رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع
لقد رأى تلك النظرة
تلك النظرة التي تخبره انه وصل لاعماقه
النظرة التي عراه هو
نظر بأسف إلى قميصه الذي تمزق وقال بنبرة لا مبالية
- شوفت بقي كلنا في دايرة واحدة ازاي، وعصفورة العيلة اللي فاكرها طيبة جدا يا عيني هي بردو بتدفع تمنها
اخرح لفافة تبغ واشعلها لينظر وقاص نحوه بحرقة قائلا بصوت أجش
- وكنت فين وقت ما احتاجت لنصيحه، انت عارف انها قطة مغمضة.
نظر بشرود إلى الدخان الكثيف الذي خرج من شفتيه وتبعه بتفحص حتى اختفي وعلق على كلمته قائلا
- والقطة المغمضة هتفضل طول عمرها كده، خسارة، سيبها تقوي نفسها يا حامي الاميرة، الضربة اللي اخدتها هتقويها، متنساش انها من عيلة الغانم وانت عارف ايه اللي بيجري في دمنا مهما حاولنا نغطيه في الف وجه نزيه وبريء قدام الناس كلها
القي اليه نظرة اخيرة ليعدل هندامه قائلا قبل أن يخرج من منزله.
- لينا زيارة تانية يا نضال الغانم
شيعه نضال بنظراته قبل ان ينظر بشرود الى السقف، نعم لديهما زيارة أخرى يا وقاص الغانم!
افاق من شروده على صوت بهاء الذي اخبره انه وضع الحقائب في غرفتهما
القي نظرة اخيرة الى القصر قبل أن يلتقط هاتفه وينغمس في أعماله عله يخرجه من ماضيه الذي يعلمه نضال!
-القذارة هتفضل لازقة فيك يا ابن الغانم مهما عملت من وشوش.
صاح بها نضال ساخرا وهو يحدق في فرح التي اقتربت منه سريعا لتضمد جرحه الخارجي
وهو سيتكفل بجرحه الداخلي بمفرده
جرحه الذي ظن انه اندمل وعاد وقاص بكل صفاقة يضغط بكل برود يضغط على موضع جرحه
أغمض جفنيه وهو يشم شذى عبيرها الذي يحطيه في جميع الأرجاء
انتبه على ملمس يدها التي لمست بالخطأ نبضات قلبه الرتيبة لتشهق بخفوت ما إن فتح عيناه
انتفضت واقفة وحاولت الابتعاد ليجذبها اليه بكل عنف تسقط في احضانه.
نظرت اليه بهلع وعيناه الخائفة جعلته يتفحصها بدقة
ترتعب ك عصفور اصبح بين يدي طائر جارح
ليقترب برأسه دافنا وجهه في عنقها، يثمل بهدوء
ورأسه يردد كلمات متهكمة
- قذارة كنت انت منبعها وكل اللي حواليك بيقع فيها
لمس أنامله مستشعرا نسيج قميصها الناعم
استكانت للحظات لكن عيناها ما زالت تنظر اليه
بخشية
وحذر
مالت برأسها أسدلت اهدابها تخشى مواجهته
امسك ذقنها ورفعه إليه حتى أصبحت في مستوي بصره ليقول.
- حتى انتي وقعتي رغم تحذيري ليكي
ونفسه يردد قائلا
- بيصروا انك الشيطان رغم كل حاجه بتعملها، حتى اقتنعت انك شيطان وجسدت هيئته ليهم
همست اسمه بخشية ما ان رأت تغير في نظرات عينيه
- نضال
اسقطها على الاريكة و جثم عليها بجسده العضلي قائلا وهو يلمس وجهها الناعم ويده تستبيح ملامسة ما هو له
- دخلتي منطقتي رغم اني حذرتك، ندمتي ليه؟
لمساته تغيرت
من النعومة والرقة
للقسوة والالم.
شهقت ما ان شعرت بأصابعه تنغرس في جسدها الغض
- نضال
يعلم تلك النظرات في عينيها
السجينة اعجبها السجن والسجان
امسك كفها بخشونة وصاح منفجرا
- مصلحة بينا متبادلة ليه بتتوقعي مني حاجه اكبر من كدا
كلمات ذلك الرجل ما زالت تتردد في أذنيها
هي خلعت رداء الكرامة منذ ان رأته
لما ما زلت تلك الكلمات تنهش في جسدها؟!
لما حتى الآن هي عاجزة وخاضعة له
لما الان الانتفاضة الأولى؟
صرخت بفزع ما إن شعرت بيديه التي تعمل ككماشتين تنهش لحم جسدها لتصيح
- انا مطلبتش
مال يضع رأسه على نبضات قلبها التي تلعن عن كذبها
وعن عيناها التي تكذب لسانها، ليرفعها اليه وضم وجهها بيده قائلا وهو يضع يده على قلبها الخائن
- وعيونك، وقلبك كل ده مش دليل؟!
انفجرت تلك الدموع اللعينة التي ستثبت ضعفها
انفجرت في وجهه بنبرة جامدة.
- جسدي مخانش يا نضال، عقلي مخانش، لسه على عهده لحد لما تيجي انت وتقول شكرا يا فرح مستغني عن خدماتك
ازال دموعها بأنامله وهو يعلم أنها وطئت عالمه بالخطأ
وابن العائلة الاكبر علم هذا ما أن رآها، اقترب بوجهه وهو يستشعر لهاثها الخافت ونبضات قلبها الخافقة ليهمس بصوت خاوي
- التمن يستحق التضحية؟
رفعت عيناها بحدة إليه وصاحت بأنفجار.
- يستحق، شرفي كان هيتدمر بين كلاب الشوارع، مكنش عندي حل غير اني اتصرف، الفرصة مش بتيجي غير مرة واحدة
هز رأسه نافيا وقال
- مكانتش فرصة، كانت باب جحيم
همست بصوت خفيض
- نيرانك يا نضال اقدر استحملها، لكن غيرك لأ
- نيراني مش هينه يا فرح، بتاكلك ببطء
وتلك النظرة التي يراها في عينيها
تلك النظرة التي تألقت وهي لأول مرة تعطيه موافقتها للمسها
ابتسمت ببرود وهي تعطيه مفتاح بابها للولوج
- وانا معترضتش
هي ستندم على ذلك.
وهو سيتأكد كثيرا ألا تتفوه بشيء غير قادرة على تحمله.
تدق بعنف على أرضية الغرفة
هي تخشى أن يسحب البساط تحت قدميها
ويذهب كل شيء لها
نعم هي غبية لو اعلنت انها ذكية وقادرة على محاربة خصمها الذي يعلن بكل ضراوة أنه سيخرب ارضها.
صرخت بعنف إلى محدثها
- سراج هي كلمة تسيب كل حاجه وترجع
هي يجب عليها ان تجمع حلفاءها معا
لن تستسلم
شيراز لم تخسر معركة سابقا
ومعركتها الاخيرة ستفوزها بظفر
لن تدع زوجة ابنها تكسب.
استمعت إلى اعتذاره لتهب في وجهه صارخة.
- ميهمنيش اللي تقوله، تيجي في أقرب فرصة يا ابن عثمان
رقت تعابير وجهها، ابنها الاخر الذي لم يستطيع ان يخرج عن طوعها عليها أن تكسبه، جلست على الاريكة وصاحت بنبرة هادئة
- هستناك يا ابني متتأخرش
أغلقت المكالمة وزفرت بعمق وهي تنظر إلى قهوتها التي لم تتذوقها، ارتشفت بعضا منه قبل أن تتفاجيء بوجودها مائلة بجسدها على الحائط والشماتة تنتطلي من عينيها، وضعت كوب قهوتها وصاحت بقوة نحوها
- انتي بتعملي ايه.
ضحكت اسرار بقوة وهي تتقدم امامها بثوبها الأسود لتجلس في مقابلتها قائلة بنبرة ذات مغزى
- اهدي يا شيراز لتقعي من طولك ويخسارة محدش هيلحققك علشان انا الوحيدة اللي هنا
انقبضت معالم وجه شيراز وهي لثواني لم تصدقها
ضيقت عينيها وقالت بجفاء
- والله وطلع ليكي لسان يا اسرار
عبثت اسرار خصلة بشعرها وهي تجيب
- قولتلك البركة فيكي يا حماتي، صدقيني كلها فترة وكل اللي انتي فيه ده يختفي.
تهجمت معالمها وانتفضت واقفة تصيح بحدة
- بتتحديني يا بنت الغانم
وضعت اسرار ساق على الاخرى ورفعت عينيها تتأمل حماتها بشامتة لتصيح بلهجة مخيفة
- تؤ تؤ وانا استجرأ برده للعقل المدبر والحية بتاعت البيت، اتصلي باللي انتي عايزاه، انا كنت عامله احترام بس لوجود ضياء لكن دلوقتي كل فعل عملتيه هتتحاسبي عليه بالبطيئ يا شيراز هانم
سددت نقطة في صالحها وهي تري اهتزاز حدقتي شيراز، قبل أن تعيد وجهها الجامد قائلة.
- كلامك الفارغ مش هيأثر فيا يا بنت الحسب والنسب
قامت من مجلسها وسارت عدة خطوات قبل أن تصبح في مواجهتها، مالت نحو أذنها صائحة بتقزز
- وياتري بنت الحسب والنسب مرتبطتش غير بعيلة زيك، اشك ان ضياء ابنك
ابتعدت ومعالم وجهها يعلوه النظر ما ان رأت الدهشة التي استعرت ملامح شيراز لتقول بنبرة ذات مغزى وهي محدقة لكوب قهوتها
- كفاية كلام كده يالا وخلي بالك من القهوة اللي شربتيها مين عارف مش يمكن حاطه فيها سم.
- حسابك تقل يا اسرار
همست بها شيراز وهي تجز على أسنانها
فقد أتى اليوم الذي يرفع به الضعيف صوته.
مكالمات شادية لا تستطيع تجاهلها
تعلمها إن لم ترد عليها فستأتي اليها
تسير في الطرقات بدون هدف لتقطف زهرة ومالت تستنشق العطر بانتشاء
الزهور طبيعية، وماذا بعد يا قرصان أين تختبئ!
لها أكثر من ثلاثة ايام والحركة في القصر ساكنة
تأففت وهي تستمع إلى شاديه المتذمرة لتقول
- شادية اهدي قولتلك مش هطول، فترة وهاجي
قررت التغاضي عن اسئلتها الفضولية لتهتف بمكر.
- سيبك مني وقوليلي السوري عمل ايه، اسمع هناك الجو يشرح قلب اللي ملوش نفس للارتباط
أغمضت جفنيها وهي تستمع إلى صوت الطبيعة، لترد على فضول شادية قائلة بابتسامة ناعمة
- المكان هنا مختلف وكأني في حقبة مختلفة، زمن الاميرات والملوك رجع من تاني، زمن كل حالمة هنا مجسد على ارض الواقع
اتسعت ابتسامتها وتحولت الى ضحكة هادئة قبل أن تتجمد ابتسامتها ما ان وقع بصرها للفتاة امامها، صاحت قائلة وهي تنهي الاتصال.
- شادية هقفل معاكي دلوقتي، سلام
هل استجابت لها جنيتها اليوم؟!
اقتربت بهدوء تجلس على المكان الشاغر وعيناها تتفحص الفتاة الساكنة، تنظر بشرود الى العشب الأخضر لتقطع تأملها المريب قائلة
- الحياة مش مستاهلة كل ضياع الوقت والحزن، مش كده؟
اختلجت معالمها الساكنة ليحل محلها الذعر، انتفضت قائمة وهي تنظر اليها بخشية قائلة
- انتي مين؟
ضحكت فريال بنعومة لتستقيم واقفة وهي تعبث بخصلاتها القصيرة الحرة.
- أميرة هاربة من الوحوش واصرت تتحامى في مملكتها، وللاسف الوحوش طالت ايديها ف احلامها
نظرت رهف بهلع لتلك المرأة التي من المؤكد تعلم عن ماضيها
شحب وجهها وكادت ان تذرف دموعها لتنظر حولها طالبة الحماية من شقيقها
لم تجده، ارتجف جسدها وهي تترك مسافة آمنة بينهما
- ان، انتي مين؟
بكل ثبات وبرود ردت ببساطة
- انا ساحرة اقتحمت احلام الاميرة، لكن الاميرة مش ناوية تسمع نداء جنيتها.
هلع وجه رهف وكادت أن تفر هاربة وهي تلعن اليوم الذي تجرأت أن تخرج من قوقعتها
اقتربت فريال بابتسامة صادقة وهي تخرج الكارت الخاص بها
- فريال الشواف، جارة على بعد مسافة مش بعيدة من مملكتك، دي الكارت بتاع الصالة اللي فتحتها لو حابه تيجي
نظرت إلى الكارت الخاص بها ثم رفعت بعينها إليها لتقطب جبينها ما ان ودعتها تلك الغريبة
- اشوفك يا رهف
التفتت مغادرة إلى منزلها وهي تهمس بابتسامة ماكرة.
- كنزك المدفون في سفينتك يا قرصان وصل ريحته للسفن المجاورة.
- فينها؟
صاحت بها اسيا مقتحمة منزل ماهر، ذلك اللعين هو الذي ساعدها ومن غيره الذي سيفعل تلك الفعلة الدنيئة
مسح ماهر وجهه بحدة وهو يراقبها تقتحم غرف شقته، اقترب منها ما ان عادت للصالة ليقول بهدوء
- آسيا اهدي
قست عيناها ما أن وقع بصرها عليه، اقتربت منه تجذب ياقة قميصه صائحة بانفجار
- فين شمس ومارية يا ماهر؟
عض على شفته وهو يحاول التحكم في أعصابه، هو يعذرها لكنه يعلم نفسه جيدا
غمغم بهدوء
- سافرت.
اللعنة، لقد تجرأت على فعلتها لكن بمفردها؟!
تعلم أن شقيقتها مجنونة ومتهورة دائما لكن يصل بها الحد إلى ذلك!
- سافرت فين؟!
اطبق شفتيه وهو لا يصدق انه ساعدها
اللعنة لما جعلته يقطع وعدا ان لا يأتي خلفها
هو مغفل وأحمق، هز رأسه قائلا
- انا اسف لكن مقدرش وعد ملزم بيه
عادت جملته بسخرية
- وعد ملزم بيه!، واضح ان قلبك حن يا ماهر
تلك المستفزة
اللعنة تعلم نقطة ضعفه وتستغلها أيضا، صاح محذرا
- اسياااااا.
اشاحت بكفيها قائلة بسخرية
- اتغيرت نظرتي عن الرجالة المصرية حقيقي، اصبحت اشك في نخوت..
ابتلعت كلمتها ما إن أمسك عضدها وقربها منه ليميل إلى اذنها وهو يكظم غضبه قائلا
- كلمة واحدة تاني وصدقيني هنسي انك ست، اتقي شري يا اسيا، نيران حقدك وروح الثأر مش مدفع لأي راجل في وشك، الله اعلم لو راجل غيري كان هيعمل ايه وقتها
رمقته بازدراء وهي تزيح بذراعها عنه قائلة.
- يبقى ميعرفنيش لسه يا ماهر، خلي نيران الغيرة تنهش في جسمك زي نيران الغضب بتنهش في روحي
والتفتت مغادرة يشيعها بنظراته وهو يتنهد بحرارة، لقد احترق هو من زمن ببعيد.
- بتعمل ايه هنا؟
صاح بها وقاص صارخا ما ان تفحص اسماء المقيمين في قريته، توترت معالم الموظف وقال
- استاذ وقاص
صرخ في وجهه بحدة وهو يطرق بعنف على سطح مكتبه
- انت جرا ايه لعقلك يا أستاذ، مش قولت ممنوع أي غريب يدخل القرية
اجفل معالم الموظف وقال بحذر
- الأمر جيه من الباشا الكبير لحد من معارفه
بالطبع أبيه وهل يوجد غيره
المساهم في مشروع القرية بنسبة تخوله ان يتحكم بها، وتلك...!
الوقحة، الماكرة، الخبيثة.
تأتي الى موطنه بعد ان اعطت رفضها للبيع دون أي محاولة لأستمالتها
ماذا تريد؟ ومن هي؟
زفر بحرارة وهو يمسح وجهه ليقول بجمود لموظفه
- اتفضل يا استاذ
تفحص ورقة الإيجار ومكان المنزل، ليسبها بعنف وهو يستقيم واقفا
اللعنة ألا تكفيه الكوارث في عائلته لتأتي تلك العلقة لعالمه، تنهد زافرا بحرارة وقد أنهكه التفكير
- يا تري انتي هنا ناوية على ايه؟