رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل السابع عشر
نبضة..
كان وجود حمزة ومراد كافياً ليجعل آدم يسمح لأمه بأبعاد ريم عنه كي تنضم لهن!
جلست وسط النساء وهن يقمن بتحضير الدجاج فوق الشوايات اللاتي يصطفن في الحديقة وجلست في هذا الوقت تلاعب ريناد وتتبادل اطراف الحديث مع سلوى فأنضمت لهما في هذه الاثناء ريهام زوجة عم آدم، اظنكم تذكرونها؟ ريهام الفضولية الثرثارة؟
اذاً ياريم. كيف هي اوضاعك مع آدم؟
اكتفت ريم بأبتسامة لطيفة وهي تجيبها: جيدة!
بالطبع ستكون كذلك. فلايوجد من هو الطف من آدم هنا. انه رجل بمعنى الكلمة!
داعبت هذه الكلمات قلبها وهي تشعر بهذا الاحترام الذي يكنه افراد العائلة لآدم وشعرت انهم بالفعل يعاملونه معاملة خاصة ويحترمونه احترام كان واضحاً منذ بدء دخوله!
هل عرفتي من ذلك الشاب الذي كان برفقة السيد مراد؟
نظرت ريم بأستغراب نحو جهة مراد وآدم لتقع عينيها على حمزة ثم اعادت بصرها نحو ريهام وهي تقول:
لا. لم اعرفه.
فأجابت ريهام بأبتسامة غريبة:
انه حمزة! الشاب الذي كان يفترض ان تتزوجيه لولا ان طلب آدم ان يتزوجكِ هو!.
أعادت انظارها من دون ارادة منها بأستنكار تطالع حمزة. شكله. هيئته. شخصيته. كل شيء فيه لم يكن ينال استحسانها ابداً. وتحولت ابصارها في ذات اللحظة نحو آدم لينبعث الدفئ داخلها وهي تراقب طريقة حديثه مع جده وهيئته المرتبة وشخصيته القوية التي يفرضها على الجميع هنا، فنظر آدم اليها بالصدفة بينما يتحدث مع جده ليلاحظ تلك النظرات الدافئة التي تراقبه بها. تبعثرت الحروف فوق فمه وهو يراها تبتسم فجأة له قبل ان تعيد ابصارها نحو سلوى!
عمتي ريهام اظن ان امي تناديكِ!
ادارت ريهام بصرها بأتجاه رزان ووجدتها مشغولة بترتيب الفحم فقالت سلوى فوراً:
اظنها تحتاجكِ.
فقامت ريهام وقالت:
حسناً سأرى ماذا تريد.
وماان رحلت ريهام حتى قالت سلوى بأبتسامة:
لو بقيت بجانبنا فلن تكف عن الثرثرة والاسئلة ابداً.
ضحكت ريم على خطة سلوى واستغرقت ثواني من الصمت مدعية عدم المبالاة بالسؤال التالي الذي ستطرحه، التفتت اتجاه سوزان وقالت:
سلوى؟ من تلك الفتاة؟
نظرت سلوى حيث اشارت ريم ثم قالت:
اها، انها سوزان، ابنة عمنا!
همهمت ريم كأجابة ثم قالت بينما تشغل نفسها بملاعبة شعر ريناد:
تبدو، تبدو مقربة منكما!
ليست مقربة كثيراً مني ولكن علاقتنا جيدة نوعاً ما!
و، وآدم؟.
عندها ادركت سلوى ماتحاول ريم الوصول اليه ولكنه حاولت قدر الامكان كتم ابتسامتها وهي تقول:
اكثر مني نوعاً ما.
التفتت ريم اليها وهي تقول:
الى اي مقدار اكثر؟
فنظرت لها بأبتسامة وضيقت عينيها بمكر وهي تقول:.
أيهمكِ ان تعرفي؟
تلعثمت ريم بحروفها الى ان قالت واخيراً:
بالطبع لا. كان فضولاً عابراً فحسب!
حسناً ياسيدة فضولية. بأمكانك ان تسألي آدم الى اي مقدار قد وصلت علاقتهما، فهو الأدرى بعلاقاته.
تعمدت سلوى عدم منح ريم الراحة بخصوص هذا الامر. هي امرأة ومشاعر كهذه تدركها بسهولة كغيرها، ريم سارت الخطوة الاولى في بدأ اهتمامها بآدم حتى وان انكرت ذلك!
لذلك فضّلت سلوى ان تدفعها نحو الخطوة الثانية بأساليب غير مباشرة!
بماذا تهذيان منذ ساعة انتما الاثنان؟
رفعتا كلتاهما رأسهما بأتجاه آدم الذي رفع ريناد من مكانها وبدأ بدغدغتها وملاعبتها. فقامت سلوى من مكانها فوراً بضحكة وسحبت ريناد من بين يديه وهي تقول ممازحة: أذ لم تدرك فهذه التي بين يديك بشرية صغيرة. كف عن ملاعبتها كما لوكانت مصارع!
ثم نظرت نحو ريم لتكمل: سأذهب لأطعام ريناد عن اذنك حبيبتي.
تبسمت ريم بهدوء لترد: لابأس عزيزتي!
رحلت سلوى متعمدة تركهما معاً بمفردهما من دون حتى ريناد! جلس آدم بجوارها وهو يعانق قبضتيه مرتكزاً بمرفقيه على فخذيه ونظر نحوها بنظرة لطيفة وهو يقول: اذاً، هل اعجبكِ المكان؟
تبسمت ريم وهي ترجع احدى خصلاتها خلف اذنها. كعادتها عندما تخجل. وقالت: اجل. يبدون لطفاء! لاسيما جدتك!
اجل. حتى بالنسبة لي انها اكثر من وقعت بغرامها.
لم تستطع ريم ان تسأله بشكل مباشر عن سوزان فهو سيدرك الامر فوراً لذلك اتخذت طريقاً فرعياً وهي تقول:
لكن تلك الفتاة المدعوة سوزان على مايبدو ان وجودي هنا غير مرحب به بالنسبة لها!
فقال آدم فوراً بأعتراض:
من؟ سوزان؟ هذا مستحيل! انها لطيفة جداً ان تعرفتي عليها!
نظرت له نظرة امتعاض جانبية وهي تقول:
لاداعي لكل هذا الدفاع. انا لم اقل شيء يستحق!
لست ادافع. انا احاول توضيح صورتها الحقيقية امامك كي لاتظني ان احدهم يمقتكِ او ماشابه!
لايهم مااظنه عنها، فكما وعدتني هذه ستكون زيارتي الاولى والاخيرة.
زفر بضيق وهو يقول:
لاتقلقي. لم انسى!
لم تشأ اغضابه او اثارة استيائه ولكن كلما حاولت تفادي هذا كلما وقعت فيه اكثر معه.
بقيت ساكنة بقربة تراقب حركاته بسرية تامة تخشى من نظراتها ان تتعلق به لدقائق اكثر من ثواني فيفتضح امرها. ولاتعلم السر ولكنها وجدت نفسها سعيدة بشكل غريب ان آدم هو من تزوجها دوناً عن البقية!
هل ستستمرين بمراقبتي بهذا الشكل؟
ارتج جسدها بفزع وكأنه وجدها متلبسة بجريمة لاتغتفر وتأتأت بحروف غير مفهومة تجعلها فاشلة بأخفاء خجلها وارتباكها وهي تقول له:
أأأ أنا لست انظر. انت مت متوهم!
نظر اليها بنظرة سريعة وعاد ليحدق امامه من دون تعليق، نعم. انه ذلك الصمت الذي يفجر به تلك السدود المنيعة التي تحجز غضبها!
آدم، اعتقد ان عليك القدوم لمكتب جدي!
رفع آدم بصره ببرود اتجاه حمزة الذي يقف امامهما وحدق داخل عينيه من دون تعليق وكلاهما يتبادلان حروفاً صامتة عن طريق تلك النظرات وكأنهما يتقاتلان بعنف! لم تفهم ريم سبب التغير المفاجئ هذا من آدم بأتجاه حمزة وقد كانا اعتياديان قبل قليل. ولكنها استنتجت ان حديثهما بقرب جدهما قبل قليل قد كان السبب في ذلك!
نهض آدم من مكانه ومن دون ارادة منه ومن دون توقع منها وجد نفسه يمد اصابعه ليلمس خدها برفق وكأنه يحاول طمأنتها بأبتعاده وهو يقول:
لن اتأخر!
علقت ريم ابصارها به متناسية مايدور حولها وكل ماتركز به هو تلك اللمسة الخفيفة فوق خدها التي اشعلت النار بوجهها!.
سار مبتعداً عنها وعيناها تراقبه ولم ينتشلها منه سوى تلك الهمسة المحملة بأبشع انواع القسوة وهو يقول لها:.
لو كنت انا مكانه، لكانت صفعتي الان مكان هذه اللمسة الغبية.
جفلت مع جملة حمزة هذه ونظرت اليه بأستنكار دون ان تنكر ذلك الفزع الذي تولد بداخلها من كلماته تلك ونظراته!
قطبت حاجبيها بكره وهي تحدق بوجهه القاسي وقالت له ببرود وسخط:
اذاً من الجيد اني لم ارتبط بهمجي مثلك!
تقدم خطوة نحوها فقامت بفزع من مكانها وتراجعت خطوتين نحو الوراء ليصل صوته الى مسامعها ليجعل قلبها يرتجف بقسوة:.
لست آدم لأحتمل حماقتك ولسانك السليط. لذلك اختاري كلامك معي بحذر!
ثم رمقها بنظرة حادة قبل ان يسلك الاتجاه الذي سار فيه آدم قبل ثواني...
ازدردت لعابها بخوف وكرهت بالفعل غياب آدم من جوارها لتضطر لمحادثة امثال حمزة!
ماان رحل حمزة حتى اطلقت سراح انفاسها وتمتمت بسخط من هذه الزيارة التي لم تفضلها من البداية!
بقيت جالسة بمفردها تكره الاختلاط بالاخرين لاسيما ان رزان مشغولة بالعمل وسلوى مختفية عن الحديقة قد اخذت ريناد نحو الداخل. ادارت ابصارها في الارجاء ليقع على رباب التي سارعت لتشير لها ان تأتي وتجلس بقربها! قامت من مكانها بأبتسامة واتجهت نحو رباب لتجاورها في الاريكة فقامت الاخيرة بالقبض على يد ريم برفق وهي تقول:
اعلم ان مجاورة عجوز ليس بالامر الممتع ولكنه افضل من الجلوس هناك بمفردك.
تبسمت ريم لتنفي كلامها فوراً:
بالعكس تماماً. يسعدني مجاورتك حتى لو لم اكن اجلس بمفردي!
مسحت رباب على شعرها برفق وهي تتمتم بهدوء وشفتاها مرسومتان بأبتسامة بسيطة:
ليبارككِ الرب حبيبتي!
ثم اردفت فوراً بينما عادت اصابعها لتقلب حجرات المسبحة بين يديها:
قولي لي. كيف يعاملك ذلك الاحمق آدم؟
ضحكت قبل ان تجيب:
انه لطيف معي!
ان اغضبكِ في يوم اخبريني كي ألقنة درساً!
ثم اقتربت منها لتهمس لها بأبتسامة ماكرة:.
مع اني لست واثقة من ان قلبه سيطاوعه ليؤذيكِ.
احمّر وجه ريم اول ماادركت الى ماذا تلمح رباب وانزلت اصابعها نحو قماش فستانها تعبث به تحاول عن طريقه اخفاء عينيها المشرقتين!
اطلقت رباب تنهيدة ألم دفعت ريم للنظر اليها وهي تقول لها:
ياليت الامور لم تصل لهذا الحد، ياليت ماحدث لم يكن قد حدث!
رفعت ريم زاوية فمها بأبتسامة مريرة وهي تقول:
كلنا نعترض. ولكن القدر اكثر منا عناداً!
نظرت له رباب بنظرة عميقة وهي تقول:.
ولربما كان القدر متعمداً جمعكما بهذه الطريقة، فالحب الذي يخلق من الالم يكون اقوى من ذلك الذي يزورنا بأوقات سعادتنا.
اومأت نافية اقتناعها وهي تقول بأبتسامة:
لااظن ان التي مثلي قد تشعر بالحب، وعلاقتي انا وآدم لايمكن لها الاستمرار مهما حاولنا.
ان وقعتي بالحب ياصغيرتي لن تمنعك الاسباب ولن يوقفكِ المنطق، انتِ ستغدين مجنونة، مجنونة بكامل قواها العقلية!
قلبت ريم بصرها داخل عيون رباب الباسمة وقد سحرتها تلك الكلمات ولكن رغم ذلك لايمكنها ان تصدق انها قد تقع بالغرام. لاسيما غرام آدم! انه امر من الاستحالة ان يحصل لها لذلك هذا الكلام مجرد اساطير منحوتة داخل القصص الخرافية التي لن تكون هي بالتأكيد اميرتها المثالية!
رغم الاحاديث الممتعة التي خاضتها ريم مع رباب ولكنه غير قادرة على منع بصرها من التجول في الارجاء بين دقيقة واخرى مترجية ظهور آدم الذي اختفى منذ اكثر من15دقيقة!
قومي لتناديه ياصغيرتي!
التفتت ريم اليها بأرتباك لتقاطعها رباب قبل ان تحيب:.
لاشيء يدعو للخجل ان افتقدني زوجكِ عزيزتي. لذلك قومي لتجاوريه او تطلبي منه ان يأتي لمجاورتكِ، فهذا هو دخولكِ الاول الينا وبالتأكيد تحتاجين لمجاورة شخص تعرفيه جيداً ان احتجتي الى شيء قد تخجلين طلبه من البقية!
ارادت ان تعترض وتبين عدم اهتمامها بوجوده او عدمه. ولكنها لم تستطع! انها بالفعل تريده ان يبقى بجوارها لتطمئن بدل بقائها هنا وحدها لاتعرف احداً المعرفة الجيدة!
تبسمت بأمتنان لرباب وهي تهب واقفة لتقول:
سأذهب لأعرف اين هو فقط فقد تأخر.
اومأت رباب بأبتسامة من دون تعليق فشفاهها مشغولة بالتسبيح!
دخلت الى المنزل الذي لم يكن يحوي سوى بعض الاطفال مابين الذي يعلب ومابين من يطالع التلفاز واغلب البالغين في الحديقة يهيأون للغداء، كادت ان تسأل احدهم عن آدم لولا ان سمعت صوته الغاضب ينساب من احدى الغرف!
وقفت امام الباب لتنساب اليها الاصوات جاعلة يدها متجمدة في الهواء عاجزة عن اكمال طريقها لتطرقه من اجل رؤيته، لم تفهم جيداً ماقاله آدم بتلك النبرة الغاضبة ولكن عند وقوفها امام الباب كان اول من وصلها تالياً صوت حمزة المقيت وهو يتحدث لآدم بأستياء:
لقد رأيتك كيف تعاملها وأياك ان تنكر، انت لاتتصرف معها كما لوكانت دية لديك!
ليرد آدم بعصبية:.
انا لاانكر هذا ولست متردداً من الاعتراف به. نعم انا اعاملها كزوجتي وستحترموها انتم كزوجتي دون ان يجرؤ احد منكم على الاساءة اليها بأي شكل من الاشكال وألا سيواجه عواقب غضبي في وقتها.
هل نسيت مافعلته اسرتها بنا؟
اجل اسرتها، وليست هي! ولست انت من مسموح لك معاقبتها. فالذين ماتا لايعنياك بقدر مايعنيناني انا. ولم يؤذيك فراقهما بقدر مااذاني، وانا قد صفحت عنها فما دخلك انت بالضبط؟
ليرتفع صوت ثالث لم تعرف ريم لمن هو ولكنه بالتأكيد لأحد اعمامه او ابناء عمه:.
بهذه البساطة؟ تصفح عنها بهذه البساطة وكأن شيئاً لم يكن؟ أتعلم شيئاً، انها افضل منك، فهي مخلصة لموت اخيها اكثر مما انت مخلص لأبيك واخيك، فهي لهذه اللحظة لاتطيق ان تنظر بوجهك او وجهنا وتعلن كرهها بنظراتها بكل صراحة، اما انت فتنظر لها كما لوكانت ملاكاً خطف انفاسك متناسياً كل آلامك، منذ متى اصبحت بهذا الضعف امام فتاة؟ وهل على ان اذكرك ايضاً انها تنتظر زواجك بشوق من غيرها لتفارقك وتتخلص منك؟ هل تدرك كم تكرهك ايها الاحمق الذي يتعلق بها كالطفل الساذج؟
ضربة قوية فوق سطح المكتب يليها صياح آدم:
نعم ادرك انها تكرهني. اعلم انها تنتظر ان اتزوج بغيرها ولكن كل هذه ليست اسباب منطقية لجعلي اكرهها! هذه هي حياتي انا وغير مسموح لأحد بأملاء رأيه على وتعليمي كيف اعيش مع زوجتي!
بل مسموح لنا ان كان الطرف الاخر من حياتك هذه هي حفيدة ياسين!
لقد تم زواجنا لننقذ الاسرتين من الدماء. ألم نفعل ذلك؟ فلما لاتزالون تحملون الحقد عليها وتريدون مني أذيتها؟ ماالفائدة اذاً من زواجنا ان كانت الكراهية ستسمر بين الاسرتين؟ الى متى علينا ان نعيش داخل مستنقع الانتقام الذي يسحبنا واحد تلو الاخر؟
انت تع.
ليقاطع صوت مراد هذا المتحدث الاخير وهو يقل بحدة:.
هذا يكفي! هذا الموضوع غير مسموح لأحدكم مناقشته مع آدم من الان فصاعداً، هو الذي ضحّى من بينكم ليتزوج بهذه الطريقة ويعيش هذه الحياة، وهو الوحيد المسؤول عن اتخاذ قراراته بخصوصها!
سكون اختلج المكان فجأة لتهدأ زوبعة الصراخ التي احتدمت هنا منذ مدة! لم يكسر هذا السكون مرة اخرى سوى صوت آدم وهو يقول بنبرة تحذيرية:.
غير مسموح لأي احد فيكم وانا اعني اي احد من دون اي استثناء بأسماعها كلمة تجرحها او التعرض لها بأي شكل من الاشكال. وان تمت اهانتها بشكل مباشر او غير مباشر هنا فسأعتبر هذه الاهانة موجهة لي وحينها ليست ريم فقط من لن تدخل هذا المنزل مجدداً، بل وحتى انا!
وفجأة فتح باب المكتب على غفلة ليفزع جسد ريم وهي تحدق بأرتباك بوجه آدم الذي اطل عليها والذي بدوره انقشعت عنه حمرة الغضب فوراً وارتخت ملامحها وابصاره تتعلق بأبصارها بدهشة وتمتم بتلعثم:
م. منذ متى انتِ هن.
قاطعته فوراً بينما تشابك اصابعها ببعض من شدة التوتر:
ك كنت قادمة لل للبحث عنك!
ورفعت ابصارها بتردد نحو اولئك المجموعة في المكتب الذين يحدقون بها بنظرات بعضها لامبالية وبعضها حارقة. فأغلق آدم الباب خلفه فوراً كي لاتجرحها احدى نظراتهم وبقيا بمفردهما ليقول لها بهدوء معاكس لصراخه بهم قبل ثواني:
هل انتِ محتاجة لشيء؟
لا.
انتِ بخير؟
اجل.
تريدين ان نعود؟
لا.
لما اتيت للبحث عني اذاً؟
اعتقد ان هذا كان شرطي للقدوم وانت وافقت عليه. ان لاتبتعد عني حتى لو للحظة. فلما لاتلتزم بوعدك معي؟
تبسم بهدوء وهو يشابك اصابعه مع اصابعها ويسحبها ليسيرا معاً وهو يقول:
اسف سيدتي انها المرة الاولى التي اعمل فيها في الحراسة!
وبدل ان تسحب يدها من يده قامت بالقبض عليها بخفة وهي تجاوره في المسير وتقول بابتسامة:
من يراك الان لايصدق انك الشاب ذاته قبل ثواتي في المكتب معهم.
تنهد بعمق وهو يتمتم:
اجل معهم، ولكن ليس معك!
عندها قبضت على يده بشكل اقوى وصلبت قدميها فوق الارض لتتوقف وتوقفه معها، نظر اليها بأستغارب ونحو تلك العيون المغطاة بطبقة دمع خفيفة تجاهد بأبقائها حيث هي وقالت:
آدم؟
حدق داخل عينيها بترقب دون ان يعلق بشيء لتكمل هي بمرارة:
اياك ان تقع بغرامي ارجوك!
وسع حدقتيه بدهشة لتكمل هي غير منتظرة منه تعليق:.
اتفقنا ان نكون اصدقاء، لذلك لاتفكر بي اكثر من هذا القدر ولاتقع بغرامي. فهذا سيؤذيك! فأنا لن استطيع مبادلتك المشاعر!
تبسم بهدوء وهو يجيب:
اعلم.
ولاتتوقع ان الزمن سينسيني رويداً رويداً لأقع في غرامك في المستقبل.
اعلم.
وحياتك معي لن تكون بتلك السعادة التي تتوقعها.
سكت هذه المرة ولم يعلق لتعيد هي جملتها بأصرار اكثر هذه المرة:
لذلك ارجوك لاتقع في غرامي!
اقترب منها واغمض عينيه بألم ليهمس في اذنها قائلاً:.
ان كنتِ تعرفين طريقة لجعلي اكف عن حبكِ فرجاءاً علميها لي، فأنا معذب بالفعل!
ازدردت ريقها بصعوبة واحس بأرتجاف اصابعها بين قبضة يده فتبسم وهو يستقيم من انحنائه وقال:.
لا اريد خوض هذا النقاش معكِ ارجوكِ، لستِ مضطرة ان تبادليني مشاعري ولست مضطرة على تقبل هذه المشاعر. ولكن لاتمنعيني من الشعور بها ارجوكِ، ولاتقلقي حبي لكِ لن يؤثر في وعدي الذي قطعته لكِ من امر زواجي، وماان اجد الفتاة المناسبة حتى سأرتبط بها وارحل!
شيء ما اعتصر قلبها بقوة منعها من التعليق بشيء واجبرها على الانقياد معه وهو يسير ويسحبها من يدها ليكملا طريقهما!
بالتأكيد كان يوماً طويلاً. اختلطت فيه مشاعر ألم وارتياح معاً، اشخاص احبت التواجد معهم. واشخاص رفضت حتى رمقهم بنظرة. ولكن الاهم من بين الجميع كان ذلك الذي لم يبتعد عنها مجدداً، ذلك الذي آلفت قربه بشكل غريب وكرهت ابتعاده بشكل اغرب! لم تدرك ان عالم الاساطير بأمكانه ان يصبح حقيقة دون ان تدرك ذلك!