قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل السادس عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل السادس عشر

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل السادس عشر

وإن سألوك عن إحتراق الروح، فأخبرهم عن عشق تملك القلب وأستوطنه، ورغم الوله لا يمكن البوح به للمتيم
روز امين.

صباح اليوم التالي
داخل مطبخ سرايا عتمان النعماني
تقف كل من فايقة ونجاة ومريم وليلي، يعدن طعام الإفطار لأهل المنزل بمساعدة العاملات
دلفت إليهن رسمية وتطلعت عليهن قائلة بتعجل: إعملي لك همه شوي منك ليها، الرچالة كلياتهم فاجو من النوم وجاعدين برة في المندرة مستنيين اللفطور.
تحدثت نجاة بنبرة طائعة كعادتها: حاضر يا مرت عمي، جربنا نخلص أهو.

وجهت رسمية حديثها إلى فايقة التي ترص الفطائر وتضعها في الصواني الخاصة لتجهيزها للتقديم وتساءلت: عملتي حساب العرسان وياكي في المشلتت يا فايقة؟
أجابتها فايقة بنبرة ساخرة: الست ورد بعتت خدامتها لجل ما تخبرنا إنها عاملة للهانم بتها الفطار والغدا والعشا السبوع كلياته.
هتفت ليلي بنبرة ساخرة: كنها خايفة لنسمموها في الوكل.

قالت كلماتها المتهكمة ثم قامت بأطلاق ضحكة ساخرة، رمقتها رسمية بنظرة حادة كالصقر ألجمتها وجعلت الدماء تهرب من وجهها ثم نهرتها بقوة قائلة: إجفلي خاشمك اللي معيطلعش غير كل سو ده، وبدل ما انت جاعدة تتمسخري على مرت أخوك، روحي شوفي چوزك متغير ليه بجاله مدة ومادد بوزة جدامة ياجي شبرين.

ثم رمقت فايقة بنظرة نارية قائله: وإنت يا ست فايقة، بدل ما أنت شاغلة حالك وحاشرة منخيرك في حياة الخلج علمي بتك كيف تعامل چوزها وتچلعه وتخلية نازل خلجته بتضحك كيف خلجت قاسم إمبارح.
ثم إتجهت ببصرها إلى نجاة وتحدثت متجاهلة فايقة: رصي فطرتين وجزازة حليب طازة وإبجي شيعيهم مع حسن للعرسان لما يفوجوا يا نچاة.
هتفت مريم قائلة بنبرة صوت حماسية: أني عطلعهم بنفسي لجل ما أشوف صفا لتكون محتاچة لحاچة يا چدتي.

ضحك سن رسمية وتحدثت بإستحسان إلى إبنة نجلها الهادئ: چدعة يا مريم، أصيلة كيف أمك يا بتي.
إنفرجت أسارير مريم بإستحسان لمدح جدتها لها وأيضا نجاة التي سعد داخلها، في حين لوت فايقة وليلي فاههما بإعتراض وتهكم
أما رسمية فعادت ملامح وجهها مكفهرة من جديد و أكملت بنبرة حادة: هموا يلا وطلعوا اللفطور على السفرة.

وتحركت إلى الخارج، في حين همست ليلي إلى مريم التي تجاورها الوقوف وتسائلت بطريقة تهكمية: إنت إية حكايتك إنت كمان يا ست مريم ويا المدعوجة بت ورد؟
وأكملت: يوم الحنه تجفي إنت وهي تتسايروا لحالكم في المطبخ، وصباحية الفرح تاخدي بتك وتروحي دار ورد لجل ما تساعديهم، مع إن كان من الواچب إنك تجفي ويا حماتك، مش ورد!

تنهدت مريم بأسي وتحدثت بنبرة مهمومة وبرائة: إسكتي يا ليلي، ده أني من وجت ما أتحدت ويا صفا يوم الحنة وأني زعلانه من حالي جوي، ثم نظرت لتلك التي قوست فاهها متعجبه وأسترسلت بنبرة خجلة حزينة: ده إحنا طلعنا وحشين وجلوبنا جاسية جوي يا ليلي، ظلمنا صفا وعاجبناها على حب چدودنا ليها وهي ولا ليها أيتوها ذنب في إكدة.
نظرت لها ليلي بنظرات مقللة وتحدثت بطريقة تهكمية: وإية كمان يا نواعم!

وأكملت بنبرة حقودة في محاولة منها لبخ سمها كي تستحضر حقد مريم على صفا من جديد: جوام نسيتي إن بسهوكتها خطفت منيكي الراچل اللي كتي عتعشجية وعتموتي عليه؟!

تلفتت مريم سريع حولها بعيون زائغة خشية من أن تكون أحداهن قريبة فتستمع إلى ذاك الحديث الخطير، حمدت الله عندما وجدت المطبخ خالي، حيث تحركن جميعهن للخارج مصطحبين الأطعمه، حينها هتفت بنبرة حادة صارمة: عيب عليكي الحديت اللي عتجولية دي يا ليلي، أني دالوك على زمة راچل والراچل ده يبجا أخوكي اللي المفروض تحافظي على هيبته وعرضه أكتر مني أني شخصيا.

رمقتها بنظرة ساخطة وتحدثت بإستخفاف: وه، وأني كت عملت إية لجل ما تسمعيني الموشح دي كلياته يا ست مريم، الحج عليا إني بفكرك بحجدها هي وأمها ومش عوزاكي تتغشي في ألاعيبها ووش البراءة اللي عتلبسهولنا طول الوجت؟
تنهدت مريم بأسي لحقد ليلي الدائم على صفا وتأكدت أنها لن تتراجع عن عدم محبتها لها فتحركت للخارج مصطحبه صحن ملئ بالبيض لرصه على سفرة الطعام.

ذهبت رسمية إلى منزل زيدان كي تطمئن على صغيرها التي شعرت بغصته ومرارته، ومن غيرها تشعر بقلب صغيرها
دلفت إلى المنزل وجدت ورد تخرج من المطبخ تحمل بين يديها صنية كبيرة مرصوص فوقها صحون مليئة بالأطعمة المتنوعه كانت تذهب بها إلى حجرة الطعام كي ترصها بعناية فوق سفرة الطعام
تحدثت رسمية ولأول مرة بنبرة حنون إلى ورد: صباح الخير يا بتي.

إنتفض داخل ورد بسعادة حين رأتها أمامها وأردفت قائلة بترحاب عال: يصبحك بالهنا يا مرت عمي، إتفضلي
تساءلت بإهتمام: وينه زيدان يا ورد، من يوم دخلة صفا مشفتش وشه؟
صاحت ورد بصوتها إلى العاملة التي أتت مهرولة وناولتها ورد الصنية قائلة بنبرة رحيمة: خدي الصحون وروحي رصيها على السفرة يا صابحة وهاتي باجي الوكل، وچهزي سفرة مليحة تليج بالحاچة رسمية لجل ما تفطر مع الحاچ زيدان.

تحركت العاملة إلى الداخل ثم حولت ورد بصرها إلى والدة زوجها وتحدثت بأسي: والله يا مرت ما عارفة أجول لك إية، زيدان من وجت ما سلم البت لقاسم وهو حزين وشردان وكنه في ملكوت لوحدية، حابس حالة في البيت ومخرجش من وجتها لحد دلوك
تحدثت رسمية متساءلة: هو فين دالوك؟

أشارت لها ورد إلى باب الحجرة وتحركت أمامها وفتحت الباب وتحدثت لذاك المتمدد فوق تخته ينظر إلى سقفها بشرود وذقن نابت: مرت عمي چاية تفطر وياك يا زيدان
إنتفض من نومته وجلس معتدلا يعدل من هيئته وتحدث مناديا على والدته التي تقف خلف الباب لتعطي له المجال كي يعتدل كما الشرع والدين: إدخلي يا حاچة.

دلفت وأنتفض هو واقف ومال على كف يدها وقبله بإحترام، وضعت كف يدها الحنون على رأسه تتحسس شعره بحنان ورعاية وتحدثت بنبرة متأثرة: كيفك يا ضي عيني؟
أجابها بنبرة حانية: بجيت زين لما شفتك يا أما
أرادت ورد أن تعطي لهما المجال لينفردا بحالهما كأم وولدها ويتحدثا بأريحيه فأردفت قائلة بإنسحاب: أني هروح أچهز الفطور لجل ما تفطر ويا مرت عمي.

خرجت وأوصدت خلفها الباب حين جلست رسمية على طرف الفراش وجاورها زيدان وتساءلت هي بإهتمام: حابس حالك وعامل في نفسك إكدة لية يا زيدان؟
أجابها بنبرة حزينة: مجاديرش أتجبل فكرة إن بتي خلاص مبجتش معاي في داري يا أما، إحساس عفش جوي وأني بسلمها بيدي لراچل تاني.

ضحكت وأردفت قائلة بدعابة كي تخرجه مما هو علية والتي تعذره علية بالتأكيد: كنا بعناها إياك يا ولدي، البت إتچوزت على سنة الله ورسولة وسلمتها بيدك لزينة الشباب، ولو خايف عليها من الزمن فطمن جلبك، قاسم راچل صح تربية چده عتمان
و وقفت وأمسكت يده لتحثة على التحرك قائلة بنبرة عالية: جوم يلا معاي نطلع نفطر سوا ويا مرتك وبعدها إدخل إحلج دجنك دي وإسبح لجل ما تروح لبتك اللي عمالة تسأل عليك وتبارك لها.

وبالفعل خرج معها وجلسا بصحبة ورد يتناولون فطورهم.

تملل ذلك الغافي وفرد ذراعيه وهو يتمطئ براحة، ثم فتح عيناه سريع حين تذكر وضعه الحالي، كي ينظر إليها ويشبع حاله من النظر إليها ككل أيامه السابقة
أصيب بإحباط حين وجد مكانها خاليا وأنتفض ليبحث عنها كمن فقد أغلي جواهره، وجه بصره إلى الحمام وجد الضوء منطفئ مما يدل على عدم وجودها
ساقته قدماه إلى الخارج وهو يتلفت هنا وهناك باحث بعيناه عنها، وأخيرا تنهد براحة حين وجدها تقف أمام الموقد تصنع طعام الإفطار.

ما أجملها وما أبهاها، كانت ترتدي منامة هادئة ناعمة كقلبها وتفرد شعرها المصفف بعناية خلف ظهرها، أخذ نفس عميق حتى يستطيع السيطرة على مشاعرة وأنفعلاته التي ثارت علية مؤخرا
تحمحم كي لا يفزعها، إلتفت بجسدها ونظرت إلية بترقب بعيناها الساحرة التي انعشت روحه وبثت الطمأنينة إلى قلبه
حين تحرك هو حتى إقترب منها وتحدث بنبرة صوت متحشرجة بفضل النوم: صباح الخير.

ردت علية الصباح بنبرة هادئة فسألها: إية اللي مصحيكي بدري إكدة؟
أجابته وهي تحرك الملعقة يمينا ويسارا داخل قدر الأرز بالحليب التي تعده: أني متعودة على الصحيان بدري، جولت أجوم أعمل طبجين رز بحليب نفطر بيهم
وقف بجانبها ثم أمال بجزعه مقترب برأسه نحو القدر وأشتم بإنتشاء رائحة التي تطهوة وتحدث مغمض العينان بإستمتاع: يسلااااام على ريحة الفانيليا مع الحليب، حلوة جووووي.

ثم تطلع عليها بعيون تتفحص كل إنش بوجهها وتحدث بنبرة حنون وهو يقترب منها: تسلم يدك.
إنتشي داخلها بسعادة من كلماته الحنون لكنها تلبكت من قربه وابتعدت قليلا بتوتر وخجل ما زاده بها إلا نشوة وإثارة
إستمعا إلى جرس الباب فتحمحمت هي وقالت: هروح أشوف مين اللي على الباب.

أوقفها صوته الجهوري وتحدث قائلا بنبرة حادة: وجفي عندك، توقفت وأستدارت له فتحدث بنبرة غائرة وهو يشير إلى منامتها وشعرها المفرود على ظهرها: عتفتحي الباب وإنت إكدة!
تحدثت إليه نافية: لا طبعا، أني كت هدخل أوضة النوم ألبس الإسدال
أجابها وهو يتحرك في طريقه إلى الباب: اني هفتح وإنت كملي اللي عتعمليه
فتح الباب فؤجئ بمريم التي تحمل بين يديها صنيه وتحدثت بإحترام: صباح الخير يا قاسم.

أجابها بنبرة هادئة وملامح وجه بشوشه: صباح النور يا مريم
وأشار لها بكف يده في دعوة منه للدخول: إدخلي واجفه لية
تحدثت وهي تدلف بساقيها: عروستنا الجمر وينها؟
أشار لها إلى المطبخ ودلف هو إلى غرفة المعيشة كي يعطي لهما المجال للتحدث بأريحية
وضعت مريم الحامل فوق رخامة المطبخ واحتضنت صفا التي سعدت كثيرا وأطمأنت بذاك العناق التي شعرت بحنان مريم من خلاله.

تحدثت مريم بوجه بشوش: كيفك يا صفا، ناجصك أيتوها حاچة أعملها لك؟
أجابتها صفا بسعادة تكاد تنطلق من عيناها: تسلميلي يا مريم، ربنا يخليكي ليا
نظرت مريم على القدر الموضوع فوق الموقد وتساءلت: إنت عاملة رز بحليب، ده أني جيبالك حليب طازة چدتك بعتهولك معاي
أجابتها صفا بهدوء: تسلم يدك ويد چدتك، الحليب دي أمي شيعتهولي عشيه مع صابحة.

تحمحمت مريم ثم تساءلت بإهتمام: هو أنت صح عتشتغلي في المستشفي بعد أجازة شهر العسل ما تخلص يا صفا؟
اجابتها صفا بتأكيد: أكيد هشتغل يا مريم، أومال أني كنت بدرس الطب سبع سنين لجل ما أجعد بعديها في البيت؟
تنهدت مريم بأسي ثم تحدثت بعدما ظهر الحزن داخل مقلتيها: يا بختك يا صفا، عتخرجي وعتشوفي خلج جديدة غير الخلج اللي عنشوفها كل يوم،.

وأكملت بنبرة حزينة: ده أني من كتر الحابسة اللي أني فيها بحس إن الحيطان عتطبج على جلبي تخنج روحي وتطلعها.
نظرت صفا لحزن عيناها بتمعن ثم تحدثت بنبرة حماسية: بجول لك إية يا مريم، محباش تشتغلي معاي في المستشفي؟
إتسعت أعين مريم وتحدثت بملامح وجة سعيدة متعجبة: أني، وأني عشتغل إيه وياكي يا صفا، طب إنت دكتورة وهتعالچي العيانيين، ويزن أخوي ماسك المدير المالي للمستشفي، اني بجا هعمل إية في وسطيكم!

إبتسمت لها وتحدثت: إنت خريچة خدمة إجتماعية والمچال ده هنحتاچة في المستشفي، المهم إنك موافجة من حيث المبدأ
قوست مريم بين حاجبيها وتسائلت بوجه عابس: وتفتكري چدك ولا فارس ولا حتى فايقة مرت عمك هيوافجوا على شغلي بالسهولة دي؟
ردت عليها مطمأنة إياها: موضوع موافجة چدك دي سبيها عليا، وأظن إن من بعد موافجة چدك مفيش حد هيجدر يعترض.

طارت مريم من شدة سعادتها وما شعرت بحالها إلا وهي تلقي بحالها لداخل أحضان تلك الحنون وكأنها تحتاج لعناق من أحدهم ليشعرها بالأمان، شعرت صفا بالإحتياج الضروري لمريم لذاك الإحتضان، فحاوطتها بساعديها برعاية وشددت من إحتضانها، مما جعل مريم تطلق تنهيدة براحة وبدأت بلوم حالها وجلد ذاتها على تعاملها السئ الغير لائق بتلك رقيقة الحس والمشاعر.

بعد مرور ساعتان كانت ترتمي داخل حصنها المنيع والذي هي أكيدة من أنه لا يقارن ولن يوجد له بشبيه، تشدد من إحتضانها له، واضعه أنفها بصدرة تنتشئ رائحة جسده التي تفوق أعلا وأغلي العطور الفرنسية بالنسبة لها
وما كان حاله بأقل من غاليته، فكان يحاوطها بذراعيه مشددا عليها داخل أحضانه الحانية ليشبع حنينه إليها.

كان يقف مقابلا لهما وتجاوره رسمية وورد وصابحة التي وضعت الأشياء الكثيرة التي أحضرها زيدان لصغيرته، ثم تحركت للأسفل
نظر يتأمل تلك العلاقة الصحية التي تتسم بالإنسانية والمحبة والإحترام
تحدثت لائمة من داخل أحضانه التي إشتاقتها بجنون: يا جلبك يا أبوى، هانت عليك صفا تسيبها كل دي من غير ما تاخدها في حضنك كيف كل يوم وتطبطب عليها!

ضحكت رسمية وتحدثت وهي تربت فوق كتف قاسم بفخر: وهتعملي بيه إية حضن زيدان في وچود حضن چوزك يا دكتورة
نزلت كلمة جدتها على قلبها أحرقته وتحدثت بقلب منكسر إنهدمت أحلامه: حضن ابوي ملوش بديل ولا لية زي، مفيش في الدنيا كلاتها حد ممكن يعوضني عن حضن وحنان أبوي.

نزلت كلماتها على قلب ذاك الواقف زلزلته وألمته، حدث حاله لائما: ألهذة الدرجة لم أعد أعني لها، ألهذا الحد ألمتك أنانيتي صغيرتي، لا تحزني حبيبتي، سأعوض قلبك الصغير وسأنسيكي كل ما تسببت لك به من ألام، فقط إصبري!
أما زيدان الذي أخرج عزيزة أبيها من داخل أحضانه ثم احتضن وجنتيها بين كفيه برعاية وأردف قائلا بنبرة تشع حنان: كيفك يا روح جلب أبوك، زينه؟

إنفطر قلبها وكادت أن تصرخ لأبيها تشتكيه مر زمانها وما صنعت الأيام بها، تمالكت من حالها وتنفست عاليا لضبط النفس ثم أجابته بنبرة صوت مختنقة محتقنة بالألام: بجيت زينة بشوفتك يا حبيبي.
إنتفض داخله ودقق النظر داخل عيناها راصدا ألامها وتحدث إليها بنبرة قلقة: مالك يا صفا. فيكي إية يا نن عين أبوكي؟
وبلمح البصر رمق قاسم بنظرة حادة كالصقر وتحدث وهو ينظر إلية: فية حد عمل لك حاچة ولا زعلك؟!

إرتبكت من حدة صوت أبيها وتحدثت سريع بتلبك: لا يا ابوي محدش مزعلني
ثم نظرت لداخل عيناه وأردفت قائله بنبرة حنون متأثرة: أني بس اللي إتوحشتك يا حبيبي
إبتلع قاسم لعابه متأثرا ثم أردف قائلا بنبرة دعابية كي يخرجه من حالته تلك: صلي على النبي أومال يا عمي، إنت چاي تهدي النفوس بيني وبين مرتي ولا إية؟

إنتفض قلبها وانتعش عندما إستمعت للقب زوجته منه، كم كانت تعشق كل ما به وتتمناه، لقد وصلت في عشقة لأقصي درجاته وأصبحت متيمة بحلاوة عشقة المر، كاللعنة غرامه أصاب قلبها البرئ بسهم مسمم بداء الهوي، فلا هي التي تنعمت بأحضانة وذابت، ولا هي التي تقوي على تركه والإبتعاد.

ضحكت ورد ورسمية وإبتسم له زيدان الذي تحرك إلى الأريكة ساحب طفلته معه وجلس وأجلسها وسحبها بين أحضانه مردف بدعابة مماثلة: مش لازمن أدبح لك الجطة من أولها كيف ما بيجولوا لجل ما تختشي
ضحك قاسم وتحدث بدعابة جديدة عل شخصه إستغربها الجميع: طول عمري اسمع إن الجطة دي الراچل اللي بيدبحها لمرته لجل ما تخشاه وتسمع حديته، لكن أول مرة اعرف إنها بتدبح من الحما.

تساءلت رسمية إلى قاسم بدعابة مماثلة: وإنت بجا دبحت لصفا البسه يا قاسم؟
حول بصره لتلك التي تنظر عليه من بين أحضان والدها الحنون تختبئ داخلها وكأنها طفلة العاشرة، وتحدث بنبرة حنون مادح إياها بفخر: مش صفا زيدان اللي يدبح لها الجطة يا چدة، اللي كيف صفا في أخلاجها وأدبها تتشال على الراس وتتحط چوة نن العين.

إهتز داخلها من إستماعها لشهادته في حقها حين إنفرجت أسارير الجدة وشعرت كم كان عتمان محق حين قال لها أن قاسم متمرد شارد عن أصلة ولن يعود إلا بقوة ناعمة، ولم يري حوله أقوى من تلك الشرسة الناعمة التي إستطاعت من خلال أيام قلة أن تجعل منه شخص ولأول مرة يعبر عن مشاعره تجاة أحدهم،
أما زيدان الذي إطمأن قلبه على صغيرته ووجه حديثه الشاكر إلى قاسم قائلا: تعيش ويعيش أصلك يا ولدي.

تحركت ورد وهي تمسك بيدها بعض علب الحلوي الكرتونية التي مازالت موضوعة فوة سفرة الطعام واردفت قائلة: هدخل أعمل لكم حاچة تشربوها وأجيب لكم چاتوة.

في القاهرة
كانت تجلس فوق مقعد مكتبها الصغير المتواجد داخل غرفتها المتواضعة، واضعة نظارتها الطبية التي ترتديها لأجل العمل حفاظ على نظرها، تعمل على جهاز الحاسوب الخاص بها كألة عمل لا تتوقف أبدا كي تلهي حالها عن حالة الغيرة والغضب التي تملكتها من عدم مهاتفة قاسم لها منذ ليلة الحنة
دلفت إليها والدتها دون إستئذان وتسائلت بنبرة حادة إستهجانية: البية لسه بردوا متنيل قافل تليفونه وما كلمكيش؟

زفرت بضيق شديد من طريقة والدتها المستفزة التي جعلت الدماء تغلي بعروقها وتحتد أكثر وهي بالاساس تحاول جاهدة بأن تتغاضي وتتناسي
تحدثت بنبرة حادة: حضرتك سألتيني السؤال ده بالليل و قولت لك لسه، وأكيد لو كلمني كنت هبلغك لأني عارفة ومتأكدة قد إيه الموضوع مهم بالنسبه لك،
وأكملت بلهجة شديدة الحدة: فياريت تبطلي سؤالك ده كل شوية لأنك بكدة بتضغطي على أعصابي وأنا أصلا متوترة وحقيقي مبقتش متحملة ضغط أكتر من كدة.

نظرت لها كوثر بغضب من حدة إسلوبها، دلف عدنان سريع وهو يتلفت حوله وأغلق الباب خلفه وتسائل بإستفهام: فيه إية يا جماعة صوتكم عالي كدة ليه، بابا قاعد برة ولو سمع أو حس بقلقكم ده هيدخلنا في سين وجيم ومش هنخلص من تحقيقاته.
وقفت وتحدثت له إيناس: قاسم ما أتصلش بيك من وقت ما كلمك من يومين يا عدنان؟

تنهد بأسي لحال شقيقته وما أصبحت عليه وأجابها: ما اتصلش يا إيناس، هو أتصل وقتها من تليفون فارس أخوه وإطمن على الشغل وملاني بعض الملاحظات وقفل على طول من غير حتى ما يديني فرصة لأي كلام
هتفت كوثر بنبرة مرتعبة: يا خوفي ليكون البيه عجبته البنت وبيفكر يفشكل جوازته من أختك ويكتفي بجوازته من بنت عمه، وأكملت بشر وتوعد: بس ده يبقا غلطان وغبي وميعرفش كوثر ممكن تعمل إية لو فكر بس يغدر بينا.

أما تلك المشتعله التي تسائلت والنار تنهش داخل صدرها: إنت شفت البنت يا عدنان، حلوة؟
وأكملت بنبرة جديدة عليها: طب أنا الأجمل ولا هي؟
علي الفور تذكر عدنان فائقة الجمال تلك والتي لم يري لسحر عيناها مثيل، لكنه تراجع عن قول الحقيقة كي لا يشعل شقيقته أكثر وكي لا تغضب عليه وتسقيه من المر والنكد ألوان.

فتحدث بنبرة مرتبكة بعض الشئ: ولا فيها ريحة الجمال اساسا، أصلا مفيش مقارنة بين جمالك وبينها، دي حاجة كدة أستغفر الله العظيم شبه الرجالة في شكلها وجسمها
تنهدت حينها بإرتياح وأطمئن قلبها وأستكان، ورفعت قامتها لأعلي بغرور، ثم جلست فوق مقعدها من جديد.

بعد مرور خمسة أيام على زواج قاسم وصفا
ليلا داخل حديقة منزل عتمان، كان شباب المنزل يجلسون سويا يتسامرون، وذلك بعدما صعد فارس إلى شقيقه وطلب منه الحضور إلى الحديقة للجلوس مع أبناء عمومته
بعد مرور حوالي الساعة شعر بحاجته إلى رؤياها التي أصبحت تبث الطمأنينة والراحة داخل نفسه
وقف ليستأذن منهم قائلا بهدوء: تصبحوا على خير يا شباب.
قوس حسن فمه بتعجب وتسائل: على فين بدري إكده يا قاسم؟

أجابه بإختصار: يدوب أطلع لجل ما أنام يا حسن.
في حين تحدث فارس مداعب أخاه بغمزة من عيناه: حجك يا باشا ما أنت لساتك مستچد في الچواز والموضوع چاي على هواك، لكن لما تبجا لك سنتين زيينا إكده عتجعد نفس جعدة البوساء اللي إحنا جاعدينها دي بالتمام.

ضحك الجميع عدا يزن الذي كان يرمقه بنظرات حادة كنظرات الصقر، وخصوصا أنه يعلم علم اليقين من أنه لا يحمل داخل قلبه لصفا أية مشاعر بل ويكاد يجزم بأنه مازال على علاقة بتلك الفتاه القاهرية التي كان يحدثها منذ القديم، وما جعله يتأكد بأن ظنونه بمحله الصحيح هو ما حدث ليلة الحنه وأرتياب قاسم الذي أصابه عندما إقترب منه يزن أثناء ما كان يتحدث بالهاتف.

وقف قاسم وتحدث قائلا وهو يبادل ذاك اليزن نظراته النارية: أني مش زيكم ولا عمري هكون يا فارس.
سلط يزن عيناه داخل عيناي قاسم بغضب وأردف قائلا بنبرة جامدة: من چهة إنك مش زيينا فأني متوكد من إكدة يا متر، بس مش عايزك تفرح چوي إكدة لان دي مش حاچة بتميزك عنينا، دي ليها فاتورة واعرة جوي ولازمن تندفع، والتمن هيجا غالي، غالي جوي فوج ما خيالك يصور لك يا ولد عمي.

ضيق عيناة مستغرب حديث ذاك الغاضب وماذا يقصد به، وما هو الثمن الذي يتوجب علية دفعة، أيوجد ثمن لم يدفع بعد؟
لقد قام بدفع الثمن وتسديد كامل الفاتورة مقدم من كرامته التي هدرت أمام تلك الصفا وأمام حاله وأنتهي الأمر، هكذا هو تصوره للموضوع
فأراد أن يحرق روحه فتحدث بإهانة وتقليل من شأن يزن:.

التمن دي للناس الضعيفة اللي عتسمع الحديت وتطاطي راسها وتجول علم وينفذ وأمرا مطاع يا صاحب الأمر، وأكمل بعناد ولهجة تهديدية رافع قامته لأعلي: لكن أني لا يا باشمهندس، إنت لساتك متعرفش الوش التاني والحجيجي لقاسم النعماني، ومن الأحسن إنك معتشفهوش.
قهقة يزن عاليا وأجابه بكل ثقة: إنت اللي كن جعدتك في مصر نستك عوايدنا ومخلتكش تركز في الناس اللي منيك زين.

وأكمل ساخرا: على العموم أني عاوزك تفتكر كلامك ده زين علشان عفكرك بيه جريب، جريب جوي يا متر.
إستشاط ذاك الغاضب وكاد أن يتحدث لولا تدخل فارس الذي أراد أن يهدئ من الوضع بعدما رأي بعيناه أنه بات على وشك الإنفجار.
أردف فارس بمداعبة لتلطيف الأجواء: زينة مناظرة التيران الشرسه دي يا شباب، بس لو زادت أكتر من إكدة هتتجلب لمصارعة والليلة هتغفلج على الكل كليله.

وأكمل بنبرة تعقلية: صلوا على النبي إكدة وإهدوا، وإنت يا قاسم، يلا إطلع على فوج لعروستك
ثم إتجه ببصره إلى يزن وتحدث بدعابة ساخرة: وإنت يا يزن، تعالي لاعبني دور طاولة لجل ما أخسرك وأحزنك على شبابك جبل ما تطلع ل ليلي وتاخد منيها چرعة النكد الأوچانك اليومية اللي معتعرفش تتخمد من غيرها.

قهقه الجميع على سخرية فارس من شقيقته ذات الطباع الحادة عدا قاسم الذي رمق يزن بنظرة حارقة ثم تحرك وصعد للأعلي دون إضافة المزيد.

دلف لداخل حجرة نومهما، وجدها تجلس القرفصاء فوق الفراش وتضع وسادة صغيرة فوق ساقيها ومن فوقها جهاز اللاب توب وتنظر لشاشته بتركيز وإهتمام مبالغ به، وصل إلى أنها لم تشعر بوجوده حين دلف للداخل
تحدث متحمحم كي تنتبه إلى دلوفه: مساء الخير
ردت عليه ومازالت عيناها مثبته فوق شاشة الجهاز حتى أنها لم تكلف حالها عناء النظر لوجهه وهي تحادثه.

إستشاط داخله من تجاهلها له، لكنه فسره على أنه رد للثأر لكرامتها وتصنع الكبرياء واللامبالاه، لغسل ماء وجهها أمامه بعد ما صار منه ليلة زفافهما التي مهما حاولت تجاوزها إلا أنها بين الحين والاخر تكشعر ملامحها وتتجنب الحديث معه بدون أدني سبب، وهذا ما كان يؤرقه دائما.

تحرك إلى الخزانه وأخرج ثياب مريحه ودلف لداخل المرحاض، أخذ حمام دافئ وأرتدي ثيابه وخرج من جديد ليجدها ما زالت على نفس وضعيتها، وقف أمام مرأته صفف شعرة الأسود بعناية فائقة ونثر عطره الفواح فوق جسده.

وبعد ذلك تحرك للفراش وتمدد بجسده بجوارها وأسند رأسه للخلف، ومازالت هي على وضعها، تحمحم للفت الإنتباة ولكن، مازالت تلك الساحرة تنظر لشاشتها بتمعن شديد دون ان تعطي لحضورة أدني إهتمام مما أثار فضوله وثارت كرامته أيضا
علي غير عادته رفع قامته لأعلي وبات يتلصص ليري ما الذي يستحوذ على تركيزها، نظر لشاشة الجهاز حتى يري ما الذي يشغل عقل تلك العنيده لهذه الدرجة!

نظر وياليته لم يفعل، وجدها تتابع عملية جراحية لإستئصال المرارة، وجد الطبيب ممسك بالمشرط الخاص بالعمليات وقام بشق بطن المريض بكل هدوء ومهنية، وبدأت بعض قطرات الدماء البسيطة تسيل بهدوء والممرضه تقوم بتجفيفها بحرفية في مظهر تقشعر له الأبدان
لم يستطع تمالك حاله وأعتدل بجلسته وسريع إنتفض وهو يهرول إلى المرحاض حتى يخرج ما بداخل أمعاءه.

نظرت إليه بإستغراب لحالته وأوقفت بث الفيديو وتحركت إليه سريع، وقفت أمام الباب وهي تتساءل بنبرة قلقه وعيون متلهفة حين وجدته يفرغ ما بمعدته ووجهه إكتسي باللون الأحمر الداكن وأثار التعب والقرفه تظهر فوق ملامحه: إنت كويس؟
إغتسل جيدا وأمسك بيده المنشفه وتحرك إليها وهو يجفف فمه ووجهه وأردف قائلا بإستياء وأشمئزاز: هبجي كويس إزاي بعد الجرف اللي شفته ده، إنت إتچننتي يا صفا، أيه الجرف اللي عتتفرجي عليه ده؟

أجابته بنبرة متعجبة: جرف، أولا يا حضرت المحامي المحترم ده مسموش جرف
وأكملت بنبرة علميه: دي عملية لإستئصال مرارة ملتهبه وعلى وشك الإنفجار كمان
نظر لها بإشمئزاز وأردف متسائلا بتعجب: وإنت إيه اللي چابرك في إنك تتفرچي على المذبحه دي؟
أجابته بنبرة ساخرة: يمكن لأني چراحة مثلا وده في إطار شغلي؟

نظر لها بذهول وأردف متساءلا: وإنت حج عتشتغلي إكده؟، أني إفتكرتك بكتيرك عتكشفي على عيل إصغير ولا واحده عنديها مغص، لكن توصل بيك الچرأه إنك تشجي بطن الخلج بعدم رحمة كيف جتالين الجتله إكده، ده اللي عمري ما كنت أتخيل إنك هتعملية.

ضحكت بشدة وصلت حد القهقه وأرجعت رأسها خلف من شدة ضحكاتها، نظر إليها بإنبهار لطريقه ضحكتها المثيرة ووجهها الذي انير بطريقة تسر الناظرين إليه، إبتلع لعابه بتوتر لما شعر به من أحاسيس ومشاعر جديده عليه في حضرة تلك الصفا،.

وتحدثت هي ناظرة إليه بتفسير: بص يا قاسم، أني تخصص چراحه عامه، لكن في نفس الوجت دارسه شعبة عامة، يعني بعالچ كل ما تتخيله، عيل إصغير و واحده عنديها مغص زي ما حضرتك إتفضلت وجولت، بس ده ميمنعش إني چراحه.

وأكملت بتفاخر مصطنع وهي تشير على حالها بأصابع كف يدها الرقيق: وچراحة شاطرة كمان بشهادة دكاترتي في الچامعة واللي أشرفوا على تدريبي بذات نفسيهم، وعشان إكده لازم أطور من نفسي وأبقي على دراية كاملة بكل ما هو چديد في عالم الچراحة
بتحبي شغلك يا صفا؟ جملة تساءل بها قاسم بإهتمام.

أجابته مبتسمة بعيون فرحة: كلمة بحبه دي جليلة جوي على اللي بحسه تجاه شغلي، الطب ده رسالة سامية، فاهم يعني أية تخفف عن حد ألم مميت ولا تشيل عنه أذي محتم كان هيأدي لدمار چسمه؟
ولا لما تشيل الألم عن عيل إصغير بيبكي ومحدش عارف ماله ولا فيه أيه؟
حجيجي الموضوع ممتع ويستاهل تعب المهنة
إبتسم لسعادتها وتحدث بنبرة مترجية: طب ممكن تجفلي العملية دي وتتفرجي عليها بعدين، بجد مش جادر أشوف المنظر ده جدامي.

أطلقت ضحكاتها المثيرة من جديد حين تذكرت حالته وتحدثت بنبرة ساخرة أغاظته: أني اللي حجيجي مش جادرة أنسي شكلك وإنت مبرج وباصص للعملية بذهول،
وأكملت بتناسي وعدم تركيز في الحديث: أخر واحد كت أتخيل إنه يخاف وإن عنديه جلب زي البني أدمين وبيحس هو أنت يا قاسم!
نزلت كلماتها عليه زلزلت كيانه وشعر بطعنة ولكن لأجلها لا لأجله، لأجل شعورها به
نظر لها بحزن عميق وتساءل داخله، أحقا تريني هكذا صفا؟

رجلا بلا قلب بلا مشاعر بلا حس؟
تنهد بتألم وأردف قائلا لها وهو ينظر لمقلتيها: على فكرة يا صفا، أني مش وحش جوي إكده زي ما أنت شيفاني، يمكن جلوبنا منسجمتش مع بعضها وده طبعا يرچع لظروفنا اللي إتحطينا فيها ونظام الچبر اللي إتچوزنا بيه،
وأكمل مفسرا لتصرفاته السابقة معها: وأني طول عمري مكرهش في حياتي قد الحاچه اللي أنجبر عليها وتتفرض علي.

نزلت جملته النارية عليها أدمت قلبها العاشق ومزقت ما تبقي منه، حولت بصرها للجهه الأخري كي لا تخونها دموعها وترفع الراية البيضاء وتنهمر بحرارة أمامه
أمسكت جهاز اللاب توب وأغلقته، وضعته بجانبها فوق الكومود وتحدثت وهي تواليه ظهرها وتتمدد فوق الفراش وتدثر حالها تحته في محاولة منها للهروب بأحزانها بعيدا عنه ولحفظ ما تبقا من كرامتها التي هدرها جدها تحت ساقي ذلك القاسي: إجفل النور لو سمحت، أني عاوز أنام.

شعر بغصه مرة داخل حلقة لأجلها وشعر كم كان قاسيا بوصفه لعلاقتهما، وأنه أزادها عليها ولكن كان لحديثه بقية، كان سيرضي به قلبها الرقيق ويعتذر منها ولكنها تسرعت بغضبها
فتحدث هو بإستحياء بنبرة خجلة مبررا حديثه ومكملا لما بدأ: حجك عليا يا صفا، أني مجصدتش الوصف اللي وصلك ولساته لكلامي بجية، أني.

قاطعته بحديثها الحاد الذي يطغو على نبرته الغضب: من فضلك يا متر، معيزاش أسمع مبررات إنت في غني عنيها، وأساسا الموضوع كلاته لا يعنيني بشئ
وأكملت بنبرة بارده وكلمات مهينة ثائرة لكرامتها: وصدجني أني لا أجل عنيك في نظرتي لعلاجتنا العقيمه عديمة الفايدة دي، وبالنسبة لي هي وضع مؤقت ليس إلا.

إستشاط غضب من كلماتها المهينه لشخصه ولا يعلم لما أشتعل داخله بوصفها لعلاقتهما بأنها عقيمة عديمة الفائدة ولكن تحامل على حالة وصمت كي لا يزيدها عليها، وأغلق الضوء وتمدد بجوارها واضع يداه تحت رأسه ناظرا إلى التي تواليه ظهرها دون إهتمام.

داخل مسكن يزن وليلي
كان يجلس داخل بهو الشقة وبيده بعض الأوراق الهامة الخاصة بالمحجر ليستخلصها، تحركت إلية ليلي وهي ممسكة بيدها حاملا موضوع عليه كأسان من مشروب بارد قد صنعته داخل المطبخ كي يرطب عليهما في ذلك الطقس الساخن
جلست بجانبه وأمسكت بكأس المشروب وتحدثت بإبتسامة حانية وعشق ظهر داخل عيناها وهي تبسط إليه يدها: العصير اللي عتحبه يا حبيبي.

قطع عمله ثم نظر لها وأخذ كأس العصير وأرتشف منه القليل وأرجع ظهره مستندا به إلى الخلف ناظرا أمامه ببرود
حزن داخلها وأردفت متسائلة بنبرة حزينه: لساتك زعلان مني يا يزن، أني مجادراش على زعلك دة، روحي عتفارجني ومهترجعليش غير برضاك عليا يا حبيبي
صح عتحبيني يا ليلي؟!
سؤال متعجب طرحه يزن عليها بإستهجان!
أجابته بقوة وثبات: لساتك عتسأل يا يزن، ده انت النفس اللي أني ععيش عليه، أني عشجانة لروحك وجلبك يا واد عمي.

نظر لها بإشمئزاز وتحدث بقوة: كدابة يا ليلي، معصدكش ولا كلمة من اللي عتجولية، تعرفي ليه؟
نظرت له بألم تترقب باقي حديثه فهتف هو بإتهام: اللي عيعشج كيف مبتجولي جلبه ميعرفش الكرة يا ليلي، وإنت جلبك مليان سواد وحجد على بت عمك الغلبانة.
وما أن إستمعت لمبرراته حتى إستشاط داخلها وتحدثت بنبرة حقودة وكأنها تحولت لأخري: جولي إكدة، بجا جلبتك على ولوية بوزك الأيام اللي فاتت دي كلياتها لجل بت ورد؟!

إشتعلت نيرانه ورمقها بنظرة حادة أخرستها وتحدث بلهجة صارمة مهددا إياها: أول وأخر مرة أسمعك تجولي على بت عمك بت ورد، الله في سماه لو سمعتها منيكي تاني لكون جاطع لك لسانك ورامية للكلاب تاكلة، ده لو رضيوا ياكلوة من الاساس، سمعاني
إرتعب جسدها من صوته الجهوري وأبتلعت سائل لعابها، وأومأت له بموافقة
لانت ملامحه قليلا وعاود الإرتشاف من كأس العصير.

حين حزن داخلها وتحدثت بملامح وجة حزينه ونبرة صوت منكسرة: عمرك سألت حالك أني ليه هكرة صفا وأطيج العما ولا أطيجهاش إكدة
إلتف إليها ناظرا وأردف بضيق: عشان جلبك أسود وأمك شربتك الجسوة والحجد من ناحية بت عمك، وبدل ما تحبيها وتاخديها في صفك وتطبطبي عليها إكمنها وحيدة، سيبتي حالك للشيطان يتملك منيكي ويكبر بغضك وحجدك على المسكينة.

هزت رأسها بنفي وأردفت بنبرة مختنقة من أثر إحتقان دموعها: لا يا يزن، أني ما أتخلجتش بكرة صفا لا، كرة صفا إتخلج وكبر واحدة واحدة جواتي وكل ده بسبب عمايل چدك وچدتك وحتى أبوك وامك، كلياتهم كانوا عيفضلوها علي، كانوا عيحبوها وياخدوها جواة أحضانهم وأني واجفة چار الحيط أتفرج عليهم كيف الغريبة، چدك عتمان عمرة ما دخلني چواة حضنه
وأكملت بشرود وهي تهز رأسها بحزن: معرفهوش أني حضن چدك دي!

كان يستمع إليها بهدوء بعدما حزن داخله لأجل صوتها الصارخ ودموعها المسجونه داخل مقلتيها وتريد من يطلق سراحها لتنطلق وتصرخ تعبيرا عن مدي ألامها
تحدث إليها بنبرة حنون: بس هما مكنوش بيعملوا إكدة كره فيكي يا ليلي، چدك وچدتك كانوا بيعوضوا غياب عمك زيدان عنيهم في حضنهم لصفا، هما اللي كانوا محتاچين الحضن دي يا ليلي مش صفا.

وأكمل مبررا: أما أبوي وأمي هما كمان كانوا حاسين بحرمانها من لمة العيلة وما بيصدجوا اليوم اللي تاچي فيه إهني ويحاولوا يحاوطوها بحنانهم لجل ما يعوضوها
صاحت قائلة بنبرة حادة غاضبة حاقدة: صفا مكانش ناجصها أحضان يا يزن؟
أني اللي كنت محتچاها، أني اللي عمري ما دوجت لحضن أبوي طعم، حتى أمي عمرها ما خدتني جواة حضنها ولا إتحدتت وياي كيف الأمهات مبيعملوا مع البنته.

صرخت به وأزرفت دموعها الحبيسة حيث أنها لم تعد تستطيع الصمود أكثر: حتى انت يا حبيبي يا اللي إختارتك من صغري لجل ما تبجا خليلي، فوتني وجلبك مال لها هي، مع أن عمرها شافتك ولا حست بيك كيف ما أني حسيتك، ورغم إكدة عشجتها بكل ما فيك.
وأكملت بشهقة خلعت قلبه معها وكسبت بها تعاطفه: ولساتك عتعشجها لدلوك وعتدافع عنيها وتوبخني لجل خاطر عنيها.

سحبها وأدخلها لداخل أحضانة وبات يربت فوق ظهرها بحنان وأردف قائلا: حديت إية اللي عتجولية دي يا ليلي، صفا بجت مرات أخوي يعني إتحرمت على كيف أمي وأختي.
كيف افضلها عليكي وإنت مرتي وهتبجي أم ولادي
إنتفضت من داخل أحضانه ونظرت إلية بترقب وأردفت متسائلة: كان نفسى تجول حبيبتي، مش مرتي يا يزن.

أجابها بثقة: اللحكاية دي في يدك لوحدك يا ليلي، إنت الوحيدة برجتك وجلبك النضيف اللي عيحب اللي حوالية ومعيشيلش جواته أي كرة أو حجد لغيرة، اللي هتخليني أشوفك حبيبتي اللي معجدرش أستغني عنيها
إوعديني إنك تتغيري يا ليلي، إدي فرصة لجلبك يطهر من ذنوبه وخطياه، حبي اللي حواليكي يا ليلي، وجبلهم حبي حالك وطهري روحك
ساعتها عشوفك حبيبتي اللي عحبها واتمناها، وإية اللي يمنع وجتها جولي لي.

كانت تستمع إلية وقلبها يتمزق، صراع داخل روحها التائهة، تشتت يؤرجح عقلها، هي ليست بالشيطان، لكنها ترعرعت داخل أحضانه، تسمم عقلها بأفكارة، لطالما لم تجد من يأخذ بيدها لطريق الحق وينير ضربها العاتم
كانت تومئ له برأسها وتتساقط دموعها الغزيرة التي جعلته متأثرا بعدما شعر بتشتتها.

أمسك كف يدها قبله وتحدث بنبرة حنون: جربي من ربنا يا ليلي في الجرب منيه النچاة، في حضرته جلبك هيرتاح وبصيرتك هتنور وكل شي جدامك هيوضح ويبان كيف عين الشمش
وأكمل بنصح: صلي يا ليلي، صلي بإنتظام وأجعدي بعد الصلاة كلمي ربنا وإشكي له همك، جولي له على كل اللي تاعب روحك وواجع جلبك، هو اللي هيجدر يطيب جراحك ويريح جلبك.

بكت وبكت بمرارة وكلما زاد البكاء شعرت بالراحة وكأن دموعها تلك تنقيها من خطاياها التي لا حصر لها والتي فعلت معظمها بجهل منها وذلك لإنشغال والديها عنها وعدم توعيتها للصح
شعر بالأسي تجاهها وأخذها داخل أحضانه وشدد منه وتمسكت هي بضمته كمن وجد ضالته وضلت تبكي بمرارة حتى إستكانت بعدما أفرغت ما بداخلها، ولكن يضل السؤال، هل يمكن حقا لمن تربت داخل أحضان الشيطان أن تسلك الطريق الصحيح وتهتدي؟

دعونا ننتظر هل سيتغلب الطبع السئ أم التطبع.

مساء اليوم التالي
داخل حجرة قدري، يجلس كل من قدري وفايقه وفارس بناء على طلب ذاك القاسم الجالس مقابلا لهم بملامح وجة مبهمة
تحدث قدري متسائلا بنبرة قلقة: فية اية يا ولدي، چامعنا بربطة المعلم لية إكدة؟!
تحدثت فايقه متسائلة: فية حاچة حصلت يا قاسم؟
أخذ نفس عميق ثم زفرة بضيق وتحدث مهموم لما هو أت: أني مهتچوزش على بت عمي يا أبوي.

وأكمل بقوة وإصرار: هروح ل إيناس وأحل وعدتي وياها وهجبل بكل اللي يطلبوة أهلها مني، بس مهغدرش ببت عمي ولا عخون أمانة عمي زيدان اللي أمني عليها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة