قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

رواية قيد الماس للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

استلقت ألكسندرا على سرير المستشفى تشعر بالألم يجتاح جسدها، تلك الأسابيع المنهكة إلى جانب ليام جعلتها تشعر بأنها في الحضيض، رفعت رأسها لتحدق إلى الباب الذي فتح ودخل منه ليام...
ارتعش جسدها بخوف وهي تنظر إليه يخطو إلى الداخل...

كانت حالته مزيرة وقميصه ممزق بينما ربطة عنقه مفتوحة على صدره البرونزي الصلب، الدماء تلون فكه وأنفه بينما الابتسامة الساخرة لا تغادر شفتيه، اقترب منها بخطوات سريعة أجفلتها، لدرجة أنها ظنت أنه قد ينقض عليها ويكمل ما بدأه، لكن لدهشتها الكبيرة جثا على ركبتيه بجانب سريرها، ملامحه في تلك اللحظة حملت الكثير من الألم وعيناه تمسحان وجهها بلهفة، للحظات كان الصمت مسيطرا، فلا ليام كان قادرا على الكلام ولا ألكسندرا استطاعت أن تحرر لسانها الذي أخرسته المفاجئة، هل كان فعلا متأثرا من وجودها هنا؟ هل يشعر بالذنب؟

حاولت أن تستجمع قواها لتواجهه لكن القوة خانتها في تلك اللحظة وسيطر عليها الذهول، ظلت تنظر إلى ملامحه المظلمة التي كساها الألم بتعبير فارغ...
ظل ليام جاثيا على ركبتيه أمامها غير قادر على الحراك أو حتى ايجاد كلمات مناسبة للوضع، هل يتوجب عليه اخبارها بنتيجة الفحص؟ اللعنة عليه إذا قام بذلك! نظرة واحدة إلى ملامحها الشاحبة المرتعبة ليعرف أنه أذاها كثيرا، أكثر حتى من الأذى الذي سببته له...

طوال أسابيع ظن أنه يعاقبها على هروبها، على اخفائها لابنه، والأهم على خيانتها له، لكنه من البداية لم يكن يعذب سوى نفسه.
كل تلك السنوات التي ظن أنه قد فقدها، كل تلك المشاعر التي مزقت قلبه دون رحمة لسنوات، لم تكن شيئا مقارنة بمشاعر العجز التي انتابته قبل لحظات وهو يستمع إلى الكلمات الباردة التي خرجت من فم الطبيب، ببساطة وكأنها تقرير عن حالة الطقس وليست حياة انسان في خطر...

ألكسندرا مصابة بالسرطان! هكذا دون أي مقدمات هل كانت تخفي مرضها عنه؟ هل تعلم أنها مريضة حتى؟ لا مستحيل! وكأن القدر يأبى إلا أن يعيد فتح الجروح المغلقة لرحيل مير، ليتجسد الماضي بكل بشاعته مجددا في وجه ألكسندرا والذي علاه الشحوب...
يا إلهي لقد فقد مير في الماضي! هل سيفقد ألكسندرا الأن؟
تلك الفكرة جعلت الهواء يتوقف في رئتيه، لدقيقة كان يتأملها بعينين زائغتين قبل أن يقرب يده محاولا لمسها...

ارتعشت ألكسندرا وأبعدت يدها لا شعوريا عنه، كانت لا تزال ذكرى الشجار بينه وبين أليساندرو متجسدة أمامها، عنف تلك اللحظات الدموية حيث كان فاقدا لكل تعقل جعلها تشعر بالخوف، حاولت أن تبتعد قليلا عنه مطالبة بمسافة من الأمان، قبل أن تأن من الألم، كانت أضلاعها قد تهشمت حرفيا بلكمة واحدة من قبضته، لكن كل ذلك لم يكن ليضاهي الألم النفسي التي ترزح تحت ثقله، ما الذي جعله يعنف أليساندرو بكل تلك الوحشية؟ هل هي الغيرة؟

نفضت الفكرة الغبية سريعا، ليام بالتأكيد لايغار هو فقط يريد امتلاكها! ويعتبر ذلك جزءا من انتقامه وتصرفه الوحشي لم يكن سوى عرض للقوة والسيطرة ولا شيء آخر...
أعاد ليام يديه إلى جانبه لينظر إليها بنظرة ملأها الألم، تنفس بقوة محاولا اخراج الهواء من صدره قبل أن يقول بصوت اجش:
- ألكسندرا.

توقف للحظات ينظر إلى وجهها الشاحب الذي علته نظرة خوف قبل أن يقول فقط انسي الأمر، عاد ليقف على قدميه ويعود أدراجه تاركا ألكسندرا في حيرة كبيرة، ما الذي كان يريد أن يقوله يا ترى؟ هذا شيء لن تعرفه الآن بعد أن غادر على كل حال، أغمضت عينيها محاولة تناسي الألم الذي كان يجعلها عاجزة عن التفكير، وأستسلمت لنوم مظطرب.
في الرواق،.

ظل أليساندرو مطرقا براسه ينتظر خروج ليام من غرفة ألكسندرا، أخيرا فتح الباب، رفع رأسه واصطدمت عيناه بعيني غريمه المتحفزتين كعيني نمر غاضب...
اقترب أليساندرو منه غير مكثرت بالعواقب، لم يستطع رغم إلحاحه الشديد على الطبيب أن يعرف شيئا عن حالة ألكسندرا فهو لم يكن من العائلة وتلك المعلومات لم تكن متاحة له كما هي متاحة لليام...

توقف ينظر إلى الواقف أمامه والذي كان يحدجه بنظرات قوية كانت لتجعل أكثر الرجال عزيمة يبتعدون، لكنه لم يكن مستعدا للابتعاد هو عازم على البقاء حتى النهاية...
أخيرا زفر ليام بحنق وهو ينظر إلى أليساندرو المصمم قبل أن يقول بصوت أجش: - علينا الحديث!

رفع أليساندرو حاجبيه باندهاش، هل كان يتخيل أم أن ليام ماكسويل قد عرض عليه الحديث، كل المرات التي إلتقيا فيها لم يكيلا لبعضهما سوى اللكمات، لذلك كان من الصعب عليه تصديق أن هذا الشخص المتغطرس، البغيض قادر على الكلام دون أن يزج بقبضته في الموضوع...
حرك أليساندرو رأسه موافقا قبل أن يتجها نحو المقهى المقابل للمستشفى...
في كابري،.

صرخت مارغريت في والدها تحثه على الاسراع، كانت متحمسة بدرجة كبيرة، لم تستطع كبح الدموع وهي تتلقى خبر عودة ألكسندرا غير مصدقة...
ألكسندرا على قيد الحياة ولديها طفل! يا إلهي! أخيرا ستتمكن من رؤيته!
كانوا قد تألموا لسنوات لرحيل مير والذي تلاه اختفاء ألكسندرا ومن ثم اعلان موتها، والآن بعد سنوات، اتصل ليام ليخبرهم بعودتها إلى الحياة بل واكتشاف أنه والد لطفل رائع في السادسة من عمره...

كانت تتحرق للسفر إلى أمريكا منذ ايام، لكن والدها لم يكن مستعجلا، على العكس استمر في تأجيل السفر إلى أن شعر بأن ابنته لم تعد تطيق صبرا...
أخيرا تقرر السفر اليوم، وكانت مارغريت بالتأكيد أكثر سعادة من العجوز الذي كانت معالم وجهه غامضة وصعبة التفسير...
اقترب ليجلس إلى جانبها بمساعدة حارسه الشخصي، قبل أن يصرفه باشارة من يده ويعود لتصفح الجريدة باهتمام...

طوال هذه المدة لم تنشر الصحافة أي خبر يؤكد عودة ألكسندرا إلى الحياة، كان يقلب الصحيفة باهتمام شديد، قبل أن يجذب نظره العنوان الذي كتب بأحرف بارزة عن حفيده وقد تضمن صورة لليام مدرجا بالدماء بينما ألكسندرا فاقدة للوعي بين ذراعيه، شتم العجوز بهمس قبل أن يعيد الجريدة إلى الطاولة...
- ما الأمر؟ قالت مارغريت محاولة الوصول إلى الجريدة قبل أن تمنعها يد العجوز بحزم
-لا شيء مارجو مجرد أخبار سيئة!

أومأت مارغريت برأسها علامة على الفهم، قبل أن تعود للتحديق من النافذة، كانت متحمسة لعودة ألكسندرا إلى ليام وبالتأكيد لرؤية طفلهما...
في المستشفى،
تمكنت ألكسندرا بجهد خارق من الوقوف دون أن تجازف بالشعور بطعنة جديدة من الألم، دوار شديد يصيبها هذه الأيام، لكن بالتأكيد عزت ذلك إلى شهيتها فهي لم تعد مغرمة بالطعام منذ عودتها إلى حياة ليام...
انكمشت ملامحها الرقيقة.

حين نزعت المغدي من يدها بقوة، قبل أن تضغط على يدها محاولة ايقاف الدماء التي تسربت.
وفي اللحظة التي كانت تحاول فيها أن تتحرك نحو الحمام فوجئت بالواقف أمامها، شحوب وغضب مرير غزا ملامحه قبل أن يسيطر على نفسه ويقترب منها ببطء...
- ألكسندرا ما الذي تفعلينه خارج السرير بحق السماء؟! سأل ونظراته معلقة بوجهها الشاحب.

تمعنت ألكسندرا للحظة في الكدمات التي علت وجهه والدماء التي غطت ملابسه، وأرسلت الذكرى المريرة رجفة في كامل جسدها...
عادت للجلوس على حافة السرير بتعب وركبتيها ترتجفان...
- هل أنتَ بخير؟
قال وهو يقترب من السرير ليمسك يدها المرتعشة بيده محاولا بث الطمأنينة إليها: - لا داعي لكل هذا ألكسندرا أنا بخير! إنها مجرد خدوش وكدمات تافهة! هل تظنين أن زوجك قادر على التغلب علي! أضاف بابتسامة باهتة.

كان يحاول بكل جهده أن يخفي ألمه عنها، لقد كانت متألمة ومريضة بما يكفي ولم تكن في حاجة إلى القلق عليه، ما أخبره ليام كان قاسيا لكن على الأقل هو مقتنع الآن أنه سيعتني بها...
قبل ساعات في المقهى المقابل للمستشفى،.

حرك ليام أحد الكراسي ليجلس بينما ظل أليساندرو يرمقه للحظات قبل أن يقرر بدوره الجلوس، ليس متأكدا أنهما لن يفتعلا فضيحة أخرى في هذا المقهى أيضا، سيطر على الغضب الذي كان يتأجج بداخله وهو يعصر قبضته بقسوة، منذ متى أصبح انسانا بربريا عنيفا؟ لطالما افتخر بأنه رجل هادئ ورصين لم يتشاجر حتى في سنواته الجامعية، بحق السماء منذ متى أصبح مراهقا ثائرا!

زفر بقوة محاول اخراج اليأس والغضب اللذان سيطرا عليه لينظر إلى ليام الجالس بهدوء مناف لطبعه، كان تعامله مريبا يدعو إلى الكثير من الفضول والذي لم يشفه غريمه إلى الآن...
تنحنح ليام أخيرا محاولا ايجاد صوته ليقول دون مقدمات: - ألكسندرا مصابة بالسرطان!
لوهلة ظلت ملامح أليساندرو متصلبة قبل أن يزفر بنفاذ صبر ليقول: - أي لعبة تلعب الآن ماكسويل؟!

- ليست لعبة! رد ليام بقسوة وهو ينظر إلى غريمه بعينين ضيقتين ألكسندرا تعاني من ورم!
- لكن منذ متى؟ سأل أليساندرو بذهول
- لا ندري. لقد علمت للتو، الطبيب أجرى بعض الفحوصات الروتينية ونتيجة التحليل أظهرت وجود ورم، لانعلم الكثير، أحتاج إلى نقلها إلى نيويورك ليتمكن طبيب مختص من متابعة حالتها...
- يا إلهي!

وضع يده في شعره بينما أكمل ليام حديثه بصوت فاتر: - أعلم أننا لم نتقبل بعضنا منذ البداية. وإلتوى فمه بسخرية مريرة لكن على الأقل يجب أن تعرف أنني قد عدت إلى حياة ألكسندرا ولا أنوي الرحيل!

ابتسم أليساندرو بسخرية وهو يستمع إلى التهديد المبطن في حوار ليام، كان يدرك جيدا منذ رحيلها أنها ضاعت منه إلى الأبد، لم تنسى ليام يوما كان هذا سببا لعدم قبولها بعرض الزواج لسنوات، من كان يخدع أنها لا تحبه، لم تنظر له يوما بالطريقة التي تنظر بها إلى ليام، كانا يحبان بعضهما والغبي فقط من لا يستطيع تمييز ذلك، الوحيدان اللذان لم يعترفا بهذا الحب هما ليام وألكسندرا...

زفر بقوة محاولا التخفيف من الضيق الشديد الذي يطبق على صدره، هي مريضة كيف سيستطيع تحمل تركها في مثل هذه الظروف...
ظل ليام صامتا للحظات محاولا ابتلاع الكتلة التي وقفت في حلقه، كبريائه عانده لكنه رفض الاصغاء ليسأل أليساندرو بصعوبة:
- أريد أن أعرف، إلى أين وصلت علاقتك بزوجتي؟

ابتسامة مريرة عبرت وجه أليساندرو وهو يرمق ليام الذي شحب وجهه منتظرا رده، كان يمكنه ببساطة إذلاله والتلاعب به كما فعل هو من قبل، لكن سمعة ألكسندرا كانت تهمه كثيرا، مستحيل أن يهينها بتلك الطريقة، زفر بقوة ليقول:
- علاقتي بألكسندرا لم تتعدى الحدود يوما! لقد كانت واضحة منذ البداية سكت قليلا ليضيف إنها امرأة مميزة ما كانت لترغب بعلاقة قبل الزواج! وأنا احترمت قرارها...

بعد هذا التصريح الغير متوقع رحل أليساندرو تاركا ليام مع مشاعره المتضاربة، كانت له وحده في النهاية. تلك الفكرة منحته القليل من السلام الداخلي ليستطيع مواجهة الحاضر...
في غرفة ألكسندرا بالمستشفى،
أمسك أليساندرو بيدي ألكسندرا المرتعشتين قبل أن يقول بصوته الدافئ: - ارفعي رأسك صغيرتي!
رفعت ألكسندرا رأسها لتقابل عينيه ببريقهما الهادئ ليقول: - أنت تعلمين جيدا بمشاعري اتجاهك، أنا لم أخفها عنك يوما...

- أليساندرو...
حاولت الكلام لكنه قاطعها: - ششش. صغيرتي، ربما لو كان الأمر مختلفا لكنا كونا عائلة رائعة. أطرق قليلا محاولا ابتلاع الغصة الكبيرة التي كانت تخنقه قبل أن يقول لكن هذا ليس مقدرا ألكسندرا، أنا علي الرحيل اليوم...
- ماذا؟ شهقت ألكسندرا غير مصدقة بهذه السهولة قرر أليساندرو الرحيل.

بدأت الدموع تملأ عينيها، كانت في أشد أوقاتها ضعفا، ولطالما كان إلى جانبها في مثل هذه الأوقات، لماذا يريد تركها الآن في مواجهة قسوة ليام وحيدة؟
- لا تبكي صغيرتي! قال وهو يهدهدها كطفلة ضائعة حاولي أن تنسي الماضي ألكسندرا. لربما تحضين بالسعادة...

بهذه الكلمات ترك أليساندروا الغرفة تشيعه عينا ألكسندرا المليئتين بالدموع، تعالت شهقاتها إلى أن انهارت فوق السرير تبكي كل الألم الذي اخزنته لسنوات والذي اندفع إلى السطح دفعة واحدة.
فتح الباب في تلك اللحظة وهوى قلب ليام وهو ينظر إلى ألكسندرا الملقاة على السرير تنتحب بألم.
اندفع نحوها ليحملها بين ذراعيه ناسيا وضعها، صرخت ألكسندرا بقوة، كان تتألم. ألامها النفسية تضاعفت لتجعل ألمها الجسدي لا يطاق...

ظلت تبكي وهي تضرب صدره بقوة موجهة كراهيتها وحقدها نحوه، لكنه لم يتركها رغم ذلك. ظل ممسكا بها بثبات إلى أن لانت بين ذراعيه معلنة استسلامها بينما تحول صراخها إلى نشيج يمزق القلب...
رفعها أخيرا إلى السرير ليمسكها بين ذراعيه ممسدا خصلات شعرها الحريرية وغفت بينما الدموع تبلل وجهها وقميصه...
أيام بعد الحادث،.

تمكنت ألكسندرا بمساعدة ليام من الخروج من المستشفى، ألم أضلاعها أصبح مقبولا ولم تعد تحتاج سوى لمسكنات للتعامل معه...
صعدت أخيرا الى الطائرة محاولة الابتعاد عن ليام، كانت متحمسة لرؤية ماكس، لا تتذكر أنها ابتعدت عنه مثل هذه المدة الطويلة سوى في المرة التي أودعها ليام السجن...
تلك الذكرى جعلت جسدها يرتعش لا اراديا، مما جعله ينتبه.
- هل تشعرين بأي ألم؟ سأل ليام باهتمام.

حركت ألكسندرا رأسها نفيا قبل أن تنسل من يده الممسكة بخصرها، كانت ترغب في بعض الخصوصية التي لم يسمح لها بها طوال مرضها، لكنه كان عازما على تمثيل دوره إلى النهاية فكرت بكره
كانت تعلم جيدا أن هذا الاهتمام الزائد لم يكن سوى قناع جديد يمثله أمام جده، هذه المرة لم تكن مجبرة على أن تجاريه في دور الزوجة المطيعة والعاشقة، لكن لم لتكن لتعامل عائلته بسوء على كل حال...

مستحيل أن تنسى ما فعلوه من أجل مير، هي بالتأكيد ستظل مدينة لهم إلى الأبد...
كان ليام قد فاجئها أن جده ومارغريت قد سافرا الى الولايات المتحدة خصيصا من أجلها، لذلك لم تكن لها أي نية في أن تعاملهم بفظاظة فقط لتغضبه...
تنفست بعمق محاولة السيطرة على أنفاسها، ستكون رحلة طويلة إلى نيويورك، لكنها كانت قادرة على اغماض عينيها وتمثيل النوم هربا من أي حديث معه...

لابد وأنه تفهم وضعها. فليام لم يقترب منها طوال الرحلة سوى ليخبرها أنهم قد وصلوا أخيرا...
في شقته في نيويورك،.

كانت الشقة تضج بالأضواء البراقة بشكل يصيب بالعمى، وجدت نفسها مدفوعة إلى الداخل بينما مارغريت تعانقها والدموع تترقق من عينيها، ذلك الترحيب الذي لم تتوقعه أصابها بالذهول، نظرت إلى حيث وقف ليام ينظر إليها وابتسامة رائعة تزين وجهه، كانت أجمل ابتسامة منحها لها منذ أن عاد، بل ربما منذ أن التقته كانت ابتسامة صادقة ومحبة، جعلت معدتها تتلوى بشعور غريب...

استمرت مارغريت في ضمها إليها إلى أن قاطعها ليام مازحا: - يكفي ستكسرين أضلاعها المتبقية عمتي!
ابتعدت مارغريت أخيرا لتنظر إلى ألكسندرا بنظرات حنان خالص لتقول: - إنها فعلا معجزة حقيقية! لا تدرين مقدار الألم الذي سببه رحيلك خصوصا لل.
لم تستطع أن تكمل جملتها وعينا ليام ترمقانها بجمود، قبل أن تتدارك خطأها وتعرض على ألكسندرا الجلوس...

لم تتوقف مارغريت عن الحديث خصوصا عن حياة ألكسندرا وكيف عادت إليها الذاكرة بعد كل تلك السنوات، وبما أنها لم تكن تعلم شيئا عن ما قد يمكن لليام أن يختلقه فقد ظلت ترد بأجوبة مقتضبة إلى أن تحججت أخيرا بالصداع...
اصطحبها ليام إلى غرفتها وأغلق الباب ورائه، أخيرا تركت ألكسندرا لنفسها حرية مهاجمته، كانت تشعر بالألم والاحباط ولم يكن هناك غيره لتفرغ فيه كل تلك الشحنات السلبية...

تركها تصرخ، مستمعا باهتمام قبل أن يقول بصوته البارد: - هل انتهيت؟
- لا! قالت ألكسندرا بحنق أريد أن أعرف متى ستنتهي هذه المهزلة المسماة زواجنا؟ لقد سأمت من تلاعبك بي ليام! أريد الرحيل!
- ليس هنالك من رحيل ألكسندرا! أنت زوجتي وستظلين كذلك إلى أن أمل منك، ربما لشهر وربما للأبد.
- أيها السافل! اذهب إلى الجحيم!

ونزعت حذائها لترميه بقوة في وجهه، تفادى ليام الحذاء بمهارة ليقترب منها سريعا، يدان قويتان أمسكتا بكتفيها بقسوة، وهو يزفر كلماته بجانب فمها:
- إذا ذهبت إلى الجحيم ستذهبين معي! كوني واثقة من ذلك!
أخيرا أفلتها ليسألها بصوت خنقته العاطفة: - لماذا ألكسندرا؟!
- لماذا ماذا؟ سألته باستغراب
- لما هربت؟

نبرة الألم في صوته جعلتها ترتجف من الداخل، هل كان يتألم لأنها رحلت؟، أم أنها تتوهم؟ رفعت عينيها نحوه واصطدمت لا اراديا بعينين ضيقتين ومظلمتين...
هل كانت مستعدة يوما لهذا السؤال؟ جف حلقها وتعرقت يداها من الارتباك.
- كنت خائفة. تمتمت بوهن
- خائفة من ماذا؟ صرخ ليام بغضب ما الذي قد يخيفك لدرجة الهرب من حياتك واخفاء هويتك وكأنك مجرمة فارة من العدالة! أخبريني!

- لقد كان بيننا اتفاق ليام، أنا وقعت عقدا لم أستطع إيفاء بنوده، كان من المستحيل علي أن أمنحك قطعة مني بهذه البساطة ثم أرحل! ليس عدلا! أكملت بحرقة إنه ابني لم أكن لأستطيع تركه لك!
بلعت ريقها بصعوبة قبل أن تكمل بصوت متهدج: - حين وجدني مكتب التحقيقات الفيدرالي، كنت قد علمت بحملي للتو. كانوا يعلمون بابتزازك لي، كنت مشوشة وخائفة وشعرت أنها الطريقة الوحيدة لكي لا أخسر الطفل للأبد.

يا إلهي! وضع ليام يده في شعره وشده بقوة، كان يريد أن يحطم كل شيء أمامه، لكن نظرة إلى وجهها الشاحب جعلته يتراجع...
هل كان المسؤول الأول عن هربها؟ اللعنة بالتاكيد فعل! هو لم يخبرها يوما بمشاعره نحوها وبعد وفاة مير كان مهتما باعادتها إلى الحياة أكثر من اهتمامه بمشاعره الخاصة...
زفر بقوة محاولة التنفيس عن احباطه ليقول بخيبة أمل: - ما كنت لأحرمك منه ليكس!

استدار ليام محاولا الوصول إلى الباب قبل أن يسمع صوتا ضعيفا يطلب منه التوقف: - ليام لا يمكنك أن تفتح موضوعا بهذا التعقيد ثم ترحل ببساطة!
زفر بوحشية وهو يعود إليها: - لقد علمت بما يكفي ألكسندرا! لا فائدة من نبش الماضي أكثر!
- لكنك فعلت! قاطعته وقد تغلبت عليها عواطفها لا يمكننا أن ندفنه الآن ببساطة!

- علينا ذلك ليكس! لكي نتمكن من مواجهة الحاضر علينا أن نفعل! الخوض في الألم لن يأتي بأي نتيجة لكلينا! أنا آسف أنني افترضت أن قرارك كان محض أنانية ولم يسبب لك أي ألم، لو عرفت. فقط لو عرفت لكانت الأمور مختلفة جدا...

وخزت الدموع الساخنة جفونها وهي تتذكر كل تلك السنوات التي سمحت فيها للكره أن يتحكم فيها، فقط لو كان هنالك مثل هذه المصارحة بينهما، فقط لو أنه أخبرها، كل شيء كان ليصبح مختلفا، ماكانت لتمر بكل العذاب الذي عانته...
استسلمت أخيرا للبكاء وهي تتذكر السنوات التي عاشتها محاولة دفن الماضي والتعايش مع حياة بدون مير وليام...

علا طرق على الباب فجأة، انسلخت من الذكريات التي سحقت قلبها لتحدق إلى الباب الذي فتح وظهر منه ماكس بوجهه الشبيه بوالده، قبل أن يركض نحوها وتفتح ألكسندرا ذراعيها له مرحبة...
ظل ليام ينظر إليهما بعاطفة وهو يرى كم كان أعمى ليحرمها من ابنها، كان قد كون أفكارا خاطئة عن ألكسندرا، اتهمها بالجشع والوصولية دون وجدود أي دليل، طاردها ثم حاصرها ليتهمها بأنها هي من كانت تركض وراء المال...

غبي وأعمى هذا ما أنت عليه ليام!
لم يعد يستطيع البقاء ومنظرها المعذب يثير فيه الكثير من المشاعر المتناقضة والخطيرة.
انسحب من الغرفة، كان عليه تصفية ذهنه والطريقة الوحيدة التي كان يعرفها هي الركض كعادته الدائمة، غير ملابسه الرسمية وارتدى ملابس رياضية وانطلق للتنفيس عن غضبه خارجا.

بعد ساعات من الركض عاد ليام ليجد ماكس وعمته يركبان إحدى الأحجيات، رفع الصغير رأسه معبرا عن سعادته لرؤية والده، أعاد ليام له الابتسام قبل أن يسأل عمته عن ألكسندرا:
- لقد قالت أنها متعبة وقررت التمدد قليلا. هل هي بخير؟ سألت مارغريت بقلق
- ستكون بخير! رد ليام باقتضاب قبل أن يسرع نحو غرفتها.

كان لايزال بملابسه الرياضية بينما العرق يتصبب غزيرا من صدره، فتح الباب بلهفة وجال بصره بكامل الغرفة دون أن يجدها، اقترب من الحمام ليطرقه بقوة، جاء صوتها باكيا من الجهة الأخرى:
- اغرب عن وجهي! صرخت ألكسندرا وهي تنتحب بهستيرية
ارتفع التوتر بداخله لدرجة خطيرة، دفع الباب بيده ليفتح بقوة ويجد ألكسندرا جالسة على الأرضية الرخامية تبكي بصوت مسموع...

نظرة واحدة إلى وجهها وشحب لونه، هل عرفت بمرضها؟ تلك الفكرة جعلت كل عضلة في جسده تتصلب قبل أن يقترب ليجلس إلى جانبها ليأخذها بين ذراعيه محاولا تهدئتها...
أصبحت أكثر هياجا وهي تضربه بينما الدموع تغطي وجهها بالكامل، كانت تصرخ بكلمات غير مفهومة وهي تكيل له اللعنات والشتائم:
- ألا يكفيك ما فعلته في سبيل انتقامك؟ هل أنت شرير لدرجة جعلي حاملا مجددا؟ أكرهك ليام ماكسويل! أنا فعلا أكرهك!

أخيرا تجمد من الصدمة وهو يحلل الكلمات التي تفوهت بها للتو، هل قالت أنها حامل؟ اللعنة! كيف يعقل هذا؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة