قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

غيرة مكتومة
انا مايا!

اسم اكثر من كافي ليجعل ريم ترفع حاجبها بحدة وتنظر بأستياء اتجاه ادم الذي شغل نفسه بحك رأسه او فرك رقبته ليتهرب من نظراتها. اعادت نظراتها غير المبالية بأتجاه مايا وانزلتها ببرود اتجاه يدها الممدودة اليها للمصافحة، قلبها. جسدها. حبها. غيرتها الانثوية، كلها اتحدت معاً لتجعلها تقتنع بتجاهل يدها. ولكن عقلها حثها على المنطق والتصرف بلباقة. فأخضع جسدها لرغبته وجعلها تمد يدها لتعانق كف مايا الرقيق في مصافحة غير ودية على الاطلاق من جانب ريم!

اهلاً!
كانت تلك الكلمة الوحيدة التي انطلقت من بين شفاه ريم قبل ان تسحب يدها لتستمع لبقية ثرثرة مايا: لقد اخبرني ادم بالكثير عنكِ لذلك كنت متشوقة جداً لمقابلتكِ!
فقالت ريم بأستهزاء: لهذا اتيتي وانا خارج المنزل؟
سعل ادم للمرة الثانية يطلب منها بطريقة غير مباشرة الانتباه لكلماتها ولكن مايا ضحكت ظناً منها ان ريم تمزح! فقالت فوراً: لا في الحقيقة لم اكن ادرك انكِ خارج المنزل!

فنظرت ريم بأتجاه ادم لتجيب بنبرة ذات معنى: اجل، وادم ايضاً لم يخبرني انكِ قادمة!
ثم اعادت بصرها نحو مايا التي لاتزال مستمرة بثرثرتها: المهم اني تعرفت بكِ الان ولم اذهب من دون رؤيتك!
بالكاد تبسمت ريم بمجاملة قبل ان تعيد نظرتها الحادة بأتجاه ادم وهي تقول: سأدخل لأغير ملابسي، عن اذنكما!
وسارعت الخطى نحو غرفتها لتدخل وتغلق الباب بهدوء لم تكن تمتلكه على الاطلاق!

رمت حقيبتها بعنف فوق السرير واعادت خصلات شعرها بعصبية للخلف تحاول قدر الامكان السيطرة على غضبها في هذه اللحظة، وتحاول بشدة كبح دموعها وعدم افلاتهم في الوقت الذي تحتاج فيه الثبات قدر الامكان!
انفتح باب غرفتها فألتفت بأستياء وهي تعلم جيداً من يكون!
تقدم اليها ادم وهو يغلق الباب خلفه كي لاينساب صوتهما لمايا وقال بنفور: هلا فسرتي لي كلماتك الغبية تلك وتصرفك مع الفتاة؟.

فردت ريم فوراً بغضب: انه ذات تصرفك مع رأفت ام انك نسيت؟
فتقدم اليها خطوتين وهو يكز على اسنانه بغيظ ويقول: هكذا اذاً. تحاولين الانتقام؟
فضحكت بسخرية لترد عليها: انظرو من يتحدث عن الانتقام! ألست انت من احضرها الى هنا كي تعاقبني على حضور رأفت؟

عندها فوراً ارتخت ملامحه وكتم ابتسامته بصعوبة وهو يكتف يديه امام صدره ويقول بهدوء معاكس تماماً للعصبية التي كان يتحدث بها: انا؟ اعاقبكِ؟، ولما تظنيه عقاب ياترى؟، فحسب مااتذكر انتِ قلتي انكِ لاتغارين. لذلك لم اجد مشكلة من حضور مايا!
تلعثمت حروفها بادئ الامر قبل ان تقول: بالطبع لست اغار، ذاتاً ماعلاقة الغيرة بهذا الامر؟

اومئ وهو يدعي الاقتناع ولكنها تعرف ابتسامته المستفزة تلك تمام المعرفة وادركت انه يحاول مجاراتها في الامر فحسب!
فقالت مؤكدة وجهة نظرها: من المفترض ان تخبرني انها ستزورك بدل ان تكذب على وتقول انك ستلتقي ببعض الاصدقاء خارج الشقة!

فتقدم اليها بخطوات بطيئة عادت هي مثلهم نحو الخلف وهو يقول: اولاً. انا لم اكذب. ثانياً. انا لم اعرف بقدومها. ثالثاً انا تفاجأت بها تخبرني انها قادمة لذلك الغيت فكرة خروجي، المسكينة لديها سوء تفاهم مع خطيبها لذلك حضرت إلى بما ان خطيبها يكون صديقي ايضاً. ولهذا السبب انا لم.
فقاطعته ريم فوراً وقد اصبحت مشتتة بشكل اكبر:
لحظة لحظة، اعد ماقلته لتوك؟، لديها سوء تفاهم مع من؟

فتوقف عن السير بأتجاهها وتبسم اكثر وهو يدرك لما تلمح فأجاب ببساطة:
مع وائل، خطيبها!
فرفعت حاجبيها بدهشة وهي تجيبه:
مايا مخطوبة؟
وهل قلت لكِ يوماً انها ليست كذلك؟
فعصرت قبضتها بقوة وهي تدرك اللعبة التي كان يتلاعب بها بأعصابها فقالت من بين اسنانها:
وعندما سألتك لما لم ترتبط بها لما لم تخبرني انها مخطوبة؟
وضع يديه داخل جيوبه وعاد يسير بأتجاهها وهو يقول بأبتسامة عابثة ترتسم فوق شفتيه:.

اعجبني رؤية غيرتك التي كنتِ تفشلين بأخفائها أذ كان الامر يخص مايا!
تلعثمت هذه المرة بصورة اشد وفشلت بأخراج حروف مترابطة لتنشأ كلمة مفهومة وهي تعود خطوات نحو الوراء مبتعدة عن خطواته لتقول واخيراً:
اخبرتك، اخبرتك اني. انا لااغار!.
فقال بضحكة:
اجل اجل. انا اصدقكِ!
فقالت بعصبية لتخفي خجلها:
انا جادة. كف عن هذه الافكار!

ومع جملتها الاخيرة اصطدمت بالمنضدة من خلفها لتوقف تراجعها وتعلن نهاية هروبها! اقترب منها بهدوئه ذاته ووقف امامها مباشرة ويداه لاتزال غارقة في جيوبه وابتسامته لاتزال ترتسم فوق وجهه من دون ان يعلق بشيء، احست بأرتجاف جسدها وصعوبة تنفسها في هذه اللحظة وهي تعلق بصرها بعينيه الباسمة التي تعانق عينيها بهُيام شديد وكأنه ينظر نحو تحفة فنية لم تجذب سواها نظره من بين الاف اللوحات!

بقي لثواني قليلة يحدق داخل عينيها ليروي شوقه لذلك المحيط الذي يستكين داخل حدقتيها قبل ان يحني رأسه قليلاً بأتجاهها ليهمس في اذنها قائلاً:
ريم سيف ياسين، رغم عنادك. رغم لسانك السليط، وقاحتك، برودك، غيرتك. تهربك. كبريائك، برغم كل شيء، انا واقع بغرامك بشدة! واقع بحب اصغر تفاصيلك. اسوأ صفاتك. اعشق كل شيء فيكِ، فهل يمكنني ذلك؟

ثم عاد ليرفع رأسه يتأمل عينيها بحب. عيناها المصدومتين. يديها المتوترتين، خداها المتوردين! كلها علامات جعلته تدرك انها على وشك الموت من شدة ارتباكها!

خفق قلبها بقوة كاد يهشم لها عظام قفصها الصدري، شيء ماجعل توازنها يختل فجأة لتستند بأطراف اصابعها فوق المنضدة، لم تعد تسمع بوضوح. كل الاصوات اصبحت كالصدى في اذنيها! وعجزت بقوة عن الرد بشيء واكتفت بتعليق ابصارها بتلك الفيروزيتين اللتان تحدقان بها من دون ملل!
رفعت يدها المترجفة بأتجاه خصلات شعرها كعادتها عندما تخجل واعادت بعضهم خلف اذنيها وهي تتنحنح بأرتباك وتقول:
ربما. عليك، انها في الخارج وحدها!

رفع يده بتردد نحو خصلة عابثة نفرت من زميلاتها ورفضت البقاء خلف اذنها، وكأنها بأنتظار اصابعه الحنونة كي تعيدها، امسكها بلطف ليعيدها خلف اذنها وهو يقول بدفئ:
حسناً، سأعتبر عدم تعليقك على ماقلت امر ايجابي، بدل ان تردي بوقاحة كعادتكِ.
ثم استدار من فوره قبل ان تجيب وخرج من الغرفة وابتسامة سعادة عارمة تحتل قلبه وتنعكس بقوة فوق وجهه!

فور ان خرج من الغرفة اخذت نفساً عميقاً كانت تفتقده قبل لحظات وتهاوى جسدها فوق حافة السرير وقد فقدت كامل قوتها بوجوده ووجود تلك الكلمات معه، كلمات لم تكن تبالي بهم على الاطلاق عندما تصدر من غيره!
مضت بضع دقائق استعادت فيهم تماسكها ثم قامت لتغير ملابسها وتنضم لهما في جلستهما!

طوال الجلسة ابقت تركيزها مع مايا رغم ان عقلها كله مع ادم ولكنها تحاشت بشدة ان تلتقي ابصارهما، فتسارع قلبها اكثر ربما سيسبب موتها!
مضى وقت ليس بقصير حتى طرق باب الشقة. فقام ادم وهو يقول:
لابد انه ذلك الاحمق وائل!
ثم نظر نحو مايا وقال بينما يلوح بأصبعه بتهديد:
وان تطاولتي عليه بأي كلمة تستفزه سأقطع لكِ لسانك. هل فهمتي؟
فكتفت يديها امام صدرها بتذمر وهي تقول:
اجل اجل، لابد ان تقف بجانبه ضدي!

فأخذ وسادة ورماها لتصيب وجهها وهو يقول ضاحكاً:
كفي عن هذه الافكار الطفولية وألا سأقتلك، انا اريدكما ان تتفاهما لوحدكما بدل من ازعاجاتك المستمرة لي بمشاكلكما وكأني صديقتكِ اللطيفة!
ضحكت مايا بشدة وهي تقول:
حسناً حسناً ياسيد شديد فهمت فهمت!
فذهب ليفتح الباب ليجده وائل بالفعل، همس له اول مادخل وهو يمسكه من يده بقوة:
ترفق بالحديث معها ولاتنسى نفسك!

قال وائل بسخط وهو يجيبه بهمس ايضاً كي لاينساب صوتهما للفتاتين:
بالله عليك ياادم. ألا تعرفني؟ انا شديد مع الكل ألا معها، ولكنك تعرف مزاجها المتقلب وشخصيتها العنيدة عندما تغار!
فضربه فوق رأسه وهو يجيبه:
اذاً من الجيد انك تعرف انها تغار يااحمق!
وماذنبي انا؟ اقسم لك ان ميساء هي من طلبت مني توصيلها والجو كان ماطر. هل كان على تركها وسط الشارع؟

انت تعرف ان علاقتها بميساء متوترة على الدوام بسبب غيرتها عليك ومن ثم تأتي ببساطة لتوصلها نحو منزلها وتريدها ان تتصرف بأعتيادية؟
زفر وائل بضيق وهو يمسح وجهه بيده ويقول بقلق فشل بأخفائه:
هل بكت؟
مط ادم شفتيه وهو يقول:
كنت سأقتلك لو انها فعلت، ان تعرف ماتعنيه مايا بالنسبة لي ياوائل! هي كسلوى تماماً ولااحب رؤيتهما تتأذيان ابداً، لذلك لاتفعل اي شيء يؤذيها من الان فصاعداً...
واين هي الان؟

انها مع ريم في الصالة!
فضحك وائل ليقول:
ريم ومايا معاً؟ ولم تقتلها ريم بعد؟
ضربه ادم مرة اخرى فوق رأسه وهو يقول:
وهل زوجتي متوحشة؟، ذاتاً انا اخاف عليها من خطيبتك كي لاتفسد عقلها!
وفجأة انبعث صوت مايا من الصالة:
بالمناسبة، انا هي الغاضبة وليس ادم لتصالحه!
ضحك ادم وسحبه ليغلق الباب وهو يقول له:
اذهب لها قبل ان تأتي لتفترسك!
اخذ وائل نفساً عميقاً وهو يقول مدعياً الخوف:
دعواتك!

فرفع ادم يديه بشكل درامي وهو يقول:
يارب يكون المولود صبي!
ثم دخل كلاهما للصالة يضحكان ومايا هناك تجلس بتذمر تكتف يديها لصدرها متحفزة لمعركة محتدمة مع وائل، تقدم بادئ الامر نحو ريم وقال لها بأبتسامة والتي وقفت بدورها لتلقي التحية بأبتسامة بسيطة من باب اللباقة:
مرحباً بكِ مدام ريم.
اومأت برأسها مرحبة وهي تجيب بهدوء:
اهلاً بك سيد وائل!

واخيراً التقينا بالاسطورة ريم، ادم لايكف الحديث عنكِ هناك لدرجة تصدعت رؤوسنا من كثرة ثرثرته!
كان مديح وائل قد اتى في الوقت الخاطئ تماماً ليعيد الارتباك بقوة لأطراف ريم وتغزو وجنتيها حمرة داكنة مع تخيل كلام ادم عنها ومقارنته بالكلام الذي سمعته منه قبل دقائق في الغرفة!
فسعل ادم بخفة وهو يقول بصوت عالي كي ينتبه وائل:
من الافضل ان نعد لهما بعض القهوة ياريم!
ثم سحب ريم من يدها نحو المطبخ وهو يقول لوائل:.

اختصر اعتذارك فلن نبقى حبيسين المطبخ بسببك!
ومع انتهاء جملته وصلا الى المطبخ وهو لايزال يمسك بيد ريم ويدور ببصره في الارجاء وهو ويتمتم:
اين وضعت علبة القهوة اخر مرة ياترى؟
ادم؟
التفت نحو همستها الخجولة وقال ببرائة:
اجل؟
يدي!
مابها؟ هل تؤلمك؟
اعني. وصلنا للمطبخ!
اثبتي على رأي لو سمحتي. هل تريدين ان تقولي شيء عن يدك ام تريدين ان تقولي اننا وصلنا للمطبخ؟، فأنا لست اعمى وبأمكاني ان ارى اننا وصلنا للمطبخ!

بالكاد كتمت ضحكتها وقد بدأت تدرك اساليبه في تلاعبه بها فقالت مؤكدة:
بأمكانك ترك يدي. لقد وصلنا للمطبخ!
نظر قليلاً نحو يديهما المتعانقة ثم نظر لها ليقول مدعياً الجدية بالرغم من تلك الابتسامة العابثة التي ترتسم فوق شفتاه:
اخشى ان تهربي، لذلك سأبقى متمسك بها!
فاومأت مدعية الاقتناع وهي تجيبه:
أحقاً؟ وكيف سنعد القهوة؟
تبسم ابتسامة مختلفة تحمل الدفئ خلفها:.

يمناكِ طليقة ويساري كذلك، سنكمل بعضنا الاخر بهذا الشكل لنعد القهوة!
اختفت السخرية من ملامحها ليطغى التوتر مكانه وقد توسعت حدقتيها بذهول وهي تستمع لتلك الرومانسية المشفرة بين كلماته!
سحبها من يدها وهو لايزال مصر على ابقائها داخل كفه الدافئ واتجه نحو احد احد الادراج ليخرج علبة القهوة ثم اشار بذقنه نحو الابريق ليقول لها:
تتاوليه واملأيه بالماء!
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تقول:.

أأنت جاد؟ سنعد القهوة بهذه الطريقة؟
رفع كتفيه وانزلهما ليجيبها ببساطة:
اجل!
فضحكت وهي تهز رأسها بيأس منه. هذا الشاب بالفعل لايكبر!

رضخت له ليعدا القهوة سوية، ولأول مرة منذ سنين تضحك ريم بهذا الشكل! تارة يقع الابريق من يدها، تارة يخططان كيف سيفتحا علبة القهوة ذات الغطاء المحكم. ومرة اخرى يقفا بأكتاف متلاصقة ويدان متعانقة امام الطباخ تستمع لتعليقات ادم الساخرة لتنفجر بضحك لم تعد تملك السيطرة عليه! ليقع ذلك المجنون بغرامها اكثر!
بعد انقضاء15دقيقة تقريباً خرجا من المطبخ يحملان القهوة وقد وافق ادم اخيراً على ترك يدها!

جلسا على الاريكة المقابلة لأريكة مايا ووائل واللذان على مايبدو قد تصالحا!
اذاً يا مدام ريم. كيف يعاملك هذا الاحمق؟
كانت هذه اول عبارة نطقها وائل بعد ان تناول فنجان القهوة من فوق المنضدة. تبسمت ريم بلطف لتجيبه:
لابأس به!
لو انك فقط تعرفين المعاناة التي تعرضنا لها بسببكِ!
رفعت حاجبيها بدهشة لترد:
انا؟
اومئ وائل بالايجاب ليكمل:.

اجل! ثلاث سنوات كادت رؤوسنا ان تتفجر من ثرثرة ادم المستمرة بكِ، اليوم لبست شيئاً لم يعجبني. اليوم كانت برفقة ابن عمها. اليوم تبادلت حديث مع احد زملائها في الجامعة، اه يااللهي لو انكم ترونها كيف تبدو اليوم انها في قمة الروعة.
لم ينتبه وائل على سعال ادم والذي على مايبدو سيختفي صوته من هذا السعال المصطنع. ولم تجذب انتباهه ضربات مايا فوق قدمه واستمر بثرثرته مع ريم الى ان تبسمت وهي تجيب تعليقه:.

بالتأكيد هناك خطأ ما. لابد انك تعني واحدة اخرى. فأنا وادم لم نرتبط سوى من بضعة اشهر!
ماذا؟ هل تظنون ان وائل سيتلافى الموضوع الان؟، انه صديق ادم لذلك بالتأكيد سيسبب نوبة قلبية لمن حوله بتعليقاته!
فنظر نحو ادم ليقول:
اوه. اذاً انت لم تخبرها؟
فنظر ادم نحو مايا ليقول:
كيف تطفأينه بالعادة؟
فرفعت مايا كتفيها بيأس لتجيب:.

انه يعمل على الطاقة الشمسية والقمرية والنجمية وحتى على الهوائية، انه خالي من كتيب التعليمات ولايمكن اطفائه ابداً!
ثم شرعا بضحك ثلاثتهم الى ان قاطعت ريم هذا الضحك وهي تلتفت بأتجاه ادم لتقول بأستغراب:
أهناك شيء لااعرفه؟
فأجاب ادم بالنفي:
لاتشغلي بالك كثيراً بكلام هذا المعتوه!

في الحقيقة كان هذا الطلب الاكثر صعوبة الذي طلبه ادم من ريم، فبداخلها فضول خارق تريد ان تعرف مايحاول هؤلاء الثلاثة اخفائه، وبالاخص انه شيء يخصها هي وادم!
انتظرت خروجهم بفارغ الصبر ووقفت بتحفز وسط الصالة بأنتظار عودته من توصليهم للباب، اول ماوقعت عيناه داخل عينيها عرف انها لم تترك الامر جانباً!
تنهد بقلة حيلة وهو يقول:
انتِ لم تنسيه. صحيح؟
فقالت بهدوء:.

لم يبدو كلام وائل كلام عبثي، لابد انه كان يقصد شيء ما!
اخذ نفساً عميقاً وهو يقترب منها ويقول:
حسناً، اظنه حان الوقت لتعرفي بعض الاشياء!
بعض؟
فمد يده ليعانق يدها وهو يقول:
اجل، فليس كل الحقائق يجب ان تنطق!
نظرت نحو يديهما مطولاً من دون ان تعلق بشيء فقال قاطعاً عليها افكارها:
مابكِ؟
رفعت بصرها اليه وبعض الدموع تغطي لها حدقتيها، ضغطت على يده اكثر وهي تقول بشبه ابتسامة مرتجفة:
هذا الشعور، انه جميل!

ثم وقعت دمعتها وهي تكمل:
ولكني اخاف الاشياء الجميلة!
مسح دمعتها بطرف ابهامه وهو يسألها بهدوء:
ولماذا؟
القدر لايبقي لي شيء جميل!
استند بجبينه فوق جبينها وهو يقول بهمس:
حتى القدر لن يكون بمقدوره اخذي منكِ، انا عنيد جداً بحبكِ!
رفعت يدها بتردد لتستكين على جانب وجهه وهي تقول:
شكراً لك ادم!
علي ماذا؟
لأنك ذكرتني اني لازلت انسانة!
تبسم ثم سحبها من يدها بأتجاه غرفته وهو يقول:
هيا تعالي لأريكِ شيئاً!

دخلت الى غرفته واجلسها على كرسي كان موجود هناك ثم اتجه نحو خزانة في دولابه وفتحها ليخرج منها غلاف محكم الاغلاق وريم تراقبه بفضول، اخرج منه بعض الاوراق والصور، اعاد الاوراق وسحب الصور وتقدم اتجاه ريم، سحب كرسياً خشبياً ليضعه امامها وقدم لها الصور! سحبتهم من بين يديه بفضول لتقلبهم بين يديها بأهتمام، ثواني حتى وقعت دموعها بقوة وهي تتمتم:
هزيم؟
اطلق ادم حسرة الم من داخله وقال:
اجل!

بقيت ريم تحدق من بين دموعها بصور هزيم وادم معاً، في المدرسة الثانوية. في المركز الرياضي. قرب البحر، في منزل مراد. في المركز التجاري! صور عكست كم كانا صديقان مقربان! ومن بين كل صور صدمت ريم بصورة لها قد التقطت من دون علمها وهي تجلس وحدها في احدى المقاهي!
نظرت له بعدم فهم وهي لاتعرف اي شيء من هؤلاء الصور، فبدأ ادم يشرح لها بهدوء وابتسامة:
لابد وان جدي قد اخبركِ ان هزيم كان صديقاً مقرباً للعائلة!

اجل فعل!

هذه الصداقة كانت عن طريقي، فأنا وهزيم كنا اصدقاء منذ الثانوية. كنا معاً في المدرسة ذاتها ولكن ليس المرحلة ذاتها. وبعدها عرّفته على اسرتي، وبالتأكيد لم اخبرهم بادئ الامر انه ابن اسرة ياسين، لم اشأ ان يحكمو عليه دون ان يعرفوه، كان يأتي يومياً الى منزلنا ويقضي اوقاتاً طويلة مع اسرتي، بعد شهر تقريباً بعد ان عرفوه حق المعرفة اخبرناهم انه حفيد ياسين، الامر كان صادماً بادئ الامر ولكنها صدمة لم تستمر طويلاً، سرعان ماتقبلوا الامر فهم كانو يدركون كم كان هزيم شاب لطيف وبالتأكيد هو لايمثل جده بأي شيء، وبذلك تقبلو وجوده!

وانت؟
انا ماذا؟
كيف تعرفت عليه؟

حسناً هو كان معي في المدرسة الثانوية وكنت اعرف انه حفيد ياسين وكان يعرف اني حفيد مراد لذلك كنا ببساطة نتجنب بعضنا. لم نكن نفتعل المشاكل مع بعضنا بالتأكيد ولكن لايعني اننا كنا نخوض الاحاديث، وفي ذات مرة اصيبت قدمي اثناء احدى مباريات المدرسة فكان هزيم اول من تقدم ليساعدني ويستمر بوضع الثلج لقدمي المصابة الى ان هدأ آلمي، بالطبع استمر العلاج لنصف ساعة تقريباً وكلانا لم ينطق بشيء، وفي النهاية كانت الكلمة الوحيدة التي قلتها هي شكراً. فأنا بالفعل كنت ممتن له!

وبعدها؟
لن تصدقي!
ماذا؟
بعد ان قلت شكراً انفجر كلانا بضحك ولاتسأليني لماذا فكلانا لم نعرف هذا، وعندما سألته لما نضحك ولم يعرف هو ايضاً شرعنا بضحك اخر!
فضحكت ريم وهي تمسح دموعها بأطراف اصابعها وتقول:
بالفعل مجنونان!
ربما لهذا السبب كنا صديقين مقربين!
فنظرت له بتردد لتقول:
وانا؟
مامشكلتك مع الضمائر اليوم؟ قبل قليل انت والان انا؟
ألا يمكنك ان تجيب من دون ان تعلق بشيء؟
لا!
ضحكت لتقول:.

حسناً. بما انك علقت. هل يمكنك ان تجيب؟.
اول مرة رأيتك فيها كانت قبل سنوات، في المقهى. أتذكرين؟، موعد هزيم وميسم الاول؟
سكتت ريم تحاول التذكر ثم قالت فوراً:
اوه. اجل. اظن اني اذكر! كانت تلك المرة الاولى التي تخرج فيها ميسم مع هزيم وكان ذلك قبل سفره! في المقهى حسب مااظن!
بالضبط!
وما علاقة رؤيتي بخروجهما؟
عندما وصلتي الى المقهى كان هناك ثالث جالس معكما!
بقيت تحدق فيه بعدم تذكر فأكمل بأبتسامة:.

بالطبع لن تتذكريني. فأنا هربت فور وصولك. لم نشأ انا وهزيم ان تعرفي بشأن صداقتنا كي لا يثير مخاوفكِ عليه!
بقيت تحدق فيه متشوقة ان تعرف المزيد عن امر مشاعره ولكنها تخجل من سؤاله. فلم يبخل عليها بالبقية:.

من يومها وبدأتي تثيرين فضولي، شكلك كان اول ماجذبني، وبالاخص عينيكِ! رأيتك للمرة الثانية برفقة هزيم في المركز التجاري فترسختي بذاكرتي اكثر. بدأت اسمع الكثير من الاحاديث من هزيم عنكِ. عن مدى ترابطكما ببعضكما. عن مدى حبه لكِ واعتنائه بكِ، عن تعلقكِ المجنون به! وصف لي كم كنتِ فتاة حساسة، كم انتي انسانة رقيقة! كان يحدثني عن مخاوفه بتركك والسفر فهو يعلم طبيعتك الانطوائية. ويعرف ان اسرتكم لن تعتني بكِ كما كان يفعل هو! كان يتحدث ويتحدث ولم يكن يزيدني هذا ألا تعلقاً بك، وبدأت اراقبك لاسيما بعد سفر هزيم، وكأني كنت اخشى ترككِ لوحدكِ، اراقبكِ منذ خروجكِ من المنزل لحين عودتكِ اليه! لاتسأليني لماذا لم افكر يوماً بمحادثتك لأني ذاتاً لم اعرف، لم اكن اجرؤ فحسب!

ثم مد يده ليستكين على خدها وهو يقول بحسرة:
كنتِ اكثر شيء هش ورقيق شاهدته في حياتي، لم اكن اظن ان الحياة ستكسركِ بهذا الشكل!
مع هذه الجملة اغمضت عينيها بألم لتفلت بضع دمعات منها ووضعت يدها فوق يده لتضغطها فوق خدها اكثر من دون ان تعرف الكلمات المناسبة لتقولها، ولكنها بشكل ما احست انه قد فهمها، وهذا اكثر شيء احبته!

مضى بعض الوقت استجمعت فيه ريم ثباتها. ولكن بصرها لايزال مستكين فوق صور اخيها تطالعهم من دون ملل، واخيراً رفعت نظرها بأتجاه ادم بعيون تحمل بعض القوة. عكس تلك العيون التي انكسرت قبل ثواني بدموع ضعيفة، فقالت بنبرة تحمل بعض التوعد وهي تسأل ادم:
قلت لي انكما كنتما اصدقاء!
فنظر لها بتوجس وهو يعرف جيداً تلك النظرات التي تسيطر عليها. فقال بتردد:
اجل؟
اذاً. بأمكانك مساعدتي!

قطب حاجبيه بعدم فهم لتقول ببرود والم:
هناك شخص من اسرتك اريد الوصول اليه، سأدفع اي شيء من اجل العثور عليه!
ومن هو؟
قبل ثلاث سنوات، في يوم مقتل هزيم، قاتله كان يقف على بضع مترات مني ولكن لم ارى وجهه.
ثم اكملت بقسوة:
اريد معرفة من يكون ذلك الشاب!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة