قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

واقفا ينظر الى النافذة الزجاجية، لم يستدعي فرح مرة أخرى إلى منزله بعد انفجارها الأخير
ان استمرت في الكذب عليه ستصبح بطاقة محروقة بالنسبة له، او هي من تسعى الى ذلك عمدا حتى يعجل بخروجها من دوامته!

هذا من جهه ومن جهه اخري قدوم مارية كالإعصار إلى أرضه، رغم لقائهما منذ فترة ليست بعيدة وكلف رجلاً أن يبحث خلفها وما يأتيه لا شيء، زيارات مع زميلاتها المضيفات في إحدي شركات الطيران من عملها السابق ومكوثها في منزلها القديم، سكونها هذا يقلقه غير من الممكن ان تلقى تهديدا ثم تصمت وتتراجع جيوشها.

صدق حدسه حينما جاءه في الصباح الباكر تحذير من والده الباشا الكبير، ثم اتصال المحامي الخاص به وهو يخبره أنه يجب مقابلته في أمر عاجل.
وهو ما زال منتظرا اياه، غير عابئا بتهديدات الوالد لانه يعلم انه يحتاجه في العمل اكثر من اي شخص اخر، حتى وقاص ابنه من سيدة المجتمع على عكسه!
استمع الى صوت السكرتيرة عبر الجهاز تخبره بقدوم المحامي، سمح له بالدخول والتفت الى الباب الذي انفتح بعد لحظات وقال بنبرة ساخرة.

- ايه يا متر وجودك هنا مش مبشر الصراحة انت والباشا الكبير في يوم واحد تتصلوا بيا
مسح المحامي الخاص به العرق المتصفد على جبينه بمحرمة ورقية وقال بنبرة اسفه
-مش مبشر خالص يا نضال باشا
التفت حول مكتبه وجلس على مقعده وصاح بجمود
- قول
صاح المحامي بلهجة جامدة
- اترفع عليك قضية نسب
صمت، صمت ما قابله حينما أخرج قنبلته
نظر إلى ملامح نضال الجامدة وعيناه تموج بالبرية والغضب ليغمغم نضال قائلا
- نسب؟! ومين اللي رفع؟

أجاب على سؤاله الذي يعلم إجابته جيدا
- مارية عزام
واسترسل بجمود وهو يعطيه الورقة التي أرسلت من المحكمة قائلا
- بتطالب بإثبات ابوتك لبنتها شمس
التهم نضال الورق التهاما ثم صاح بسخرية
- جيه الوقت الضعيف يطلعله صوت
أرخى رأسه على المقعد وغمغم
-لسه ساذجة زي ما انتي يا مارية و هتفضلي طول عمرك كده.

الأحداث ما زالت غامضة؟!
لكن بدأت تمسك طرف الخيط
استمر يا عزيزي، فالحقائق والأسرار مهما طال اخفاؤها ففي يوم
ستتجلي تلك الحقائق وصدقًا لن تعجبك
ستتمني أنك لو لم تكتشفها
ربما تكون مصائبك اقل بكثير وأهون مما في الشخصيات التي تلعب بكل إصرار وضراوة لاثبات كفائتها على المسرح الخشبي
لا تتعجل بالنهاية
فالنهاية ستأتي لا محالة
استرخي واستمتعي معي، سنسلط الضوء على شخصية مليئة بالأسرار.

تنهدت شيراز براحة ما إن أخذت وعد من ولدها، ابنها الذي تراه في السادسة عشر رغم انه سنوات قليلة وسيصبح على مشارف الأربعين، من يصدق ذلك ابنها سراج سيعود بعد أن اعطته صورة كاملة لما تفعله أرمله اخيه، أرمله اخيه التي تنهش كل من يقترب من عمل شركة العائلة، زوجها واعضاء مجلس الادارة تشيد بعملها الكفء لكنها هي تعلم انها في يوم ستقلب تلك الطاولة وسيظهر وجهها الحقيقي...

نظرت الى زوجها و عيناها لامعتين بظفر، الصياد حصد على حصة كبيرة من الغنائم وسيتطلب احتفالا، تمتمت بصوت ناعم أمومي
- ماشي يا حبيبي وانا في انتظارك
أغلقت المكالمة لتلتفت إلى زوجها الذي يتصفح بكل برود الجرائد، لكنه التقط تلك النظرة من عيناها ليغمغم بجمود
-جاي
لم يكن يسألها.

لأنه يعلم خلال تلك الاشهر المنصرمة قضتها في النواح والتوسل الأمومي الذي تجيده، ترغب في عودته قبل انتهاء عدة زوجة ابنها ضياء، ترغب في عودته حتى يتم وضع النقاط على الحروف، نظرت شيراز نحوه وكادت أن تلقي بأي تحفة ثمينة على رأسه، هو لا يشعر بالخطر اطلاقا لكن هي تشعر.

اسرار تلك الغامضة التي تقضي بين أربعة جدران تعمل بكل نشاط في العمل ومساعدتها ترسل الأوراق الهامة إليها، رغبت في استمالة سكرتيرتها وكسبها في صفها لكن تلك الخبيثة تعلم خططها واصبحا الان يلعبان على المكشوف
نظرت الى تاريخ اليوم والعد التنازلي للعدة على وشك الانتهاء، تنهدت بحرقة
- اتأخر انه يجي
ردت على الفور
- يجي في نص المعركة احسن ما يجي في آخرها.

طوي الجريدة والقاها على المنضدة المستديرة امامه وقال بنبرة ذات مغزى
- غريمك مش سهل يا شيراز
زوجها هو الآخر شعر بتغير اسرار، جيد انه شعر بذلك ولا ستكون هي المجنونة الوحيدة في المنزل
- الايام هي اللي هتثبت ده
حدقت بعيناها إلى الجدار، غمغمت بصوت هامس
- الايام جايه ما بينا يا اسرار ويا انا يا انتي
من خلف الجدار كانت واقفة ببرود، استمعت بالصدفة إلى صوتها الهادر عبر الهاتف، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها.

- الايام هي اللي هتوضح يا حماتي.

الموسيقى هي التي تجعلها تعود إلى حقيقتها
روحها التي ما زالت تثأر وتعربد طالبة بالتحرر من الدرك الذي سقطت فيه
تتذكر كل يوم ملامح قرصانها الغائب، غموضه وصمته يشغل حيزا في عقلها الذي لا يتوقف عن التفكير
لولا تلقيها رسالة تهديد من الماضي الذي يجري خلف اظلالها طالبا شيئا ليس من حقه
مفتاح حريتها يطلبه بكل جفاء وهي ليست ساذجة للعودة إلى العذاب مرة أخرى.

لكن هو جاءها صدفة، وجودها هنا لغاية أسرتها في نفسها لكنها ستبلغه بها في يوم.
اليوم تشعر انه يقترب والباحثون خلفها سيصلون في أي وقت إلى عقر دارها
الشيء الذي يبقيها على قيد الحياة هو الذي بحوزتها، وهي ستحارب بأسنانها و تنهش لحم من يقترب إلى محيطها.

أفاقت من دوامتها العاصفة إلى وجوه النساء الثريات المدللات، انها تمقتهم بشدة وتمقت أفعالهم وحديثهم عن المجوهرات والاحتفالات، اللعنة شادية محقة ان النساء من الطبقة المخملية يمتلكن عقلا فارغا ويعشن في فقاعة منعزلة عن الجميع.
صفقت بيديها وهي تنظر الى المرآة العاكسة إلى وجوههن المجهدة، لتهتف بصوت ناعم
-ممتاز جدا، اهم حاجه نظام الاكل في مواعيده بدون اي لخبطة، اشوفكم في ال class اللي جاي.

زفرت بحرارة وهي تمسح حبات العرق المتصفدة على جبينها وتأملت بهدوء جسدها النحيل وشعرها الأسود القصير الذي رغم تعجب تلك الفتيات اللاتي يتغنين بطول شعورهن الا انها لقت مديحا على تصفيفة شعرها بل وجرأتها التي جعلتها تقص شعرها بذلك الطول...
رهف لم تعاود الظهور وهذا يقلقها
قلقة من كل ما خططت له يذهب في مهب الريح، التفت إلى صوت تعلمه جيدا يصيح بصخب
-الصراحة عندك حق انك تيجي هنا.

انشرحت أساريرها وهي تنظر إلى ابنة خالها الأخرى بشحمها ولحمها امامها وخصلات شعرها يتراقص بمرح خلف ظهرها لتتقدم نحوها محتضنه اياها قائلة بتعجب
- جيجي!، انتي بتعملي ايه هنا؟
غمزت جيهان بمكر انثوي واكتسب بشرتها البيضاء سمار محبب لترفع بنظارتها الشمسية قائلة
- صاحب المكان طلب يقابلني
سحبتها الى احد الاركان لتجلسان على المقعد، عبست فريال قائلة
- القرصان!

نظرت جيهان إلى الصالة الرياضية وكونها جلبت معداتها من آخر البلاد يعني أنها ستمكث ولفترة طويلة، عبست بتهجم
- بس مكنتش اعرف انك جدية للدرجة دي يا فيري، افتكرت مدة بسيطة وهترجعي
ابتسامة شاردة احتلت معالم فريال وهي تقول بنعومة
- المكان يستاهل
قرصتها جيهان بخفة قائلة بمكر انثوي وعيناها تتلألأ بالآلاف من النجوم
- وصاحب المكان بردو
تنهيدة حارة كبحتها في شفتيها، رباااه القرصان من هو؟!

إن فعل كل هذا من أجل شقيقته، ماذا عن حبيبته؟!
تسللت ابتسامة ماكرة على شفتيها إلى ركن خبيث ظنت انها قضت عليه سابقا لكن هذا المكان يؤثر فيها سلبا وإيجابا
سلب أن قناعها الزائف يتصدع، وايجابا لانها لاول مرة منذ سنوات الهجرة تشعر بالأمان والدفء الذي تنشده
مؤكد القرصان حينما يسقط في فخ الحب بقيدوه سيصبح عاشقًا مجنونًا، من المؤكد سينال نجمة من السماء ليقدمها إلى معشوقته.

رفعت بعينها إلى جيهان، لطالما تكره هذا من صغرها، جيهان رغم انها لا تتحدث معها كثيرا الا انها الوحيدة التي تستطيع أن تؤمن اسرارها، وكيف تنسى انها من استطاعت ان تنقذها منه، من ماضيها الأسود.
ابتسمت بلطف وهي تربت على فخذها
- من اول ما بدأتي تشتهري يا جيجي محدش عارف يجيبك ولا يعرف مكانك
حتما ستجلب شادية، اللعنة فريال تعود إلى طبيعتها هنا وتتصرف بأريحية شديدة، مقابلتها ل وقاص.

هو رجل قليل الكلام لكن رجل افعال
رجل لن تستطيع مقابلته مرتان، هيئته تبعث الوقار والخشية، خشية من ماذا لا تعلم
لكن في وجوده تشعر انك متحفز، متحفز لنشب عراك معه وحتما هو في النهاية الفائز.
رجل يبدو معتزا جدا بشرقيته وأهل منزله وهذا لا تجده كثيرا في فئته من الطبقة المهتمة بالمظاهر
استدعاها لانها بطريقة غير واضحة أنقذت ما تم انقاذه لشقيقته
أنقذت شقيقته وهو بهدوءه الذي يستفزها حاول سبر اغوارها.

لكنها كحصن منيع لم تتفوه بشيء من الممكن أن تخسر حياتها هي الأخرى
يوجد العديد من المتربصين الذين ينتظروا أن تظهر لينقضوا عليها
أطلت جيهان النظر إلى اظافرها المطلية بلون خوخي لتقول
- هتلاقيني دايما على الإنستجرام يا بيبي، انتي عارفة اني من أشهر البنات على السوشيال ميديا.

تملك الملايين من المتابعين على جميع التواصل الاجتماعي، ربما لأنها مثابرة، مغامرة، جريئة، تحب استكشاف الأدغال وخفاياها، التعرف على القبائل الهمجية، تتوغل إلى مناطق وعرة، تسافر مع فريقها إلى أي بقعة في العالم تثير بها غريزة الاستكشاف، والاهم مسابقاتها الخطرة في سباق الدراجات النارية.
هي ببساطة النقيض لاختها شادية
ضيقت عيناها نحو جيهان لتقول بنبرة ذات مغزى.

- ظاهريا بس يا جيجي، بس مش كل الناس تعرف انك بمعلوماتك تودي ناس في داهية
عدلت من ياقة قميصها و نفضت تراب وهمي على سترتها السوداء الجلدية القصيرة لترد
- من دوني كنتي مش هتعرفتي تمسكي على ال زلة
انقلب تعابير وجه فريال إلى 180 درجة، عادت تلك الجامدة مرة اخري التي قابلتها مذ عادت للسفر، ربتت على فخذ فريال وهمست بصوت هاديء
- انسيه.

ياليتها تستطيع نسيانه، انه كالمرض الخبيث الذي ينخر في العظام، لا تستطيع نسيانه لانه يظهر كشبح في اي ركن هاديء، يذكرها بخبث انه ما زال معلقا في جزء بائس من عقلها، استمعت إلى نبرة جيهان الممتعضة
- بعد ارتباطك انتي وشادية قررت اني افضل اني ابقي single
مالت فريال براسها وهي تعبس بتساؤل
-فين الوسيم؟!
تهجمت ملامح جيهان للجمود وردت بنبرة لامبالية.

- وسيم وراه شغل كتير وعايزة اقولك بيقنع شادية انها تغني، الغبية هتشتهر في يوم وليلة على السوشال ميديا
قدمت لها الحل على طبق من الفضة وهي تقول
- معاكي فيديوهات ليها وهي بتغني
التمعت تلك الفكرة برأسها سرعان ما خفت البريق لتقول باستسلام
- لا بلاش، مش هتسيبني.

عضت فريال شفتها السفلى وهي تعلم ان غدا فيديوهاتها ستنتشر على كافة التواصل الاجتماعي، من يصدق ان خلف الوجه الحسن عقل داهية كبيرة، ستستفيد الحكومة منها كثيرا والمقابل كسب أعداء كثر وينتهي الحال بها مقتولة لكن ما تفعله هو عين الصواب.
تذكرت تذمرات شادية من تدخل وتحكم الحارس في معظم شؤونها لتقول
- والحارس؟!
اقتربت جيهان هامسة
- اري ان فيه نيران
أقرت فريال قائلة
- شادية عايزة اللي يديها على دماغها.

- وانتي عايزة ايه؟
تساءلت جيهان بصوت ناعم لترد فريال بصوت واثق
- القرصان
انفجرت جيهان في الضحك قائلة باستمتاع
- هنيئا لك به يا فيري
ثم ما عادت ملامحها للعبوس وقالت
- المستفز اللي اسمه نزار، اول مرة اعرف ان ليه مطعم هنا، مش بينزل من زوري وانا بشوفه بيحوم حوالين شادية
اتقصد الوسيم السوري؟
التفتت إلى جيهان وقالت
- شامة ريحة غيرة يا جيهان
هزت رأسها نافية وهي تقوم من مجلسها قائلة.

- اطلاقا، عموما انا همشي عشان الحق السباق
تغار جيهان من اختها لانها رغم اختلاف طباعهما و هيئتهما الا ان شادية تسقط الرجال الذين يحبون أن ينهلوا من نبع البراءة التي بها على عكس جيهان التي تريد من يلجم افعالها المتهورة، زفرت فريال بيأس حتما ستكون أيام ملتهبة إن رأت رجلين يحومان حول ابنتي خالها.

جرس الفرن انبئها بنضج العجين، التقطت منشفة وهي تخرج الكب الكيك من الفرن والرائحة داعبت بذاكرتها لأول وآخر مرة صنعت الكب الكيك لماجد بمناسبة عيد مولده، وقتها كانت اقرب اصدقاءه كما يقول وهي تعتبره كصديق تائه يبحث عن ضالته.

نادية صديقة عمرها من الاعدادية، غياب والديها إلى بلدة خليجية للعمل وتركوها في منزل الجدة ترعاها وتلبي احتياجاتها، توفت جدتها حينما كانت في الصف الثالث الثانوي ومرت بعدها بمرحلة بائسة ومحطمة حتى السنة الأولي من الجامعة، وبعدها تغيرت، معاملتها وجرأتها التي اصبحت مخيفة احيانا وملابسها التي اصبحت في طريقها للتحرر، اصرت كثيرا لمعرفة ما بها والأمر ينتهي إلى حائط سد.

تأملت القطعة الاولي التي زينتها بقطع الكيوي التي تحبها نادية، لتتذكر هجوم نادية الحاد ولأول مرة ومن اجل من، من أجل رجل!
-ايه علاقتك مع ماجد
صاحت بها نادية بحدة وملامح وجهها الناضرة كساها الإجهاد وسواد اسفل جفينها جعلها تهلع بشدة، تمتمت بصدق
- مفيش اي علاقة يا نادية وانتي عارفة كده كويس
كانت متوترة، وخائفة، يداها ترتعش بشدة حتى وضعت كوبي القهوة على الطاولة، التفتت الى رهف وقالت بصوت اجش.

- رهف مش انا اللي تضحكي عليها بكلمتين
ابتسمت رهف وهي تقترب تحتضنها قائلة بنعومة
- اطمني انا معنديش اي حاجه من ناحيته، ولو حسيت بأي حاجه منه هبعده
هدأتها ببساطة، اعطتها المخدر الذي ترغبه، مخدر تضطر أن تتجرعه علّ سلوكها الحاد يخف، لا تعلم لماذا ماجد ترغبه بكل استماته وضراوة، تري نظرات ماجد نحوها اللامبالية، لما هي تتعذب طالبة وصاله وهو لا يعبأ بها حرفيا!

اهذا الحب بكل حالاته البائسة، اهي بائسة ليعطيها الفتات!
هزت نادية راسها قائلة
- تمام
ثم اتسعت ابتسامتها بشكل مخيف ومذعر، عيناها تحدق إلى كوبي القهوة وكأنها طوق نجاتها لتقول
- عموما جبتلك القهوة من ايدي
ببساطة وحسن نية تناولت القهوة التي تجلبها دائما معها، لطالما تشعر بتغير المذاق بين قهوة نادية وقهوة التي تعدها احدي الخادمات في المنزل، لكنها نفضت كل شيء وهي ترتشف القهوة قائلة بامتنان
- تعبتك يا نادية.

ردت نادية ببساطة وهي ترتشف قهوتها
- لا تعب ولا حاجه
سكنت ملامح نادية وهي تستفسر عن حالتها
- لسه اخوكي مجاش من السفر
هزت رأسها نافية وهمست بضجر
-بيقول انه وراه شغل مهم
- واخوكي التاني؟
عبست ملامح رهف وهي لأول مرة تلتقط ذلك التلهف من نادية في صوتها وحركاتها المريبة لتقول.

- نضال!، ده الوحيد اللي معرفش هو بيعمل ايه، خناقات كتير بتحصل بينه وبين بابا لكن ميقدرش يستغني عنه هو برده عمود من عمدان الاساس في عيلة الغانم
هزت نادية راسها بعلامة غير مفهومة ثم التفتت إلى تجمهر بعض الشباب حول الفتاة اللامعة لتقول وعيناها محدقة إلى الفتاة التي تختال بسيرها
- مش ديه جيجي؟!
رفعت رهف بصرها والقت نظرة عابرة اليها وقالت بلامبالاة.

- جيهان، غريبة انها بتيجي الجامعة افتكرتها مشغولة بسفرها و شغلها على السوشيال ميديا
صاحت نادية بحنق وهي تعصر بيدها الكوب البلاستيكي حتى انزلق القهوة الساخنة على يدها ولم تشعر بحرارته على يدها كونها تشتعل من الداخل
- بجد مش عارفة لمت شباب الجامعة حواليها ازاي، بجد متستحقش كل ده هي انسانه مغرورة
صاحت رهف بصوت قوي تنهرها بصوت حاد
- ناديااا.

انتبهت على القهوة المنسكبة على يدها لتنزع يدها عن الكوب وهي تخرج محرم ورقي قائلة
- بفضفض معاكي
هزت رهف راسها وسحبت اوراقها و كشكولها وقالت
- عموما لو هتبطلي نميمة قوليلي علشان ورانا محاضرة، وشكرا على القهوة
في الوقت الحالي...
نظرت إلى يدها التي تلطخت بالشوكولا و صوت زعيق يهدر بقوة خلفها، الصوت الهادر يزداد قوته ووضوحا لتلتفت خلفها هامسة بنعومة إلى وقاص الذي عاد من عمله وصوته القلق الذي يحتضن روحها.

- رهف
رسمت ابتسامة باهتة على وجهها قائلة
- وقاص
نظر إلى يديها وقال بنبرة متسلية وعيناه مازالت تحدق نحوها برعب
- بتعملي ايه؟
طمئنته بعيناها وهي تتذكر ذلك الوعد الذي قطعته أمام نفسها ذلك الصباح، ابتسمت بنعومة وحنين
- فاكر قبل ما تسافر كنت عملت كب كيك ليك، انا حاسة اني مش لاقيه حاجه اعملها قولت ادخل المطبخ
شمر عن ساعديه وتقدم نحوها قائلا
- خليني اساعدك
عبست وتهجمت ملامحها وهي تنهره بشدة.

- ابدا استني لحد ما اخلص
ذكرى قديمة تعبث في مخيلتهما معا وهما يستعيدا الذكرى بنفس الكلام والأفعال لكن المكان هو المختلف، وقتها كان وقاص عائدا من عمله وهي تعلمت من الطاهية وصفة الكب كيك وقررت ان تصنعها له وراها هو حينما عاد رآها مليئة بالعجين من رأسها حتى أخمص قدميها، صوت ضحكاته ما زال لها صدي في أذنيها حتى الآن.
رفع وقاص يديه مستسلما وبدي للحظة مرتاحا، مسترخي بشدة
- هبص من بعيد.

التفت إلى الكب كيك التي تزينها وصاحت تنهره كأم
- عيني على كل حاجه هعرف لو اكلت ايه من ورايا
كان يراقب شغفها وهي تزين قطعته، وكأنها تضع قطعة من روحها في تلك القطعة
كان يظن ان المطبخ مجرد هوس، لكن هذا الهوس تحول إلى هواية وإتقان وهو يراقب يداها التي تعمل بدقة وحرفية ادهشته، التفتت اليه وهي تقدم قطعته هامسة بنعومة
- اتفضل، زي ما بتحبها شوكليت بتدوب من أول قضمة.

نظر اليها للحظات يحتضن عيناها بدفء قبل ان يقضم اول قطعه في فمه، يتذوقها بتلكؤ
المرة الأولى التي تذوقها كان استبدلت السكر بالملح
وكانت متحجرة ومحروقة لكنه أكلها كلها
اكل جميع القطع التي صنعتها له، لكن تلك المرة
أغمض جفنيه وهو يتأوه باستمتاع هشة كما يحبها وانفجار الشوكولا في فمه جعلته يعود إلى مراهقته
فتح عيناه وغامت عيناه البلورتين وهمس بصوت اجش
- لذيذة، ايه رأيك افتحلك مطبخ وتبدعي فيه.

شهقت بسعادة وهي تكبح دموعها لتهمس بصوت هادئ
- لا صعب انا محتاجه اتعلم لسه، عموما في وصفات كتير هجربها وانا هنا
اقترب يقبل جبهتها قائلا
- مش لازم تقعدي هنا في البيت، فيه اماكن كتير برا حلوة ممكن تستمتعي بيها
علمت طلب شقيقها لتخرج من المنزل وترى الاماكن التي لم تلحق ان تراها وكله بسبب تلك المرأة بشعرها القصير، هزت رأسها وصاحت بهدوء
- اكيد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة