قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن

منذ أن دفنت مير وليام يستيقظ كل ليلة على صراخ ألكسندرا وهي تتخبط في سريرها من الألم، كانت تمر بأقصى أنواع العذاب، فقدان شقيقتها كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت كل شياطين الماضي تندفع إلى السطح مجددا، يشعر بالمرارة لأنه كان سببا في هذه المعاناة...

مير كانت السبب الأساسي الذي جعلها تقاوم. لكن الآن مير قد رحلت ورحلت معها روح الكسندرا المتحدية، يمكنه رؤية ذلك وهو ينظر إليها منهارة أمامه، طوقها بذراعيه يضغطها إلى صدره كما اعتاد وهو يهمس في أذنها بأن الغذ سيكون أفضل.

حين استيقظ هذا الصباح، لم تكن ألكسندرا إلى جواره، رفع رأسه عن الوسائد وعيناه شبه مغمضتان من الأشعة التي تسربت من نوافذ الشرفة المفتوحة، نهض من السرير واتجه إلى الشرفة حيث كانت تتأمل البحر بشرود بينما طوقت نفسها بذراعيها...
كانت بعيدة بافكارها لدرجة أنها لم تشعر بوجوده قبل أن يأتي صوته من ورائها ويجعلها تجفل:
- هل أنت بخير ألكسندرا؟

حركت ألكسندرا رأسها لتنظر إليه. عيناها ذابلتان من البكاء. كان ليام يتأمل هشاشتها وقد تصلبت عضلاته، شهر واحد على وفاة ميرديث كان كافيا ليجعلها تنهار تماما. لم تكن هي نفسها كانت مجردة صورة باهتة وبائسة...

وضع يده ليلمس وجهها بحنان. تأملها للحظة. عظام وجنتيها البارزتين من النحول والهالات الداكنة تحت عينيها كانت شاحبة بشكل لا يوصف. لكن جميلة فكر ليام وهو مستمر بتأملها بمرارة، أراد أن يطبع قبلة على شفتيها الشاحبتين، أن يخبرها بكل الألم الذي يعصر قلبه لوفاة مير، أنه آسف على كل شيء فعله وحتى على الأشياء التي لم يفعلها، أن يقسم على تعويضها عن كل ألم تسبب به.

لكن نظرة واحدة إلى عينيها الدامعتين ألجمته وجعلت الكلمات تموت في حلقه، ألكسندرا لم تكن تحتاج إلى الاعتذار بقدر ما كانت تحتاج إلى أن تستعيد قوتها وتعود إلى الواقع...
عصر على يديه بقسوة بالغة، قبل أن يعود أدراجه ويتركها لأشباحها...

أسبوع آخر وكما حذر الطبيب الذي أشرف على حالتها، أصيبت ألكسندرا بانهيار عصبي آخر، الكل أصبح قلقا على حالتها النفسية المتدهورة وخصوصا أنها كانت مضربة عن الطعام بشكل تام، مما جعل ليام يأخذ قراره بإبعادها عن كابري...
- لا داعي للقلق عمتي. ألكسندرا وأنا نحتاج لأن نكون وحدنا لبعض الوقت. خسارة مير كانت أكثر مما يمكنها تحمله. ربما إذا غيرت محيطها قليلا قد تتحسن حالتها...

تنهدت مارغريت بصوت مسموع وهي تودع ابن أخيها: - اهتم بها ليام. أنت لا تعرف كيف هو احساس فقدان شخص مقرب. مير كانت أختها الوحيدة...

حرك ليام رأسه موافقا. كان قد فقد الكثير من الأشخاص في حياته. لدرجة أنه لم يعد يهتم لكن وفاة مير ترك شرخا عميقا في قلبه. لم يظن يوما أنه سيهتم لأي شخص غيره وهو الذي عوَّد نفسه على الحياة وحيدا، لكن مير كانت كنسمة صيف حلت على حياته الباردة لتبعث في مشاعره الحياة، والآن حين يتذكرها لا يشعر سوى بألم حاد يعتصر قلبه، وخصوصا وألكسندرا هنا لتذكيره كل يوم كلما تأمل ملامحها الشاردة والمعذبة...

أخيرا سحب نفسه من بين ذراعي عمته واقترب من حيث وقف جده وتقطيبة مخيفة تعلو جبينه.
- جدي.
- ليام. قال العجوز وهو يتفرسه باهتمام قبل أن يقول بصوت حاد وعصبي لماذا قررت أن تقلص طاقم الحراسة دون حتى الرجوع إليَّ؟
- جدي لا تبدأ من فضلك!
طلب ليام بنفاذ صبر فقد كان آخر همه الآن طاقم الحراسة المكلف بحمايته فكل اهتمامه كان منصبا على ألكسندرا والتي بدأت تفقد الرغبة في الحياة...

- إنه أمر خطير ليام! أضاف العجوز وهو يقترب منه بحيث أصبح صوته خافتا المشروع لم يسلم إلى الآن، هذا يعني أنك ستحتاج إلى كل الحراسة الممكنة. طالما الشيفرة بحوزتك فأنت تعرض حياتك وحياة من حولك للخطر!
تأمل ليام جده بعينين باردتين قبل أن يعود للنظر إلى حيث كانت ألكسندرا واقفة كالمومياء ولا يبدو أنها سمعت حرفا مما يدور حولها...

- لا داعي للقلق جدي كل شيء تحت السيطرة، فور وصولي إلى الولايات المتحدة سأسلم الشيفرة ومن هناك سأكون حرا للاهتمام بألكسندرا...
زفر العجوز بضيق كان يعرف أن حفيده عنيد جدا. وأن أي ضغط عليه في مثل هذا الظرف لن يجلب سوى نتائج عكسية. لذلك لم يصر على اضافة حارسين أو أكثر للطاقم الجديد والذي لم يكن سوى حارسه الشخصي المقرب أوليفر وسائقه...

كانت فكرة ليام أن ألكسندرا، ستحتاج إلى كل الحميمية الممكنة للتعامل مع حزنها. آخر شيء كان يريده هو ازعاجها بمزيد من القيود والحراسة المشددة، كان يرغب بأن تشعر بالحرية، وبالراحة لكي تستطيع اجتياز حزنها والتعامل معه، اضافة إلى أنه كان يحاول التقليل من الشكوك التي ستحوم حوله إذا ما قام بالعكس وأوليفر كان في القوات الخاصة البريطانية لسنوات ومدرب على التعامل مع أي هجوم محتمل كيفما كان نوعه، هكذا أقنع ليام جده قبل أن يغادر الفيلا نحو المطار حيث كان طاقم طائرته الخاصة في انتظاره...

أخيرا ودع ليام كابري متجها صوب نيويورك، حيث كان يجب عليه حضور مجموعة من الاجتماعات الطارئة، قبل أن يوكل إدارة المجموعة إلى المدير التنفيذي مع تعليمات صارمة بتعليق أي مشاريع جديدة إلى حين عودته، المال لم يكن يوما من اهتمامات ليام، كان اهتمامه دائما منصبا على الابتكار والتجديد، وربما أكثر على التحدي...

الأن طائرته الخاصة تتجه صوب جزر الكاريبي، حيث كانت ألكسندرا ستنتظره لحين عودته من لانغلي مقر وكالة السي أي أي.

اقتربت المضيفة الجديدة من ليام ووضعت محتوى صينيتها على الطاولة أمامه ووقفت للحظات تنتظر أوامره الجديدة. رفع ليام رأسه وتأملها لثوان قبل أن يصرفها باشارة من يده. كان يعرف طاقم طائرته جيدا فهو تقريبا لم يكن يستقر في مكان واحد لمدة طويلة. وجه الفتاة لم يبد مألوفا بالنسبة له لكنه لم يهتم. كان عليه اجراء الكثير من الاتصالات المهمة ومن ثم عليه الاعتناء بألكسندرا...

بعد ساعتين من العمل، قرر ليام أنه يحتاج القليل من الراحة، أغلق حاسوبه بحرص، قبل أن ينسحب إلى مؤخر الطائرة حيث كانت زوجته تنام...

وقف يتأملها وللحظة شعر بوخز حاد في قلبه، كانت هشة بدرجة مخيفة. كيف كان غافلا عن حقيقة أن ألكسندرا بريئة من كل اتهام مجحف ألصقه بها منذ أول يوم شاهدها فيه، نظرته السطحية لجمالها كانت نتيجة تجربة مريرة جعلته يعتقد أن كل الفاتنات باحثات عن المال ويقمن باستغلال جمالهن للحصول عليه، أدانها وسلب حريتها، احتقرها بسبب أشياء لم تكن مسؤوله عنها، ذنبها الوحيد أنها كانت فاتنة بدرجة مؤلمة غلطتها كانت أنها أحبت شقيقتها لدرجة جعلتها تضحي بكل شيء في سبيل اسعادها، وهو بجبروته وغروره جردها من كل حقوقها كزوجة وحتى كأم...

- حقير. بائس. ولقيط! شتم ليام وهو يعصر فكه بعصبية
شعور من الندم والاحتقار والخجل من نفسه ينتابه. كلما نظر إلى ألكسندرا الضعيفة المستلقية أمامه. يكفي أنه كلما نظر إليها يرى اتهامها الصامت ورغبتها الدفينة بزواله إلى الأبد، كان المسؤول وصاحب القرار في عملية مير. والآن مير رحلت ولا سبيل لتغيير هذا الواقع...

لكنه لم يكن لييأس بهذه السهولة! سيعيد لألكسندرا حياتها. سيمنحها حبه وثقته الكاملة. سيعوضها عن حرمانها من مير وربما. ربما في يوم من الأيام قد تستطيع النظر إليه دون أن تشعر بالكراهية نحوه...
هذا الأمل الصامت دغدغ قلبه وجعله يتمنى لو يقترب منها ويأخدها بين ذراعيه ولكن حتى هذا كان ليزيد من نفورها منه خصوصا بعد الطريقة الوحشية التي امتلكها بها في جنيف...

كان غارقا في تفكيره لدرجة أنه لم يشعر بالشخص الذي كان يقترب منه...
فجأة ودون أي مقدمات شعر ليام بحركة ورائه. حاول أن يلتفت بسرعة. قبل أن يشعر بضربة قوية على رأسه أفقدته الوعي وسقط على الأرض دون حراك...

حين فتح عينيه تمكن رغم ضبابية الرؤيا من حوله أن يرى أنه لم يعد في غرفة النوم. حاول تحريك يديه قبل أن يشعر بالدم يتجمد في عروقه. يداه كانتا مقيدتان باحكام. كان يحلل الوضع سريعا وهو يغمض عينيه بقوة ويفتحهما في محاولة منه لاستعادة بصره. فتح عينيه مرة اخرى وتجمد من الصدمة...

ألكسندرا مكبلة إلى أحد الكراسي. رأسها مستلق إلى الوراء دون حركة، بينما جثه أوليفر مكومة إلى جانبها والدماء تغطيها، حاول ليام فك قيوده دون جدوى آلاف السيناريوهات تدور بعقله شتم وهو يحاول زحزحة الكرسي، قبل أن يأتيه صوت أنثوي من قمرة القيادة ويفتح الباب لتظهر المضيفة التي شاهدها من قبل:.

- سيد ليام. نعتذر عن هذه الفوضى الصغيرة. قالت وهي تحرك جثة أوليفر الهامدة بحذائها الجلدي الطويل البائس المسكين! علقت بتهكم كان يحاول احباط سيطرتي على الطائرة. ولذلك. قالت بأسف مصطنع كنت مضطرة إلى التعامل معه ومع طاقمك بحزم. والآن سيد ليام وكما ترى أصبحنا بمفردنا للساعات المقبلة. لذلك أرجو أن تكون متعاونا وربما مع القليل من الحظ قد تخرج أنت وزوجتك الفاتنة بكدمات ورضوض بسيطة.

ضحكت بصوت مسموع قبل أن تبتعد لتترك ليام يغلي من الغضب. حين عادت كانت تحمل حاسوبه بين يديها:
- هل ستفتحه بهدوء أم أنك ترغب في مشهد جديد وهي تشير الى الكسندرا الفاقدة للوعي
- ما الذي فعلته بزوجتي صرخ ليام بعصبية وهو ينظر إلى ألكسندرا
- لا شيء ردت الفتاة بهدوء أعطيتها مسكنا قويا منذ بداية الرحلة، لا تقلق ستستيقظ بعد قليل. قالت وهي تنظر إلى ساعة يدها فنحن سنحتاجها على كل حال إذا قررت التصرف كبطل أحمق!

- أحتاج إلى يدي! قال ليام بصوت بارد
أومأت السمراء الجميلة برأسها علامة على الرفض لتقترب وتجلس على أحد الكراسي القريبة منه حين فتحت الحاسوب. تحولت ابتسامتها إلى تكشيرة بشعة وهي تنظر إلى الحاسوب المتطور.
- ألم تكوني مستعدة لهذا الاحتمال؟! علق ليام بسخرية لا تناسب الوضع.

شتمت بصوت مسموع قبل أن تنهض من مكانها وتتجه إلى قمرة القيادة، تمكن ليام أن يسمع صراخها القوي، لكنه لم يتمكن من سماع الحوار الذي دار هناك، حين عادت هذه المرة كانت تحمل مسدسا في يدها انحنت إلى الأمام قليلا إلى أن أصبحت ملتصقة به. قبل أن تحرر معصميه وهي تتكلم بغيض:.

- لديك خمس دقائق فقط! إذا لم أحصل على الشيفرة. فأنت أدرى بالنتائج! أضافت وهي تقترب من ألكسندرا والتي لا زلت غائبة عن الوعي وتصوب المسدس إلى رأسها
تصلبت عضلات ليام وغلى الدم في عروقه وهو يرى التهديد في عيني غريمته، كان يفكر بسرعة وهو يفتح حاسوبه بعنف، قذفت السمراء علبة سوداء إليه...
- حملها هنا! أمرته وعيناها مسلطتان على رأسه.

كانت يداه ترتعشان رغما عنه. فقد تركيزه لمرتين وهو يحاول أن يفتح البرنامج، أخيرا حمل ليام الشيفرة على القرص الصلب، الآن كان يدرس حركاتها وطريقة آمنة للانقضاض عليها دون أن تصيب ألكسندرا بأذى. كان يعلم أنها بمجرد حصولها على الشيفرة ستجهز على كلاهما وهو ما قرر تفاديه بكل الوسائل...

بعد لحظات من الانتظار. ساد فيها الصمت حادا كالسيف. تحركت الطائرة بشكل عنيف جعلها تترنح، ودون أن يترك لها فرصة للتشبث مرة أخرى قفز ليام بسرعة لينهال على وجهها بلكمة قوية جعلتها تطير إلى الجدار...
دار بينهما عراك عنيف. فهي كانت مدربة تدريبا عسكريا، مما جعلها تتغلب على أوليفر وتقضي على طاقمه بسهولة، لكنه لم يكن مستعدا لأن يلقى نفس المصير خصوصا وألكسندرا بجانبه...

في الأخير حين ظن ليام أنه قد ثبتها ارضا وهو يسحق رأسها بذراعه. فهو بعد كل شيء كان مصارعا قويا...
- لمن تعملين؟ صرخ ليام وهو يعتصر رأسها دون رحمة
كانت الفتاة تتلوى في كل الاتجاهات محاولة الافلات من قبضته القوية دون جدوى كان يزيد من ضغطه إلى أن تحول وجهها إلى اللون القرمزي الداكن، لكنها لم تجب على سؤاله، كانت تتحرك بهياج إلى أن تمكنت أخيرا من الوصول إلى مسدسها والذي سقط أثناء العراك.

أخيرا تمكنت من الضغط على الزناد مرسلة رصاصتين إلى الجدار قبل أن يتمكن ليام من منعها. علت صافرة الانذار فجأة. أجهز ليام عليها قبل أن ينهض بسرعة إلى قمرة القيادة...

نظر إلى الطيار والذي كان متكوما في أحد أركان القمرة وقد تلقى رصاصة في رقبته، بينما كان الطيار الآلي يوجه الطائرة. حاول أن يوقف الطيار الآلى دون جدوى. أراد ارسال استغاتة قبل أن يكتشف أن الجهاز محطم. شتم ليام وهو ينظر إلى الأفق. تحولت الطائرة إلى وضع الهبوط فجأة وأصبحوا يهوون بسرعة جنونية، قفز قلب ليام من صدره وهو يستشعر الخطر المحدق، كانت الطائرة تهوي إلى البحر الكاريبي. والارتطام اصبح واقعا!

وضع يده بسرعة يتحسس عنق الطيار محاولا الحصول على نبض دون جدوى. كانت اللعينة قد صفت كل الطاقم. وكان عليه العمل بسرعة إذا كان يريد النجاة بزوجته وبحياته...
كان يحسب الربح والخسارة بسرعة جنونية، عاد إلى حيث كانت ألكسندرا مقيدة إلى الكرسي وجسدها يترنح إلى الأمام، فك قيودها وأمسكها بين ذراعيه بثبات.
الارتطام بالماء اصبح وشيكا وكان عليه أن يستجمع كل قوته ليفتح باب الطائرة المحكم.

فجأة شعر ليام بأحساس هائل وكأن الهواء انسحب من رأتيه، وقذف إلى الحائط بقوة هائلة...
فتحت ألكسندرا عينيها في تلك اللحظة، عيناها الشاخصتان تحدقان إليه برعب حقيقي.
- أنا آسف ألكاسندرا.
كان هذا اخر شيء تراه قبل أن يلفها الظلام...
الضربة التي وجهها ليام لألكسندرا كانت كافية لافقادها الوعي مجددا. فما كان سيقوم به شيء متهور للغاية. القفز من طائرة تهوي كان شبه مستحيل لكنه الخيار الوحيد أمامه.

الولايات المتحدة الأمريكية بعد شهر ونصف على اختطاف الطائرة،
اكتظت أروقة المستشفى بالصحفيين الذين كانوا مهتمين بحالة المهندس اللامع والذي سقطت طائرته في البحر الكاريبي دون ذكر أسباب وجيهة لذلك.
المتحدث الرسمي باسم المستشفى كان يجيب باقتضاب بالغ على الأسئلة محاولا عدم الدخول في تفاصيل الحالة:
- السيد ماكسويل في العناية المركزة وليست هنالك أية أخبار جديدة لإطلاعكم عليها!

أعلن قبل أن يترك الصحفيين الغاضبين. ويغادر القاعة دون الاجابة على الأسئلة الملحة والمتعلقة بوضع ليام الصحي الحرج.
في شقة ليام ببارك افنيو – نيويرك: جلست مارغريت تقلب الصفحات أمامها بكرب شديد. كل الصحف والمجلات الأمريكية كتبت عن حادث الطائرة الذي تسبب في دخول المهندس اللامع إلى المستشفى واختفاء زوجته الحسناء في ظروف غامضة...

تنهدت أخيرا وهي تعيد الصحيفة الأخيرة إلى الطاولة أمامها وتنظر إلى فرانكو والذي كانت علامات التصلب بادية على ملامحه...
- ما الأمر قالت مارغريت وهي تستشف أن من وراء عبوس والدها أمرا جللا
- لقد اتصلوا بي من المستشفى منذ قليل...
- وبعد؟ قالت مارغريت بقلق شديد
- ليام سيعود إلى غرفة العمليات مرة أخرى. نزيف صدره لا يتوقف. ويريدون موافقتي. زفر العجوز بصوت مسموع
- يا الهي!

وضعت مارغريت يديها على وجهها وانتحبت بصوت مسموع. لا تتخيل أنه في ظرف ثلاث شهور فقط كانوا قد دفنوا ميرديث واختفت الكسندرا. والآن ليام يصارع للبقاء حيا...
- لم أعد أستطيع الاحتمال أبي. هذا كثير! كثير جدا!
اقترب العجوز من ابنته الوحيدة وحضنها بحب: - يكفي دارلا! ليام فتى قوي وسينجو أنا واثق من هذا.
رغم أن نظراته الغائمة كانت توحي بالعكس، نهض من جانبها واتجه إلى الباب حيث كان حارسه الشخصي في انتظاره.

- أريد أن أذهب معك أبي استوقفته مارغريت
لكنه أصر بعناد: - ليس الآن! سأرسل في طلبك حين تبدء العملية!
بهذه الكلمات المقتضبة ترك فرانكو ابنته وتوجه إلى حيث كان حفيده الوحيد يصارع الموت.
ذكريات كثيرة تعصف به وهو في طريقه إلى المستشفى. ابنه ماسيمو. كان أيضا شابا حين توفي. قضت زوجته السكيرة عليه وتركا فتى صغيرا يناضل ليكون رجلا. هذا الفتى الصلب المفعم بالكبرياء والغرور كان حفيده الوحيد.

يتذكر حين أتى أول مرة لرؤيته في بوسطن...
تفاجئ بالشبه الكبير. كان صورة طبق الأصل عن ماسيموس. لكنها كانت صورة أفضل لشاب ذكي ومثابر مفعم بالرغبة والطموح...

هو من غدى طموحه وساعده ليكون ما عليه اليوم، لكن في ظل النجاح الكبير الذي حققه نسي أن يمده بالنصيحة التي لم يمد بها ابنه من قبل، أن يختار شريكة مناسبة. أن يحصل على حياة خارج جدران مكتبه وعلاقاته الماجنة التي كانت غالبا ما تغذي أعمدة الصحف الصفراء...
يعترف الآن أن ابتزاز حفيده للحصول على عائلة لم يأت سوى بنتائج كارثية. يحمل ثقلها على عاتقه...

توقفت السيارة فجأة وخرج السائق ليفتح له الباب ويبعد عنه الصحفيين الذين أتوا ليلتفوا حوله محاولين معرفة أخبار جديدة، لم يرد على أحد منهم بل وجد نفسه يشق طريقه بصعوبة بالغة إلى أن وصل إلى باب المستشفى الخاص حيث تكلف الأمن بإبقائهم خارجا...
في مكتب الطبيب،
تأمل الجراح الأشعة المقطعية لصدر ليام بانتباه شديد قبل أن يعود إلى فرانكو مخاطبا:.

- هناك احتباس كبير للدماء بصدر ليام وهو ما يؤثر على القلب بصورة واضحة. إذا لم نخلصه من الضغط في أقرب فرصة ممكنة، هذا الضغط على القلب قد يؤدي إلى موته...
تصلبت عضلات فك العجوز وهو ينظر إلى الطبيب، قبل أن يقول بصوت جعله خاليا من المشاعر:
- إذا ما الذي تنتظرونه؟!
- نحن ننتظر موافقة زوجته أو أي شخص قريب منه ليكون المسؤول.

قاطعه فرانكو بصوت حازم: - زوجته غير موجودة! أنا أكون جده وعائلته الوحيدة! ليسأل بضيق أين علي التوقيع؟
وضع الجراح ورقة أمامه قبل أن يتصل بالطاقم المسؤول عن العناية بليام لتجهيزه لعملية جديدة.
في آخر أربع وعشرين ساعة، كان كل من مارغريت وفرانكو جالسين قرب غرفة العناية المركزة حيث أعادوا ليام بعد الجراحة والتي أكد الطبيب نجاحها...

الآن كانوا ينتظرون استيقاظه. الجراح أخبرهم أنه قد يستيقظ في أي لحظة الآن، وكان أملهم كبيرا في أن يتجاوز المحنة وينجو...
أخيرا ظهرت الممرضة التي كانت إلى جانبه، قفزت مارغريت وهي تقترب منها بخطوات متلهفة وسريعة...
- كيف حاله هل استيقظ؟
أومات الممرضة برأسها علامة على الايجاب: - لقد استيقظ منذ لحظات. وهو يسأل عن فتاة اسمها ألكسندرا...
- يا الهي القدير! ما الذي أخبرته؟

- لم أخبره بشيء. قالت الممرضة باقتضاب ليس مخولا لي التحدت إلى المريض في أمور شخصية! لتضيف بشبه ابتسامة إنه واع الآن. سننقله بعد قليل إلى غرفة في الطابق العلوي ويمكنكما الاطمئنان عليه...
غادرت الممرضة وتركت مارغريت تعود إلى جانب والدها تخبره بالمستجدات.
حين عاد ليام إلى فتح عينيه مجددا كان الألم حادا أكثر من المرة الأولى. وضع يده على صدره وهو يعصر فكه بقوة...

ركضت مارغريت إليه: - ليام مابك عزيزي؟ هل أنت بخير؟
رفع ليام رأسه وتأمل عمته بعينين زائغتين من أثر المخدر: - يا الهي! أين أنا؟ ما الذي حصل؟
عادت الاحداث تضرب رأسه بقوة. الطاقم. المضيفة التي حاولت قتله. ألكسندرا وأخيرا قفزهما من الطائرة...
- أين هي؟ سأل ليام بصوت أجش
- من؟ سألت مارغريت بذهول وهي تحاول منعه من النهوض
- زوجتي! ألكسندرا!
سكتت مارغريت وانهمرت دموعها. لتنسحب وتترك لوالدها حرية اخباره.

لأول مرة ينتبه ليام إلى وجود جده بالغرفة. والذي اقترب منه ووضع يده على كتفه بحذر وهو يشرح له:
- ليام لقد تم اختطاف طائرتكما في عمل ارهابي. الفتاة التي كانت على الطائرة حاولت قتلك للحصول على المشروع...
- أعلم! قال ليام بتعب واضح لكن ما دخل هذا بألكسندرا؟ وأين هي الآن؟
زفر العجوز بعدم ارتياح قبل أن يقول: - ألكسندرا قد فقدت في الحادث وقد أعلن موتها رسميا قبل أسبوع!

انتفض ليام محاولا النهوض، ليثبته فرانكو بيديه القويتين، كان يصرخ بجنون: - لقد فقدتها جدي! فقدتها إلى الأبد! يا إلهي! ألكسندرا! مستحيل! هذا مستحيل!
كان يتحرك بقوة جعلت تثبيته أمرا بالغ الصعوبة. ركضت مارغريت خارج الغرفة لتستدعي الطبيب والذي أتى على الفور. ليحقنه بمخدر جعلهيفقد الوعي مجددا ويتهاوى بقوة على السرير، S،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة