قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

آدم..

في منزل اسرة مراد دخل النور بهدوء وحياء من بين ستائر غرفة الجدة رباب ليعكس اشراقه فوق وجهها المحبوب الذي يحمل كل معالم الهدوء والسكينة. تجعلك تشعر بالطمأنية والسعادة وانت تتحدث معها وتستمع لأحاديثها الشيقة. اوقفت صوت دعواها واستكانت المسبحة بين احدى يديها من دون حركة وهي تشير بالاخرى مبتسمة نحو حفيدها الوسيم آدم ذو 28 عاماً ان يأتي اليها، تبسم آدم وسار نحوها واول مادخل غرفتها قال ممازحاً:.

صباح الخير يا اجمل روبي في العالم!
ثم تقدم اليها وقبلها من رأسها فقرصته من كتفه بخفة وقالت:
ما روبي هذه يا ولد؟ ألن تكف عن مشاكستك هذه؟
جلس بالقرب منها وهو مستمر بمزاحه:
كيف عساي ان ارى جمالاً كهذا واناديه جدة؟ انتي لازلتي في قمة شبابك يافتاة!.
ضحكت وضربته مرة اخرى فوق كتفه بيديها الضعيفتين وقالت:
يا ولد اسكت قليلاً. قل لي. ماالذي احضرك من شقتك الى هنا منذ الصباح الباكر؟

مد يديه في جيوب جلبابها وهو يبحث عن مبتغاه المعتاد فأخرج قطعتين من الحلوى فتح احداهما وتناوله ثم اراح جسده قليلاً فوق الفراش وهو يرفع جذعه العلوي بمرفقيه وهو يقول:
اليوم لدي عطلة وشعرت بالملل وحدي فقررت ان اتي لأتناول الفطار هنا معكم. وهي فرصة ايضاً لأرى امي فلم اراها طوال الاسبوع الماضي.
لوت شفتيها وقالت:
امك فقط ياولد؟
قرصها بخفة من خدها وهو يضع قطعة الحلوى الاخرى فيه فمه ويقول:.

ومن اجل حبيبتي روبي طبعاً فكم روبي لدي انا!
لكزته من مرفقه وقالت بهمس:
دعنا من هذا الان واستمع الي.
ارهف سمعه اليها وهي تكمل هامسة:
البارحة سمعتهم يتحدثون بخصوص عائلة ياسين.
قطب حاجبيه بأستغراب واهتمام عندما استقبلت مسامعه اسم هذه العائلة فأكملت رباب:
انها حول حادثة اغتيال عمك معتز، سمعت انهم سيأخذون دية. ولكنها ستكون امرأة.
ثم صمتت قليلاً لتجذب انتباهه اكثر واكملت:.

انها الفتاة ذاتها. أتذكرها؟ اخت ذلك الشاب الذي مات قبل ثلاث سنوات من عائلة ياسين، تلك التي تشاجرت مع جدك.
عندها استقام آدم بمجلسه فوراً وقال بلهفة فشل في اخفائها:
ريم؟
اجل. هي!
فأرتكز بمرفقيه فوق فخذيه مستمعاً بكامل
تركيزه لحديث جدته فأكملت رباب بنبرة عطف وهي تحضن كف حفيدها بين كفيها: اعلم انك ترفض الزواج بالوقت الحالي ياعزيزي. ولكن افعل هذا من اجلي.

قطب ادم حاجبيه اكثر وهو يقول بأستغراب: افعل ماذا بالضبط؟

فأكملت رباب بذات النبرة المتوسلة: انا رأيتها سابقاً عندما اتت لجدك قبل ثلاث سنوات وهي فتاة جميلة جداً. وقد عرفت عنها بعض الاشياء البارحة من ريهام زوجة عمك. تعرف كم ريهام ثرثارة وفضولية لذلك قد سألت عمك بضعة اشياء واتت لتخبرني بها. عرفت ان الفتاة ذات شهادة جيدة ومثقفة. وهم قد علمو مسبقاً انك لا تريد الزواج الان لذلك هم قد قررو تزويجها لأبن عمك الاصغر حمزة، وانت تعلم ياولدي ان حمزة لايمتلك ذلك الجمال الجيد وليس لديه شهادة. والكلام بيني وبينك هو احمق جداً. انه مناقض تماماً لتلك المسكينة، هي تعتبرنا نحن من قتلنا اخيها لذلك امر تزويجها لواحد منا هو بحد ذاته ظلم بحقها واهانة فدعنا لانظلمها اكثر بتزويجها لحمزة، انت لديك شقة خاصة وذو شهادة جيدة ووسيم، قد تخفف هذه الامور من الجرح الذي ستتسبب به العائلتين بحقها.

اجاب معترضاً: ياجدتي. انتي تعرفين رأي بخصوص الزواج الان وتعرفين كم انا صعب الاختيار في شخصية الفتاة التي ساتزوجها وتعلمين كم رفضت من واحدة ممن عرضتهن على امي واختي سلوى. ثم تطلبين مني الان ان اتزوج واحدة لااعرف عنها شيء؟
فنظرت رباب نحوه بأبتسامة ماكرة وهي تقول: لاتعرف؟

فأكمل بأحراج: اعني. أ. أنا لم اتحدث اليها من قبل ولم نلتقي ولم نخض اي حديث. ماالذي قد اعرفه عنها؟ وفوق هذا كله هي بالتأكيد ستكرهني مادمت من اسرة مراد.
ياعزيزي. انا لااطلب منك ان تبقى معها الى الابد. انا فقط اطلب منك انقاذها مما سيقحموها به.
وكيف ذلك؟

اسمع، انها دية. اي لن يطلبو منك مهر ولاتجهيز اي شيء اي لن تخسر ولا ورقة نقدية واحدة. وانت قلت انها بالتأكيد ستكرهك وانا اقول ان هذا الامر من مصلحتنا. ان كرهتك فلن تغار عليك وسيسعدها ان ترتبط بغيرها، لذلك متى وجدت الفتاة المناسبة والتي تعجبك تزوجها.
وهي؟.

هي ستبقى في شقتك كزوجة لك. على الاقل ستعيش في منزل واحد من آل مراد بدل ان يزوجوها من حمزة ويجعلوها تعيش هنا بين افراد عائلة مراد جميعهم، واما الزوجة الجديدة التي ستتزوجها فدعها تعش معنا هنا او استأجر لك شقة اخرى، اعتبر نفسك لاتمتلك شقة وعش بشقة ايجار...
مط آدم شفتيه لايعرف بالضبط بماذا يجيب فالامر يبدو معقداً فقالت رباب بنبرة متوسلة اكثر:.

ارجوك ياعزيزي. تكلم مع جدك اليوم لأنهم في المساء سيجتمعون ويتخذون القرار النهائي بتزويجها لحمزة وسيعلمون حمزة بالامر، ولكن بما انك الحفيد الاكبر فأن الافضلية ستكون لك وسيوافقون على اعطائها لك ان قلت لهم انك تريد الزواج منها.
مرر آدم اصابعه بحيرة من بين خصلات شعره القصيرة ثم نظر نحو جدته ولما رأى نظراتها المشفقة والمتوسلة تبسم وقبلها من قمة رأسها وقال:
لاتشغلي بالكِ ياحبيبتي. لن يحصل سوى ماتريديه...

اغدقت عليه بوابل من الشكر والدعوات فهي تعرف قلب حفيدها الابيض وتعلم انه سيشاركها شفقتها وعطفها هذا بخصوص ريم ولن يخيب ظنها ابداً...

موافقة، نطقتها من بعده. كلمة سهل على لسانها ان يلفظها ولكن صعب على عقلها ان يتقبلها. موافقة ولكنها ليست موافقة، تجلس على مقربة منه بهدوء ولكن كيانها متزلزل ورياح سوداء تعصف بروحها...
هو وسيم، هو متيسر الحال. هو انيق، هو مثالي. ولكنها تكرهه بشدة، لايمكن لقلبها ان يحبه مهما بدا مثالياً، فبالنهاية. هو ينتمي لأسرة مراد!.

انتهى المأذون من عقد قرانهما دون ان يكون هناك اياً من ملامح الفرحة على وجه العريسين او اسرتيهما!
طوقت اصبعها بخاتم يحمل اسمه مثل الخاتم الذي يحمل اسمها حول اصبعه. ولكنها لاتستشعره في اصبعها. تشعر انه حبل الاعدام يحوط رقبتها بقسوة يكاد يسلب روحها منها!

ما ان انتهى عقد قرانهما حتى خرج آدم من عندها دون حتى ان يمنحها نظرة خاطفة ليرى على الاقل وجهها الذي لم ينظر اليه ابداً منذ دخوله. خرج بأسرع وقت ممكن وقاد سيارته بأسرع مايمكنه مبتعداً قدر الامكان عن المكان الذي تتواجد فيه...
اما هي فكانت تبكي ولكن تبكي بصمت وبملامح جامدة. ساكنة بشكل غريب. هدوء لايحمل بعده اعصار كالعادة، بل يحمل انكسار وهزيمة، يحمل قلة حيلة، وخضوع!.

مضى يومان على عقد قرانهما. لم تتوقع رؤيته ألا بعد ان يحددو موعد انتقالها نحو شقته ولكنها تفاجأت اليوم بنسرين تخبرها ان آدم ينتظرها في الصالة. حدقت في وجه اختها بعدم استيعاب وهي تطرف بعينيها عدة مرات تحاول او توقظ نفسها ان كانت تحلم!
لوحت لها اختها بيدها امام وجهها وهي تقول:
ريم. هل انتِ معي؟
فأجابت ريم فوراً بأقتضاب:
ماذا يفعل هنا؟
رفعت نسرين كتفيها بعدم معرفة وقالت:
لاادري، اراد رؤيتكِ فحسب.

بطبعها العنيد وشخصيتها المعتادة كانت سترفض. ولكنها كلما ارادت ان تعترض على شيء تذكرت انها مجرد دية. وتزلزلت كلمات جدها بوجوب خضوعها لزوجها وكأنها جارية كي لاتتسبب بالعداء بين الاسرتين مجدداً. هي لعبة بيديهم. اذاً فلتشترك معهم في اللعبة ولتجيد لعب دورها جيداً.

لم تتعب نفسها حتى برمق شكلها في المرآة او ان تعدل من هيئتها. نزلت كما هي. ولكن حتى بأهمالها هي جميلة، كانت ترتدي فستان اسود قصير يغطي ركبتيها ويكشف عن باقي ساقيها وترفع شعرها نحو الاعلى بذات الطريقة العبثية من دون ترتيب ولاتزال اثار الدموع ترتكز بأصرار عند بوابة عينيها...

كان يقف في الصالة يلعب مع سامي ويمازحه حتى التفت نحو صوت خطواتها فوق السلم. تطلع فيها بتركيز هذه المرة وهي تنزل بكل رصانة وهدوء ولم ترفع نظرها نحوه ألا بعد ان اكملت نزول السلم.
منحته نظرة سريعة ثم التفتت نحو سامي قائلة بعطف ولكن بنبرة آمرة:
عزيزي. اصعد نحو غرفتك...

لوح سامي بيده مودعاً لآدم الذي بادله ابتسامة اعرض وتلويحة اقوى مما اثار حنق ريم لسرعة الانسجام بينهما في الوقت الذي تريد ابعاد سامي قدر الامكان عن هذه العائلة. صعد سامي نحو غرفته واقتربت ريم بضع خطوات من آدم فقال فوراً ببرود:
لاتقلقي. لاافضل طعم الاطفال. لذلك انا لن اكله لو بقي معي.
اجابت بهدوء واقتضاب وكأنها لم تسمع ما قال. او بالاصح لم تبالي. :
قالو لي انك تريدني؟

تطلع قليلاً نحو ملابسها ثم اشار اليها بذقنه وهو يقول:
لما ترتدين الاسود؟
كتفت يديه امام صدرها ورفعت احد حاجبيها بحدة وهي تقول:
ماذا يرتدون عندكم في حالة العزاء؟
ففهم الى انها تلمح لأمر زواجهما فلم يعلق بشيء سوى بزفير طويل يعبر عن تضايقه، بالتأكيد هناك ايام صعبة تنتظره مع هذه المخلوقة المعقدة التركيب!
قال بعد صمت استغرق ثواني منه:
غيري ملابسك. سنخرج.
رفعت زاوية فمها بأبتسامة ساخرة استفزته وهي تقول:.

أأنت جاد؟ هل سنتصرف الان كخطيبين؟
فقال هو بأستفزاز اكبر. فالبادي اظلم:
ألسنا كذلك؟ ولكن ان اردتي ان نتصرف كحبيبين فلست امانع.
انزلت يديها من امام صدرها بحدة وقالت:
ألتزم حدودك!
رفع كتفيه بلامبالاة وقال:
انتِ من بدأتِ!
ثم اشار لها بأصبعه ان تستدير وهو يقول:
والان اذهبي لتغيري ملابسكِ رجاءاً فلدي مشاوير اخرى لااريد التأخر عليها.
لم يطلب منك احد القدوم. يمكنك الذهاب نحو مشاويرك.

هذه المرة اشار لها بأصبعه ان تستدير عائدة نحو غرفتها من دون ان يتكلم، كادت ان تقتله. ان تصرخ به وترمي الخاتم بوجهه وتنتهي من كل هذه المسرحية الهزلية. ولكنها لاتستطيع. فما دام هذا الخاتم بأصبعها هي ستضمن حماية سامي، منحته نظرة نارية حارقة قبل ان تستدير وتصعد السلم نحو غرفتها. وبالطبع عيناه تتبعاها بأبتسامة الى ان اختفت عن ناظريه...

دقائق معدودة. بل ربما هي ثواني حتى نزلت اليه مرة اخرى. لم يتغير من هيئتها شيء سوى ملابسها التي اختارهم سوداء ايضاً وقد تفضلت على شعرها ورتبته قليلاً. اول ماانهت نزول السلم سار يسبقها الى السيارة من دون كلمة مما اجبرها ان تتبعه، كان لبقاً بما فيه الكفاية ليفتح لها الباب الامامي قبل ان يستدير نحو بابه هو ليركب. ولكن كان لبقاً بشكل يثير الاستفزاز فعندما فتح الباب فتحه وهو يمر من جانبه من دون ان يتوقف ولم يبقى ممسكاً به وينتظر صعودها بل فتحه وسار وكأنه شيء معتاد على فعله ولايخصها به وحدها. ركبت بالمقعد المجاور له واغلقت بابها بقوة. فلم يبالي بأستيائها، وسارت السيارة والصمت يحتل الاجواء لاشيء يخترقه سوى صوت الاغنية التي يشغلها آدم والتي يبدو من حركات اصابعه فوق المقود انه منسجم بشدة مع اللحن والكلمات وكأنه يخبرها ان عقله ليس معها على الاطلاق وانه لن يبالي ان كانت مقتضبة الجبين او عصبية. فهذه هي الطريقة الوحيدة لترويض هذه المهرة العنيدة!

دقائق اخرى مضت عليهم حتى اوقف آدم السيارة امام مركز للتبضع النسائي. قطبت ريم حاجبيها بأستغراب وقالت:
ماهذا؟
قال ساخراً:
هذا؟ انها صيدلية!
زفرت بضيق ثم قالت:
هل تستهزأ؟
سؤالك سخيف لما لا استهزأ؟ ألا ترين انه مركز تبضع؟
اعني ماذا نفعل هنا؟!
رفع حاجبيه بسخرية وهو يجيب:
بمركز التبضع؟ نشتري بعض الادوية بالطبع!.
فهتفت به بضيق:
هلا تحدثت بجدية قليلاً؟
ارتدى نظارته الشمسية وهو يفتح باب سيارته ويقول:.

اسألي سؤالاً معقولاً وسأجيبك بجدية.

ثم تركها ونزل ووقف عند بابه منتظراً خروجها الذي استغرق عدة ثواني بينما تصارع عقلها وكبريائها ثم واخيراً نزلت. اول مااغلقت بابها سار يتقدمها بأتجاه المركز وهي تتبعه بصمت ولكن بوجه يحمل كل معالم المعارك والصراعات تكاد تنقض عليه وتقتله ولكنه كان هادئاً جداً ولم يكن يبدو مبالياً بالمحاربة التي بجانبه. هو كان يأمر بشيء ويجبرها ان تنفذه بطريقة او بأخرى ولايهمه شيء اخر...

دخلو نحو المركز واول ماتوجهو اليه هو محل للملابس النسائية وبالطبع كانت من الملابس الفاخرة التي تجذب عيون النساء حتى وان كن في مصيبة او حتى في معركة. ولكن بالطبع ليس ريم.
بقيت صامتة دون ان تقول شيء او حتى ان تجذب نظرها قطعة ملابس واحدة. اقترب منها وقال:
ألم يعجبك شيء؟
نظرت اليه بطرف عينها بسخط ثم ادارت بصرها بعيداً عنه وقالت بتأفأف:
لست مهتمة.
لكن عليكِ ان تشتري.
التفتت اليه دفعة واحدة وقالت:.

هل هذا اجبار ايضاً؟
ليس اجبار. ولكن. اعني. ألا تفعل الفتيات هذا؟ يقمن بتجهيز انفسهن قبل الزواج ويقمن بالتبضع؟
ولأول مرة منذ لقائهما يراها تضعف فجأة وتمنحه نظرة غريبة ممزوجة مابين شكوى والم! نظرة لم يفهم سببها ألا لاحقاً. رأى الدموع تتجمع فجأة بعينيها وقالت له بصوت ضعيف ينبأ عن وجود غصة في حنجرتها:
لكني لست مثل باقي الفتيات، انا دية، ام انك نسيت؟

ثم تركته وخرجت من المحل كي لايشاهد بقية دموعها. راقبها بتأسي من خلال زجاج المحل وهو يشاهدها ترفع يدها بين ثانية واخرى نحو وجهها تصارع من اجل ابقاء دموعها داخل مقلتيها، فرغم ماتدعيه من برود! ورغم ماتظهره من قسوة! ألا انه احس انه بداخل هذه الحجارة الصلدة لاتزال هناك طفلة مكسورة تنتظر من يساعدها!

بقيت ريم خارج المحل ولم تدخل مرة اخرى ولكنه لم يتبعها ألا بعد 15 دقيقة وقد استعان بعاملات المحل كي يختارن له الملابس حسب اذواقهن كفتيات بعد ان اشار لهن عبر زجاج المحل لريم ليستنتجن قياسها، خرج بعدة اكياس لم تجذب نظرها ولم تبالي بهن. ولكن هذه لم تكن نهاية الرحلة. توجهو لاحقاً الى محل الاحذية وحرص على دخولها معه ولكنه لم يوجه لها اي حديث كي لايبكيها مرة اخرى وتخرج بل جعلها تبقى معه وتابع نظرات عينيها. تابعها بتركيز. هي فتاة. والتبضع بالنسبة لهن مثل ادمان المخدارت!

فمهما اراد المدمن مقاومتها سيضعف في النهاية، ستجذب نظرها قطعه. وستبقي نظرها عليها مطولاً قبل ان تنتقل ببصرها الى المجاورة. وكل قطعة ابقت ريم عينيها عليهم لمدة تزيد عن الثانيتين كان يشير لعامل المحل سراً ان يغلفها لهم كي لاتلاحظه وتتعمد اشاحة نظرها، تفاجأت انه كان واقف بصمت ولكنه خرج بخمسة اكياس تحوي عدة احذية لم تعرف اي احذية اختار ومتى فعل ذلك!.

محل واثنين وثلاث استخدم آدم هذه الطريقة الى ان خرج من المركز بمشتريات هائلة ربما لم تكن بحاجة الى نصفها!

جلست في المقعد الامامي تنتظر قدومه بينما يضع المشتريات في صندوق السيارة. دخل من بعدها ونزع نظارته ليمسح بمنديله اثار التعرق على وجهه من الحر والاجهاد فهو ليس معتاد على تبضع طويل هكذا. تبضع طويل وصامت! كان واضحاً بالنسبة لها صوت انفاسه الحادة. لاتعلم أهو من تعب ام من غضب. وليست مبالية ان تعرف في الحقيقة! ادارت بصرها لجهة يمينها تحدق من نافذتها وعقلها لايرحمها من صدى ذكرياتها مع كل شيء تفعله.

(انظر لهذا الفستان هزيم أليس اجمل؟ ام ان الزهري احلى؟!
ريم. اقسم لكِ ان الله لم يخلقني فتاة من قبل.
لاتكن لئيم وهيا ساعدني بالاختيار.

فجأة صمت هزيم. انشغل هزيم، دارت الدنيا بهزيم. وهو يحدق بذهول بتلك موظفة البيع في المول تتعرض للتأنيب من مديرة عملها بسبب تأخرها ولاتجرؤ حتى على رفع بصرها من فوق الارضية واصابعها الرقيقة تكاد تتهشم من كثرة توترها وهي تعصرهم ببعضهم ووجها يشبه اشارة المرور الحمراء من توهجه بالخجل وبين لحظة واخرى تكاد تبكي رغم ان المديرة لم تكن عصبية جداً انما فقط تؤنبها كي لاتكررها...

قطع مد بصره وقوف ريم امامه فجأة وهي ترفع الفستانين امامه وتقول:
الفساتين من هذا الاتجاه ياسيد.

رفع كفه ودفع ريم من وجهها بمزاح عن طريق بصره ليرى تلك الرقيقة لاتزال واقفة بمكانها بحرج بعد ان ذهبت مديرتها فأعادت بخجل بعض خصلات شعرها الذهبية الى الوراء فأمسك هزيم ريم من يدها فوراً وسحبها بسرعة بأتجاهها وهو مبتسم من دون سبب وريم تهتف به بحنق لسحبها بتلك الطريقة هي وفساتينها يكاد يوقعها. واخيراً وقفو امام الموظفة التي رفعت بصرها اليهم بأرتباك من وقوفهم المفاجئ امامها وبتلك الطريقة الفوضوية، ميسم، كانت قطعة اسمها الصغيرة المعلقة فوق صدرها هي الشيء الاول الذي جذب فضول هزيم ليعرفه...

منحتهم ميسم ابتسامة هادئة وهي تقول:
هل اساعدكما بشيء؟
دفع ريم اليها وقال:
اجل لو سمحتي، اريدك ان ترحميني اتوسل اليكِ.
التفتت اليه ريم وهي ترفع حاجب وتنزل اخر بشكل مسرحي. منذ متى وهزيم يحب التكلم مع الفتيات بطريقة مرحة هكذا؟ اتسعت ابتسامة ميسم اكثر وهي تدير بصرها بينهما وتقول:
انتما متشابهين كثيراً. أأنتما اخوة؟
سحب هزيم ريم المذهولة في الوسط من كتفها واشار فوق وجهها بسبابته وقال:.

بل اسوأ. نحن توأمين، لكن انا اجمل. الجميع يؤكد هذا.
دفعته ريم عنها واسندت كفها فوق خصرها وقالت بسخرية:
من الاحمق الذي قال هذا لك؟!
امي.
وضعت ريم يدها فوراً فوق فمها بفزع فأطلق هزيم ضحكة عالية وهو يقول:
سنعود للمنزل واخبرها انكِ قلتي عنها حمقاء.
ضربته فوق كتفه بحنق وقالت:
انا قلت احمق وليس حمقاء، وثانياً امي تؤكد دائماً انه لايوجد اي اختلاف بيننا ايها الكاذب.

لم يعلق هزيم بشيء على جملة ريم بل ادار بصره فوراً بأتجاه الضحكة الخفيفة التي اطلقتها ميسم على شجارهما الطفولي، ثم ادارت بصرها نحو ريم وقالت:
بماذا اساعدك انستي؟!
رفعت ريم الفساتين امامها وقالت:
أيهم تظنيه يلائمني اكثر؟
حدقت ميسم بالفستانين قليلاً بحيرة فكلاهما كان جميلاً ثم قالت اخيراً:.

كلاهما سيليق عليكِ بشكل رائع. مثلاً الفيروزي سيبرز على جسدك بشكل اجمل لأنكِ صاحبة بشرة بيضاء، ولكني افضل ان تختاري الزهري. فأنتي صاحبة وجه طفولي وسيغدو الزهري عليكِ احلى، )
قطعت ذكرياتها فجأة وهي تسأل آدم بأقتضاب بينما لاتزال تدير بصرها تتطلع من نافذتها المغلقة:
لما احضرتني الى هنا؟
التفت اليها بأستغراب بعد هذا السكون الطويل الذي احتل السيارة ثم اعاد بصره نحو الطريق وقال:
لقد اخبرتكِ بالسبب مسبقاً.

التفتت اليه وقالت:
أيمكنك ان لاتفعل هذا مجدداً؟
ولماذا؟
انا ايضاً اخبرتك بالسبب مسبقاً، ودعنا لانتقمص دور المخطوبين اكثر من اللازم.
تنهد بضيق من عنادها وكبريائها ثم قال:
ان كانو هم قد سلبو حقكِ فليس شرط ان افعل هذا انا ايضاً معكِ...
تطلعت نحوه بوجه جامد وجبين مقتضب لعدة ثواني ثم قالت:
دور البطل الصالح لايليق بواحد من اسرة مراد. لذلك لاتمثله رجاءاً. فأنت تبدو مثيراً للسخرية فيه!

فجأة تحول هذا الممازح اللطيف الى رجل جاد. رجل يختلف تماماً عمن قابلته قبل ساعات. اوقف السيارة بشكل مفاجئ وقال وملامحه طغت عليها البرود والاستياء:
ريم. دعيني اوضح لكِ بعض الاشياء دامنا لانزال في البداية بدل ان تأخذكِ مخيلتكِ نحو استنتاجات سخيفة! اولاً، انا لااطالبك بالحب. ولااطالبك ان تتعاملي معي كزوجة ولااطالبك بأي شيء، لذلك لاتدعيني اغير رأي واعاملك ك دية فعلاً.

ثم زاد من اقتضاب جبينه وقال وهو يشدد على كل حرف من حروفه:
وثانياً. انا لاافعل هذا كي انال رضاكِ. فكلانا يعلم ان مشاعر الرضا والمودة من المستحيل ان تجمع بين اثنين احدهما ينتمي لأسرة مراد والاخر لأسرة ياسين! نعم انا لست مجبوراً على فعل هذا. ونعم لن يحاسبني احد ان لم افعله، ولكن هذا لن يغير واقع انه ومنذ يومين انتي اصبحتي من مسؤوليتي، وانا لااتهاون بمسؤولياتي ابداً!.

وقبل ان يترك لها فرصة الاجابة اشاح وجهه عنها خاتماً بهذا حديثهما وشغل السيارة وانطلق بها بسرعة بينما هي اعادت وجهها مرة اخرى نحو نافذتها لتستغرق بذكرياتها بعيداً عنه...
دقائق قليلة ووصلو نحو المنزل. وبالطبع وبكل برود فتحت بابها ونزلت من دون توديعه او حتى ان تكلف نفسها انزال اكياس المشتريات بل تركت هذه المهمة له وللخادمة التي اتت مسرعة وهي تشاهده يحمل هذا العدد من الاكياس...

صعدت نحو غرفتها بسرعة والقت بحقيبتها بعصبية فوق طاولة تزيينها وتناولت علبة المهدئات وابتلعت قرصين منها وارتمت فوق سريرها تبعد نفسها كالعادة عن واقعها المشؤوم!
لم تستيقظ ألا بعد ان نزل الظلام واقترب وقت العشاء. قامت بتكاسل نحو حقيبتها وسحبت هاتفها لتجد رسالة من رقم مجهول:
غداً سأمر عليكِ في الثامنة والنصف صباحاً فتجهزي، آدم.

ولولا انها تحرص على الاحتفاظ بشدة على هاتفها هذا لأنه يحتوي على رسائل هزيم لكان ضحية الان لغضبها ولهشمته قطعاً صغيرة! ولكن طاولة تزيينها كانت هي ضحية هذا الغضب فأرتمت كل ادواتها ارضاً من ضربتها القوية التي منحتها لهن. وبالطبع قرص مهدئ اخر قد اخذته لتعود نحو سريرها لترتخي اعصابها حتى وان لم تنم، ولكنها نامت بسهولة مرة اخرى!

استيقظت بحدود العاشرة على اصابع رقيقة تداعب وجهها، فتحت عينيها بأبتسامة وهي تعرف من ستشاهد. حملته دفعة واحدة من فوق الارض وانامته بجوارها وبدأت بدغدغته واغداق وابل من القبل فوق وجنتيه وهو يطلق ضحكاته الطفولية التي تعشقها قالت بعد ان منحته وقت استراحة قصير ليهدأ من ضحكاته:
لما لاتزال مستيقظاً ايها الشقي؟
قبّلها سامي برقة من خدها وقال:
جئت اتمنى لكِ ليلة سعيدة عمتي.
ضحكت وهي تعانقه اكثر وقالت:.

انت الوحيد في العالم الذي توقظ احدهم من نومه لتقول له تصبح على خير.
دخلت ميسم في هذه الاثناء بأبتسامة احراج وجلست على حافة سريرها وقالت:
اسفة عزيزتي. ولكن تعرفين طبع سامي العنيد! لم يرضى النوم مالم يأتي اليكِ اولاً.
قبّلته ريم من رأسه واستنشقت عبق خصلات شعره الزكية وهي تقول:
هو الوحيد المسموح له بأي وقت ان يوقظني. كم امير لدي انا؟
فقالت ميسم فوراً بأبتسامة حماسية:
بالمناسبة. ملابسك واحذيتك رائعة!

التفت ريم اليها دفعة واحدة وقد اختفت الابتسامة من وجهها فجأة فقالت ميسم فوراً:
اسفة، لم نقصد فتحها اقسم لكِ. ولكن تعرفين فضولنا انا ونسرين...
جلست ريم وهي لاتزال تدثر نصف جسدها بالغطاء واعادت شعرها المبعثر كله بحركة واحدة الى الوراء ثم قالت:
ليس من اجل هذا عزيزتي. انتي فقط قد ذكرتني!
مدت ميسم يدها بهدوء وقبضت على اناملها برقة وقالت بأبتسامة:.

لااحد يكره اسرة مراد اكثر مني، ولكن هذا الشاب سيكون زوجك ياعزيزتي، حاولي ان تكوني اكثر تفاهم معه بدل ان تنقلب حياتك الى كتلة من المشاكل وتسوء اكثر مما هي سيئة. ومن يدري. قد يكون شاب لطيف عكس اسرته!
فقال ريم بحدة:
وان كان لطيف ياميسم؟ أتريديني ان احبه مثلاً؟
ثم هتفت بها بعصبية وهي تكمل:
انه من اسرة مراد ياميسم ام انكِ نسيتي من هم اسرة مراد؟

سحبتها ميسم بأتجاهها بهدوء وعانقتها. فهي تعرف ريم جيداً. فخلف كل عصبية ضعف. وخلف كل دموع احتياج. وخلف كل شجار استغاثة، شيء لايفهمه اي احد عن ريم فنبذوها بعيداً بسبب اسلوبها ولم يقف احد بجانبها بالوقت الذي احتاجت فيه الى الجميع وقررو تجنب غضبها دون ان يعلمو ان هذا توسل لأي مساعدة!

منذ وفاته لم تعد تثق بأحد وقررت ان لاتعتمد على احد او تظهر ضعفها امام اي شخص. ولكن ميسم هي الوحيدة من كانت شبه متفاهمة معها. وريم كانت تراها العطر الوحيد الذي لايزال عالق بالحاضر من ماضي هزيم، تشبهه نوعاً ما وبيضاء القلب مثله، ولاتفضل احد على ريم مثل ما كان يفعل!
سمحت ريم لدموعها ان تنساب بين يدي ميسم فأشارت ميسم لسامي بلطف ان يذهب ليلعب مع هيلين بدل ان يرى عمته بهذه الحالة.

اول ماخرج سامي قالت ريم بنحيب:
لااريد ان اتزوج بهذه الطريقة ياميسم، انا لااحبه. لااطيق النظر في وجهه. كلما رأيته فأني اراه قاتلاً حتى وان لم يكن هو من قتل اخي، كيف سأعيش معه؟ كيف سأذهب لتلك الاسرة وانا لااطيق سماع اسمهم. كيف سأتحمل الجحيم ياميسم؟
مسحت ميسم برفق فوق شعر ريم وقالت:.

لابأس عليكِ حبيبتي، لابأس، كل شيء سيكون بخير. والايام ستتغير يوم بعد يوم والحياة ستكون افضل، وسنكتشف ان كل هذه المعاناة هي مقدمة لبداية جديدة. وامل جديد، فقط كوني اقوى!.
كلاهما يعلم ان الحياة لن تتغير على الاطلاق وان الغد لن يكون اجمل. وان كل شيء لن يكون بخير. ولكن هذا الكلام كان كالحقنة المهدئة الني تجعل الحياة تستمر لمدة اطول قليلاً، لنشعر انه لايزال هناك انسان بداخلنا لم يمت بعد!.

نزل الليل بظلامه ووحشته عليهم. غط الجميع بنوم عميق عداها. فبعد الساعات الطويلة التي نامتها من المستحيل ان يقترب النوم من عينيها حتى وان اخذت علبة المهدئات كلها، نزلت نحو المطبخ لتعد لها بعض الطعام فهي لم تأكل شيئاً منذ الصباح فأكتفت بشطيرة باردة كانت متروكة في الثلاجة، حدقت حولها. حدقت بدموع، هنا جلست معه. هنا مزحو. ذلك خياله يمر. ذاك صدى ضحكاته، سينتشلونها جبراً من وسط كل هذه الذكريات بعد اسبوع واحدة ويبعدوها عنه للأبد!

(امي انظري الي، امي انا لاازال حية، انا لم أمت بعد. ).

جملة صدحت في عقلها من ماضي الايام القاسية. عن امها التي لم تنظر اليها بعد وفاة اخيها مدة سنة كاملة كي لاترى وجهه في شكلها. عن ابيها الذي انعزل دائماً وسط عمله ليجبر نفسه على النسيان والتماسك دون ان يفكر بأبنته وتهشمها وهو يعلم بمدى ارتباطها بأخيها. واختها التي انشغلت بأسرتها. وميسم التي احتاجت بدورها الى من يقف بجانبها مثلها. وهي. لم تجد من تلتجأ اليه فالتجأت الى الانعزال. وابتعدت عن الواقع، وادمنت المهدئات. ودمرت نفسها ببطئ، واصبحت باردة المشاعر. قاسية. كثيرة البكاء، ميتة بجسد لايزال حي!.

والان يطلبون منها التماسك اكثر، اي تماسك هذا الذي لاتزال تملكه؟ والى متى ستتحمل؟ وكيف هي طبيعة الايام القادمة التي يحملها اليها القدر مع ذلك ال آدم الذي كان واضحاً انه معقد التركيب ولايمكن فهم تصرفاته بسهولة!
بدأ الظلام ينقشع والنور يبرز نفسه بفخر من بين غيوم الليل المجتمعة فأنسدلت عيون ريم بنوم لايقترب منها ألا وقت الفجر بعد ان تأخذ بعض حبوب المهدئ بالطبع!

لم تكلف نفسها بضبط منبه هاتفها لموعد لم تكن تهتم به من البداية فكانت النتيجة ان يحضر آدم الى المنزل ليجدها تغط بنوم عميق ولااحد من اسرتها يعلم بأمر موعدهم ليوقظوها مسبقاً فأستقبلته والدتها في الصالة واشارت لنسرين ان تذهب لتوقظها فوراً. دخلت نسرين بسرعة الى غرفتها وهزتها بقوة من كتفها ففتح ريم عينيها بتثاقل والتفت اليها وقالت بنبرة جافة:
ماذا هناك؟
قالت نسرين بلوم:
ألا تعلمين ان آدم قادم؟
من؟

ابعدت نسرين الغطاء عنها دفعة واحدة وهتفت بها بعصبية:
قومي ايتها المهملة انه ينتظر في الصالة ويبدو انه انزعج لأنه لم يجدكِ جاهزة ولاتزالين تغطين بنومك غير مبالية بموعدكما!
مسحت ريم وجهها بتأفأف لتتنشط قليلاً وتبعد اثار الدواء عنها وقامت لتكون كالعادة الابنة المطيعة التي تسمح للجميع بالتحكم بها!

نزلت نسرين وانضمت لأمها وآدم في الصالة بعد ان قدمت له بلقيس فنجان قهوة تشغله به قليلاً بينما تنزل ريم وشعرت باحراج شديد وهي تراه بين ثانية واخرى يتطلع في ساعته فكان واضحاً ان لديه موعداً سوف يتأخر عليه. قالت بلقيس فوراً موجهة حديثها لنسرين:
عزيزتي. هل تأكدتي من استيقاظها؟
تأفأفت نسرين بضيق وأحراج لايقل عن أحراج امها وقالت:
اجل. ستنزل الان.
فأشترك آدم بالموضوع قائلاً:.

ألم تقرأ رسالتي البارحة؟ لقد كنت حريصاً على وصولها.
فأجابته نسرين من دون ان تدرك سوء جملتها:
بالتأكيد قد قرأتها ولكنها تنسى نفسها بالنوم بسبب ذلك السم الذي.
وفجأة قطعت حديثها بنحنحة من والدتها وهي تجحظ لها بعينيها تحذرها بأن تنتبه لكلامها فصمتت نسرين فوراً بدل ان يزل لسانها اكثر. ولكن الصمت لم يحتل عقل آدم بل اصابته نسرين بالتشوش والضوضاء! هناك سر ما بخصوص تلك الاميرة الصامتة لم يكتشفه بعد!

نزلت بعد15 دقيقة بعد ان استحمت بسرعة وغيرت ملابسها. قام من مكانه بجبين مقتضب وودع بلقيس ونسرين وسار خارجاً غير مبالياً بألقاء التحية عليها ولاحتى هي فعلت ذلك او حتى كلفت نفسها لتلقيها على امها واختها...
اول ماخرج آدم وريم دخلت ميسم الى الصالة وكان يبدو عليها التجهم واول ماجلست قالت:
هل ستكثر زيارة ابن اسرة مراد الينا؟
رمقتها بلقيس بنظرة عطف وهي تجيب:
يبدو ان لديه عمل مع ريم.
ثم اكملت حديثها بعطف اكبر:.

اعلم ان الامر صعب عليكِ عزيزتي. انه كذلك بالنسبة لنا جميعاً. ولكن علينا ان نكون لطفاء معه ونستقبله من اجل ريم. فبالنهاية هو سيكون زوجها ونحاول ان نكسبه لعله يسعدها. ولعله يكون مختلفاً عن اسرته ولايؤذيها.
ثم التفتت بحدة نحو نسرين واكملت:
وليس ان نخبره ان ابنتنا لم تستيقظ باكراً بسبب ادمانها على المهدئات التي تبقيها نائمة طوال الوقت...
تأفأفت نسرين بضيق وهي تقول:.

وماادراني امي لقد زل لساني. وثانياً هو سيكتشف الامر عاجلاً ام اجلاً بعد ان تتزوجه.
مطت بلقيس شفتيها بأقتضاب ثم تركتهم وقامت نحو المطبخ وبعد دقائق قليلة قامت نسرين لتتفقد الاطفال بينما بقيت ميسم وحدها، تحدق بعمق من خلال نافذة الصالة لتسحبها ذكرياتها لسنين مضت، سنين كانت ايام فيها الحياة لاتزال جميلة!
(مرحباً.
التفتت ميسم بتفاجئ فقلما تسمع صوت رجولي داخل محل للملابس النسائية. تبسمت بهدوء وهي تقول:.

اوه اهلاً، انت ذلك التوأم صحيح؟
رفع هزيم حاجباً وانزل اخر بشكل مضحك وهو يقول:
ذلك التوأم؟ هذا اكثر الاوصاف دقة سمعته بحياتي.
ثم اكمل فوراً:
انا هزيم.
اهلاً سيد هزيم. هل اساعدك بشيء؟
ضيق مابين عينيه يدعي التفكير العميق ثم قال:
اظن ان الفيروزي كان سيكون مناسباً اكثر فهذا سيجعلها تبدو شابة ناضجة بدل من طفلة.
عفواً؟
انا اتحدث عن الفستان الذي اشترته اختي البارحة. ألن يكون الفيروزي افضل؟

أذ كنت تريد اعادته فلابأس سيدي سأستبدله لك.
لااريد اعادته انها سعيدة جداً به.
فقالت بأستغراب:
وان كانت هي سعيدة به. مامشكلتك انت بالضبط؟
رفع كتفيه بشكل طفولي وقال:
انا ابدي رأي فحسب.
رفعت حاجبيها مدعية الاقتناع وهي تقول:
أها، ولكن ألن يكون افضل لو انك ابديت رأيك هذا لأختك؟ فبالنهاية هي صاحبة الفستان!
حدق في وجهها بكل غباء. سؤال لم يحضر جوابه مسبقاً، فتبسم واومئ برأسه موافقاً وهو يقول:.

اظنك محقة. سوف اخبرها.
كتمت ابتسامتها وهي تقول:
اجل. اظن ان هذا افضل!.
ولكن هذا لم يكن اليوم الاخير لظهوره امامها في المتجر فجأة، بل تلتها ايام وايام عديدة كل يوم يتعذر لها بعذر كي يتحدث معها لأطول فترة ممكنة. اليوم اتى ليعرف صناعة الفستان الوردي وغداً يريد معرفة صناعة الفستان الفيروزي واليوم الذي تلاه يسألها عما أذ كان من الافضل ان يشتري لها الفستان الفيروزي، وهكذا!

اتى اليوم السابع وظهر هزيم امامها مجدداً فوضعت مابين يديها جانباً فوراً وكزت على اسنانها بحنق وهي تهمس له كي لايسمعهما احد فوراً من قبل ان يتكلم حتى:.

سيد هزيم، الفستان الفيروزي والفستان الزهري كلاهما جيدان وكلاهما من الماركة ذاتها اي مصيبة هذه التي جعلتني ابدي رأي في فستان اختك انا كان من المفترض ان اغلق فمي وادع الاختيار لكما، انه مجرد فستان ياسيد هزيم مجرد فستان! لايحتاج الى هذا القدر من التدقيق والتساؤل. لذلك ارجوك كف عن القدوم الى هنا دون ان تشتري شيئاً وألا ستظن مديرتي اني اقصر في عملي وتتهمني انك تأتي من اجلي.

كتف يديه امام صدره وتبسم قائلاً:
ستكون محقة تماماً في اتهامها!
عفواً؟
سحب فستان من دون ان ينظر اليه حتى وقال:
سأشتري هذا. هكذا لن يبقى لكِ ولمديرتك اي عذر!
سحبت منه الفستان بعصبية وذهبت لتضعه له في الكيس...

وها هو يوم اخر يحل دون ان يتعب هزيم نفسه في التفكير ليتعذر بعذر ما فهو قد وجده البارحة. اصبح يأتي كل يوم كي يشتري فستان جديد، ريم سعيدة بالفساتين اليومية الجديدة التي يحضرها لها هزيم، ومديرة المتجر سعيدة بهذا المشتري الذي يدر عليها الاموال بقدوم يومي. ولكن ميسم كانت مستاءة بكيمة الاموال التي يبذرها فقط من اجل رؤيتها. حان اليوم الثامن عشر ودخل هزيم كالعادة الى المتجر واصبحن الموظفات يعرفنه ويدركن جيداً لمن هو قادم ويبدأ التهامس ونظرات الحسد والضحك على ميسم الذي وجدت الامر مزعجاً حقاً فهي فتاة جادة وتكره هذه الاساليب!

اقترب من صندوق الدفع حيث تقف هي ولكن قبل وصوله قامت بالأشارة لأحدى زميالتها ان تأتي لتبادل الاماكن معها. وصلت الاخرى لتستقبل هزيم ولكنه فاجئها وهو يقول بوجه مقتضب:
من فضلكِ نادي للأنسة ميسم. فأنا معتاد على الشراء منها.
تبسمت البائعة بعملية وهي تقول:
الامر سيان ياسيدي ولايوجد مشكلة وكذلك الامر لايحتاج الى اختصاصية يمكنني تدبر الامر.
أستنادين الانسة ميسم ام تفضلين ان تنادي المديرة لأتفاهم معها؟

ازدردت البائعة ريقها بخوف فلا هي ولا اي واحدة غيرها من الموظفات تود ان تدخل في مشكلة مع المديرة ويتم اتهامها بالتقصير مع الزبائن لاسيما زبائن اثرياء مثل هزيم لأن مصيرها سيكون الطرد.
انتظر قليلاً ياسيدي لأرى مايمكنني فعله.

تبسم وهو يلاحظ الموظفة تتوسل ميسم من اجل ان تعود لمكانها ويبدو ان الاخرى ترفض ذلك بشدة ولكنها اخيراً رضخت واتت ولكن بملامح مستاءة وبصر لاترفعه اليه ابداً. ولكن رغم هذا كان ينظر اليها بأبتسامة ويركز بتفاصيل وجهها الجميلة وهي تقوم بضبط سعر الفستان وقدمته بورقة له وقالت:
تفضل سيدي هذا هو السعر.

تعمد ان يقدم لها بطاقته الائتمانية كي يبقى فترة اطول بينما تقوم بتسجيلها على الالة واعادتها له مرة اخرى. اخذ البطاقة منها وسحب كيس الفستان وخرج دون ان يتكلم معها ولو حرفاً واحداً مما دفعها ان ترفع بصرها اليه بدهشة بعد ان استدار لفقدانه عنصر الثرثرة هذا اليوم ومزاحه المعتاد معها، لو لم يشأ ان يتحدث فلما أصر على قدومها هي وليس غيرها؟

هذا اول شيء فيه جعلها تفكر به لوقت طويل حتى بعد ان عادت الى المنزل. وهذا بالضبط مااراده!.
اتى اليوم التالي ولكن من دون هزيم. كانت تراقب الباب كل دقيقة متوقعة دخوله بين لحظة واخرى. ولكنه لم يظهر ايضاً.
غريب هذا الهزيم حقاً. ).

قطع ذكرياتها صوت ضحكات نسرين وهي تهرب من الاطفال وهم يرشقونها بالماء. ظلت تراقبهم بأبتسامة من خلال نافذة الصالة المطلة على الحديقة. تشاهد هزيم جديد يكبر امام عينيها كل يوم. فذلك الصغير نسخة عنه في كل شيء. في شكله. في مزاحه. في مشاكساته. ولكنه لن يشبه هزيم ابداً في عشقه لها. فلن يستطيع احد ان يحبها كما كان هزيم يفعل مهما بلغ حب ابنها لها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة