قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العاشر

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العاشر

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل العاشر

أنهت ألانا أخيرا وجبتها والتي لم تكن سوى قطع من الدجاج البارد وعصير فواكه، جمعت أغراضها والمخططات التي كلفتها ساعات طويلة من العمل لتنظر إلى ساعتها باستياء بالغ، كانت الساعة قد قاربت على الثالثة والزوجين لم يأتيا بعد...

تأففت بامتعاض وهي ترفع هاتفها مقررة الاتصال بأليساندرو، أتى صوت أشلي من الباب المفتوح، وضعت ألانا أصابعها الرقيقة في شعرها تعيد خصلاته النارية المتناثرة إلى الوراء وأعادت الهاتف إلى حقيبتها مرة أخرى، وهي تستعد لكلمات الترحيب المعتادة التي ستقولها قبل أن تلتفت إلى الباب الكبير لتتسمر في مكانها وتموت الكلمات على شفتيها...
قبل ساعات،.

اقتربت أشلي من ليام والذي كان مشغولا بحاسوبه لتطوق عضلات كتفيه القوية وتهمس بجانب أذنه باغراء:
- حبيبي ألم تنته بعد؟ لا بد أن مهندسة الديكور قد ملت من انتظارنا!
أغلق ليام الحاسوب ووضعه على الطاولة المنخفضة أمامه، قبل أن ينهض من مكانه ويقابلها بابتسامة جذابة:
- وأظن أنه ليس من اللائق أن نتركها تنتظر مدة أطول! قال وهو يعيد ارتداء سترته ويصحب أشلي نحو باب الجناح.

بعد ساعة وسط الريف الجميل، وصلا أخيرا إلى قصر الدوق أندرو، ترجل ليام وإلى جانبه أشلي والتي كانت مسحورة بالمكان بشكل واضح...
- أترى كم هو رائع ليام! ستعجب به أنا واثقة!

حرك ليام راسه بالموافقة وهو يتأمل البناء الحجري بملل واضح. كانت رؤية القصر هي آخر اهتماماته خصوصا وأنه في السنتين الأخيرتين كان يجهد نفسه في توقيع الصفقات والعمل بشكل محموم إلى أن يسقط على مكتبه من التعب، لكن أشلي كانت مصممة وهو يعرف جيدا كم هي قادرة على الحصول على ما تريده...

وضع يديه في جيبي بنطاله، وهو يتأمل الحديقة الشاسعة والتي كانت بحاجة ماسة إلى الاهتمام قبل أن يتحرك أحد حراسه لتأمين البوابة الكبيرة، وصلا أخيرا إلى باحة القصر حيث كانت الأعمال لا تزال في أولها، تعثرت أشلي وكادت أن تسقط لولا ليام الذي تدخل في الوقت المناسب مانعا ارتطامها بالأرضية...

مرت دقائق من الصمت بينهما كانت عينا ليام تسيطران عليها ببريقهما الغامض، وفجأة شعرت بالخوف، مشاعر قوية ضربتها لأول مرة منذ أن وضع خاتم الخطوبة في أصبعها، كانت تدرك جيدا أنه شخص ذكي ووسيم لغاية. وقادر على حمايتها وهذا كان كفيلا بأن تقول نعم وتوافق على الزواج منه دون حتى التفكير في الأمر...
ابتعدت عن محيط ذراعيه بسلاسة قبل أن تتجه نحو الغرفة المفتوحة حيث كانت ألانا في انتظارهما...

لحقها ليام ببساطة وهو يعيد يديه إلى جيبي بنطاله وكأن تلك اللحظة لم تعن له شيئا. كانت مشاعره باردة وحدها هي من أذابت الجليد من على قلبه وللأسف لم يكن القدر رحيما به ورحلت من حياته كما رحلت مير وطفله قبلهما. كان غائصا في أفكاره القاتمة قبل أن يعود إلى الواقع ويتسمر من الصدمة وهو ينظر إلى الملامح المألوفة التي يحفظها عن ظهر قلب والتي وقفت تتأمله برعب حقيقي...

للحظة تعطل عقل ليام من الصدمة وتسارعت الأفكار لتضج في رأسه بطريقة سريعة جعلته يجفل. قبل أن يعود إلى السيطرة على المشاعر العنيفة التي ضربته...
وتحولت الدهشة إلى نظرة غضب مشتعل وعيناه تتجولان عليها، بشعرها الناري كألسنة اللهب وعينيها الآثمتين ووجها البيضاوي والذي اختفى اللون منه تدرجيا ليحل محله شحوب مخيف، روح شيطانية خرجت للتو من الجحيم لتسخر من جرحه الدامي بلا رحمة...

ابتسم دون مرح وهو يوجه حديثه إلى خطيبته دون أن تفارق عيناه المرأة الشابة والتي تحولت إلى تمثال شمعي ملتهب:
- عزيزتي أشلي. لقد سألتني لمرات عديدة عن زوجتي الراحلة ألكسندرا. أليس كذلك؟
- أووه هذا صحيح. ردت أشلي وهي تحرك أصابعها المضطربة على كتفيها في صلاة سريعة
- أقدم لك ألكسندرا ماكسويل زوجتي المتوفاة! قال ليام بسخرية وهو ينظر إلى الواقفة أمامه وقد تحولت نظراته الباردة إلى شرر حقيقي.

التقطت ألكسندرا حقيبتها بيد مرتعشة محاولة الهرب من الموقف الخطر والذي وضعت نفسها فيه بغباء، طوال سنوات كانت قد حمت تخفِّيها وابتعدت عن الأنظار حتى أنها محت ليام من تفكيرها وأبعدته عن حياتها بشكل نهائي، لم تحاول مطلقا معرفة أخباره ولا الاطلاع على أي معلومات تخصه ببساطة كانت تحاول أن تقنع نفسها أنها ألانا جيمس مهندسة معمارية من الضواحي ولا صلة تربطها بعملاق المعلوميات الشهير ولا بزوجته المتوفاة، هوية جديدة وحياة مستقلة لها إلى جانب ابنها، كان هذا كل ما فكرت فيه منذ أن قبلت بالعرض الذي وقعت عليه منذ سنوات...

لكن كل ذلك الأمان الهش الذي حمت نفسها به كان يتهاوى سريعا وهي تنظر إلى الشخص البارد الذي وقف بكامل عجرفته كما في الماضي ينظر إليها وكأنه قادر على التلاعب بحياتها والتحكم في مستقبلها...

لملمت ألكسندرا المخططات بيد مرتعشة وسط ذهول أشلي والتي كانت تحاول فهم ما يجري حولها واندفعت نحو الخارج، وقبل أن تصل إلى الباب الذي كان ليام يسده بقامته الفارعة وجسده القوي، أطبقت يد فولاذية على معصمها وجعلتها تقترب منه بقسوة...

صرخت ألكساندرا من الألم وهي تنظر إلى التعبير الغاضب الذي كسى معالم وجهه وتطاير شعرها في الهواء مكونا هالة نارية أمام عينيها، كان ينظر إليها والشرر يتطاير من عينيه، وجهه أظلم فجاة وظهرت شخصيته الشيطانية والتي لم تكن تعرف عنها الكثير، حاولت الابتعاد عن قسوة يده دون جدوى، تلوت محاولة أن تفك يدها من قبضته، بينما اقتربت أشلي منه محاولة أن تفهم ما الذي يحصل...

- ليام بحق السماء ما كل هذا؟! هذه تكون ألانا. أتتذكر لقد حدثتك عنها من قبل!
- مخطئة عزيزتي!
قال ليام وهو يجز على أسنانه بغيض بينما حاولت ألكسندرا الظهور بمظهر قوي وهي تنظر إليه بتحد، ووسط التشجيع الذي حصلت عليه من أشلي حاولت أن تبدي اتزانا بعيدا عما كانت تشعر به وتنكر أي صلة لها بما يقوله. كانت هذه فرصتها الوحيدة للتخلص من هذا التهديد والرحيل سريعا قبل أن يكتشف سرها، أخيرا وجدت صوتها لتقول:.

- أخشى أن هناك خطأ سيدي! أدعى ألانا جايمس. أشعر بالأسف من أجل زوجتك المتوفاة. لكنني لست هي!
- أووه لا ألكسندرا! لن تفلتي بهذه البساطة!
توعدها ليام وهو يضغط على رسغها بقوة جعلت الاأم يرتسم على ملامحها قبل أن يسحبها إلى الخارج تاركا أشلي في صدمة قوية...
ظلت ألكسندرا تتلوى محاولة الافلات منه دون جدوى، كان مسيطرا عليها بقبضته القاسية قبل أن يحملها ليضعها بالقوة في سيارته ويأمر سائقه بالتحرك سريعا...

رن هاتف ألكسندرا لوقت طويل، حاولت الوصول إلى حقيبتها لتفتحها بيد مرتعشة محاولة الوصول إلى هاتفها، لينتزع ليام الهاتف من يدها بقوة ونظر إلى الاسم اللامع على الشاشة وزاد الغضب الجامح في عينيه...

كانت ألكسندرا تدعو أن لا يكون المتصل أليساندرو، فكرة ان يعرف بوجود ماسيموس جعلتها ترغب في البكاء فجأة، طوال معرفتها الوطيدة بليام لم تره في مثل هذه العصبية ومحاولة انكار أنها ألكسندرا أصبحت فكرة ساذجة فجأة، خصوصا وأن التمويه المتقن الذي غلفت شخصيتها به لم يقم بأي نتيجة فعلية فقد تعرف عليها في غضون دقائق...

وضعت ألكسندرا يدها في شعرها الناري بعصبية وهي تتأمله يغلق هاتفها ويعيده إلى الحقيبة ليلوح بها بعيدا غير تارك لها أي فرصة للاحتجاج، كانت عيناها مسمرتان على وجهه والذي لم تعد تظهر عليه أية مشاعر انسانية، كان ليام فنانا في التلاعب بالآخرين وهذا شيء لم يختف مع الوقت كما أملت...

رغم غرابة الموقف والذي كان يبعث على الضحك، بعد سبع سنوات لازال ليام نفس الشخص المسيطر، بقوته الوحشية ونظرته الداكنة، والفم الحسي الذي يبعث بدعوة سافرة إلى القبلات، أحست ألكسندرا بوخز في جسدها وحرارة تغزو وجهها، لعنت نفسها لهذه المشاعر التي كانت ترتفع بداخلها محاولة التركيز على مساوئه، تأملته بعينين زائغتين...

كان أكثر وحشية وأقسى مما تتذكر، وراء تلك الملابس الأنيقة والملامح الباردة. كان هو نفسه ليام الذي استدرجها بكل قسوة منذ سنوات لتوقع على عقد أقل ما يقال عنه أنه لاانساني، لقد باعت نفسها للشيطان مرة، وهاهو قد عاد الآن ليطالب بأرباحه فكرت وهي تعض على شفتيها بمرارة...
فكرة أنها كانت آمنة وهي بعيدة عن متناول يده أضحت بالنسبة لها مجرد حلم ساذج...

أخيرا قررت ألكسندرا كسر الصمت الذي بدأ يحرق أعصابها. فكيف ما كانت الكلمات التي ستتفوه بها في هذه اللحظة ستكون أقل وقعا من الصمت المتلاعب الذي كان ليام يستغله للاطاحة بعقلها...
- ما الذي تريده مني ليام؟ أن أجثو على ركبتي أمامك وأطلب الغفران لأني رحلت؟ لأني لن أفعل ذلك مطلقا! لقد تركتك وأنا سعيدة بفعلتي! وإذا عادت السنوات إلى الوراء سأعيدها مرة أخرى دون ندم!

ابتسم ليام ببرود وهو يعود للاسترخاء على الصوفا الجلدية الناعمة لسيارته قبل أن يتأملها وابتسامة ملتوية على شفتيه:
- سعيد أنك لم تفكري بالانكار مرة أخرى كارا فهذا سيعفينا من الكثير من الفحوصات المخبرية والتي من الواضح أنه لا طائل منها! التخفي الذي تحتمين ورائه بالكاد يعتبر تخفيا إذا ما استتنيا الخصلات النارية القريبة من مزاجك! أضاف وهو يقترب ليعبث بشعرها بحرية.

دفعت ألكسندرا يده بقسوة وهي تبتعد إلى أقصى المقعد محتمية من نظراته الحانقة والمسلطة على رأسها، ابتسم مرة أخرى بتهكم قبل أن ينظر إلى البناء الكبير والذي توقفت السيارة بقربه...
فتح السائق الباب، حاولت ألكسندرا الخروج مسرعة حين أطبقت يد ليام الفولاذية على معصمها مرة أخرى ليسحبها نحوه...
- فكري في أن تفتعلي فضيحة وسأكون أكثر من سعيد بإلجامك! قال من بين أسنانه وهو يعيدها إلى مقعدها.

أخيرا أخذت ألكسندرا حقيبتها بيد مرتعشة وهي تتبعه إلى البهو الكبير لأحد فروع مجموعته بلندن...
طوال الطريق إلى المصعد ظلت ألكسندرا محافظة على الصمت وهي تتشبث بحقيبتها وكأنها طوق نجاة، كانت تتأمل ليام والذي لم يكن يظهر عليه أي تأثر سوى عرق نابض إلى جانب فكه والذي جعلها تنكمش على نفسها بطريقة دفاعية، الله وحده يعلم ما الذي يمكنه أن يفعله بها الآن...

رن الهاتف في حقيبتها. هذه المرة قررت تجاهله. فلا نية لها في فضح سرها أمام ليام. كل ما كانت تأمله هو أن يتركها ترحل بسلام وهو ما لن يفعله بمجرد معرفته بوجود ماسيموس...
أخيرا وصلا إلى مكتبه. أشار ليام إلى حراسه بالرحيل قبل أن يضع بصمته على قفل الباب ويبتعد للسماح لها بالدخول...
- كل هذه الحراسة ليام؟ وكأنه يمكن أن تتعرض للغزو! علقت بسخرية محاولة اتبعاع خطة الهجوم.

لكنها لامت نفسها سريعا وهي تنظر إلى تعابيره الساخرة والتي قست فجأة قبل أن يقول:
- أتذكر أن آخر مرة استغنيت فيها عن طاقم الأمن لم أتعرض للغزو. لكن بالمقابل حصلت على ندوب غائرة وزوجة ميتة ولغرابة الصدف هي ماثلة أمامي الآن! وكنت أقول أن المعجزات لا تحدت أبدا! تهكم بسخرية
عضت ألكسندرا على شفتيها، كانت تحاول اغاضته لكنها جرت على نفسها تعليقات لم تكن تحتاج إليها في الوقت الراهن...

أشار ليام إلى أحد الكراسي قبل أن يقترب من الخزانة الكبيرة ويصب لنفسه كأسا ويعود إلى تأملها.
- والآن هل ستخبرينني كيف حصل هذا؟ قال ليام وهو يتكئ على مكتبه ويتأملها بنظرات غريبة.

عضت ألكسندرا على شفتيها إلى أن شعرت بمذاق الدم، كانت تبحث عن كلمات مقتضبة قد تجعل ليام يتركها بسلام، رفعت أخيرا عينيها وندمت بسرعة على قرارها، ففي نفس اللحظة التي التقت عيناها بعينينه الداكنتين والمصممتين شعرت بأنها تطلب المستحيل...
- حسنا. قالت ألكسندرا وهي تعصر أصابعها في باطن كفها لا أذكر الكثير عن تلك الرحلة. كل ما أذكره أنني استيقظت في مكان ما. مستشفى، سكتت للحظة محاولة تجميع أفكارها المشتتة.

- وبعد؟ قال ليام باهتمام ماذا بعد ليكسي؟
جعلتها الطريقة التي تلفظ بها اسمها ترتعش لا شعوريا: - كان هنالك أشخاص من مكتب التحقيقات الفيدرالي، أتوا لرؤيتي، أخبروني أننا قد تعرضنا لمحاولة اختطاف وأنك بخير. لكن كان الأفضل لكلينا لو أنني اختفيت من حياتك إلى الأبد!
تحولت النظرات الباردة في عيني ليام إلى صدمة كبيرة، وضع الكاس على المكتب قبل أن يقترب منها بخطوات متلهفة...

- هل هددوك ليكسي؟ سأل ليام وعيناه تمسحان وجهها باهتمام
حركت ألكسندرا رأسها بالنفي...
- لا! قالوا أن الأفضل لي أن أبتعد عنك، وعدوني بحياة جديدة، وأنا وافقت على الرحيل!

شعر ليام بصفعة قوية تضرب كبريائه، ملامحه كانت كالعادة لا تظهر أي مشاعر انسانية، لكن شيء بداخله تصدع، كان يأمل أن يكون مخطئا لمرة واحدة على الأقل، أراد أن يصدق أنها كانت مجبرة على الابتعاد، لوهلة أرادها أنها تحبه، لكن كلماتها كانت كخنجر مسموم طعن قلبه دون رحمة.
تقلصت عضلات جسده بقسوة وظهر التوتر على ملامحه لثوان...

رن هاتف ألكسندرا لم تستطع تجاهله مجددا، رفعت الهاتف بيد مرتعشة: - مرحبا أليساندرو. أووه يا إلهي! سأحضر حالا!
تلألأت الدموع في عينيها. وارتعشت شفتاها من الرعب قبل أن تنهض بسرعة جعلتها تترنح، أمسكها ليام باهتمام يتفرس ملامحها المرتاعة.
- من فضلك ليام، يجب علي الرحيل الآن! قالت وهي تحاول أن تتملص من قوة ذراعيه
- مستحيل! قال ليام بتأثر ما الأمر ألكسندرا؟ أخبريني!

خرجت أنَّة من الألم وخفق قلبها بقوة داخل صدرها، كيف ستخبره بأن عليها الرحيل بأن ابنها الصغير في حاجة إليها، ليس لديها القوة الكافية لمواجهة بركان الغضب الذي يمكن أن يثور بمجرد أن تخبره، ولا يمكنها البقاء بعيدا عن ابنها المتألم والذي يطالب بوجودها...
- ابني ماسيموس! يا إلهي علي الرحيل!
في المستشفى،
جلست كاترينا إلى جانب السرير الصغير تمسد شعر ماسيموس الأسود اللامع بيدين متوترتين...

- طفلي المسكين! قالت وهي تنظر إلى ملامح وجهه الصغيرة والمتألمة حتى أثناء نومه
رفعت رأسها لتنظر إلى شقيقها والذي دخل للتو.
- كيف حاله الآن؟
- لقد كان يسأل عن ألانا قبل أن تحقنه الممرضة بمسكن. لقد نام قبل قليل.
أومأ أليساندرو برأسه قبل أن يجلس إلى جانب سرير الصغير يتأمله بنظرات أبوية خالصة قبل أن يقول:.

- لقد تحدثت إلى الطبيب. الأشعة المقطعية أظهرت نزيفا ضئيلا في الفص الصدغي. سيظل ماسيموس قيد العناية النظرية الليلة لتفادي أي مضاعفات. الارتجاج الدماغي الذي أصيب به لم يكن بالسوء الذي تخيلناه. لقد سمح لي الطبيب باخراجه من المستشفى غدا.
- أووه! حمدا لله! قالت كاترينا وهي تقبل يده الصغيرة الممدودة
في طريقهما إلى المستشفى،.

كانت ألكسندرا ترتعش. فكرة أنها لم تكن إلى جانب ماكس حين أصيب جعلتها تشعر بالمرض والرغبة في البكاء...

ساد صمت كئيب طوال الرحلة إلى المستشفى وحقيقة أن ليام لم يثر في وجهها حتى الآن كان يعبر عن مدى الصدمة التي تعرض لها من معرفته بوجود ماسيموس، ملامحه قست كالكرانيت، منذ أن عرف بالسر وراء تزييف موتها، تجاهلها تماما وكأنه قد اختفت فعلا من الوجود، لم يطالبها بأي شرح ومؤكد أنه لم يكن يهتم بانهيارها ولا الدموع التي كانت تنزل صامتة على وجهها الشاحب...

كان هاتفه يومض مرات لا حصر لها دون أن يلقي عليه أي اهتمام، أشلي كان عليها الانتظار فلا رغبة له في تفسير أي شيء مما فعله...
أخيرا وصلا إلى المستشفى، قفزت ألكسندرا من السيارة بسرعة جنونية وركضت نحو باب الطوارئ، بينما ظل ليام في السيارة يتأمل رحيلها بعينين ضيقتين ومظلمتين...
لديه طفل! ألكسندرا لم تكن متواطئة فقط في تزيف موتها. لقد كانت تخفي عنه طفلا يحمل دمه، ابنه الذي لم يعرف بوجوده من قبل!

الفكرة وحدها جعلت قلبه ينبض بألم بالغ. ابتلع غصة كبيرة منعته من التنفس بينما احترقت عيناه بدموع الغضب. دموع يعرف جيدا أنها لن تنزل تحت أي ظرف. مما جعله يثور أكثر. كان يرغب بضرب أي شيء أمامه فقط للتنفيس عن غضبه المكتوم والذي أصبح قاتلا.
أخيرا ركل باب السيارة بقوة. ولحق بها إلى غرفة الطوارئ. إذا كانت تظن أنها ستتخلص منه بسهولة فهي واهمة جدا!

وصلت ألكسندرا ركضا الى الغرفة حيث كان ابنها. فتحت الباب بيد مرتعشة وانهارت على الأرض وهي تنظر إلى الجسد المسجى بسلام على السرير الأبيض بينما علت الضمادات رأسه الصغير، كانت تنتحب بصوت مسموع لدرجة جعلت أليساندرو يجثو على ركبتيه بجانبها بينما وقفت كاثرينا ونظرات من الألم تعلو وجهها.
- يكفي تيسورو! قال أليساندرو وهو يلتقطها ليطوقها بذراعيه.

طوقت ألكسندرا الذراعين الممدودتين نحوها وهي تنتحب بقوة وكأنها تطالبه بالأمان، تركها أليساندرو تنتحب بحرية على صدره إلى أن تحول بكائها أخيرا إلى نشيج...
ظل يمسد شعرها الناري وهو يهمس لها بكلمات من لغته الأم جعلتها تشعر نسبيا بالاطمئنان. قبل أن ترفع عينيها المغيمتين بالدموع وتنظر إليه.
- كيف حصل هذا؟ يا إلهي! ابني المسكين!

- مجرد حادث بسيط. أخبرها أليساندرو وهو يحملها إلى الأريكة القريبة مطوقا إياها بذراعه لقد وقع صدام بينه وبين لاعب آخر أثناء الاحماء. ثم فقد وعيه. لا داعي للقلق أضاف وهو يمسح الدموع من على وجنتيها الشاحبتين إنه مجرد حادث والطبيب عاينه وأخبرنا أنه بخير، مجرد ارتجاج بسيط وغدا سنعيده إلى المنزل...
- ما كان علي السماح له بالذهاب! لو لم يشارك في المباراة اللعينة ماكان هذا ليحصل له!

- لا تكوني سخيفة! قالت كاثرينا وهي تقترب منها مواسية لقد كنا إلى جانبه وكان مسرورا جدا. هذه أشياء تحصل ألانا. الأطفال يسقطون غالبا وفي بعض الأحيان قد يتأذون. هذا لا يعني أن نمنعهم من اللعب!
- كاثرينا على حق. أخبرها أليساندرو وهو يساعدها على الوقوف
كانت قواها خائرة بالكاد تمكنت من الاقتراب من سرير ماسيموس دون أن تنهار تماما...

في أحد الكراسي المخصصة للزوار، جلس ليام يحدق إلى الفراغ كان يستعيد شريط الساعات القليلة الماضية، لا يصدق أنه في ظرف ساعات فقط صعق بوجودها أمامه ومن ثم معرفته بوجود ابنه والذي حرمته منه لسنوات!
احساس كبير من المرارة تولد بداخله، كل تلك السنوات التي كان يشعر فيها بالذنب لفقدانها، كانت هي حية وتعيش برفاهية إلى جانب ما حرم هو منه...

اللعنة! شتم ليام وهو يعصر قبضته إلى أن استحالت مفاصلها بيضاء. ألكسندرا لم تكن تستحق ولو ذرة من المشاعر التي حملها لها بقلبه. لم يكن أشد كرها لنفسه من هذه اللحظة لقد جعلته يظهر كغبي سخرت منه وهو كالأبله ظل يرفض مسامحة نفسه على ما فعله بها بينما هي كانت تستغفله بكل وقاحة!

غلى الدم في عروقه كالنيران. كل ما يرغب فيه هو أن يطبق على عنقها ويزهق أنفاسها الآثمة بيديه. وقف بهدوء ينافي ما يشعر به واتجه نحو باب الغرفة بخطوات واسعة، سيتعرف على ابنه سيخبره بأنه والده ويعيده معه إلى الديار ولتذهب هي هذه المرة فعلا إلى الجحيم إذا رغبت بذلك!

في غرفة ماسيموس كانت ألكسندرا لا تزال تعاني من أثر الصدمة المهولة، من لقاء ليام، عودته إلى حياتها كانت بمثابة كابوس مرعب جعلها عاجزة عن التفكير. ثم وجود ابنها في المستشفى. كل ذلك أحاطها بموجات من الصدمة والخوف.
استنشقت الهواء ملئ رئتيها، فالغرفة أصبحت ضيقة فجأة واستعصى عليها التنفس، كانت تشعر بذبدبات قوية تشل حركتها...

رفعت رأسها وتشابكت عيناها بعينيه الملتهبتين كان يسد باب الغرفة المفتوح بجسده القوي بينما ظلت نظرات الكراهية الباردة مسلطة على رأسها. إنه يكرهها! لم يكن هنالك مجال لتخيل العكس.
اقترب أليساندرو من الرجل الذي ظل واقفا في مكانه كالتمثال.
- أظنك قد أخطأت الغرفة أيها السيد! قال أليساندروا بلكنته الصقلية المميزة متأملا الغريب بنظرات مشككة.

خطى ليام إلى الداخل وأعطى أليساندرو نظرة ساخرة مليئة بالبرود قبل أن يعود لتأمل ألكسندرا والتي علا الشحوب وجهها بشكل مخيف...
كل الكوابيس التي عانت منها لسنوات أصبحت حقيقية فجأة!
أووه لا مستحيل! إنها تفضل الموت على أن ترى ليام يسلبها ماسيموس! مطلقا لن تسمح له بذلك! مطلقا لن تتركه يبتزها كما فعل في الماضي!

منذ 7 سنوات كان الأمر مختلفا. كانت لا تملك شيئا. لكن الوضع تغير، فهي أكثر نضجا من السابق. وستتعامل معه كند وليس كفتاة خاضعة مثيرة للشفقة، سيتناقشان في موضوع الحضانة، وربما قد تسمح له يوما أن يكون جزءا من حياة ابنها، ومن المحتمل أن يصلا إلى اتفاق، لكن ليس بشروطه هذه المرة! الكرة في ملعبها وعليها تحديد أهدافها سريعا قبل أن يستجمع قواه ويبدأ بالهجوم!
- ليام أنت يجب أن.

- أنت ستصمتين أيتها العاهرة اللعينة! قبل أن أفكر جديا في رميك خارج هذه الغرفة! صرخ ليام وهو يجز على أسنانه بغيض
تصريحه القوي والنظرة المظلمة التي رسمت ملامحه جعلتها ترتجف لا اراديا، أليساندرو ظل واجما للحظة يجيل نظره بين ألكسندرا ورجل الاعمال الذي تعرف على ملامحه أخيرا قبل أن يحاول التدخل:
- ألانا هل تعرفين هذا الرجل؟ سأل أليساندروا بينما توترت عضلات فكه القوية بوضوح.

لم يكن الأمر يحتاج الكثير من الذكاء، فالشبه بينه وبين ماسيموس كان واضحا بشكل ملفت.
- ألانا.
أعاد أليساندرو سؤاله. لكن ما من رد، ظلت ألكسندرا تنظر إليه برعب بينما ماتت الكلمات في حلقها.
أدار ليام ظهره لهما ثم سار ليقف إلى جانب سرير ابنه يتأمل ملامحه الصغيرة. حين التفت كان من الواضح أنه سيطر على أعصابه مجددا وظهرت الابتسامة المتغطرسة والساخرة والتي لم تكن تفارق وجهه وهو يقول:.

- اسمها الحقيقي ألكسندرا ماكسويل وهي تكون زوجتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة