رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل العاشر
تناقضات..
لم تكن تلك سهرتهم الاخيرة. في مساء اليوم التالي كانت مستغرقة في رسمها والتدقيق به فأنتشلها من انتباهها ثلاث طرقات متتالية وهادئة فوق باب غرفتها، انه هو! قالت بعد ان تعمدت ان تنزل رأسها مجدداً نحو رسمها مدعية تجاهل دخوله: تفضل.
فتح الباب لنصفه واطل بوجهه فقط وهو لايزال ممسك المقبض بين راحة يده وقال بأبتسامة لايتخلى عنها ابداً معها: أتحتاجين اليوم الى الحليب؟
نظرت نحوه وقالت بهدوء وبملامح جامدة لاتدل ابداً انها ممكن ان تمزح: عظيم! اصبحت تنتجه ايضاً مع البيض.
برود لايتناسب مع الضحكة العالية التي اطلقها. اعادت انزال رأسها نحو رسمتها محاولة بشدة ان لاتضحك امامه فأكمل هو: سأتغاضى عن وقاحتكِ ايتها الصغيرة واكون لبقاً وادعوكِ لكأس من الحليب ومشاهدة فيلم جديد.
مطت شفتيها بعدم مبالاة وهي تستمر بالرسم رغم ان قلبها رقص فرحاً لهذه الفكرة التي ظنت انه قد لا يطرحها اليوم وقالت مدعية عدم الاهتمام: كما تشاء. اياً يكن.
لقد احضرت ايضاً بعض الفشار، أتريدين ان أعد بعضه؟
وضعت الكراسة جانباً وقامت بتململ وهي تقول:
حضّر انت الحليب وانا سأحضّر الفُشار.
رفع حاجب وانزل اخر بشكل مضحك وهو يقول:
أحقاً ستفعلين؟
نظرت له نظرة جانبية وهي تمر من جانبه وتقول:
وهل من مشكلة في ذلك؟
لا. ابداً. بالعكس تماماً!
مرت من قربه وهو لاينزل نظره عنها ولايبعد ابتسامته عن وجهه. تعمد ان يفتح الباب قليلاً فقط من اجل مرورها ليستنشق الهواء الذي يتبع خصلاتها محملاً برائحتها الزكية وهي تمر بالقرب منه!
حدق بمنظرها الذي تبقيه دائماً مهمل وطفولي غير مدركة انه يعشق منظرها هكذا!
ترتدي بنطال قصير اسود اللون يصل الى ركبتيها ويكشف عما تبقى من ساقيها وقميص ابيض انسدل بأريحية فوق جسدها الرشيق وترفع شعرها الى الاعلى وتثبته بفرشاة رسم كانت تستخدمها قبل قليل فأنسدلت بعض الخصلات القصيرة من فوق رقبتها الخلفية وجانبي وجهها، منظر يجعله لايود انزال بصره للحظة عن جمالها الذي لاتفعل الكثير من اجل ان تحققه!
لحظات صمت مرت عليهما في المطبخ وهما يقفان معاً امام الطباخ كلاً اتى ليعد مااتى من اجله.
دقائق قليلة ارتشفا فيها الحليب ثم ذهبا نحو الصالة من اجل مشاهدة الفيلم وريم تحمل اناء الفشار الزجاجي.
جلست على الاريكة ترمي ببعض القطع في فمها بينما هو واقف يقلب الاقراص كي يختار فيلماً. واخيراً استقر على فيلم منزل الجدة الكبير. فهو يريد رؤية ابتسامتها النادرة لأطول فترة ممكنة لذلك يتعمد دوماً اختيار افلام كوميدية، لحظات قليلة حتى بدأت ابتسامتها في الظهور. ابتسامة لااكثر، عريضة او خفيفة. بقهقهة مكتومة او بدونها. هي فقط ابتسامة. وكأن قلاع الحزن المبنية بداخلها اقوى من ان تتهدم بسهولة ببضع افلام كوميدية وعبارات مضحكة!
