافق عليه!..

قطب غيث في ريبة وتساؤل بخشونة: - وأيه هوّ اللي جدِّيْ أمر بيه؟..
تنحنح شهاب ورمقه بطرف عينه وأجاب: - سلافة هترجع شغلها في الديوان من بكرة!..
ليهب غيث واقفا وهو يصرخ بغضب: - كيييف!، انت بتجول إيه يا شهاب؟..

نهض شهاب بدوره ووقف أمامه وقال وهو يزفر بعمق: - اللي أنت سمعته، تقريبا سلافة حاسّة بفراغ وعاوزة ترجع الشغل طلبت منه وهو وافق، وحضرتك من بكرة هتستلم الشغل، وبيتهألي انه مينفعش انه عبد الرازق يبقى موجود وهي موجودة، انت مش ممسكه شغل الديوان كله تقريبا دلوقتي ويدوب بتروح تشرف عليه وخلاص؟!

قبض غيث على أصبع يده اليمنى بقوة وهتف من بين أسنانه المطبقة: - بجاه إكده؟، ماشي يا سلافة، لمّن أشوف آخرتها امعاكي إيه؟!..
ثم التفت الى شهاب وأردف: - عاوز أشوفها يا شهاب لوحديها، خلي سلمى تتصرّف، ما عاوزشي حد يّعرف!
أومأ شهاب بالايجاب وهو يزفر بضيق لا يعلم ما نهاية لعبة القط والفأر تلك!

تأفف غيث للمرة المائة وهي يطالع ساعة معصمه، لقد أخبره شهاب أنها ستأتي الآن لما تأخرت، لمح توأمه يقبل عليه فوق حصانه الأسود العربي، وما إن وصل اليه حتى ترجّل ووقف أمامه وبعد أن ألقى التحية سأله غيث بلهفة:
- ماجاتش يعني؟

زفر شهاب بضيق وقال بغيظ: - مراتك دي مش ممكن يا غيث، سلمى قالت لها انك عاوز تشوفها، ودلوقتي قبل ما تروح الديوان دي الفرصة الوحيدة اللي تقدر تشوفها فيها من غير ما جدي يعرف، هي كدا كدا رايحه هناك، للأسف رفضت! وقالت انها عندها شغل ولو عاوز تشوفها فعلا أي خاطب بيزور خطيبته في بيتها بعد إذن أهلها، مش سرقة بين الزراعات زي صميدة وبهانة!

قطب غيث وهتف بحنق: - باه، مين صميده وبهانه دولوم ان شاء الله؟..
شهاب وهو يحرك كتفيه علامة الجهل: - والله مش عارف يا غيث بس تقريبا شكل مراتك بتتفرج على أفلام أبيض وأسود كتير وفاكره انكم هتطلعوا تجروا ورا بعض وسط القصب!

زمجر غيث وهتف: - انت بتتريّج انت التاني؟! ماشي يا حرمي المصون، أما نشوف آخرتها امعاكي إيه؟..

وما لبث أن قفز فوق الفرس الأسود وهو يردف عاليا بينما وكز خاصرة الفرس فانطلقت تعدو: - ابجه عاود انت بجاه، اني هتصرّف!
تابع شهاب توأمه وهو يسابق الريح منطلقا الى هدفه المنشود، سلافته!

كانت تقف بجوار المكتب تمسك ببعض الأوراق فيما يقف أمامها عبد الرازق الموظف الاربعيني الذي جعله غيث بمثابة نائبا له للاهتمام بأمر الديوان، وكان يخبرها بكل ما يتعلق بالعمل حينما اندفع غيث الى الداخل حيث الباب مشرّعا وهتف بكلمة واحدة قوية فيما التفتت اليه سلافة متفاجئة من دخوله العاصف:
- اخرج...

لم ينتظر عبد الرازق أن يعيد غيث أمره فأسرع بالخروج ليغلق غيث الباب خلفه، وقفت وهي تتمسك الأوراق بقوة تقرّبها إليها وتراقب تقدمه إليها بينما شعره قد شعثته الريح وقد لاح على وجهه أمارات الغضب العنيف، كان يرتدي بنطالا أسودا من الجينز وقميصا أسود مفتوحا الى منتصف الصدر، ولاحظت أنه قد خسر الكثير من وزنه ولكنه بالمقابل قد زادت جاذبيته المهلكة!، وقف أمامها تماما مسلطا نيران عينيه عليها وهو يهمس بغضب وحشي مكتوم:.

- ما جاتيشي ليه كيف ما طلبت؟..
تمالكت سلافة نفسها وأجابت وهي تشيح بعينيها بعيدا وقد صبغ صوتها برود ثلجي: - أظن أني قلت أسبابي لشهاب، أنت سمعت جدي كويس أوي بيقول اننا مخطوبين، وأعتقد اني بحترمهم كويس أوي اني أقابل خطيبي من وراهم؟!

هتف غيث بغيظ وهو يرفع يديه الى أعلى رأسه: - انت عتجننيني؟!، خطيب إيه وبتاع إيه، أني جووووزك يا سلافة، ها، جووووزك!

هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت: - والله الموضوع دا اتكلمنا فيه كتير أوي، واتفقنا اننا ما عرفناش بعض كويس، وانه فترة الخطوبة دي عشان نشوف هنقدر نكمل مع بعض ولا لأ!

ليباغتها بالقبض على خصرها بيديه لتشهق عاليا وتحاول الافلات من قبضته المحكمة بينما يهتف بشراسة:
- واني جول تلك جبل إكده وهعيدها تانيّ. انتي ماراتي، وما عتبجيشي غير ماراتي، ايجولوا خطيبتي ما خطيبتي. انتي ماراتي، وما عتكونيش غير إكده. ما هفوتكيش واصل يا سلافة!

ثم مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة وهمس بخبث أمام وجهها الذي فرت الدماء منه: - أما بجاه من جيهة اننا ما نعرفشي بعض ديْ. فأحنا نِعرف بعض كويّس جوي. ولا أنتي ناسياه؟..

وامتدت يده تسحب منها الأوراق التي تتشبث بها وكأنها طوق النجاة، وترميها قبل أن تزحف يده الى أسفل عنقها يثبت رأسها من الخلف بينما تراقبه بذهول أفقدها القجرة على الكلام أو الحركة ثم مال بوجهه ليخطف أنفاسها بقبلة لا يمكن وصفها سوى بأنها زلزال قد ضربها ليرتج قلبها بين جوانحها بشدة فيما قدميها تهددان بسقوطها في أي لحظة!

وكما الزلزال. ينتهي في غضون دقائق مخلّفا آثارا مدمرة، كان عناقه، الذي انتهى بعد فترة قصيرة تاركا إياها وهي تحاول لملمة شتات نفسها المتناثرة!

ابتعد عنها ووقف يطالع وجهها الذي غزته الدماء فيما قالت محاولة التسلح بالهدوء الذي لا شتعر بأدنى شيء منه وذلك حينما استطاعت الحديث:
- إوعى تفكر انك تكررها تاني يا غيث، صدقني المرة دي انت خدتني على خوانه انما المرة الجاية...

ليقاطعها بابتسامة ماكرة فيما عيناه تغازلانها: - عتكون برضاكي يا حرمنا المصون!..
هتفت سلافة: - ممكن أعرف انت عاوز مني إيه بالظبط يا غيث؟..
رفع يده يساوي خصلاتها التي شعثتها أصابعه: - لسّاكي ما عارفاشي يا بت عمي؟، رايدك أنتي. ماراتي. وبتي. وحبيبتي، ودنيتي كلاتها!
شعرت بالضعف يغزوها فحاولت التمسك ببقايا مقاومة واهنة وقالت بعناد البغال: - من امتى وأنا كل دول؟..

غيث بابتسامة: - من أول يوم نضرتك فيه لمن فتحتي لي الباب وكانّك فتحتي لي باب الجنّة!..
لتفغر فمها في دهشة فانتهز غيث الفرصة وسارع بتقبيلها قبلة سريعة ليبتعد بسرعة أكبر في حين دفعته بيدها وهي تهتف بغيظ:
- انت قليل الأدب على فكرة!
غيث وهو يراقص حاجبيه الكثيفين: - جليل الأدب ديْ هعديهالك النوبة ديْ، لكن مرة تانيه عوريكي جلّة الأدب صوح!

سلافة بسخرية: - لا حول ولا قوة الا بالله. اللي يشوفك وانت داخل تقول يا شر اشتر. ما يشوفكش دلوقتي والضحكة من الودن للودن!

تجهم وجه غيث وهتف بحنق: - ما تفكّرنيشي، اني كنت جاي وناوي أطبج في زمارة رجبتك...
سلافة بتهكم: - وايه اللي خلّاك تسيب الزمارة بقه؟..
مال عليها وهمس بمكر: - شفايفك هي اللي سكّرتني، رشفة واحده منيهوم وناسيت اني كنت جاي ليه؟..
طالعته سلافة بغموض ثم أشارت الى الباب خلفه وهي تقول: - غيث. ايه رأيك في الباب دا؟..
حانت منه التفاتة الى الباب خلفه وأجاب بلا مبالاة: - مالاه؟..

سلافة ببساطة: - يا ريت تاخده في ايدك بس من برّه! يعني وانت خارج!
ليعتدل غيث في وقفته ويهدر بها غاضبا: - انتي وبعدهالك بجاه في شورتك الغبره ديْ، تبجي ماراتي وخطيبتي كيف بدي أفهم أني؟ وبعدين أني مش ماشي يا سلافة غير لمّن نشوفوا حل في لحكاية المجندله ديْ، ايه رايك بجاه؟..

هزت سلافة كتفيها بلا مبالاة: - والله براحتك، بس انت عارف جدي هيزعل إزاي، كلمته قانون لازم الكل ينفذه، لو عاوز تخالف القانون يبقى روح اتظلم عنده!

نفخ غيث بضيق وهتف فيها وهو يتجه الى الخارج: - ماشي يا سلافه، اني رايح عنديه دلوك، وعخليه ايجولك انه فرحنا الليلة يا بت عمي. يا خطيبتي...

وانصرف من أمامها لتطالع في طيفه المبتعد هامسة بابتسامة: - الليلة؟!، الليلة يا عمدة!..

- يا سلسبيل انتي بتبكي ليه دلوك؟..
هتف ليث بهذه العبارة وهو يمسد خصلات سلسبيل فيما الأخيرة تفترش صدره تبكي بدموع غزيرة، أجابت من بين غصات بكائها الحار:
- يعني، عاوزني أعرف أني أبوي الحاج عيتجوز وما أزعلشيْ؟..

نفخ اللي ثبضيق ثم قال بمهادنة: - يا جلب ليث أنتي، انتي خابره زين انه عمي عتمان معيعملشي حاجه غلط، بوكي لساته بصحِّتَه يا سلسبيل، وأمك ربنا يشفيها ما عادلهاشي عيش امعاه بعد اللي صار منيها ديه كلاته، ديه غير انه ديه رغبة جدتك، يبجى ليه الحِزن ولدموع الغالية ديْ؟..

رفعت سلسبيل وجهها ونظرت اليه بعينين منتفختين من أثر الدموع وأجابت: - صعبانه عيلّ أمي جوي جوي يا ليث، مهما كان ديه أمي برضيكي...
الليث وهو يمسح دموعها بابهاميه: - يا روح ليث انتيْ، أمك ما تزعليش منّي سلّمت نفسها للشيطان، شيطان الكره والحجد اللي ملا جلبها، وهي ماعمْلتْشي شويّهْ، وكيف ما أماتك صعبانه عليكي بووكي كومان ليه حج عليكي ولا إيه؟..

اكتفت بهز رأسها بالايجاب فتابع: - ياللا جومي اغسلي وشّك ديه وغيّري خلاجاتك خلينا نروح انزور جدي ونشوفه وتباركيلاه، المفروض اننا عنروحوا بكره عشيّه ان شاء الله عشان نجرى الفاتحه، السوالمة عيله مأصله صوح والشيخ عبد الهادي راجل ما عيتخيرش عن جدي...

هزت رأسها بالايجاب ونهضت تستعد للذهاب الى المنزل الكبير تاركة ولديها لدى عمتها والدة ليث.

لم يستطع غيث إقناع الجد بتعجيل زفافه هو وسلافة كما هدد الأخيره، وقد أخبره جده ببساطة أن العروس لم تقل رأيها الأخير بعد في أمر الارتباط به حتى كاد غيث أن يعض نواجذه غيظا وكمدا، وكان أن حاول تحاشي التواجد مع سلافة بنفردهما فهو يخشى أن ينفلت منه زمام الأمور فالمرة السابقة كان أمر ابتعاده عنها أمرا في غاية الصعوبة والهلاك بالنسبة له وهو لن يعيد الكرة ثانية!

كان في غرفة الجلوس ينتظر شقيقه حينما دلفت مهجة الخادمة مفتشة عن سيدتها سلافة بأمر من الجد والتي ما أن أخبرته بالسبب حتى هدر فيها بعنف قائلا:
- انتي يا بت انتي عم بتلهفطي بتجولي أيه؟..
وقفت الخادمة ترتعد فرائصها وهي تجيب بتعثر وخوف كاد يطبق على انفاسها: - أني ما جول، جولتش يا سي غيث، ابويا الحاج عبد الحميد جالي نادمي على ستك سلافة عشان فيه اضيوف جايينها من موصر!..

لمحت سلافة وهي تتجه اليهما فتنفست الصعداء ليقطب غيث حنقا وغيظا، قطبت سلافة التي دلفت الى الغرفة وهي ترى حال الخادمة التي تنتفض رعبا وتتفصد عرقا وقالت: - فيه ايه يا مهجة؟ ايه الحكاية يا غيث؟..
هتف غيث من بين اسنانه: - ما فيشي، انتي ايه اللي جابك دلوك؟ ، تخصرت ووقفت امامه تجيبه بكل تحد.

- يعني ايه ايه اللي جابني دلوك ديه؟، عادي خلصت شغلي في الديوان اللي حضرتك مش بتروحه الا ضيف كل يوم ربع ساعه وجيت، وانتي يا مهجة انطقي!..

أحجم لسانه بصعوبة عن الرد عليها بكلمات هوجاء فهو لا يريد أن يتراشقا بالكلمات والاتهامات أمام الخدم، أتتهمه الآن بالتقاعس عن عمله وأنها هي من تنهيه بدلا عنه؟ ما المفترض منه قوْله إذن؟ أتراها إذا ما أخبرها أنه لا يستطيع أن يجلس في مكان واحد معها يحمل عبق أنفاسها دون أن تتلصص عيناه عليها وأن تحكه يداه شوقا لملمسها ماذا سيكون ردة فعلها؟ شرد قليلا وابتسامة خفيفة تظلل فمه المظلل بلحية خفيفة وهو يهمس في نفسه أن سلافته ستصرخ وقتها متهمة إيّاه بالتحرش بها لا محالة على الرغم من أنه يحمل صفة زوجها وإن مع ايقاف التنفيذ!..

انتبه من شروده على صوت سلافة النزق وهي تهتف في مهجة التي تقف تكاد تموت رعبا منه قائلة:
- ما تتكلمي يا بنتي!
كادت مهجة تضرب نفسها وهي تهتف بداخلها: يا مورك يا موهجة يا مورك، اني عارفة وربنا. عورفت اول ما شوفت سحنته انه جاي والشر جاي اف رجليه...

هدر فيها غيث لحظتها بغضب وحشي: - ما عاوزشي أسمع صوتك واصل، اجفلي خاشمك ديه، ولكن أصرت سلافة قائلة: - انطقي يا مهجة، لتقرر مهجة أن تلقي بقنبلتها الموقوته وتفر هاربة. فاستعدت للركض وهي تلقي بجوابها الناسف: - فيه ضيف جالك من موصر والحاج جالي أنادم عليكي!
سلافة بتقطيبة: - ضيف مين؟!
مهجة وهي تضع رجلها استعدادا للاقلاع هربا: - بيجول. بيجول أنه اسميه، سامي!..

ولم يُرى من مهجة بعدها الا غابرها، في حين أن سلافة قطبت وهي تردد بحيرة: - سامي!، لتسمع صوت هسيس غضب وزمجرة وحش كاسر بالقرب منها فرفعت عينيها لتصطدم بنظرة نمر مفترسة فابتلعت ريقها بصعوبة، وعلمت، رأتها في عينيه، لقد أفلت الوحش من مربضه وهيهات أن يعود ثانية خال الوفاض!

كانت يصرخ وتركل الهواء بقديمها فيما هو يحملها فوق كتفه كجوال البطاطا، لم يلق بالا الى شتائمها وهو يحكم قبضته عليها كي لا تفلت من بين يديه، أسرع خطاه الى الداخل متجها صوب غرفته، ليقابل سلمى وسلسبيل اللتان وقفتا أمامه تهتفان بصوت واحد:
- انت بتعمل ايه يا غيث؟..
دلف من فوره الى غرفته صافقا الباب خلفه، لتقف سلمى وسلسبيل تطرقان الباب بعنف ولكن ما من مجيب، نظرت سلمى الى سلسبيل هاتفة:.

- أخوكي هيعمل ايه في أختي يا سلسبيل؟
سلسبيل بقلق: - ما عارفاشي يا سلمى، وشهاب وليث مع جدي وبوي وعمي في المُندره عشان الضيف اللي جه من موصر ديه.

سلمى بحنق: - معرفش ليه حاسة أنه المصيبة دي من تحت راس ضيف مصر دا!
ليقاطعها أصواتا عالية قادمة من داخل الغرفة لتلصق كلا من سلمى وسلسبيل آذنها على الباب رغبة في الاطمئنان على تلك الحمقاء ومجنونها الذي من الواضح انه قد فقد عقله نهائيا!

وقفت سلافة في وسط الغرفة حيث أنزلها غيث وهتفت به وهي تشير الى الباب الموصد: - افتح الباب أحسن لك وسيبني أخرج.
تقدم منها بينما تراجعت هي الى الخلف فهي لم تعد تأمن جانبه: - والله؟ ابتتكلمي بجد؟ عسيبك بسهوله اكده تجابلي غراب البين اللي رايد يخطبك؟

هتفت سلافة بحنق: - وانت مالك؟ دا ضيف وجاي وجدي لو كان شايف فيها حاجه غلط ما كانش هو بنفسه اللي بعت لي عشان أقابله!

ليهجم عليها ويقبض على ذراعيها غارزا أصابعه في لحمها الطري وهو يصرخ بشراسة: - وأني معيهمنيشي حد، أني ماعرفشي غير أنك ماراتي وانه ديه اللي كان رايدك زوجة ليه، فاهماه يعني إيه؟ يعني شافك بعين راجل رايد حرمه؟ انتي ليه امصممة تعذبيني ليه؟

وصمت لثوان أردف بعدها بحزم: - لكن لاه. أني لو كنت وافجت على لعبة لخطوبة دي فعشان أفهّمك أني رايدك ومتمسّك بيكي، لكن لو عتفهميها غلط وانه لسّات شورك ابيدك يبجى لاه يا بت عمي، وحالا عروح أشرب من دمه اللي جاي بعين جويه يخطف من ماراتي مني...

ودفعها بقوة واتجه الى الباب لتوقفه صرختها وهي تهتف بكلمات صدمته، فتسمر في مكانه، قبل أن يلتفت اليها ويتجه ناحيتها وهو يتساءل بريبة:
- انتي جولتي إيه؟
هتفت سلافة وهي تبكي: - بقول أنه محصلشي حاجة، هو مالوش ذنب، الحكاية دي من قبل ما أشوفك خالص ونيجي البلد كمان بأكتر من تلات شهور!

وقف أمامها وسحبها أليه وقال وهو يطالعها بحيرة وترقب: - وإيه اللي خلّا سلمى تجولي انه فيه عريس متجدم لك؟..
سلافة من بين شهقات بكائها: - أنا اللي قلت قودامهم انه سامي زميلي رجع يلمح لي انه عاوز يخطبني، وانا عارفة ومتأكده انه سلمى هيقول لشهاب وشهاب هيقول لك؟..

بصيص أمل بدأ بالنمو بداخله، ولم يرد استباق الأحداث وبينما كانت يداه تجذبانها بخفة أقرب إليه كان يردف متسائلا بينما قلبه يوشك على الهتاف عاليا بأنه قد ربح أخيرا:
- وليه كل اللفة الطويلة ديْ؟..

رفعت عينان مبللتان بالدموع اليه وهمست بينما ارتاحت راحتيها على صدره: - عشان تعبت!، وما عدتش قادره على برودك وبعادك عني، فكرت أني أعمل حاجة تبيّن لي انت لسّه شاري وأفرق معاك ولا خلاص، انك لما طلقتني طلاق رجعي كان عشان تدينا فرصة تانية، وانك رافض تقطع اللي بيننا ولا عشان تمشي كلمتك عليّا وتحاول تكسرني!

همس غيث بأسى وهو يمسك بيديها المفترشتان صدره: - أكسرك؟ معجولة يا سلافة؟ أني أكسرك برضيكي؟ أني اللي كت حاسس زي ما يكون حاجه كابيره جوي وعياخدوها مني غصبن عنّي، طلجتك وجتها وأنا في نيتي إنك لساتك ماراتي، عشان إكده ما جدرتش أطلجط بائن كيف ما جدرتي انك تطلبيها!

وقد نطق عبارته الأخيرة بلوم فأجابته وهي تسدل عينيها الى الاسفل: - طنت عاوزة أقطع عليا خط الرجعه في التفكير فيك، كنت فاكره انى لما هعمل كدا هطوي الصفحة دي من حياتي، لكن اللي حصل...

ورفعت عينيها اليه مردفة وهي ترسل إليه نظرات حب خالص: - انى مقدرتش، أنا مقلعتش دبلتك يا غيث، دبلتك أهي...
وفاجأته بأن سحبت سلسال رفيع من حول عنقها تخفيه أسفل ثيابها ورفعته ليرى خاتمه وهو يتدلى من السلسال، همس لها بصوت منفعل:
- وأنى دبلتك لساته في يديّ، مهما حوصل بيننا انتى جوايا ماراتي وبتي وحبيبتي. انى كت هنجن الفترة اللي فاتت ديْ يا سلافة وانى جريبة وبعيده في نفس الوجت...

ابتسمت سلافة وهمست: - لكن جابت نتيجة أهي، وأبو الهول نطق أخيرا، هو أنت ظهرت ولا بينت كرامه الا بعد ما عرفت أنه فيه عريس متقدم لي؟!

همس غيث بغيظ: - معتفكرنيش، أني كل ما أفكر انه كان فيه واحد تاني رايدك عجلي ايشط منّي!
ابتسمت سلافة وقالت بشقاوتها التي طال اشتياقه لها: - لاه. ما عيشطش منيك ولا حاجه، أني اللي كت هنجن لو ما كوتش ظهرت يا عمده...
ضحك غيث عاليا ثم مال عليها وهمس: - اتوحشتك جوي جوي يا سلافة...
همست سلافة: - وأنت كومان يا جلب سلافة...

قطب غيث وقال: - إلا بالحج ما جولتليش. يوم ما غلجت عليكي الدار خرجت كيف؟ ايه. من تحت عتبة الباب؟

ابتسمت سلافة بشقاوة ثم مدت يدها الى شعرها المكوم أعلى رأسها وأنزلتها ثانية وهي تحمل، دبوس للشعر، أمسكته بأناملها الرقيقة أمامها وهي تبتسم قائلة:
- بنس الشعر دي بيبقى لها فوايد تانية كتير غير انها تلم الشعر!
حدق فيها بذهول وهتف بغير تصديق: - أنتي...
لتكمل هي بشقاوة تتراقص بين ليل عينيها: - أيوة يا عُمده، أني طفّشت الباب! محسوبتك سلافة مهندسة كمبيوتر الصبح وطفّاشة بعد الضهر!

صمت يطالعها بدهشة قبل أن ينفجر بضحك متواصل وهو لا يكاد يصدق ما تقوله، نظر اليها بعدها وهو يقول من بين شهقات ضحكاته المتلاحقة:
- انتي كتّي بتتعلمي فين بالظبط يا بت عمي؟
سلافة بجدية تامة وأسف مصطنع: - المدرسة الكبيرة يا ولد عمي، الدنيا!
رفع يديها يقبل راحتيها وقال وهو ينظر اليها بحب: - وأني اتعلمت في مدرستك انتي يا سلافة...
همست بابتسامة ناعمة: - واتعلمت ايه بجاه؟..

أجابها بابتسامة مماثلة: - اتعلّمت أنك أغلى حاجة عِندي، وانه مش مهم أي حاجه طول ما احنا مع بعضينا، هنتخاصم تاني وتالت وعاشر كومان، لكن في كل نوبة خصام حبنا عيكون أجوى من لوّل...

وفي الخارج كانت كلا من سلمى وسلسبيل خارج الغرفة تقفان تحاولان معرفة ما يجري بالداخل، يقتلهما القلق على سلافة فوجه غيث كان لا يبشّر بأي خير وكيف لا و. سامي قد حضر خصيصا رغبة بالاطمئنان على حال سلافة وما لم يعلمه غيث ولم يعط لأيّ كان الفرصة لايضاحه أن سامي قد حضر يدعو سلافة وعائلتها لحضور حفل زفافه على رفيقة سلافة، تقى، والتي كانت السبب في تأخير سلافة تلك الليلة والتي خطفها غيث فيها!

سلسبيل بتقطيبة: - سامعه حاجه يا سلمى يا ختي؟
سلمى بتقطيبة أشد وهي تلصق أذنها بالباب: - من بعد الصراخ اللي في الأول وهس اسكت بعد كدا، ولا حاجة يا سلسبيل، ايه بيتكلموا بالحبر السري؟

لتفاجآ بصوت يقول بغلظة: - بتعملوا إيه؟
شهقتا برعب وفي حين رمت سلسبيل أخيها بنظرات استنكار هتفت فيه سلمى بحقد: - دي عامله تعملها؟ يا بني انا اعرف ستات بتولد في السابع انما في اخر الخامس ما حصلتش! ارحمني بقه من مفاجآتك دي، مال عليها يهمس أمام شفتيها:
- تدفعي كم؟
انتبهت لخجل سلسبيل فوكزته في خاصرته بقوة جعلته يتأوه ونهرته قائلة: - إتلم!

قاطعهما صوت ليث يتساءل: - فيه إيه يا جماعه واجفين إكده ليه؟
شهاب ببساطة: - نفس السؤال كنت لسه بسأله ومحدش فيهم رد عليا...
همّت سلمى بالحديث حين تناهى الى سمعها صوتا مكتوما يأتي من داخل الغرفة فأسكتت الجميع قائلة:
- هششش. استنوا...
اقترب الجميع من الباب، ليظهر صوت سلافة بوضوح يقول: - استنى بس يا غيث.

ثم صوت غيث الغليظ وهو يتمتم ببضع كلمات لم يستطيعوا تفسيرها، همس شهاب بحنق: - ايه يا غيث دا بتتكلم بسرعة 120 كلمة في الثانية!، بالراحه...
أنصتوا ثانية ليسمعوا صوت سلافة يقول بخفوت: -لا، قطبوا في حين واصلت: - استنى، قطبوا أعمق فواصلت بخفوت أكبر: - تؤ تؤ تؤ. اخص عليك يا غيث!

لتنفك تقطيبة ليث وشهاب ويرتفع حاجبيهما لأعلى بشكل متنافر، في حين زادت تقطيبة الشك لسلمى وتبادلت نظرات الحيرة والقلق مع سلسبيل، وفيما احمر وجه شهاب لكتمانه ضحكه الذي يهدد بالانفجار همس ليث بغلظة:
- جبْر يلم العفش!، ثم همس في أذن شهاب: - خوك جلع برجع الحيا خليص!
همست سلمى بقلق: - هما سكتوا ليه؟ ، أيدتها سلسبيل بحيرة: - بعد ما جالت له أخص عليك ما حطتش منطج يا نضري!

لتكتم سلمى شهقة ذعر وتهمس برجاء لشهاب: - الحقه يا شهاب لا يكون عمل فيها حاجة!
شهاب وهو يحاول طمأنتها بينما يرسل اليه الليث بنظرات مستفزة: - ما تخافيش يا حبيبتي ما حصلش حاجة.
الليث بمكر وهو يرفع حاجبه الأيمن: - متوكّد انه ما حوصلشي حاجة!
لينهره شهاب: - واه، ما تسكت سا كت يا الليث ناجصاك هيا إياك!

قطبت سلمى وقالت برعب: - طالما اتكلمت بالصعيدي يبقى انت قلقان يا شهاب! ما انت ما بتقلبش غير لما تكون قلقان او فيه حاجة غلط!

شهاب بزفرة ضيق وهو يرمق الليث بحنق فيما الاخير يكبت ضحكاته بصعوبة: - يا بنتي ما فيش.
سلسبيل بحنق: - اومال ليه جالت له اخص عليك يا غيث؟ واكيد اعملها حاجه؟
الليث بجدية زائفة: - يمكنّهم ابيلعبوا إخص عليك يا غيث؟!
سلمى باستهجان: - نعم؟ ، هتف شهاب: - أيوة يا حبيبتي دي لعبة جميلة جدا!

سلسبيل وهي تنظر الى الليث بلهفة واضحة: - ولد عمي، الليث بحب يتقافز بين مقلتيه: - اعيونه!، سلسبيل بنعومة: - أني كومان رايده ألعب!، ليقطب في لحظتها هامسا بريبة: - تِلعبي إيه؟ ، سلمى بفرح: - اخص عليك يا غيث!، ثم التفتت الى شهاب مردفة برجاء: - وأنا كمان يا شهاب عاوزة ألعب!
هتف شهاب بحنق: - تلعبي ايه انتي التانية ان شاء الله؟، لتجيبه بدلال: - اخص عليك يا غيث!

صاح معترضا ليخفض صوته بعدها هامسا بغضب: - نعم يا ختي؟ انتي بتستعبطي؟، تلعبي اخص عليك يا غيث! وانتي مالك ومال غيث!
سلمى التي فهمت طبيعة الحوار ورغبة منها في استفزازه قالت ببراءة مزيفة: - اللاه يا حبيبي. مش انت اللي قلت انه دا اسم اللعبة؟
لتهتف سلسبيل: - وانا كومان. ، الليث بتقطيبة: - وانتي كومان ايه ان شاء الله؟
سلسبيل: - ألعب اخص عليك يا غيث!

الليث باستهجان تام: - تلعبي إيه يا أم عدنان؟ ايه اللي جاب غيث إهنه؟
قطب شهاب يطالع سلمى بنصف عين قبل أن يقول وقد فهم أنها تلاعبهم بالكلمات: - لا لو على اللعب. انا عندي لعبة أحسن منها! ، ثم أحاط كتفيها بذراعه ومال عليها هامسا:
- ستين اخص عليك يا شهاب! ايه رأيك بقه؟
رفعت عينيها اليه وهمست بابتسامة أخذت بلبه وجعلته يشعر بالدماء تجري حارة في أوردته:
- موافقة طبعا!

ليقتادها سريعا وهو يرمي بكلمات استئذان من فوق كتفه فراقبتهما سلسبيل التي ضربت بقدمها في الارض كالاطفال والتفتت الى الليث هاتفة بحنق:
- يعني دلوك سلمى تلعب اخص عليك وسلافة تلعب اخص عليك وأني لاه ليه؟
ليباغتها الليث بحملها بين ذراعيه متجها بها الى الغرفة التي كانت الجدة قد أمرت بتجهيزها لهما لتكون مكانا دائما لهما في المنزل الكبير، شهقت سلسبيل بدهشة وهمست بخجل فيما يسير بها متجها الى غرفتهما:.

- واه. نزلني يا ليث حد ايشوفنا تبجى عيبه في حجنا، خليص بطلت. ماعاوزاشي ألعب!

الليث بحزم زائف وقد اقترب من غرفتهما: - على كيفك إياك هو، ألعب لاه ما ألعبش!
دلف الى الداخل وأنزلها في منتصف الغرفة ثم اتجه ليوصد الباب خلفهما بالمفتاح، طالعته بريبة، وقالت وهي تخطو الى الخلف:
- انت غلجت الباب ليه؟
رمى عصاه بعيدا ثم خلع عمامته ورماها جانبا ليلحقها بثوبه الكتاني الأبيض، واقترب منها ليعاود حملها ثانية ويلقي بها في منتصف أغطية الفراش الحريرية وهو يقول بصوت أجش:.

- عنلعب عريس وعروسة. أيه رايك بجاه؟..
همت بالاعتراض حينما أوقف اعتراضاتها بفمه المتطلب الحازم، ولم يزل يعانقها حتى تداعت حصون مقاومتها كليّة واحدا وراء الآخر واستسلمت اليه بكل رضا وحب، لينقلها معه الى عالمهما وحده، عالم الليث وسلسبيل فقط لا غير!

نظر غيث اليها وهي ترقد بجواره تبتسم بنعومة، همس لها وهو يحيطها بذراعيه: - اوعديني يا بت عمي...
همست بالمقابل: - أوعدك يا ابن عمي...
غيث وهو يميل عليها يزرع عيناه في ليل عينيها: - اننا مهما حوصل بيناتنا ما عنتفارجشي واصل، انتي ما تتصوريشي أني متضايج كيف لأني رميت عليك أبغض الحلال، كنت عتجن لو كانوا السبوعين دول فاتوم وما رادتكيشي!

تنحنحت سلافة قليلا وقالت وهي تطالعه بقلق أثار ريبته: - احم احم. ما هو العدة ما كانش فاضل فيها اسبوعين بس يا غيث!
غيث بتقطيبة حائرة وابتسامة: - اومال كم؟، أني عددهم باليوم والساعه، إيه، معجول غولطت في الايام؟!
سلافة وهي تعتدل في رقدتها ليفسح لها غيث المجال لتجلس وهي تقول بينما ترمقه بطرف عينها:
- لا ما هو، العدة. تخلص بعد أربع شهور مش اسبوعين!

قطب غيث واعتدل يجلس بجوارها فوق الفراش ويميل عليها متسائلا: - اربع شهور؟ كيف يعني ما فاهمشي؟..
لتطالعه بابتسامة مترددة ثم تمسك بيده وتضعها أسفل الغطاء لتلامس بطنها العارية وهي تهمس:
- معقولة ما حاسيتش بيه؟..
صمت غيث مذهولا لوهلة وهو يفتح عينيه واسعا بينما يده تتلمس بطنها المنتفخة ببروز صغير والذي أرجعه لاكتسابها وزنا زائدا وهمس بصوت متأثر مبحوح:
- انتي. انتي...

قاطعته تكمل عبارته: - حامل يا غيث، بيني وبين سلمى تلات أسابيع بالظبط!
ليطرحها على ظهرها فجأة جعلتها تشهق ويشرف عليها وهو يقول بغيظ: - وخبيتي عليّا يا سلافة؟، جالك جلب ما تجوليش؟..

سلافة وهي تكاد تبكي لرؤيتها للهفته وحزنه الواضحين: - ما كنتش عاوزة رجوعنا لبعض يكون سببه الواجب أو عشان فيه طفل جاي في السكة، وبعدين محدش يعرف خالص، انت أول واحد تعرف، عهد وخدته على نفسي أنه محدش يعرف قبلك يا غيث، حتى سلمى نفسها كانت شاكّة لكن أنا بردو ما رضيتش أقولها، أرجوك يا غيث ما تزعلشي مني أنا خلاص ما عدتش قادرة على زعل وخصام تاني...

أسند جبينه الى جبينها وتمتم بزفرة عميقة: - وأني كومان ما عادش فيا جدرة اني أبعد عنيكي تاني أبد، امسامحك بس على وعد منيكي انك السبعه اللي عايجوا بعد إكده ان شاء الله عتجوليلي من أول دجيجة!

دفعته في صدره تبعده عنها وهي تهتف بذهول: - نعم؟ سبعة! ليه يا عمدة. فاكر نفسك متجوز أرنبه!
غيث بابتسامة: - لاه، جطة شيرازي يا مارات العمدة!
ضيقت عينيها تطالعه قبل أن تقول ببساطة: - وليه سبعة؟، حط عليهم كمان أربعه وتبقى قفلت فريق كورة من بابه!، ناس طيبين أوي يا خال!

ليهتف غيث أمام وجهها بضحك: - جوي جوي يا خال...
ويقطف ثغرها في قبلة تحولت لعناق عاصف رمى بهما في أتون عواطف مشتعلة وتركهما يدوران في ثناياها لتبتلعهما رمال حبهما المتحركة قاذفة بهما الى عالم من الألوان المشرقة!

الخاتمة: رحبت الجدة فاطمة بالضيوف الذي جاءوا لحضور حفل عقد قرآن عثمان الخولي الى خديجة السوالمي، كانت سلافة وسلمى وسلسبيل قد انتشرن بين الحاضرات للترحيب بهن حينما نادت عليهن الجدة وهي تقدم إليهما شابة تقاربهما في العمر قائلة ببشاشة:.

- السكرة دي تبجى منة، مارات الباشي مهندز سيف ابن الشيخ عبد الهادي، والجومرات دول، – مشيرة الى بنتين صغيرتين يقاربن والدتهن في الشكل وبشدة – يبجوا هنا وفرح. بناتها!

رحبن بها واندمجت منة معهن وخاصة سلافة والتي شعرت أنها تقاربها في الشخصية، كانت تتجاذب معها أطراف الحديث حين انتبهت لسلمى وهي تهمس لها أن زوجها قد أرسل من يخبرها أنه يقف في انتظارها بالحديقة بالخارج( كان الاحتفال للرجال في خيمة كبيرة بحديقة المنزل فيما الحريم بالداخل)، استأذنت منة من سلافة والتي تعلق بها البنتين وذهبت لترى ماذا يريد سيف؟!

وقفت تتلتف يسارا ويمينا تفتش بعينيها عنه لتفاجأ بذراع تسحبها من الخلف حيث ابتلعتها ظلمة الحديقة!..

التفتت لترى سيف وهو يطالعها بابتسامة مشاكسة فنهرته قائلة: - انت مش هتبطل عمايلك دي؟ يعني هترتاح دلوقتي لما قلب يقف من الخضة؟!
ليحيط خصرها بذراعيه ويهمس أمام وجهها: - بعد الشر عليكي يا قلبي...
حاولت دفعه جانبا وهي تهتف بصوت منخفض: - سيف انت اتجننت؟ احنا مش في بيتنا هنا!

سيف وهو يميل عليها محاولا اقتناص شفتيها في قبلة يتحرق إليها: - أعمل ايه، الفرح والزيطة فكرني بفرحنا، بقولك إيه. ما تيجي نسيب العيال مع الحاجة زينب ونهر بأنا وانتي؟ تعالي نروح شارم وننزل في نفس الفندق اللي نزلنا فيه في شهر العسل فاكره؟!
نظرت اليه مضيقة حدقتيها وأجابت باستنكار: - يعني انت دلوقتي منادي عليا عشان تقولي نسافر شارم؟، سيف بجد انت كنت عاوز أيه؟

قطب قليلا محاولا التذكر ليهتف بعدها وهو يخبط جبهته براحته اليمنى: - شوفتي نستيني إزاي؟ زياد ابنك يا ستي، قعد يزن عاوزك ومعرفتش أسكته!
قطبت وقالت وهي تتلفت حوله: - وهو فين زياد؟..
أجابها: - بعد ما ناديت عليكي شهاب قعد يتكلم معاه وخده وأنا لاقيتها فرصة أني أستفرد بكي بصراحه، بقالنا تلات أيام في البلد معرفتش أقعد معاكي براحتنا خالص!

ابتسمت منة وقالت وهي تهم بالانصراف: - وانت كمان وحشتني يا حبيبي، عموما نبقى نشوف موضوع السفر دا، بيني وبينك فكرة هايلة، بس يا ريت بلاش فندق، خليه شاليه ع البحر أحسن. عاوزة أستفرد بيكي يا بيضة!

ابتسم سيف، كم يحبها، يعلم أنه لا يزال هناك أثر من الجرح بداخلها، صحيح أنه قد اندمل ولكن أثره لا يزال باقي، وهو لن يكل ولن يمل من أن يثبت لها يوميا أنه لا يوجد غيرها في حياته بل وقلبه، همس أمام شفتيها:
- تصدق يفكرة، أنا هاخدك في رحلة سفاري في الصحرا، يبقى أنا وانت وبس!
ابتسمت منة وما أن همت بالكلام حتى أسكتها بقبلة خطفت أنفاسها وابتعد وهو في شوق الى المزيد، وهمس وهو يتلمس شفتيها المنتفختين:.

- هنسافر الليلة، مش عاوز أضيع ثانية واحدة من الاجازة بعد كدا...
أومأت بالموافقة وأسرعت في العودة بينما مسح على وجهه ورسم عليه ابتسامة صغيرة واتجه الى مكان الحفل يفتش عن ولده والذي ما ان وقعت عيناه عليه حتى ركض اليه يرتمي بين ذراعيه ليرفعه سيف عاليا وهو يجلسه فوق كتفيه في حين تتدلى كل ساق على كتف من كتفيه!

انتهى عقد القرآن ورحل الجميع، كانت سلسبيل تبدل ثيابها حينما فاجئها ألم قوي بأٍفل بطنها لتنادي ليث بخفوت والذي كان بالصالة الصغيرة الملحقة بجناحهما، ونادته ثانية بصوت أعلى ليهرع اليها ويتلقاها بين ذراعيه قبل أن تهوى مغشيا عليها!
- حامل كيف يعني يا دكتورة؟ احنا واخدين احتياطتنا؟
احمر وجه سلسبيل التي شعرت بالحرج في حين نهرته والدته: - واه يا ليث!..

استأذنت الطبيبة وانصرفت ترافقها والدته، ليتجه الى سلسبيل ويجلس بجوراها وهو يرفع يدها مقبلا راحتها ويقول:
- اني ماعارفشي كيف ديه حوصل؟، انتي كتي بتاخدي الحباية يوماتي. أني كت بديهالك بيدي...

سلسبيل وهي تبعد عينيها عنه كمن يشعر بالذنب وتقضم شفتها السفلى: - ابصراحه إكده يا ليث. أني بجالي شهر ما اخدتهاشي!
ليطالعها بذهول هاتفا: - كيف ديه؟..
أسرعت تفسر بلهفة: - كنت باخدها جودامك لكن ما أبلعهاشي، وأعاودها من تاني، ليث أني مشتاجه لعيل منيك، وبعدين خليها على ربنا، أنا حاسة انه ربنا عيكسفناشي النوبة دي...

الليث ينهرها: - الدكتوورة جالت من ست اشهور السنة، وانت لساتك ما كملتيش الخمس اشهور حتى!
سلسبيل محاولة تهدئته: - يا ليث فين ايمانك بربنا؟، خلاص. اللي حوصل حوصل. ادعي انه ربنا يعوضنا خير ويرزجنا الذرية الصالحة...

احتواها بين ذراعيه وهو يدعو من قلب يخفق بسرعة عالية خوفا وهلعا على سلسبيله: - يا رب يا سلسبيل، ربنا يجومك ليا بالسلامة، أنا لو عاوز اعيال يبجى عشان منك أنتي، بطنك انتي اللي تشيلهوم، لكن أني عدنان وشبل عندي بالدنيا، وأهم حاجه صحتك انتي يا سلسبيلي...

ابتسمت سلسبيل: - ربنا ايخليك ليا يا ليثي...

ولدت سلمى رؤوف شهاب الخولي في ساعات الفجر الأولى بعد مخاض عنيف، كاد فيه شهاب أن يتسبب في صرع طاقم الاطباء جميعهم ليضطر غيث في النهاية لتهدئته بسحبه بالقوة من أمام غرفة التوليد وحبسه في استراحة المرضى لحين ولادة سلمى!، وتوعده شهاب أن يرد له المثل أثناء ولادة سلافة وقد كان، حيث ولدت سلافة رهف غيث الخولي بعد ولادة شقيقتها بأسبوعين، ونفذ شهاب وعيده لغيث بحبسه في نفس غرفة الاستراحة لحين ولادة سلافة...

احتفل الجد عبد الحميد بعقيقة أصغر أحفاده. رهف ورؤوف، وسط فرحة العائلة واليت اكتملت بنبأ حمل سلسبيل، وكانت خديجة بمثابة أم ثانية لأولاد عثمان حيث أغدقت عليهما من حنانها الأمومي خاصة وقد أحبها الجميع لجميل أخلاقها وحسن سلوكها كما أنها تحمل بين أحشائها، حفيدا جديدا لعائلة الخولي والذي كان بمثابة معجزة ربانية لها أن تحمل وتلد وهي في أوسط الأربعينيات...

صممت سلافة على الاحتفال بعيد ميلاد الجد السابع والسبعين وبينما كان الجميع يتبادلون الأحاديث المرحة فاجأ سلسبيل المخاض التي صرخت هاتفة باسم ليثها والذي هرع اليها يحملها الى المشفى يرافقه أخويها وزوجاتهما في حين تركا الأطفال في عهدة خديجة والجدة وأم ليث...

كان ليث يحفر الارض من قوة خطواته قلقا على سلسبيله، كانت الطبيبة قد قررت اجراء ولادة قيصرية فحالتها لا تسمح بالولادة الطبيعية نظرا لوضع الجنين والذي لم يعلموا جنسه بعد بناءا على رغبة سلسبيل التي رفضت وبشدة معرفته معللة بأنه هدية من الله وأنها ترضى بعطيته وتشكره عليها...

خرجت اليهم الطبيبة تبشرهم بولادة سلسبيل بنجاح وأنه سيتم نقلها الى غرفة خاصة بها، لم يهتم ليث بالسؤال عن طفله بل اندفع حين رآها وهي ترقد على السرير المتحرك متجهات بها العاملات الى غرفتها، فأسرع اليها يمسك بيدها حتى دخلن بها ليسارع بحملها ووضعها برفق فوق الفراش، انصرفن العاملات بعد أن منحهن كلام من غيث وشهاب بقشيشا سخيا، جلس الليث بجوارها يربت على شعرها المبلل بعرقها، تكلمت سلافة وهي تطالع سلمى:.

- انما الباشا فين، ولا هي هانم؟
غيث بتساؤل: - مين دول؟
سلافة ببساطة: - ما هي أكيد جابت يا باشا يا هانم؟ يا ولد يا بنت!
ليقاطعها صوت الطبيبة وهي تدلف تقول بابتسامة: - طيب ايه رأيكم في. حسن وحسين وفاطمة!
لتتعالى الشهقات، وينظر ليث مبهورا الى الطبيبة في حين ارتسمت ابتسامة شاحبة على وجه سلسبيل، هتف ليث بصعوبة:
- انتي عتجولي ايه يا دكتوورة؟!

الطبيبة بابتسامة: - ولادك يا ليث بيه، ربنا يخليهوماك، سلسبيل جابت لك حسن وحسين وفاطمة. ولا الاسامي مش عاجباكم؟!
ليهتف ليث وعيناه مسلطتان على سلسبيل: - لاه، هما حسن وحسين وفاطمة...
خلت الغرفة من الجميع بعد أن قدموا اليهما التهاني والامنيات، ليطالع الليث في وجه سلسبيل ويهمس بينما خانته دمعة وحيدة جرت على وجنته الخشنة وهو يقبل راحتها:.

- أني لو جعدت أصلي كل يوم ركعتين شكر لربنا ما عاوفيهوشي نعمه عليّا، ربنا ايجدرني وأسعدك كيف ما بتسعديني يا أم العيال!

وابتسمت سلسبيل مغمضمة عينيها، وارتكز الليث بجبينه الى جبينها.

وقف الجميع بجانب بعضهم البعض في عقيقة توائم الليث وسلسبيل الثلاث، يجلس الجد والجدة على مقعدين من الخيزران في حديقة المنزل الكبيرة يحيط بهما الأبناء والأحفاد، عثمان وزوجته خديجة والتي أوشكت على الوضع، ورؤوف وألفت وغيث وزوجته سلافة وصغيرتهما رهف، شهاب وسلمى وصغيرهما رؤوف، عدنان وكريمة، والليث وسلسبيل وصغارهما الخمسة، عدنان وشبل وحسن وحسين يحملهما الليث وفاطمة تحملها سلسبيل، بينما أمسكت وردة بالكاميرا الرقمية والتي جهزتها سلافة لالتقاط الصورة، ليبتسم الجميع وتضغط وردة زر التقاط الصورة وابتسامة الكل مشرقة كالشمس في وضح النهار ويظهر جليّا فخر الجد والجدة بأبنائهما وأحفادهما بينما يراقب الجد عبد الحميد أحفاده الصغار داعيا لهم الله أن يمنحهم التوفيق والسداد ليصبحوا ذخرا لعائلة الخولي من بعده هو كبير العيلة...

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة