قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي عشر

يحب جدا مراقبة الدخان الأبيض الذي يخرج من سيجارته
ليت كل المشاكل التي تأتيه اليه ركضا تتطاير كما يتطاير الدخان في الهواء
تختفي حتى لا يعد لها أثر ظاهري على مرأي بصره...
أرخى رأسه على مسند مقعده وعقله يتذكر مقابلته بالباشا صباح اليوم...
صاح الباشا كما يحب أن يلقبه قائلاً
-انت عارف بعد القضية اللي اترفعت عليك، سمعتنا وسط السوق عاملة ازاي.

ما زال في مكانه يحدق بشرود إلى نقطة في الفراغ، اتسم الصمت للحظات قبل أن يرد بسخرية
- اعتقد انك اخر شخص تتكلم عن الموضوع ده يا باشا
زفر بحدة وقال بصوت جهوري
- دي مشكلتك لوحدك وانا هسحب ايدي من الموضوع، عايزك تخلص من الموضوع ده بدون شوشرة
رفع نضال عيناه إلى الباشا، هو الوحيد في تلك العائلة الذي لم يرث زرقة عيونهم بل اكتسب لون عينيه من والدته، حك ذقنه بطرف سبابته وقال.

- اللي يشوفك كده ويسمع كلامك ميشوفكش وانت وقت ثورة شبابك بتعمل ايه؟
عقد الباشا من حاجبيه وصاح موبخا
- ولد
ابتسامة ساخرة زينت شفتي نضال وهو يقول بنبرة ذات مغزى
- الولد كبر وبقي نسخة زيك بالضبط، وفر كلامك ونصايحك لابنك التاني
رمقه الباشا باستخفاف وقال
- مش عايز اي مشاكل في الشغل
هز راسه بدون معنى وقال بصوت متهكم
- عمر ما كان فيه مشاكل في الشغل وقت ما استلمته
جلسس الباشا على المقعد وقال بصوت ذات مغزى.

- المحامي بلغني انك انكرت بوجودها والمحكمة قررت تعمل فحص DNA، انت ممكن...
انتفض نضال وهو يلتفت اليه صائحا بشراسة
- عايزني اعمل زي ما عملت يا باشا، العب في نتيجة التحليل زي ما انكرت وجودي
ارتفع صوت الباشا وصاح هادرا بأسمه
- نضال
خبط نضال بكفه على سطح مكتبه وضاقت عيناه بشراسة وهو يصيح
- مش هكرر نفس الغلط اللي كررته انسي
انتفض الباشا من مقعده قائلا
- انت مجنون انت عارف عملتك ديه ممكن تعمل ايه.

رمق الباشا لثواني، يعلمه انه لايريد ان يكرر نفس خطئه لكنه سعي لذلك، سعي ان يسير في نفس طريق الاب، صاح بنبرة جامدة
- كان ساعتها عندك زوجة وطفلين بتربيهم، انا معنديش حد اخبي عليه افعالي، رغم اننا متشابهين يا باشا لكن فيه بينا اختلاف
رمقه الباشا للحظات لوهله رأي نظرة الصدمة في عينيه قبل ان تقسو عيناه وهو يغادر مكتبه محركا ذراعه بلا مبالاة
- براحتك.

نعم هو يسير على راحته، دعس عقب سيجارته في المطفأة والتفت يدلف إلى غرفة النوم ليقابله فرح بملامحها الناعمة المفزعة لرؤيته قبل ان تهمس بهدوء
- نضال، انا همشي
وخطت بسيرها إلى الباب للمغادرة ليوقفها بصوته الجامد
- رايحة فين؟
التفتت اليه تحدق نحوه بتعجب، سرعان ما ردت ببساطة مريبة لها
-البيت
وضع كفيه في جيب بنطاله وقال بجفاء
- الايام الجاية مش هطلبك كتير متقلقيش على الحساب.

مرارة كالحنظل ابتلعتها بصعوبة، يذكرها بعيناه، بصوته، بأفعاله أنها ما زالت عاهرة، عاهرة باسم زوجه
اسدلت اهدابها تحاول ان تبتلع تلك الغصة التي كادت ان تخنقها لتهمس بصوت متحشرج
- تمام
هز رأسه وصاح بلا مبالاة
- اتفضلي
سارعت بمغادرة المنزل وهي تمتم بحرقة ودموعها تهبط باريحية
- ايامك قربت تنتهي.

ستقص بدايتها...
وكيف وقعت في مصيدته؟
البداية لم تكن البداية
والنهاية ستكون أول بدايتها
هي لم تعلم أأسمها هو المشكلة أم هو نصيبها؟!
ام فرحها مؤجل لوقت معلوم؟!
هي لم تقابله بل لم تتطلع اليه، كانت هي منشغلة في عملها الذي يسحب راحتها
نادلة بسيطة ذات ملامح ناعمة وجميلة وهذا الشئ الوحيد الشفيع لها لتستمر في عملها
من قال ان الطبقة المخملية حيث يوجد الأخلاق والمروءة بل هو على النقيض.

لمساتهم المتحرشة تطعن انوثتها، هي تعبت من العمل لكن المال هو الذي تحتاجه لعلاج والدها وتأمين حياتها
ربتت على تنورتها السوداء الضيقة ومالت تدلك بأناملها على نحرها، التفتت إلى صديقتها التي قالت بصوت هادئ
-فيه مسؤولين كبار يا فرح، اي غلطة مش هقدر اطلب من المدير انه يعديها زي المرة اللي فاتت.

المرة السابقة حينما تحرش بها احد ابن المسؤلين الكبار، المدير لم يستطيع سوى ان يلقي تحذير اليها بسبب ان والده يمتلك نفوذا كبيرة منعه من أخذ حقها، زحفت الدموع زحفا وهي تتخذ طريقا للخروج، عضت شفتيها وهي تهمس بصوت جاف
- متقلقيش
بلعت صديقتها ريقها بتوتر، لتربت على كتفها وقالت بصوت مشجع تدب في أوردتها
- بالتوفيق
امسكت الصينية الموجهة إلى الطاولة المهمة، هي كانت تقترب منه دون ان تعلم.

عقلها كان سابح في مشاكلها وهو من بين الرجال في الطاولة رآها
جذبته بنظراتها الحزينة وسحنة وجهها الجامدة
جسدها الذي يتمايل بطبيعة انثوية رغم ملامس عملها، كانت مختلفة عن النادلات في المطعم
اقتربت تضع طبق طعامه لتميل بجذعها واضعه الطبق امامه، الاقتراب بينهما هو أدركه وهي كانت باردة، بل غير عابئة تماما بما يحدث في الطاولة والنظرات التي تعري جسدها.

نظرة، نظرة واحدة واحدة ارضتها له وتجمدت مقلتيها وهي تري نظراته التي تحاول الوصول لشيء بها، عادت بنظراتها إلى الزبائن تري نظرة الرضي في وجههم لتبتسم بعملية متمتمة
- بالهنا.

وعاد عقلها يعود إلى مشاكلها وهو بقي محدقا نحوها بشيء عجيب يراقبها تنتقل في أرجاء المكان بخفة وتترك اثرا بنغمات حذاء كعبها، ضيق نضال عيناه وهو يرى شاب متهور يقترب منها وهي حاملة صينية مشروبات تحملها لطاولة ومن شرودها اصطدمت ليشيح بوجهه عنها يستمع إلى الصراخ من الشاب
- انتي عامية مش تشوفي قدامك.

للحظات لا تعلم كيف حدث، هي مجرد ثانية شردت فيها دون ان تراه، بدت وحيدة مرتعبة والعيون مسلطة بطريقة مخيفة نحوها لتهمس بصوت مرتبك
- انا، انا بجد اسفه
رفعت عينيها لتنظر الى ذلك الشاب، انه نفسه الذي تحرش بها وهي امتنعت عنه، ابتسامة خبيثة تسللت ثغره وهو ما زال يصيح بصوت حاد
- اعمل ايه بأسفك ده، فين المدير.

اقتربت صديقتها تتمسك بكف فرح والتفت اليه تكاد تكتم غيظها منه، ذلك العابث حتما لن يتركها تلك المرة، غمغمت بصوت ناعم
- بنعتذر جدا يا فندم، اتفضل معانا نقدر نصلح المشكلة
هدر زاعقا بحدة اجفلت فرح
- نصلح ايه، فين المدير هنا، انا سكت مرة على الموضوع ده
قدم المدير ينظر اليها بنظرة ذات مغزي قبل ان يلتفت لزبونه قائلا
- اتفضل يا فندم
والجملة التي انتظرتها جاءت
لقد فاز ذلك الغر عليها والمدير أصدر حكمه.

- انتي مطرودة يا انسه فرح
بكل بساطة لمت متعلقاتها بهدوء شديد تكاد تحسد عليه، وصوت صديقتها تهمس بنبرة معتذرة
- انا اسفه يا فرح والله حاولت كتييير
وضعت الثياب في المغسلة لتعدل هندام ثيابها البسيطة قائلة
- مش مشكلة
غمغمت الصديقة بصوت مشجع
- متقلقيش عندي معارف كتير هقدر ادورلك على شغل في مكان تاني
ردت فرح بتعبير ساخر
- انا اكتفيت اني اشتغل هنا وفي الحالة دي.

المعاملة هنا ليست آدمية بالمرة ولا ترغبها النفس السليمة، الشيء الوحيد هو الذي يهدم ذاتها هي كرامتها التي جاهدت في المحافظة عليها، تسرب صوت صديقتها بين زخم افكارها
- انا اسفه والله يا فرح.

وانطلقت هي مغادرة من الباب المخصص للعمال، وعيناها شاردة بتمعن شديد إلى الطريق الهادئ، اقتربت عند بداية الطريق، تحديدا عند المحطة لتستقل حافلة إلى منزلها، تهادي على مسامعها صوت صديقتها وهي تهرول بقوة تمنعها من الصعود للحافلة
- فرح
عبست ملامحها بعبوس وتساؤل وهي تري ابتهاج ملامح صديقتها
- خدي الكارت ده
عبست بشدة وهي تطرق بنظرها الى الكارت وكأنه مصباح علاء الدين، رفعت عيناها المتسائلين لتقول صديقتها.

- واحد عارض عليكي وظيفة
ردت بسخرية، تعلم حالات مشابه لتلك حينما كانت تعمل في المطعم، حينما يمتلك الرجل نقودا يظن نفسه انه قارون!
- وظيفة؟
هزت صديقتها بملامح مبتهجة وهي تنظر للاسم الذي يلمع في الكارت دلالة على سطوة صاحبه
- ليه فندق كبير ومعروف، عارض عليكي الوظيفة، انتي تروحي هناك وتديلهم الكارت بتاعه ووظيفتك هتلاقيها مستنياكي
ظهر الانهاك والتعب على ملامح رهف وقالت
- انتي متأكدة؟!

رفعت صديقتها عيناها نحوها وعلمت ما يجول في ذهنها، هي نفسها لم تصدق ما حدث منذ قليل حينما أتى رجل ببذلة سوداء يبدو انه حارس شخصي لاحد الزبائن يغمغم بصوته الاجش بكلمات مختصرة لرب عمله عن عرض مساعدة للتي فقدت عملها، كانت ستثور في وجهه وتعنفه وقد تعرضت هي الأخرى لحالات مشابهه لتلك لكن ما ان حطت عيناها على الاسم حتى هدأت واستكانت، اسمه لا يوجد عليه غبار رغم كثرة الشائعات لكنها من النوع الذي لم يبدي اهتماما لتسلم اذنها من الالسان التي تنهش في لحم الإنسان.

- انا عمري بعتلك شغل مشبوه يا فرح
امسكت فرح الكارت وبتردد همست اسمه وحاجبيها ينعقد بعبوس
- نضال الغانم
هو الداء والدواء
هو السم والعسل
هو الذي رغم تناقضاته الا انها استطاعت ان تظل ثابتة على أرضه المهتزة!

سارت الهوينا وهي تتفحص بشرود الى الطبيعة التي اصطنعها وقاص..
برغم كل شيء الا انها لم يفت عليها أنه بات غامضا
غامضا بشكل أثار حيرتها وهي تقارنه بالمراهق المشاكس الذي يشتعل حيوية حينما كانت صغيرته، هي فقط مسألة وقت وستأتي امرأة في حياته وستقلب كيانه وحينها س، ينسيها!

لا لن يفعلها هو ابدا! هي ستغار فقط لكنها ستتمني سعادته، عضت باطن خدها وهي تتسلح بأسلحة الثبات والقوة من اجلها واجله، قاطعها خيال امامها يسد عليها الطريق لترفع بعيناها إلى صاحبة الخيال التي ابتسمت بنعومة
-صباح الخير
وأول المواجهة ستبدأ هنا
تلك المرأة التي تعلم عنها كل شيء تقريبا، وهي لا، شمخت برأسها وردت بثبات
- صباح النور
داعب الهواء وجه فريال لتتزين شفتيها ابتسامة خلابة وهي تقول.

- الجو النهاردة حلو مش كده
لن تخدعها بالحديث المعسول ابدا
اقتربت بثبات ظاهري وقلبها يختض بعنف تحاول بطريقة بائسة، مشفقة، تعمقت النظر الى عينا تلك المرأة الداكنتين لتقول
- انتي تعرفيني من فين؟
اعجبت فريال بثباتها الظاهري وردت بهدوء
- اعرف عنك كتير يا رهف
عبست ملامح رهف وقلبها يصدر طنينا في اذنيها لتستدير مبتعدة عنها حتى علا صوت فريال الهاديء.

- متهربيش مني، هتفضلي تهربي لحد امتي يا رهف، من ذكريات عمرها ما هتمشي من عقلك ولا من كوابيس بتأنس وحدتك
شهقت رهف وهي تلمس بكفها على موضع قلبها، استدارت ترمقها بقلق لتتدمر حصونها وهي تقول
- انتي..
اقتربت فريال وهي تهمس ببساطة
- فريال، اسمي فريال، استنيتك كتير ومجيتيش صالتي، تعالي في يوم صدقيني هيعجبك
ثم مالت لاذنها تهمس بصوت ناعم.

- متستسلميش لاحلام وذكريات خلاص انتهت، دوامة الماضي هتبلعك وصدقيني كل الناس بتتحرك وانتي لسه في مكانك ومحدش هيبقي حواليكي، كل اللي معاكي دلوقتي مع العمر هينشغلوا وهتبقي انتي قاعدة في اوضة صحية وهيزروكي كل اسبوع لكن مع المشاغل هتبقي مرة كل شهر وبعدين مرة كل سنة
كيف قرأت افكارها، كيف هي لتلك الدرجة مكشوفة أمامها، معراة وهي بلا حول ولا قوة، ارتعشت شفتيها وهمست بصوت مختنق
- انتي عرفتي ازاي.

ربتت على ذراعها مؤازرة وداعمة في آن واحد
- مش غلطة انك تدوري على شخص يساعدك، عارفة ان اقرب الناس خذلوكي بس الحياة كده دروس و لازم نتعلمها
نكست رهف رأسها وخذلتها دموعها أمامها، امام المرأة التي تعلمها بطريقة مثيرة للذعر
لكنها تلمست بها شيء امن، ان تعطيها مفتاح الأمان لتهذر بصوت مرتجف وجسدها يختض من الم الذكريات التي تمر أمام نصب عينيها
- اقرب الناس ليا باعوني، اقرب الناس من ضمنهم ن..

قاطعتها فريال وهي تبتسم بلطف
- رهف، هستناكي تيجي الصالة بتاعتي بكرا
لا تعلم فريال كيف
ولكنها شعرت ان غدًا ستأتي رهف
وستبدأ فريال بوضع البيادق في اماكنها الصحيحة!

الغد هو النتيجة لاختبار الذي اقرته المحكمة حال نكران الأب ابوته لشمس
رغم انها الجانب الأضعف في تلك اللعبة لكن القوانين في صفها
القانون في صف الأم في حالتها البائسة، تعلم انها ارتكبت خطئا جسيما أنها لاذت بالفرار حالما اكتشفت انها حامل منه، هربت لانها تعلم ان من شروط عقدهما زواجهما للمتعة، للمتعة الخالصة، دون تعقيدات او عبئ لأحد الطرفين.

لكنها غبية لتجازف بالأمر، لتكتشف ببساطة انه تركها حالما رأي لعبة جديدة يستطيع ان يحركها بخيوطه كيفما شاء.
يوم ان اخذت شمس للمشفى لإجراء التحليل لا تعمل لما اتصلت بماهر
هو رغم كل شيء، الحامي، هو المعوض عن اشياء كثيرة في حياتها
لكنها تستغله بكل حقارة وكل ذلك لانه يحمل مشاعر لا ينكر اخفاؤها.
عيناه رغم كل شيء بسخريتهما واللامبالاة الا انها لا تقدر على كتمان مشاعره الجياشة نحوها رغم عيوبها ونقصها...

كانت ببساطة تستطيع ان تتزوج بماهر في الخارج وتنسب الأبوة لشمس
لكنها هزت رأسها رافضة لتسجله بأسمها هي، لكن تلك الليلة يوم انهيارها في المشفى
خشت من مكيدة يصنعها نضال او عائلته، اتصلت به واعطته الاشارة الخضراء وانتهي الامر...

رنين جرس باب منزلها جعلها تبتسم، ماهر اتي ولم يخذلها، جرت وهي تنتبه لمنامتها الحريرية القصيرة كاشفة بسخاء عن منحنيات انوثتها المهلكة لأي رجل يملك دماء حارة، فتحت الباب وقلبها يخفق بأثارة وثانية تبدلت ملامحها وهي تهمس بصوت مفاجئ
-نضال!

كان مسترخيا جدا وهو يتسند بذراعه على الحائط واهدابه ترتفع من اخمص قدميها العاريتين إلى منابت رأسها، ملامحه الغير المقروءة جعل قلبها ينتفض هلعا بين جنبات صدرها وهي تواجه وجها لوجه
وجهه الحقيقي الغير المتصنع، خافيا غضبه خلف ظلال عيناه الحالكتين وهو يغمغم بنبرة ساخرة
-مفاجأه مش كده؟!

تقدم خطوة لتعود هي عدة خطوات للخلف بتعثر، رباااه أنها ما زالت كما هي لم تتغير، اتسعت حدقتا عينيها حينما رأته يتقدم بهدوء يغلق باب الشقة.
هي وهو بمفردهما مثل الايام الخوالي لكن الفارق أعوام وطفلة في المنتصف
طفلة تقف حجر عثرة في طريقه
استعادت رباطة جأشها وهي تراقب وقفته المسترخية ونظراته الغامضة يستر غضبه لتقول
-انت بتعمل ايه هنا؟
انفلتت ضحكة خشنة منه ليمر بطرف إبهامه على طرف شفته وقال بنبرة هازئة.

-بعمل ايه؟ سؤال غريب موجه ليا يا ماريا
بالكاد حاربت ان تقف بثبات حينما نطق اسمها بشيء من الحسية والحميمة وكأنها ما زالت خليلته لتقول بنبرة مختنقة
-الناس هنا عارفة اني عايشة لوحدي يا نضال ووجودك هنا هيبوظ سمعتي
اقترب نحوها وأزال المسافة الفاصلة بينهما ليشرف عليها بطوله الفارع وضخامة جسده مقارنة بجسدها ليقول بنبرة
-اخر حاجه تتكلمي عنه يا ماريا هو الاخلاق، انتي اخر واحدة تتكلم عنه.

ما زال يسخر ويستهزأ منها
خرجت وحوشها من مكمنها لتظهر من عيناها المغويتين غضبا لم يراه قبلا وهي تصيح في وجهه هادرة
- اخرس خاالص
مال يراقب بتدقيق إلى انفاسها الثائرة ليهمس بصوت ساخر
- حبيبك جاي من آخر البلاد علشان يشوفك
تشنج جسدها وهي تستمع تلك النبرة المخيفة المحذرة
يحذرها من التوغل إلى عمق غاباته مرة أخري كي لا تضل
همست بصوت خافت
- ماهر
هز رأسه وهو يجيبها بسخرية شديدة
- ايوا حبيب القلب.

لحظات ليعود الثبات بدلا من القلق، الصلابة بدلا من الذعر لتقول
- هتعمل معاه ايه؟
ربت على وجنتها يلمس نعومة جلدها قبل ان تشيح بوجهها عنه بشيء من القرف وهي تسمعه يغمغم بغموض
- قرصة ودن علشان ميتجرأش يبص لحاجه مش بتاعته
صرخت هادرة في وجهه
- بس انا مش ملكك
رد بثبات ظاهري
- أي حاجه ملكتها يا ماريا بيفضل طول عمره ليا
تجلدت، تجلدت وهي تصنع الانتفاضة للمرة الاولي بكل عزيمة.

جاءت متأخرة لكن ان يأتي متأخرا افضل من الأ يأتي!
وقبل أن تجيبه وهي تجابهه بنفس اسلحتها التي يستخدمها في معركتها
تهاونت
تعثرت
تراجعت حينما استمعت إلى صوت ماهر الثائر الواقف عند مقدمة المنزل وهيئته لا تبشر بالخير اطلاقا
سيحدث معركة وستنتهي بموت أحدهما
صرخ ماهر بصوت كاد أن يحيي الموتى من قبورهم وهو يتقدم بهياج نحو نضال
-انت بتعمل ايه هنا يا حقير!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة