قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الخامس

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد

رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الخامس

وقفت امام "الماركت" تتجاذب الحديث مع الصغيره، والاخرى كانت تجادلها بضيق طفولي، ولكن هناك كان من يتابعها بعيناه الحادتان، حاول التركيز معاهم ففضوله يثيره لمعرفه سبب تذمر الصغيره، ولكن عندما دقق النظر بهم، لانت ملامحه الجامده وتحولت في لحظه الى أعلى درجه من درجاات الهيام، فتلك هى حالته عندما ينسى أصله وما فعلته به، أغمض عيناه بقوه عندما سرح بخياله وتخيل تلك الصغيره ابنته وهو ينعم بدفئه معاها، لعن تلك الظروف التى فرقتهم وجعلت من رابع المستحيلات ان يجمعهما بيتًا واحد، او حتى تتحقق مخيالاته تلك!.

زفر بقوه محاولًا ارجاع الهدوء لنفسه وذهنه، ونفض تلك الفوضى التى أثارت الكثير والكثير من المشاعر بداخله وجعلته عمار الضعيف مجددًا، لمحها تقف مع والدها وتتحدث بارتجاف!، والصغيره تقف خلفها ترمقه بحده وكره، متى ظهر ذلك الفظ، أيعقل انه سرح لمده كبيره بخياله، هبط من سيارته وذهب بالاتجاه الاخر سريعًا ودلف الى الماركت ثم خرج من الباب الاخر، وقف بالشارع الجانبي يستمع بتركيز لحديثهم العالى..

_ ارجوك يا بابا سيبني دلوقتي أروح، وبعدين نبقى نتكلم بعدين!.
هتف والدها بغلظه: بابا ايه بقى وانتي مش عامللي احترام!.
هتفت بتلعثم: انا حضرتك محترمه وانت مربيني كويس...
بتر حديثها بعنف: محترمه فين، لما بتشتغلى عند ابن خالتك والله اعلم بتعملي ايه معاه، وكمان بتقفي تتكلمي مع جارك في العماره عادي، انا عرفت دلوقتي ليه رافضه تيجي تعيشي معايا، انا مش هاسيبك تبقي زيها!.

أحمر وجهها من حديثه المسئ لها، فقالت بضيق: انا محترمه جدا باماره لما سبت خطيبي والانسان اللى بحبه علشان خاطر حضرتك واتجوزت وشيلتني مسؤوليه أكبر من سني، انا مبشغتلش عند ابن خالتي، انا بشتغل في جريده كبيره وفيها ميه واحد وواحده بيشتغلوه، وابن خالتى جه فاجأه بقى مديري انا مش هاسيب شغلي اللي انا باكل وبشرب منه علشان شويه تفاهات او ذكريات فاتت ودفنتها، وجاري ده بيسال عليا علشان عارف ان انا وحيده، وهو انسان محترم ومشوفتش منه الا كل خير، وايلين متعلقه بيه من ايام ابوها الله يرحمه!.

جذبها من يديها بعنف ليقول بغضب: لا كبرتي وبقيتي تدافعى عن نفسك ومبقتيش تخافي وتكشي زي الاول، اعرفي ان انا صبري بدأ ينفذ، وقولتلك قدامك فرصه اسبوعين تسوي امورك وتسلمي البت دي اي دار ايتام، علشان انا عطيت الراجل كلمه والجواز في آخر الشهر.
تركها وغادر مبتعدًا عنها وهى تنظر في اثره وعيناها تفيض بالدموع، جزت على اسنانها بعنف وهى تنهر نفسها بداخلها على ضعفها امامه، استفاقت على يد الصغيره تهزها بضعف وهى تقول ببكاء: انتي هاتوديني دار ايتام ياماما، وتسيبني.

اخرجت تنهيده قويه من صدرها وهى تقول: انا لايمكن اسيبك ابدًا يا قلبي، يالا نروح علشان الدنيا بقت ليل اوي علينا.
هزت الصغيره رأسها بضعف ثم تمسكت بيدها بقوه خوفًا من فقدانها.
اما هو فسند بظهره على الحائط مغلقًا عيناه مفكرًا بهدوء مستمتعًا بسواد الليل وسكون المكان...

بشقه فارس وضع امام صديقه اطباق فارغه ثم قال ساخرًا وهو يفتح تلك الصناديق المغلقه: من امتى وانت مهتم باعمال الخير، ودار وبنات بتتجوز مالك يابني هو انت قربت تموت!.
القى بوجهه الوساده قائلًا: ليه هو انا مبعملش خير، ومش هاعمله الا لما اموت!.
ابتسم فارس قائلًا بتعجب وهو يقدم له الصحن: لا اصل انا مستغرب من كلامك، وداخل عليا بجاتوه...
وضع الصحن امامه هاتفًا بضيق: تصدق انا غلطان ان جتلك وجبتلك حاجه حلوه تتاكلها، اهو حاجه تبلعك اللي يارا عملته فيك.
فارس بضحك: سيبك منها وقولي مالك، عينك فيها كلام.

مالك ساخرًا: عيني فيها كلام، انت عارف لو حد سمعك كده هايشكوا فيك!.
فارس بمكر: اهرب، بس مش هاسيبك مالك، عملت ايه!.
أطلق تنهيده قويه من صدره: عملت حاجة ضميري معذبني بسببها، حاجة لو حد سمعها يستغرب!..
فارس مستنكرًا: شربت حشيش!.

نظر حوله وجد وساده أخرى فجذبها ثم القاها بوجهه بعنف قائلًا بضيق: بطل ظرافة.
أمسك الوساده ثم القاها بعيدًا وهو يقول: امال ايه الالغاز دي، ما تتكلم على طول!
‏رمقه لفتره قليله مفكرًا بما سيتفوه به، فنهض من مكانه وجلس بجانبه، عقد فارس ما بين حاجبيه متعجبًا لما يفعله صديقه،ف زاد تعجبه عندما بدأ يسرد مالك ما بداخله بصوت منخفض وكأنه يوجد شخص ثالث يستمع اليه، وفي الحقيقه انه كان يخفض صوته خوفًا من ضميره الذي يعذبه رويدًا مع نطقه لكل كلمه فعلها او سيفعلها مع تلك البريئه الجميله، اتسعت أعين فارس فقال: انت بتتكلم بجد، انت وافقت على المهزلة دي!، اخرج من اللعبة الحقيرة دي بسرعه!.

مالك بعدم فهم: قصدك انها بتلعب عليا هي وعمها، بس هي عمرها ما شافتني!.
هز فارس رأسه بنفي: لا مقصدش هي طبعا، انا اقصد عمها يامالك، ده اكيد عاوز ينتقم منها، مفيش حد عاقل وبيحب حد يطلب الطلب السخيف والمهين ده، الا اذا كان عاوز ينتقم منها!.

‏صمت لبرهه ثم تحدث: طب وهو عاوز ينتقم منها ليه، ما يمكن خايف عليها فعلا من شغله وتهديدات الي بتجيله، ده هايقدم استقالته بعد العملية دي!
فارس بإصرار: لا انا متاكد ان في حاجة كبيرة غير كل الكلام ده، هو اللي خلاه يطلب منك الطلب ده، صدقني.
زفر مالك بضيق قائلًا: البنت رقيقة جدا، هشة، ملهاش حد الا هو يا فارس، وانا نظرتي عمرها ما تخيب، زي مانا متاكد زيك انه وراه سر كبير، ممكن يكون عاوز ينتقم منها، ووقتها مش هاقدر اسيبها.
فارس بهدوء محاولًا اقناعه: الجواز مش لعبة يا صاحبي !.

مالك: وانا متعودتش اشوف حد في محنة او هايقع في مشكلة ومساعدوش،افرض كان كلامه حقيقي ورفضت اساعده وهي حصلها حاجة، اشيل ذنبها العمر كله، وبعدين انا اديته كلمة، وانا راجل واتربيت ان مرجعش في كلمتي حتى لو كانت عواقبها وخيمه.
فارس ساخرًا: اهو ادبك والمبادئ اللي ابوك رباك عليها هاتوديك في داهية، الدنيا بقى يحصل فيها عجايب ومش عاوزة المبادئ السامية بتاعتك دي!.
مالك بضيق: مش حكاية مبادئ سامية، قد مانا عارف شغلتنا كويس، وعارف انه فعلا ماسك قضية صعبة وتقيلة، والجهاز كله عاملها الف حساب، نبرة خوفه وهو بيكلمني، هي اللي خلتني اوافق.

فارس بلامبالاه: انت حر وادرى، بس نصحتك من الاول بلاش!.
مالك: قوم اعملي قهوة واعتبر كاني محكتش حاجة… من حق امي عزماك بكرة على الغداا متتأخرش.
نهض فارس متوجهًا للمطبخ: اه منا عرفت من اختك، المهم متنساش نزور قبر ياسمينا اخر الشهر ده.
هز مالك رأسه بايجاب دون ان يتحدث ثم اغلق عيناه محاولًا للمره الالف استعاده صفاء ذهنه من تلك الضوضاء التى بااتت تسيطر بشكل قوي عليه وعلى تفكيره..

اما ندى فكانت ترقد بفراشها وهى تبتسم بنعومه، رغم بساطه اليوم، وحديثه القليل، وصمته اغلب الوقت، الا انها استطاعت التعرف على جزء بسيط من شخصيته، وتأكدت من غيرته الواضحه عليها رغم معرفتها له من يومان فقط ولكن تذكرت حديث عمها الذي اخبرها باعجاب مالك بها، تحسست شفتاها بهدوء وهى تتذكر صوته وهو يأمرها ان تزيل أحمر شفاها...كتمت ضحكه صغيره ثم قالت: طب انا بضحك ليه!.
وضعت يديها على وجهها وهى تقول بنعومه: شكلك كده اتجننتى يا ندى..

سمعت طرق الباب اعتدلت في فراشها وأذنت بالدخول، فدخل رأفت قائلًا بهدوء: اخبار يومك انهارده يا ندوش.
لملمت خصلات شعرها البني للخلف وهى تقول بخجل: الحمد لله كويس أوي.
جلس بجانبها وهو يسألها: مالك ضايقك انهارده؟!.
هزت رأسها بنفي هاتفه: لا بالعكس كان لطيف ياعني وطلب مني اننا نخرج بكره.
رفع رأفت حاجبيه متفاجئًا: بجد!، هو قالك كده؟!.

قطبت ما بين حاجبيها ثم سألته باهتمام: اه هو في حاجه ياعمو..
تدراك الموقف سريعًا ثم قال: لا عادي ياعني، المهم اتبسطي بقى بفتره الخطوبه وحاولي تتعرفي عليه كويس.

هزت رأسها ثم صمتت اما هو فقبل جبينها ثم غادر الغرفه، جذبت هاتفها وحاولت البحث عن اسمه في مواقع الاتصال الاجتماعي لم تجده قطبت جابينها فقررت ان تأخذ خطوه معه وتحادثه عبر ما يسمى بالواتساب... كتبت العديد من الرسائل ثم عادت وتحذفها مره اخرى، فتوصلت في نهايه الامر ان تسأله ...
( هو انت معندكش فيس او انستجرام؟!).
أرسلت الرساله فوجدته يرد عليها سريعًا...
( اممم لأ ).
اجابته مختصره ولم يحاول حتى ان يحادثها في امور مختلفه، شعرت بالضجر منه، فقررت اغلاق الهاتف وان تخلد للنوم لعلها تجد منه الرد المناسب في احلامها الورديه!.

اما مالك فوضع الهاتف جانبه... زفرًا بقوه: متعرفش ان انا عاملها بلوك، انا الاحسن اعطل حسباتي دي لغايه ما اشوف اخره الموضوع ده!..
جذب الهاتف مره اخرى وعطل جميع حسباته الشخصيه، ثم قرر ان يخلد للنوم، اغلق عيناه فجاءت في مخيلته صورتها وهى تزيل احمر شفاها برقه واصابعها الصغيره تمسك المنديل وتضغط عليه بقوه، فتوردت شفتاها واصبحت مثيره اكثر للناظرين، وعيناها التى تجمعت الدموع بها فاعطتها منظر طفولي وبرئ مع احمرار انفها الصغير..تمنى لو لحظه ان يمسك ذلك المنديل ويلقيه بعيدًا ويزيل دموعها من على طرف جفنيها، ثم يهبط باصابعه على وجنتيها مستمتعًا بنعومتهما مرورًا بشفاتها الصغرتين فيزيل باصابعه احمر شفاها مستمتعًا لاقصى حد ملمسهم تحت يده، خرجت تنهيده حاره منه قائلًا لنفسه: اطلعي من دماغي بقى ياندى، اخرة التخيلات دي ايه!.

خرجت على أطراف أصابعها تتفقد الشقه، وتطمئن بوجود والدها بغرفته، تحركت بخفه في ارجاء الشقه الى ان وصلت غرفه والدها فتحتها بهدوء ثم ادخلت رأسها الصغير من فتحته الباب وجدته ينام ويغط في سبات عميق، رسمت ابتسامه هادئه على وجهها ثم اغلقت الباب بهدوء كما فتحته وذهبت سريعًا نحو غرفتها، بحثت عن هااتفها حتى وجدته فقامت بالاتصال بحبيها وفي ثواني جاءها رده...

_ مريم، ابوكي نام صح!.
هزت رأسها وكانها امامه ثم قالت وهى تبعث بخصلاات شعرها: اه نام، قولت اكلمك.
_ وحشتيني أوي، انا بكره الايام اللي هو موجود فيها!.
عبست بوجهها قائله بهمس: لا انا مبكرهش للايام دي انا اتمنى يبقى موجود كل يوم.
وصل الى مسامعها عتابه: ياعني بُعدك عني عادي؟!.

هتفت بتوضيح: لا ولا بُعدك عني عادي، كل الحكايه انه على قد ماهو شديد وصعب على قد ما قلبه ده في حنيه الدنيا، وبعدين بابا رفض يا عمرو يتجوز علشاني واختار انه يعيش كده علشان انا متعبش مع حد، انتو بتشوفه من بره صعب وشديد بس انا بشوفه حاجه تانيه.
صمتت لبرهه تستمع اليه لم تجد رد، فأكملت سريعًا: عمرو متحطش نفسك في مقارنه مع بابا لان انت حاجه وهو حاجه تانيه خالص!..
سمعت طرق الباب ثم دخل والدها فاجاه، فالم تستطيع تخبأه الهاتف...
_ انتي بتكلميني مين دلوقتي!..

ارتجفت من حدته في الحديث فقالت بتوتر: كنت بكلم ابيه عمرو.
احتدت نظاراته اكثر قائلًا: ليه؟!، وازاي تكلميه في وقت زي ده؟! هاتى تليفون ده..
اعطته الهاتف فوجد ان الاتصال مازال مستمر، وضع الهاتف على اذنه قائلًا: ايوا يا عمرو..
اجابه عمرو بثباات: حمد لله على سلامتك ياعمي.
تحدث شريف بهدوء: الله يسلمك، خير مريم كانت بتكلمك في وقت زي ده ليه؟!.

عمرو بهدوء وثقه لا يعلم من اين جائت: مفيش كانت عاوزني اعدي عليها بكره الساعه ٤ علشان عندها كورس.
ابتسم شريف قائلًا: انا عارف ان انا بتعبك معايا ومحملك مسؤوليه مريم في غيابي، بس انا عارف انها عندك زي يارا وليله والا مكنتش وثقت فيك.
تغاضى عمرو عن حديث شريف وتحديدًا نقطه الاخوه قائلًا: متقلقش مريم دي في عنيا، تصبح على خير.
اغلق شريف الهاتف ثم وضعه امامها هاتفًا: انتي ليه قلقتي كده لما دخلت عليكِ.

رفعت عيناها له قائله بهدوء: كنت بحسب حضرتك نايم، فاتخضيت لما لقيتك دخلت فجأه
جلس امامها ثم قام بالترتيب على يديها قائلًا بحنو: انا عارف ان بضغط عليكي ياعني في اجازتي و بضغط عليكي بعمرو وانا موجود عارف ان بخنق عليكي اوي بس ده من خوفي عليكي يابنتي والدنيا بقت صعبه، وانا بثق في عمرو زي مانا بثق في نفسي كده...

كانت تستمع لحديثه الذي كان بمثابه سوط يجلدها بقوه، هى خانت وتخون وستخون ثقه ابيها بسبب عشق وُلد في قبلها الصغير ليملؤه دفئ افتقدته لاعوام، عشق أصبحت لا تستطيع التنفس والعيش بدونه، انتبهت لغلق والدها الباب خلفه، فعادت من تفكيرها الى ارض الواقع، ارض ستصدم بها بقوه بمجرد معرفه ابيها بحبها لمن وضع به الثقه وجعله مسؤولًا عنها!.

أنهت عملها بالمنزل سريعًا، ثم دلفت لتأخذ حمام دافئًا قد ينعشها ويجعل حواسها تستيقظ لمقابلته، أنهت حمامها ثم ارتدت ثيابها وكانت مكونه من بنطال جينز وكنزه صيفيه من اللون الاصفر، احكمت حجابها الابيض مع حذاء من نفس لونه، نظرت لنفسها بنظره رضا ثم جلست تنتظره وتعد الدقائق، فذهنها يثير الفضول حول معرفته واكتشاف خبايا شخصيته أكثر...ابتسمت بسخريه عندما وجدت نفسها تردد: سياده الغامض بسلامته!.

اما سياده الغامض فكان يجلس مع عائلته وصديقه يتبادلون اطراف الحديث ناسيًا لقائه مع تلك المسكينه حتى وصله رساله منها ( هو انت أجلت خروجه انهارده !)..
ضرب جبينه امامهم بقوم، فجذب انتباه والدته: في ايه يا مالك انت كويس.
نهض سريعًا وهو يقول: مفيش انا اكتشفت ان نسيت معاد مهم، فارس البيت بيتك انا مش هتأخر.
غادر المنزل قبل ان يسمع ردهم، استقل سيارته ثم ارسل رساله لصديقه يخبره بأمر لقاءه بندى...
رفع فارس رأسه فوجدهم يحدقون به باهتمام، صمت لبرهه ثم هتف: ايه رايكوا ننزل نتغدى في اي مكان.
رمقته ماجي باستفهام: والغدا ده اللي انا عامله اودي فين؟!.

هتف عمرو مازحًا: نأجله للعشا..
فارس: صح يالا بينا فرصه متجمعين..
زمت يارا شفتيها ثم قالت بلامبالاه: روحوا انتوا ..
لكزتها والدتها بيديها قائله بتحذير: مش هانزعل فارس يا يارا وكلنا هانروح يالا اجهزو..
وقفت تدبدب بقدميها بضيق طفولي تحت نظراته المسليه، اما عمرو فاقترب من والدته يتحدث برجاء: ماجي ياقمر اتصلي بعمو شريف خلي يجيب مريم معانا..
هزت رأسها برفض: لأ انا مش هاكون شريكه في لعبتك الوقحه دي يا معفن.

رفع احد حاجبيه قائلًا بتعجب: وقحه ومعفن الاتنين..
هزت رأسها بتأكيد دون ان تتحدث، فعاد هو قائلًا: يا ماما هو احنا بنعمل حاجه غلط.
جزت على اسنانها بعنف: اه بتعملوا لما تكون مفهمه ان هى زي اختك وانت تكون بتحبها وداير تقولها كلام حب يبقى دي لعبه وقحه ولا لأ..
كاد ان يتحدث ولكن اشارت له بالصمت لتكمل حديثها: عارفه انك بتحبها بجد، بس انا بتكلم انك بتخون ثقته فانا مش هاكون شريكه في اللعبه دي.
قطب حاجبيه قائلًا: طيب اعمل ايه ماهو راجل معقد وخنيق ولو عرف ان في مشاعر ناحيتها هايبعدها عني وهيرفض جوازها مني.
وقفت لتنهى حديثها: اللي عندي قولته، انا بس ساكته لان انا عارفه دماغه وعارفه قد ايه هو صعب وعارفه هو ممكن يعمل فيها ايه لو حس بس انك بتحبوا بعض.

وصلا أحد الكافيهات الكبيره ثم جلسا بالقرب من النيل، مرت اكثر من نصف ساعه والصمت سيد الوضع بينهم، حتى هى زفرت بقوه دليلًا من استياءها لذلك اللقاء الذي كان بدايته مبشره، انتبه الى تذمرها فزم شفتيه بضيق، ضميره يخنقه ويلجم لسانه وتفكيره أيضًا..
ندى بتردد: مالك، هو انت زعلان!.
هز رأسه نافيًا: لأ!.
ندى: اصل من وقت ما خرجنا وانت زعلان او مضايق، معرفش في ايه!.
مالك بهدوء: في موضوع بس شاغل دماغي شوية، المهم تعالي نتعرف على بعض.

رمقته مطولًا ولكن التزمت الصمت، اما هو فأكمل حديثه: احكيلي عن حياتك اكتر!.
لم تستطيع التخلى عن صمتها ولكن هنا صمتها كان حزن لفقدان عائلتها، اما هو فصمتها الذي أثار الفوضي بداخله، رمقها باستفهام فقالت بنبره حزينه: مفيش حياتي عادية، بابا وماما ماتو وانا صغيرة عندي سنتين، معرفهمش الا من الصور بس، وعمي رأفت هو اللي راباني، هو يبقى اخو بابا من الرضاعة وابن عمه، وانا في اداب علم اجتماع سنة رابعة بس!.

مالك حاول ان يستفهم اكثر عن عائلتها: مالكيش خالات او عمات او حد تاني غيره.
ندى: لأ معرفش في حياتي الا عمو رأفت، عمو رأفت كان بيقولي ان كان ليا عمة اخت بابا اتوفت منتحرة، وان بابا مات من حزنه عليها في حادثة هو وماما بعد موتها بخمس شهور...
عقد حاجبيه قائلًا: مش فاهم، مات في حادثة وحزنه ازاي!.

ندى بتوضيح: اقصد بعد ما ماتت كان حزين وكده، بيقولي انه على طوول مكنش مركز فيوم كانوا سايبني عند طنط منال مرات عمو رأفت الله يرحمها وعمل حادثة كبيرة هو وماما وماتوا.
مالك وهو يسألها باهتمام: وانتي اتربيتي معاهم.
هزت رأسها وابتسمت بحزن: اه بس القدر للاسف اخد كمان طنط منال، ماتت بالكانسر وعمو رأفت رفض يتجوز بعدها.
صمت للحظات، ففاجاته بسؤالها: وانت بقى مامتك وباباك اتوفوا امتى وازاي؟!.

صدمته بسؤالها لم يكن متوقعًا انه سيكون موضع مثل هذا السؤال، الى هذه الدرجه وصلت به الوقاحه ان يطلق على والدته لقب متوفيه وهى مازالت على قيد الحياة! والدته التى لم يتخيل للحظات ان يعيش بدونها، جعلها متوفيه في كذبه حقيره!
لاحظت صمته، مسكت يداه بحركة تلقائية و ربتت عليها برقة: خلاص متحكيش، لما تبقى حابب تحكي عن لحظه وافتهم انا هاسمعك..تعرف انا كان نفسي اتخطب لواحد عائلته موجودة، علشان اعوض الحنان وجو العيلة اللي انا مفتقداه، بس طلع تفكيري غلط، انا ممكن أسس معاك عيلة كبيرة ويبقى فيها جو الدفا اللي انا وانت محتاجينه، وصدقني هاننجح في كده.

نظر ليدها ثم رمقها بحزن ومازالت حالة الصمت تأثر عليه بقوة، أغمض عينيه بحزن وضيق وفي ذهنه يتردد شئ واحد فقط ( متستهلش اللي هايعمله فيها).
بعدت يديها عندما لاحظت صمته الطويل، نظرت للمياة وتابعت حركتها الهادئه، فسألها بنبره لم تقوى على تفسيرهاا..
مالك: الصدق ولا الكذب؟!.
رمقته بعدم فهم: نعم؟!.
مالك: اختاري ما بينهم، الصدق ولا الكذب!.

أجابته بهدوء: مين ممكن يختار الكذب، كل واحد عايش على وش الدنيا دي يختار الصدق، مفيش حد بيحب الكذب.
بلع تلك الخصه التى بات متأكدًا انها ستخنقه يوما ما ثم قال بتردد: طب لو اتحطيتي في موقف صعب وكان لازم تكذبي علشان تنقذي شخص معين، وقتها هتختاري الصدق ولا الكذب.

أجابته ببساطه وابتسامه صغيره: الصدق برده، انا هانقذه بالكذب، بس هارسم حواليه هالة كبيرة من الكذب، الهالة دي لو اتشالت واحدة واحدة، هايتصدم بواقع صعب، واقع لا يمكن يتقبله ابدًا، حتى لو كان في مبررات كتيرة، هايتصدم، وصدمته فيا هاتبقى اكبر من الواقع ده، الكذب بيهدم كل حاجة حلوة، الكذب قادر انه يبني حاجز كبير اوي صعب انه يتهدم، لكن الصدق حاجة كده دايما بشوفها من النور، حاجة سامية، يمكن واقعها بيبقى صعب ومش سهل اللي قدامي يتقبله وقتها، بس هايقدر يتقبلها بعدين بسهولة .

جذب كوب الماء ثم تجرعه مره واحده، لعله يهدأ من ضربات قلبه او ضميره الذي مازال يعذب فيه اكثر واكثر...
ندى باستفهام: بس ليه سؤالك ده؟!.
مالك بلامبالاه متصنعه:عادي بتعرف عليكي اكتر؟!.
ندى ابتسمت: طيب بما اننا بنتعرف على بعض، قولي ليك صحاب؟!.
هز رأسه: اممم فارس.
سألته برقه: ظابط زميلك!.
مالك: لا مبرمج ...

وصلوا امام المكان المنشود، فنظرت هى للمكان من الخارج ثم هتفت متأففه: الكافيه ده مش عاجبني يالا نغيره.
رمقها فارس بتتعالى: محدش طلب رأيك!.
استفزها باسلوبه الذي يتبعه معاها مؤخرًا..فقالت بعصبيه: تصدق انك قليل الذوق..
نظر لوالدتها بحزن مصطتنع قائلًا بهدوء: الله يسامحك.
زفرت ماجي من وقاحه ابنتها ثم قالت: يارا لو لو سمحتى اعتذري من فارس..

نظرت له شرزًا: على جثتي وانا بقى هامشي بدام محدش طلب رأي..
جذبها عمرو قائلاً: اهدى يا يارا، مفيش حاجه حصلت وبعدين الكافيه حلو ويجنن ومشهور..
هتفت ليله مؤكده: ايوا يا يارا، يالا ندخل، اصلًا لو مشينا وراكي بعون الله هانروح ومش هاندخل اي مكان..
تابع حديثهم بتسليه، التفت برأسه الى اليمين قليلًا فوقعت عيناه على سياره مالك، اتسعت عيناه فصدمه وحاول عقله ان يسعفه للخروج من ذلك المأذق على خير.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة