قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع

سهرة لطيفة..
تأثرت ريم بكل الكلام الذي قاله لها آدم ولم تتناول مهدئات طوال ذلك اليوم!

مرت عليها الليلة الاولى بسلام وبالكاد قاومت ان لاتأخذ قرص مهدئ بل وانها قامت بالتخلص من العلبة بأكملها كي لاتضعف لاحقاً، ولكن اليوم التالي لم يكن متساهلاً معها كاليوم الذي سبقه! فقد مر الليل من دون نوم وبدأت اعصابها تتوتر ولكنها تحملت. عليها ان تقاوم. فقاومت! ولكن مقاومتها استمرت لعدة ساعات فقط اما في بقية اليوم فقد فقدت سيطرتها. لاسيما في الليل!

كان ادم يغط بنوم عميق وهي تسير بالغرفة ذهاباً واياباً تبحث داخل كل شيء وفي كل مكان عن قرص مهدئ واحد ولعنت تهورها مئة مرة لأنها تخلصت من علبة المهدئات بعد ان تأثرت بكلام ادم وقررت التخلص من ادمانها. قلبت غرفتها رئساً على عقب ولم تجد قرص مهدئ واحد! اصبح كل شيء يوترها ويستفزها حتى خصلات شعرها الناعمة فقامت برفعها بأهمال وجمعت خصلاتها معاً وربطتهن بمشبك وخرجت لتكمل بحثها داخل صندوق الادوية في الحمام لعلها تجد هناك بعض حبوب المنوم او المهدئات!.

كانت تبحث بهستريا داخل صندوق الدواء المعلق في الحمام وهي تشعر ان جسدها لن يرحمها ليهدئ وعينيها لن تتذوق النوم مالم تأخذ المهدئات! التفتت اليه دفعة واحدة بعد ان استشعرت حركته عند باب الحمام المفتوح. فقال لها وهو بالكاد يفتح عينيه الناعستين امام ضوء الحمام الساطع:
ماذا تفعلين؟

اعادت بعض خصلات شعرها العنيدة التي رفضت ان تجتمع مع الاخريات للخلف بأهمال وعصبية بحركة سريعة من اصابعها وقالت وقد استشعر مدى توترها وغضبها:
انا احتاج لقرص منوم. ولااجد هنا!
تنهد بقلة حيلة. هو كان يعلم ان هذا سيحصل وكان مستعد له. عرف انها ستفقد تماسكها عندما ينزل بها الليل. فحاول قدر الامكان ان يظل هادئاً ولايجعلها تفقد اعصابها بسببه. قال بأبتسامة حنونة:.

مارأيك ان نعد كوب حليب ساخن؟ قد يساعدنا على النوم. فأنا ايضاً لا اشعر بالنعاس.
التفتت اليه بتضايق فهي تحتاج منوم وليس كلمات لطيفة تضعفها وقالت:
باب غرفتك كان مفتوحاً وشاهدتك نائما ًفكيف لاتشعر بالنعاس؟
كتف يديه امام صدره دون ان يخفي الابتسامة عن وجهه وقال:
اجل. ولكن بسبب واحدة مزعجة وضوضائية فقد استيقضت ولن استطيع النوم بسهولة مرة اخرى.
قالت بأحراج وهي تقطب حاجبيها بأستياء:
اسفة.

دعيني اعد لكِ بعض الحليب. انا أجيد اعداده بمهارة.
قالت ووجهها لايزال مقتضب وهي تعود للبحث مجدداً في صندوق الادوية:
ماء ساخن مع بضع ملاعق من الحليب وسكر، لن يحتاج الامر الى مهارة!
ربما عليكِ ان.
وقبل ان ينهي جملته التفتت اليه بحدة وهتفت به بغضب:
انا لست طفلة في الخامسة ولا اريد الحليب! اريد اقراص المهدئ اللعينة فحسب.

سكون اكتنف المكان لاشيء يسمع فيه سوى صوت انفاسها العالية وآدم يحدق فيها بنفس ملامحه الهادئة يحاول قدر المستطاع ان يحتوي غضبها كي يساعدها لتتخلص من امر المهدئات تلك التي ستدمرها ببطئ ولن يكون بمقدورها التخلص منها لاحقاً ألا بتدخل طبي! وهي مرحلة لايريد الوصول اليها! اكمل جملته بنفس نبرته الحنونة وكأنها لم تقاطعه حتى:
ربما عليكِ ان تتذوقيه اولاً وبعدها تحكمي.
فأجابته بعناد وتضايق:.

اخبرتك اني لااريد! اريد المهدئ فحسب!
فتقدم بضع خطوات منها حتى اصبح على مقربة شديدة منها وقال بأصرار:
لن تحصلي عليه! لن اقوم بمشاهدتك تقتلين نفسكِ ببطئ وانا اتفرج فحسب.
ثم قال بترجي:.

اتوسل اليكِ ريم! اعلم ان الامر صعب عليكِ. اعلم انكِ لن تقاومي الامر بسهولة. ولكن انا اتوسل اليكِ اسمحي لي بمساعدتكِ. تمسكي بيدي ان سقطتي لأسحبكِ الي. اخبريني ان ضعفتي لأمدكِ بالقوة، هذا الامر من مصلحتكِ، لذلك فكري بمصلحتكِ.
ثم قال بأبتسامة:
تعالي معي. ودعينا نحاول لعل الامر ينجح. اتفقنا؟
بقيت تحدق بعينيه بذات العمق الذي تحدق فيه في كل مرة يتحدث اليها بكلام كهذا من دون ان تعلق بشيء!

خرج من الحمام واتجه قبلها الى المطبخ ودون ان تعلم لماذا وجدت نفسها تتبعه بطاعة!
دخلت بعده بثواني فوجدته يقف امام الماء المغلي فوق الطباخ ويضع المقادير، جلست على الكرسي امام الطاولة الموجودة هناك تتابعه بصمت. يتنقل بكثرة مابين معلبات عديدة ومابين الطباخ وهو يضيف اشياء واشياء لم تكن تتوقع انه من الممكن ان تُضاف الى الحليب!

10دقائق تماماً كان قد جّهز لهما كوبين من الحليب. قدم لها واحداً احتضنته بتردد بين كفيها وارتشف هو من كوبه فوراً مما شجعها ان ترفع الكوب نحو فمها لتتذوقه. مذاق نشط كل حواسها. جعلها تتذكر طعم القهوة تلك التي يعدها هزيم رغم اختلاف الطعمين!
اكملت كوبها وشعرت بجسدها قد بدأ يسترخي فعلاً ولاحظ هو هذا الاسترخاء على ملامح وجهها التي هدأت وانقشعت عنها تلك الحمرة الغاضبة!.

هو يستمتع كثيراً برفقتها. بأعصابها التي تفقدها دوماً. بتعليقاتها الحانقة ولكن مضحكة. لذلك لم يشأ ان تنتهي هذه السهرة مبكراً رغم انه قد استيقظ من نوم عميق قبل دقائق ولكن جسده قد تنشط كله وهرب عنه النعاس لمجرد كونه بجوارها قد وهب كل تركيزه لها. لكلماتها. لعينيها. للحاجبين المقطوبين اللذان بدآ يبتعدان عن بعضهما البعض قليلاً!.

لاتنكر انها ايضاً بدأت ترتاح لرفقته، تتأثر بشدة بذلك الكلام الهادئ واللطيف. والمضحك! وكأنه اصبح بالنسبة لها تلك الحبوب المهدئة التي تحتاجها بشدة!
قام بعد ان انهيا حليبهما واوشكت هي على ترك المطبخ فقال بتردد:
أذ، لم تكوني تشعري بالنعاس بعد. أتودين متابعة فيلم معي؟
حدقت بوجهه بثواني...
(هي سترفض طلبي)...
(نعم انا سأرفض طلبه).
(لن توافق).
(لن اوافق).
نعم. انا اود ذلك.

جواب فاجئ كليهما وتعجبت لنفسها كيف للسانها ان ينطق شيء عقلها يرفضه! وقلبها يود فعله! وجسدها راضخ لطلباته! وتعاند عقلها بشدة. وتعاند المنطق معه!
اتجها نحو الصالة وجلست تتدثر بردائها تنتظره وهو يختار من بين الاقراص الفيلم الذي سيشاهداه. قالت في اثناء ذلك:
ألديك هذا الفيلم الذي حدثتني عنه البارحة صباحاً؟
قال ساخراً:
ال 2: 30 ظهراً هي صباحاً بالنسبة لكِ؟
اجابته بكل برود:
اجل.

كم يعشق هذه الاجوبة المستفزة، كان القرص الذي ارادته بين يديه. ولكنه قال:
لااعلم. ولكن لااظنه هنا.
لم يشأ ان تكون ليلتهما حزينة ويقلب عليها المواجع ويذكرها الفيلم بأخيها ووفاته لاسيما ان القصة تدور عن شقيقين قد مات احدهما، لذلك فضّل عدم عرضه.
بعد ثواني من البحث التفت اليها بأبتسامة عريضة وحماسية وهو يقول:
ما رأيك بهذا؟
رفعت حاجبيها بسخرية وهي تقول:
فيلم شريَك؟ أسنشاهد الغول الاخضر؟

اختاره من بين الاقراص واعاد البقية وهو يتقدم بأتجاه التلفاز ويقول:
انه مضحك صدقيني سيعجبك.
انه رسوم متحركة يا آدم ماالذي سيعجبني به؟.
عند هذه الجملة التفت اليها بأندهاش وبأبتسامة عاشقة تحتل ثغره! قالت مستغربة اندهاشه:
ماذا هناك؟
استعدل بجسده الذي كان يحنيه فوق جهاز التشغيل وقال بنبرة هادئة ومتلهفة:
انها، المرة الاولى التي تلفظين فيها اسمي!

تنحنحت لتضفي بعض التماسك لصوتها وقطبت حاجبيها مدعية الاستياء لتخفي احراجها وقالت وهي تعيد احدى خصلات شعرها خلف اذنها:
وما المهم في الامر؟ أليس اسمك آدم؟

ابتسم وعاد ليدخل القرص في الجهاز من دون تعليق. وكم تستشيط غضباً من صمته الذي يدخلها بدوامة من الحيرة تجعلها لاتعرف ماذا استنتج بالضبط؟ وماذا يظن؟ وماالذي قد يود قوله تالياً لو انه تحدث؟ تريد ان يستمر النقاش بينهما اكثر لتوضح وجهة نظرها اكثر وان لايفهمها بالخطأ. ولكنه كان يصمت ببساطة مع تلك الابتسامة التي تستفزها وكأنه يخبرها انه يظن شيئاً اخر تماماً ومتمسك به غير مبالياً بتفسيرها...

جلس بجانبها على الاريكة وبدآ بمتابعة الفيلم...
لحظات ابتسامة. تلاها ضحك. ثم اندماج مع الحوار. ولحظات دموع لفراق. ثم خفقان قلب للقاء جديد! مع كل لحظة من لحظات الفيلم اندمج كلاهما واستمتع. لحظات طويلة وسهرة ممتعة جعلتها تشعر بالنعاس رغم رغبتها الخفية لو ان السهرة تستمر اكثر. ولكن لاتود استغلاله فهي قد ايقظته من نومه وجعلته يسهر طويلاً وهو لديه عمل في الصباح، وايضاً. لاتريد ان تضعف اكثر بجانبه!

قامت فور انتهاء الفيلم وقالت:
سأذهب لأنام الان. تصبح على خير.
قام وقال بذات ابتسامته الجذابة:
هل بدأتِ تشعرين بالنعاس حقاً؟
اومأت ب نعم من دون ابتسامة:
اجل. شكراً لك.
وكأنها تود اخباره ان ابتساماتها السابقة كانت من اجل الفيلم فحسب ولايوجد اياً منها من اجله! ولكن رغم هذا لم يبخل عليها هو بأبتساماته. منحها ابتسامة اخيرة وهو يقول:
هذا جيد. لستِ محتاجة لحبوب المنوم اذاً.

ثم لوح لها بهزة واحدة من يده وهو يدخل لغرفته ويقول:
حسناً اذاً. تصبحين على خير...
وهي لاتزال تقف في الصالة مذهولة. انها داخل دوامة. داخل معركة محتدمة!

لقد تجرأ ودخل قبلها! أيود ايصال فكرة لها انه كان يجلس على اعصابه معها منتظراً أنقضاء الوقت بشدة كي تشعر بالنعاس فتنقذه ليعود نحو نومه؟ هي لم تطلب منه ان يبقى ساهراً معها، لحظة. هذا صحيح. هي لم تطلب ذلك! اذاً قد سهر بأرادته. هو كان يرغب بهذا. والان ذهب مسرعاً. ماذا يعني هذا؟ انه متناقض وغامض وعميق ومفهوم وغير مفهوم وعاشق لحظة ومهمل لحظة اخرى. انه عشرة ارواح في جسد واحد كلما فهمت واحد ظهرت لها شخصية اخرى، تارة قاسي واخرى بارد وثالثة طفل فوضوي ومن ثم وسيم ساحر! انه شخصية لايمكنك الوصول الى جوهرها بسهولة واكتشاف مايدور بداخله من افكار وصراعات!

زفرت بضيق وهي تهز رأسها بعنف وكأنها تطرد الافكار المزعجة عنها وهي تتمتم بتذمر:
فليذهب الى الجحيم! ماشأنك به ايتها الغبية سواء انتظر دخولك او دخل قبلك. ماالشيء المهم؟
ثم دخلت نحو غرفتها وارتمت فوق سريرها لتغط بنوم عميق وكأنها اخذت عشر اقراص من المنوم. شعور عميق بالطمأنينة وهي تشعر بوجوده على مقربة منها في الغرفة المجاورة! شعور كرهته، لأنها احبت الشعور به، امر متناقض اليس كذلك؟.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة