قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

مريضة!
كانت السيارة هادئة لاتحتوي سوى عطاس ريم الذي ينطلق بين لحظة واخرى ونظرات آدم التي تمزج القلق مع اللوم في طياتها وهو يلتفت اليها في كل مرة تعطس فيها متجنباً ملامتها الان ثم واخيراً لم يتحمل السكوت اكثر وقال لها موبخاً:
اخبرتكِ ان لاتبقي بملابسكِ تلك في هذا الجو قارص البرودة!
مسحت انفها بالمنديل لتجيبه بصوت شبه مبحوح:
انا بخير. انه مجرد عطاس ياآدم لاتبالغ!
وان مرضتي؟
اخبرتك اني لاامرض بسهولة.

أأنتِ جادة؟، هذه الفتاة ستدفعيني لفقدان عقلي بالفعل! لقد ملأت سيارتي بجراثيم عطاسها وتقول انها لاتمرض بسهولة!.
وهل ستصاب سيارتك بالعدوى مثلاً؟ لأني في الحقيقة لم اشاهد سيارة تعطس من قبل، ولكن من يعلم! قد تكون سيارتك غريبة مثلك!
اطلق ضحكة مصطنعة ليسخر منها وهو يردف:
يااللهي ما كل هذه الظرافة! امعائي ستتمزق من الضحك!
ثم ضرب جانب رأسها بأصبعه وهو يقول:
صاحب السيارة هو من سيصاب بالعدوى يا ظريفة!

وقبل ان تجيبه قطع حروفها عطستين متتاليتين ليردف هو فوراً:
حسناً لن اتحمل اكثر. سأخذكِ الى المستشفى!
فرفعت حاجبيها بدهشة وهي تلتفت اليه قائلة:
أأنت جاد؟ وستخبرهم بماذا؟ زوجتي تعاني من العطاس؟
ومع انطلاق كلمة زوجتي من بين شفاهها من دون وعي منها اصدر قلبه وخزة كهربائية لجميع انحاء جسمه جعل ابتسامة غير ارادية تظهر فوق شفاهه هو!

اكتفى بالصمت يحاول شد كل حواسه نحو ذلك الشعور اللطيف الذي غزا ثناياه. نحو تلك النسمات الدافئة التي عصفت بقوة داخل روحه!
لفت صوتها انتباهه مجدداً وهي تقول:
خذني الى الشقة فأنا متعبة جداً واريد ان ارتاح!
هل أغير طريق مدينة الملاهي اذاً؟
نظرت له بعدم فهم ليضحك هو ويقول: واين تريني اخذك غير الشقة ياذكية؟

كتمت ضحكتها بزفير حنقها المصطنع وهي تقول: كنت اقصد لاتأخذني الى المستشفى، يااللهي! لو فقط تكف عن هذه التعليقات الساخرة!
وقبل ان يجيبها قطع عليهما حديثهما صوت رنين هاتفه لتكون المتصلة مايا، لتزفر ريم هذه المرة بحنق جدي!.
اجل مايا. كيف حالك؟، اجل عدنا لتونا منهم.

عصرت قبضتها لتحافظ على اعصابها. هل كانت تعلم بأمر زيارتهم؟ وهل يخبرها بكل شيء ولايقتصر الامر على العمل فقط؟ وعادت لتركز في حديثه تحاول التقاط كلمات لتجمع الاستنتاجات الشيطانية في عقلها!
اجل، اها، نعم نعم. وهل حضرو؟ جيد، 20دقيقة بينما اوصل ريم وأوافيكِ الى مكاننا المعتاد!

نظرت له ريم نظرة جانبية حادة كادت ان تحرق وجهه بها دون ان تدرك بالتحديد ماالذي يدفعها لهذا القدر من الغضب! اعادت ابصارها امامها ونفثت انفاسها بقوة وهي تكتف يديها امام صدرها كمن خاض شجار عنيف لتوه!
لاحظ وجوم وجهها وصمتها المفاجئ فسألها بعد دقائق من انهاء المكالمة مع مايا:
أأنتِ بخير؟
اجابته بأقتضاب:
ولما لااكون كذلك؟
لااعلم. ظننت هذا!
لتردف بأجابة بعيدة تماماً عن السؤال: انا جائعة!

رفع حاجبيه بأستغراب من طلبها هذا ولم يمضي اكثر من ساعتان على تناولهما الغداء! فأعاد طلبها بتأكيد: جائعة؟
اجل.
ح. حسناً، سنصل للشقة وأعدي لنفسكِ شيئاً.
ولكني قلت لك اني متعبة!
حسناً. وماذا تطلبين مني الان؟ تريدين ان أعد لكِ الطعام؟ ام انك تطلبين مني احضاره لك من المطعم مثلاً؟
انت مخير في ذلك!

نظر نحو ساعته وهو يتنهد ويتمتم ببضع كلمات فهمت من خلالها ان فعل ذلك سيتأخر مع موعده مع مايا، وهذا ماارادته بالضبط!
ادار عجلة القيادة يريد تغير اتجاه السيارة فمنعته من ذلك بنبرتها المعترضة:
ماذا تفعل؟
اوقف السيارة في وسط الطريق وقال بعدم فهم:
أخذك نحو المطعم كي اشتري لكِ وجبة ما!
لتجيبه ببرود وعدم مبالاة:
للمرة الثالثة، انا متعبة! اوصلني نحو الشقة واحضر لي الطعام!

استدار بنصفه العلوي نحوها وهو يضيق عينيه بتساؤل ويقول:
متى موعد انتهاء صلاحية العقد؟
سألته بعدم فهم:
اي عقد؟
ليمط شفتيه ساخراً ويقول:
الذي عقدته مع سيادتكِ للخدمة!
تبسمت وهي تعيد ابصارها امامها وتقول بثقة وهي تعلم جيداً اجابته:
حسناً، ان كنت سأأخرك عن موعدك فأوصلني الى الشقة فحسب ولااريد طعام.
ليطلق تنهيدة طويلة وهي يعيد السيارة نحو اتجاهها الاول ويقول:
حسناً حسناً، انتظريني ولاتنامي سأحضر الطعام لكِ!

ادارت وجهها نحو نافذتها كي تخفي عنه ابتسامة الانتصار والزهو تلك التي ستحتل كل انثى في موقف كهذا، ولكنه لن يحتلها مالم يكن الطرف الاخر رجل يهمها امره!
وصلا الى الشقة لتنزل هي بينما ينطلق هو نحو المطعم كي يحضر طلبيتها التي لم تكن لها رغبة بها من الاساس. ولكنها الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها!

انتظرت في الصالة موعد قدومه وعقلها يتراقص بالافكار عكس جسدها الثابت، قد يحضر الطلبية ويكون لديه الوقت ليصل على الموعد مع مايا، ما الفكرة الاخرى التي ستتبعها؟ بل ولما هي من الاساس مصرة على تأخيره؟ مع هذا السؤال الاخير تلاشت ابتسامتها شيئاً فشيئاً وهي تدرك الان فقط مافعلته، ومااحست به! ولكنها بشكل ما احبت هذا الاحساس، ولابأس احياناً من معاندة عقلنا لنرضي قلبنا، فالجنون مطلوب لتحويل الامور الى المنطقية!

فتحت باب الشرفة وخرجت لأستنشاق الهواء ورغم برودته فقد انعشها بشكل ما واسرى رعشة خفيفة في اطرافها جعلت شعيرات جسدها تقشعر تطالبها بالدفئ الذي منحتها اياه عن طريق فرك يديها ببعضهما!

كثير من الاشياء لم تكن تبالي بهن من قبل ولكن الان احبتهن بشكل ما! بعض الامور تتغير بشكل بطيء وتدريجي بداخلها دون ان تدرك ذلك ألا بعد ان تقارن نفسها القديمة بنفسها الجديدة! تغيير احبته بطريقة ما ولكنها خافت منه في الوقت ذاته! تخشى من مشاعرها. وتخشى من مشاعره التي تضعفها! تخشى ذلك الاهتمام الذي يمنحه لها من دون مقابل، فهذا هو السبب الذي جعل قلبها يتحرك بين فترة واخرى!
اجل. هذا بالضبط ماكان ينقصكِ!

التفتت بفزع نحو آدم الذي لم تدرك بالضبط متى عاد فسحبها من مرفق يدها وهو يدخلها ويقول:
أذ لم تصابي بالزكام بشكل كافي في الصباح فستصابين به الان من وقوفك في الشرفة وسط هذا البرد!
ثم ناولها كيس الطعام قبل ان يترك لها مجالاً للكلام واتجه نحو غرفته ليخرج منها قرص مدمج وخرج منها متجهاً نحو الباب وهو يقول:
سأذهب الان، وداعاً!.
بقيت واقفة كالبلهاء تحدق بهذه الزوبعة قصيرة المدى الذي دخل على غفلة وخرج فجأة!

انزلت ابصارها نحو الكيس بخيبة امل وهي ترى خطتها قد فشلت ولم تكن كافية لأبقائه معها في المنزل! ربما لو انها تصارحه بشكل علني بتلك الاحاسيس الغريبة التي بدأت تنتابها بشأنه، لو انها اخبرته انها تكره كثرة لقائه بمايا، لو انها اخبرته انها تريد بقائه بقربها، لربما كان معها الان دون ان تلتجأ الى هذه الطرق الفرعية التي تبوء بالفشل! ودون ان تضطر ان تأكل اغلب قطع البيتزا التي احضرها الان كي لاتثير شكوكه بأبقاء الطعام كما هو، ولما كانت قد احتاجت لثلاث اقراص من الدواء لتعالج سوء الهضم الذي اصابها بسبب التخمة!.

مرت الساعات ببطئ عليها وهو لم يعد بعد ومرضها في تزايد!
اسدلت فوق جسدها غطاء صوفي لتوقف ارتعاش جسدها رغم الحرارة المرتفعة به واستلقت فوق الاريكة تتابع احداث فيلمها المفضل قراصنة الكايريبي. فآدم من دون شك قد نقل لها عدوى متابعة الافلام!

ها هو جاك سبارو يرمي نفسه في البحر كي ينقذ الانسة اليزابيث، جاك سبارو يهدد الجنود بقتل الانسة اليزابيث كي يهرب، جاك سبارو هرب، يتسلق الحبل عالياً، وعالياً، واختفى جاك سبارو! اختفى في الظلام الذي غزا جفنيها لتدخل نحو عالم الاحلام الذي لم يحمل لها اية احلام، بل حمل هلوسة. صور غير مترابطة، وجوه لاتعرفها. واخرى قد رأتها! مقتطفات من الماضي. وتوقعات للمستقبل، وقبلة فوق قمة رأسها. وانفاس تتخلخل خصلات شعرها، لحظة. أهذا حلم؟ هلوسة؟، ام، واقع؟!

لاتعلم كم مرة من الوقت ولكنه الوقت الكافي الذي جعل الشمس تختفي من السماء لتتناثر النجوم في غطائها القاتم! فتحت جفناها ببطئ ليقع بصرها على آدم الجالس فوق المنضدة التي امام اريكتها ويستند بذقنه فوق راحة يده التي يرتكز بها فوق فخذه ويحدق بها بأبتسامة عذبة جعلت قلبها يقرع طبول الحرب بجنون ويتراقص داخل صدرها بأرتجاف لتستعدل في جلستها فوراً وتقول بأرتباك بينما تدس خصلاتها خلف اذنها:
م متى عدت؟

لم يغير طريقة جلوسه ولم يخفي ابتسامته وهو يجيبها:
قبل فترة!
ولما. لما لم توقظني؟
أحببت رؤيتكِ نائمة هكذا كالاطفال!
تلعثمت حروفها وتقلبت ابصارها بعيداً عنه ووجنتيها مكسوتان بحمرة خجل داكنة وهي تدعي البرود لتخفي ذلك بينما تسأله:
لقد تأخرت!
رفع يديه نحو الاعلى ليمط جسده المتشنج والذي على مايبدو لم يحركه منذ فترة، طوال فترة مراقبته لها منذ ساعات! وقال بينما ينهض:.

اجل. كنت مضطر لذلك، واخيراً انهينا الصفقة اليوم!
ثم ناولها كيس ابيض كان فوق المنضدة وقال:
لقد احضرت لكِ الدواء قبل ان تتأزم حالتكِ اكثر!
اخذت منه الكيس وهي تعلق ابصارها بأبصاره وتقول:
شكراً لك، هل أعد لك العشاء؟
لا. لقد تناولته مسبقاً مع مايا!
وعند جملته الاخيرة هذه قامت بأمتعاض من مكانها وهي تسحب الغطاء تشغل يديها وعينيها بترتيبه بينما تقول بأستياء فشلت بأمتياز بأخفائه:.

بالطبع ستتناوله معها! ذاتاً سؤالي كان سخيف! كان على توقع الاجابة!
ارادت تخطيه لتمر نحو غرفتها ولكنه اعادها مكانها امامه وهو يسحبها من يدها ويقول لها بعدم فهم:
ماالداعي لكل هذه العصبية؟، انتِ ذاتاً مريضة ونائمة ولم تعدي العشاء لتغضبي الان بسبب تركِ له! انا ذاتاً من عرضت على مايا ان نتناوله سوية في المطعم فلم اشأ ارهاقكِ بأعداده وانتِ متعبة اليوم!
فسحبت يدها بعصبية منه لترد بعناد:.

وانصحك بعرضه عليها غداً ايضاً فأنا لن اعد اي وجبة غدا! ً.
وحاولت مرة اخرى تخطيه ولكنه اعادها ايضاً وهو يهتف بها بذات عصبيتها:
ريم! لاداعي ان تحوّلي كل الايام الجميلة في بادئها الى كابوس في نهايتها وانتِ تختلقين اعذار واهية لتتشاجري معي فقط!
فصرخت بوجهه بنفاذ صبر وهي ترفض البوح له بالحقيقة وتعجز عن تحمل العقبات بعدم فهمه:
لست اختلق اعذاراً واهية!
فقال ساخراً:
اذاً ماذا؟ تغارين مثلاً؟

ولكن ملامحه الساخرة بهتت فوراً وهو يلاحظ ذلك التوتر الغريب الذي احتل عيناها فجأة! فقطب حاجبيه بعدم تصديق واقترب منها خطوة وهو يعيد كلامه مؤكداً:
لحظة، هل تغارين؟
واستمر تحديقها به لثواني وكل ثانية تمر تزيد
دقات قلبه جنوناً متمنياً لو ان اجابتها تكون اجل!.
كفّ عن هذه الافكار السخيفة آدم! اخبرتك اني لن احمل لك اي مشاعر في يوم. وبالتالي بالتأكيد لن اشعر بالغيرة عليك!

كان كبريائها كافياً ليمنحها الثبات المناسب امامه ويجعله يصدق ماتقول. وشكرت الرب في لحظتها انه غير قادر على سماع ضربات قلبها التي ستجعله يفهم تماماً ماتحاول انكاره حتى عن نفسها!
بدأت ملامحه تتغير شيئاً فشيئاً وكلمة واحدة لها صداها في اذنه. افكار سخيفة. مهما فعل ومهما حمل لها من حب فهي لن ترى ذلك سوى افكار سخيفة...

لم يعلق بشيء وفهمت من تعابيره انها تمادت في جرحه هذه المرة فأبتعلت باقي حروفها وطعنات خفيفة تلكز لها قلبها تؤنبها على كثرة اغضابه. وكثرة مسامحته لها!
اكتنف الصمت المكان لعدة ثواني الى ان قال ادم بصوت حاول قدر المستطاع جعله هادئ كي لاتصلها حمم براكينه:
اعذري مشاعري السخيفة واستنتاجاتي الغبية!
ثم تركها ودخل غرفته مغلقاً الباب خلفه بعنف جعل جسدها يهتز فجأة بفزع! هذا الشاب بالفعل يتغير كلياً عندما يغضب!

عضت شفتها السفلية بلوم واغمضت عينيها بندم وهي تهمس لنفسها مؤنبة:
ألم تكن ال نعم ستحل كل شيء ايتها الخرقاء؟
ثم زفرت بحنق ودخلت الى غرفتها وشيء مايعصر قلبها جعلتها لاتنام بأطمئنان، ولولا الحمى التي عصفت بجسدها واضعفته لتنام بسرعة لكان الارق قد اصابها لساعات وساعات طويلة!

اشرقت صباح اليوم التالي دون ان تملك القوة الكافية لتبرز من بين الغيوم الكثيفة وتقهر هذا البرد القارص. استيقظت من نومها ولفت حول نفسها مئزر قطني كثيف لتدفئ جسدها الذي وعلى مايبدو ان الحمى قررت احتلاله لوقت اطول وبشكل اقوى!

قامت من سريرها ليختل توازنها فجأة فأستندت على المنضدة لتمنع جسدها من الهبوط ارضاً. عادت لتجلس مرة اخرى بينما تستعيد تماسكها وهي تفرك صدغها بأصابعها لتزيل صداعها القوي ولتتفاجئ بسخونة بشرتها!.
قامت مرة اخرى بروية كي لاتصاب بالدوار مجدداً وخرجت من الغرفة وهي تضم يديها لصدرها تحافظ على جسدها دافئ!

وجدت آدم يقف امام شاشة التلفاز يرتشف بعض الشاي الساخن ويتابع نشرة الاخبار، استنتجت من بلوزته الصوفية التي تغطي رقبته وبنطاله البيتي انه لاينوي التحضر للخروج نحو العمل. التفتت بأتجاه الساعة لتجد انه من الاساس قد مر الكثير على موعد ذهابه. اقتربت الى ان وصلت بجانبه وقالت بصوت هادئ يحمل خلفه مقدار خمولها:
صباح الخير!
اجاب من غير ان يلتفت:
صباح الخير!
ألن تذهب للعمل اليوم؟

ولازال يصر على ابقاء تلك الفيروزيتين معلقة بشاشة التلفاز من غير ان يلتفت اليها:
نشرات الاخبار أكدت على عدم التجول بسبب الامطار الغزيرة التي ستهطل بعد قليل. لذلك اليوم عطلة رسمية!
آدم؟
همهم كأجابة وهو يتابع مايقوله المذيع. فعادت مرة اخرى لتناديه فألتفت اليها ولكنها لم تتحدث فوراً فقال:
ماذا؟
انظر إلى عندما اتحدث اليك!

ثم تركته وسط استغرابه واتجهت الى الحمام وقد اشبعت ناظريها بتلك الفيروزيتين اللتان حرمهما عنها منذ البارحة! حرك رأسه بيأس وابتسامة مترددة تظهر فوق شفتيه وهو يتمتم:
ستجعليني افقد عقلي بالفعل ايتها المجنونة!
مضت دقائق اخرى خرجت فيها ريم من الحمام وعادت لتستلقي بكسل فوق الاريكة تود لو انها تكمل نومها من شدة خمولها. فرجت جفنيها قليلاً وهي تسمع صوت آدم يتحدث اليها:
ألن تفطري؟
اجابت بضعف:.

قليلاً فقط واقوم. خمس دقائق فحسب!
زفر بضيق وهو يتقدم اليها وجلس القرفصاء بجانب اريكتها لتستشعر برودة يده فوق جبينها جعلت قلبها يضخ الدم بقوة وهو يحرك كفه فوق جبينها وعلى خديها واخيراً قال بأستياء:
حرارتكِ مرتفعة! ألم تأخذي دوائكِ البارحة؟
اجابت بهدوء:
لقد نسيت!
زفر بضيق وهو يتذمر قائلاً:
لو كنت اعتني بطفل لكان اطاعني اكثر منك! ِ.
لتجيب بحدة:
لم اطلب منك ان تعتني بي!

وفجأة توسعت حدقتيها بدهشة وتشنج كامل جسدها وهي تستشعر انفاسه تتخلخل خصلات شعرها بينما يهمس لها:
اعلم، ولكن مشاعري السخيفة تمنعني من اهمالك!
وتعمد وسط صوته الدافئ ان يؤكد على كلمة سخيفة ليثبت لها اكثر ان هذه الكلمة رغم بساطتها في النطق قد سببت جرحاً مؤلماً في داخله، مسح على شعرها برفق وهو يقول لها بينما ينهض:
ابقي نائمة، سأعد لكِ الفطور!

واول مااحست بأبتعاده وقعت دمعة ضعيفة من جفنها وضمت شفتيها الى بعضهما تمنع صوت بكائها من الارتفاع، انه بالفعل لايستحق معاملة كهذه منها!
دقائق اخرى أحست بجلوسه على طرف الاريكة يحمل في يده شطيرة البيض وكوب الشاي. وضعهن فوق المنضدة وساعدها في الاعتدال بجلستها وقدم لها طعامها. تمتمت بينما تأخذ الشطيرة:
شكراً لك.
طعاماً هنيئاً! اكمليها وتناولي دوائك!
حسناً.

وبدأت تأكل شطيرتها بينما هو يعبث بحاسوبه بجانبها لاتفصل بينهما سوى بضع انشات.
مرت ساعات اخرى بهدوء وآدم لازال يجلس على الاريكة وريم مستلقية على ذات الاريكة. التفت اليها بعد ان انهى عمله فوجد جبينها يقطر العرق بغزارة فزع من مكانه فوراً وامتدت يده اليها ليجد ان حرارتها بأرتفاع متزايد! أبعد الغطاء قليلاً عنها ومسح على خدها برفق بينما يناديها بهدوء:
ريم؟ ريم؟ أيمكنك سماعي؟

حاولت اجابته ولكن حروفها خرجت بأنين بينما عينيها بالكاد مفتوحة تنظر اليه.
حرارتك مرتفعة جداً. دعيني اخذك الى المستشفى!
اجابته بصعوبة:
ألم يفرضو. حظر التجول؟

لعن من بين اسنانه وقد نسي تماماً امر الامطار الغزيرة التي تهطل في الخارج والتي يكون القيادة فيها امر شبه مستحيل، اسرع الى المطبخ وملأ اناء حديدي بالماء وقطع الثلج وعاد اليها بسرعة ليصنع لها كمادات، وضع واحدة فوق جبينها وواحدة حول رقبتها وابعد الغطاء عنها كي لاتزيد حرارتها وبدأ بتمرير قطع الثلج اسفل قدميها، بدأ جسدها يرتعش من البرد وتأن بألم تحاول تدفئة نفسها وتفشل بينما هو يشجعها على المقاومة قائلاً:.

تحملي قليلاً حبيبتي، فقط قليلاً!

غير الكماداث ثلاث مرات ورغم تشنج يده من البرد ألا انه استمر بأمساك قطع الثلج لتمريرها على اقدامها لعل حرارتها تنخفض. ولكن لافائدة. كانت في تزايد، ارتعب وهو يضع يده على جبينها ليكتشف انه اصبح كجمرات متقدة. قام من فوره بأتجاه هاتفه ليتصل بوالدته. تحرك ذهاباً واياباً دون ان يملك القدرة على البقاء ثابتاً من شدة توتره واول ماوصله صوتها قال دفعة واحدة بنبرة تحمل كل القلق:.

امي. ريم مريضة ماذا افعل؟ لقد احضرت العلاج وحرصت ان تتناول طعامها. لقد وضعت لها الكمادات ولكن لايبدو.
فقاطعته رزان فوراً:
لحظة لحظة على مهلك ياعزيزي لاافهم شيئاً.
ريم، ان حرارتها مرتفعة. ماذا افعل؟ لقد وضعت لها الكمادات ولافائدة. وقطع الثلج ايضاً لافائدة. ان حرارتها في تزايد وانا قلق جداً عليها!
أهي مرتفعة كثيراً؟
اجل. لدرجة اني سأفقد عقلي ان استمرت هكذا!

حسناً عزيزي اهدأ ولاتقلق. قم بملئ حوض الاستحمام بماء بارد وضع فيه بعض قطع الثلج وادخل جسدها فيه لمدة عشر دقائق على الاقل!
فهتف بها فوراً:
افعل ماذا؟ هل تدركين برودة الطقس؟ وتريدين ان اضعها في ماء بارد؟

عزيزي جسدها حار ولاطريقة اخرى لخفض حرارتها سوى هذه. لاتقلق لن يحصل لها شيء. ارتفاع الحرارة اكثر قد يكون له نتائج سلبية تضرها لذلك لاتسمح لعاطفتك بالتأثير عليك ان طلبت منك اخراجها او ارتجفت. فلتتحمل قليلاً كي تشفى! كنت استخدم هذه الطريقة معك انت واختك وهي طريقة فعالة جداً!
تردد آدم في القبول ولكنه خضع لهذا في النهاية فلايوجد لديه حل اخر!

ملأ حوض الاستحمام وقلبه يؤلمه وهو يستشعر برودته ويتخيل وضع ريم فيه بعد دقائق وهي لم يكن بأمكانها تحمل حتى ابعاد الغطاء عنها!
احضر بعض قطع الثلج من الثلاجة واغرقهن في الحوض لتزداد برودته ثم اغلق الصنبور وخرج نحو الصالة حيث حبيبته ترتجف هناك فوق الاريكة، مسح فوق شعرها برفق وهمس لها:
عزيزتي؟، سأحملك الان نحو الحمام، اريدك ان تتحملي قليلاً. اتفقنا؟

ثم وضع يد تحت ركبتيها واخرى تحت عنقها من الخلف وحملها بين يديه بينما جسدها ينكمش اكثر وتضم يديها ورأسها الى صدره اكثر لتستشعر بعض الدفئ، وصل الى الحمام وضمها اليه اكثر كي يسيطر على حركة جسدها من رد فعلها المتوقع! انزلها بهدوء داخل الماء لتصدح شهقة فزعها في ارجاء الحمام وارتفعت يديها لتتعلق برقبته اكثر تحاول رفع نفسها عن الماء. فقال بينما ينزلها اكثر:.

اششش، اهدأي حبيبتي، تحملي قليلاً من اجلي لتكوني بخير.
بكت بألم وهي تتوسله بضعف وصوت مرتجف:
آدم ارجوك، انا اشعر بالبرد.
ادخل جسدها تماماً داخل الحوض ولكنها لم تبعد يديها من حول رقبته فأنغمست يديه معها داخل الماء واحاط ظهرها ليعانقها ويبث لها بعض الشجاعة بينما يقول:
فقط تحملي قليلاً، اعلم انك تتألمين. ولكن عليك ان تتحملي!

ازداد ارتعاشها وتقطعت انفاسها وهي تشعر ان رئتيها توقفتا عن العمل وتشنج جسدها بالكامل. هناك سكاكين وهمية تطعن سائر جسدها تبثها ألم مضاعف عن سابقه. انها برودة لايمكن لجسدها ان يتحملها. ولكنها تحملتها، تحملتها طالما آدم يضمها اليه. هي ستتحمل!

لم يستطع تحمل انينها وارتجافها لمدة عشر دقائق لذلك اخرجها قبل ذلك الوقت، حملها بين يديها لتبلل له ملابسه بالكامل دون ان يهتم بذلك. اخرجها نحو الصالة ووضعها مجدداً على الاريكة وذهب مسرعاً نحو الموقد ليبث النار فيه واسرع نحو غرفتها كي يحضر لها رداء قطني اخر وغطاء صوفي اكثر سمكاً. عاد اليها ليحملها مجدداً واجلسها على الارض قرب الموقد. البسها الرداء القطني وهي تسند جبينها على صدره عاجزة حتى عن رفع رأسها ولاشيء يصدر منها سوى الانين. دثرها بردائها جيداً ثم لف الغطاء الصوفي حولها وضمها اليه وبقي بجوار الموقد كي تحظى بالدفئ، وماهي ألا ثواني حتى غطت بنوم عميق بسبب مسحه بلطف فوق شعرها جعل الخدر يدب في اوصالها الضعيفة من الاساس بسبب الحمى!

بقي جالس في مكانه يضمها اليه من دون حركة توقظها واستمتع بشعور انتظام انفاسها بين يديه واطمأن قلبه وهو يستشعر انخفاض حرارتها تدريجياً بين فنية واخرى، اغمض عينيه براحة واستند بذقنه فوق قمة رأسها وزاد من قوة ضمها اليه!

ساعة كاملة وهما على الوضع ذاته الى ان بدأت ريم بالتحرك فأدرك انها استيقظت. فتح عيناه يحدق بأبعد نقطة عن مد بصره وقد تأكد من استيقاظها. ولكنها لم تتحرك. ولم تبتعد عنه. تبسم براحة وقال لها بهدوء:
انتِ بخير؟
زادت من اغراق جسدها بين يديه كطفلة صغيرة تطالب والدتها بالدفئ. فلم يبخل عليها بأحكام يديه حولها اكثر لتهمس له:
اجل. افضل بكثير الان.

وبقيت على وضعها من غير ان تسحب نفسها من بين يديه فلا تريد ان تفقد هذا الدفئ لتلفحها برودة الجو. ثواني من الصمت حتى قالت:
آدم؟
همهم كأجابة لتردف:
لم اكن اقصد مافهمته!
صمت هو لثواني معدودة قبل ان يقول بذات هدوئه:
وماذا قصدتي اذاً بتلك الكلمة؟
احس برأسها ينغمس اكثر فوق صدره ويديها تقبض على قميصه وهي تغمض عينيها لتكمل:
لايهم ماقصدته. المهم انه ليس مافهمته!

احست بأرتفاع صدره بقوة ثم زفير هوائه الحاد من فوق رأسها فعرفت مدى تضايقه ولكنه رغم ذلك قال:
حسناً. لاتشغلي بالك بالامر كثيراً.
أ. ألست غاضب مني؟
لست كذلك.
آدم؟
نعم.
لاتغضب مني.
تنهد قبل ان يجيب:
أيمكننا ان لانتكلم في الامر الان؟
أدم؟، انا اسفة!

خفق قلبه بقوة وهو يلتمس اعتذارها الصادق للمرة الثانية، ف اسفة هي احدى الكلمات المحرمة التي لاتنطقها ريم بسهولة. احست بضغط يديه حولها اكثر وذقنه يستند على قمة رأسها وهو يقول لها هامساً:
تعلمين كم انا ضعيف امام هذه الكلمة!
تبسمت وقالت:
هل هذا يعني انك سامحتني؟
وهل اجرؤ على ان لاافعل؟

كانت تعلم انه قد سامحها بالفعل، ورغم انها ارادت ذلك بشدة ألا ان الامر كان يؤلمها بشدة اكبر. مسامحته تلك التي يغرقها بها تجعلها تعيش حالة صراع داخلي لاتحسد عليه!
حل المساء والمطر قد قرر واخيراً ان يرتاح قليلاً!
عادت القوة بالشكل الكافي لجسد ريم سامحة لها ان تنهض لتغير ملابسها وتستلقي على سريرها لتكمل نومها بعد ان تناولت العشاء منذ فترة مع آدم!

فتحت عيناها بقوة في منتصف الليل وهي تستمع لصوت الرعد وشاهدت البرق يضيء غرفتها. قامت مفزوعة من فراشها وحدقت بنافذتها برعب وذكريات سوداء تتوافد الى رأسها، انها تكره بشدة هطول المطر اثناء الليل. تكره ذلك الشعور الذي يكتنفها من الخوف يجعلها تغدو كالمجنونة، تبكي فوراً. تعجز عن التنفس، يتخيل لها دم هزيم يغطي لها جسدها وملابسها! كتمت فمها فوراً بيدها تمنع صرخة الجزع تلك. لتغتسل اصابعها بدموعها الغزيرة!

فتحت اضواء غرفتها ولكن الخوف لايزال يدب في اوصالها، سابقاً كانت تلتجئ لغرفة ميسم تعانق سامي وتغفو بجواره. فلايوجد طريقة اخرى لينسدلا جفناها وتخضع لسلطان النوم، والان تحتاج الى اي احد بجوارها، تحتاج آدم!
حملت وسادتها وغطائها وخرجت من الغرفة على اطراف اصابعها. فكبريائها لايزال يمنعها من طلب المساعدة او التجائها اليه بشكل علني!

فتحت باب غرفته بهدوء شديد واقتحمت ابصارها الارجاء الى ان وقعت على وجه آدم يغط بنوم عميق. شجعها هذا ان تفتح الباب اكثر وتدخل بروية الى ان وصلت بجانب سريره فوضعت وسادتها ارضاً والتحفت بغطائها جيداً كي تقي نفسها من برودة الارض. عندها فقط شعرت بأطمئنان عندما احست به على مقربة منها. واول مااغلقت جفنيها رفع رأسه ليطمئن انها نائمة بشكل جيد، فهو قد استيقظ منذ ان دخلت ولكن لم يشأ اشعارها بهذا فهو اكثر الناس معرفة بكبريائها. أعاد اغماض عينيه بأبتسامة دافئة وهو يراها يوم بعد اخر تعتاد وجوده في حياته وتتقبله بشكل ايجابي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة