رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر
تناقضات عاشقين
هناك لحظات في حياتنا تكون كالبقعة السوداء في الذاكرة سندفع أي ثمن مهما غلا في سبيل أزالتها. هذه تكون لحظات الندم!
وهناك لحظات اخرى تكون كالفجوة لا تتذكر ما حصل فيها فعلاً وما عشته.
وهذه هي لحظات الصدمة!
وكلاهما كانت مرام تعيشه وهي تسمع العبارة التي نطقتها ريهام وتمنت لو تكون مجرد كاذبة. مجرد منافقة تريد خلق المشاكل.
نظرت نحو رامي وكأنها تترجاه بنظراتها مطالبة إياه بأي تفسير فوجدته يتهرب بنظراته منها. فأدركت أن الكاذب هنا كان هو طوال الوقت وليس ريهام!
عصرت الكتاب بين يديها بقوة لتفرغ ما يعتمر بداخلها وتجبر نفسها على الابتسام بوجه ريهام وهي تقول بهدوء لا تملكه على الاطلاق فقط كي لا تثير ريبها وتفسد الامر بينها وبين خطيبها. فمهما غلا حبها وزاد وتراكم فهي لن تكون ابداً سبباً بانفصال اثنين عن بعضهما:.
- أعتذر منكِ عزيزتي ولكن حين تعرفين تفاصيل قصتي ستعذرين تحذري من البوح بهويتي لحين معرفتي بهويتكِ.
قطبت ريهام حاجبيها بعدم فهم لتكمل مرام والابتسامة تزين شفتيها بكل اريحية. وكأنها الهدوء قبل عاصفة عاتية!
استأنفت:
- أسمي مرام. وانا هنا...
فقاطعها رامي:
- لستِ مضطرة لشرح التفاصيل!
ردت وهي تستمر بالتحديق بوجه ريهام من غير أن ترفع عينيها نحوه. لا تعلم ما الذي سيحصل لو التقت بعيناه الان:.
- من حق خطيبتك أن تعرف بدل أن تفسر الامر بطريقة اخرى.
لا تعرف هل استفزته هذه الجملة أم أنه يريد التهرب فحسب فهو حرّك قدميه بخطوات ساخطة نحو ريهام وسحبها من زندها بقوة معه وهو يقول:
- أنا أعرف كيف أتصرف مع خطيبتي.
قال كلمته الاخيرة بطريقة اقرب للسخرية وهما يمران من قربها كالزوبعة ويدخلان نحو غرفته ويغلق الباب خلفه.
هل هي تغلي الان؟ لا. هو شيء اكبر من الغليان. حين تشعر بالغيرة ستود لو أنك تصرخ. تكسر. تضرب. تبكي. ستود لو تحرق كل شيء وتقلبه رأساً على عقب.
أن تشعر بالغيرة فالامر يبدو كما لو كنت محجوز داخل صندوق سيارة مغلق باحكام وضيق وفمك محكم الاغلاق بشريط لاصق كما يديك وقدميك. تخيل هذا الشعور وتخيل أنك تبكي فلا تستطيع التنفس باريحية من انفك ولا يوجد أي هواء يدخل من فمك وتحاول جاهداً ان تستعدل بجلوسك لتتنفس ولكن باب الصندوق يرفض الانفتاح. عش هذا الشعور بمخيلتك واشعر به ثم ضاعفه عشر مرات. عندها ربما سيصف جزء من شعور الغيرة. ستشعر بشيء ثقيل ومؤلم يستقر بداخل صدرك سيدفعك للاحتراق والبكاء دون ان يزول. سيتحرك جسدك بعشوائية وكأنك تبحث عن هواء تتنفسه ولا تجده.
كل هذه المشاعر كانت تختلجها في هذه اللحظة ولكن رغم ذلك بقيت ثابتة في مكانها من غير حركة أو بكاء أو حتى أن تلتفت نحو باب غرفته الموصد. هي هكذا ببساطة بقيت واقفة حيث كانت تقف وتحدق حيث كانت منذ البداية دون أن تغير شيء. ليس لأنها باردة. بالعكس تماماً. ولكنها كانت تدرك أن أي حركة منها سينهار جسدها بعدها وتشرع بالبكاء والتعبير عمّا تشعر به.
لحظات حتى سمعت صوت رزان ينطلق من خلفها: - من كان في الباب؟
التفتت اليها بعيون باردة تشاهدها رزان لاول مرة وحدقت بها بصمت من غير رد فقالت باستغراب: - ما بكِ مرام؟ من اتى؟!
- خطيبة أخيكِ.
فتحت عيناها بصدمة وهتفت بتفاجئ:
- ريهام!
- جيد. إذاً تدركين من هي!
وقبل أن ترد بشيء قاطعتها مرام بذات نبرتها الباردة: - هل هو صدفة يا رزان أنكم طوال هذه الفترة لم ينطق أحد منكم أن ريهام خطيبته؟ أن لرامي خطيبة؟ وأن رامي لا يرتدي خاتم خطوبة من الاساس؟ هل كل هذا صدفة؟
فقالت رزان مبررة: - ليس هكذا يا مرام. ولكن من المفترض أنهما انفصلا قبل قدومكِ باسبوع أو أكثر. لم نأتي على ذكرها لأن رامي منعنا من هذا وقال أن كل شيء انتهى بينهما. لذلك حتى الخاتم لم يكن يرتديه.
- والاتصالات التي كانت تزعجه وتستمر بالساعات. كانت هي. أليس كذلك؟!
- مرام. هناك اشياء كثيرة أنتِ لا تعرفينها ولا تعرفين ما حصل وما يحصل. فلا تحكمي على ما ترينه فحسب. أو حتى ما تسمعينه!
فتبسمت ساخرة وقالت: - إذاً على ما احكم بالضبط؟!
فردت رزان بعيون جادة: - على ما عشته فقط.
أخذت مرام نفساً عميقاً تحاول بقوة دفن مشاعرها الحالية وتمثيل اللامبالاة وقالت بهدوء لم تتخلى عنه لحظة: - لا دور لي في حياتكم لأحكم رزان. ما هي إلا أيام وسأرحل. لا داعي لأحكم أو لأعرف التفاصيل.
- لكن مرام.
وفجأة قطعت عبارتها بفزع وهي تسمع صياح رامي في غرفته:
- هذا يكفي! تعبت من كل شيء بكِ تعبت!
ثم صوت تكسر شيء ما ثم جاء صوت ريهام:
- ووجدت البديل أم ماذا يا رامي؟!
- كالعادة! ستلومين غيركِ على اخطائكِ أليس كذلك؟!
خرجت ندى من غرفتها بوجه مفزوع على هذا الصياح واثار النوم لا تزال عالقة فوق ملامحها. نظرت نحوهما قبل أن تدخل غرفة رامي وقالت: - ما الذي يحصل؟!
فقالت رزان بضجر:
- أحزري؟!
- ريهام؟!
- ومن غيرها يجعل أخي يفقد أعصابه كالمجنون؟!
فتحت ندى باب الغرفة لتدخل فوقعت عينا مرام مباشرة داخل عينا رامي مع انفتاح الباب.
كان ملتهب. مشتعل. كان يشابه جنون لحظة معرفته انها ابنة عادل بل وأشد!
قالت ندى بنبرة ممتزجة ما بين الاستغراب والملامة:
- ما الذي تفعلينه هنا يا ريهام في هذا الوقت؟ وهل تعرف أمكِ بحضوركِ؟
لترد الاخرى بضجر:
- هل هذا استقبالكم لي؟
ثم اردفت بعصبية:
- أين رزان لنرى ملامتها هي الاخرى؟!
فتقدمت رزان خطوتين لتقف خلف امها وهي ترفع يدها قائلة بسخرية:
- حاضرة للأدلاء بملامتي انسة ريهام.
