قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

رواية قيود بلون الدماء للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس

كل شيئ حدث بأقل من دقائق، وكأن خطوتها خارج المنزل كانت تمامًا كخطوتها خارج إطار الدنيا بأكملها!

تم نقل تمارا إلى أقرب مستشفى بواسطة الإسعاف، كان عز ممسك بيدها ودموعها يكتمها بغزارة وهو يهمس:
-ماتسيبينيش، اوعي تسبيني، أنا هتكسر لو جرالك حاجة يا تمارا!
أبعده المسعف قليلاً وهو يقول بجدية:
-لو سمحت ابعد شوية عشان نشوف شغلنا بقا
اومأ عز مسرعًا ثم ابتعد مسافة واضحة ليباشر المسعف عمله...

وصلا المستشفى بعد قليل، وتم نقل تمارا لغرفة الطوارئ..
بينما وقف عز امام الغرفة وكأنه يستجدي القدر أن يخفف قبضته عن عنق تلك المسكينة!
أخرج هاتفه يتصل بحسن الذي اجاب بعد دقيقة تقريبًا:
-عز بنفسه بيتصل بيا، لا دا كدة في مصيبة
-فعلاً في مصيبة يا جدي
-خير يا عز حصل أية؟
-تمارا...
-مالها تمارا؟ انطق يا عز مالها!
-تمارا في حد ضربها بالرصاص واحنا في مستشفى ، دلوقتي
-انا جاي حالاً.

أغلق عز الهاتف وهو يمسح على شعره عدة مرات بقوة حتى كاد يختلعه من جذروه، يختلعه كما يشعر بروحه تٌختلع من بين ثنايا ذاك الجسد!
ظل يضرب على الحائط بيداه وهو يردد بصوت مبحوح يفوح ألمًا:
-أنا السبب، أنا اللي خليتها تسيب الخيل وتخرج، انا السبب، ياااااااااااااارب!

كان كلاً من فهد و كلارا ينتظرا نتيجة التحاليل التي أجروها عند طبيب خاص...
الصمت يعم الأجواء مشحون بتوتر، وخبايا شعور يحلق بين جوارحهم بلا هوادة!
واخيرًا اتاهم الطبيب يجلس أمامهم بهدوء ليسأله فهد مسرعًا:
-دكتور، مراتي؟
ابتسم الطبيب بجدية قائلاً:
-لا حضرتك زوجتك مافيهاش أي حاجة، ومفيش اثار لأي مرض عندها او حتى عند حضرتك!
صدمة...

تفجر الان داخل احشاؤوه سوادًا حكمته الصدمة التي غرقته كاملاً في تلك اللحظات!
من المفترض السعادة، او التهليل او لربما الإنطلاق مرفرفًا بجناحًا أعتقد دومًا أنه فُصل عنه بقسوة الظروف...
نظر له يسأله متلعثمًا وقد تناثرت الحروف كقدره الذي اصبح شظايا مفرقة:
-ازاي يا دكتور أنا، عملت تحاليل قبل كدة في مستشفى، والاعراض آآ
قاطعه الطبيب برسمية:.

-الأعراض اللي عند حضرتك لڤيروس، لكنه مش الإيدز خالص، أكيد حصل سوء فهم واكيد حضرتك مكنتش بتابع مع دكتور متخصص
هز رأسه نافيًا وهو يهمس بشرود:
-الحقيقة لا، أنا اول ما اخدت نتيجة التحاليل والدكتور قالي عن اللي فالتحاليل اخدت بعضي ومشيت وقررت اعيش اللي باقي من عمري لأهلي ومارحتش تاني وماعرفتش حد
اخبره الطبيب بجدية شابتها الاسف:.

-أحيانًا بتحصل لخبطة في التحاليل وممكن تكون اتبدلت مع مريض تاني، والكلام دا بيحصل خصوصا في المستشفيات الحكومي
اومأ فهد موافقًا، ويا ليته لم يذهب لتلك المشفى الحكومية!
والا لم يكن يقع ذلك الخطأ، الذي لا يمكن إصلاحه...!
نهض وهو يمسك بيد كلارا:
-عن اذنك ومتشكر اوي يا دكتور.

وصلا إلى منزلهم، وما إن وصلوا حتى دلفت كلارا نحو غرفتها مباشرةً دون كلمة...
تتزاحم الكلمات، والمشاعر، والحروف المعجنة بالدمار، ويبقى العقل شريد يحاول ترتيب وأصلاح ما لا يمكن إصلاحه!
بدأت تخرج ملابسها من الدولاب لتضعه في الحقيبة مسرعة بعشوائية...
ركض فهد يقف أمامها مسرعًا ممسكًا بيدها وهو يسألها مستنكرًا ما تفعله:
-أنتِ بتعملي أية يا كلارا؟!
ظلت تضع الملابس ثم أجابت بحدة:.

-بلم هدومي زي ما أنت شايف، أنا مش هقعد معاك لحظة واحدة يا فهد
سحبها من يدها بقوة حتى اصطدمت بصدره، مطارق من القلق طرقت قلبها المزموم بانفعال!
ثم همس امام وجهها مباشرةً:
-أنتِ مش هتمشي من هنا يا كلارا..
أبتسامة ساخرة أخترقت عبوس وجهها الأبيض، لتردف:
-لا والله! وأنا من امتى فارقة معاك يا فهد؟ أنت نسيت إن جوازنا مؤقت ولا اية!؟
ابتلع ريقه بتوتر، ثم أحاط وجهها بيداه وهو يهمس بحبور:.

-كنت خايف، كنت خايف نتعلق ببعض وانا عارف اني مسيري هاموت، مكنتش عايز أوجعك او اوجع اي حد، عشان كدة وافقت على جوازنا، خدت جواز اختي مبرر لعقلي، لكن قلبي ماكنش محتاج مبررات وكان عارف كويس أنا وافقت لية أتجوزك
ودون أن تحيد بعيناها سألته هامسة:
-لية!
ومن دون تردد رد:.

-عشان بحبك، بحبك اوووي يا كلارا، لا انا بعشق مش بحبك بس، كنت هتجنن لما تبقي ادامي ومش قادر اقربلك، كنت بتقطع في كل مرة اقولك فيها اني مش بعتبرك زوجة او ازعلك
اومأت موافقة وقد إستطاعت قتل تعبيراتها التي أزاحها العقل عن مستوى الشعور لتصبح تعبير بالاحتواء والاكتفاء!
ثم همست له وهي تبتعد:
-لا يا فهد، أنت أهنتني كتير وكان عندك حق، أحنا انتهينا يا فهد
وضع يده على شفتاها فجأة، ثم زجرها بغيظ رصعه الحدة:.

-هششش، لو مش مقتنعة بالزوق يبقي هتقعدي بالعافية يا كلارا وهقفل الباب بالمفتاح ووريني هتخرجي ازاي
ثم استدار ليخرج وبالفعل أغلق باب المنزل ليضع المفتاح في جيبه..
بينما إتسعت ابتسامة كلارا ما إن خرج وقد لونها الخبث الأنثوي داخلها...
اغلقت باب غرفتها بهدوء، ثم بدأت تخرج ملابسًا للعرائس كقمصان النوم!
اتجهت نحو المرحاض لتبدل ملابسها بهدوء لا ينم عن خير ابدًا..

انتهت ثم وضعت مساحيق تجميل خفيفة تبرز ملامحها الرقيقة...
فتحت باب غرفتها وخرجت منها تسير ببطئ متعمد امامه ومفاتنها متضحة من ذلك القميص القصير، جدًا!
بينما إنزلقت عيناه تتابعها بتوتر وهو يبتلع ريقه، بينما اتجهت هي نحو المطبخ دون أن تعيره اهتمام، لقد إندلعت الحرب، الحرب التي اتخذت لون الدماء!
فهمس هو بحنق:
-اهي بدأت، ربنا يستر على اللي جاي!
دلف إلي المطبخ خلفها، شعرت به هي فاستطردت متساءلة بجدية ساخرة:.

-هتعمل أية مع العروسة يا عريس؟!
تنهد بقوة، اجابته الان سترصد حصاد حياتهم القادمة..
حياتهم التي يغطيها غبار الماضي!
هز رأسه ثم اجابها بهدوء:
-مضطر أكمل لحد ما اشوف صرفة لان ميتفعش أصغر أمي قدام الناس
تركت القهوة من يدها ثم نظرت له بحدة صارخة:
-ماشي يا فهد، يبقي حالاً تطلقني
أحتضنها من الخلف بنعومة وهو يهمس مشاكسًا:
-تعالي بس نتفاهم يا حبيبي
ابعدته عنها بعنف وهي تهتف بغل:.

-انسى، أنا مش هاقعد على زمتك لحظة لو اتجوزت يا فهد
اقترب منها فجأة حتى إلتصق بها وهمس:
-بحبك..
ظلت تعود للخلف ببطئ فاقترب هو أكثر وهو يكرر:
-وبعشقك...
واخيرًا لامس ذقنه النامية بوجهها الناعم وصوته طربًا لشعور كلاهما الحارق:
-ومش قادر أبعد عنك!
كان صوت تنفسها عالي وهي مغمضة العينين، فشابك أصابعه بأصابعها ثم رفع يده الاخرى يحيط خصرها ببطئ قبل أن يرفع ذقنها بيده:
-بتحبيني.

هزت رأسها نافية فقبل رقبتها ببطئ مسير سارق لأعصاب تحكم بها العقل، ثم اردف بنفس الهمس:
-بتحبيني!
وكأنها مخدرة تمامًا قالت:
-بحبك..
لم ينتظر أكثر ليحملها مسرعًا ويسير بها نحو غرفته سابقًا، وغرفتهما سويًا!
ليضعها برقة وهو معها يتوق لها أكثر من أي شيئ...
شعور انه محلق في أفق العشق، انه طائر نال مفتاح حريته الذي يتراقص قلبه تحت ظله...!
شعور مختلف، مختلف تمامًا عن سعادة اجتاحته بالكامل يومًا!

خرج الطبيب اخيرًا من غرفة العمليات ليقترب من عز متنهدًا بهدوء فيما سارع عز وحسن بسؤاله بلهفة:
-طمني يا دكتور؟
اومأ الطبيب برأسه هادئًا:
-هي تمام نوعًا ما، الرصاصة جت في الكتف وطلعناها، والحمدلله هي ماسببتش ضرر مستديم، هاتقعد كام يوم تحت المراقبة، وبعدها تخرج معاكم بأذن الله وطبعا مش محتاج اتكلم عن الرعاية ليها
اومأ حسن موافقًا بابتسامة فرحة:
-شكرا جدا يا دكتور
قال بابتسامة مقابلة:.

-بالشفا ان شاء الله
ثم غادر بهدوء ليتنهدا الاثنان بارتياح عميق...

وبعد مرور ثلاث أسابيع...
كانت تمارا في غرفتها تجلس كالقرفضاء تتقازفها الافكار من واحدة لاخرى..
كالكىة التي تتغير وجهاتها متلاطمة بين ذلك وذاك!
دلف عز عليها فجأة فنهضت لتجلس على فراشها برفق متألم..
ثم سألته بهدوء جاد:
-خير يا عز؟!
نظر لوجهها الشاحب، عيناها التي تخفي أمطارًا مفاجأة في فصل الشتاء القاسي، عيناها تلك قصة اخرى عنوانها مفقود حتى الان...!
ومن دون تردد كان يقول:
-تتجوزيني؟

حدقت به مصدومة، لتجده يكمل بصوت أجش:
-انا عرفت ان جدي طلقك ومفيش عدة عشان هو ملمسكيش!
قال أخر كلماته بنبرة خاصة تزاحمت بلهيب محموم رسم لها لوحة صغيرة من مرقد عشق وتملك داخله...
لتنزل هي رأسها ارضًا بحياء، ليرفع وجهها يتحسسه بنعومة وهو يخبرها:
-اما تبقي مراتي، معايا دايما هاعرف أحميكي، وهاوصل للي قتل مامتك وكان عايز يقتلك يا تمارا
سألته دون تعبير واضح:
-يعني أنت عايز تتجوزني عشان كدة؟

اومأ مؤكدًا بصمت، لتتنهد هي مجيبة:
-موافقة يا عز
ابتسم عز بخفوت لينهض مسرعًا ينادي على حسن والشيخ:
-اتفضل يا مولانا، اتفضل يا جدي حسن
ثم دلف بعدهم اثنان من اصدقاء عز كشهود..
كانت تمارا مصدومة تحدق فيهم بدهشة، كيف وثق في موافقتها لتلك الدرجة؟!

وبالفعل تم كل شيئ سريعًا..
لم تفق من شرودها الا على صوت الشيخ يقول بحنو ؛
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير
تلقت التهاني من الجميع بصمت، كانت تشعر أنها وردة وسط غابة!
غابة ما إن تُريك الطريق للخروج حتى يحل عليك الظلام هكذا...!

رحل الجميع، واقترب عز منها، جلس جوارها تمامًا ثم امسك يدها متنهدًا بعمق:
-احساس مختلف، وجميل، احساس جميل اوي يا تمارا! إنك، مراتي دا آآ دا كان حلم!
ابتلعت ريقها بتوتر، ثم سحبت يدها وهي تذكره:
-أحنا اتجوزنا عشان حاجة معينة يا عز
اومأ موافقًا دون رد، رغم الحاجز الذي بقي بينهم، الا انه يعد في المرحلة الاخيرة من اجتياح ذاك الطريق!

قطع صوت هاتفه صمتهم، فأخرج هاتفه ليرى اسم تولين
آآهٍ من تلك التي ادخلها حياته هكذا فأهملها وكأنها ركن من أثاث متعفن!
أجاب بهدوء:
-الووو
صمت دقيقتان تقريبًا ثم أغلق الخط لينهض مغمغمًا:
-انا نازل شوية وراجع
اومأت دون رد، بينما غادر هو متجهًا لاسفل...
مرت دقائق ولم يعود فأثارها الفضول كذئب يوديها نحو الهاوية!

نهضت بهدوء وهي تتأوه من الألم ولكن تحاملت على نفسها فاتجهت نحو الاسفل، وما إن هبطت حتى رأت صديقته المدعوة تولين تحيط رقبته وتقبله برقة راغبة، وهو صامت، هادئ يحيطها بذراعيه!
مسحت دمعة هاربة كادت تفر من قهرها النفسي ثم ابتلعت تلك الغصة المريرة وصمتت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة