قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية فيولين عهد الثالوث للكاتبة نور إسماعيل الفصل السادس

رواية فيولين عهد الثالوث للكاتبة نور إسماعيل الفصل السادس

رواية فيولين عهد الثالوث للكاتبة نور إسماعيل الفصل السادس

-اه انا عارفاها القاعدة دى، مش موافقه يا ابراهيم وخد امك وروح عشان الضغط عندى عالى!
تبادلوا جميعاً نظرات الاحراج المفاجئ التى وضعتهم فيه حنين بقولها الذى لايحوى اى نوع من الذوقيات والرقى!
هب والدها واقفا وقد اعتلت الدماء جبهته من شدة الخجل
-حنين! انتى اتجننتى
-بابا ده موضوع منتهى انا مش فاهمة هو مصمم يحرج نفسه كده ليه
بغضب وهتاف عالى نالها رد قاسي من شقيقها الاكبر.

-انتى تخرسي خالص لان واضح كده انك متربتيش كويس
انفرجت شفتيها للرد على شقيقها، فقطعها فعلة والدة ابراهيم التى انزعجت كثيرا
وبحركتها البطيئة لثقل وزنها ومرضها قامت وامسكت بيد ابراهيم التى ارتسمت بمقلتيه الدموع دون ان تهبط
-ياللا يابنى، كفايه قلة قيمة اكتر من كده
-ياست ام ابراهيم انا اسف والله بجد.

حاول والد حنين ان يقوم بتهدئتهم وان يصلح مافسدته حنين بقولها اللاذع وعدم تقديرهم حتى وان كانت زيارتهم غير مرغوب فيها.
بعد خروج ابراهيم ووالدته وتعمد والد حنين توصيلهم للخارج، اندفع وهو لايرى امامه من شدة الغيظ الى غرفتها بينما كانت هى على هدوئها كما انها لم تفعل شيئاً
-حنين انتى ايه اللى عملتيه ده
خلعت نظارتها تمسحها بهدوء وهى تهم بالرد لتساؤل والدها.

-وبعدين لسه اخويا سائل السؤال ده م تعملولى مجلس تأديب طيب
ب أعين يتطاير منهم الشرر اقترب منها
-اتكلمى ب ادب، واضح بجد انى اتهاونت معاكى
-يابابا يا حبيبي اقعد بس واهدى كده صحتك بالدنيا، بلاعريس بلا ونيس
واحد ورفضته زائد انى مش عايزة اتجوز من الاساس
فيها ايه دى.

-انتى بتستهبلى يا حنين، اوعى تكونى فاكرة انى مش عارف بانك بتمشى اى حد يسأل عليكى عاوز يطلب ايدك من برة برة وانا معرفش، لكن اللى حصل يا حنين من شوية ده انا لايمكن اعديهولك
-يابابا متخليش اللى حصل يعمل مشكله بيينا، انا ميهونش عليا زعلك
زفر والدها زفرة مريره، فاتبعت حنين حديثها له
-ابراهيم ده حقيقي مبيفهمش، قولتله 500مرة مش عايزاك مش بقبلك مش هتجوز لكن هو كالعادة استغبي
-بنت!

هتف والدها فى وجهها بحدة فاتبعت حديثها كما هى
-اه والله ده غبي، مانابه الا احراج امه ونفسه وسمعله كلمتين زى الفل وجاى جايب ورد رايح يخطب هدى سلطان!
-على فكرة بالمنظر ده هيتقال انك فعلا مش محترمة، من الممكن تدخلى ترحبي بالناس حتى عالاقل عشان والدته وبعدها ترفضى بطريقه مهذبه
مع ان معرفش ليه يترفض اصلا شكله شاب محترم وشاريكى.

اختلجت عضله فكها، وتصنعت عدم الاهتمام وقامت بالالتفات حولها تبحث عن شيئا ما، فادرك والدها انها تتجاوز الحديث فى الموضوع وتظهر عدم الاهتمام به، فهم بالقيام
وهو يردف اليها
-لازم تعتذرى لابراهيم ولوالدته ده لو كنتى عاوزانى بجد اعديلك الفصل البايخ ده واتكلم معاكى لانى همنع معاكى الكلام فعلا.
تاففت حنين وقالت
-يوووه يابابا
-اخرسى، هتعتذرى وانا كمان هعتذر لان واضح فعلا انك مش متربية.

تركها وانصرف واغلق الباب خلفه بحدة، زمتت شفتيها بسخرية واخذت تمشط بعيناها المكان ثم تحسست (كعكتها) شعرها الملفوف لتجد القلم الذى كانت تبحث عنه مغروسا بها فتمتمت
-اعتذر لمين يابابا، انا هفكك بطريقتى متشغلش بالك انت
قامت من مجلسها وهى تغمغم بكلمات اغنية شعبية ولا اكتراث لاى شئ حدث
-ياعم صحصح لينااوعى تلعب بينا، غنوا معايا ايوا ايوا.

انتهت رحلة شهر العسل للعروسين خارج البلاد حتما، لكن الجدير بالذكر ان مازال هناك اياما جميلة يجب ان تقضى سويا برفقة بعضهما البعض.
رجعا الى ارض الوطن، ومن ثم قد تمت دعوتهم للحضور فورا وقضاء يومان وسط الماء والخضرة والهواء النقى بواسطه بعض ابناء عمومة نزار.
ف نزار يُعد قروى المنشأ لبلدة ريفيه بضواحى القاهرة، وهو يعتز كثيرا بهذا مهما وصل الى مناصب تعلى من شأنه.

ولكن ليلى كانت لاول مرة تعلم بعد تلقيها هذه الدعوة، كما انها وجدت زوجها متحفز جدا لقضاء هذين اليومين هناك ولكى تتعرف ليلى الى اصول عائلة زوجها.
فى رحلتهم الى هناك انطلقا والسعادة ترتسم على وجوههم وتتخلل كلماتهم وضحكاتهم معا طوال الطريق.

وصلا وما ان ترجلا حتى صار هناك اكثر من فرد يهلل ويقوم بالترحيب بهم بحفاوة، فرحت جدا ليلى لهذا الاستقبال، دلفوا الى منزل ذا بهو واسع عالى السقف متعدد الطبقات، طرازة من الداخل ريفي بعض الشئ ولكن يجب أن لا ننسى تلك الروح الدافئه التى تملأ المكان بهجة وسعادة.
-احنا انهاردة فرحتنا مش سيعانا، مراتك حلوة اوى يا نزار بيه ربنا يخليها لك.

تفوهت بها احدى سيدات المنزل والتى تعد زوجه من زوجات ابناء عم نزار، فهم زوجها بتوجيه الحديث الى نزار
-اسمع يا نزار يابن عمى، احنا لاعرفنا نيجى ولانحضر فرحك الذواتى هناك فمصر ف احنا بقا هنعمل حفله هنا ع ادنا نفرح فيها بيكم
ابتسم ثغر نزار بينما توجه بنظره ل ليلى التى لمعت عيناها من هذه المفاجأة المفرحه، سيكون لها ليلتين زفاف وبمدعوين مختلفين. سيتجدد شعور الفرح ثانية، اى دلال كانت تتوعد به هكذا.

سرعان ما اتى الفطور الفلاحى لذيذ المذاق الشهير، فقد تحرك نزار فى وقت مبكر من القاهرة حتى وصل
ارادت ليلى الرفض بذوق ولكن ماذا عساه باب الرفض ان يغلق امام هذا الكرم المغدق عليهم كسيل ليس له آخر.
طاولة قديمة الطراز ارجلها قصيرة تعلو الارض نسبيا، ويلتف حولها الجالسون
كان عليها صحنا من القشدة والزبد الفلاحى والعسل الابيض والشطائر الشهيرة بمسمى(فطير مشلتت(.

بعد الحاح استجاب كلامنهما وشرع فى تناول هذه الوجبة الدسمه الشهيه بنفس مفتوحه وشرهه، كان نزار يحيط ذراعه خلف ظهر ليلى كانه يحميها داخله طيله الوقت وهذا كان ملحوظا جدا.
فالبداية كانت تتعجب ليلى من تشبث انامله باناملها او يدها او احاطه ظهرها بذراعه كلما اجتمعا، ولكن مع الوقت تأقلمت حتى اصبح عادياً.

تناولوا بصحبه مضيفيهم ووجوههم لاتخلو من الابتسامه، تناولا وجبة الافطار سريعا حتى هبطت (صنية)الشاى. تناولاه سويا ثم دعاه احد اولاد عمومة نزار للتنزه بالحقل لهضم وجبتهم.
امسك نزار بكف ليلى وحاوط كتفيها بذراعه الاخروترجل بها، كانت تنظر هنا وهناك كطفله اخيرا وافق والداها على رحلة مدرسية فذهبت فيها واستمتعت بكل جزء منها وكل وقت فيها.

براءة نظراتها وهمساتها كانوا يصنعوا فيه العجب! يأخذانه نحو روحها ليتجانس بها ويتجرع بسببها نوبات غرام لا يزهده ابدا.
اشارات اصابعها الى هنا وهناك، نظراتها له، صفين اسنانها الصغيرة عندما تضحك، لمعة عينيها، كل هذا ما اوقعه عنوة فى حب هذه البريئة الجميلة.

تعبا من التنزه، فقد همست ليلى بأذن نزار بأنها تريد العودة لكى تستحم وتاخذ قسطا من الراحه. فاجابها على الفور واستاذن ابن عمه، وتوجها للمنزل، صعدوا الى غرفتهم سويا حتى فتحت الحقيبة واخرجت منامه وفى طريقها الى الحمام فاوقفها.
-ليلى، انتى مقولتليش انك واخده بيجامات قصيرة كده
تلعثمت ونظرت للمنامه واردفت له
-دى مش قصيرة، بنطلونها لتحت الركبه ونص كم.

-انتى عارفه رئيي فاى لبس يبين اى جزء فيكى حتى لو عادى او صغير، وده عامة تخيلى بقا
دول اهلى وناس ارياف يعنى طباعهم غير
تنهدت ونظرت لمنامتها، فهم بالقول لها
-انا هنادى على اى واحده منهم تشوفلك عبايه بيت ولا حاجه
اتسعت حدقة عيناها وهى تردد خلفه
-عباية، انا مبلبسش من حد ثم مبلبسش عبايات انا اصلا قصيرة
-اومال عاوزة تقعدى كده وسطهم! هتتكتفى بلبس خروج ولا ب دول؟

هتف بحدة فى وجهها، هذه ليست اول مرة فقد لاحظت ليلى فى هذا الوقت القصير غيرته العمياء
بل حب تملكه الزائد لها
هو لا يريد ان يرى احد منها مايخصه وحده، اى شئ وكل شئ حتى وان كانت ابتسامة عابرة!
انصاعت لأمره، عندما خرج ونادى احداهن ليطلب منها طلبه ل زوجته فهرولت لتحضره له عالرحب والسعة.
ارتدت ليلى رغما عنها، جلباب حريمى منزلى واسع وفضفاض جدا كانت اكمامه طويله على ذراعيها وطويل يسير تحت قدماها!

جسدها الضئيل لا يسعه هذه الاشياء ولكن منعا لاى مشكلة، ارتدته وهى صامته.
-كويس منظرى ده يعنى
ضحك نزار ودناها منه وهمس لها
-فرحان انك متغطيه كلك كده، ولو اطول يبقى شكلك كده طول عمرك وانتى معايا مش هتردد
-فاضل كمان تقوللى فكرى فالحجاب مش كده
قالتها باسلوب طفله تريد التذمر على أمر لايروق لها، فتبسم ضاحكا وقال
-ونقاب كمان لو لزم الامر وندارى عنيكى الحلوة دى
-كده ده سجن.

-كده ده حب، انتى متعرفيش لو حد شافك واتمناكى فنفسه او استكترك عليا انا ممكن اعمل ايه
اقتربت منه بهدوء وقالت بنبراتها الهادئه
-ليه يا نزار، انا مجرد بنت عادية مفيش اى حاجه تخلينى اتميز عن غيرى تخليك عاوز تقفل عليا كده
-لا فيه
قال الاخيرة بصوته ونبراته الرصينه كعهده، فعقدت حاجبيها فاكمل كى لايثير فضولها
-فيه يميزك، انك بتاعتى، بتاعتى لوحدى وطالما انتى كده يبقى ليا حق اعمل كل حاجه معاكى وتبقى مبسوطه.

-كلامك ده بيخوفنى يا نزار
ضمها لصدره بحنو وهو يتحسس شعرها ويشم رائحته
-فيه حد يخاف من حد بيحبه كده، انتى لسه متعرفيش انا بحبك ازاى
قبل جبينها ونظر لمقلتيها مباشرة
-احنا ننام شوية عشان نستقبل الحفلة اللى عاوزين يعملوها لينا، لازم نكون عرسان كلنا نشاط
مش كده ياقمر؟!
ضحكت تجاريه على حديثه، وقامت بحمل ملابسها وانصرفت مستسلمه لما يقول
كعهدها معه.

قد تعلم ب اسوء طريقه ان الشك الذى يدلف الى قلبك لاتندمل جراحه حتى وان آتاك اليقين
ستبقى ندوبها كريهة المنظر كلما تذكرنا النبضات الخاسرة حينها ونحن نتأرجح بين حيرة واخرى!
تزيح بلقيس غطاءها الوثير من عليها، خطت قدماها الأرض بهدوء وهى تراقب نومة جلال بحرص، ثم امسكت هاتفه وامسكت باصبعه وفتحت البصمه برفق واخذت تتصفح كل برامج وملفات جواله باهتمام والمكالمات كلها.

طرق برأسها فكرة زميلتيها ان تقوم بتنزيل برنامج متجسس للمكالمات ولكن بداخلها ترفض، كما ترفض فعلتها هذه الان ايضا كيف لها ان يصل بينها وبين جلال الامر هكذا. ظلت هكذا لبضع دقائق
حتى قطع اندماجها صوته بهدوء شديد وهو ينظر لها.
-خلصتى ولا لسه؟
فُزعت بلقيس وظهر واضحا على رعشتها إثر سماعتها صوته، فاعتدل وجلس على الفراش وقال بهدوء باديا عليه جدا
-خلصتى تفتيش؟طب ممكن تسأليني اسهل.

هنا بقوتها التى تخفيها كى تقوم بمجاراة الأمور، قامت من جلستها وواجهت وجهه بانفاسها المشتعله وعيناها الغاضبة، وقد عليت نبرة صوتها
-اسألك عشان تكدب علياتانى
-اهدى مفيش داعِ للصوت العالى ده
-اهدى ازاى وانا متأكدة انك مخبي حاجه عليا، وبتكدب كمان
-انا مكدبتش
طرقت بكفها الكومود جانبها بحدة اثناء هتافها.

-لا كدبت!يوم فرح ليلى انا شوفتك بعينى واقف تحت بتتكلم فالموبايل ولما سألتك قولتلى انك كنت عند طنط، انامتاكدة ان فى حاجه وراك يا جلال
انزل ارجله الى الارض، وقام بتكاسل خطوات وهو يتحدث بمنتهى هدوء الأعصاب
-انا مش مخبي حاجه، وعندك الموبايل كملى تفتيش ومتعليش صوتك تانى
ماشى.

انصرف إلى الحمام وتركها تشتعل لا يأخذ حديثهم جدوى حق او باطل، امسكت الهاتف واكملت بحث بل عزمت هذه المرة ان تقوم بتنزيل برنامج مخفى تسجيل المكالمات لكى تقطع شكها بيقين وحينها سيكون التصرف لها وحدها.
وفى اليوم التالى.
كان نادر يجلس وسط ابناء شقيقه يلاعبهم بلوح البازل والمكعبات، يحاول فهمهم واضحاكهم بصدر رحب
وقد ينسى معهم الوقت، وقتاً يشغله دائما بالتفكير فى النتيجة
وماذا عساها الخطوة القادمة بمستقبله.

حتى رأى بلقيس تقترب من النافذه تنظر بشرود للفضاء امامها، فترك الطفلين واقترب منها.
-مالك يا بيلا؟
نظرت له بلقيس وتنهدت بعمق وكأن جبلا قد اهتز بفعل كلمته هذه، فكرر سؤالها مرة ثانية
-الولاد فيهم حاجه، علاجهم اكلهم؟
ابتسمت بلقيس لحنانه عليهم وتفكيره بهم، فربتت على كتفه واردفت
-هما كويسين يانادر متشغلش بالك
-مالكعيونك مش مطمنانى
نظرت له متعجبه وابتسمت وقالت
-ايه يا واد الكلام ده، روح قوله لميرهان.

ضحكت كى تخفى مابداخلها وتلهيه عن الموضوع الاصلى الذى يشغلها، ولكنه يتفهمها كثيرا وذكاءه بادراك الامور عالى جدا حتى انه يتفهم مابين السطور دون ان يُنطق.
-متغيريش الحوار، فيه حاجه بينك وبين جلال؟ماهو يا نعمة هتقولى يعنى هتقولى مش هسيبك
رددت بصوت خفيض خلفه بعدما ضيقت عيناها
-نعمة!
-انا عارف انك بتحبي اللى يقولك نعمة عشان انتى فعلا نعمة بس ده مش موضوعنا، مالك بقا؟

-والله م تشغل نفسك يانادر مجرد خيالات دماغى وعبط كده
-ياستى احكى، مانا بقولك كل حاجه اول باول لابقول عبط ولا حاجه
تنفست بلقيس بالم ظهر على وجهها، وجلست الى الاريكه، صوب نظره عليها حتى دلفت والدة جلال اليهم.
-اومال جلال مباتش امبارح فالبيت ولا ايه؟
ردفت بلقيس لها
-لا كان موجود يا طنط
-اصل مشوفتش عربيته تحت، قولت يمكن متخانقين ومباتش هنا
-لا جه متأخر، وبعدين ربنا ميجبش خناق ولا حاجه.

اسرعت بلقيس بحمل الطفلين والصعود الى الطابق الاعلى لشقتها، فحمل نادر معها واحد منهم وترجل خلفها
بعدما القت بلقيس التحية الى حماتها، فهمت بسؤالها
-هتطلعى بيهم بدرى كده
-يدوب عشان يناموا وياخدوا الدوا جه ميعاده
قالتها وصعدت السلم ونادر خلفها، حتى وصلت ووضعوهم سويا بغرفتهم بعدما تجرعوا الدواء المخصص لهم
-انا هنزل، بس خليكى فاكرة انك ضحكتى عليا ومقولتيش مالك وهفضل قلقان، بس هعديها يانعمة
تصبحى ع خير.

انصرف نادر وتركها للتفكير الذى ينهش اعصابها وخلايا عقلها يوما بعد يوم، كيف لإمراة احبت. ان تقبل بان تكون مغفلة او مجرد دور بحياة رجلها الوحيد!
بغرفته العتماء، كان يجلس ابراهيم حزيناً منكسرا
هو كان يعلم برفض حنين من البداية، يعلم بعنادها برأسها ذو العقل المتحجر
يعلم بكبريائها، لكن لا كان على خاطره او باله هذا الموقف المحرج الذى وضعته هو ووالدته به.

وامام اهلها كلهم، قالتها ولم يهتز لها رمش لجرحه وكسرة قلبه وخاطره!
هل هذا هو الحب؟هل هذا هو من يتغنون له بأجمل الكلمات واعذب المشاعر، هل هذا هو من يدعسنا بعجلاته دون توقف لمجرد اننا دخلنا دائرته.
مساكين نحن حينما نقدم قلوبنا مغلفه بشريط هدايا ثمين مقابل كلمة لطيفة!
ابراهيم كل مايريده هو فرصه، فرصة يقتنصها من تلك القاسية.

فرصة يفتح لها قلبه يريها وضعها داخله وحدها لاسواها، كيف يهيم بها نهارا ويحلم بها ليلاً
ولكنها هدمت سقف حلمه الناعم الوردى عليه كى تفيقه على صفعه جديدة من صفعات وزخات لسانها الغير ملجم حتى يعرف مقداره لديها بالظبط لازيادة او نقصان.
فتحت باب الغرفة والدته تحمل الطعام، هم ليأخذه منها واجلسها برفق
-يا امى تعبتى نفسك ليه
-مش عاوز تاكل ولاتروح شغلك ليه يا ابراهيم.

صمت ابراهيم ونظر لأسفل قدمه، امسكت والدته كفه بحنان وقالت
-يابنى كسرة خاطرك دى مش ساهله، الراجل لما يتكسر وحشه ومن بنت
انساها يا ابراهيم دى متنفعكش الله يصلح حالها عاللى عملته
رفع لوالدته عيناه تفيض دمعا وشفتيه تنفرج عن الكلمة الوحيدة التى يحملها قلبه لمعذبته حنين
-بحبها، بحبها اوى يا امى
احست والدته به ولاتريد ان تُثقل عليه اكثر، احتضنته لعل حضنها يواسي جُرحه الذى لاينسى ابدا.
العشق.

هو ما يجعلنا نتعذب لانه يحكم قبضته على قلوبنا فيفقدنا السيطرة عليها تماما، فلنتخلى عن العشق اذا
حتى نستطيع فقدان مانعشق بروح رياضية.
امام مرآة غرفته المتواضعه، كان يتأنق آسر بوضع اخر اللمسات من عطره وهو يرتدى بنطالا جديدا وقميصا ايضا اشتراهم خصيصاحديثا لزيارة ليلى فى منزلها لاول مرة.
مشط شعره واعدل هندامه وتأكد منه، وخرج حسب الموعد المتفق عليه مع بلقيس ان تلتقيه فى مكان محدد.

وعلى الموعد وصلت اليه بلقيس وهى تستقل سيارة أجرة مع حنين لتترجل منها هى والاخيرة.
-ايه ده مين اللى هيجيب النطع ده معانا
اشارت حنين بسبابتها نحو آسر بطريقه سخيفه، فهم هو بطرق كفها وهو يهتف بحده
-اسمعى يابت انتى طولة لسان مش عاوز عشان متلاقيش قفا ايدى بيزغرد على وشك
قالها اسر خروجا عن شعوره، فهتفت حنين فى وجهه مشتعله كيف له حق الرد عليها.

-بقولك ايه لايمها عشان مصورش قتيل هنا، انا مش عارفه ايه حشرك وسطنا فى ساعة قضى غبرة
-للاسف مضطر استحمل سخافاتك وانى اشوفك عشان ليلى بس
-يا اخى ده انا ببلع جوز ليلى عنك يا ارخم خلق ربنا
-يعنى هو انا اللى بالعك
اوقفت صراع القذائف بينهم بلقيس بهتاف بصوتها رغما عنها بسببهم
-مش معقول احنا مش صغيرين على كده
ردفت حنين وهى ترمق آسر نظره امتعاض وتلوى شفتيها وتوجهت ل بلقيس.

-انتى خلتيه ييجى معانا ليه؟ وييجى معانا ليه من اصله كان من بقية العيلة
-قولتهالك قبل كده ليلى يهمنى امرها ولازم اروحلها واباركلها واتطمن عليها انتى مالك
اقبلت حنين عليه وكأنها ستسدد له لكمات بقلب الشارع
-يبقى تروح لوحدك ومتزهقناش بخلقتك يا سمج
-والله انا قولت لبلقيس هروح معاها وهى وافقت، انتى اتحشرتى ليه معرفش
-انا اتحشر ياتلاجه! هو مين فينا اللى دخيل عالتانى يا احول.

-يوووه كده هنتاخر على ليلى، ممكن لو سمحتم تستحملوا بعض الزيارة دى وخلاص وبعدها محدش يعرف التانى ممكن!
قالت بلقيس بنفاذ صبر، فصمت آسر كعهده بينما حنين كادت تنفجر من غيظها من وجوده ولكن الضرورة تحكم فى الاعصاب فى بعض الاحيان.
احضروا ثلاثتهم هدايا لها، ووصلوا لمكان فيلتها. وما ان وصلوا ورحبت بهم مديرة المنزل واجلستهم.

الى ان سمعوا صوت طرقات حذائها ذو كعب تهبط من اعلى السلم، فهب واقفا آسر وقد بدا عليه اللهفة التى لاحظتها بلقيس واخفت كالعادة.
هبطت اليهم ليلى بردائها ك اميرة بشهر العسل، جميله الشكل ومختلفه بهذا المنظر وقصة الشعر التى تبدو عليها.

بحفاوة احتضنت بلقيس طويلا وقبلتها عدة، ثم حنين واخيرا يداها عانقت يد آسر الذى بعيناه مشط وجهها وكفها، قدموا ثلاثتهم هداياهم التى فرحت كثيرا لها واحمرت وجنتاها عندما تناولتهم.
تبادلوا اطراف الحديث حول الاطمئنان والاخبار، ثم توقفت هى لبرهه لتستاذنهم ف احضار شيئا وستعود حالا
قُدم لهم مشروب الضيافه وبعض الحلوى، هبطت ليلى تحمل علبتين وحقيبه على ظهرها
-انا جبت لكم حجات من كل مكان روحته، انتو التلاته بس.

ابتسم اسر وتعجب وهم بسؤالها
-وانا كمان
-طبعا ي اسر وهو انا انساك
-انا كنت فاكر هما بس، لكن وانا كمان طب ليه
ابتسمت ليلى واقتربت منه تحمل هديتها له وقد همت بفتحها وهى تردف له
-معقول بتسأل ليه، شكلك لسه متعرفش يعنى ايه اسر بالنسبة لى. دى بقى هديتك
اخرجت هديته عبارة عن آله الجيتار!

يا للهول. اتراها مازلت متذكرة حينما قال لها فى احدى مرات ثرثرتهم سويا الدائمه انه يريد التعلم العزف على الجيتار وانه ينجذب له ك آله عن غيره ولكن لم يهم يوما بشرائه يراه رفاهيه ومافحياته اهم من هذه السخافات حتى وان كانت امنية.
-ليلى انتى
ابتسمعت لاتساع عيناه امامها فقالت
-انا منساش حاجه ليك، وبعدين ي آسر عملت معايا كتير ووقفت كتير وانقذتنى من السجن لما سيبت حقك وانت متعرفنيشانت غالى اوى عندى ي اسر.

من دون وعى، جذبها آسر لاحضانه امام مرأى حنين و بلقيس التى فرغ فاهها فقد تأكدت من ظنونها، ولكن كُتب على لحظه ك هذه عدم الاكمال وتوقف المشهد على حاله، حينما سمعوا جميعهم صوت نزار الرصين يرحب بهم إثر وجود ليلى باحضان آسر!
-اهلا وسهلا، البيت والمكان نوروا بوجودكم بجد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة