قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الرابع

بجريدة الحرية ..
_ خدي الاوراق دي امضيها!.
رفعت بصرها له وعيناها تسيل بالدموع، هتفت بتلعثم: ايه الاوراق دي..
اقترب منها قائلًا بنبرة خافتة خالية من اي مشاعر: دي عقد جديد علشان تشتغلي هنا بمزاجي، وبمرتب جديد وشرط جزائي جديد..

التفتت لتلك الحمقاء التي استخدمها لنجاح خطته، الان فهمت ما يحدث من حولها، الان فهمت مغزى ذلك الاتهام المرير، جذبت القلم من يده ثم وقعت بدون تفكير، وبعدما انتهت رفعت بصرها له قائلة: انا مضيت ويمكن ده ريحك من ناحيتي واحاول اصلح غلط زمان، مضيت وانا متاكدة انك مهما اتغيرت عمرك ما كنت تقصد أذيتي ولا تفكر في اذيتي، عن اذنك.
تقدمت نحو الباب وقبل ان تغادر التفت لتلك الواقفة باحد جوانب الغرفة بأمر من عمار، رمقتها بحزن ثم قالت بنبرة شبه منكسرة: ربنا يسامحك، ده كل اللي اقدر اقوله.

خرجت من الغرفة،وتلقاها زملائها بنظراتهم المستفهة و المستنكرة واحيانا الشفقة عليها، أسرعت نحو الكافيه حتى تنزوي به بعيداً عنهم ...
اما في مكتب عمار كان يقف كالاسد يهاجم فريسته بقوة وبدون أدنى شفقة وهبطت صفعة قوية على وجنيتها خرج بعدها تأوه بسيط منها..
_ انتي اتجننتي كاميرات ايه يامجنونة اللي اخدتيهم عليها يشوفوها، انتي ازاي تفكري تكلميها كده وكمان تضربيها قدامي، ده انا هاطلع روحك في ايدي.
رفعت بصرها ترمق ذلك المجنون بعدم فهم، اليس هو من وضع تلك الخطة !، والان يصفعها ويعنفها لاجل من اراد الانتقام منها بالامس!.
فقالت بعدم فهم: هو مش انت اللي طلبت مني ان اعمل كده؟!.
أشار اليها ان تعود بذاكرتها للامس قائلاً بعنف: ارجعي بذاكرتك كده يا متخلفة انتي!.

( فلاش باك )..
عمار بخبث: هاتخبطي فيها بالقصد وتكون شنطتك قريبة منها، ولما تلاقيها عندي، ادخلي حطيها في شنطتك، وبعدها ارجعي اعملي انك بدوري عن سلسلتك الدهب في شنطتك ولما متلاقيهاش اتوتري وبيني كده ودوري يمين وشمال لغاية ماهما يسألواا في ايه، وقتها تقوليلهم وصوتك يبقى عالي، الباقي عليا انا بقى، خلي في بالك وانتي بتخبطي فيها تكوني باينة للكاميرا، علشان وانا بواجهها تكون كل حاجة واضحة، فهمتي؟!.
هزت رأسها وظهرت أبتسامة ماكرة على محياها: اه طبعا فهمت، بس ليه ده كله، واشمعنا دي؟!.

اقترب بوجهه منها وظهرت نبرة غريبة بصوته وملامح وجهه تغيرت في ثواني معدودة فاصبحت اكثر شراسة وقوة ليقول بغموض: مالكيش فيه، متتعوديش انك تساليني كتير على اللي هاطلبه منك واللي هاطلبه تنفذيه بدون تفكير!، علشان انا لدغتي والقبر يا علياء..
( بااااك )..

_ افتكرتي ولا لأ يا هانم، كل اللي انتي عملتيه ده، انا كنت هاعمله هنا بيني وبينها والموضوع هايموت، لكن الفضيحة دي انتي اللي مسؤولة عنها، تطلعي فورًا تعتذري ليها وتطلعيها من ده كله...
كادت ان تتحدث، فعاد يستطرد كلامه بصيغة أمر واضحة: ماليش فيه غلطتك وتصلحيها اتصرفي، ياااالا.
تقدمت من الباب وقبل ان تخرج سألته بنبرة مهزوزة: وان موافقتش اعمل كده!.

اجابها بنبرة ثابتة: قولتلك قبل كده ان لدغتي والقبر، شغلك مستقبلك المهني والصحفي في ايدي، حافظي على مستقبلك أحسن!.
غادرت الغرفة ثم وقفت في منتصف المكاتب لتقول بنبرة مهزوزة: لو سمحتو يا جماعة، انا عاوزه اقولكوا حاجة ..
الجميع انتبه لها، فانتبهت ان خديجة غير موجودة، طلبت من زميلتها ان تجعلها تحضر في الحال، امتثلت زميلتها فورا وذهبت سريعًا لخديجة ...وجدتها تبكي منزوية باحد اركان الكافيه..
_ خديجة تعالي بسرعة عاوزينك بره؟!

غادرت قبل ان تستفهم منها، فخرجت خديجة وجدتهم مجتمعين يحدقون بها وب علياء، فخرج صوت علياء معتذرًا: انا بتأسف لخديجة عن سوء التفاهم ده انا مقصدتش طبعا اهنيها او اي حاجة، بس اظاهر حصل لبس في الموضوع، اظاهر سلستي شبكت في شنطتها انا بعتذرلك يا خديجة، واتمنى انك تسامحيني؟!.
تقدمت منها خديجة ثم عانقتها تحت صدمة علياء، فهمست خديجة بتشفى: طبعا انتي متوقعة ان اضربك بالالم زي ما ضربتيني قدامهم، بس انا مش هاعمل كده، انا هاكتفي بنظراتهم ليكِ و علامات ايده اللي على وشك، برغم انك ضربتيني بس انا متكسرتش زي ما انتي مكسورة كده دلوقتي!، منظرك ايه قدام نفسك وانتي لعبة في ايده!.

ابتعدت عنها خديجة وهي تنهي حديثها بابتسامة صفراء تحمل بين طياتها التشفي منها، صفق الجميع لخديجة وتزايد حديثهم عن مدى طيبة قلبها، وانقلب الوضع رأسا على عقب، تركتهم خديجة ودلفت الى الكافيه مرة اخرى، اخذت متعلقاتها وقبل ان تخرج اوقفتها زميلتها السابقة:
_ حقيقي انتي اثبتيلي انك قلبك طيب اوي، انا اتوقعت انك تضربيها بالالم..
ابتسمت خديجة بحزن: اوقات النظرات بتوجع الف مرة يا سميرة من الضرب!، الضرب ده للانسان الضعيف بس!.
اقتربت منها سميرة وهى تبكي فجأة: انا عاوزه اعتذرلك يا خديجة، انا كان في ايدي ابرئك وسكت !.

قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم: مش فاهمة قصدك!.
هتفت سميرة موضحة: كان في ايدي ان افهمك قبل ما تروحي لاستاذ عمار هو عاوزك ليه؟!، انا سمعتهم امبارح غصب عني والله وهو بيتفق معاها، كان ممكن احذرك بس خوفت منه، انتي عارفة انا بصرف على امي وابني، خوفت يعرف يرفدني وخصوصا باين انه مجنون وافعاله غريبة، سامحيني يا خديجة .
هتفت بحزن: اللي بيسامح ربنا يا سميرة، عن اذنك علشان بنتي اتاخرت عليها..

بمنزل رأفت...
دلفت لغرفه عمها وهيا تشجع ذاتها بأخباره بقرارها الاخير بعد تفكير مضى... وجدته يجلس بجانب النافذة، يطفئ سيجارته ويقوم باشعال الاخرى غير منتبه حتى لدخولها، تقدمت منه تجذب سيجارة من يديه وتضعها جانبًا قائلة بعتاب: سجاير كتير كده غلط يا عمو على صحتك.
لم يعيرها انتباه لحديثها والتفت بجسده للجهة الاخرى، اما هي فقالت: انت زعلان مني ولا ايه!.
انفعل رأفت فجأة ووقف يهتف بغضب: اه زعلان منك يعني ايه ابلغه بكلامك اللي قولتيه من شوية ده، هو انا عيل قدامك، علشان نجيبه ويتقدم وتاني يوم لا مش عاوزين شكرا!..

تجمعت الدموع بعيناها سريعًا فحاولت التبرير: مالك ده انا مش حاساه ولا فاهماه، منين معجب بيا ومنين متخشب كده، ده انهارده كانه بيقضي واجب عليه وخلاص حتى الدبلة المفروض يلبسها مش عاوز يجيبها، وكمان مخدش رايي نعمل حفلة خطوبة ولا لأ، نهى موضوع وخلاص، ده جابني على هنا وخلاص، زي مايكون حد غصب عليه الجوازة دي.

هتف رأفت بعصبية: الراجل كان معاكي صريح من الاول، وقالك كل حاجة، وقولتلك شغله مأثر عليه وعلى حياته، واللي انتي بتفكري فيه ده شكليات خطوبة ايه ودبلة ايه!، وبعدين فين الناس اللي هاتحضر الخطوبة انا وعمك سمير وانتي وهو وبس اللي هنبقى موجودين،فعلا هتبقى حفله تجنن !، انتي مالكيش صحاب يسندوكي في يوم زي ده!.

شعرت بالقهر من حديثه فقالت: ماليش علشان انت كل ما اصاحب حد لا سيبي دي، بلاش دي، دي بنت مش كويسة، حضرتك تدخلت في حياتي، حتى دراستي فرضت عليا حاجة معينة علشان منزلش كتير، وكل شوية بننتقل من محافظة لتانية مش ذنبي ان استحملت ده كله وسكت..
تملك الغضب منه وشعر انه لو استطاعت نهله ان تعرف مكانها وعملت ندي بعائلتها ستكرهه وتختار العيش معهم عوضاً عنه، هنا ادرك أهميه حديث سمير، فقال بحزن: كتر خيرك يا ندى انك استحملتيني وسكتي ومتكلمتيش، بس انا كنت بتعامل بخوف مع بنتي، بنتي يا ندى.

تركها وغادر غرفته ووصل حزنه لقمته، أصبحت ندى ناضجة وبدأت تكره حياتها معه، من المتوقع انها في يوم من الايام ستتركه ويبقى هو وحيد، عاش حياته باكملها يحاول حمايتها ويعاملها كانها ابنته، يجب ان ينهى تلك المهمة بسرعة ويقدم استقالته بعدها ويأخدها الى بلد اخرى، يأسس معاها حياة جديدة بعيدًا عن مخاوفه، مر دقائق وهو مازال يفكر، قطع تفكيره مجيئها له ووجهها ارضاً
رأفت بحزن: موطية وشك ليه!.

رفعت وجهها وكان ملئ بالدموع: انا اسفة جدا، انا لما قولتلك ان استحملت وكده...
صمتت فجأة ثم بكت بقوة لانها شعرت بمدى خطائها اتجاه عمها!، الذي افنى حياته رافضا الزواج من أجلها .
تقدم منها رأفت ثم مسح دموعها وقال بحنان أبوي: ندى انتي بنتي اللي مخلفتهاش، انا يابنتي والله بحبك جدا وبخاف عليكي لو كنت بدخل في حيااتك وبمنعك عن صحابك فده من كتر خوفي عليكي، انا شغلانتي صعبة وممكن تتأذي بسببي.

عانقته بقوة قائلة: عمو انا مقدرة ده كله، بس مالك ده انا خايفة حياتي تبقى معاه تعيسة، فخليني بعيد احسن!.
تعيسه!، تلك الكلمة كانت بمثابة حبل قوي يشنقه، ولكن حديث سمير يتكرر باستمرار باذنه، تجاوز حديثها سريعًا وبدء اقناعها: مالك شخصية صعبة مش سهلة ومش من عيال شباب اليومين دول، لا ده راجل تصرفاته تبقى كلها رجولة وشدة علشان هو متعود على كده، هو كان صريح من الاول متستنيش منه من اول مقابلة كلام حب مثلا!.

شعرت بالخجل منه وتوردت وجنتيها، ولكن عاد رأفت وتحدث: هايبقى معاكي دبش استحملي، انا واثق فيه جدا وحابه ليكي، وبعدين تقدري انتي تغيريه...
اعطها الخاتم بعدما تناوله من على المقعد وقال برجاء: خدي البسي الخاتم ومتخلعهوش، انا عاوز اطمن عليكي!، واديله فرصة تانية .

نظرت للخاتم مطولًا فمن الواضح انه قدرها مهما حاولت ان تبتعد عنه، فكرت جيدًا، لما لا، تعطيه فرصه ثانية وتحاول فيها فهم شخصيته وتفسير غموضه، وضعت الخاتم باصبعها: مقدرش منفذش كلمة ليك يا عمو، اوعى تكون زعلان مني!، وعلشان اتاكد انك مش زعلان تعالى وصلني واحضر معايا الفرح اللي قولتلك عليه!.
فكر رأفت سريعًا، ووجدها فرصة جيدة لهم فقال: لأ، للاسف كان نفسي، بس مالك وانا بقوله ان هاوصلك فرح قالي لا هاروح معاها انا واهو فرصة نقرب من بعض، شوفتي بقى هو بيفكر في ايه وانتي بتفكري في ايه!.

ندى بخجل: هو قالك كده!.
هز رأسه وصمت، بينما هي ابتسمت: طيب شوف هو او انت المهم اروح الفرح ده.
غادرت لغرفتها، اما رأفت فاجرى اتصالًا سريعًا بمالك..

جلس بغرفته بعد يوم طويل ومرهق، وخاصة عندما ناقش يارا بفعلتها وواجهها باخطائها وكالعاة يارا تجادل وتجادل فقط لمجرد ذكر اسم فارس!..
عدل من جلسته ليجعلها اكثر راحة له، ثم اغمض عيناه محاولًا ان يستعد صفاء ذهنه ولو لدقائق معدودة،ولكن تلك اللحظة لم تكتب له بسبب رنين هاتفه الذي ارتفع مجددًا يصدح بارجاء الغرفة، التقط هاتفه فوجده رأفت زم شفتيه بضيق واضح، فقال: هو يوم مش فايت انا عارف!.
زفر بضيق ثم اجاب بشئ من العصبية: الو، خير !.

استغرب رأفت حديثه: خير يا مالك!.
حاول مالك ان يتحكم باعصابه: معلش يافندم كنت بحسبك حد تاني .
رأفت متفهمًا: لأ عادي، كنت عاوز اقولك على حاجة يا مالك، انا عارف ان بضغط عليك!.
مالك بنفاذ صبر: لا اتفضل.
رأفت: عاوزك يبقى اسلوبك الطف مع ندى، يابني روحتو تشتروا الدبل و البنت جت عاوزة ترجعلك دبلتك تاني وتنهي الموضوع، من يوم يا مالك ولسه موصلتش للجواز.

مالك بضيق: مش فاهم امال اتعامل معاها ازاي!.
رأفت: يعني تقولها كلمتين حلوين..
قاطعه مالك: لا كلمتين حلوين مش هاقدر، انا ضميري معذبني وانا متجاوزتش حدودي معاها تقولي اقولها كلمتين حلوين!.
رأفت: يامالك كل اللي انا بطلبه تعاملك معاها يبقى الطف من كده!.

مالك: ان شاء الله.
رأفت: طيب هي وراها فرح بنت من الدار اللي هي بتروحه ابقى روح معاها بمناسبة خطوبتكوا، هي هتبقى مستنياك على الساعه ٩ سلام.
أغلق رأفت الاتصال قبل سماع رد مالك، اما مالك فالقى هاتفهه على فراشه وبدأت ملامح الغضب تسود وجهه من جديد.

عند يارا.. فقررت ان تطرق باب والدتها بعد صراع طويل وتجهيز كلمات مناسبة لتعتذر عما فعلته..، فمعنى التزام والداتها الصمت معاها هذا لا يعنى الا شئ واحد، الا وهو ان والدتها اختارت الخصام كعقاب قوي لها!.
دلفت للغرفة فوجدتها تجلس على سجادة الصلاة تنهي صلاتها انتظرت ثواني حتى انتهت تمامًا فتقدمت منها يارا وهي تتحدث: حرمًا يا ماما..
وما توقعته حدث بالفعل، لم يصدر عن والدتها اي رد فعل، قضمت شفتيها من فرط توترها وعصبيتها، عادت تتحدث برجاء طفولي: ماما انتي عارفة كويس انا بحبك قد ايه، فمتزعليش مني، انا مغلطتش فيكِ ولا في حد!.

اكتفت ماجي بارسال نظرات عتاب لها عما فعلته فنكست الاخرى رأسها بضيق: غلطت فيه، طيب انتي مالك وماله، ما يتحرق هو..
الى هذا الحد وكفى،نهرتها والدتها بحدة: مين ده اللي يتحرق يا يارا، فارس صاحب اخوكي اللي متربين مع بعض، ده كلام يطلع من واحدة عاقلة وكبيرة،تحرجي الراجل في بيتنا، هي دي تربيتي ليكِ.

بلعت حديث والدتها اللاذع، ومررته سريعًا ولم تحاول حتى الوقوف عنده حتى لا تبكي، فقالت: طيب انا غلطت ايه يرضكي.
وضعت والدتها "اسدال الصلاة" جانبًا لتقول بنبرة قوية لا تتحمل النقاش: انتي مهنتنيش انا، علشان تراضيني، زعلتي فارس، تتصلي عليه وتعتذري له، لا تتصلي ايه انتي تروحي لغاية بيته وتعزميه على الغدا عندنا.
رفعت بصرها ترمق والدتها بصدمة: انتي عاوزني اروحله بيته!.

هزت رأسها بقوة قائلة: اه خدي عمرو معاكي، يالا، وقتها هارضى عنك،واعرف انك بنتي اللي ربيتها..
استطردت ماجى حديثها بلهجة حادة: ودلوقتي تتفضلي يالا علشان عاوزه اعمل مكالمة مهمة .
غادرت يارا الغرفة متجهة لغرفتها بغضب وما ان دلفت حتى انفجرت بالبكاء والحديث معًا، وكأنه يوجد شخص بالغرفة يستمع لها ويمتص انفاعلاتها، باتت تتحرك بالغرفة على غير هدى وهي تقول بنبرة شبه عالية: عاوزاني أروحله بيته واعتذرله، اعتذر للي كسر قلبي في يوم من الايام، آه يا ماما لو تعرفي وجع بنتك ازاي، هاتكرهيه اضعاف منا بكرهه.
توقفت فجأة عندما تذكرت مجددًا ما حدث منذ ثلاث اعوام...

( فلاش باااك).
دخلت غرفتها، وهي تضع يدها على قلبها من شدة الالم و الوجع، بكت لما سمعته من مالك اخيها، لا يعقل فارس يتزوج فتاة اخرى غيرها، ونظراته لها وحديثه ؟ واحساسها به وبقلبه ؟ هل كل هذا عبارة عن وهم ليس الا ؟
اختارت ان تكتم صوت بكائها، ولكن بداخلها يتمرد ويصرخ بقوة،.رافضا الانصياع لاوامرها، امالها واحلامها تحطمت وعلى يد فارسها، فارس احلامها!، مسكت جوالها بسرعة وضغطت على زر الاتصال، اردات ان تسمعها منه لعلها تتأكد، و بنفس الوقت بدخلها يريده ينفي حديث اخيها ...واخيرا جاء صوته..
:_ الو..

يارا بنبرة يتخللها خذلان: مبروك.
فارس بعد دقيقة صمت: الله يبارك فيكي.
شهقت بصوتها وحاولت ان تكتم صوت بكائها، ليست يارا الفيومي من تنكسر امامه.
اغلقت الاتصال.. وبعدها جذبت الوسادة وضعتها على فمها كتمت صوت انفاسها وهي تبكي، من الممكن ان تهدئ وجع قلبها، ولكن في الحقيقة انه بسبب ذلك الفقدان والالم نتج عنه خسران حبيب وعشيق يتمناه القلب والعقل في كل ليلة،فصدر عنه شرخًا كبير، و ذلك القلب البرئ الذي لا حول ولاقوة له بدء بينزف بسببه.
( باااك ).

رفعت وجهها بعد دقائق كثيرة لم تعرف كيف مرت عليها حتى الان، ففكل مرة تتذكر تلك النكسة يتجدد الشرخ من جديد، ذهبت باتجاه خزانتها ثم اخرجت ثيابها وهي تقول: وحياه كل لحظة وجع وجعتهالي لاندمك عليها يا فارس..

في قاعة الفرح..
حرب تدور بداخلها وهي تنتقل من هنا لهناك وفتيات الدار بجانبها فخورين بها وبوجدها معهم، اما حربه هو فكانت مابين رجولته المسيطرة عليه بسبب جمالها وذلك احمر الشفاه الذي جذب انظار الجميع لها حتى فتيات الدار!،، معنى ذلك انها لاول مرة تضعه، ومن هنا بدأت الأسئلة تغزو عقله من جديد، لما تضعه ؟لاجله ؟ اتريد لفت انتباه !، ...الى هنا قطع شروده يدها التي كانت تلوح امام وجهه، قائلة بصوت رقيق:_ مالك..
التفت بوجهه للجهة الاخرى هامسًا لنفسه: استغفر الله العظيم لو تبطل تناديني، هارتاح واقسم بالله!.

عاد يحدج بها مبتسمًا نصف ابتسامة: نعم!.
جلست على المقعد بجانبه قائلة: انا اللي نعم، بقالك ساعة بتبصلي وانا مع البنات افتكرت عاوزني اجاي، فجيت.
مالك بجمود: لا براحتك، تلاقيني كنت سرحان!.
شعرت بالاحراج لرده، فنهضت سريعاً وعيناها فاضت بالدموع، وتلك هي عادتها كلما شعرت بالاحراج، قاطعها فتاة من الدار وهيا تعطيها شيء ما ...
':_ ابله ندى، اتفضلي جاتو بنات الدار اللي عاملوه والله، وانتي عارفة قد ايه احنا نضاف، كلوا ومتخافوش!.

ندى بصوت مبحوح ومهزوز، تحاول جاهدة منع عيناها من البكاء:شكرا ياسامية ..
دققت سامية النظر بها، وأدركت انه هناك خطب ما يجعلها حزينة لهذا الحد،فضلت ان تبتعد عنهما حتى تعطيهما المساحة الكافيه، وضعت الصحن امامه دون ان تتحدث او حتى ترفع وجهها، فلاحظ رجفة يديها، ووجها الذي مازال محتفظًا بنظراته للصحن، فاخرج منديلًا ورقيًا واعطاها قائلًا:_ خدي ده علشان الظاهر حاجة طرفت عينيك.

أخذته بهدوء ثم مسحت عيناها برقة قائلة: اممم عندي حساسية في عيني!.
_: اكيد علشان جميلة يا ندوش!..
رفع مالك وجهه وحاجبه ارتفع، اما ندى فالتفتت لمصدر الصوت، فكان عصام المسؤول عن الدار!، نهضت ندى ثم تحدثت باريحية: انت كنت فين، من وقت ما جيت وانا بدور عليك!.
عصام: كنت بظبط شوية حاجات مع صاحب القاعة، بس ايه ده ايه الشياكة دي، احنا نعمل كل يوم فرح!.

ضحكت بخجل: بكاش اوي، امال فين نا..
نهض واقفًا فظهر جسمه الرياضي وكأنه يستعرضه لعصام وسأل بحدة: ماتعرفينا!.
أحست بالتوتر من نبرة صوته، فاجابته: ده عصام المسؤول عن الشؤون المالية في الدار، وكمان...
قاطعها عصام بفضول: مين الباشا!.
ابتسمت ندى: ده مالك خطيبي .
تصرف الاخر بغباء ودهشة غريبة: ايه ده اتخطبتي، الف مبروك يا ندى...

ومد يده يسلم عليها!، ولكن يد مالك سابقتها وسلم عليه بشدة، فكانت نبرته قوية خشنة: مبتسلمش!، والله يبارك فيك، متشكرين!.
شعر عصام بالاحراج من اسلوبه الفظ معه، فقرر ان يستأذن بلطف، بعدما غادر، سألته ندى بشئ من الضيق: ليه عاملته كده!.
جلس مكانه وتحدث بصيغة امر وبحدة: معملتش حاجة غريبة، ده المفروض اللي يحصل، متسلميش على راجل، والروج اللي انتي حاطاه امسحيه واول واخر مرة تحطيه، انتي ماشية معاكي راجل..ياريت مضطرش اعيد كلامي تاني..
نهى حديثه ثم جذب جواله يعبث به مقررًا ارسال رسالة لصديقه " فارس" ( انا مخنوووق، وحاسس الدنيا بضيق بيا).

أوصلها عمرو الى البناية التى يقطن بها فارس..
يارا: يالا ننزل، اقول الكلمتين ونمشي، عشان مطولش في الكلام معاه ماشي.
رفع عمرو احد حاجبيه مستنكرًا لهجتها: هو انتي جاية تصالحيه ولا تتخانقي!.
زفرت بحنق قائلة: لا جاية اقتله واخلص منه، جرى ايه يا عمرو انت هتحاسبني!.
وقبل ان يتحدث، صدح رنين هاتفهه بالنغمة المخصصه لها، فابتسم بسعادة هاتفًا: مريم..
_ عمرو وحشتني..

كان صوتها خافتًا وضعيفًا، فنسى الاخر امر اخته وتحدث بهيام: ده انتي اللي وحشتيني وربنا..
_ بابا نايم، قولت اتصل اكلمك شوية !.
ابتسم بسعادة قائلًا: ده احسن حاجة عملتيها وربنا، ده انا فكرت اروح ابلغ ان في عمليات ارهابية في سينا علشان ابوكي يرجع شغله تاني ويقطع الإجازة !..
استمع لصوت ضحكاتها الخافتة، فازدادت ابتسامته البلهاء، اما يارا فحاولت جذب انتباهه ولكن الاخر كان بعالم أخر، فقررت الصعود هي، هبطت من السيارة وهي تتقدم من البناية فوجدت فارس يقف بمدخل البناية يضحك مع فتاة صغيرة واخرى كبيرة تنظر له باستيحاء اقتربت منهما وبدأت تحتد انفاسها..فسمعتها تقول برقة: مكنش له لزوم كل ده يا استاذ فارس.

رفع الاخير عينيه ليقول بعتاب: بلاش الكلام ده يا مدام خديجة، ايلين دي قلبي ولو اطول اخدها منك على طول هاخدها..
هتفت الصغيرة بحب: وانا كمان بحبك قد البحر وعاوزك تاخدني على طول..
ضحكت خديجة قائلة بحزن مصطنع: كده يا ايلين بعتيني في ثانية ..
شاركتهم يارا بحديثها الساخر: لا أصل اونكل فارس قلبه كبير ويسيع من الحبايب الف، واستاذ في البيع...
همس بعدم فهم: يارا!.

هزت رأسها باستنكار، اما خديجة فمدت يديها ترحب بها: اهلا وسهلا بيكِ، انا خديجة جارة فارس.
بادلتها يارا السلام بفتور واضح: اه وانا اخت صاحبه وفي قرابة ما بينا!.
جذبت خديجة ايلين من يديها ثم قالت: عن اذنكوا احنا، سلام..
ثم وجههت حديثها للصغيرة: يالا يا ايلين نجيب الطلبات من الماركت بسرعة .

هزت الصغيرة برأسها باستسلام، اما فارس فبقى ينظر لها باستفهام وهي محتفظة بتلك النظرة المستنكرة، فقطع هو الصمت ولغة العيون بينهم: جايه ليه يا يارا!.
عقدت ذراعيها امامها لتقول بكبرياء انثى قد جرحت من قبل، ترفض الان هدر كرامتها ولو لحظة: ماما زعلانة مني علشان زعلتك، علشان موقفك الطفولي الي عملته، فأصرت عليا اجاي وقال ايه اصالحك...

ظهرت شبح ابتسامة على محياه فاقترب منها قائلًا بمكر: وقال ايه انت جاية تصالحيني دلوقتي صح، بس تصدقي انا كل مرة بتأكد انك لغاية دلوقتي بتحبيني!.
هزت رأسها بنفي لتقول: لا انا مش بحبك.
فابتسم هو بخبث قائلا: امال بتكرهيني؟!.
هزت رأسها مرة اخرى لتقول بنبرة قاسية: انا ولا بحبك ولا بكرهك، انا مش شايفك اصلًا.

التفتت لكي تغادر واكتفت بتلك الإجابة البسيطة، اما هو فاقترب بسرعة منها هامسًا: انا محفور في قلبك وعقلك ومهما حاولتي تهربي، هاتستلمي في الاخر، بس عجبني رضا الام ده!.
التفتت له لتقول بنبرة سمجة: اه ماهو رضا امي اهم من اي حاجة حتى ولو كانت انت، سلام يا...، يا ابيه فارس !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة