رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي عشر
اعتذار..
جافا النوم عينا ريم وهي تنتظر لساعات اخرى في الصالة تجلس وحيدة وآدم لم يعد بعد! دخلت الى غرفتها بعد ان تأخر في العودة وبدأ الليل يحل على تلك السماء المشرقة.
جلست على سريرها تضم قدميها فوق بعضهما وتكتف يديها امام صدرها وكأنها تلتمس بعض الدفئ لجسدها البارد!
حركت بصرها بتردد بأتجاه صورتها هي اخيها وحدقت داخل عينيه لثواني ثم نزلت دمعتها فوراً وقالت: كف عن النظر إلى بهذا الشكل هزيم وكأنه شخص لايستحق قسوتي!
ومرة اخرى عادت ريم لتتحدث مع صورة اخيها وكأنه يتبادل معها الحديث! فمن شدة تعلقها به ومدى قوة العلاقة بينهما في الماضي فأنها بأمكانها ان تستنتج ماذا عسى اخيها ان يقول!
مسحت دموعها بأكمام بلوزتها الطويلة واشاحت وجهها للجانب وتحدثت الى اخيها بنبرة هامسة وضعيغة: اعلم انه يفعل ذلك ليساعدني، وعدني انه سيكون بجانبي متى ماضعفت...
ثم التفتت الى الصورة بحدة وهي تكمل بأنفعال: ولكنه مثل الاخرين، عندما ضعفت لم اجده بجانبي، لقد تخلى عني!
وعادت لتمسح تلك الدموع الضعيفة التي ترفض التوقف بأكمام بلوزتها وهي تتمتم لنفسها بلوم: كفي عن هذا البكاء ايتها الضعيفة الحمقاء!
ولكن عينيها يرفضن الاستماع اليها. فشيء ما بداخل صدرها يلهب حدقتيها بشدة تجعلهما تفرزان الدمع من دون توقف!
عاد في وقت متأخر مساءاً ووجدها في المطبخ تعد بعض الطعام، دخل نحو الثلاجة دون ان يلقي التحية او يتحدث بحرف واحد او حتى يرمقها بنظرة واخرج قنينة مياه ليرتشفها ثم خرج من المطبخ مجدداً. تصرف يدل انه لايريد خوض حديث معها! كان من المفترض ان لاتبالي فهي من كانت تكره الحديث اليه. ولكن الان، شيئاً ما شد انتباهها بشدة الى صمته. وشيء مابداخلها قد لامها على هذا الغضب الذي تسببت له به في الوقت الذي كان يريد مساعدتها فحسب! نعم هي تكره اسرة مراد جميعها. ونعم هم من قتلو اخاها، ولكنها في النهاية مجرد انسانة! لايمكنها ان تكون عديمة الاحساس معه لهذا الحد ولابد ان تشعر بشيء من تأنيب الضمير!
زفرت بضيق وحسمت قرارها. أطفأت الطباخ واتجهت الى غرفته! وان كنتم تتسائلون فنعم هي كانت تعد البيض. فلاشيء اخر تجيده! بل ومنذ ذلك اليوم الذي قدمت فيه صحن البيض المحترق لآدم بقي هو يعد لهما طعام الوجبات. ورغم انه اروع طعام تذوقته طوال حياتها ألا انها لم تعترف بهذا يوماً!
وقفت امام باب غرفته بتردد وارتباك. انها المرة الاولى التي تقف هنا، المرة الاولى التي ستطرق بابه! رفعت يدها بتوتر وماكادت ان تلامس قبضتها المكورة الباب لتطرقه حتى سحبت يدها فوراً بالتراجع، انها وسط معركة داخلية محتدمة الان لاتعرف كيف تحسم قرارها النهائي!.
مدت يدها مرة اخرى بتردد ولكن هذه المرة قبل ان تلامس قبضتها الباب وجدته يفتح فجأة ويطل وجه آدم لتنتفض كل خلية بداخلها بفزع!
كان ينوي الخروج من الغرفة ألا انه تسمر بمكانه بدهشة وهو يشاهدها ترفع يدها تكاد تطرق بابه!
حدق كليهما بذهول داخل عينا بعضهما من دون ان ينطق اي احد منهما بكلمة او حتى ان يتحرك. فيد ريم التي رفعتها من اجل طرق بابه قد تركتها في الهواء نسيت انزالها حتى من شدة ارتباكها!
أهناك شيء؟
سألها آدم بأقتضاب وبرود مما دفع عقلها للعمل مجدداً كي يعود ليرسل ايعازات لباقي جسدها من اجل ان يعمل مرة اخرى فأنزلت يدها فوراً وتنحنحت بأرتباك لتخرج صوتها متماسكاً بدل ان يكون مرتجفاً امامه وقالت دفعة واحدة بأستياء وهي تطرح انفاسها العميقة: أ، أنا لم اقصد اخذ ذلك المهدئ.
ومع جملتها هذه تفجرت كل قلاع التماسك التي جاهدت من اجل ابقائها ثابتة ووقعت دموعها الثقيلة لتبلل لها ذلك الخد الرقيق فأكملت بأنفعال من وسط ذلك البكاء: لكن لايمكنك ان تلومني على ذلك فلست انا وحدي المخطئة! تعلم جيداً انني مدمنة وان مقاومتي ستكون ضعيفة وانت قلت انك ستمدني بالقوة ان ضعفت، ولكنك بدل ذلك تركتني وحدي لتخرج برفقتها اياً كانت تلك!.
رفع حاجبيه بدهشة وبالكاد كتم ابتسامة السعادة البلهاء التي كادت تظهر على ثغره. ولكن ريم لم تنتبه على الغباء الذي تفوهت به من شدة انفعالها!
مسحت دموعها مجدداً بأكمام بلوزتها ثم قالت بأصرار وهي تركز عينيها داخل عينيه المحيرة: انا لااريد ان ابقى مدمنة ياآدم، ليس من اجلك وليس من اجلي. ولكن من اجل سامي!
فهو اخر ماتبقى لدي من هزيم وهو شديد التعلق بي. لذلك لااريده ان يفقدني كما فقد اباه ولااريد عندما يحتاجني يجدني مجرد مدمنة بالكاد تستيقظ من غيبوبتها! انا اريد ان.
وفجأة عجزت عن نطق كلمة اخرى وهي ترى يد آدم تمتد بهدوء لتستكين فوق خدها الرقيق وقال بأبتسامة حنونة ونبرة هادئة مقاطعاً حديثها: انا لن اترككِ ابداً! وكفي عن البكاء بهذا الشكل. فأنا لم ولن اتخلى عنكِ. ماحصل كان خطأ لن يتكرر مجدداً، انا اسف!
ثم اردف فوراً بأبتسامة حماسية: ومن الان فصاعداً متى شعرتي انكِ ستفقدين المقاومة اتصلي بي فوراً ان كنت خارج المنزل او في العمل، اشغلي نفسكِ بالتحدث الي. اشغلي نفسك في العمل. في الطبخ. اشغلي نفسكِ بأي شيء لتنسي! وان اردتي فأتصلي بي لتفرغي كل غضبكِ بي واشتميني وافعلي اي شيء لتخمدي نيرانكِ. ولكن لاتخمديها عن طريق المهدئات. واضح؟
لكن ريم لم تجيبه، فسلكها كان مفصول عن الكهرباء ودقات غريبة في صدرها تجعلها تفقد الوعي عن هذا العالم ولاتسمع اي شيء سوى صوته، ولاتشعر بشيء سوى بيده الدافئة التي تستكين فوق خدها، ماالذي يحصل بحق السماء؟! هذا هو السؤال الوحيد الذي كانت ريم تطرحه على نفسها، يده فوق خدها. لما لاتغضب؟ لما لاتصرخ به وتبدأ بالشجار معه؟ لما هي ساكنة بهذا الشكل من دون حركة؟
لم تعد لرشدها ألا بعد ان ابعد آدم يده من فوق وجهها وهو يقول بأبتسامة: اظننا اتفقنا!
مسحت دموعها بأرتباك وقطبت حاجبيها مدعية البرود وهي تقول بأقتضاب: انا ذاهبة لأنام!
ثم استدارت بأتجاه غرفتها فقال فوراً:
لكنكِ لم تأكلي طعامكِ بعد!
اجابتة بينما تفتح الباب وتدلف الى غرفتها:
لااريد!
ثم اغلقت بابها ولم يعد يسمع لها صوت. تبسم وهو يحرك رأسه بيأس منها وهو يتمتم بضحكة:
بالفعل طفلة!.
حل عليهما اليوم التالي وكلاهما يتجنب الاخر لسبب مجهول وغير مقنع!
لم يحصل اي شيء يدفعهما للحديث معاً ولاسيما بعد شجارهم الاخير في المطبخ والذي قيل فيه كلام جعل الاخر يفكر به بعمق! لاسيما آدم! فمهما قال ومهما فعل لها فلقد جعلته يتأكد انها لن تبالي يوماً بأمره. وانه لن يكسب منها شيء غير الكره. لذلك وببساطة. سيساعدها. ولكن من دون توقع شيء اكثر من ذلك! لذلك كان هذا سبباً كافياً ليجعله شارد الذهن طوال الوقت وشرارات اليأس بدأت تشب بداخله.
واما هي فأستنتجت ان صمته يعني انه لايزال مستائاً منها لذلك اكتفت هي بالصمت ايضاً!
مر اليوم بطوله والوضع دون تغيير. لاتسمع صوت ادم ألا اذا تحدث بالهاتف. ولايمنحها نظرة او ابتسامة ووجه مقتضب على الدوام. من دون ارادة وجدت نفسها تراقبه وتتوجس من هذا الهدوء. يومين اخرين والوضع على حاله واجواء المنزل من دون صوته اصبحت بالفعل لاتُطاق! ثم واخيراً ارتخت ملامحه وتبسم بزيارة اخته سلوى!.
كانت قد تحدثت مسبقاً مع ريم عبر الهاتف وباركت لها الزواج ودار بينهما حديث طويل كان الفضل لسلوى بأطالته ولكن ريم وجدت نفسها تتفاعل معها وتضحك لمزاحها. يبدو ان المزاح امر متوارث في اسرة ادم هذه! رحبت ريم بها وجلست سلوى مع ادم في الصالة ومعهما ابنتها ريناد ذات الثلاث سنوات ودخلت ريم لتعد بعض القهوة، استمعت لضحكاتهما القادمة من الصالة ومن دون ان تنتبه وجدت نفسها ترهف سمعها لضحكة ادم فقط التي لم تستمع لها منذ يومين. بين لحظة واخرى تقطب حاجبيها وكأنها تحاول تنبيه نفسها ولومها لأنها تركز معه بهذا الشكل ولكن حواسها رغماً عنها تعود لتركز معه!.
دقائق قليلة حتى وجدته يدخل الى المطبخ ويتجه الى الثلاجة التي بجانبها. بقيت تدير ظهرها اليه وتواجه الطباخ. اخرج قنينة المياه واغلق باب الثلاجة واتكأ عليه بظهره يحدق فيها بأبتسامة من دون ان تنتبه. ارتشف الماء وابصاره معلقه بها وبتلك الخصلات الفاحمة التي يعشقها! تفاجأت به يوجه لها سؤالاً فجأة بعد يومين من تجاهلها:
هل تجيدين اعدادها ام ستحرقيها؟
يومين من الصمت والتجاهل واخيراً عندما ينطق فأنه ينطق جملة مستفزة!
زفرت بضيق والتفتت اليه ولكنها وجدته يدير ابصاره عنها ليكمل ارتشاف الماء وهو يسير خارجاً من المطبخ. زفرات ضيق ولكن ابتسامة لاتعرف سببها ترافق هذه الزفرات!
حملت القهوة من اجل سلوى وكوب عصير من اجل تلك الصغيرة ريناد التي كانت مستغرقة مع التلفاز الذي احتلته فور وصولها لتشاهد الرسوم المتحركة.
وضعت القهوة وبدأت تستمع لمشاكسات آدم مع ريناد وهو يأخذ الوسادة من جانبه ويرميها بها ويقول ممازحاً ليغيضها:
انه تلفازنا نحن. اذهبي لتشاهدي تلفازكم!
فضربته سلوى فوق كتفه وهي تقول:
آدم لاتبدأ! اترك الصغيرة وشأنها.
فأشار بسبابته بأتجاه ريناد وهو يقول:
انها لاتتركني اشاهد التلفاز براحتي عندما ازوركم فلما تشاهد الان تلفازي؟
مطت سلوى شفتيها بيأس وهي تقول:.
اعتقد انه بأمكاني التفاهم مع ريناد اكثر من تفاهمي معكِ فعقلها انضج بكثير منك.
فأمسك بوسادة اخرى ورماها بأتجاه ريناد وهو يقول:
المهم ان تترك تلفازي!
فنظرت له تلك الصغيرة بأستياء بعد ان ضربتها الوسادة على ظهرها فأشار فوراً نحو ريم وهو يقول:
الخالة ريم هي من فعلت ذلك!
فوجهت الصغيرة ابصارها اليها فهتفت ريم به فوراً بتفاجئ:
ماذا؟ انا؟
فأطلقت سلوى ضحكة قوية على تصرفات اخيها الذي سيبقى طوال حياته طفل مشاكس داخل جسم رجل ناضج!
حركت ريم يديها بنفي وهي تقول للصغيرة:
اقسم لكِ انه هو من فعل ذلك!
فزفرت ريناد بضيق وعادت لتشاهد التلفاز فرماها آدم بوسادة اخرى فهتفت به ريم فوراً:
آدم!
فنظر نحوها بأبتسامة عاشقة لأنها نطقت اسمه وقال ممازحاً:
واخيراً وجدت لريناد فائدة!
فقطبت حاجبيها بأستغراب وهي تقول:
عفواً؟
فحافظ على ابتسامته ولم يعلق على كلامها بشيء بل قام ليكمل مشاكسته مع تلك الصغيرة وهو يحملها تارة ويدغدغها تارة اخرى لتنفجر ريناد ضاحكة وريم تراقبه بأبتسامة حالمة وهي تتذكر ايامها مع سامي ولعبهما معاً!
اذاً؟
جفلت والتفتت نحو عبارة سلوى التي لم تعرف متى بالضبط قد نهضت من مكانها واتت لتجلس قربها!
تبسمت ريم لأبتسامتها وهي تقول:
اذاً ماذا؟
فأكملت سلوى بذات النبرة الهامسة كي لاينساب حديثهما لآدم الذي كان مشغول من الاساس بملاعبة الصغيرة:
كيف هي احوالكِ هنا؟، هل انتي سعيدة؟ هل يحسن آدم معاملتكِ؟ أهناك اي شيء يزعجكِ؟
فرفعت ريم كتفيها وانزلتهما بعدم مبالاة وهي تقول:
اظن اني بدأت اعتاد الامر واتقبله.
فقالت سلوى بلهفة وبأبتسامة متحمسة:
اذاً هل هناك احتمال ان تعيشا بسعادة معاً؟ أعني. ان تعيشا حياتكما بشكل طبيعي وان تحبا بعضكما؟
تنهدت ريم بحسرة ثم قالت:
اسفة. ولكن لااظن انه في يوم سيجمعنا الحب، فأكثر مابأستطاعتي فعله هو العيش معه بتفاهم فقط من دون مشاجرات يومية. اما اي شيء اخر فلن اقبل به!
ومن يعلم؟، فلااحد يعرف ماالذي تخبئه الايام لنا!
فلتخبئ الايام ماشائت. فلن يحصل سوى هذا!
بماذا تتهامسان انتما الاثنان؟
التفتت كلتاهما نحو عبارة آدم تلك الذي يجلس على الاريكة المقابلة لهما ويلتقط انفاسه بصعوبة بعد جولة مصارعة محتدمة خاضها مع تلك الصغيرة ريناد التي عادت لتحتل التلفاز مجدداً!
تبسمت سلوى وهي تجيبه:
وماشأنك انت؟، انها اسرار فتيات!
فقال ساخراً:
واين تلك الفتيات بالضبط؟
فمنحته سلوى قهقهة مصطنعة وهي تجيبه بأستهزاء:
مضحك جداً ايها الظريف!
فأنتقل آدم من مشاكساته مع ريناد لمشاكساته مع سلوى. وريم مستمتعة في الوسط لهذا العراك الطفولي، لولم يكن آدم احد افراد اسرة مراد. لوقعت بغرامه بشدة! ولكن كلما نبض قلبها لأجله كلما انقبض منه بعد ان تتذكر من تكون هي. ومن يكون هو! انهما تناقض من الاستحالة جمعه معاً!
مر عليهما بعض الوقت في الكلام والمزاح وريم تتخذ جانب الاستماع فحسب والتبسم احياناً دون ان يجبرها اي احد فيهما على التحدث. فهما سعيدان بجلوسها معهما دون ان تسجن نفسها في غرفتها، لاسيما آدم!
قامت ريم مرة اخرى لتجدد القهوة من اجل سلوى والعصير من اجل الصغيرة التي تبدو بعالم اخر تماماً تائهة في عالم ديزني!
اول ماجلست معهم مجدداً سمعت آدم يقول لسلوى:
اذاً سلوى. الى ماذا توصلتي بخصوص امر الفتاة؟
ادارت سلوى بصرها بأحراج مابينه ومابين ريم وكأنها تحاول تنبيهه ثم قالت:
لما لانؤجل الامر لاحقاً عزيزي؟
ولما لاحقاً؟ انه موضوع تتشوق ريم لسماعه!
قطبت ريم حاجبيها بأستغراب وقالت:
اي موضوع؟
التفت اليها آدم بملامح جامدة وقال:
أمر زوجتي المستقبلية!.
ففهمت ريم فوراً سبب احراج سلوى فألتفتت اليها بأبتسامة وهي تقول:.
لاتقلقي عزيزتي وتكلمي براحتك. لقد تحدثنا انا وآدم بهذا الموضوع مسبقاً وانا اول المشجعين لهذه الفكرة وصدقيني ارغب لو انها تتحقق الان قبل الغد. فزواجي انا وادم على الورق فحسب لكف النزاعات بين الاسرتين ليس اكثر.
قالت سلوى بأحراج:
أمتأكدة عزيزتي؟ ألن يغضبك ان نتكلم بهذا الامر؟ ليس امر غيرة فحسب ولكن انا امرأة ويمكنني فهم شعور كهذا. فكبريائنا لن يسمح لنا بتقبل شيء كهذا.
في حالات اخرى ربما! ولكن وضعي انا وادم مختلف.
تبسمت سلوى وقالت وهي تلتفت اتجاه ادم:
حسناً. أذ كان الامر كذلك فسأتحدث، أتذكر جارنا رئيس الشرطة السيد رشيد؟!
اجاب آدم:
اجل؟
أتذكر ابنته سهى؟
الحمقاء؟
ضحكت سلوى وهي تلكزه من مرفقه وتقول:
أي حمقاء هذه. لقد اصبحت شابة ناضجة وجميلة الان وهي تعمل مهندسة في شركة اتصالات. وقد احضرت ايضاً لك صورتها.
ثم اخرجت الصورة فوراً من حقيبتها وناولتها له فأمسكها بأطراف اصابعه بعدم مبالاة وتطلع فيها لثلاث ثواني لااكثر بعدم اهتمام ثم القاها فوق المنضدة التي امامه وهو يقول:
ليست كما اريدها.
لاتجنني ياادم! الفتاة لاينقصها شيء. جمال وشهادة واسرة راقية. أليست هذه هي المواصفات التي طلبتها؟
اجل. ولكن ليس ان تحضري لي سهى ياسلوى!
ومابها سهى؟
انها مزعجة.
ألانها معجبة بك وتهتم دائماً بأمرك تكون مزعجة؟
ألغي الفكرة يا سلوى وجدي غيرها.
تناولت ريم الصورة من فوق المنضدة وحدقت بوجه الفتاة قليلاً ثم قالت:
سلوى محقة. الفتاة جميلة حقاً ولايوجد ماينقصها.
فجأة وجدته يخرج عن هدوئه لسبب لم تستنتجه ونظر لها وهو يقطب حاجبيه بحدة وقال بنبرة جافة:
لاتتدخلي انتِ بهذا الامر. لم يطلب احد رأيك!
فهتفت به سلوى بنبرة لوم:
آدم!
لم يبدو ان الاثتين كانا يستمعان لها فريم قد التفتت اليه فوراً وهي تقول:.
انا لااقول هذا لأجعلك تتزوج فحسب ولكن الفتاة بالفعل جميلة ولاينقصها شيء فما عذرك برفضها؟
فأجابها بأستفزاز:
الجمال ليس سبباً يجعلني احبها. فلو كان سبباً لكنت احببتكِ.
زفرت بضيق ورمت الصورة بحنق فوق المنضدة وهي تقول:
انا المخطئة من الاساس اني اتحدث اليك واعطيك رأي.
فأجابت سلوى بأحراج:
عزيزتي هو لم يقصد ذلك بالتأكيد.
وايضاً لم يبدو انهما قد تذكرا انها تجلس معهما فأجابها آدم بنفس الانفعال:.
عندما اطلب رأيك حينها نورينا به اما الان فتفضلي علينا بسكوتك لو سمحتي.
عندها هتفت بهما سلوى بنفاذ صبر:
أأنتما جادان؟
لم يسكتهما هتاف سلوى بل كان شهقة تلك الصغيرة ريناد وهي توقع العصير على ملابسها فكادت سلوى ان تقوم ولكن ريم استوقفتها بحركة من يدها وهي تقول:
اجلسي انتي لتحتسي قهوتكِ قبل ان تبرد وانا سأنظف لها ملابسها.
تبسمت لها سلوى وهي تقول:
أشكركِ عزيزتي.
ورحبت بفكرة ابتعاد ريم وريناد نحو الحمام لتحدث آدم على انفراد. ما أن ابتعدت ريم حتى اقتربت سلوى منه وقالت:
والان اصبحنا بمفردنا لذلك اخبرني. هل المشكلة بسهى حقاً ام ان هذا عذر ستتخذه الان وستتخذ غيره مع اخرى؟
قال مدعياً عدم الفهم:
ماذا تعنين؟
مطت شفتيها وهي تقول:
انا لست ريم ياعزيزي كي لاافهم ردة فعلك هذه. انا اعرف جيداً انك متردد بفكرة الزواج الثاني وان فكرت به فلن يكون الان ابداً!
ماهذه السخافة التي تقوليها؟ ان لم افكر به لما استعجلتكما انتي وامي من اجل ايجاد واحدة مناسبة؟
لتسكت ريم فحسب.
تلعثم مع عبارتها هذه وبدأ يقول كلمات غير مترابطة فتبسمت بمكر وهي تقول:
ويا ترى لما غضبت من كلام ريم هكذا فجأة؟ ألأنها تدخلت بما لايخصها كما قلت أم لأنها شجعتك على الزواج والابتعاد عنها في الوقت الذي انت فيه متمسك بها بشدة ولاتريد ذلك؟
تبسم لها بذات المكر وهو يقول:.
حبيبتي سلوى. أتريدين العودة سالمة نحو زوجكِ أم ترغبين ان تعودي مكسرة العظام ان لم تغلقي فمكِ؟
ضربته على كتفه بخفة وهي تقول:
لما لاتعترف لها بمشاعرك وتنتهي من لعبة توم وجيري هذه؟
أعترف لها؟ هل فقدتي عقلكِ؟ ان كنتِ مستغنية عني فأنا لست مستغني عن حياتي.
انها فتاة يا آدم وجميعنا نضعف امام الكلام اللطيف. لاسيما ان اكتشفت مراقبتك لها طوال ثلاث سنوات قد يؤثر هذا بها قليلاً.
بالعكس تماماً. امر مراقبتي لها ان اكتشفت سببه سيزيد كرهها دون ان ينقص. وقد تتأثر الفتيات بالكلام الجميل اجل. ولكن ريم لا! حتى وان كان صادقاً. انها ليست هذا النوع ابداً. لاسيما معي. فلاتنسي ما نحن بالنسبة لها!
مطت شفتيها بأسى وهي تقول:
ولكن ماذنبك انت؟!
وما ذنب اخيها ياسلوى؟ من دون اي ذنب قد مات ومن دون ذنب هي عاشت كل هذه المأساة!
ربتت على يده بحنان ولكن قالت بحدة:.
انها مأساة انت تعرف جيداً من بدأها يااخي. لاداعي ان ننسى هذا! نعم هزيم لاذنب له. ونعم ريم لاذنب لها. ولكن أكان لنا ذنب نحن ايضاً بما عشناه في الماضي؟
زفر ادم بضيق وصور من الماضي تتوافد الى عقله يرغب بشدة بعدم استقبالها ولكنه لم يستطع! اشاح وجهه ناحية التلفاز ولم يعلق بشيء لاسيما مع قدوم ريم وريناد.
ساعات لطيفة اخرى انقضت برفقة سلوى ثم واخيراً حان وقت الرحيل فودعتهما ريم واوصلها آدم اسفل البناية لسيارتها. فأصعدت ريناد في مقعدها وقبل ان تحتل هي المقعد خلف المقود احتضن آدم كفها بكلتا يديه وقال بنبرة امتنان:
أشكرك كثيراً سلوى...
علي ماذا ياعزيزي؟
لأنكِ كنتِ لطيفة مع ريم ولم.
قاطعته وهي تضع يدها الاخرى فوق يديه وتقول بأبتسامة:
انت قلتها مسبقاً يااخي. لانحن لنا ذنب بما حصل ولاهي لها ذنب ايضاً...
قبلها من جبينها بعطف وهو يقول:
مع ذلك اشكركِ عزيزتي. اعلم كم ان الامر صعب عليكِ.
الامر ليس صعباً على الاطلاق يا آدم. فالجالس امامي ريم وليس ياسين ليكون صعباً. ليس ذنبها ان جدها ياسين.
تنهد آدم بقلة حيلة وهو يستند بظهره على السيارة ويدخل يديه في جيبيه ويقول:
ياليتها تفكر مثلكِ. لكنا سعيدين الان انا وهي.
مسحت برفق فوق عضده وهي تقول:.
ستفكر بهذا صدقني. وستكتشف كم انت انسان رائع. ولكن عليك اعطائها فرصة وبعض الوقت.
لو كان الامر عائد إلى فأن الابد هو الوقت الذي سأمنحه لها، ولكنها تعد الثواني ليوم رحيلي عنها.
انها البداية فحسب صدقني، انها تحوط نفسها بذكرى اخيها وحزنها عليه لذلك لايجذب انتباهها شيء اخر. ولكن ان منحتها السعادة. ومنحتها الامل. عندها ستبدأ برؤيتك حقاً!.
جملة اخرى من سلوى قابلها آدم بالصمت دون ان يجد مايعلق به، رحلت سلوى ولكن كلماتها لم ترحل عن عقل ادم! كلمات تبدو بسيطة ولكن كلما حاول تطبيقها بشكل او بأخر كان يتراجع امام شخصية ريم وتلك الخنادق التي حوطت نفسها بها فلم يشأ جرحها اكثر واكتفى بأبتسامات باهتة يشاهدها على ثغرها بين الحين والاخر لتنعش قبله وتنشط روحه المحترقة بجفائها.