رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع والعشرون
قرار..
حدق داخل تلك العيون الباردة وشعور ما بداخله ينبأه انها تنوي على شيء ما ولاتقول ذلك عبثاً!
حرك عينيه داخل عينيها وهو يسألها بتردد: ولما تريديه؟
رفعت زاوية فمها بأبتسامة غريبة وقوست حاحبيها بأستنكار بينما تسأله بهدوء: ولما برأيك؟
انتِ لاتفكرين بما افكر به الان، صحيح؟
رفعت كتفيها وانزلتهما وهي تجيبه ببساطة:
لااعرف ماالذي تفكر به انت.
ثم تحولت نبرتها للقسوة وهي تكمل:
ولكني افكر بجريمة!
فأنتفض من كرسيه وهو يصرخ بها:
لابد وانكِ فقدتي عقلكِ!
وقفت بمواجهته وهي تجيبه بثقة:
ليس بعد! ولكني بالتأكيد سأفقده ان تركت دم هزيم يهدر هكذا ببساطة من دون انتقام!
ريم لاتتهوري! لااحد يعرف من قتله. لااحد يعرف ماالذي حصل في تلك الليلة بالضبط. فهل ستقومين بعملية قتل بشكل عشوائي استناداً على حدسكِ؟ ونحن ذاتاً لانعرف ان كان من رأيته بجانب هزيم هل هو القاتل بالفعل ام مجرد شخص تواجد في ذلك المكان في الوقت الخاطئ!
لا، انا متأكدة انه هو!
وماالذي يجعلكِ متأكدة هكذا؟
رأيت المسدس في يده!
وعند هذه النقطة صمت ادم وبقي يحدق داخل عيناها بصدمة لتكمل هي ببكاء:.
لم اتمكن من رؤية وجهه اللعين بدقة بسبب هروبه وتستره بالظلام ولكني واثقة تمام الثقة من رؤية السلاح بيده!
عجز عن الرد بشيء وعجز عن ايجاد الاسباب المناسبة ليجعل هذه المجنونة تتراجع عما تفكر به. فكرة ربما ستؤدي بها الى التهلكة! لذلك صمت فحسب من دون ان يناقشها اكثر!
اقترب منها واحاط وجهها بكلتا يديه وهمس لها بهدوء:
كفي عن البكاء بحق السماء.
ثم ضمها اليه برفق ليكمل:.
أتعلمين ما يصيبني في كل مرة اشاهدك تبكين فيها؟
احاطت ظهره بيديها وهي تقول بخفوت:
ادم؟.
نعم؟
صمتت لبضع ثواني ثم قالت بتلعثم: اظن، اظن اني...
ماذا؟
اغرقت وجهها داخل حضنه اكثر وهي تكمل:
لاشيء!
تبسم وهو يستند بذقنه فوق رأسها ليهمسها هو لها:
انا احبكِ!
تبسمت بخجل ممزوج بسعادة ونبضات عنيفة. وتمنت لو ان كلمة انا ايضاً بهذه السهولة كي تنطقها! ولكنه بالتأكيد يشعر بها بطريقة ما، تمنت ذلك!
حل المساء وكانت ريم مستلقية فوق سريرها تحدق بأصبعها الخالي من خاتم زواجها الذي اخذه منها ادم، تذكرت ذلك الشجار الذي خاضاه معاً - او بالاصح افتعلته هي- انتهى بسحب ادم الخاتم من يدها ومن يومها لم تراه مجدداً! زفرت بضيق وانزلت يدها بعنف بجانبها لتكمل تحديقها بسقف غرفتها بأستياء تريد بشدة استعادة الخاتم ليحوط اصبعها ولكن تعجز عن ايجاد الكلمات المناسبة التي تطلب فيهم هذا من ادم بطريقة غير مباشرة!
ثواني حتى جذب انتباهها نغمة قصيرة اصدرها هاتفها يعلن عن وصول رسالة. سحبت الهاتف وفتحته لينبض قلبها بعنف وهي ترى اسم ادم اعلى الرسالة!
(قولي لي. كيف سأنقذ نفسي؟
من اشواقي واحزاني!
قولي لي. ماذا أفعل فيكِ؟
انا في حالة ادمانِ!
قولي لي. قولي ماالحل؟
فأشواقي وصلت لحدود الهذيانِ! )
#اقتباس من قصيدة نزار قبانيحافية القدمين#.
اخذت نفساً عميقاً لعل قلبها يهدأ قليلاً واعادت قرائة الرسالة اكثر من مرة تتمعن في كل كلمة فيها! ولكن يبدو ان عدوى الاستفزاز والمزاح التي لدى ادم تنتقل تلقائياً للمقربين منه. فتبسمت وهي تجيبه برسالة:
(نزار قباني. بأمكانك ان تصنع لنا بعض الفشار وتختار فيلماً وانت ستتخلص من احزانك هذه صدقني. )
ثواني حتى وصلتها رسالة منه دفعتها للضحك بقوة دون ان تسيطر على كتم ضحكتها:
(وما بها حافية القدمين لاتعدها؟ ).
(لأني حافية القدمين كيف سأسير للمطبخ؟ )
(ريم؟! )
(نعم؟! )
(لقد افسدتي كل اللحظة الرومانسية ايتها الغبية الحمقاء، انا منذ ساعة ابحث عن هذا الشعر بين كتبي لأرسله لكِ. )
(وماالذي تريده الان؟ )
(اريد بعض العصير مع الفشار! )
ضحكت وهي تهز رأسها بعدم تصديق من هذا النموذج الغريب، غريب بشكل رائع تعجز عن وصفه!
ثواني وفتح باب غرفتها ليطل برأسه فقط وهو يقول بتذمر:
من الان فصاعداً سأرسل لكِ صور طعام بدلاً من الاشعار!
قامت من مكانها ضاحكة وهي تتجه اليه وتقول:
ليست مشكلتي انك احببت واحدة باردة مثلي!
ثم فتحت الباب بشكل كامل لتخرج بأتجاه المطبخ وهي تقول:
هيا سأبدأ بأعداد العصير تعال لتحضر الفشار!
تبسم بعذوبة وهو يتبعها، نعم هو مستعد لأعداد الفشار برحابة صدر شرط ان تكون معه في المكان ذاته!
كانت ليلة لطيفة جداً مرت عليهما. مزاح. ضحك. حماسهما الطفولي للفلم. عبارتهما الرومانسية المشفرة، غيرتها المكتومة وغيرته المفضوحة! كانت اجمل ليلة يعيشها كلاهما منذ بدء تعارفهما، بالاخص بالنسبة لادم. فالنعاس قد وقف بجانبه هذه الليلة ليغلب ريم ويجعلها تغفو فوق كتفه من دون وعي منها!
تبسم وسحب غطاء كان بجانبه ليزيدهما دفئاً وبقيا كلاهما على الاريكة نائمان وهما جالسان. ولكن كان النوم مريح بالنسبة لكلاهما اكثر من سريرهما الوثير!
غطا بنوم عميق ولم يستيقظا منه ألا بسبب رنين هاتف ادم المتواصل. افاقا من نومهما فوراً وسحب ادم هاتفه بقلق ليجد اسم حمزة فأجاب وهو يرمق الساعة ليجدها الثالثة والنصف صباحاً:
حمزة؟ ماذا هناك؟
ليصله صوت حمزة المليء بالجزع والخوف:
ادم. جدتي!
ومع انطلاق هذه الجملة من فم حمزة نهض ادم بفزع من فوق الاريكة ليهتف به:
مابها؟
انها، انها في المستشفى ياادم. لااعلم ماالذي حصل لها فجأة!
انا قادم!
واول ما انهى ادم المكالمة قامت ريم بقلق من فوق الاريكة وهي تسأله:
ماذا هناك ياادم؟
اتجه ادم للغرفة وهو يجيبها بأستعجال:
جدتي ليست بخير!
فتحت عيناها بصدمة وهي تقول له:
هل اتي معك؟
لا!
ولكن.
ليعترض بحدة اشد بينما يغلق باب الغرفة:
ريم قلت لكِ لا.
فأبتعلت باقي حروفها وهي تقدر عصبيته هذه. فهي تعلم جيداً ما تعنيه جدته له وكم يحبها! ارادت بشدة ان تكون بجواره وان لاتتركه وحده في ظروف كهذه فهي تعرف ان قلبها سيبقى مشتعلاً بنار القلق عليه ماان يتركها ويذهب بمفرده. ولكنها سترضخ لقراره هذا دام انه يريده!
خرج من الغرفة بعد ان غير ملابسه واتجه نحو الباب بأستعجال بينما يضع اوراقه الرسمية في جيب بنطاله ويقول:
لاتفتحي الباب لأي احد لاتعرفيه!
قالت بينما تتبعه للباب:
حسناً. اتصل بي لتطمأنني عليها ماان تصل!
استدار اليها قبل ان يصل للباب ليفاجئها وهو يحتضن وجهها بين يديه ويسحب رأسها اليه ليطبع قبلة عميقة فوق قمة رأسها ويقول:
اسف لترككِ وحدكِ حبيبتي!
وقبل ان تجيب بشيء تركها وخرج بأستعجال. رفعت يدها نحو صدرها لتستكين فوق قلبها وهي تتمتم لنفسها بينما تغمض عينيها وتسحب نفساً عميقاً:.
اهدأي قليلاً ايتها الحمقاء، قلبك سيتوقف ان لم تسيطري على نبضاته تلك!
تبسمت بدفئ وهي تتذكر قبلته فوق خصلات شعرها وكلمة حبيبتي تلك التي انطلقت من بين شفاهه! ولكنها سرعان مااغتالت ابتسامتها البلهاء هذه وهي تتذكر وجود جدته في المستشفى!
جلست في الصالة تتدثر بالغطاء ذاته الذي لايزال يحمل بعضاً من عطره وظلت ساهرة في انتظار عودته او اتصاله!
مر الوقت ببطئ شديد عليها وادم لم يتصل بعد! كانت تحدق بشاشة هاتفها بتردد مابين الاتصال وعدمه. قد تزعجه باتصالها وسط انشغاله، قد يغضب منها وسط قلقه على جدته. قد لايمتلك الوقت من الاساس كي يجيبها، وفجأة انتفض جسدها مع انطلاق نغمة هاتفها وسط هذا الهدوء. فأجابت فوراً:
ادم؟
وصلها صوته المتعب:
مرحباً عزيزتي.
اهلاً بك. اذاً كيف هو حالها؟
اطلق تنهيدة قبل ان يجيب:
لازالت حالتها غير مستقرة!
وهل اخبركم الطبيب مابها؟
اجل. يقول انه اضطراب في ضربات القلب.
ثم اردف فوراً:
ريم؟
اجل؟
اسف لعدم احضارك معي، ولكن الجميع موجود هنا وخشيت ان يسمعكِ احدهم كلمة تؤذيكِ!
لاتشغل بالك بي ادم، الاهم الان هي جدتك!
وفجأة قال بأستعجال:
عزيزتي على الذهاب. لقد اتى الطبيب!
حسنا! ً.
واغلقت الهاتف وعادت لتجالس وحدتها فقط. دثرت نفسها بالغطاء اكثر وقررت انتظار اتصاله التالي بلهفة. ربما لتطمئن على جدته، او لتسمع صوته فقط!
لهفتها قررت شيء، ولكن نعاسها قرر شيء اخر! فلم تجد نفسها ألا وهي تغط بسبات عميق من دون ان تنتبه لنفسها!
هناك صوت ما يتداخل مع حلمها، ازعاج يشوش لها صورة ادم الذي قرر زيارتها في نومها ان غاب عن واقعها. تمسكت بيده بقوة. تبسم لها، وفجأة اختفى!
فتحت عيناها بفزع واستقبلت اذنيها فوراً صوت الطرقات فوق باب شقتها. دعكت عينيها لتنشطهما قليلاً ورمقت الساعة بذهول لتتفاجئ بها اصبحت التاسعة والنصف وهي لاتزال نائمة! تجاهلت الطرقات بادئ الامر وهي تتفقد هاتفها. فالبتأكيد الذي على الباب ليس اهم من ادم! لم تجد منه اي مكالمة او رسالة. الامر الذي ادخل بعض خيبة الامل لداخلها! قامت من الاريكة والقت نظرة سريعة على غرفته. فلم تجده ايضاً! عادت الطرقات فوق الباب جاذبة انتباه ريم مرة اخرى لتتجه اليه بتململ!
فتحته لتفتح عيناها بذهول وهي تستغرب وجود هذه الزائرة غير المتوقعة بينما تتمتم:
امي؟
تبسمت بلقيس لتجيبها بلطف:
صباح الخير عزيزتي، يبدو اني ازعجت لكِ نومكِ!
بادلتها ريم الابتسامة وهي تفتح الباب اكثر وتقول:
لالا. انه موعد استيقاظي على اية حال. تفضلي!
قالت بسعادة بينما تدلف للداخل وتعانق ابنتها:
من الجميل انكِ اصبحتِ تستيقظي بهذا الوقت!
اكتفت ريم بأبتسامة من دون تعليق وهي تبادلها عناقها بصمت. اغلقت الباب واشارت بيدها نحو الصال قائلة:
تفضلي ارجوكِ!
تقدمتها في المسير لتتبعها بلقيس وهي تقول:
ادم في العمل. صحيح؟
حملت ريم غطائها من فوق الاريكة بينما تجيبها:
لا انه في المستشفى. اصيبت جدته بوعكة صحية!
اوه. اسفة لسماع ذلك!
اخذت ريم الغطاء واتجهت نحو غرفتها لتضعه هناك فتتبعتها بلقيس بنظرات غير راضية تعبر عن استنكارها وهي تقلب ابصارها ما بين غرفة ريم. وغرفة ادم!
عادت ريم لتجد ان والدتها قد اتخذت مجلسها وترتسم فوق عينيها نظرة غامضة تختلف عن تلك التي تركتها بها قبل لحظات.
هل اعد لكِ القهوة امي؟! ام تفضلين بعض الشاي الساخن؟
تنبهت بلقيس من شرودها والتفتت برأسها نحو ابنتها لتعيد الابتسامة لوجهها وهي تطبطب بيدها على الاريكة بجوارها وتقول:
لا اريد شيئاً عزيزتي، تعالي لتجلسي!
شيئاً ما وخز قلب ريم وهي تشعر ان هذه الزيارة ليست زيارة عادية! اقتربت من والدتها بصمت لتجلس بجوارها وتبادرها والدتها بالسؤال فوراً:
اذاً. كيف هي حياتك مع ادم؟
وجدت ريم نفسها تبتسم من دون وعي وهي تجيبها:
جيدة! انه انسان لطيف جداً!
استدارت اليها بلقيس بجسدها واحتضنت يد ريم بين كلتا يديها وقالت بعطف:
اسمعي عزيزتي. انا اعرف ان ما فعلناه لكِ هو اكبر خطأ بحقكِ.
صمتت ريم من دون تعليق وهي تظن ان والدتها جاءت لتعلن ندمها فحسب وتبرر اخطائها بكلمة اسفة. كلمة لاتعترف ريم بها على الاطلاق. فلن تمحي الجرح كلمة من اربعة حروف بسيطة! اعتقدت ان اسرتها تغيرت. لربما ندمو على مافعلو، لم تظن انه من المستحيل انهم قد يتمكنون من تغيير انفسهم وتفكيرهم!
اكملت بلقيس وهي تضغط اكثر على يد ريم بين يديها:
لقد تحدثت مع ابيكِ في الموضوع. وحتى جدك وافق على قرارنا.
ومع هذه الجملة قطبت ريم حاجبيها وهي تشعر ان نبأ سيء في طريقه اليها. وبالفعل حدسها كان صحيحاً عندما اكملت بلقيس جملتها:
لقد اتيت لأخبرك اننا ادركنا انه مهما فعلنا فلن تتغير علاقتنا مع اسرة مراد، لذلك. انتِ لستِ مجبرة ان تعيشي بقية حياتك مع ادم. وبأمكانك الانفصال عنه!
بقيت ساكنة. لاشيء يتحرك منها. رفض قلبها ان ينبض وانقبض بشدة، كل شيء توقف عن التحرك كي يسمح لعقلها بالعمل بالشكل الصحيح كي يتمكن من استيعاب هذه الجملة الغريبة! تنفصل عنه؟ تفارقه الى الابد؟ اي جنون هذا وهي لم تتمكن من مفارقته ليوم واحد فقط؟
قامت بنفور من مكانها وسحبت يدها بعنف من بين يدا والدتها وهتفت بها بغضب:
هل انتِ واعية الى الكلام الذي تقوليه امي؟ ألم تسأمو من اللعب بحياتي بهذا الشكل؟
وقفت والدتها بمواجهتها لترد عليها بأستنكار:
اللعب بحياتك؟ انا احاول ان انقذك مما انتِ فيه!
اجل. العذر ذاته الذي استخدمته عندما اجبرتموني ان اتزوج بأدم!
نعم اجبرناكِ. وها انا ذا اعطيكِ فرصة ترك هذه الحياة التي كانت ضد ارادتك!
فأجابتها بحزم:
وانا لااريد ذلك!
قطبت والدتها حاجبيها بأستغراب وهي تسالها:
ولماذا؟، هل وقعتي بغرامه؟
بقيت تحدق داخل عينا والدتها ونبضات قلبها في ازدياد، كادت ان تنطق ال نعم بكل سهولة ولكنها في هذه اللحظة تذكرت تحذير رأفت لها من ان هناك البعض لايريدون ان يقع هذين الاثنين بحب الاخر، جوابها ربما سيسبب فقدانها لأدم الى الابد!
فأجابت مدعية الثقة فيما تقوله:
بالطبع لست واقعة بغرامه ولكن لايمكنني نكران اني مرتاحة معه وسعيدة!.
فأعادت والدتها جملتها بسخط:
سعيدة؟
ثم اشارت بيدها نحو غرفتيهما المنفصلة وهي تكمل هتافها:
أبهذا الشكل الحياة التي تريديها؟
كان عليكم التفكير بهذا عندما اجبرتموني على الزواج وليس الان!
احاطت بلقيس وجه ابنتها وقالت بعطف:.
هذه المرة انا لن اجبرك على شيء عزيزتي. هذه المرة القرار سيعود لكِ لتقرري انتِ حياتك، ولستِ حتى مجبرة على العيش معنا بأمكانك ان تستقلي بحياتك ان اردتي هذا! حياة ستكونين انتِ وحدك صاحبة القرار فيها! لا بتأثير منا ولابتأثير من ادم!
مع هذه الجملة صمتت ريم فوراً، قلبت عيناها داخل عيون بلقيس، وكأن الزمن يعيد نفسه مراراً وتكراراً عليها، وكأنها تعيش الليلة ذاتها التي حضرت فيها امها لغرفتها تحاول اقناعها بالزواج من ادم، تقنعها على شيء هو مجبرة ان تنفذه. لما الاقناع اذاً؟ كي يشعروها انها ليست دمية بأيديهم يحركوها كيفما احبو؟، ولكنها كذلك بالفعل! ولكن هذه المرة هم اعطوها الفرصة، بعد سنين طويلة هي لديها الفرصة لتعيش حياة مستقلة. حياة لن يجبرها احد على تنفيذ مايراه هو مناسباً وليست هي، فرصة ان تكون. امرأة حرة!
قطع عليها شرودها صوت بلقيس وهي تقول لها بينما تأخذ حقيبتها من فوق الاريكة:
اتيت لأقول لكِ هذا فقط والقرار عائد لكِ عزيزتي. فكري بالامر جيداً واخبريني بقرارك النهائي!
وايضاً اكتفت ريم بالصمت من دون ان ترد بشيء وسارت بصمت خلف والدتها نحو باب الشقة لترحل بعد ان زعزعت كيان ريم لتجعلها تشك بما كانت واثقة تماماً منه!
وكما حدث في المرة السابقة مع رأفت حصل هذه المرة مع والدتها عندما فتح باب الشقة قبل ان يصلا اليه ويطل عليهم ادم بهيئته المجهدة وعينيه الذابلة من السهر!
تبسمت بلقيس وهي تلقي عليه التحية فبادلها هو ابتسامتها بينما يرد:
اهلاً بكِ سيدتي. كيف حالك؟
بخير بني. كيف هو حال جدتك؟
انها افضل الان!
الحمدلله.
ثم التفت نحو ريم التي على مايبدو انها كانت في عالم اخر مفصول عن العالم الذي يقف به هذين الاثنين وقالت لها:.
سأذهب الان انا عزيزتي!
اومأت لها ريم وهي لاتزال متمسكة بصمتها وودعتهم بلقيس ورحلت، وفور رحيلها رفعت ريم بصرها نحو ادم ليكتفي الاثنين بالتحديق بعينا بعضهما الاخر بصمت وكلاً يفتقد الاخر بشدة، وبسرية تامة!
وقبل ان يبادر ادم بالامر بادرت هي لتعانقه بقوة وكأنها تستلاذ به من الهاوية التي ستقع بها! رفع يديه ليضمها اليه ويطرح انفاسه وكأنه كان يكتمها طوال ابتعاده عنها، وكأنها هي رئتيه التي يتنفس من خلالها وبوجودها فقط!
كيف اصبحت جدتك؟
همستها له من دون ان تبتعد عنه فأجابها هو بخفوت وتعب:
افضل بكثير، نقلناها الى المنزل قبل قليل!
تبدو متعباً!
ضمها بشدة اكثر وكأنه يفرغ شحنات تعبه هذه بينما يكمل:
جداً!
عليك ان ترتاح!
انا افعل ذلك الان!
تبسمت من جملته الاخيرة هذه رغم الدموع التي تحاول بشدة كبحهم بداخلها ليزيد ضياعها وتشتتها اكثر واكثر!
شعر بقطرة ماء دافئة تتخلخل قماش قميصه فأبعد وجهها قليلاً ليحيطه بين يديه وهو يقول بقلق:
لما البكاء؟
حاولت ادعاء التماسك وهي تبتسم وتقول:
لاشيء. ولكنك تعرفني كم انا كثيرة البكاء لأبسط الاسباب!
مسح دمعتيها بأبهاميه وهو يقول:
وماالسبب هذا المرة؟
لاشيء صدقني!
هل قالت لكِ والدتك شيئاً ازعجك؟
اغمضت عينيها بألم ولاتريد ان تكذب عليه وهو بالتأكيد سيعرف عاجلاً ام اجلاً فضمها اليه مرة اخرى وهو يمسح شعرها بلطف بينما يقول:
قولي لي ماالذي يزعجك؟ ماالذي قالته لكِ!
دعنا نتحدث بالامر لاحقاً، ارجوك!
زفر بضيق واحترم رغبتها دون ان يجبرها على البوح الان فيزداد بكائها!
اخذ حماماً دافئاً ليزيل عنه بعض التعب وخلد الى النوم بعدها فهو يحتاج ذلك بشدة الان، اما هي فعقلها لايمكنه التوقف عن الضجيج وقتل لها كل راحتها وهدوئها، جعلها داخل دوامة حيرة تعجز بالفعل عن الخروج منها، هل توافق على قرار والدتها؟ ولكنها تعجز عن مفارقة ادم. لايمكنها تخيل ذلك حتى!
هل ترفض؟ ولكن كيف ستكون بقية حياتها هنا؟ ربما مشاعرها هو مجرد اعجاب قوي سيزول مع الوقت. ربما سيأتي اليوم الذي يعجز فيه ادم عن تحملها او تحمل هذه الحياة وسيرتبط بفتاة اخرى كما اخبرها. كيف ستكون حياتها عندها؟ وماذا عما حذرها منه رأفت؟ ان اكتشف بعض افراد الاسرتين انهما واقعين بحب بعضهما. هل سيتركوها تعيش هذه الحياة؟ ربما سيعمدون لأذيتها او اذية ادم ليقمعو هذا الحب!
ربما الانفصال مؤقتاً هو الحل الافضل لتتأكد مما تريده بالفعل ولتكون مسؤولة عن قراراها لاحقاً! وتعود عند نقطة البداية ذاتها التي انطلقت منها. انها تعجز عن مفارقة ادم فكيف ستنفصل عنه!.
حلت الظهيرة ودخلت ريم نحو المطبخ لتعد طعام الغداء وعقلها لايزال بعيداً عن الواقع الذي يحيطها! استيقظ ادم قبل موعد الغداء بدقائق ليتناولاه سوية. ولكنه تفاجئ انها حضرت الطعام من اجله فقط واتجهت نحو غرفتها. اوقفها صوته المعترض:
ألن تتناولي الطعام؟
التفتت اليه بأبتسامة اجبرت نفسها ان ترسمها فوق شفتيها:
لااشعر بشهية. ربما سأكل لاحقاً!
فقام فوراً من مكانه وقال بنفاذ صبر:.
هذا يكفي، انتِ لستِ طبيعية اليوم، عليكِ اخباري الان بماذا تحدثت معكِ والدتكِ؟
فهتفت هي بنفاذ صبر مماثل ولكن مع دموع:
اخبرتك اننا سنتحدث بالامر لاحقاً. اتركني وشأني الان ارجوك!
ثم تركته ودخلت الى غرفتها تريد اكمال ذرف دموعها هناك ولكن اول مادخلت غرفتها وجدت الباب يفتح مرة اخرى ليدخل ادم بغضبه وسخطه اللذان تعرفهما جيداً وهو يهتف بها:
تحدثي ياريم ولاتجعليني افقد اعصابي!.
فألتفت اليه لتصرخ بوجهه دون ان يفهم هو هذه العصبية المفاجئة التي اجتاحتها:
أهذا كل ما تجيده؟ ان تفقد اعصابك معي؟
اضعفته دموعها عن الاستمرار بغضبه فتقدم منها ليضمها اليه برفق ويطبع قبلة ندم فوق قمة رأسها بينما يقول:
حسناً. انا اسف حبيبتي! ولكن تعلمين ان رؤيتك تبكين تجعلني اصاب بالجنون!
ضمت نفسها اليه اكثر وارتفع صوت بكائها تشكو اليه المها بصمت لعله يفهمها! منحها بعض الوقت لتفرغ حزنها ودموعها ثم رفع وجهها اليه وهو يحيطه بيديه وقال:
لاشيء يستحق دموعكِ عزيزتي، اخبريني ماالامر وسنحل كل شيء معاً!
شعرت ببعض الطمأنينة تنساب اليها وهي متأكدة انه الوحيد الذي بأمكانه انشتالها مما هي فهي. ولكنه ايضاً الوحيد الذي سيؤلمه الامر بقدرها! فحثها على الكلام بعد ان طال صمتها:.
ريم؟ اخبريني ماذا ارادت والدتك؟
صمتت للحظات اخرى. حدقت داخل عينيه بتماسك ثم نطقت الامر بهدوء:
تريدنا، ان ننفصل!
اعتقدت انه سيتصرف مع الامر كما تصرفت هي. اعتقدت انه ستعرف كيف تعبر عن وجهة نظرها ومخاوفها. ولكنها كالعادة تفشل في ايصال ماتعنيه بالضبط، ليغرس هذه المرة ادم سكيناً داخل قلبها اكثر حدة من التي غرستها اسرتها! لتكتشف ماادم قادر على فعله بها حقاً!