رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع
خيبة..
أنت لست قوي.
عقلك لا يتحكم بك.
مشاعرك ليست تحت السيطرة.
منطقيتك ليست خياراً متاحاً.
انت لست أياً من ذلك حين تحب. فلا تخدعك اقتباسات روائي منزوع القلب ولا كاتبة ذات خذلان دفين يحاولان مداراة جرح كرامتهم. في الحب أنت في حرب. أما تقتل أو تُقتل - وغالباً ما يُقتل الطرفين -.
كان الليل قد اسدل ظلامه والجفون قد ودعت الواقع لعالم اخر من الاحلام، بينما جفناها هي اعتادت السهر ومجافاة النوم منذ ان انقلبت حياتها رأساً على عقب.
كانت تحدق هائمة بعينيها فوق اضواء الشارع المنتشرة خلف النافذة التي تقف قربها. يبدو كل شيء ساكناً ومسالماً في بعض الاحيان لدرجة أن الحياة تكاد ان تبدو عادلة في لحظات كهذه وتجعلك تنسى حقيقتها!
- لا زلتِ مستيقظة؟!
التفتت بخديها المبتلة نحو صوته الهادئ والعميق فمسحت عينيها على عجل وقال بصوت ضعيف: - جافاني النوم ولم اشأ ايقاظ رزان بكثرة تقلبي على السرير.
- لم يعجبكِ السرير الذي احضرته لكِ؟!
ضحكت بضعف وقالت:
- هل قلت أن سهري بسبب السرير؟!
- لا. ولكن أردت تذكيركِ إني أحضرت لكِ سرير. أخبرتكِ بسعره صحيح؟!
- اربع مرات!
-جيد.
بالكاد كتمت ابتسامتها امام مزاحاته التي يلقيها بحاجبين مقطوبين وملامح مقتضبة لدرجة لو كان طرف ثالث غريب يقف بينهما لاستحال أن يفهم أنه يمزح ولا حتى هي كانت تفهم هذا في البداية.
جاورها الوقوف على النافذة الاخرى وحدق بذات المنظر الذي عادت لتحدق به بصمت مطبق لعدة لحظات ثم كسرت هذا الحاجر وهي تسأله:
- الى متى سيستمر هذا الوضع رامي؟!
نظر لها مستغرباً فاستأنفت موضحة:
- بقائي مختبئة هنا؟!
فرد بهدوء:.
- سمعتي أمجد. الى أن يشعر اخوتكِ باليأس ويتصرفوا من تلقاء نفسهم.
- وماذا أن استمر الوضع لشهور؟!
-أن كنتِ تريدين من الشرطة القبض عليهم فستتحملين هذه الشهور.
- لو الامر عائد لي فقط أنا سأتحمل. ولكني قلقة على أمي.
أعاد ابصاره نحو النافذة وهو يرد: - أن تُحرم منكِ مؤقتاً أفضل بكثير من أن تستلم جثتكِ.
- كنت أفكر.
وقطعت جملتها فنظر لها ينتظر أن تكمل فشاهد بعض التردد في عينيها مما ستطلبه فقال فوراً:.
-ماذا؟ هل هناك مصيبة تقع حينما تفكرين؟!
- في الحقيقة. كنت أقول لِما لا نذهب اليها سراً؟!
- من الذي سيذهب اليها؟!
- أنا وأحد آخر معي.
ترك الفكرة والمشروع برمته وركز على عبارتها الاخيرة وهو يسألها بجمود: - ومن هذا ال أحد؟!
فردت بعفوية: - فكرت بك اولاً ثم تذكرت أنهم يعرفون شكلك فقلت أن أطلب من أحمد مرافقتي أو حتى فادي.
- اها. أقلقكِ شكلي. وبالنسبة لشكلكِ؟! هل يصادف أنهم نسوه ربما ولن يتذكروه؟!
- أنا فتاة يا رامي.
- وما الذي يفترض أن يعنيه هذا؟!
- يعني أنه يمكنني ارتداء النقاب لاخفاء ملامحي ولن يتعرفوا على حين يرونني.
اومئ غير مبالياً بهذا بل عاد لموضوع اساسي أكثر من هذا حسب وجهة نظره: - وهل طلبتِ من أحمد الامر -بما أنكما كثيرا التواصل - أم تنتظرين أن أفعل أنا هذا؟!
- لم أفاتحه بالامر بعد كنت أقول أن اسألك أ.
قاطعها في الحال:.
- لا يهمني. أتفقي معه لتقرري حياتكِ ومشاريعكِ بشرط أن لا تقعي بين ايديهم ويقبضوا عليكِ قبل أن يقبض أمجد عليهم.
ثم تركها ودخل نحو غرفته بينما هي تحدق به ببلاهة وعدم فهم من مزاجيته التي تطغى على كل شيء آخر في شخصيته.
زفرت بضيق وطردت افكار رامي عن رأسها لتحتار بما ستفعله.
في اليوم كام قد صادف الجمعة والجميع متواجد في المنزل وهذا يعني لقائها به لوقت أطول من كل يوم.
جلسوا حول الطاولة يتناولون فطور متأخر عن عادة كل يوم ورامي مشغول بالاكل بيد والعبث بهاتفه باليد الاخرى يقوم بمراسلة أحدهم - أو أحداهن - هذا ما كانت مرام تحاول معرفته ويثير فضولها. فما الذي قد يمنع شاب بمثل عمره ومواصفاته من الارتباط؟!
وبينما كان هائمة تركز برامي من غير انتباه كانت رزان قد ركزت بها وهي تمضغ الطعام وتبتسم خفية وتطالعها بعيون ماكرة وضاحكة. انتبهت على غفلة نحو نظرات رزان التي راقصت حاجبيها فوراً وكأنها تقول أنا أفهم ما يجري.
توقفت اللقمة في وسط بلعومها عجزت عن مضغها وبقيت تسعل بقوة فقدمت رزان من اجلها كوب ماء وهي تقول بنبرة ذات معنى: -معافاة ريومتي معافاة!
شربت الماء دفعة واحدة ونهضت تحمل صحونها وهي تقول بارتباك: -طعاماً هنيئاً!
فقالت ندى مستغربة:
-لكنكِ لم تأكلي شيئاً حبيبتي.
- لقد شبعت خالتي شكراً لكِ.
واخذت صحونها وذهبت على عجل نحو المطبخ وما كادت أن تلتقط انفاسها حتى دخلت شارلوك هولمز من بعدها وهي تقول:
- أنتِ معجبة برامي؟!
فقالت مرام بارتباك:
- ما هذه السخافة بالطبع لا!
- رأيتكِ تحدقين به.
- وهل هذا يعني إني معجبة به؟!
-اجل.
-حسب قاموسكِ ايضاً؟!
- بكل تأكيد!
فشغلت نفسها بغسل صحنها وهي تقول:
- كفاكِ سخافة. كنت افكر بشيء آخر تماماً ولكني حمقاء حين أفكر بشيء ما أقوم بالنظر نحو نقطة ما دون أن انتبه!
شعرت وكأن رزان قد خاب ظنها وهي تسألها بتأكييد:
- أأنتِ واثقة؟!
فقالت مرام بأصرار:
- تمام الثقة!
وعم سكون غريب بعدها فنظرت مرام ووجدت رزان تحدق بها بترميز مضحك ونظرات تشكيك وكأنها تحاول أن تصدقها وتفشل فضحكت مرام واخذت الصحن من يدها وهي تقول:.
- اتوسل اليك يا شارلوك هولمز كفى!
بعد نصف ساعة تقريباً كان رامي يجلس في الصالة ولا تزال مرام مع ندى ورزان وفجأة جاء صوت رامي منادياً لها من الصالة. خرجت من المطبخ فوجدته يجلس على الاريكة هناك يحمل هاتفه بين يديه. اقتربت منه وقالت بهدوء: -ناديتني رامي؟!
أشار بذقنه نحو الكرسي الذي يجاوره وهو يقول:
-أجلسي.
اتخذت مكانها وهي تنظر له بعدم فهم فناولها الهاتف وقال:
- سجلي رقمكِ اولاً.
سحبت الهاتف ودونت رقمها وحفظت اسمها لتضمن أنه سيتواجد فيه وقامت بالرنين على هاتفها لتحفظ رقمها قبل أن تعطيه الهاتف وتقول:
- وثانياً؟!
- هل قمتِ بمراسلة أحمد؟!
- بخصوص؟!
-بخصوص اقتراح رؤيتكِ لوالدتكِ.
- اوه. لا لم أفعل.
- ولن تفعلي. أنا سأقوم بالاتصال به لنتفق على ذهابنا.
- ذهابنا؟!
نظر لها نظرة جانبية وهو يقول:
-هل لديكِ مانع بحضوري؟!
- الأمر ليس إني أمانع. أنت تعرف قصدي.
- لا تبالي من هذه الناحية. سأبقى في السيارة بينما تصعدين بمفردكِ معه.
- حسناً. إن كان هذا ما تريده!
- حسناً. تحضري الليلة!
رغم أنها من ارادت ذلك ولكن حين عرفت أن الموعد قريب بهذا الشكل شعرت بشيء ما يقبض لها صدرها. فهناك أحتمال وارد جداً من أنهم سيكتشفون أمرها ربما وهذه الفكرة ترعبها بشدة!
أسدل الليل ستاره فسكنت الناس في منازلها وغطت بعض العيون داخل احلام بعيدة عن الواقع. ومثل الليل كانت مرام قد أسدلت النقاب فوق ملامحها الناعمة لتخفي هويتها عمن عرفها في يوم.
ودعتاها رزان وندى والخوف قد اتخذ محله من قلبهما ايضاً.
جلست في المقعد الخلفي ليحتل احمد مقعد المقدمة ويعم الصمت ارجاء السيارة. كان بين لحظة واخرى يستدير برأسه مصف استدارة نحو مرام ليهمس لها يوصيها على شيء أو يسألها عن شيء ومع كل مرة كان أحمد يفعل ذلك كانت مرام تنتبه لرامي يزفر بتضايق ولا تعلم هل يفعل ذلك لأنها هي من يتحدث معها أحمد؟ أم يتضجور من عادات كهذه بشكل عام لطباعه الصعبة التي عرفتها عنه؟
بعد وصف دقيق منها لمنزلها وصلت السيارة ليقفوا على مسافة في الظلام بعيداً عن الانظار. كل ما كانت مرام تسمعه هي ضربات قلبها في اذنها وصوت انفاسها يجول في صدرها ويخرج بارتجاف من بين شفتيها المنفرجة قليلاً تشارك انفها التنفس. فطريق واحد لا يكفي لأخراج الهواء من رئتيها المختنقة!
- إذاً؟ هل ننزل؟
قالها أحمد مشجعاً اياها وهو يراها تحدق في مدخل بنايتها.
هزت رأسها بموافقة ووضعت يدها على مقبض الباب تريد فتحه فنادها رامي:
- مرام؟!
اجابته بخفوت:
- نعم؟!
التفت اليها وقال وهي ترى بوضوح القلق داخل عينيه:
- أبقي هاتفكِ مفتوح على أسمي. أي شيء يحصل في الاعلى غير مخطط له اتصلي بي. اتفقنا؟
اومأت برأسها قائلة:
- اتفقنا.
عاد ليكرر أسمها بتأكيد:
-مرام؟ أي شيء!
- حسناً سأفعل لا تقلق.
نزل أحمد اولاً ونزلت هي من بعده متسترة بسوادها وعيون رامي تتبعها. شيء بداخله أراد لو هو من يرافقها بهذا المشوار وليس أحمد. وجد نفسه كان الاقرب من أحمد لها ولهذه المهمة نظراً لتاريخهما. ولكنه مجرد شعور سري آخر أخفاه بداخله مع مئات المشاعر المخفية الاخرى!
سارت مرام تسابق أحمد بالخطوات نظراً لأنه لا يعرف أين تقع شقتها بالضبط. كان قلبها مضطرب ويخفق بقوة ما بين خوف وما ببن لهفة لأحضان أمها. رتلت شفتيها بادعية مختلفة وتصارعت اصابعها من بعضها تخفي ارتجافة خفية.
وصلا الى شقتها وطرقت الباب أكثر من ثلاث مرات متشوقة للحظة التي تفتح أمها الباب لترتمي في أحضانها. فتحت سعاد الباب. ولكن مرام لم ترتمي!
تقدمت خطوة سريعة ولكنها في الحال عادت خطوتين أسرع نحو الخلف تجعل من جسد أحمد كدرع لها وهي تشد على عضده بقوة. استغرب ما حصل ولكنه فهم أن هناك شيء خاطئ قد حصل. نظر نحو سعاد التي تنظر نحوهما باستغراب بوجه أحمر وحاجبين معقودين يدلان على شجار أو نقاش بانفعال حديث الوقوع فرفع بصره من خلف كتفها فشاهد شابين ثلاثيين يحدقان به بعيون تجدح شرراً فاستنتج مع من كانت سعاد تتناقش. واستنتج من يكونان!
عصرت مرام يدها على عضده أكثر فلم يعرف كيف يتصرف بهذا الموقف من غير أن يثير الشبهة فكّر بأن يخبرهم أنه اخطئ بالعنوان أو يسأل عن أحدهم ولكنه سيثير الشك بالاخص مع رد فعل مرام وكيف تتمسك بيده وعادت خائفة وكأنها رأت شبح أمامها. مع هذه الاوضاع لم يكن سيجازف أبداً بأثاراة الشبهات حولهم وجعل أخويها يتبعونهم لذلك وجد نفسه يقول:.
- أعتذر على أزعاجكِ بهذا الوقت سيدتي. زوجتي حامل وعانت الغثيان. وكما ترين هي منقبة لذلك لم أستطع أخذها لأي مكان وطرقت الباب على شقة آخرى فلم يرد على أحد. هي فقط محتاجة أن تغسل وجهها.
أجبرت سعاد نفسها على مجاملتهم وأن تبتسم وسط عصبيتها وانفعالها وقالت:
- بالطبع بني. تفضلا.
عصرت مرام يدها أكثر فوق عضده وهي تزداد رعباً من محاولته أدخالها وسط أخوتها فقام بالطبطبة على يدها لطمئنتها وأبعاد الشك عن سعاد وهي تراها متسمرة في مكانها تتمسك بيده وترفض السير وقال:
- لا بأس عزيزتي. ستستعيدين طاقتكِ فور غسل وجهكِ. هيا بنا!
وسحبها معه ليدخلا الشقة فقالت سعاد:
- في نهاية هذا الممر على جهة اليمين ستجدان الحمام. وأي شيء تحتاجه فقط أخبرني.
سارا معاً حتى وصلا نحو الحمام واول ما دخلا قامت مرام برفع النقاب لتبرز عيونها الباكية ولطمت خدها وهي تهمس بخوف وجزع:
- أنا هالكة لا محالة. هل أنت مجنون؟ لماذا أدخلتنا؟!
اقترب منها وهو يقول بهمس مشابه يحاول طمئنتها:
-ششش اهدأي. لا تقلقي. سنبقى خمس دقائق ونخرج ولن يشكو بشيء.
-ماذا أن قاموا بملاحقتنا؟ ماذا أن شكو بأمري ودخلو الان علينا؟!
ثم قالت فورا وهي تحدق بهاتفها:
-رامي!
وقامت بالاتصال به فوراً. لم تنتهي النة الاولى حتى سمعت صوته يقول بخوف مشابه وقد أدرك أن شيء قد حصل:
- مرام؟! ماذا حصل؟!
فقالت بنبرتها المرتجفة:
-رامي. علاء وزيد في الصالة.
فهتف بغضب:
- ماذا؟ ولماذا دخلتم؟ ناولي الهاتف لأحمد فوراً.
أعطته الهاتف وما كاد يرد حتى سمت صياح رامي به:
- هل فقدت عقلك؟ لماذا لم تخرجها؟ هل تدرك أنهم سيقتلونها هذه المرة؟!
فرد أحمد مبرراً بأنفعال:.
- رامي رد فعلها كان واضح أنها خائفة من شيء ما وبالاضافة هي تخفي وجهها تحت النقاب مما سيجعل نسبة الشك بها أكبر. ما كان بيدي أي شيء لفعله سوى هذا.
- أخرجوا من المنزل فوراً.
لم يكد احمد أن يرد حتى سمعوا صوت صياح سعاد مع الاثنين الاخرين وهو تقول بانفعال:
- هل سيكون هذا حالي لو كنت أعرف مكانها؟ أمجنون أنت؟
ليرد صوت زيد بذات الانفعال:
- سعاد. هل تدركين الورطة التي نحن بها؟!
- أدرك يا زيد أدرك. ماذا بيدي لأفعله؟ تباً لشركتكم وتجارتكم كل ما يهمني هو أن أجد أبنتي سالمة
فقال رامي منبهاً أحمد الذي انشغل هو ومرام بالتنصت:
- أحمد؟ أنت معي؟ ما الذي يحصل معكما؟
فرد أحمد هامساً:
- أنهم يتشاجرون حولها.
-أخرجها من هناك فوراً.
اغلق رامي الهاتف والتفت نحو مرام وقال:
-أسدلي نقابكِ من جديد ودعينا نخرج.
فعلت كما طلب منها ووضعت نقابها من جديد وسارت خلف أحمد وهما يخرجان من الحمام. وصلا نحو الصالة وتبسم أحمد ليبين أن كل شيء اعتيادي وقال مخاطباً سعاد:
- شكراً لكِ كثيراً سيدتي على سماحكِ لنا بالدخول.
بادلته ذات ابتسامته المجاملة ولكن أكثر اقتضاباً وهي تومئ برأسها رداً على شكره ومرام تحدق بها من خلف النقاب بألم. نعم هي تشعر بالقلق على ابنتها. ولكنه ليس قلق نقي خالي من الشوائب. هناك قلق على شيء ما سيفتضح باختفاء مرام. هناك اسرار ستظهر للعلن. هناك خفايا ستُكشف مع كل يوم يمضي ومرام خارج المنزل، ولكن هي لا تزال ترى ذلك الخوف في عينيها عليها. هي أم ولابد أن تكون مرعوبة الان عليها.
استدارت. سارت خطواتها تتبع أحمد الى الباب. فتح المقبض. وتجمد جسدها وهي تسمع همسة أمها لزيد:
- هل أنت متأكد أنكم فتشتم المكان جيداً؟ هذا يعني أنها ليست ميتة. أليس كذلك زيد؟ أنت لا تكذب علي.
ليرد عليها زيد بهمس مشابه:
-سعاد. لقد اعترفنا لكِ بكل شيء. لا يوجد شيء لنكذب بشأنه بعد الان. لقد عرفتِ كل شيء الان واطمأني من انها لابد أن تكون في مكان ما هاربة منا. لذلك هل تعرفين أين قد تكون؟!
وفجأة سمع احمد صوت علاء وهو يقول:
-أهناك شيء ما يا سيدتي؟!
ليلتفت خلفه ويجد مرام متسمرة في مكانها تحدق بهم والثلاثة قد انجذبت أنظارهم اليها. تقدم بخوف فوراً نحوها وسحبها من يدها وهو يقول:
- لا حول الله. يا ربي أعني على ما ابليتني به!
ثم نظر نحوهم معتذراً:
- اسف. زوجتي ليست بوعيها كما باقي الناس. تعاني من صدمة مؤخراً.
فتقدم زيد بخطوات ثابتة وهو يقول بشك:
- تعاني من صدمة؟ أم تتنصت على أحاديث الناس يا سيد؟
ثم أردف قبل أن يجيب أحمد:
- لم اراك هنا في هذه المنطقة ابداً. من أين أنتم؟!
فرد أحمد وقد جف فمه:
- من الجانب الاخر للمدينة.
ثم قال مدعياً السخط ليفلت من بين ايديهم:
- ولا تستهزأ بأمراض غيرك يا سيد. لقد ابتلانا الله بما عافاكم منه. عن اذنك!
ثم سحبها من يدها قسراً وخرج من الشقة قبل أن تقوم مرام بتصرف غبي آخر!
نزلا نحو مخرج البناية وهو يقودها من يدها بينما صوت بكائها يرتفع غير منتبهة كلياً لزجره وتأنيبه لها وهو يقول:
- ماذا اصابكِ؟! كدتِ أن تفضحينا يا مرام. تخيلي لو لم يسمحوا لنا بالخروج؟! تخيلي لو شعروا بأنها أنتِ بسبب تصرفاتكِ هذه؟!
شاهدهم رامي وهو يقف بجانب سيارته فأسرع نحوهم مهرولاً وقال أول ما وصل بجانبهم:
-ما الذي حصل؟ لماذا تأخرتم؟!
فقال أحمد بذات سخطه:
- لا أعرف ما الذي حصل لها كادت أن تفضحنا.
فرد عليه رامي غاضباً منه:
- لو لم تدخلها وسطهم ما كانت ستفضحنا.
سحبت يدها من يد أحمد وقالت بصوتها الباكي وهي تتجه نحو السيارة:
-خذني للمنزل رامي. أرجوك!
كانت نبرتها وكأن ما كانت بداخله لم يكن منزلها. لم يعد المكان الذي تنتمي أليه بعد الان. نظر بأسى نحو وهي تصعد نحو المقعد الخلفي وعاد لينظر نحو أحمد ليسألها:
- ما الذي حصل هناك؟!
تنهد أحمد بذات الاسى وقال:
- وما الذي لم يحصل؟ سمعت منهم ما يكفي ليحطمها!
شعر بأسى أشد وهو يتخيل الحال الذي لا تحسد عليه.
سارت السيارة ومرام تكتفي بصمت يعكس خذلانها وخيبتها. فما أصعب أن لا تعرف أقرب الناس لك ليكشف لك موقف واحد فقط حقيقة أخفتها السنين.
هل الحب يكفي لنسامح؟ ربما في النهاية لا. ربما لم يكن الحب أبداً كافياً!
هي نهاية مع أسرتها. ولكنها لم تدرك أن ما حصل كان البداية مع رامي!