وايضاً لم يكن هذا اليوم هو اخر يوم لسهراتهما المشوقة بل استمر لمدة اسبوع كامل وهم يتنقلون مابين الافلام. يجلسون ليشاهدوها بصمت لايخترقه سوى صوت ضحكاته وابتسامتها دون ان يتبادلا الحديث مع بعضهما. ولكن رغم هذا الامر كان ممتعاً! ليالي متناقضة ومحتدمة. اليوم هو يلقي تحية الوداع ويدخل غرفته بسرعة والبارحة هي من فعلت ذلك وغداً قد قرر كلاهما انه سيسبق الاخر ولكل واحد نية مختلفة بداخله تدفعه لفعل ذلك!.
وها هو اليوم الثامن قد حل على سهراتهما المعتادة. ولكنه لم يحضر بعد من خروجه، فقررت ان تحضّر الفشار وتختار هي الفيلم هذه الليلة قبل مجيئه ليشاهداه فور وصوله، وبالصدفة فتحت احدى ادراجها في الغرفة فوجدت احد حبوب المهدئ مرمي تحت حاجياتها لم تنتبه اليه مسبقاً.
حملته بتردد ونظرت اليه مطولاً، جسدها يؤلمها، رأسها يكاد ينفجر منذ ايام لأنها انقطعت عن تناولهن فجأة، لديها الان رغبة جامحة بشربه لتشعر بذلك الاسترخاء ولتغط بنوم عميق كالسابق! ولكن فجأة خطر آدم على بالها، وصدحت كلماته في زوايا عقلها، ولرغبة لم تفهم سببها هي قد وجدت نفسها فجأة لاتريد خذلانه وتخييب ظنه. لذلك ستقاوم رغم رغبتها الشديدة بأخذه الان، فأعادته حيث كان وخرجت من الغرفة نحو المطبخ لتعد الفشار!
الفشار اكتمل. الفيلم تجّهز. وآدم لم يحضر بعد!
دقت الساعة العاشرة وموعد عودته كان من المفترض ان يكون في التاسعة...
ستتصل لتطمئن. لا. ستتصل لتؤكد عليه اغلاق الباب جيداً عند عودته. لا. ستتصل كي تعلمه انها ستنام فلايحدث ضوضاء لدى دخوله، المهم انها ستتصل فحسب لتتمكن من نحر قلقها والتخلص منه وابعاد التساؤلات عن رأسها.
رنة، اثنتين. وها هو يرفع السماعة قبل ان تصل للثالثة!
اهلاً ريم.
تنحنحت كالعادة لتبدو امامه متماسكة قدر الامكان لايملك اي قدرة على اضعافها ولو بمقدار مثقال واحد.
اهلاً. اين انت؟!
صوت رقيق اخترق مسامعها جعلها تقطب حاجبيها فوراً (اوصل لها سلامي). وضحكة منه جعلها ترهف تركيزها جيداً لعلها تستنتج اين هو ولكنه قطع استنتاجاتها فوراً وهو يقول:
انا مع زميلتي في العمل مايا في احدى المقاهي نحتسي القهوة وهي ترسل لكِ سلامها...
سكوت. لاجواب. مجرد نقطة وهمية تحدق بداخلها بعمق! فأكمل:
لماذا؟ أهناك شيء؟
هي ليست مهتمة. فليخرج مع مايا او حتى ليتزوجها فهي متأكدة انها لن تشعر بالغيرة لاسيما بعد ان شجعته اكثر على فكرة الزواج وطرحتها اكثر من مرة بعد وصولها الى منزله تطالبه بالاستعجال بتنفيذها. ولكن هناك شيء ما. شيء لايمكنها فهمه بالضبط. ولكنه شيء ببساطة جعلها تشعر، بخيبة الامل! وبغضب! وكأنها متلهفة تركض خلفه وهو يرميها ببساطة جانبا! ً.
وجهها احمر. خجلة. غاضبة. ثائرة. تكره نفسها بشدة وتكرهه! وهنا اشتعل الضوء الاخضر ينذر بتشغيل كبريائها. فقالت من دون اي تساؤلات او اهتمام بتلك المدعوة مايا او بأمر خروجه معها وتركها هنا وحدها:
حسناً. كنت اخبرك اني سأخلد للنوم الان هل اخذت معك مفاتيحك ام انك ستوقظني؟
لم يجبها فوراً بل صمت لأجزاء الثانية وهو ينظر لساعة يده ثم اجابها بأستغراب:
تنامين؟ في هذا الوقت؟!
اجل. ألديك اعتراض؟
شعر بخيبة املها ذاتها وتنهد بضيق وقال:
كما تشائين. لاتقلقي لن اوقظكِ فمعي مفاتيحي.
وكالعادة من دون وداع اغلقت الهاتف، أتذكرون قرص المهدئ ذاك الذي قاومته؟ اتجهت اليه فوراً لتشربه!
عاد بعد ساعة تقريباً ليجد المنزل يغط في هدوء عميق مطفئ الاضواء ويكتنفه سكون كرهه بشدة، يشبه السكون الذي كان عليه المنزل قبل قدومها! ايام قليلة فقط ولكنه احب حقاً رؤيتها كلما عاد للمنزل او حتى يستشعر حركتها في الغرفة!
القى سترته فوق ظهر الاريكة وجلس يفتح ازرار معصمه ثم القى المفاتيح بأهمال فوق المنضدة الزجاجية التي امامه فجذب انتباهه قرص مدمج موضوع هناك. مد يده وتناوله بأستغراب فوجده احدى الافلام التي يمتلكها عندها انفتح جبينه المقتضب فوراً وانفرجت شفتاه بدهشة، لقد كانت تنتظره من اجل سهرتهما المعتادة، أيعقل ذلك؟ ألهذا اتصلت؟
رمى القرص فوراً وانطلق نحو المطبخ ليتأكد من ظنونه، كان نظيفاً وخالياً. بالطبع سيكون كذلك فهو يعرف كبريائها وكان متأكد انها نست امر القرص فوق المنضدة فلو انها تذكرته لأعادته قبل ان يراه ويستنتج سبب مكالمتها، لذلك انطلق نحو سله المهملات في المطبخ فوراً. فتحها واعتلت ابتسامة عريضة ثغره، ها هو الفشار مرمي هنا كي لايراه! اذاً ما ظنه كان صحيح! رغم انه كان يرى نفسه حقيراً لأنه خذلها ولم يعد مبكراً ولكنه كان سعيداً جداً! فللحظة واحدة لم يكن يظن انها كانت ستهتم بسهراتهما وهذا ماجعله يتأخر خارجاً، ولكنها انتظرت. تحضرت. وربما حتى تشوقت! وهذا امر يدفعه بالشعور انه يمتلك جناحين من السعادة وقادر على التحليق لأعالي السماء!.
رفع اكمام قميصه الى عضده وبدأ بأعداد الحليب كما تحبه...
دقائق قليلة واتجه نحو غرفتها يحمل كوبين، طرق الباب فلم يجد اجابة. بالطبع لم يكن يتوقع ان تجيبه لذلك قام بفتحه بتردد ودخل. قال بهمس حنون:
ريم؟.
من دون شك هي كانت مستيقظة. كانت خائبة الامل، كانت غاضبة. من نفسها لأنها انسجمت معه بهذه السرعة وغاضبة منه لأنه تركها وخرج وعند هذه النقطة يزيد غضبها من نفسها اكثر!
رغم انها اخذت احدى اقراص المهدئ ألا انه لم يكن كافياً ليخمد تلك الثورة الغريبة التي اندلعت بداخلها لاتعرف اسبابها وعجزت عن قمعها! لذلك كان الدواء كافياً ليبث الاسترخاء في جسدها ولكنه لم يساعدها على النوم بسرعة!
اقترب من سريرها وكانت تغطي رأسها بغطائها كعادتها فوضع الحليب بهدوء فوق المنضدة المجاورة لسريرها وقال برفق:
اعلم انكِ لاتستطيعن النوم بسهولة. لذلك اعددت لكِ بعض الحليب.
لاجواب. لاحركة. ولااي شيء. فأكمل:
سأعد بعض الفشار واتابع فيلماً. أتودين متابعته معي؟
لاشيء.
انه فيلم جديد ورائع بالمناسبة سيفوتك.
لاشيء...
حسناً. سأكون في الصالة ان غيرتي رأيك.
ولاشيء ايضاً. خرج الى الصالة ارتشف حليبه وبقي ينتظرها لعلها تتخلص من عنادها وتخرج. ولكن لم تفعل، انتظر لساعة. ساعتين، وثلاث. ولكنها مصرة! فقطع الامل بخروجها وذهب نحو غرفته ليحظى ببعض النوم والراحة التي يصرخ بهما جسده طالباً الرحمة!
اما هي. فلاتختلف عنه كثيراً. استمعت لهمساته كلها، اعجبها اهتمامه بشدة! فكرهت نفسها بشدة اكثر! بالطبع عنادها لم يسمح لها بشرب الحليب رغم انها ارادت ذلك. وكبريائها لم يسمح لها ان ترميه من دون ان يراها تفعل ذلك. فأنتظرت استيقاظه!
اليوم جمعة ولن يخرج من البيت صباحاً. اذاً ستنتظر خروجه نحو المطبخ لتستفزه كما استفزها البارحة!
استشعرت حركته وصوت الاواني فقامت من سريرها تحمل كوب الحليب الذي لم ترتشف منه او حتى تتذوقه! دخلت نحو المطبخ وكان يقف امام الطباخ يعد الفطور فتطلع نحوها بأبتسامة وقال:
صباح الخير.
اجابته بأقتضابها المعتاد:
اهلاً.
فأنزل بصره نحو الكوب وقال بخيبة امل:
ألم تشربيه؟
اتجهت بصمت نحو المغسلة ورمته في الحوض وقالت ببرود:
لم اكن بحاجة اليه البارحة.
ثم نظرت له بذات البرود واكملت:.
لقد اخذت قرص مهدئ وغططت بنوم عميق ولم اشعر حتى بدخولك الغرفة وانت تضعه!
وهنا تم الضغط على زر التبديل في شخصية ادم وتحول فجأة الى ذلك الجاد والعصبي! تلك الشخصية التي تستخرجها فوراً من داخله عندما تستفزه...
اطفئ الطباخ والتفت اليها يقطب حاجبيه ويكتف يديه امام صدره وقال:
عفواً؟
رفعت حاجبيها وكتفيها بعدم مبالاة وكأنه شيء اعتيادي وقالت:
لحسن الحظ قد وجدت واحداً في احد ادراجي وتناولته!.
اخذ نفساً عميقاً وطرحه ببطئ يحمل معه نيرانه التي يحاول الحفاظ عليها خامدة بدل ان يطلقها ويحرق البيت ومافيه منذ الصباح!
قال وهو لايزال يحتفظ بملامحه المستائه ونبرته الجافة:
لحسن الحظ؟ ألم نتفق على انكِ ستتركيها؟
ادارت ظهرها للمغسلة وهي تستند براحتي يديها على حافتها وتنظر اليه قائلة بعدم مبالاة:
لااتذكر اننا اتفقنا على شيء كهذا. كانت هذه رغبتك فحسب!
عند هذه النقطة انفجرت براكينه وهتف بها:.
ماذا تعنين انها كانت رغبتي فحسب؟ ألم تنقطعي عنها منذ ايام ولم تتناوليها؟ ألم ترمي العلبة ولم تعودي تأخذي منها؟
اجابته ببرود وهدوء لايتناسب مع غضبه:
والان قد وجدت واحدة فقررت تناولها! متى اقرر شيئاً سأفعله. اليوم اقرر تناولهن. وغداً قد اقرر رميهن. الامر عائد لي فقط ولااظن ان لك دخل به!
ثم تقدمت نحوه بضع خطوات وهي ترفع حاجبيها بسخرية وتكتف يديها الى صدرها وتقول:.
ام كنت تظن اني سأقلع عنهن مقابل كوب من الحليب؟ هل تراني امامك طفلة سخيفة لهذه الدرجة؟
ثم تركته تريد الخروج من المطبخ فأستوقفتها عبارته:
كل هذا فقط لأني تأخرت ليلة البارحة خارج المنزل؟
توقفت. ولكنها لم تستدر اليه فوراً. وجهها مشتعل. قلبها معتصر. نعم هو محق ولكنها ترفض الاعتراف بهذا! من المستحيل ان تعترف بالامر حتى لنفسها. ابعدت توهج وجهها ورسمت ابتسامة مستفزة فوق ثغرها والتفتت اليه قائلة:.
ماهذه الثقة الكبيرة التي تعطيها لنفسك؟ لما تظن اني سأهتم ان عدت مبكراً او تأخرت؟
وهنا حان دوره ليستفزها. عشق مبني على الحروب ليكبر! كتف يديه امام صدره ورسم على وجهه مثل ابتسامتها المستفزة وقال:
في الحقيقة لااعلم كيف استنتجت هذا! ربما بسبب القرص الذي نسيته على المنضدة. او ربما بسبب الفشار الذي رميته لأني لم احضر!
هناك شيء ما يحترق. لا ليس الطعام فهو قد اطفئ الطباخ. انها هي من تحترق. تشتعل! تود قتله الان وفي هذه اللحظة بالذات. الى ماذا يلمح بالضبط؟ وهل هو الان يسخر منها ام انه يحاول بذلك بناء خطوة جديدة تقربهما عندما يساعدها ان تفهم وتعترف انها بالفعل قد بدأت تهتم له؟ أتظنوها قد اكتست بطبقة خجلة حمراء وولت هاربة بحياء منه؟ لا. فريم ليست هذا النوع ابداً. للوقت الحالي على الاقل!.
اجبرت نفسها على رسم ابتسامة ثقة عريضة على وجهها وتقدمت بضعة خطوات ثابتة منه وقالت:
يا لهذا الاستنتاج العظيم!
رسم نفس ابتسامتها الواثقة على ثغره ولم يعلق. نعم انه صمته المعتاد. يخبرها انه واثق مما يقول! ولكن هذه الابتسامة بدأت تدريجياً تتلاشى عن ثغره وهو يسمعها تقول:.
ولما تستنتج اني كنت بأنتظارك؟ ألا يمكن مثلاً اني قد اعددت الفشار لنفسي وشاهدت الفيلم لوحدي من دون انتظارك؟ وأما الفشار الذي وجدته في سلة المهملات فهذا لأني اعددت كمية كبيرة ولم اتناول ألا قليلاً منه فتخلصت من الباقي، وليس كما تظن ايها الذكي...
حسناً علينا ان نعترف. انها نقطة لصالح ريم وقد افحمته بجوابها الكاذب! نعم ستفضل الكذب على ان تبقي الشك بأهتمامها داخل رأسه!
اقتربت خطوة اكثر منه وقد ابعدت الابتسامة عن وجهها وكزت على اسنانها بغيظ ورغم نبرتها الهامسة الى ان كل شرايين وجهها بارزة من الانفعال وهي تقول:
اياك ان تغتر بنفسك ياادم. وليس لأني تبادلت معك حديث او منحتك ابتسامة يجعلك تثق كثيراً بنفسك وتظن ولو للحظة اني قد اهتم بك، الشيء الوحيد الذي يجعلني اطيق وجودك معي في المنزل ذاته فقط لأنك وعدتني انك ماان تجد الفتاة المناسبة فسترحل.
حدق في عينيها الناريتين بوجه جامد وحاجبين مقطوبين ثم قال بهدوء يحمل نبرة استياء:
لاتقلقي. لن يطول الامر كثيراً. لقد أكدت على امي واختي في ايجاد العروس المناسبة وسأرحل قريباً. فمع هذا الوضع الذي لايُطاق انا حتى قد الغيت فكرة التعرف على الفتاة اولاً والوقوع في غرامها. اي فتاة مناسبة وذات مواصفات جيدة سأتزوجها...
حدقت بوجهه قليلاً ثم قالت:
جيد.
وبعدها استدارت تريد الرحيل ولكن قبل ان تخطو خطوة واحدة امسكها من يدها بقوة وادارها اليه بعنف وهو يجحظ بعينيه بغضب. ذلك النوع من الغضب الذي يخرسها تماماً ويمنعها من التكلم. قال وهو يعصر يدها بقسوة:
ولكن ان تناولتي قرص منوم او مهدئ واحد ياريم. مجرد واحد! فسألغي فكرة الزواج نهائياً من عقلي، وسأبقى هنا الى الابد، هل مااقوله واضح؟
بقيت تحدق فيه بصمت ولكن بأرتباك فهزها بعنف اكبر وهو يهتف بها:
أهو واضح؟
اومأت برأسها ب نعم فوراً فأفلتها بدفعة قوية كادت ان تسقطها وخرج من المطبخ وغير ملابسه ليخرج من المنزل نهائياً!.
مرت عليها ساعات وساعات وهي تجلس في الصالة دون ان تتحرك. ولاتعرف بماذا تفكر بالضبط فعقلها مشوش. تحاول ان تعصر افكارها لتأخذ منها الخلاصة وتكتشف بماذا تفكر بالضبط وبماذا تشعر. ولكنها ببساطة لاتعرف! اشياء متناقضة في داخلها تعجز عن جمعها معاً!