قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر

آمال تلوح في الافق
هناك لحظات تخلع فيها الحياة ثوب عفتها لتتعرى على حقيقتها وتصيبك بالغثيان تود لو أنك تتقيئها وتتخلص منها بأي طريقة.
تنام. تضحك. تبكي. أو حتى تنتحر. أنت ستحاول بكل طريقة أن تتخلص منها وأنت تشعر أنها تجلس القرفصاء فوق صدرك وتغرس كعب أقدامها بين أضلعك لتخنقك وتوجعك. الحياة لم تُخلق لتنصفك. بل لتخذلك!

شعرت بالقرف ليست لأنها أحبته. بل لأن رغم كل شيء حصل ورغم كل ما عرفته. هي لا تزال تحبه!
هذا النوع من الحب مؤذي جداً حين ستتقبل الاخر كما هو بحقيقته المتعبة لك
الحب الذي يبدأ بحب ربما سيتلاشى ويضعف مع الوقت. ولكن حين يبدأ بشجار. بكراهية. بتناقض. هذا النوع من الحب لن تجد شيء قادر على كسره بعدها أن خُلق بداخلك.

استيقظت بعيون ذابلة ما بين بكاء وسهر والتفتت برأسها نحو سرير رزان لتجده خالياً. إذاً لابد أن ذلك المستفز بعمله ايضاً. لذلك وكعادتها خرجت ببيجاما النوم وشعرها الحريري المنثور على طول ظهرها.

خرجت بخطوات متثاقلة نحو الحمام لتغسل وجهها واسنانها كعادتها ولكن اليوم بوجه عابس وبائس. خرجت من الحمام تغطي وجهها بالمنشفة لتجفف بقايا الماء واول ما أبعدت المنشفة شهقت بفزع وهي تشاهد رامي يحدق بها غير مستوعباً ما يراه للحظة لذلك لم يجد ما يفعله سوى التسمر بمكانه بغباء.
عادت راكضة نحو الحمام تتوارى خلف بابه وهي تهتف به: - ما خطبك بالضبط؟
ليرد بتذمر مماثل: - أنتِ من ظهر أمامي فجأة بالمناسبة.

- ألا تعرف أن تشيح وجهك؟
- لا أظن إني أنظر لكِ منذ عشر ساعات. أنا فقط تفاجئت
- وتسمرت؟
- أعتقد أن هذا ما يفعله البشر الطبيعي حين يتفاجئ حضرتك!
فردت بتذمر ممزوج بسخط ظاهري وليس فعلي: - وما الذي تفعله في المنزل؟ ألا يفترض بك أن تكون بالعمل؟
- هل ستحاسبيني الان على بقائي في منزلي؟
تأفأفت بضيق ثم قالت:
- أين الخالة ندى؟
ليرد بينما يجلس على الاريكة مقابل التلفاز ليشغله:
- نزلت نحو جارتنا ستأتي بعد قليل.

-وانت ستستمر بالجلوس هناك؟
- أجلس حيث يعجبني. هل لديكِ اعتراض؟
- رامي أنا لا ارتدي الحجاب واريد الذهاب نحو غرفتي.
- حسناً اركضي ولن انظر.
- اوه انظرو من يتحدث؟ الشاب الذي كان يحدق بي وانا دون حجاب!
فرد باندفاع مبرراً لنفسه: - أخبرتك إني كنت متفاجئ.
فقالت بنبرة ذات معنى من خلف الباب: - لماذا؟ ألم ترى شعر فتاة من قبل؟ حسب ما رأيت فخطيبتك لا ترتدي الحجاب. شخص مثلك يكون معتاداً على رؤية شعر امرأة!

لم تسمع له رد لدرجة ظنت أنه لم يسمعها. ولكنها عرفت أنه فعل حين سمعت زفيره الحاد ثم نهوضه نحو غرفته صافعاً الباب خلفه بقوة. وضميرها المعدوم لم يؤنبها للحظة بعد كمية الألم التي حصلت عليه منه!

خرجت مسرعة نحو غرفتها لترتدي ملابس أكثر حشمة وتخنق خصلات شعرها تحت حجابها بيتما تتذمر بسخط كلمات غير مفهومة وهي تتذكر كيف كان يصر عليها ارتداء وشاح فوق ملابسها المحتشمة إذا جاء أحمد بينما خطيبته لا تكلف نفسها حتى ارتداء الحجاب. هذا الشاب لابد أنه مصاب بالشيزوفرينيا!
جاءت ندى بعد عشر دقائق فوجدت أن مرام تقوم بأعمال المنزل الصباحية المعتادة. تبسمت بحنو وهي تقول: - استيقظت أميرة المنزل الجميلة؟

بادلتها الابتسامة وهي ترد: - صباح الخير خالتي
من منظر احتشامها أدركت أنها عرفت بأمر وجود رامي اليوم في المنزل فقالت بينما تشير نحو غرفته: - ألم تسأليه تناول الفطور معكِ؟
- ذاتاً لم أتناول الفطور بعد.
تركتها ندى لتطرق الباب على ابنها محاولة قدر الامكان جعل نبرتها متوسلة لعلّه يرأف وهي تسأله:
- هل أضع لك الفطور مع مرام حبيبي؟!
ليرد صوته باقتضاب من خلف بابه الموصد:
- لا.

زفرت بضيق وهي تدرك عادات كهذه من أضرابه عن الطعام وعدم اختلاطه معهم حين يحصره الاكتئاب في زاوية ضيقة يمنعه من الهرب منه.
اتجهت نحو المطبخ بصمت وغيض وألم مكتوم فأنهت مرام عملها على عجل وتبعتها حيث ذهبت لتنحر فضولها بمعرفة قصة ذلك الغامض...
اتخذت من تقطيع البصل عذر للجلوس هناك وفتح حديث مع ندى وهي تسألها: - منذ متى وهما مرتبطان؟

وكأن مرام منحتها الضوء الاخضر لتلقي كل تلك الشتائم والغضب وكل ما تكتمه عن اطفالها فقالت بعصبية وهي تضع ملعقة تحريك الطعام جانباً: - كان الارتباط الاسود. يا ليتها لم تعرفه ولم يعرفها.
ثم رق صوتها بغصة رغم محافظتها على عصبيتها: - يا ليت عصام لم يمت ويضعنا بهذه الورطة!

ثم اجهشت ببكاء مكتوم خلف حجابها المنزلي وهي تكفكف دموعها تحاول تجفيف وجهها ولكنه سرعان ما يبتل بجديدة. نظرت لها مرام بشفقة ثم قامت لتحوط كتفيها قائلة:
- تعالي لتجلسي خالة.
وسحبت الكرسي وأجلستها وجلست هي على الكرسي المقابل لها وبدأت بفتح جراح الماضي وهي تسألها:
- ما الذي حدث؟
مسحت وجهها الندي للمرة الاخيرة وقالت بصوتها المخنوق:.

- كان والد ريهام رحمه الله يملك شركة وعرض على رامي بالمعنى الصريح منصب ذو راتب جيد ان وافق على الارتباط بريهام. كان يعرف أنه لن يحظى لابنته المدللة وصعبة المراس بزوج أفضل من رامي وبالأخص أنها ابنته الوحيدة وكل اموال العائلة ستكون من نصيبها لذلك أراد تأمين مستقبلها مع رجل سيصونها ويصون أموالها ولا يسرق كل قرش تملكه ثم يتخلى عنها.
مسحت دمعة افلتت منها على غفلة واستأنفت:.

- كانت ظروفنا صعبة بعد وفاة عصام ودراسة رزان ومعيشتنا المكلفة. لذلك بقيت أطرح الموضوع عليه بكثرة فأنا وجدتها فرصة جيدة لأبني وابنة اختي ليصون أحدهما الاخر. لم أكن أدرك أن أطباعها بهذا الشكل. بعد أسبوعين فقط من ارتباطهما بدأت المشاكل تتفاقم كما لو كانا منذ سنة معاً وكلما اتصلت به دقائق ويبدأ صوته بالارتفاع ويتشاجران بشكل متعب. كانت عنيدة لا تلتزم بأي شيء يقوله بل وكانت إذ منعها من شيء حتى لو لم تفكر بفعله كانت تفعله. ترادده في الكلام ويتعالى صوتها على صوته وحين يزعجها بأطباعه المحافظة ويمنعها من الخروج مع اصدقائها الذين كانو فتاتين غيرها وثلاث شباب كانت تتجاهل كلامه وتغلق هاتفها وتخرج لمشوارها. حين طلب منها ارتداء الحجاب افتعلت مشكلة كبيرة وهددته أنها ستنفصل عنه وسيخسر منصبه.

عصرت عينيها بألم ومرام تستمتع بقلب معتصر فأكملت بعد أن عضت شفتها السفلية بندم يتآكلها بقوة:.

- كان يشعر أنها تشتريه بأموالها ولكنه استمر بأعطائها فرصة لعلها تتغير. بعد ست شهور من ارتباطهما قرر مفاتحة أبيها بموضوع الانفصال عن ابنته وأنه سيقدم استقالته. وافق ابيها على الانفصال ولكنه رفض الاستقالة وهذا ما جعل اختي وابنتها تفتعلان مشكلة اكبر لأن ريهام خسرت بطاقتها الرابحة التي تهدد بها رامي وأدركت أنها ستخسره لا محالة فجاءت الى هنا تبكي وتتوسل ف رّق قلبي عليها وبقيت أتوسل برامي أن لا ينفصل. كان مصراً على رأيه لولا وفاة أبيها!

أخذت نفساً عميقاً وطرحته بحسرة وهي تنظر لمرام وكأنها تقصد شيء ما من خلال كلامها:
- مهما بدا على رامي أنه عصبي وصعب الطباع. ولكن رامي لديه أكثر قلب أبيض شاهدته بحياتي. رغم كل ما جعلته ريهام يعانيه هو تحملها وبقي معها بعد وفاة أبيها كي لا يكسرها وسط حزنها.

وجدت مرام عينيها تدمعان من غير إرادة منها فوارت وجهها جانباً تحاول الافلات من ضعفها كي لا يقبض عليها ويدحرها ارضاً جاعلاً اياها تشارك ندى بذات الانهيار. فأكملت ندى كلامها وسط صمت مرام:
- تحملها هذه المدة كلها ولكن مع اخر مشكلة له معها قرر أنها النهاية معها.
عندها قررت التخلي عن ثوب صمتها لتسألها:
- وما الذي حدث؟

- قررت أمها أن تسافر من أجل العمل فذهبت ريهام معها ولم يعترض رامي. ولكن هناك اتصل بها ليكتشف أنها رافقت اصدقائها نحو دولة اخرى للسياحة دون أن تكلف نفسه اعطائه خبر بذلك ومع أنها تدرك جيداً أنه سيرفض فلم تبالي وذهبت. ورغم ذلك طلب منها أن تعود حيث أمها وسيتناسى تصرفها الطائش هذا ولكنها وكالعادة عاندته واطفاءت هاتفها ليومين كي لا يزعج لها متعتها واستمرت برحلتها دون حتى أن تبالي بغضبه.

ثم قالت وقد بدت نبرتها تفقد صبرها:
- والان تريد منا تصديق بكائها لتحاول استثارة شفقتنا. تعتقد أن حيلتها ستنجح في كل مرة!
- إذاً ليس لي يد بانفصالهما. لقد كانا منفصلين قبل قدومي
توقفت ندى لوهلة وقد اثارت هذه الجملة استغرابها ثم قالت مؤكدة ما سمعت:
- لكِ يد؟ وما شأنكِ أنتِ يا ابنتي؟!
- هذا ما كانت تلمح له ريهام البارحة.

- وهل ستصدقين أو تبالين بكل ما ستقوله تلك الطائشة؟ أنا فقط لم اشأ من رامي أن يغلق صفحتها قبل أن ينهي كل شيء متعلق بها. لا يجوز له بدأ حياة أخرى ما لم يختم حياته الاولى بغض النظر عن الحياة الجديدة التي ينوي البدء بها فلا يمكنه ذلك وريهام لا تزال بعض المتعلقات بها مطروحة وغير محلولة.

اومأت مرام برأسها موافقة وقبل أن تجد شيء لترد به قاطع حديثها صوت هاتف ندى. ومن ملامح وجهها أدركت مرام هوية المتصل. ردت بشيء من الاقتضاب:
- أهلاً بكِ أختي. أجل. وكنت حاضرة.

صمتت لوقت وكان يبدو على وجهها استياء بالغ تحاول بشدة كتمانه وهي تستمع لحديثها الذي لم تستسيغه ولكن تحاول حشره لتمضغه وتلوكه بين فكيها ثم تبصقه بقرف غير مبالية بما يحويه. لقد سئمت من كون رامي الذي يجب أن يكون دائماً على خطأ وابنتها على صواب. سئمت من دلالها المبالغ به لها وعدم محاسبتها على كل تصرفاتها الغير متزنة. فتاة كهذه لا تصلح ابداً زوجةٍ بهذا المنزل!

ختمت ندى حديثها من غير تعليق على كلام أختها بل اختصرت المكالمة قائلة:
- حسناً نجلاء حين تأتين سنتفاهم أربعتنا أفضل. أو ليتحدثا هما ولنستمع - أو لتستمعي أنتِ بالاخص-.
ثم أنهت المكالمة ومن دون أن تكلف نفسها السؤال فقد أدركت مرام أنهم اليوم سيحظون بزيارة نارية ستشعل حرباً لن تخمد ابداً.

انقضى وقت الصباح وحلّت الظهيرة ورامي يصر الاعتكاف بغرفته بعيداً عن عينيها اللاتي تبحثان عنه مع كل حركة تظنها منه. بدأت تشعر بارتياح مجهول يقضي على تأنيب ضميرها من أنها ليست سبب دمار العلاقة بينهما كما كلنت تلمح ريهام بل ذاتاً كل شيء قد انتهى قبل قدومها. وهذا يمنحها فرصة جديدة معه بعد أن انعدمت الفرص في المرة السابقة.

ربما أن الله سيحقق أمنيتنا في النهاية. تلك الامنية التي استصعبنا الحصول عليها وصفعت كل الابواب في وجوهنا ولم يعد هنالك من طريق يؤدي اليها. ولكنه فقط يحرمنا منها مؤقتاً لنعرف قيمتها ولتتضاعف الفرحة حين تحصل عليها ولا تكن مجرد امر اعتيادي آخر يحصل في يومك الرتيب.

كان يتجنب الحديث أو النظر اليها بعد ما افصحته عن أمر القلادة التي تحيط رقبتها، ورغم محاولاتها الكثيرة بالحديث اليه بودية متعذرة باعذار مصطنعة، كان يردها بجفاء وبرود فأدركت أنها بالغت بجرحه بتصرفها الاستعجالي دون تفكير ليلة البارحة.
كلاهما كان يشعر بأظافر ثائرة تخدش له جدار قلبه الجلد ولكن المكابرة كانت أكبر من أن تجعلهما يعترفان بذلك.

جلسو حول مائدة الطعام مغلفين بالصمت عدا رزان بالطبع المغلفة بالحيوية مهما كانت الظروف وهي تكسر جدار سكوتهم بثرثرتها الفارغة من اي اهمية سوى عمّا حصل معها منذ بداية خروجها من المنزل لحين عودتها اليه. لم تستطع ندى تحمل المزيد من هذا الازعاج وبالها مشغول بألف قصة تتراكم بعضها فوق بعض فزفرت بضيق وتأفأفت بينما تقاطع استرسال ابنتها بالكلام:
- ألستِ متعبة يا حبيبتي؟!
لترد الاخرى ببلاهة:.

- أكثر مما تتوقعين أقسم لكِ.
وعلى ما يبدو أن رامي قد شارك والدته شعورها فقال متذمراً:
-متعبة وتتحدثين بهذه الطريقة المتواصلة. كيف لو كنتِ مرتاحة؟!
- هذا بدل أن تشكرو الله أنني مولودة في هذا المنزل البائس الخالي من أي حيوية. وثانياً ما بالكم وكأنكم تقيمون العزاء بهذا الوجه المتجهم؟ لأنك ستنفصل عن خطيبتك الموقرة بشكل نهائي؟
ثم وضعت ملعقة الارز في فمها وهي تكمل اثناء المضغ:.

- حسناً انا صريحة يا أخي. لا اعتبر أنفصالك عنها شيء يدعو للبؤس بالعكس تماماً. اليوم أشعر بسعادة غامرة وراحة أكثر مما تتخيل.
فقالت ندى ناهرة:
- أمضغي طعامكِ.
- أنا افعل ذلك
- امضغيه وتحدثي بدل هذا القرف.
- أنا مقرفة؟
- أجل.
- بالتأكيد لا تعنين ذلك.
- بل أعنيه أقسم بذلك.
وفجأة قطع مشادتهم الكلامية مع رزان نهوض تلك الصامتة طوال هذه المدة وهي تقول بخفوت بينما تحمل صحنها:
- طعاماً هنيئاً.

ثم رحلت نحو المطبخ وعيونه تتبعها بعلنية هذه المرة دون ان يجرؤ أحد علة منعه مستغلاً عدم رؤيتها له تهي تفعل ذلك.
نهض بدوره نحو غرفته عازلاً نفسه عنهم.
أخرج كراسته يحاول تفريغ هذه الشحنات المتضاربة بداخله عن طريق شغل دماغه بالتركيز على خطوط رسمته. وبدل أن يرسم شيء بسيط وجد نفسه يرسم أكثر اللوحات تعقيداً شعورياً. منظر وجهها المحدد بأطار شعرها المنسدل على جانبيه.

وفجأة تمثبت هذه الرسمة من الورق الى الواقع وهي تقف عند باب غرفته المفتوح تطرقه بهدوء لتجذب انتباهه. رفع بصره اليها نحو عينيها المتأسفتين بصمت وراقب ملامحها بإمعان لدرحة كان يرى شفتيها الكرزية تتخرك ولكنه لم يفهم ما الذي تتحدث به.
أربكها منظره وهي تراه يحدق بها بجمود وحاجبين متعانقين ياستياء فنادت أسمه بتوكيد لتجذبه من شروده فقال بذات وجهه المقتضب:
- ماذا هناك؟
رفعت كوب الشاي الذي بين يديها وهي تقول:.

- الشاي. هل تريد؟
تفاجئت حين رأته لا يجيب سؤالها بل يشير بذقنه نحو الكرسي الخشبي أمام مكتبه وهو يقول:
- تعالي لتجلسي.
تقدمت بارتباك ووضعت الكوب على المكتب ووقفت حائرة ماذا تفعل وهي تشاهده ينغمس برسمته. نظر لها من جديد بذات الملامح المقتضبة فقالت بخفوت:
- هل هناك شيء؟ لماذا تريد مني الجلوس؟
فرد بذات بروده بينما تعود يده لتحرك القلم الرصاص بخفة فوق الورق:
- أجلسي مرام!

انصاعت لاوامره من غير اعتراض وجلست هناك بخجل وهي تراه يرفع حدقتا عينيه نحوها بين لحظة واخرى فأدركت أنه يرسمها مما زاد من خجلها فأطرقت رأسها وفي اللحظة التي فعلت ذلك وجدتها ينهرها:
- ارفعيه.
فانصاعت مرة اخرى ولكنها امتنعت من رفع عينيها كي لا تعانق عينيه فتربكها.

كل شيء بها كان مبعثر. اصابعها تتصارع مع بعضها بتوتر وعينيها تمشط الارضية ذهاباً واياباً وكأنها تبحث عن إجابة او سؤال أو أي موضوع تطرحه أو تتجنبه. هي كانت تبحث عن كل شيء يشغلها عن الوضع الذي هي به. ولكنها لم تجد شيء، بل رامي من فعل وزاد الامر سوءاً وهو يسألها بنبرة كانت تحمل بعض الاستياء والغيرة رغم تغليفها بإحكام داخل برود وعدم اهتمام مصطنع. ولكن حركات يده فوق الورقة كانت تعكس عصبيته المكتومة:.

- لا زلتِ تكنين له المشاعر؟
رفعت رأسها إليه دفعة واحدة ولم يدرك من خلال تلك النظرة القوية التي ثقبته بها هل هي مستنكرة سؤاله أم مستغربة؟ توقف القلم للحظة وثبت عينيه داخل ملامحها يفترس وجهها ثم فجأة رفع زاوية فمه وكأنه يسخر من نفسه وقال:
- سؤالي سخيف أليس كذلك؟ فالتي تحتفظ بقلادته طوال هذه السنوات حول رقبتها لابد أن تكن له المشاعر!
- هذا رأيك؟
- هذا المنطق.

-بعض الاشياء يظلمها المنطق. فهي ليست منطقية على الاطلاق ورغم ذلك حقيقية.
- إذاً برري لي لأقتنع.
-وهل أنا مضطرة؟!
وهنا ساد صمت آخر وصراع بين كبريائيين. تريده أن يعترف باهتمامه بها لتداوي جرحه الذي خلقه بها منذ ظهور ريهام. وهو يريد تمثيل برود وسط هذه المحرقة ويوهمها أنه وسط نار ابراهيم التي جعلوها برداً وسلاماً!

عاد ليغرق عينيه داخل ورقته وحركاته أكثر هدوئاً، وكأنها هادئة أكثر من كونها عصبية، وقال بنبرة اعتيادية جداً:
- لا. لستِ كذلك.
-حتى وأن كنت أرى نفسي كذلك؟!
هنا رفع بصره اليها بنبضة عنيفة وهو يشاهد تلك النظرات ذات المعنى تلتمع داخل حدقتيها والتي أخفتها فوراً وهي تشيح بصرها جانباً لبضع لحظات ثم نظرت له بتماسك بينما تنهض وقالت بنبرة غير مهتزة على الاطلاق:.

- أخلاصي وولائي لسامي لا علاقة له بمشاعري على الاطلاق. بل وستظل هذه القلادة تحوط رقبتي حتى بعد أن ارتبط بحبي الحقيقي، ما أكنه لسامي هو ألم أكثر من كونه حب. مات ذلك الشاب لأنه أراد الارتباط بي فقط. خسر كل شيء بسببي. لذلك أقل ما يمكنني فعله له هو أن لا انساه وأظل أسرد حكايته ومقتله وكيف تم ظلمه.

كان يحدق بها بذات البرود ولكن بملامح مسترخية وكأن هذا الكلام الذي يحتاج سماعه عكس ما اوهمتهم به البارحة أمام ريهام...
تركته وخرجت من الغرفة حينها فقط انبثق شبح ابتسامة على شفتيه وعاد ليكمل رسم ملامحها الدقيقة باستمتاع هذه المرة!

حلّ المساء وجاءت تلك الزيارة المنتظرة. تطلعت مرام بفضول من فتحة الباب الصغيرة لتشاهد نجلاء التي بقيت تتخيل شكلها فقط من خلال شخصيتها المصورة في الحديث. لم تكن مشابهة للمواصفات التي في بالها ولكنها لم تكن بعيدة عن ذلك ايضاً.
كانت متوسطة القامة وتضع الحجاب بشكل بسيط فوق رأسها وقد اظهر جزء كبير من شعرها عكس حجاب ندى المحتشم.

ترتدي كعب عالي يناسب عالم سيدات الاعمال الذي تنتمي له مع حقيبة تعلقها في معصمها وتنورة بالكاد تلامس مكان الحجل في قدمها.
بدت ملامحها جدية عكس ملامح ندى المسلامة، وخطواتها في المسير مهيبة جعلت مرام تتراجع خطوتين نحو الخلف وتغلق الباب خشية أن تقع ابصار الزائرتين عليها.
جلست على سريرها وعانقت الوسادة على صدرها وكأنها تجعلها حاجز بينها وبين اصواتهم التي بدت حادة أول جلوسهم.

بدأت تستمتع لما يدور بينهم وهي تشعر بنفاذ الصبر بنبرة رامي شيئاً فشيئاً بل وحتى بنبرة كلاً من رزان وندى اللاتي اشتركن بالنقاش هذه المرة ولم يتخذن جانب الصمت فأدركت نجلاء أن الخلاف هذه المرة يختلف عن غيره وسيؤدي للانفصال لا محالة. إذاً لا داعي لمداراة الخواطر!
فقالت بنبرة قاسية:
- أهذه مجازاة ما قدمناه لك يا رامي؟ لقد أنتشلتكم أسرتي من الافلاس وهكذا تعامل أبنتي؟
ليرد رامي بعصبية وكبرياء مجروح:.

- عيب هذا الكلام ان يصدر من واحد من الاسرة يا خالتي. لست غريب لتتفضلو على ولم أمد يدي لأخذ الصدقات بل قدمت كل مجهودي لشركتكم ونفعتكم بالمقدار ذاته الذي نفعتموني به. لست انا من يعض اليد التي تمتد له والدليل إني تحملت مع ابنتكِ سنين بالوقت الذي لن يحتمل به غيري اسلوبها مدة شهر واحد. حاولت تغييرها ولكن دون جدوى.

- ريهام هي ريهام منذ أن عرفتها ولم تتغير اجل اوافقك الرأي. ولكن لمِا الان فجأة أصبحت لا تطيق تحملها رغم تحملك لها طوال الوقت الذي مضى؟
- لأن ما فعلته هذه المرة لم يعد بالامكان السكوت عليه إلا إذا أردتني أن أصبح عديم الرجولة لأجعل زوجتي تتصرف بهذا الشكل وأنا صامت فقط لأني موظف في شركة عائلتها.
وهنا فقد أعصابه بشكل تام وهو يكمل بغضب اشد:.

- تباً للأموال التي تأتيني بهذه الطريقة. لقد كان يجب أن انفصل عليها قبل وفاة ابيها. ولكن وفاته جعلتني أشفق على حالها ولا أكسر بخاطرها.
فقالت ريهام باستفزاز:
- والان قررت كسر خاطري فجأة لأنك وجدت الافضل؟
نهض مشتعلاً من مكانه وهو يلوح بأصبعه اتجاهها بتهديد قائلاً:.

-أقسم لو لم تكوني إمرأة ولو لم تكون ابنة خالتي لهشمت وجهكِ الان بلكمة تنسيكِ أسمكِ يا ريهام. هل تريني عديم الشرف بهذا الشكل لأنفصل عنكِ فقط لأني وجدت غيرك؟ أيعقل إنكِ بهذا الحد من الغباء لدرجة تظنين هذا ولا تلقي على نفسك ولو قليل من اللوم لا ترين إني انفصل عنكِ بسبب تصرفاتكِ؟
لترد ندى مؤنبة:
- نجلاء ما تتهمون رامي به عيب جداً
لترد كتلة المشاكل المرحة في منزل رامي:
- كلاً يرى الناس بعين شاكلته يا أمي.

لتنهرها نجلاء:
- أحترمي نفسكِ يا بنت!
- يا الله! واخيراً استخدمت خالتي هذه الجملة. أنها مؤرشفة بالرفوف تحت الغبار ولا تفكرين أبداً باستخدامها مع ابنتكِ
وهنا زجرتها ندى:
- كفى يا رزان واذهبي نحو غرفتكِ بجوار مرام.
قامت وهي تقول باستفزاز مماثل:
- لا بأس أمي سأفعل. المهم إني رددت قليلاً عليهما!
بالكاد استطاعت ندى كتم ابتسامتها على منظر طفلتها وادعت عدم رضاها على تصرفها رغم أنها عكس ذلك تماماً في داخلها!

دخلت رزان للغرفة فأشارت مرام بضحكة قربها على السرير قائلة:
- اهلاً بكِ في قاعة المطرودين
جلست بحنق قربها وهي تقول:
- لو لم تكن خالتي لافترستها هي وابنتها
- لا أظن أن هذا السبب الذي يمنعكِ من افتراسها. أظنهم أمكِ ورامي!
- على من أكذب؟ هذه هي الحقيقة!
ضحكت مرام ولكن قطعت ضحكتها فوراً وهي تستمع لجملة نجلاء ذات معنى:
- أرى أن لمرام تأثير كبير عليك رامي!
- الى ما تلمحين خالتي؟

- تلميحي واضح. لقد نبذت ابنتي لان مرام ملأت لك مكانها!
وهنا قامت مرام بانتفاضة من مكانها قائلة:
- الى هنا ويكفي! لقد تجاوزت حدودها بما فيها الكفاية!
ووضعت يدها على الباب تكاد تفتحه وترد نجلاء ولكن جملة رامي استوقفتها. كانت كالصفعة القوية التي توقضك من نوم عميق:
- مرام مجرد ورقة رابحة لا غير!

هنا ارتخت يدها من فوق المقبض الذي كادت أن تفتحه ونظرت رزان نحوها بشفقة وتزقفت عن التقدم اليها لتمنعها من الخروج. أدركت بعد هذه الجملة أن مرام لن تفعل!
أكمل رامي تجريحها من غير تعمد. كان يدرك أن نجلاء وابنتها قادرتين على فعل كل شيء ولا يستبعد أن تؤذياها أو تسلماها لأخوتها أن شعرتا بحب رامي لها. لذلك أبعدها عن ساحة الاتهام قدر المستطاع. لم يدرك لحظتها أنه يبعدها عنه ايضاً:.

- لا تحاولا تزييف حقيقة تعلماها كلاكما جيداً. الجميع هنا يدرك رغبتي الشديدة بالانتقام من اسرة عادل سيف الدين وهذه الفتاة هي البطاقة الوحيدة التي ستحقق من أجلي هذا الشيء. شعورياً أكرهها وبقوة وهي تدرك ذلك ولكني مجبر على عقد هدنة صلح معها لنوقع بأخوتها.
ثم رفع قبضته وعصرها بقوة كعلامة على التهديد وهو يكمل:
- وكل يكون عقبة في طريق هذا الانتقام سأمزقه بيدي المجردتين أن فشلت الخطة.

رفعت يدها بهدوء ووضعتها على صدرها. هناك شيء ينكسر وينعصر في وسطه تماماَ. هناك شيء مؤلم وخانق يتوسط روحها.
اعتبرت هذه اللحظة هي من اللحظات التي يزل فيها لسان الشخص ويعبر عمّا يكتمه من حقيقة. ورامي قد فعل ذلك من غير التقصير!

عادت وعيونها مشتتة في كل مكان وتشعر بالقرف من نفسها ومن الموقف الحقير الذي وضعت نفسها به من أن الشخص الذي تحبه وتفعل أي شيء لارضائه لا يتردد بدعسها تحت قدمه. وكل ما يهمه هو الانتقام فقط!
جاورتها رزان بالجلوس وهي تضع يدها على ظهرها كمساندة بينما تقول بمواساة:
- تدركين جيداً أنه غير صحيح على الاطلاق ما قاله. أنه فقط يحاول أسكاتهما عن السخافات التي يتهمانه بها.

نظرت لها دفعة واحدة بعينيها القاسية والدامعة وهي تقول:
- هل تنكرين حقيقة أن كل ما يهم رامي هو الانتقام فقط يا رزان؟
تلكأت بالاجابة فردت مرام بذات سخطها:
- إذاً كفاكِ خلق عالم لا وجود له، لا يوجد أي عالم ولا حتى الاحلام ستسع وجودنا أنا ورامي.
وقعت دمعة على غفلة سارعت مرام لمسحها وهي تقول بألم ولكن بذات الملامح الساخطة:.

- نعم أنا أحب أخيكِ يا رزان ومنذ سنين. أراقب كل حياته من بعيد الى اليوم الذي وجدت نفسي أعرف كل شيء عنه وبدأت بالتعلق بكل تفاصيله. ولكن الله رأف بحالي ووضعني بطريق رامي ليجعلني أرى ان رامي لن ينظر لي أكثر من مجرد بطاقة رابحة. ليجعلني أكف عن حبه وعن تكريس حياتي في مراقبته والاهتمام بكل شيء يخصه وتتبع كل تعليقاته على مواقع التواصل لأعرف معلومات أكثر ولأتواصل معه بأكثر من أسم وهمي لأُشعر نفسي إني قريبة منه.

ثم ختمت كلامها بسخط:
- كفاني سخافة!
واجهشت ببكاء وسط صدمة رزان من كل ما سمعته. لم تجد ما تعلق به سوى أن تضمها اليها وهي لا تستطيع تخيل حجم الالم التي تشعر به هذه الفتاة في هذه اللحظة!
خرجت نجلاء وريهام بعد مشادات وتهديدات وتوعدات وسط صمت رامي الذي لم يعلق بشيء في نهاية النقاش. كل ما يهمه في هذه اللحظة كان انهاء هذا الارتباط فحسب.

ظن أنه سيواجه وجهاً يحمل معالم الراحة والفرحة بانفصاله التام عن ريهام. ولكنه بدل ذلك لم يرى وجهها ابداً وقررت اعتزاله في غرفتها بحجة تعبها وخلودها للنوم رغم أدراكه أنها لم تفعل. قام بأرسال العديد من الرسائل لها والتي قوبلت بالصمت التام من غير رد مما زاد من حيرته عن هذا الجفاء المفاجئ!
زفر بحيرة وقرر مواجهتها غداً. فالى متى قد تختبئ منه؟!

لم يدرك أنه سيستيقظ صباح اليوم التالي على اضطراب ندى ورزان ودفع رزان الباب عليه وهي تقول بفزع كلمات غير مفهومة بارتباك. لم يستوعب لحظتها ما الذي تتفوه به اخته وهي تدخل اليه باندفاع وترمي له كلماتها بسرعة وصوت مرتجف. امسكها من كتفيها لتصمت قليلاً وهو يزجرها لتهدأ:
- ما بكِ؟ ما الذي حصل؟ تحدثي كلمة بعد أخرى لأفهم!
فقالت من وسط صوتها الخائف والمتوتر:
- مرام. لقد اختفت!

ما ادري بيا عين اواجهكم؟ لالا
راح اسكت اشرفلي واقرو البارت بصمت مطبق مع تعليقات كثيرةلالا
وخلونا اصحاب واحباب بدل ما تضطروني اطلع بقية وجوهيلالالالالالالالالالالالا
شلنا لأول مرة بعد 19 سنة وجددنا بيتنا لذلك إلى منتقلين من بيت لبيت يعرفون حجم الشغل والمعاناة وخصوصا اغلب الشغل وكع براسي حسبي الله كلها شردتلالالالالالالالا
المهم. علقولالا
المهم فد سؤال ادبي.
شنو رأيكم بطبيعة علاقة مرام ورامي؟

وشنو توقعاتكم تتمنون للجاي؟
وتتوقعون المواجهة بين مرام وسعاد(امها) بالفصل القادم حتكون من صالحها لو ضدها؟
وتتوقعوها ترجع لبيت رامي بعد؟
بلة خل نشوف تحليلكم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة