قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع

رواية قلبي بنارها مغرم للكاتبة روز أمين الفصل التاسع

أنهي قاسم حديثه مع والدته وأغلق الهاتف بحدة، وقف مشتت الذهن، تائه، نظر لتلك الجالسه التي تهز بساقيها والغضب والضيق يتملكان من جسدها وروحها، زفر بضيق ثم وضع كف يده على شعرة وأرجعة للخلف بضيق في حركة تنم عن مدي غضبة وتشتت روحه
تحرك و وقف مقابلا لجلستها وهتف متساءلا: هنعمل أية في الكارثة اللي وجعنا فيها دي يا دكتورة؟

وقفت مقابلة له برأس شامخ وتحدثت بنبرة قوية حادة: أني عن نفسي بعد كل اللي حصل بيناتنا دي وسمعته منيك مستحيل أوافج أبجا مرتك حتى لو إنطبجت السما على الأرض
إستشاط داخله من طريقتها المستفزة لرجولته وأردف ببرود ليحرق روحها: الحال من بعضه، أني كمان مطايجش أبص في وشك بعد اللي سمعته منيكي وطولت لسانك علي
وأكمل بنبرة عملية متغاضي: بس كيف ما عيجولوا رچال السياسة، المصالح عتتصالح.

واني معيزاش ومستغنية عن أي مصلحة تاچيني من ناحيتك، جملة نطقتها بغضب
وهتجعدي في البيت و وتتچوزي حسن؟
جملة إستفسارية نطق بها قاسم
أجابته بقوة وثقة في غير محلها: كيف يعني يچوزني لحسن ويجعدني في البيت، سايبه إياك؟
أبوي هيجف له وهيمنعه من إنه يعمل فيا إكدة.

إبتسم ساخرا وأجابها: يا ريتها كانت سايبة يا دكتورة، وأكمل مشيرا بكفاه بحركة دائرية: دي كيف الدايرة المحكومة وإحنا چواها ومجيدين بچنازير من حديد مجفولة بإجفال نحاس ومفتاحها في يد عتمان النعماني مفيش غيرة
وأكمل مفسرا: ولو مفكرة إن عمي زيدان عيمشي حديته على أبوه ويخرچك تشتغلي غصبن عنية تبجي غلبانه جوي ومتعرفيش جبروت عتمان النعماني واصل لوين.

وأكمل مذكرا: چدك كلمته بتمشي على مأمور المركز بذات نفسيه يا صفا والكل عيعمله ألف حساب وحساب
ولو باصة للموضوع الجديم وعدم موافجة أبوكي على چوازة على أمك وأنه مرضاش وخرچ منبوذ من العيلة، وفاكرة إنك بسهولة عتعملي زييه، أحب أجولك إن الموضوع إهني مختلف كليا، أبوكي راچل ورفض الچواز، كيف كان هيجبر راچل ويجربه من حرمة هو مرايدهاش.

وأكمل بتعقل: لكن وياك الوضع مختلف، إنت بت وعنديكي 25 سنه، و ولد عمك فاتك جبل الفرح بأسبوعين، تفتكري مين عيغلطوا لما يچوز بت ولده الوحيدة لإبن عمها لجل ما يحميها من حديت الناس الماسخ، وكمان يحمي مالها ومال أبوها من الطامعين
تطلعت إلية بإستغراب وأردفت بتعجب: كيف بتجدر تغير رأيك ومبادئك ما بين اللحظة والتانية إكدة؟!

أجابها بثقة: العالم كلاته بيغير خططته ومبادئة في السنة الواحدة ألاف المرات، عيزاني أني أثبت على موجفي جدام طوفان النعماني ولعنته، وبعدين ما أني لسه جايلها لك يا دكتورة، المصالح عتتصالح
تنهدت بإستسلام وظهر اليأس على ملامحها لعلمها صحة حديثه وكم أن لعتمان وضع وسلطة داخل المركز بأكملة.

فتحدث هو إليها محاولا إقناعها ورضوخها للأمر الواقع: چدك جفلها كيف الدومنا وحولها لحرب وفي الحرب البقاء بيكون للأجوي، يعني حربنا وياه إنكتب عليها الخسارة حتى من جبل ما تبتدي
بس لو فكرنا بذكاء ممكن نعدي منيها بسلام، أني شايف إننا لازمن نطاطي للريح ونسايس أمورنا وياه لجل ما نطلعوا بأجل الخساير
تجصد أيه بكلامك ده؟، جملة تساءلت بها بإستفهام وجبين مقطب.

فأجابها بدهاء: أنا وإنت لازمن نوافج على چوازنا زي ما چدك أمر وإلا هنخسر كل شئ بنيناه طول السنين اللي فاتت
مهيحصلش حتى لو على چثتي، جملة تفوهت بها بشموخ وعناد وكبرياء
لم يدري لما غضب من داخله لكنه تجاهل شعوره، وتحدث إليها بهدوء إصطنعه بصعوبة: إركني خلافاتنا على چنب وحكمي عجلك وشوفي الخساير اللي هتطولنا لو رفضنا يا صفا.

وإسترسل حديثه في إشارة منه على حاله: أني هخسر مكتبي وشجتي وعربيتي وكل الفلوس اللي تعبت فيها طول العشر سنين اللي اشتغلتهم من بعد ما اتخرچت، ده غير إسمي اللي هيتهز وبرستيچي اللي هيتساوي بالأرض لما أسيب مكتبي وأروح أأجر مكتب في مكان بسيط على أد فلوسي
ثم أكمل وهو يشير إليها: وإنت وتعب السبع سنين چامعة اللي هيترمي على الأرض وكأنه محصلش من الاساس، وحلم المستشفي اللي هيتبخر جدام عنيكي وكأنه سراب،.

وأكمل مؤكدا: وبردك عتتچوزي غصبن عنيكي من حسن ولد عمك منتصر وأبوكي مهيجدرش ينطج بحرف جصاد جبروت چدك اللي إنت خبراة زين
وأكمل حديثة بعقلانية: وطالما إكده ولا إكده عتتچوزي غصب يبجا العجل بيجول تتچوزيني وتاخدي الإمتيازات الكتير اللي عتتحصلي عليها لو الچوازة دي تمت.

بس أني خلاص، مبجتش عيزاك ومهجدرش أعيش وياك وأعاشرك واني مطيجاش حتى أبص في وشك، جملة قوية نابعة من داخلها هتفت بها صفا
فأجابها بضيق من طريقتها الحادة التي إستفزته: وأني اللي عموت عليكي إياك؟
ما الحال من بعضية يا بت عمي
وأكمل ليخيفها ويحثها على التراجع: على العموم أني هجول لچدي إني موافج وإنت حرة في جرارك بس إستحملي بجا العواقب لحالك.

رمقته بنظرة إشمئزاز ثم صمتت لتفكر بعدما أقنعها بحديثه المخيف، ثم تحدثت بقوة: وأني موافجه بس عندي شرط
ضيق بين حاجبيه متسائلا: شرط أية دي؟
أجابته بقوة وشموخ انثي جرح كبريائها على يد من تيم قلبها بعشقه اللعين: چوازنا يبجا صوري، معتلمس شعرة واحدة مني ولا هيكون لك حكم عليا لحد ما ربنا يحلها من عنديه ونلاجوا حل يخلصنا من الربطة السودة دي
وأكملت بنبرة ساخرة: وأظن إن دي شئ مش هيضايجك ولا حتى هيفرج وياك.

لم يدري لما ثار داخلة لذاك الشرط العجيب ولهجتها الحادة وتساءل ساخرا: طب وهو ده كلام ناس عاجلين بردك يا بت الناس؟
أجابته بقوة وتأكيد: دي هو ده كلام الناس الزين اللي عتفهم، أني و معوزاكش ولا أنت كمان رايدني، يبجا لازمته أية نخدعوا روحنا وندخلوا في علاجة عجيمة وكدابة.

نظرت إليه بتمعن وترقب شديد لإجابته
قاطع إجابته دلوف الجد الذي دلف لحاله بعدما منع زيدان وقدري من الدلوف معه
وقف الچد أمامهما بجبروت وتحدث بنبرة صارمة متسائلا: فكرتوا زين في حديتي
نظرت هي إلى ذاك القاسم متساءلة بعيناها عن موافقته من عدمها لشرطها الحازم، فأماء لها بعيناه دليلا عن الموافقة بشرطها الصعب
شعرت بخيبة أمل حينها وحدثت حالها، أبتلك البساطة توافقني شرطي المميت لروحي؟

الهذا الحد لم أكن أعني لك بشئ على الإطلاق؟
كنت أتأمل رفضك لشرطي لأشعر بتمسكك بي ولو حتى قليلا.

أما هو فنظر إلى جده وتحدث بنبرة قوية وعيون مبهمة: تجدر حضرتك تعمل تچهيزاتك اللازمة للفرح
أستكان داخل عتمان بعدما شعر براحه إجتاحت كيانه بالكامل ولكنه أخفي شعوره وأحتفظ به لحاله
ثم تحدث قائلا بنبرة صارمة: حيث إكده إعملوا حسابكم إن الفرح الخميس الچاي مش اللي بعديه
إرتبكت بوقفتها وتحدثت بتلبك: ولازمتة إية الإستعچال دي؟

اجابها بهدوء: خير البر عاچله يا دكتورة، وكمان لجل ما تبدأي من أول الشهر الچديد تجهزي لإفتتاح المستشفي
وأكمل بتفاخر وأبتسامة كي يسترضاها ويخفف عنها حزنها الذي أصابها من حدته معها ويزيل التوتر الذي أصاب علاقتهما: أني إن شاء الله ناوي أعمل لك إفتتاح سوهاچ كلياتها هتتحدت عنيه وهعزم لك المحافظ بذات نفسية لچل ما يجص لك ابصر إية دي الشريط اللي عتجولوا عليه.

لم يتحرك لها ساكن وكأنها لم تستمع لحديثه من الأساس أو أن الأمر لا يعنيها
فتحدث إلى كلاهما بتنبيه: إسمعوني زين، الحديت اللي حصل بيناتنا إهني معوزهوش يخرچ من باب الأوضة دي، عاوزه يندفن إهني
وأكمل وهو ينظر إلى مقلتيها محذرا: الحديت دي ليكي مخصوص يا صفا، بلاش يا بتي تجولي لأبوكي وتجلجية عليكي، هو محتاچ يطمن مش يجلج، فهماني يا صفا.

أومأت له بهدوء فتحدث هو بنبرة قوية وهو يتحرك بإتجاه باب الحجرة: تعالوا وراي
خرج ثلاثتهم ونظر الجميع إليهم بترقب، فايقة وقدري اللذان حبسا أنفاسهما ترقب لما سيقال
حين أسرع زيدان إلى صغيرته ولف ذراعه حول كتفها محاوط إياها برعاية وتساءل بإهتمام وقلق: إنت كويسه يا صفا؟

خبأت أهاتها الصارخة وخيباتها داخل قلبها متألمه في صمت مميت ورسمت إبتسامة مزيفه على محياها وتحدثت بنبرة سعيدة إفتعلتها كي تطمئن بها عزيز عيناها ومالك فؤادها الحقيقي: الحمدلله يا أبوي، أني زينة
حين تحدث عتمان بوجه بشوش موجه أوامره للجميع: عاوز الكل يفضي لي حاله من بكرة لچل ما نچهزوا لفرح قاسم على ست البنات الدكتورة صفا النعماني يوم الخميس الجاي إن شاءالله.

وكأن بكلماته تلك قد أرجع الحياه لقلب فايقة والذي كان قد أوشك على إصابة شريانه التاجي بجلطة مؤكدة، وما كان منها إلا إطلاق الزغاريد بطريقة هيستيرية حتى صدحت بأرجاء المكان لتعلن عن فرحة تعم السرايا بأكملها
وعلي النقيض فقد تحدث زيدان قائلا بإعتراض: كلام أيه اللي عتجوله ده يا حاچ، حضرتك تجصد الخميس اللي هو بعد ست أيام؟

أماء عتمان بموافقة فأكمل زيدان معترض: مهنلحجوش نرتبوا حالنا يا حاچ، صفا ناجصها حاچات لسه هندلي نچيبوها لها من مصر، و ورد لسه مچهزتش حالها، وكمان أني محتاچ وجت لجل ما أرتب زين لفرحتي بچوازت بتي الوحيدة
أما فايقة التي وصلت سعادتها عنان السماء هتفت بسعادة وحماس: ما تشغلش بالك بأمور الحريم ده يا زيدان، أني من صباحية ربنا هروح لورد ونشوف الناجص ونكملوه ويا بعض ومش هسيبها غير لما كل حاچة تبجا تمام.

إستغرب حماسها الزائد عن الحد وتحدث إليها بنبرة جامدة: كتر خيرك يا أم قاسم، بس ملوش لزوم تتعبي حالك، إنت عارفة ورد بتحب تچهز كل حاچاتها بيدها ومعتحبش تتعب حد وياها
قاطعته رسمية قائلة بإقناع: إيد على إيد تساعد يا زيدان، وفايقة مچوزه ليلي جبل سابج وعارفة المطلوب زين
كانت تنظر بقلب مفطور إلى ذلك الصامت متسمرا بوقفته ينظر للجميع ببرود وكأن الأمر لا يعنية من قريب أو بعيد، شعرت بعالمها ينهار من حولها.

نظر يزن إلى صفا وتحدث بنبرة بائسة حزن على من ملكت الفؤاد والأن ستصبح ملك لرجلا غيرة وينتهي أخر أمل له في الحصول عليها: مبروك يا صفا
أجابته بإبتسامة باهته خالية من مظاهر البهجه: تسلم يا يزن
إستشاط داخل ليلي من نظرات زوجها الحزينة وهو يتطلع إلى غريمتها الأولي والأخيرة وتحدثت بنبرة حادة: مبروك عليكي زينة الشباب يا صفا.

أماءت لها بهدوء ثم تحدث زيدان موجه حديثه إليها قائلا بهدوء: يلا بينا نروح يا بتي، أمك عتموت من جلجها عليكي
أماءت له وتحركت معه تحت نظرات الجميع المستغربة حالتها أوقفها صوت عتمان وهو يقصدها بحديثة قائلا: چهزي بطاجتك وكام صورة ليكي لجل كتب الكتاب بكرة يا صفا
إستدارت مرة أخري تنظر إليه بإستغراب، حين تحدث قاسم متساءلا بإستفسار: كتب كتاب إيه دي اللي بكرة يا چدي؟

وأكمل معترض: أني أساسا راچع القاهرة بكرة الصبح عشان عندي مرافعة مهمة
أجابه الجد بنبرة باردة غير مبالي بحديثه: إتصل بصاحبك اللي معاك في المكتب يدير هو الشغل بكرة بدالك وإبجا سافر بعد بكرة
وأسترسل حديثه وهو ينظر إلى قدري أمرا إياه: وإنت يا قدري، إتصل بالشيخ سلامة المأذون لجل ما ياچي بكرة بالليل يخلص كل الإجراءات اللازمة لكتب الكتاب ويچهزة على الإشهار يوم الفرح إن شاء الله.

أجابه قدري من بين سعادته البالغة: إنت تؤمر يا حاچ، حالا هتصل بيه وأخليه ياچي إهني بكرة بعد صلاة العشا
أردف عتمان مصححا أوامرة: جول له ياچي لبيت زيدان وإنت وولدك تروحوا وتتمموا الإچراءات هناك
إشتعل داخل قدري وتحدث بنبرة معترضة: كيف يعني يروح لبيت زيدان وبيتك لساته مفتوح بحسك يا أبوي
أجابه عتمان وهو ينظر مبتسم إلى زيدان ناصف إياة: الدكتورة صفا عيتكتب كتابها في دوار أبوها.

طار قلب زيدان من شدة سعادته وذلك لتقدير والده له وأيضا لرؤيته بوادر صفاء قلبه له فتحدث بإبتسامة شاكرة: تسلم يا أبوي ويديمك فوج روسنا
إبتسم له عتمان بخفة، ثم أصطحب زيدان إبنته وتحرك متجه إلى منزله وتفرق الجمع كل لوجهته.

بعد قليل كانت تقف بغرفتها أمام والدتها المتساءلة بنبرة ملحة: بردك منوياش تجولي لي قاسم جال لك اية شجلب لك بيه حالك وخلاكي راچعة مسهمة إكدة؟
أجابتها بتملل ونبرة مختنقة: وبعدهالك عاد يا أماي، ما أبوي جال لك على كل اللي حصل،
وأكملت بشرح: قاسم كان عايز يأجل الفرح شهر كمان ويعمله في جاعة كبيرة في القاهرة لجل ما أصحابة ومعارفة هناك يحضروا، وچدي معچبهوش الكلام.

أردفت ورد قائلة بعدم تصديق: فكرك عيخيل عليا الحديت الخيبان بتاعك ده يا صفا
وأكملت برجاء: يا بتي انطجي و جولي لي الحجيجة و ريحي لي جلبي، لو فيه حاچة چرت من قاسم و زعلتك جولي لجل ما أخلي ابوكي يلحج يتصرف وياه،
اجابتها بملامح وجة مبهمة: هجول لك إية بس يا أما، هخلج لك حديت محصولش لجل ما أرضي لك فضولك.

تنهدت ورد بأسي وأردفت قائله بإستسلام: على العموم براحتك، أني هسيبك لجل ما ترتاحي وأنزل أشوف أبوكي إية اللي صابه هو كمان
وما أن تحركت ورد عائدة إلى الأسفل حتى إرتمت تلك الحزينة فوق تختها بإهمال ودخلت في نوبة بكاء مر، و غصة مريرة وقفت بحلقها كادت ان تزهق بروحها، بكت لأجل كرامتها التي أهدرت على يد من أحبته وأعتبرته رجلها وأمانها وفرحتها المنتظرة،.

بكت لأجل حلم كان على وشك التحقيق وبلحظة تحول إلى كابوس كاد أن يخنقها بداخله، بكت وبكت على سنين عمرها التي اهدرت هباء على من لا يستحق، ضلت على وضعيتها ساعات حتى غلبها النعاس وغفت على وضعيتها تلك دون إدراك.

نعود إلى ما سبق حين غادرت صفا بجوار والدها إلى منزلهما
علي الفور تحرك قاسم مهرولا إلى الدرج لأعلي ومنه إلى غرفته الذي صفق بابها بحدة بالغه، وبات يجوب الغرفة إياب وذهاب بغضب مما حدث، أوقفه إستماعه إلى تلك الطرقات السريعه فوق الباب.

تحرك إليه وفتحه بغضب فوجد أمامه والدته و والده الذي تحدث بحده بالغه بعدما أوصدت فايقة باب الغرفه جيدا لضمان عدم وصول أصواتهم إلى الخارج: اللي حصل إنهاردة ده معيزهوش يتكرر تاني واصل
وأكمل بوعيد رافع سبابته أمام وجه قاسم مهددا إياه بحدة: أخر مرة تتصرف لحالك من غير ما ترچع لي، مفهوم يا قاسم.

تحدث قاسم بنبرة بائسه غاضبة رافضة: بكفياك عاد يا أبوي أني مناجصش تجطيم، كفاية عليا الذل والمهانة والضعف اللي حسيت بيهم إنهاردة وأني واجف متكتف كيف العاچر جدام جبروت چدي وتحكماته الفاضية اللي معتخلصش
وأكمل صارخ بعيون مذهولة وغضب عارم: أني إتمسح بيا البلاط وإتداس على كرامتي بالچزمة الجديمة جدام بت عمي وخرست وكتمت جهرتي جواي.

وأكمل بنبرة لائمة: وكل ده لجل ما أرضيك وأنفذ أوامرك اللي معارفش عتوصلني بيها لحد فين
تحدثت فايقة بنبرة هادئة في محاولة منها لإسترضائة: إهدي يا ولدي، اللي حصل دي هو الصح واللي كان لازمن يحصل
تحدث قدري بنبرة أهدي بعدما تحكم في إنفعالاته: كت عايزني أجف أتفرچ عليك وإنت بتدمر حالك بيدك إياك؟

ثم تحرك إليه وربت على كتفه وأكمل بهدوء كي يهدئ من روعة وغضبته: بچوازك من صفا هتكون رضيت چدك ورضيتني وكسبت كل حاجة يا ولدي
وأكمل لمراضاتة: وبكره هنتمم الموضوع ونكتب الكتاب ونتطمن، وبعد بكرة هسافر وياك ونخطبولك المحامية اللي إنت رايدها، مرضي إكدة؟
أجابه بحده: وحضرتك بجا فاكر إن إيناس ولا أهلها هيوافجوا على چوازنا بعد ما أكتب كتابي على واحدة غيرها؟

أجابه قدري بتأكيد: مليكش صالح إنت بالحديت ده، أني ليا طرجي مع الخلج اللي عخليهم يوافجوا بيها
ثم أكمل بنبرة هادئة وهو يربت على كتف صغيره ليطمأنه: أني عاوزك تطمن وتحط في بطنك بطيخة صيفي
أكدت فايقة على حديث زوجها واردفت قائله بنبرة يملؤها الشر والحقد: إهدي يا قاسم، أني عاوزك تتوكد إن لو إنت رايد چوازتك من زميلتك دي تتم جيراط واحد فأني وأبوك عاوزينها تتم أربعة وعشرين جيراط.

ثم نظرت إلى زوجها وتساءلت: مش إكدة بردك يا قدري؟
أكد على حديثها ذاك الفاقد للبصيرة عديم النخوة: معلوم يا فايقة، معلوم
إستغرب قاسم حديث والده فحقا كان مخالف لتوقعاته، كان يتوقع غضبه الحاد لأجل إبنة شقيقه وما سيفعله بها ولكن دائما ما كان أباه يخلف ظنه وتتخطي دنائته كل التوقعات
فتساءل إلى أبيه بتخوف: طب ولو چدي عرف يا أبوي، تفتكر هيعديها لي على خير؟

أجابته فايقة بطمأنة: وأيه بس اللي هيعرف چدك بالموضوع ده يا ولدي، إنت هتتچوزها في مصر وهتعيش وياها هناك
قاطعها قاسم متساءلا بإنفعال: طب و ولادي اللي هخلفهم منيها يا أماي، هيجضوا عمرهم كلياته في الضل إياك؟
أجابه قدري: أني و أمك هنكون وياك في كل حاچة وهنزورك كتير في بيتك إهناك
وأكمل بحقد دفين ظهر بعيناه التي تحولت للغضب: إتحمل لحد ما ربنا يعدل الظروف والزمن ينصفني وكفتي المايلة تتعدل ويطب ميزاني.

وأسترسل حديثه بشر متمنيا موت أبيه: چدك مهيخلدش في الدنيي يا قاسم، وأظن إن بعد موته كل حاچة هتتغير، وأني هبجي الكبير بداله والكل في الكل، وكلمتي هتمشي على الكبير جبل اللصغير
ساعتها هچيب لك مرتك إهني هي و ولادك وأحطهم في عين التخين
نظر لأبيه مستغرب ومستنكرا حالة الشر التي يتحدث بها عن أبيه وشعر بريبة وتيهه بمشاعرة
أما فايقة التي إبتسمت بجانب فمها بتمني.

خرجا والديه وتركاه مع حيرته وتشتت عقله من تزاحم الأفكار التي إقتحمت رأسة والتفكير فيما هو قادم، زفر بضيق ورفع رأسه عاليا طالبا من الله العون والمدد، فلقد أرهق عقلة المشتت وتعبت روحه الممزقة وما عاد للإستقامة والمثالية التي دائما ما كان يتمتع بهما مكان بحياتة
بعد مرور مدة قصيرة من الوقت إستمع لأحدهم يطرق بابه، فسمح له بالدخول وكان الطارق شقيقه فارس الذي تساءل بإهتمام عن ما حدث بينه وبين جده.

فقص له كل ما دار بينه وبين جده وصفا ثم أبيه وأمه واسترسل حديثه بأنه إنتوي الزواج من إيناس بعد إتمام زيجته مباشرة من صفا
جحظت أعين فارس وتحدث بإعتراض محاولا إفاقة شقيقه من غفلته: فوج وأوعي لروحك يا قاسم، عمك زيدان ميستاهلش منيك إكده واصل.

هتف بصياح عالي بنبرة حادة: ولا أني أستاهل إكده ولا أنت ولا يزن ولا حتى صفا، بس هنجول أية، الوحيد اللي المفروض نلومه في الموضوع ده هو چدك، چدك اللي بكل جبروت عمال يحدد في مصايرنا على كيفه وكننا عرايس ماريونيت ماسك خيوتها في يدة وبيحركها على كيف كيفة
تحدث فارس بنبرة قلقة: بس إنت بكده بتحط نفسك في وش المدفع يا قاسم، چدك لو عرف مهيرحمكش وهيفرمك في مفرمته، ما أنت خابر جد أية بيحب صفا وبيخاف عليها.

وأكمل بنبرة حنون: أني خايف عليك لتبجا زيدان التاني وتعيش منبوذ يا أخوي
أجابه بهدوء، كي يطمأنه: ما تخافش يا فارس، أني هعمل إحتياطاتي وهرتب للموضوع زين بحيث يبجا في السر ومحدش يدري بيه واصل
أردف فارس بتيهه و حزن: وصفا يا قاسم، البت رايداك ومتستاهلش تعمل فيها إكدة
أجابه بنبرة حزينة بائسة لأجلها: نصيبها إكده يا فارس، ده جدر ومسطر على الچبين ولازمن تشوفة العين.

هتف فارس بخفوت: ربنا يستر من اللي چاي يا قاسم، ربنا يچيب العواجب سليمة يا أخوي.

أما يزن
كان بالأسفل جالس مع جده و والده يطلعهما على أخر المستجدات في تجهيزات المشفي وأيضا يراجع معهما حسابات المحجر الذي أوكلها له عتمان بعدما تأكد من تلاعب قدري بالحسابات فأراد ان يغلق في وجهه جميع الوسائل والقنوات، كي لا يستطيع خداع أبية وسرقة أمواله من جديد
وبعد الإستئذان تحرك للدرج في طريقه للأعلي حيث مسكنه فوجد قدري يقف بوجهه منتظرا إياه وتحدث متسائلا: إية أخبار حسابات المحچر يا يزن؟

وأكمل ساخرا: على الله تكون بينت لچدك إن عمك قدري كان بياكل ماله وسارجة بحج
رد يزن بهدوء عكس ما بداخلة وذلك لعلمه ألاعيب عمه في دفاتر المحجر وسرقة أكثر من ربع الوارد شهريا، حيث أنه إستفحل وأصبح شرس في إختلاس أموال والده بعد جشعة الذي أصابه وذلك جراء توسع تجارة زيدان وتضخمها بجانب شرائة لمجموعة من الأراضي الزراعية التي كانت معروضة للبيع في المركز التابع له نجعهم.

يزن بنبرة زائفة: ليه عتجول إكدة ع حالك يا عمي، أخلاج حضرتك فوج مستوي الشبهات عند چدي والچميع
هز قدري رأسه ساخرا وأجابه: على العموم اني ميهمنيش حديت حد طالما واثج في حالي وماشي بما يرضي الله، أما أنت بجا إشبع بإدارة المستشفي بتاعت السنيورة اللي عيخرب بيها بيوتنا كلياتنا.

وأكمل متسائلا بنبرة خبيثة كي يثير غضب يزن ويجعله يسخط على قرارات جده ويكسبه بصفه: تجدر تجولي كان لازمتها إية الفلوس الكتير اللي إترمت في المستشفي طالما في الاخر هيعملها مچاني لاهل البلد لجل ما يطمعهم فينا، مش كان عملك بيهم مشروع إنت وفارس اللي مراضيش يسلموا أي حاچة فيها فلوس ليسرجه كيف أبوة
ولا انت إية رأيك في الحديت دوت يا يزن؟

أجابة يزن الذي يستشف ما بداخل ذاك الحقود بسهولة ويسر: وأنا مالي بالحديت دي يا عمي، الرأي رأي چدي والفلوس فلوسه ومن حجة يعمل بيها ما بدالة
وإن كنت أني مختلف ويا حضرتك في الرأي وشايف إن المستشفي هتفيد أهل البلد الغلابه وكمان هتچيب ربح لأن فيه منها چزء إستثماراي للأغنيا وأكيد هيعود علينا بالنفع الكبير.

نظر له بسخط وتحدث ناهيا الحديث بنبرة ساخرة: جلبك رهيف كيف أبوك، ولد منتصر صح، إطلع لمرتك يا أخوي، إطلع
ودلف لداخل مسكنه وأغلق بوجهه الباب بشدة
هز يزن رأسه بيأس وتحرك للأعلي حيث مسكن الزوجيه
وجد تلك المستشاطة بوجهه وكأنها بإنتظارة والتي ما أن رأته حتى تحدثت بنبرة حادة ساخطة: إيه اللي مجعدك تحت لدلوك يا يزن؟

أجابها بنبرة جامدة ساخرة وهو يخلع عنه شاله ويتحرك لداخل غرفة النوم: معلش يا حضرة الشاويش ليلي، لما أجي أجفل الحسابات ويا چدي بعد إكدة هبجا أخد الإذن منيكي اللول
هتفت بصياح يدل على غضبها الحاد: بطل إسلوبك المستفز دي وياي وكلمني كيف ما بكلمك يا يزن
إلتف إليها في حركة سريعة ورمقها بنظرة غاضبة وهتف بها: مش لما تبطلي إنت اللول إسلوبك اللي يحرج الدم دي.

اسرعت إلية وأمسكته من تلابيب جلبابه وتسائلت ونار الغيرة تنهش قلبها وتظهر بعيناها: لساتك عتحبها يا يزن، لساته عشجها الملعون ساكن جوات جلبك؟
إبتلع لعابه ثم تمالك من حاله وأجابها بنبرة زائفة: كنك إتچنيتي خلاص، عشج إية يا مچنونة إنت اللي عتتحدتي عنيه، صفا بجت كيف أختي بالظبط من اليوم اللي أتخطبت فية لقاسم، يعني إتحرمت علي
وده حرمها هو كمان يا يزن؟

جملة تسائلت بها ليلي وهي تشير بسبابتها على موضع قلبه، وبعدها دموعها إنفرطت بعدما فشلت في منعها
وما كان من ذو القلب الرحيم والروح النقية سوي أن سحبها لداخل أحضانة وضل يمسح على ظهرها بحنان مهدهدا إياها وأردف قائلا كي يهدئ من روعها: معارفش لزمته إية الحديت اللي كل مرة بيجلب علينا بالنكد والحزن دي، إنسي يابت الناس وخلينا نعيش حياتنا كيف البني أدمين.

أجابته بنبرة يملؤها الحقد والكراهية من داخل أحضانة: كله من تحت راس اللي ما تتسمي الحية بت العجربة اللي إسميها صفا، طول ما هي موچودة في الدنيي مهرتاحش ولا هيهدالي بال
أبعدها سريع عن أحضانة وتحدث مذهولا مشمئزا: ربنا يشفيكي من حجد جلبك اللي مبجاش باين من كتر سوادة
وتحرك إلى المرحاض تارك إياها بنارها الشاعلة وحقدها المتزايد يوم يلو الاخر.

صباح داخل القاهرة الكبري
كانت تجلس داخل مكتبها تراجع أوراق إحدي القضايا الهامة، دلف إليها عدنان بعد الإستئذان وجلس بمقعد أمامها وتحدث مستفسرا: قاسم ما اتصلش وقال لك مجاش لية إنهاردة؟
أخذت نفس عميق ثم أخرجته، خلعت عنها نظارتها الطبية و وضعتها بإهمال فوق المكتب وأردفت قائله: كلمني بالليل وقالي إن إضطر يقضي إنهاردة كمان في الصعيد وهييجي بكرة في طيارة الساعة 8 الصبح.

سألها مستفسرا بإهتمام: ما قالكيش عمل إية مع جده في موضوعكم؟
هزت رأسها بإستسلام وتحدثت: سألته ومدانيش إجابة محددة يا عدنان، قالي لما أجي عندك هقول لك على كل حاجة
تفتكري يكون جده رفض إنه يفسخ الخطوبة من بنت عمه؟ جملة قلقة نطق بها عدنان.

أجابته بثقة: ما أظنش، اللي أعرفه عن جدة بناء على كلام قاسم نفسة إنه لا يمكن يجبرة على حاجه هو مش مرتاح لها، وخصوصا إن قاسم هيدخل له من حتة إن رجولته ما تسمحش إنه يتجوز واحده أعلي منه في المستوي التعليمي،
وأكملت بإيضاح وثقة: وإنت عارف بقا الصعايدة في موضوع الرجوله ده بالذات، معندهمش فيه فصال.

ثم هبت واقفة وأسترسلت حديثها بنبرة عملية وهي تلملم أشيائها الخاصة وبعض اوراقها: أنا رايحة المحكمة، أخر مرافعة في قضية النجاري إنهاردة ولازم أحضرها علشان أقدم المذكرة لأن القضية هتتحجز للنطق بالحكم
وأردفت بنبرة أمره: وإنت خلي بالك كويس من المكتب والموظفين لحد ما أرجع، مش عاوزين نهز ثقة قاسم اللي حاططها فينا يا عدنان
أومأ لها بطاعة وأخذت هي حقيبتها وأشيائها وأنطلقت للخارج.

ظهر اليوم التالي داخل المشفي الذي إقترب على أن يصبح جاهزا بين ليلة وضحاها
يستقل يزن سيارته ويدلف بها من البوابة الحديدية الرئيسية ومنها إلى ساحة المشفي وإذ بفتاه تصرخ بوجهه وتوصمه ببعض الألفاظ التي إستشاطت ذاك اليزن مما جعله يوقف عجلة القيادة سريع مما أحدث صوت صفير عالي نتيجة إحتكاكات إطارات السيارة بأسفلت الممشي الخاص بالسيارة.

نزل يتطلع على تلك الغاضبة، وقف بطولة الفارع ولباسه الحديث الراقي، يتفقدها بتمعن وخلع عنه نظارته الشمسية لينظر لتلك التي تفوهت بنبرة غاضبة وهي ترمقه بنظرة ساخطة: مش تفتح يا بني أدم إنت، إيه، ماشي أعمي مش شايف قدامك.

كانت تحدثه وهي تميل بجزعها ممسكة بكف يدها بمحرمة لتقوم بها بتنظيف بنطالها الواسع بلونه الأسود والذي تلطخ بالمياة المتسخة، التي تطايرت على بنطالها أثر مرور السيارة بجانبها سريع وعبور إحدي الإطارات فوق بؤرة من المياة التي تجمعت نتيجة ري الزرع المتواجد بالحديقة.

تمالك بصعوبة من حالة الغضب التي إنتابته أثر سبابها له وهذا ما لم يحدث معه من قبل على الإطلاق، ثم تنفس عاليا كي يسيطر على غضبة ويحجمه كي لا يصبه عليها ويأذيها وهذا فقط لأنها انثي ولأنه ذو أخلاق
نظر لها بملامح ساكنة وتحدث بنبرة هادئة عكس ما يدور بداخله من بركان: معلهش، مخدتش بالي، إدخلي چوة المستشفي ونضفيه في الحمامات.

رفعت رأسها إلية ورمقته بمقلتيها الحمراء والتي تشع غضب وتحدثت بنبرة ساخطة: أما أنت إنسان مستفز صحيح، بقي بهدلت لي البنطلون وبكل برود تقولي مخدتش بالك
وأكملت سخطها علية بنبرة حادة: ولما سيادتك مبتاخدش بالك ولا بتشوف بتسوق عربيات ليه؟
ولا هو كل واحد أبوة معاه قرشين محيرينة يروح يجيب لإبنة عربية يمرمط بيها الخلق ويقرفنا معاه.

كان يستمع لها بعيون جاحظة فاغر الفاه من شدة دهشته من إسلوبها الحاد وأردف قائلا بدهشة: مچنونة إنت ولا معجدة طبجيا ولا نظامك إية إنت أني مخابرش
رمقته بنظرة إشمئزاز وتحدث بإستنكار: نعم، إنت كمان هتطلعني معقدة وعندي حقد طبقي، وأنا هستني إية من واحد زيك إلا إنه يفسر كلامي بالطريقة الطبقية العفنه دي.

قالت كلماتها وأطلقت العنان لساقيها لتنطلق للداخل بأقصي سرعة تحت ذهول ذاك الذي ما زال فاغر الفاه مندهش وتحدث: الله الوكيل مچنونة وتبجا وجعة مربربة لو طلعت الدكتورة اللي جاية للتعيين
وتحدث بنبرة معترضة: مهي أصلها ناجصة مچانين كمان
صعد من جديد إلى سيارته وتحرك بها كي يصفها في المكان المخصص لها ثم تحرك لداخل المشفي.

دلف إلى الداخل وجد الموظف المسؤل عن الإستقبال يقف بالرواق فتحدث إلية بهدوء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد الموظف سلامه ثم تحدث إلية: الدكتور ياسر مستنيك في مكتبك و وياه الدكتورة اللي جاية من مصر بخصوص التعيين يا باشمهندس
إبتسم ساخرا وتحدث بصوت خفيض: هي مش ليلي البومة فجرت فيها على الصبح، يبجا هياچي منين الخير عاد
تحدث الموظف متسائلا: بتجول حاچة يا باشمهندس.

أجابه بنبرة ساخرة: عجول إية، لله الأمر من جبل ومن بعد
تحرك لداخل مكتبة المخصص بالإدارة، وجدها تجلس مقابلة لدكتور ياسر بملامح وجه صارمة، إبتسم بسماجة
حين تحدث دكتور ياسر إليها مشيرا إلى يزن بوجه بشوش: وأدي الباشمهندس يزن اللي هيتفق مع حضرتك على بنود العقد وصل
نظرت إلية وصدمت عندما رأت أمامها الشخص التي إنهالت علية بالسباب منذ القليل، إبتلعت لعابها لكنها بالطبع لم تظهر ضعفها.

حين إبتسم يزن بسماجة وتحدث إلى كلاهما: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وتحرك متجه إلى مقعد مكتبة وتحدث بتخابث وهو ينظر لداخل مقلتيها السوداويتان: ما أتعرفناش
تحمحمت وتحدثت بنبرة صارمة: دكتورة أمل طارق عبدالسلام، تخصص طب نسا وتوليد
أومأ برأسه بهدوء وتحدث إليها بإحترام متلاشيا ما حدث بينهما بالخارج: أهلا وسهلا يا دكتورة، نورتي سوهاچ.

إستغربت حديثه وهدوئة التي لم تتوقعه بعد هجومها اللازع علية بالخارج، أردفت قائلة بنبرة هادئة: متشكرة يا أفندم
وأكملت بثقة زائدة عن الحد أبهرت ذاك اليزن: ممكن قبل ما أمضي العقد أعرف شوية تفاصيل خاصة بالمستشفي
إبتسم بجانب فمة وتحدث ساخرا: حضرتك واثجة جوي من حالك ومتوكدة إنك هتمضي العجد إنهاردة، لا وكمان بتحطي شروطك.

أجابته بنبرة واثقة تصل للغرور: دي مش شروط يا أفندم، دي معلومات على أساسها أنا اللي هحدد وهقرر إذا كنت همضي العقد وهشتغل معاكم ولا لا
قطب جبينه بغضب من لهجتها المستفزة وكاد أن يتحدث
سبقه دكتور ياسر سريع كي يفض الإشتباك الذي رأي بوادره داخل أعين يزن: الدكتورة أمل تقصد إنها عاوزة تتأكد من وجود الأجهزة اللي هتحتاجها في شغلها.

أكملت هي على حديثه قائلة بنبرة صارمة: مش بس كده يا دكتور ياسر، أنا لازم أتأكد من جودة وسلامة الأجهزة وكل المستلزمات اللي هحتاجها في شغلي، وكمان طقم التمريض اللي هيساعدني لازم يكون على درجة كفائة عالية علشان ما نعرضش حياة المريضة لأي إحتمال للخطر
طب إية رأي چنابك نستوردهم لسعادتك من ألمانيا، بيجولوا التمريض إهناك لا يعلي عليه، فاخر من الاخر كيف ما بيجولوا، كانت تلك كلمات ساخرة نثرها يزن على مسامعها.

إبتسمت ساخرة بجانب فمها وتحدثت بنبرة عملية: على فكرة يا باشمهندس
وأكملت مضيقة العينان بتساؤل مستفز كي ترد له إهانته: قولت لي إسم حضرتك إية؟
أجابها ساخرا: وكمان عنديكي ذاكرة سمكة، لا بداية مشرفة الحجيجة
كان ياسر يتنقل البصر بين كلاهما بتعجب من الحرب الباردة و قذف الجبهات الدائر بيهما من أول اللقاء،
فتحدث بهدوء كي ينهي ذاك الصراع العجيب: جري إية يا جماعة، متهدوا كدة وخلونا نتفاهم.

وأكمل مفسرا الوضع إلى يزن: على فكرة يا باشمهندس، الدكتورة بتتكلم في تخصصها، هي من حقها تتأكد من إجراءت السلامة ومعايير الأمان والجودة اللي لازم تكون موجودة في اي مستشفي، وده علشان سلامة المريض وتقديم الرعاية اللازمة الصحيحة ليه بشكل صحي.

ثم حول بصره إلى أمل التي تجلس بأريحية وأرتسمت على محياها شبح إبتسامة لمنتصر، وتحدث إليها ياسر بطريقة عملية: عاوز حضرتك تطمني من ناحية سلامة وجودة الأجهزة لأني انا بنفسي اللي إختارتهم، وده هتشوفيه بنفسك حالا لما أدخلك أوضة العمليات الخاصة بالقيصرية المجهزة بأحدث الاجهزة والتقنيات، و أوضة الكشف كمان نفس الحكاية، وكمان هتشوفي بنفسك نظام المستشفي اللي إتبني على طراز حديث وأتبعنا فيه شروط السلامة الصحية.

وأكمل: أما بالنسبة لطقم التمريض فأحب أقول لك إن أنا والدكتورة صفا إخترناهم بعناية وكفائة، وده بردوا هتشوفية بنفسك بكرة لما أجمعهم لك علشان تتعرفي عليهم
اومأت بهدوء ثم أردفت بتساؤل: تمام يا دكتور، نيجي بقا لنقطة السكن الخاص بيا
تسائل يزن بإستغراب: هو إنت عتسكني عندينا في النچع إهني؟
أجابته ساخرة: اومال عاوزني أسافر القاهرة كل يوم حضرتك؟

تحدث ياسر مفسرا بنبرة هادئة: بالنسبة لسكن حضرتك فيه سكن طالبات وموظفات مغتربات قريب جدا من البلد هنا، الدكتورة صفا راحت بنفسها وأتفقت مع صاحبة السكن وحجزت لحضرتك غرفة هتكون مدفوعة الأجر من المستشفي
أومأت له بهدوء فتسائل يزن بنبرة إستفزازية: أي أوامر تانية جبل ما تشرفينا حضرتك وتتعطفي علينا وتمضي العجد؟

شعرت بإنتصار حينما وجدت غضبة فأرادت أن تستدعي غضبه أكثر وأردفت ببرود: كدة كويس أوي يا باشمهندس، والوقت ممكن أمضي العقد مع حضرتك
نظر لها مدقق وحك ذقنه بتسلي ثم أخرج نسخة العقد و وضعها أمامها وتحدث بإستغراب: نسيتي تسألي على المرتب ومستحجاتك المادية يا دكتورة.

أجابته بصدق: كل ده مش مهم قصاد إني أشتغل في مكان أكون مرتاحة فيه نفسيا، ولعلمك يا باشمهندس، أنا إستقالت من مستشفي إستثماري كبير جدا ومعروف بالإسم في القاهرة كلها، وكنت باخد مرتب محدش في سني يحلم بيه،
وأكملت بنبرة محملة بأثقال من الهموم ظهرة عنوة عنها: بس إستغنيت عن كل ده قصاد إني أجي هنا وألاقي راحتي النفسية وأقدر أخدم الناس اللي محتجاني بجد، وأقدم لهم خدمة تليق بيهم كبني أدمين.

إستغرب حديثها وعلم منه ان لها قصة وتريد الهرب منها بالتأكيد، وهنا وجد حاله مجبرا على إحترامها بعدما ظهر له جانب مشرق من معالم شخصيتها الغريبة الأطوار.

داخل منزل الحاج عتمان
دلفت نجاة إلى المطبخ حيث تقف فايقة أمام موقد النار موالية ظهرها للباب
تحدثت إليها بنبرة غاضبة تنم عن وصول تلك النجاة إلى ذروة تحملها: وبعدهالك يا فايقة، لحد ميتا عتفضلي ساكته ومطرمخة إكدة على موضوع حبل ليلي، أني رايدة أفرح بولدي وأشيل له عيل في حچري جبل ما أموت من جهرتي علية.

لم يتحرك لتلك الفايقة ساكن وضلت ثابتة بوقفتها ثم تحدثت بتأفف: يا فتاح يا عليم يا رزاج يا كريم على الصبح، مالك يا نجاة، جايمة شايطة عليا أني وبتي من وش الصبح لية إكده؟
هتفت نجاة بنبرة حادة بعدما فاض بها الكيل: البت متچوزة بجالها سنتين وماحبلتش لحد دالوك يا فايقة، وبصراحة إكدة أني ومنتصر بدأنا نتوغوش،.

كظمت غيظها داخلها بإعجوبة وهدأت رغبة مكبوتة تلح عليها وتأمرها بأن تمسك بيدها ذاك الساطور الحاد الموضوع جانب وتقوم بقطع لسان تلك الثرثارة التي بدأت تثرثر بذاك الحديث وتزعجها به كثيرا في الاونة الأخيرة.

لكنها تمالكت من حالها وقررت اللعب بمشاعر نجاة وتحدثت إليها بنبرة منكسرة مهمومة كي تستدعي شفقة تلك البلهاء رقيقة الحس: وإنت يعني كنتي شيفانا جاعدة وساكتة لجل ما تسمعيني كلامك السم دي على الصبح، ما أنت واعية لي اني وبتي وشيفانا وإحنا متشندلين كل يوم ورايحين چايين عند الدكاترة والشيوخ،.

وأكملت بجهل: الشيوخ اللي زرناهم كلياتهم جالولي بتك معمولها عمل سفلي واعر جوي، رابط لها الرحم وهو اللي معيخليهاش تحبل، واسترسلت حديثها بفحيح وشر: بس أني مهرتاحش غير لما أعرف بت الحرام اللي عملت إكدة في بتي وأشندلها شنديل كيف ما وچعت جلبي على بتي وسمعتني الكلام من اللي يسوي واللي ميسواش.

كانت تستمع إليها وهي تحدق بها بذهول ثم هتفت بحدة: يا ولية بطلي چهل وروحي للدكتور وشوفي بتك مالها، الحاچات اللي عماله تديها للبت تبلبعها كل يوم والتاني دي عتأذيها يا حزينة
أجابتها بحده: دي وصفات عتساعدها لجل ما السحر يتفك والبت تحبل لچل ما أريح نفوخي من زنك اللي معيخلصش يا نچاة، وبعدين ما أني روحت في اللول لدكاترة أشكال وألوان يا شملوله، كانوا نفعوني باية الدكاترة بتوعك دول؟

واكمل بتذكير: كل واحد أروح له يجول لي بتك زينة والمسألة مسألة وجت، وعلى يدك فات سنتين ولسة مجاش الوجت اللي عم يتحدتوا عنية، كتي عوزاني أحط يدي على خدي وأجعد أولول كيف الحزانه إياك؟
أردفت نجاة بنبرة إعتراضية: تجومي تاخديها للدچالين يا حزينة. ، الله الوكيل يزن لو عرف ليشندلكم شنديل ومهيرتاح اللي أما يجول لچده ويسود عيشتك إنت وبتك.

هتفت بحدة قائلة: وطي حسك يا وليه لحد من الخدم يسمعنا، وبعدين مين اللي عيجول ليزن، أني باخد البت وأجول إني رايحة أشوف أمي وأجضي وياها باجي النهار، وبروح من إهناك لا من شاف ولا من دري.

تنفست عاليا وأردفت قائلة بعدم صبر: أني ميخصنيش الحديت الماسخ دي كلياته، أني عايزة أشوف حتة عيل لولدي يا فايقة، ومهصبرش أكتر من إكدة. ، خدي بتك لدكتور كبير وإلا أني اللي عكلم يزن وأخليه ياخدها ويدلي بيها على مصر ويشوف حكايتها إية ويا الخلفة دي كمان.

قالت كلماتها بوجه محتقن غاضب وتحركت للخارج سريع، نظرت فايقة على طيفها وتحدثت بغل وهي تقوم بتقطيع بعض حبات البصل بطريقة عنيفة تنم عن وصولها إلى قمة غضبها وحقدها
وتحدثت بنبرة حقودة: يجطع خبرك مرة سو، نكدتي على في عز فرحتي يا حزينة.

مساء
تحرك قدري على مضض إلى منزل شقيقه والذي سيدخله لأول مرة بحياته مصطحب قاسم والمأذون كي ينتهوا من إجراءات كتب الكتاب
دلف للداخل يتلفت حوله يتفقد المنزل وفخامة بنيانه وأثاثة الوثير بحقد وغل دفين لو تفرق على قريتهم لكفا وفاض،
إستقبلهم زيدان بحفاوة وقلب صافي وأدلفهم لداخل غرفة الإستقبال بأثاثها الفخم وجلسوا فوق المقاعد الوثيرة، ثم قام زيدان بإستدعاء العاملة التي قدمت لهم واجب الضيافه بترحاب عالي.

وبعد قليل تحدث المأذون بإستئذان ناظرا إلى زيدان: بعد إذنك يا زيدان بيه تنده لنا الدكتورة صفا لجل ما ناخد موافجتها على بدأ إجراءات كتب الكتاب
وما أن أنهي جملته حتى إستمع إلى صياح ذاك القدري الذي تفوه قائلا بإقتضاب: موافجة أيه اللي عاوز تاخدها منيها يا سيدنا الشيخ، يعني إحنا هنكتب الكتاب غصبن عنيها إياك.

وأكمل بتفاخر وهو يرفع قامته للأعلي: البت عاشجه الأستاذ قاسم وبتتمني رضاه كمان، وأكمل ليحثه على البدأ سريع: إتكل على الله وإبدأ في إچراءاتك
إستغرب زيدان حدة قدري وغضب من نبرة التعالي التي يتحدث بها عن ولده مقللا من شأن إبنته.

حين تحدث المأذون الشرعي بهدوء و رتابه: ما تزعلش مني يا قدري بيه، أني بنفذ أوامر الشرع والجانون واللي بيفرض عليا إني لازمن أسمع موافجة العروسه بنفسي وأتأكد من رضاها، وإلا أكون بخالف الجانون ويكون لا جدر الله العجد باطل
تحدث قاسم إلى عمه بإحترام كي ينهي ذاك الجدل العقيم: ياريت يا عمي تنده لصفا علشان منأخرش الشيخ أكتر من إكده
أجابه زيدان وهو يقف إستعدادا للخروج: حاضر يا ولدي،.

ثم وجه حديثه إلى الشيخ سلامة: ثواني يا شيخنا وصفا تكون جدامك
أومأ له الرجل بإحترام وبالفعل كانت صفا تقف أمامهم بعد دقائق معدودات وجلست تحت نظرات قاسم المتفحصة لجمالها الخلاب الذي لفت إنتباهه رغم الحزن الذي يخيم على ملامح وجهها
سألها الشيخ بلين: إنت موافجة يا بتي على چوازك من قاسم قدري النعماني
وجهت بصرها إلى قاسم و رمقته بنظرات ثاقبه حاده ثم تحدثت بنبرة قويه شامخة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة