قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل السابع

أخدت ألكسندرا وقتا طويلا متحججة بمساعدة مير على الاستحمام، الفيلا التي استأجرتها كانت تتوفر على مدبرة منزل وخادمتين، لكن ألكسندرا كانت تحاول جاهدة خلق الكثير من الاهتمامات والاشراف على كل ما يتعلق بشقيقتها الصغيرة، كانت هذه الوسيلة الوحيدة للابتعاد عن ليام وسيطرته عليها...

حين عادت إلى غرفة المعيشة كان ليام قد اختفى، أحست بشعور غريب من الراحة فهي على الأقل تستطيع الاستلقاء دون أن تكون عينيه مركزة على رأسها وكأنه يحاول اختراقه...

رشفت من قهوتها المرة، وأعادتها إلى الطاولة قبل أن تمسك بمجلة للفنون تتأملها باهتمام، تنهدت بأسى وهي تقرأ موضوعا عن الهندسة المعمارية في الشرق الأوسط، لقد كانت منذ سنتين فقط على وشك التخرج. كانت أخيرا ستحقق حلمها، بتصميم الأبراج العالية والفنادق الضخمة، لكن الآن حين تفكر بذلك تشعر وكأنه مر على حلمها وقت طويل جدا...

لو كان والداها على قيد الحياة، أكان ليام ليبتزها كما يفعل الآن؟ أكانت لتشعر بكل هذا الخزي من محبتها لشخص بارد ومتحجر المشاعر؟ أكانت لتفقد طفلها؟
كانت غارقة في أفكارها المظلمة حتى أنها لم تشعر بالشخص الذي جلس إلى جوارها يتأمل انفعالاتها باهتمام.
- هل أنت بخير؟ سأل ليام بنبرة جادة
رفعت ألكسندرا رأسها بفزع، كان ليام يتأملها بنظرات مهتمة، انسابت الدموع غزيرة من عينيها وهي تحرك رأسها بالنفي...

ظهر تعبير غريب على وجه ليام وهي يرى ألكسندرا تبكي بألم اقترب منها وأخذها بين ذراعيه...
انصاعت ألكسندرا دون مقاومة وهي تطوق كتفيه بذراعيها وكأنها فتاة صغيرة ضائعة تبحث عن الأمان...
كان صدرها يعلو وينخفض وانفاسها الرقيقة تلهب رقبتة البرونزية القوية، لم يكن مستعدا لكل هذه المشاعر، ألكسندرا الفتاة المتحجرة الأنانية تبكي؟!
- ما الذي يحزنك ليكسي؟ أخبريني. سأل ليام بصوت طغت عليه العاطفة.

لم تستطع ألكسندر الاجابة بل زاد بكائها حدة...
أمسك ليام برأسها ورفعها لتقابل نظراته المتسائلة كانت الدموع تغطي وجهها الجميل.
- لا تبكي كريزما! لا شيء يستحق دموعك!
توقفت ألكنسدرا فجأة. وللمرة الأولى منذ دقائق تنتبه إلى قربها الكبير من ليام، كانت عيناه تلمعان ببريق غامض. وكأنها استشعرت الخطر من قربه الكبير، حاولت أن تبتعد عن محيط ذراعيه لكنه منعها وهو يضع رأسها على صدره ويزيد من تطويق خصرها إليه.

- أخبريني ليكسي. لما كل هذه الدموع؟
كيف لها أن تخبره أنه سبب حزنها؟ كيف تخبره أنها أحبته رغم كونه مستبدا قاسيا لم يقم سوى باحتقارها منذ اللحظة التي وقعت عيناه عليها؟
خانتها الكلمات كالعادة فظلت صامتة والدموع تنساب على وجهها مكونة خطوطا سوداء، أعاد ليام رأسها على صدره بعد أن فشل في الحصول على رد...
تغلغلت يداه في شعرها الأشقر وهو يعيد خصلاته النافرة إلى الوراء، قبل أن يقول بنبرة مبهمة:.

- كل شيء سيكون على مايرام ليكس صدقيني...
ظلت كلماته ترن في أذنيها لساعات طويلة حتى بعد رحيله، ما الذي كان يقصده؟ أكان يتكلم عن جراحة مير؟ أم أنه كان يعد باطلاق سراحها قريبا؟، الغريب أن فكرة الابتعاد عنه لم تجلب لها أي سعادة...
تقلبت في سريرها محاولة النوم دون جدوى، وأخيرا ومع الخيوط الأولى من الفجر أغمضت عينيها، ولم يكن ليام إلى جانبها...

في غرفة المعيشة كان ليام جالسا وحاسوبه النقال أمامه، كان يحاول تعديل الشيفرة والتي قد قاربت على الانتهاء، يشعر بالفخر أنه تمكن أخيرا من الوصول إلى صيغة معقدة صعبة الاختراق، لكن لما لا يشعر بأي سعادة؟
عادت ألكسندرا لتسيطر على أفكاره، أكانت مير سبب بكائها؟ أم خسارتها للطفل؟ أم أنه كان السبب بكل بساطة؟

زفر ليام بقوة قبل أن يفتح زر قميصه العلوي ليتخلص من ربطة عنقه، كان مقتنعا أنه كان السبب في فقدان ألكسندرا للطفل وهذا ما لم يتمكن حتى الآن من التعايش معه، شعور بالذنب يتآكله من الداخل رغم انكاره، كانت ألكسندرا لغزا قرر أخيرا أن يفك خيوطه، والطريقة الوحيدة لذلك كان معرفة ماضيها والذي لم يهتم قبل هذه اللحظة به سوى من أحاديث ميرديث العفوية والتي غالبا ماكانت تنقطع فور وصول شقيقتها...

زفر بعمق وهو يتأمل بزوغ الشمس الباهتة لجنيف، ليقرر أخيرا أنه يحتاج إلى الحصول على القليل من الراحة...
فتح ليام الباب بهدوء، كانت الغرفة غارقة في الظلام لكنه استطاع لمحها متكورة على نفسها تطلب الدفء. مشاعر قوية تضربه بمجرد النظر إلى ألكسندرا شعور لم يعرفه من قبل حتى مع أنستازيا زوجته السابقة...

في حياته كان هناك الكثير من النساء اللواتي أردنه، أن يكون مرغوبا لم يكن بالشيء جديد بالنسبة إليه، لكن أن يرغب هو بها بالطريقة التي يشعر بها الآن هو ما كان جديدا وغريبا...
اقترب من السرير بخفة حريصا على عدم ايقاظها، ووقف يتأملها للحظات قبل أن يقع نظره على العلبة الموضوعة على الطاولة إلى جانبها...

انحنى ليأخد العلبة بين يديه، حدق فيها بتمعن قبل أن تتحول نظراته المشتعلة بالرغبة إلى نظرات قاتلة، مدفوعا بغضب عارم، أزاح الغطاء عنها وهو يحرك كتفيها بعنف ويشتم بكلمات قوية.
فتحت ألكسندرا عينيها برعب، لوهلة ظنت اأها تحلم وهي تنظر إلى عيني ليام المهددتين، قبل أن تشعر بصفعة قوية جعلت خدها يتوهج...
- ما الذي تفعله هل جننت؟

صرخت ألكسندرا برعب غير مصدقة أنه نفس الانسان الذي كان يحتضنها محاولا التخفيف عنها منذ وقت قصير.
أمسك ليام بالعلبة ليلوح بها أمام وجهها قبل أن يرميها على الأرض بعنف: - أنت. أنت مخادعة حقيرة سافلة ليكمل بكلمات ايطالية لم تفهم معناها ليردف بالانجليزية يا إلهي! أليس لديك أي شرف؟
ألجمت الكلمات التي تفوه بها ألكسندرا للحظة عقلها كانت تنظر إلى العلبة بذهول لتسأله باضطراب:
- من أين حصلت على هذه؟

- أهذا كل مايهمك؟ سأل ليام بقسوة كيف عرفت بسرك القذر؟
كان وجهه مظلما من العصبية ونظراته المخيفة مسلطة على رأسها.
- لكم أرغب بخنقك بيدي أيتها الحقيرة! قال ليام وهو يشد على قبضتيه محاولا كبت رغبته القوية في ازهاق أنفاسها
انكمشت ألكسندرا رغما عنها وابتعدت لا اراديا إلى آخر طرف في السرير، كيف لها أن تشرح له الأسباب التي دفعتها لاستخدام أقراص لمنع الحمل؟

كان لديه صورة قذرة عنها بالفعل وكانت لا تملك أي وسيلة لتبديدها الآن...
في ظل التعب والألم النفسي الذي شعرت بهما، كانت قد نسيت ببلاهة أخد القرص وإخفائه كالعادة، والآن ليام يعلم، كانت متأكدة أنه سيقتص منها على فعلتها، لكنها حتى في أقصى كوابيسها لم تكن لتتخيل أنه قادر على الاقدام على ما فعله.
تحول الغضب فجأة في وجهه إلى برود ثلجي وقست عيناه بشكل مخيف، كان يخلع قميصه وهو ينظر إليها بنظرات مشمئزة.

وقبل أن تستطيع فهم حركته كان ينزعها من السرير ليطوقها بذراعيه ويشل كل دفاعاتها، رفعها وكأنها دون وزن كانت تضرب صدره وتركله بساقيها، ثبتها لتنظر إلى عينيه قبل أن يقول ببرود:
- إذا كنت ترغبين في التصرف كحيوان بري فسأكون سعيدا بترويضك!
كانت تلك كلمات المزدرية هي آخر ما تفوه به، قبل أن يطبق بفمه على فمها في عناق خال من المشاعر...

القسوة التي عاملها بها ليام، جعلت ألكسندرا تزحف بعيدا عنه لتطوق نفسها وهي تنتحب بصوت مسموع، لم يكن هنالك مشاعر في ما فعله كان فقط تعبيرا عن الغضب والامتلاك، لا مشاعر حب ولا حتى شعورا بالرغبة فقط طريقة لاخضاعها، كانت ترتجف من الداخل والخارج في احساس قوي من المهانة والضعف...

عاد ليام إلى صوابه أخيرا، نظر إليها بنظرات خالية من أي احساس، إلى أي وحش جعلته ألكسندرا يتحول، لقد أخذها بأكثر طريقة مهينة يمكن للمرأة الشعور بها...
نظرة واحدة إلى ألكسندرا كافية ليشعر باحتقار شديد لنفسه، شتم بصوت مسموع قبل أن يأخد ملابسه من على الأرض ويخرج من الغرفة هربا من جريمته، تاركا حطاما امرأة على الأرض تبكي بلوعة وألم...
بعد اسبوع في غرفة مير بالمستشفى،.

ضغطت ألكسندرا على راحة يدها حتى شعرت بالألم، عليها أن تسيطر على أعصابها وتظهر بمظهر قوي، فمير تحتاج إليها، كان كل اهتمامها منصبا على شقيقتها لدرجة أنها لم تشعر بوجود ليام والذي اقترب منها ليضع يديه على خصرها ليقربها من صدره قبل أن يهمس في أذنها بصوت خافت وحازم:
- توقفي عن التململ ألكسندرا! مير قادرة على الاحساس بخوفك وهذا ليس جيدا.

لم تحاول ألكسندرا حتى الرد عليه كانت تشعر برغبة قوية في أن تنشب أظافرها في وجهه ممزقة إياه، لكنه لم يكن الوقت المناسب، كانت مير أشد اأمية بالنسبة لها حتى من مشاعر الكره التي تكنها له...
تنحنحت وهي تبتعد عن محيط يديه بمرونة وتقترب من شقيقتها لتطوقها بحنان قائلة: - تعلمين أنها ليست أول عملية مير، لكن أؤكد لك أنها ستكون الأخيرة...

حركت الطفلة رأسها وهي تنظر إلى ليام بعينين ملأتهما الدموع قبل أن ترفع يديها إليه، شعرت ألكسندرا بقلبها يعصر بقوة من حركة مير البريئة...
اقترب ليام منها ليأخذها بين ذراعيه مربتا على شعرها بخفة: - أميرتي. ألا تثقين بي؟
- بالطبع قالت مير بهمس
- إذا فأنت تثقين أنه بعد العملية ستعودين للمشي لقد وعدتك، ستكونين قادرة على ركوب الدراجة قريبا، ألا تريدين ذلك؟

أومات برأسها علامة على الايجاب وهي تتشبت بسترته بقوة.
كان ينظر إلى ألكسندرا والتي جمدتها الصدمة واختفى اللون من وجهها، كان يسلبها كل شيء حتى حب أختها الوحيدة، أشاحت ببصرها عنه وركزت على الباب الذي فتح للتو ووقفت الممرضة التي ستجهز مير للجراحة...

نهض ليام من جانب مير الشاحبة وانحنى ليقبل وجنتها بحب قائلا: - سأكون قريبا منك، وحالما تستيقظين، سنكون بانتظارك اأنا وشقيقتك أضاف وهو يقترب ليسحب ألكسندرا إلى الخارج
حالما وصلا إلى الرواق نفضت ألكسندرا يده باحتقار وهي تقول: - لا تحاول لمسي مرة أخرى أيها الحقير! أتفهم؟!
زفر ليام بعنف، كان كل ما تقوم به مبررا، فهو حتى الآن غير قادر على النظر إليها دون الشعور بالاشمئزاز من نفسه لما فعله...

بعد أن انهت الممرضة تجهيز مير للجراحة، كان لألكسندرا القليل من الوقت لتقضيه إلى جانب مير. تحدثا عن فرحتها بكونها ستعود للمشي أخيرا، ورغبتها في ركوب الدراجة والمشاركة في نزهة على الشاطئ، كانت ألكسندرا تبتسم لها وهي تضغط على يدها الرقيقة بحنان، وأخيرا اقترب الوقت...

عانقتها ألكسندرا بحب كبير، قبل أن تبتعد وتترك لليام فرصة ليعانق مير ويعدها بنزهة طويلة على الشاطئ ما أن تعود إلى المشي مجددا، واخيرا أنى الجراح، تبادل كلمات مقتضبة مع ليام قبل أن يأمر بأخذ مير إلى غرفة العمليات.

خلال الاثني عشر ساعة التي قضتها ألكسندرا تجوب الرواق، كان ليام جالسا على أحد الكراسي يتأملها بعقل شارد، حاول أن يصحبها اِى الفيلا القريبة لترتاح، لكنها كانت مصرة على البقاء، وجهت له نظرة قاسية قبل أن تبتعد مرة أخرى وحذائها ذو الكعب العالي يقرع الأرضية الرخامية برتابة.
أخيرا أحست ألكسندرا بالاجهاد، توجهت نحو كرسي بعيد عن ليام وجلست تضع يديها في حجرها وكأنها تصلي...

بعد مرور وقت بدا لها وكأنه الدهر، فتح الباب وظهر الطبيب أخيرا، قفزت ألكسندرا من مكانها بسرعة لدرجة أنها شعرت بالدوار. طوقتها يدان قويتان من خلفها قبل أن يسحبها إلى حيث وقف الطبيب...
- كيف حالها؟
سألت ألكسندرا، وهي تنظر إلى الطبيب الذي خلع الكمامة عن وجهه باضطراب، نظراته كانت مبهمة يصعب تفسيرها، تقلبت معدة ألكسندرا وهي تنظر إلى الطبيب بعينين ملؤهما الشك، تنحنح الجراح قبل أن يقول:.

- نحن آسفون سيدة ماكسويل، لكن العملية. لم تسر كما خططنا لها...
شحبت ألكسندرا وارتعشت يداها بقوة قبل أن تقول بخيبة أمل بدت جليَّة على محياها: - هل تعني أن مير لن تستطيع المشي مجدد؟
تنهد قبل أن يشرح بأسف: - العملية كانت تسير بشكل جيد، لكننا واجهنا بعض التعقيدات، صمت قليلا قبل أن يضيف كان هنالك ورم على نخاعها الشوكي. حاولنا أن نستأصله لكن...
- لكن ماذا؟ صرخ ليام بنفاذ صبر.

- لكنه انفجر مما أدى إلى وفاة المريضة!
- لا مستحيل! صرخت ألكسندرا قبل أن تسقط على ركبتيها تصرخ كحيوان جريح أنتما تكذبان! ليام أنت تعاقبني أليس كذلك؟

رفعت رأسها لتنظر إليه غير مصدقة، كان ينظر إليها وقد فقد القدرة على الرد. هل فعلا صغيرته مير قد توفيت؟ ألن يراها بعد الآن؟ لكن الألم الذي كان يشعر به لا يمكن أن يقارن بألمها وهي جاثية عند ركبتيه تتوسله، حملها لتقف، لتمسك ياقة قميصة متوسلة مجددا أن يخبرها أنه يكذب وأن مير حية وأنه فقط يريد ايلامها على مافعلته به. مشاعرها فاقت الألم الانساني. غرس رأسها الخاضع في صدره بقوة وكأنه بذلك يرغب بامتصاص كل ألمها...

فجأة رفعت رأسها وهي تنظر إلى الطبيب بذهول: - هل فعلا مير ميتة.
لم تستطع انهاء الجملة لتسقط على الأرض وتفقد الاحساس بما حولها...

بعد مرور أيام قضتها ألكسندرا في المستشفى، كان ليام قد اهتم بكل ما يلزم لكي يعيد جثمان مير إلى الوطن حيث كان في المفترض أن تدفن في مدافن عائلة ليام الخاصة، كان يشعر بأنه استنزف داخليا وأنه على وشك الانهيار قريبا، يتذكر وعده لها بأنها ستعود للمشي مجددا، اللعنة عليه! كان للمرة الثانية متسرعا وللمرة الثانية اقترف خطئا لا يغتفر...

الجراح الذي قام بالعملية حاول اقناعه مرارا أنه بوجود ورم مماثل فحظ مير في الحياة كان ضئيل...
- سيد ماكسويل، أعلم مدى الألم الذي تشعر به لفقدان الصغيرة، لكن الورم قد اكتشف بمحض الصدفة، ومع ورم على النخاع الشوكي لم تكن الطفلة لتعيش لوقت طويل...
- لكن ماذا عن علاج بالأشعة؟ كان يمكن للورم أن يتضائل. كان يمكن لها أن تعيش لسنوات. تبا! لقد كانت مجرد طفلة صغيرة! شتم ليام بصوت مسموع.

حرك الطبيب رأسه بالنفي ليرد: - العلاج بالأشعة كان سيعرضها للكثير من الألم. والحظوظ ستكون قليلة جدا رغم ذلك...
- اللعنة! كيف أغفلنا؟! صرخ ليام وهو يعصر قبضته بعنف
- ليس من السهل اكتشاف مثل هذه الاورام. خصوصا وأن مير كانت مشلولة، وبالتالي لم تكن لتشعر بالضغط الكبير أو الألم في قدميها وهذا ما جعل اكتشافه أكثر صعوبة...

خرج ليام من مكتب الطبيب والحزن يلفه، يتذكر الأيام التي قضاها مع مير، يتنزهان، يلعبان معا. أكان هذا بمثابة وداع؟ أكانت ميريديث تودعه حتى قبل أن تكون لديها فرصة للتعرف عليه؟
لطالما شعر بواجب خفي اتجاهها، لقد أحبها منذ أول يوم، كانت جميلة، محببة وكان له خطط كبيرة من أجلها، تخيلها تمشي بحرية، تركض أو حتى تسبح في مياه المحيط، تخيل نفسه أبا لمير، ضغط على فكه بعصبية لدرجة جعلت الدماء تسيل من فمه.

لقد فقد ميرديث إلى الأبد! وهو الآن سيفقد ألكسندرا التي اصبحت بعيدة عن هذا العالم. تعيش في حزنها الذي لا يظن أنَّه سينتهي قريبا...
أنهى المعاملات المكتبية سريعا، وأرسل النعش إلى ايطاليا، حيث تكلف جده ومارغريت بالتحضير للجنازة، كانت صدمتهما تضاهي صدمة ليام لخسارة مير والتي اعتبراها جزء من العائلة، لذلك قرر فرانكو أن يسمح لليام بدفنها في مدافنهم الخاصة إلى جانب أسلافه...
في غرفة ألكسندرا بالقصر،.

دخل ليام إلى الجناح، كان يشعر بالانهاك الشديد فهو لم ينم منذ أيام، دلف مباشرة إلى الحمام وفتح المياه لتغمر الحوض الرخامي الضخم قبل أن يعود إلى حيث كانت ألكسندرا مسجاة على السرير تنظر إلى السقف بضياع، كانت قد فقدت القدرة على النطق أو التفاعل...
الطبيب النفسي الذي شخص حالتها بجنيف، كان قد أعلن أنها تعاني من انهيار عصبي حاد وأنها ستحتاج إلى علاج نفسي مكثف والكثير من الصبر في التعامل معها...

حملها بين ذراعيه قبل أن يفتح باب الحمام، أوقفها على قدميها لثوان ليخلع ثوب نومها دون أية مقاومة ويضعها في الحوض المليء بالمياه الدافئة، جلست الكسندرا صامتة وهي تنظر إلى المياه تنساب أمامها، بينما خلع ليام قميصه وجلس على ركبتيه وهو يمرر يديه على كتفيها وظهرها...
- ستكونين بخير ألكسندرا. قال ليام بصوت دافئ أنا أعدك بذلك...

حين انتهى ليام أخيرا من مساعدتها على الاستحمام، نهض ليلف الفوطة على جسدها قبل أن يفاجئ بألكسندرا تتكلم للمرة الأولى منذ رحيل مير:
- لا أستطيع! قالت ألكسندرا بصوت شبه مسموع
اقترب منها بلهفة قائلا: - ما الذي لا تستطيعينه ألكسندرا؟ أخبريني!

- لم أعد أستطيع المتابعة من دون مير. شهقت بحرقة قبل أن تضيف كانت كل ما لدي، كانت أخر شيء يهم، من أجلها كنت مستعدة للقيام بالمستحيل، حتى أنني كنت مستعدة لبيع نفسي لك. لكنها رحلت وتركتني وحيدة...
كانت كلماتها كالملح على جرح مفتوح، تصلبت عضلات ليام وظهرت الصدمة على وجهه. كانت ألكسندرا تحب شقيقتها، كانت مستعدة للتضحية بكل شيء، حتى بحياتها من أجل مير، وهو استغل هذا الحب إلى آخر رمق...

عصر على الفوطة التي كان يحملها إلى أن أصبحت مفاصل يده بيضاء، لكنه لم يكن الوقت المناسب لتبادل الشروح ولا الاتهامات، كان هنالك مأثم عليهما حضوره وحزن سيتقاسمانه، وبعدها سيكون لهما الوقت الكافي لكي يعترفا لبعضهما وربما قد تسمح له أن يكفر عن ما اقترفه في حقها بغباء...

حملها لتقف، قبل أن يضع الفوطة عليها ويحملها إلى السرير، حيث وضعها بحنان قبل أن يغادر، فهو لم يعد قادرا على النظر إلى ملامحها المعذبة دون أن يشعر بالخزي والألم من كل ما فعله.

خلال مراسيم الدفن، كانت ألكسندرا تسير إلى الكنيسة شاردة، قدماها بالكاد تحملانها واحساسها بالواقع بعيد جدا، بينما التفت يدا ليام حولها ليساعدها على الوقوف، عيناها متحجرتان، فهي ذرفت دموع قلبها وعينيها ولم يعد هنالك شيء لتذرفه...

كيف يمكن لهذا أن يكون حقيقي؟ حبيبتها ميرديث، السبب الوحيد اللذي جعلها تكافح من أجله. قد رحلت وإلى الأبد، شعور مرير بالوحدة يلفها، كانت الكنيسة ممتلئة بأشخاص غرباء، لا تعرفهم لكنهم أتوا اليوم ليشاركوها حزنها على شقيقتها...
ظلت تحدق بشرود إلى النعش حيث جسد ميرديث البارد والساكن. قاومت لكي لا تنهار ولكن حين وضع النعش أخيرا وانهال عليه التراب انهارت ألكسندرا على ركبتيها وهي تبكي بحرقة...

ليام الذي كان إلى جانبها طوقها بذراعيه وتركها تبكي إلى أن خف نحيبها قبل أن يحملها إلى السيارة ومنها إلى الفيلا حيث كان من المفروض أن تستقبل عائلة ليام التعازي...
جلست ألكسندرا على أحد الأرائك بخضوع، كانت تتأمل الجميع بعينين شاردتين، لم تشعر يوما بأنها وحيدة كما شعرت في تلك اللحظة، كانت تجول بعينيها في الوجوه الغريبة، الكل يتحدث الايطالية، يتحدثون عن ميرديث. عن شقيقتها...

كان يسرقون منها حزنها وألمها على موت مير، أرادت أن تصرخ. أن تبكي. أن تقول لهم ارحلوا. أعيدوا إلى شقيقتي
أجفلت وهي تنظر إلى الذي اقترب منها وحملها إلى الطابق العلوي ليتغفو بين ذراعيه ودموعها تنساب على وجنتيها بصمت...
عاد ليام إلى الأسفل بعد أن اطمئن إلى نومها، كانت عمته مارغريت تكلم أحد الضيوف بينما ظهر الحزن جليا على وجهها...

كانت مير بالنسبة إليها الطفلة التي لم تحصل عليها، طوال الوقت التي قضته ميرديث في ايطاليا كانت مرغريت تقريبا المسؤولة عنها وكانت سعيدة جدا بها، فمير كانت طفلة رقيقة ومحبوبة، مما جعل وقع الخسارة صعبا على كل من في القصر...
تنهدت حين وقعت عيناها على ابن شقيقها والذي لم يكن أقل حزنا، نظرة واحدة إلى الهالات السوداء حول عينيه والخطوط رقيقة قرب فكه لتعرف أنه يكابد ألما عميقا...

اقترب منها وحضنها بحب بينما أرخت رأسها على صدره منتحبة...
- لا أصدق أن مير قد رحلت عنا! شهقت مارغريت بحرقة
- يكفي عمتي، مير لم تكن تحب الحزن وبالتأكيد ما كانت لتحب رؤيتك باكية هكذا...
مسحت مارغريت عينيها وهي تسال: - كيف حال ألكسندرا؟
- منهارة. قال ليام بأسى لا تصدق للآن أن مير قد رحلت.
حرك ليام مارغريت بخفة، كان عليه أن يتلقى التعازي، رغم أن كل ما كان يرغب به هو البقاء إلى جانب زوجته ومواساتها...

انتهى العزاء أخيرا، تبادل ليام بعض الكلمات المقتضبة مع رئيس ابرشيتهم قبل أن يعود إلى جانب ألكسندرا والتي كانت نائمة بينما تحجرت الدموع على جفنيها، لم يعرف كم من الوقت قضى يتأملها قبل أن يعود إلى حاسوبه ينهي مشروعه الذي قرر أن يكون الأخير...

فألكسندرا في ظل الظرف الذي تواجهه كانت ستحتاج إلى دعمه التام، سيسافران إلى مكان هادئ، سيحاول التعرف إليها محاولة بناء حياة جديدة وربما قد يعيد إليها البسمة التي اختفت عن شفتيها مع وفاة مير...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة