رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن
مدمنة..
مضى يوم واخر. وساعات اخرى تجمعهما معاً. اليوم بادلته حديثه. والبارحة تناولت وجبة معه. وقبلها سألته. ولكن وجهها لايزال مقتضب عندما تحدثه. ونبرتها لاتزال تحمل الغضب. ونومها لايزال كما هو يثير قلقه لاسيما انها قلما تأكل بسبب هذا النوم الطويل، شخص متناقض تماماً لايعرف كيف يتعامل معها. بين لحظة واخرى تتغير شخصيتها تماماً. من هادئة الى عصبية. من ساكنة الى منتفضة. وكأنها تتقدم خطوات بشكل لاارادي بأتجاهه وفجأة تتلقى صفعة قاسية من واقعها لتنتبه وتبتعد راكضة عنه.
مضت عشرة ايام عليهما معاً في المنزل وبدأ آدم يعود لعمله بعد اجازة طالت لمدة اسبوع. ولكن نومها لم يتغير ويعود ليجدها لاتزال تغط بسبات عميق. اذاً لاتنام هذا القدر لأنها تتهرب منه. فلما ستتهرب منه وهو غير موجود؟ وهنا بدأت فكرة تهربها منه تهرب من عقله. هناك شيء اخر. حتى لوسهرت طوال الليل فليس من المعقول ان تبقى نائمة الى المساء هكذا وتعاني من هذا الخمول طوال الوقت، انها اشياء عاشها آدم في الماضي. وخشي ان تكون ريم مثلها!
عاد ذات يوم من عمله مجهد وجائع لاسيما انه كان مستعجلاً في الصباح ولم يأكل فطاره بشكل جيد. عاد ليجد المنزل ساكناً كعادته. والاهم من ذلك الطباخ ساكن من دون طعام فوقه. يوم اخر تجبره فيه ان يعد طعامه بنفسه. ولكنه لم يفعل. فغضبه منعه من ذلك! ذهب نحو غرفتها وطرق الباب فلم يجد اجابة. طرقه بشكل اقوى ولا اجابة ايضاً ففتحه ودخل.
استيقظت على يده تهزها من كتفها. استدارت له برأسها فقط ونظرت له بعين شبه مغلقة والاخرى قد اغلقتها اساساً وقالت بصوتها الناعس وحاجبيها المقطوبين:
ماذا هناك؟
نقر بسبابته فوق ساعة يده بأستياء وقال:
انها الثانية والنصف ظهراً!
اذاً؟
اذاً سيادتك لاتزالين نائمة منذ ليلة البارحة ولم تكلفي نفسك حتى اعداد الطعام ولو من اجلكِ.
اعادت لتغطي رأسها ببطانيتها وهي تقول ساخرة:
شكراً على اهتمامك لااريد ان اكل الان.
سحب الغطاء عن وجهها بحدة وهتف بها بعصبية:
لكن انا اريد ان اكل!
فهتفت به بنفس العصبية:
اذاً أعد لنفسك طعاماً ماشأني انا؟
وعادت مرة اخرى لتغطي رأسها وقبل ان يكمل شجاره معها لمح علبة الدواء على المنضدة بجانب سريرها. علبة تمنى من اعماق قلبه ان لاتكون كما توقعها!
قطب حاجبيه بأستغراب وهو يرفعها بين يديه يحاول ان يفهم ماهيتها بالضبط قبل ان يحكم فخرجت افكاره بصوت عالي وهو يتمتم: ماهذه؟
ابعدت الغطاء عنها بسرعة بعد ان تذكرت فجأة نسيان علبة دوائها دون تخبأتها وقد تنشطت كل خلية بجسدها وهرب منها النعاس دون رجعة بعد ان شاهدت العلبة بين يديه. نهضت فوراً جالسة فوق سريرها وسحبت العلبة بسرعة من بين يديه قبل ان يقرر اخذها منها وقالت بأرتباك: لاشأن لك.
سحب العلبة عنوة مرة اخرى من بين يديها وباءت كل محاولاتها بأستعادتها مجدداً بالفشل فهي لن تضاهي بجسدها الضعيف قوة جسده الرياضي! قرأ مامكتوب فوق العلبة قليلاً ثم التفت نحوها بحاجبين مقطوبين وهو يقول: هل اخذتي هذه المهدئات ليلة البارحة فقط ام انكِ مدمنة عليها؟
لااظن ان هذه اشياء تخصك.
عندها شاهدته يفقد اعصابه لأول مرة بهذه السرعة وبهذا المقدار وهو يقبض على عضدها بقوة وصرخ بوجهها قائلاً:.
اجيبيني. هل اخذتها البارحة فحسب ام انكِ مدمنة عليها؟!
اجابته بأنفعال بينما تحاول ابعاد يده وتفشل:
ابعد يدك عني اخبرتك ان لاشأن لك. انها حياتي الخاصة ولن اسمح لك بأن تتدخل!
فهزها بعنف مرة اخرى بينما يقبض على يدها بقسوة اكبر وهو يهتف بها:
اذاً انتِ مدمنة؟
ثم دفعها من يدها فأنضرب ظهرها بالجدار من خلفها واكمل هتافه العصبي بها:.
كان على ملاحظة هذا منذ اول يوم دخولكِ، تلك الهالات السوداء. وذلك الخمول ومقدار النوم، كيف عساي ان لا الاحظ؟
قامت من سريرها ووقفت بوجهه قائلة بغضب:
مثلما انا لم اتدخل في حياتك فأبقى انت خارج حياتي ايضاً، نحن نعيش هنا حسب رغبة عائلاتنا فقط. لذلك لاتعش الدور اكثر مما ينبغي!
ثم اقتربت منه خطوة وقالت بأستفزاز:
أما بخصوص ادماني.
حدقت داخل عينيه قليلاً ثم اكملت:.
فنعم انا مدمنة! وسأظل مدمنة. ولن اسمح لك ان تفعل اي شيء بخصوص هذا.
فكز على اسنانه بغيظ وهو يقول:
اذاً سأصحيك! ِ.
وبلحظة مفاجئة لم تدرك ماذا حصل بالضبط وجدته يسحبها من يدها بقوة غير مبالياً بمحاولاتها في انتزاع يدها الرقيقة من بين قبضته القاسية وسحبها بأتجاه الحمام وانزل رأسها فوراً تحت صنبور المغسلة غير مبالي بصراخها به ومحاولاتها الافلات من بين يديه. بلل رأسها بالماء وابقاها تحت الصنبور لمدة دقيقة كاملة ثم ابعد يده عنها فرفعت جسدها بقوة من تحت الماء واول ماالتفتت اليه حجبت عنها رؤيته المنشفة التي القاها بقسوة في وجهها كي تنشف اثار المياه وهو يزمجر بها بغضب:.
أتعلمين ماتفعله هذه المهدئات في جسدك ايتها الغبية الحمقاء؟
رمت المنشفة بقوة فوق ارضية الحمام وصرخت به بأعلى ماتملكه من صوت فأحمّر وجهها وبرزت كل شرايين عنقها الرقيق وهي تهتف:
اخبرتك ان لاتتدخل. انها حياتي انا فقط هل فهمت؟
تقدم نحوها بخطوات سريعة واحاط وجهها بكفيه بقوة وهزها بعنف وهو يقول ونبرته مرتجفة مابين خوف وغصة ألم ستدفعه للبكاء:
لن اسمح لكِ بهذا هل فهمتي. لن ادعكِ تجبريني على فقدانكِ ايضاً.
رفعت يديها ووضعتهما فوق يديه تريد ابعادهما ولكنها ابقتهما فوق يديه مصدومة وهي ترى كل هذا الخوف في عينيه وتلك الدموع التي بدأت تتجمع داخلهما وفتحت عينيها بتفاجئ وعجزت حتى عن الكلام وسط صراخه هذا وهو يكمل:
انا لن افقدكِ هل فهمتي؟ لن اسمح لكِ ان تفعلي هذا بنفسكِ.
ثم دفعها عنه وهو يمرر اصابع كلتا يديه من بين خصلات شعره ودار عدة دورات حول نفسه لايعرف ماذا يقول او ماذا يفعل ثم اخيراً التفت اليها ووجهه مطلي بحمرة غضبه وهتف بها مستهزئاً ومؤنباً:
ان كانت حياتكِ رخيصة لديكِ هكذا وتريدين ان تموتي فأختصري الامر ولاتجهدي نفسك هكذا وانتحري.
فتخلصت من ذهولها مع جملته هذه وصرخت به فوراً:
أتظنني لم احاول؟
عند هذه الجملة بهتت ملامحه هو وانفرجت شفتاه بأرتباك وجحظت عيناه بدهشة. رفعت البلوزة عن معصميها تدير باطنهما بأتجاهه وقد وجدت الدموع الغزيرة طريقها فوق وجنتيها وهي تقول:
بالطبع انت لم تنتبه على هذه الاثار! فالشيء الوحيد الذي جذب انتباهك بالطبع هو وجهي اولاً ومدى جمال عيناي. كما يفعل الاخرون تماماً. ولكنك بالتأكيد لم تنظر أعمق من هذا.
ثم انزلت بلوزتها مجدداً وقد انخفض صوتها بضعف وبكاء فجأة وهي تكمل:.
جرحت معصمي وقطعت اوردتي وشراييني مرتين. ولكني لم امت. انقذوني في اللحظة الاخيرة. تناولت جرعة مفرطة من الدواء. ولم امت، ايضاً انقذوني في اللحظة الاخيرة، فأدركت ان القدر يرفض رحيلي الان. وان الرب قد وهبني الحياة لمرتين وثلاث ولايريد موتي، ليس الان. وليس بهذه الطريقة، اذاً لما لايبين لي لما لاازال حية بهذه الحياة اللعينة؟ لذلك ان لم يردني ان اموت اذاً سأبتعد عن واقعي بطريقة اخرى.
ثم صرخت به بأنهيار:.
واقعي الذي لم يقف فيه احد بجانبي. لم يساعدوني. فلما لا ادمن المهدئات لأنسى؟ ولأرتاح ولو قليلاً. أليس من حقي ان انسى؟ أليس من حقي ان اسجن نفسي داخل احلامي التي تحمل هزيم لأوهم نفسي انه لايزال حي؟
ثم عادت بضعف خطوتين نحو الوراء فأستوقفها الجدار فأستلاذت به وتعذرت لها قدماها عن حملها اكثر فنزلت ببطئ وجلست تتكأ على الجدار خلفها وترفع ركبتيها امام صدرها تبكي بمرارة وتنتحب وهي ترفع رأسها للأعلى فبللت دموعها عنقها الثلجي وآدم لايزال متصلباً في مكانه يحدق فيها بنفس الصدمة وهي تبثه ضعفها ومعاناتها للمرة الثانية وتستنجد من بين حروفها المليئة بالكبرياء بمساعدة من اي احد لينتشلها من جحيمها. اكملت وقد ارتفع صوت بكائها اكثر:.
اريد ان انام لأطول وقت ممكن. اريد ان ابتعد عن الواقع. اذ لم يكن الرب قد سمح لي بالرحيل فأنا سأدخل في سبات يهدئ من نيراني التي تحرق روحي وتتركني شبه انسانة، وشبه حية. لااريد ان استيقظ. لااريد ان اتذكر. ولااريد ان افكر. اريد ان انام وابتعد عن كل هذا فحسب.
ثم استندت بجبينها فوق ركبتيها وهي تضم يديها بين فخذيها وتبكي بقوة. وانهيار، تقدم خطوات ضعيفة ومترددة بأتجاهها وجلس بجانبها تماماً فتلامست اكتافهما فلم تبدي ردة فعلها المعتادة وتبتعد عنه. وكأنها احتاجت هذا القرب ليشعرها بالامان. سمح لها بدقيقتين من الصمت لتخرج اكبر قدر من دموعها ثم قال بصوت هادئ وعطوف وهو يحدق امامه:
كل سعادة. تبدأ بألم.
انخفضت نبرة بكائها المرتفع وكان واضحاً انها ارهفت مسامعها له فهي بحاجة ماسة بالفعل لأي كلمات تلملم بها اجزائها المفككة عن بعضها
ثواني حتى اكمل بهدوء:
(الله لايفعل شيئاً اعتباطاً او مجرد انه يريد ان يبرز مهاراته ويقول انظرو انا استطيع ان اجعله يعيش مرة اخرى. مادام الرب قد اعطاك حياة اخرى اذاً فهناك سبب لحياتك).
رفعت رأسها من فوق ركبتيها وحدقت فيه من بين دموعها مكتفية بالصمت امامه وامام كلماته. التفت اليها بعطف وقال بأبتسامة:
سمعت هذه الجملة في فيلم شاهدته ذات مرة. جعلتني بالفعل اشعر. بل اتيقن. ان الله لايفعل اي شيء من دون غاية. وان الرب لن يود ابداً ان يؤذي احدهم، لكن فقط السعادة العظيمة تأتي من بعد آلم عظيم.
حدقت فيه بعمق اكثر ولأول مرة تشعر ان احدهم يلمس قلبها بكلماته هكذا ويشعرها بهذا الامان. ويشعرها ان الرب معها. الرب يراقبها، انه يريدها حية. هناك من يهتم بكونها حية.
مد يده بتردد بأتجاهها وقبض على اناملها الرقيقة بين يديه وقال:.
ان كان اخيكِ حياً أكان سيرضى بهذا الحال الذي انتي فيه؟ الرب وهبك الحياة مجدداً ياريم، عليكِ ان تقدري هبته هذه وان لا ترميها جانباً لتقتلي نفسك ببطئ هكذا، هناك سبب لكونك حية. عليكِ ان تعرفي هذا السبب.
ثم نظر نحوها بأبتسامة اكثر عطفاً وهو يكمل:
انظري الينا، مجرد بقائنا في منزل واحد انا وانتي كان سبباً لأيقاف الدماء بين الاسرتين وان لاتهدر حياة اشخاص لاذنب لهم. أليس هذا شيئاً عظيماً قد اديتهِ؟
صمتت. حدقت. غاصت في اعماقه، لما كانت ترى نفسها الضحية؟ فالان قد اكتشفت انها المنقذة. هي شيء مهم في حياة هاتين الاسرتين. وآدم من اعطاها هذه الاهمية وجعلها تشعر بها، آدم، لأول مرة بدأت تكتشف جانبه الاخر فعلاً...
مد ابهامه بتردد ومسح دموعها وقال:.
لاتتناولي المهدئات مجدداً ارجوكِ. قبل سنين كثيرة. كدت ان افقد اعز انسان لدي بسببها. وعشت وحيداً انا واختي بسببها. ولااريد ان اعيش هذه التجربة مجدداً. لذلك ارجوكِ ان لاتجبريني على عيشها.
ابقى ابهامه فترة فوق وجهها وهو مذهول انها تحدق به بهذا العمق دون ان تبعد وجهها او تقوم لتتشاجر معه مجدداً لأنه امسكها. لحظات قليلة حتى انتبهت ريم على نفسها. وعلى ضعفها. اشاحت وجهها بهدوء الناحية الاخرى مما اجبره على ابعاد يده ولكن اناملها لاتزال داخل قبضة يده. ابتسم ببساطة وسعادة. هذه المرة لم تكن قاسية بأبعاده. بل كانت خجولة وحاولت ان لاتجرح مشاعره بكلامها. اذاً هو قد كسب نقطة لصالحه وسمحت له ان يتقدم خطوة نحوها لتقوية العلاقة بينهما وان لاتبقى قائمة على الحرب فقط...
قام بعد ان استشعر انها قد تأثرت بكلامه فعلاً وحاول ابعاد ارتباكها عنها وقال ممازحاً:
لاتظني انكِ ستخدعيني بدمعتين لأنسى امر الطعام. هيا قومي لتعدي لي شيئاً اكله فأنا اتضور جوعاً.
ثم خرج تاركها بصمتها، بتحديقها بأناملها التي كانت بين يديه قبل ثواني، لحظات لم تريدها ان تنتهي. ذلك الدفئ الذي اختفى بمجرد ان ابتعد عنها تشوقت للأحساس به مجدداً، ولكن ماذا قد نقول عن النساء؟ الكبرياء ثم الكبرياء يا اعزائي، هي من المستحيل ان تبين له شعورها هذا ابداً.
سحبت المنشفة من فوق الارضية بأطراف اصابعها ومسحت بها وجهها وشعرها بهدوء وبطئ وتسللت ابتسامة هادئة لثغرها قامت بقتلها فوراً واخفائها قبل ان تضعفها اكثر لمجرد كلمتين قد قالها لها بعطف وحنان...
استندت على طرف المغسلة وقامت بأتجاه المطبخ، أتظنون ان ماحصل لها قد جعلها تشعر انها داخل ورطة؟ لا انتم مخطئون، الورطة الحقيقة وهي الان في وسط البقوليات والخضروات واصناف الطعام الاخرى دون ان تعرف صنفاً واحداً لتعده، زفرت بضيق بعد تحديق طال لدقائق. فليذهب الى الجحيم. لماهي محتارة به هكذا؟ فلتعد ما تعرفه او حتى مالاتعرفه. مجرد شيء تضعه في طبق الطعام وتقدمه له لتنتهي من هذا المأزق، ألأنه قد قال كلام جميل اثر بها فعليها ان تكافئه بالطعام وتتعب نفسها وتدخل الى المطبخ لساعات طويلة؟ لا. هي ليست هذا النوع ابداً...
عشر دقائق لااكثر حتى نادته معلنة انتهاء الطعام. قام من سريره بأستغراب. اما انها ماهرة جداً اكثر من المعقول لتنهي اعداده بهذه السرعة، او ان هناك كارثة بأنتظاره فوق مائدة الطعام، والخيار الثاني كان هو الاكثر وروداً.
جلس يحدق ببلاهة بكوب العصير وصحن البيض المحترق وقطعة الخبز بجانبه، رفع رأسه اليها بعد ان جلست امام طبقها تود المباشرة بالاكل وقال:
انا طلبت غداء وليس فطار.
منحته ابتسامة باردة مستهزئة وهي تقول:
ظريف!
فهتف بها بحنق:
ماهذا؟
ماذا قد يكون؟ انه طعام.
اوه حقاً؟ وانا الاحمق الذي ظننته بيض!
ثم هتف بعصبية:
اعلم انه طعام. اعني لماذا اعددتي البيض؟
رفعت كتفيها بلامبالاة وقالت وهي تضع اللقمة الاولى في فمها:
هذا كل ما أجيد اعداده.
أأنتِ جادة؟
لااظن اني مزحت معك من قبل.
كتف يديه امام صدره وقال:
وماذا ستعدين على العشاء؟.
البيض المخفوق.
وعلى الفطار؟
بعض البيض المسلوق.
فأكمل ساخراً:.
وفي الغداء البيض المحروق، شهر واحد وسينبت لي الريش.
كتمت ابتسامتها شاغلة نفسها بالمضغ فرمى منديل الطعام فوق المائدة بغيض وقام بأتجاه المطبخ وهو يتذمر ساخراً:
سأبقى ابيض لكِ البيض من كثرة اكلي له ولن نضطر لشرائه من المتجر ونبذر الاموال. ربما حتى اني سأجلس أصيح مثل الديك في وقت الفجر...
ماان اختفى في المطبخ وهو يتذمر بكل هذه الجدية حتى تبسمت وهزت رأسها بيأس وهي تستمع لتذمره الطفولي المضحك، فداخل هذا الشاب الصارم والجاد لايزال هناك طفل صغير على وشك ان تكتشفه. طفلاً يمتلك اكثر قلباً ابيض في العالم، مثل هزيم تماماً. بطريقة ما هما متشابهين. وكأن ادم كان مرآة تعكس لها صورة هزيم دائماً. وربما هذا هو السبب الذي جعلها تبتعد عنه دائماً ولاتخوض معه الاحاديث حتى لايجبرها هذا التشابه ان تتعلق به في يوماً ما...
دقائق اخرى وعاد ليجلس امامها مع طبق جديد علم انه سيثير اعجابها به. اللحم المشوي مع الصلصة المكسيكية الحارة وبعض الخضروات التي تصطف على جانبي الشريحة. كادت ان تنفرج شفتيها من الذهول ولكنها اطبقتهما فوراً واوشكت معدتها ان تطرح الطعام المحترق الذي تناولته لتوها مطالبة اياها ولو بلقمة واحدة من هذا الطعام الذي يبدو وكأنه اتى من برنامج الطبخ الامريكي ذو الخمس نجوم، نفضت كل تلك الافكار عن رأسها وادعت انشغالها وتلذذها ببيضها المحروق وانفها يستنشق بقوة رائحة طعامه الزكية.
قال وهو يقطع شريحة اللحم:
لاتستغربي عزيزتي. انا اعيش وحدي منذ مدة طويلة واكره الاكل الجاهز لذلك تعلمت اعداد الطعام بنفسي منذ صغري.
نظرت نحوه بلامبالاة وقالت:
انا لم اسألك.
ولكني لاحظت ان عيونك لم تنزل عن طعامي اول ماوضعته لذلك حاولت ان اكون لبقاً واشرح لكِ...
ثم قال بنبرة مميزة قاصداً استفزازها وهو يرمي لها حروفه ببطئ:
وأذ كنتي تودين، يمكنني ان اعطيكِ قسماً منها.
نعم. معدتها ارادت هذا بشدة. ولكن عقلها، او بالاصح كبريائها استنكر ذلك بشدة اكبر، حملت صحنها وكوب عصيرها ومنحته ابتسامتها الباردة المستهزئة ذاتها وهي تقول:
شكراً. انا اشعر بالتخمة...
جعلها تقترب من باب المطبخ حتى قال بصوت مرتفع:
لاتنسي ان تبيضي لنفسكِ بيضة من اجل العشاء.
من الجيد انها كانت تدير ظهرها وألا لكانت فضحتها ضحكتها المكتومة التي ظهرت من دون ارادة منها، وهذا كان اليوم الاول الذي تتفاعل به مع مزاحه وتسمح لنفسها بالابتسام.
مر اليوم الاول على خير وسلام ولكن ادم علم ان الامر لن يستمر هكذا طويلاً. لن تتخلص من ادمانها لمجرد انه طلب ذلك او حتى لمجرد انها ستريد ذلك!