- تفضلي ابنة خالتي العزيزة.
- ألم ينتهي بينكما كل شيء حين قررتِ السفر؟ هل أنهيتِ متعتكِ وجئتِ لتفرضي نفسكِ عليه مرةٍ أخرى؟!
ضحكت ريهام ما بين سخرية وسخط وهي تكرر جملتها الاخيرة:
- أفرض نفسي عليه؟ هل شكّلتم جميعكم حزباً ضدي؟
ثم أمالت رأسها لتقع ابصارها على مرام وهي تقول:
- أم تخططون لشيء مشترك. وواضح!
أمسكها رامي بقسوة من يدها وهو يصيح بها بعصبية:
- لا شأن لكِ بها ولا تحاولي خلق قصة من العدم لترمي اخطائكِ على غيركِ. سبب انفصالي عنكِ تعرفينه جيداً فلا تحاولي تأليف كذبة وتصديقها!
سحبت يدها بعنف منه وهي تصرخ بوجهه بنبرة مماثلة:
- لست أنا من أحاول خلق الاعذار هنا بل أنت لتتهرب من الارتباط بي.
قبل أن يرد رامي وجدو مرام تتقدم لتدخل الغرفة وتقول ببرود لريهام رغم االاتهامات البشعة التي اتهمتها بها:.
- أسمي مرام عادل سيف الدين. أظنكِ سمعتِ بهذا الاسم مسبقاً. أسم أبي أقصد. تعرضت لمشكلة مع أخوتي وقاموا بضربي وكدت أن أموت لو لا أن وجدني رامي وأحضرني الى هنا وعالجوني وحموني. وجودي معهم لأسباب أمنية وبتدخل بعض عناصر الشرطة وليس لأني أعيش بعالم وردي مع خطيبكِ العزيز انسة ريهام.
طوال ما كانت مرام تتحدث كانت ملامح ريهام المنقبضة تتفكك شيئاً فشيئاً بصدمة وهي تدرك جيداً ماذا تعني اسرة عادل سيف الدين بالنسبة لرامي.
استأنفت مرام وسط صمت الجميع كلامها وهي تخرج قلادة حول عنقها ذات ميدالية دائرية من النوع الذي يحتوي على صورة بداخلها. فتحت الميدالية لتظهر صورة شاب ربما في الثامنة عشر أو التاسعة عشر ووجهتها نحو ريهام:.
- وأن كنتِ تتهميني بعلاقة حب مع رامي فأنا لدي من أحب يا انسة. ولا رامي ولا غيره ممن سيأخذون مكانته بيوم!
هذا الخبر لم يكن صدمة لريهام. بل لرامي!
أدرك أن هذا سامي. ولكنه لم يدرك أنها لا تزال تحبه الى الان. هي في الحقيقة لا تفعل وبقاء صورة سامي حول عنقها ما هو إلا تأنيب ضمير لا أكثر لأن هذا المسكين فقد شبابه بالموت بسبب أسرتها ولكنها كانت الطريقة الوحيدة التي تنتقم بها من رامي لعله يشعر بما تشعر به الان. فالمرأة لا يمكنها أن تخطئ بحدسها على الاطلاق ومرام قد أدركت أن رامي بدأ بحبها، وتصرفها هذا سيشعل به ذات النار. ربما!
فهو لم يحبها لخمس سنوات كما كانت تفعل هي!
بعد هذا النبأ الصادم للجميع تركت مرام الغرفة وخرجت نحو الشرفة والصمت قد حلّ بشكل مخيف على الارجاء.
التفتت ريهام نحو رامي كادت أن تتحدث ولكنها أخرست لسانها فوراً. أن كانت مرام محقة بشيء فهو أن حدس المرأة لا يخطئ ابداً. لذلك هي ليست مخطئة الان بهذا الشعور الذي يراودها وهي تشاهد كمية الألم والغضب تلك تعتري رامي وهي يسرح بعيداً عنهم جميعاً بعد تصرف مرام ذاك، اليوم هي قد أدركت أن حكايتها بالفعل قد انتهت بداخله وليس هنالك من أمل بأعادة احيائها مجدداً. ليس بوجود حب جديد ينمو بداخل صدره!
قالت بصوت بدا منكسر أكثر من كونه غاضب:
- رامي أنا.
فقاطعه فوراً بعصبية وغيض:
- شششش، سأحرق هذا المنزل فوق رؤوسكن جميعاً أن نطقتِ حرف اخر. أغربي عن وجهي ولا تدعيني اراكِ مجدداً وألا أقسم لكِ إني سأنسى أنكِ ابنة خالتي وسأنسى السنتين التي جمعتني بكِ. أغربي عن وجهي يا ريهام!
أدركت أنه كان يعني كل كلمة قالها وأن بقائها سيزيد الامر سوءاً فحسب. هي لم تستلم ولكنها قررت تأجيل نقاشها فحسب.
أخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة ومن ثم من الشقة كلياً فاشار رامي لأمه ورزان بالخروج بصمت غير قادراً على التحدث.
أول ما خرجتا سمعتا صوت تكسر الزجاج من بعدهما. لا تعرف رزان لحظتها هل فعل ذلك بسبب شجاره من ريهام، أم بسبب ما فعلته وقالته مرام؟
كانت تلك الاخرى تقف في الشرفة تلتهب وما كادت رزان أن تقرر الذهاب اليها حتى طرق أحمد باب الشقة. فتحته له وقد لاحظ التجهم على وجهها فقال:
- جئت بوقت غير مناسب؟
تنهدت بأسى:
- ربما نعم. وربما هو الوقت المناسب تماماً لتخفف عنها.
- مرام؟
- أجل.
- ما بها؟
اشارت له بالدخول وهي تقول:
- أنها في الشرفة. تحدث اليها ولكن لا تقل لها إني قلت لك شيء
فرد ساخراً بينما يدخل:
- وتعتبرين نفسكِ قلتِ شيئاً بهذه الاحجية التي قلتها لي؟
فقالت بغيض طفولي:
- جميعكم لا تقدرون قيمتي وما أقدمه لكم. طماعون!
ضحك على منظرها ثم قال بمعنى:
- بالمناسبة. أنه بحال يرثى له!
تغيرت ملامحها للجدية وهي تهمس له:
- فادي؟
- لا. دكتور عماد!
طرفت عيناها ببلاهة ليهتف بها من حماقتها:
- ومن سيكون غيره؟ هل انتِ مرتبطة بغيره سراً ولا نعرف؟
- هل تصدق أنك معك حق؟
- بالله عليكِ؟
- اجل بالله!
اخذ نفساً عميقاً وطرحه بقوة قائلاً بنفاذ صبر:
- أغربي عن وجهي رزان قبل أن أتوسط بنفسي لأنهي ارتباطكِ بفادي وأحافظ على حياته بدل أن ينتحر من بلاهتكِ!
ثم تركها وذهب نحو الشرفة بينما هي تضحك. ففي هذه اللحظة وقد ادركت أن لغيابها هذا التأثير على نفس حبيبها أي شيء سيفرحها ويضحكها!
طرق باب الشرفة بينما يفتحه فلاحظ يديها ترتفع نحو وجهها لتمسح بقايا دموعها وتنظر نحوه لترسم ابتسامة مرحبة على وجهها وهي تقول:
- اوه اتيت؟
- لا. عشر دقائق واصل. تحتاجين أن أحظر لكِ شيء؟
- أجل. بعض من ظرافتك يا لطيف!
ضحك كلاهما ودخل ليجاورها الوقوف قرب السور وهو يقول:.
- هل أبدأ بالسؤال عن الحال الواضح؟
نظرت له بعدم فهم فاشار نحو وجهها وهو يقول:
- دموعكِ لا تزال ندية فوق خديكِ!
تبسمت بانكسار وهي تقول:
- واحدة بمثل حالي. كيف تتوقع أن تجدها؟
- كنت أرى الاشراق بعينيكِ رغم كل شيء. هذا الانكسار ذو نوع جديد. ما الذي حصل؟
بدا صوتها مخنوق بشدة وهي ترد عليه بينما تطرق رأسها وتعبث بطرف حجابها فتساقطت بضع دمعات وهي تقول:
- يبدو أن كل شيء يسير عكس التيار يا أحمد.
فقال مواسياً:.
- إذاً تعلمي السباحة لتواجهيه. لا تقفِ في مكانكِ ليجرفكِ معه.
نظرت له وكأنها تلتمس أي طوق نجاة يُرمى لها وقالت:
- ألن يحين الوقت المناسب لنتوقف كي نرتاح؟
تبسم بحنو:.
- لا يوجد على الاطلاق وقت مناسب للاستسلام يا مرام. لم نُخلق لنستسلم. وحياة من غير تعب هي حياة رتيبة لا معنى لها. تعبك هو من يعطي للاشياء قيمتها لتحبيها وتقدريها. كل شيء ياتي بسهولة ستتخلين عنه بسهولة أكبر. لذلك حاربي من أجل كل شيء تحبينه، ابتداءاً من حلمكِ وانتهائاً بالشخص الذي تريده.
تبسمت على كلماته هذه وهي تقول بينما تجفف دموعها:
- يبدو أن لدينا خبير بالتنمية البشرية هنا!
رفع ياقة وهمية وهو يقول بغرور مصطنع:
- أُعجبكِ حين اتفلسف!
ضحكت على منظره لتدير وجهها بشكل لا أرادي نحو الصالة لتفزع من منظر رامي يقف وسطها يضع يديه داخل جيوب بنطاله وينظر نحوها كازاً على أسنانه بغيض. اول ما اختفت ابتسامتها أخرج إحدى يديه مشيراً بمعنى تفضلي لتكملي بينما عيناه كانت تخزرها وكأنه يقول أن تجرأتي وفعلتِ سأقتلكِ.
لاحظ أحمد شحوب وجهها واختفاء ابتسامتها بشكل مفاجئ فنظر حيث تنظر ليشاهد رامي يتبادل النظرات القاتلة معها كان يبدو كما لو أنه سيحرقهما حيث يقفان. إذاً ما كان يشك به يقترب رويداً من الحقيقة. هذين الاثنين بينهما مشاعر مخفية لم يفصحاها حتى لبعضهما!
حين لاحظ رامي مراقبة أحمد له اقترب بخطواته منهما دون أن يقتلع عينيه الغاضبة عن عينيها الساخطة والمعاتبة. دخل الى الشرفة والقى سلاماً بارداً على احمد ليرد الاخر باعتيادية. وبدل أن يقف حيث هو قام بدل ذلك بالاقتراب حيث هي ليجبرها على الابتعاد ليقف هو مكانها جاعلها خلفه كي يتوسط وقوفهما هي واحمد. بقدر ما بينت انزعاجها من هذا التصرف بقدر ما أسعدها.
فقال رامي فوراً دون أن يحسب حساب للموقف المحرج الذي سيضع أحمد به:
- هل هناك سبب للزيارة؟ فكما عرفت أن أخوتها يراقبوك. ألم تخشى لحاقهما بك؟
لكزته مرام بسرية على يده من سؤاله السخيف هذا فلم يبالي باعتراضه وبقي يستمع لاحمد بينما يقول:
- أنهما مسافرين. لدي صديق في مركز الشرطة طلبت منه أن يخبرني بأي شيء جديد عنهما.
- لا داعي لتوصي أحدهم. أمجد يتولى ذلك.
- لا أقصد مسار القضية. ولكن كنت أعني تحركاتهما فاغتنمت فرصة سفرهما للمجيء.
رفع حاجبه بحدة بينما يسأله:
- لرؤية مرام فقط تكبدت كل هذا العناء؟
- ليس من أجل رؤيتها فقط. هناك شيء اخر.
- ليس من اجل رؤيتها فقط؟ أي لا تنكر انك قادم من اجل رؤيتها؟
هنا زفرت مرام بضيق فكل ما كان يهمه هو احمد وليس الموضوع الذي جاء به فقررت التدخل وهي تسأل:
- هل حصل شيء جديد؟
اشاح عيناه المستغربة عن عيون رامي المغتاضة ونظر نحو مرام قائلاً:
- أنه بخصوص أمكِ.
كان جسد رامي يقف عائقاً بينهما فلا تتمكن من رؤية احمد بشكل واضح فقالت بشيء من العصبية:
- هل يمكنكِ أن تبتعد؟
نظر ببرود اليها وهو يقول:
- هل سيرتطم صوتكِ بجسدي مثلاً ولن يسمعه؟ تحدثي دون أن تنظري إليه
تنفست بضيق فقرر احمد تجاهل استفزايات رامي وقال مكملاً حديثه لمرام:.
- أنا اقول أنها فرصتنا المثالية لجعلكِ تذهبين اليها. وهذه المرة ستصعدين اليها بمفردكِ كي لا يشكو بأمر كذبي عليهم حين يراجعون كاميرات المراقبة. سننتظركِ عند البناية.
حينها نظر رامي اليه باستهجان يسأله:
- تصعد وحدها نحو شقة امها؟
- نحن سنكون عند البناية يا رامي وسنتصل بها اول خروجها من السيارة لنسمع ما يحصل وأن تعرضت لأي مشكلة سنتدخل وحتى سنعطي خبر لأمجد ليتدخل في حال سيكون هنالك مسلحين. رغم إني واثق أن أمها بمفردها.
- وما الذي ستستفيده بذهابها الى هناك؟
- لتفهم الكثير من الاشياء يا رامي. أظن أن هذا من حقها ولا أحد سيعرف ما الذي سيحصل تالياً. هناك الكثير من الاسئلة من غير أجوبة. لو كنت مكانها أما كنت ستفعل الشيء ذاته؟
وهنا ردت مرام:
-أنت محق. أنا موافقة.
فنظر لها رامي بعصبية قائلاً:
- لم نقرر بعد.
لترد بعصبية مماثلة:
- أنا هنا من أقرر تصرفاتي.
فقال يحاول اخفاء قلقه عليها بعذر اخر واهي:
- تصرفكِ هذا ربما سيعرقل من عملية القبض على أخوتكِ
تبسمت ساخرة:
- هذا كل ما يهمك أليس كذلك؟ أن لا تفشل العملية ويضيع حقك بالانتقام؟
- وأي شيء اخر يهمني؟ قلق عليكِ مثلاً؟
فقالت بعيون دامعة رغم الغضب الذي تتحدث به:.
- لا تقلق سيد رامي. حين تفشل عمليتكم فسأحرص على قتل أخوتي بيدي لتحصل على انتقامك حتى لو عنى ذلك دخولي للسجن. أرتحت الان؟
ثم تركتهما ودخلت وهي تدرك أن ثواني أخرى وستفلت دموعها امامه. وهذا اخر شيء تريده!
اول ما دخلت زفر بضيق وهو يعصر السور الذي يستند عليه بقوة بين قبضتيه بينما عيناه تحدقان بالافق البعيد بعالم آخر من الحيرة والمتاهات التي يدخلها بمحض ارادته.
شاركه أحمد التحديق بالافق بينما يغرق يديه في جيوب كنزته الرياضية وهو يقول بابتسامة:
- كان جلياً قلقك عليها وليس على فشل العملية. لربما من الافضل لو أخبرتها بذلك بدل أن تتقمص دور البارد لتغضبها، كانت ستطيعك من غير اعتراض!