قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

لم تكن مخيرة في حياتها
كل شخص اقتحم حياتها أخذ يُشكل حياتها كيفما يهوى
وكانها تعطيه الإشارة ليفعل
رغما عنها فعلت، كل من دخل يعدل حدث، يغير حدث، يأخذ قرارت بالنيابة عنها.
لكن تلك هي مشكلتها، هي من سمحت لهم، لم تقدر على ردعهم.

حتى النطفة التي تمنتها لم تدافع عنه بقوة، تهمس كل ليلة وهي تربت على بطنها المسطحة انه رغما عنها، رغما عنها قيدوها ونزعوا روح طفلها، المشكلة ليست في مهيب او ألفت أو شيراز أو ضياء، المشكلة تكمن في نفسها المقهورة.
دمعت عينيها بغزارة وهي تكتب على ورق تشارك أسرارها..

عاد الحب الاول يطرق باب الفؤاد، يطرق باب مفتوحا له منذ أن وقعت عيناى عليه، لكن من أنا، مجرد امرأة معطوبة لا تصلح للحياة من جديد، رغم مساوئ حياته إلا أنه قادر على النهوض مجددا، ألقى الكثير من الكلمات المشجعة لنضال وانا في أمس الحاجة لمن يشدد من أزرى، أنا الضعيفة في تلك المعادلة وعالجت جروحى بواجهة باردة امام الجميع واخر الليل ابكى بدون صوت خشية أن يستمع أحد.

مسحت دموعها بكف يدها وهي ترى دموعها الحارة سقطت في بئر اسرارها، عضت شفتها السفلى وهي تلمس بطنها لتحضر ورقة أخرى وهي تكتب بقهر
سراج، كيف أخبرك أنك الوحيد الذي تمنيته في وقت مراهقتى أكثر من أى شيىء، كيف فعلتها وأنت لم ترفع عينيك الماكرتين الى قبلا؟، ليلة زواجنا كنت ابذل مجهودا خرافيا كى لا اسقط مغشي علىّ، انت خطر، خطر جدا على
ابتسمت بسخرية وهي تتذكر حينما أعلن عن حبه لها، لتتابع الكتابة.

وحينما اعترفت اردتنى أن اصدق، بالله كيف تتوقع منى أن اصدقك واصدق أذناى اللتان كانتا متعطشتان لسماعها حينما كنت صبية، أتعلم لو حطت عيناي على عيناك يومها وتجاهلتني كنت سأكرهك، لكنك طعتني بالتجاهل لذلك ثأرت بطفولية بالعابك المجنونة التي مارستها على في فترة زواجنا القصيرة.

تنهدت بقلة حيلة وهي تراقب شقتها الصغيرة التي تعتبر سر صغير من ضمن أسرارها، منذ زواجها بضياء علمت كم هو سطحي و يهتم بالمظاهر البراقة مثل أمه، كانت تخبره دائما عن رغبتها في امتلاك بيت صغير دافئ ووقوده يكون الدفء الأسري، لكن سخر منها بقسوة واخبرها انها تحب الروايات التي تذهب بعقول النساء.

عذرته فشخص مثله يحب العيش في القصور وملابسه من احدث الماركات العالمية، لذلك أخذت رحلة قصيرة الى الاسكندرية وبحثت عن سمسار يعرض شقق للبيع في أماكن شعبية، ابتسمت بحنين شديد وهي تتذكر الشقة الصغيرة التي ما ان اشترتها لتتفاجئ بجيران العقار الذين يقدمون تهاني حارة وفضول النساء لمعرفتها خصوصا انها بمفردها، لم تجد بدا سوى ان تقول زوجها مسافر في بلاد الخليج وتركها تهتم بأمر الشقة لحين عودته من السفر.

بالطبع كان يوجد القيل والقال لكنها لم تهتم وهي تتعرف على سكان الحى وأصحاب المتاجر البسيطة وهي دائمة التواجد عند رجل البقالة والخضار، استقبالهم الدافيء لأمراة زوجها مسافر الخليج جعلها تضع داخل دائرة الأمان ضد أى متحرش او مختل يتهجم عليها.

عاشت اسبوعا معهم، جددت به نشاطها ودفع باب الأمل لها لمحاولة مراضاة حماتها، لكنها تستمر بالرفض لذلك توقفت عن الاهتمام بها وسعت الاهتمام نحو زوجها الذي لاحظت أنه يهتم بها، لكن كيف تتركها شيراز؟ّ!

بداية من حملها وطفلها الذي قتلته بيدها، ثم الصور والتلفيق الكاذب ومسايرة ضياء لأمه، وقتها تركتهما وعادت إلى الحي الشعبي استقبلها صاحب البقالة وهو مرتعب من مظهرها الشاحب، نطقتها بكل قوة، نطقت للجميع ان زوجها مات.

لقد مات، قطع اخر خيط امل بتصديقه لأمه انها امرأة غانية، فاسقة، استقبلت بعدها بيومين حادث ضياء وفعلت ما يتوجب على الزوجة فعله، دعمته وهي ترى الندم مرتسم على ملامحه، كان يحتفظ بحياته حتى يسامحها، وفعلت، ليرحل بسلام.

رنين جرس الباب أخرجها من شرودها، عبثت بخصلات شعرها السوداء وهي تستقيم من مقعدها متجهة نحو الباب زاعمة أن من بالباب إحدى الجارات الفضوليات، تنهدت بقلة حيلة يكفي الشهر الذي قضته بالاحتفالات بمناسبة عودة الارملة الغائبة وتساؤلاتهم عن حياتها، بل وصل الأمر لعروض الزواج.

فتحت الباب وهي على وشك ان تزين ابتسامة صفراء لتلك المرأة التي لا تنفك عن تقديم عروض الزواج لها، سكنت معالم وجهها وجحظت عيناها الى الضيف الذي لم تتوقع رؤيته، لم تتوقع رؤيته أبدا، همست ببهوت
- وقاص
ابتسم وقاص بغموض وهو ينظر الى ملامح اسرار الشاحبة، جسدها نحف كثيرا عن آخر مرة رآها فيها منذ زواجها الثاني بابن الحسيني، غمغم ساخرا، انها رابع ضحية، صاح بلهجة ساخرة
- انتي كمان مكنتيش متخيلة انى هعرف اوصلك.

لم تتوقع وجوده، بل لم تتوقع ابدا ان يأتى خصيصا لأجلها، أفسحت المجال لدخوله وقالت بترحاب
- لا ابدا اتفضل
تقدم وقاص للداخل وهو يتأمل أثاثات البيت البسيط، جلس على احدى المقاعد وهو يراها تدخل إلى المطبخ انتظر لعدة دقائق حتى عادت إليه حاملة بصينية بها كوبين من القهوة والماء، شكرها بهدوء وهو يرتشف القهوة بتلذذ، غمغم متسائلا
- تعرفي المكان ده من فين.

قالا ببساطة وهي تحاول أن تقرأ تفكيره، وتحاول معرفة سبب مجيئه
- وقت الاجازة كنت مهووسة انى ادخل حارات، بشوف الدفا الحقيقي ما بين الناس
حك طرف ذقنه وقال بتساؤل
- لقيتيه؟
ابتسمت بنعومة قائلة
- لقيته ومبسوطة انى هنا
هز راسه وهو يضع الكوب على المنضدة الصغيرة، اسند ذراعيه على فخذيه وشبك اصابعه قائلا
- انتي وسراج شبه بعض.

ازدردت ريقها بتوتر وهي تراقب عيناه التي تصطاد كل حركة ورد فعل منها، اجلت حلقها وصاحت بصوت هاديء
- انت قابلته؟
يعلم التساؤلات الكثيرة التي في عقلها، و أولهما لماذا اتى؟
اتي لأنه رغب في إعادة شمل العائلة
ولما الان؟
لانني لا استطيع ان اخطو خطوة بدونكم
بهذه البساطة؟
دعي الماضي، لأنه سيجرحنا
انهى حوار العيون وهو يبتسم بهدوء، صاح بلهجة صارمة.

- مش بندي بنت الغانم لأى حد بدون ما نعرفه، الغلط مش بنكرره مرتين يا اسرار
الصدمة التي قرأتها في عينيه شوشتها وافقدت تركيزها، امعقول يأتى يعطى يد مساعدة؟
يجعلها قريبة منه وتستحوذ على اهتمام توسلته من غريب؟!
ترقرقت عيناها بالدموع وهي تسمعه يقول بهدوء بارد
- متفاجئة بوجودي مش كدا، فاكرانى نضال؟ ولا حبيب القلب؟
ضحكت بابتسامة باردة، وهي تزيح دموعها المنهمرة، ارتجف جسدها وهي تفكر به.

هل سيقتلها أن رآها؟!، تعلم أنه يستلم الرسائل التي تبعثها له اسبوعيا، لكن هي خائفة
منه وعليه، همست بمرارة شديدة، حتى هو اللاهى عنها لاحظ
- حتى انت عارف
ابتسم بهدوء شديد وقال بنبرة ذات مغزى
- عينكى كانت مفضوحة لابن الحسينى
بكت بمرارة شديدة، احتقن وجهها وهي تبكى بقهر
- وهو مشافنيش ليه.

اجفل وقاص من بكائها الهستيري، انتفض واقفا وهو يقترب منها ويجلس بجوارها، امسك يديها وضمهما بحزم لينظر الى عينيها الذابلتين قائلا
- سراج مكنش هيقرب من بنت الاصول ويلعب معاها لمدة يومين ويرميها زي أى جهاز انتهى صلاحيته، مكنش بيقرب الا من اللى بتتصنع العذرية او اللى بتعلن في العلن انها مش بنت
الطبقة الزائفة، سبب عذابها، لم تخجل من البكاء أمامه؟

وقاص رجل دافيء، رأت حنانه وقوته مع من يهتم بهم، هي بالطبع لم تنال هذا الشرف، كان يكتفي بقبلات على الجبين ويلقي نفسه بين احضان الصغيرة رهف، لكن تلك القبلات لم تكن باردة
كانت حنونه مثله، كانت الوقود لها لاستمرارها في الحياة لكن حينما سافر انقطع انبثاقة املها.
غمغمت بصوت متحشرج وهي تحاول ان تسيطر على مشاعرها التي تتلف بدون فائدة
- بردو مدايق من الطبقة دى يا وقاص.

زاد من ضم يديه على يداها، يحاول أن يمد بكل طريقة انه هنا، ان تستطيع ان تلجأ اليه، هو اخطأ لكن لن يعيد تكرار ما فعله والده ووالدته مرة اخرى، صاح بصوت جامد
- مين قالك ان كلنا مرتاحين يا اسرار، الناس بتحسدك على نعمة انت مش حاسس بيها وانت نفسك بتحسدهم على دفا عيلتهم، الإنسان بطبعه مش راضي اللى مكتوبله.

مسح دموعها وهو يربت على خدها بلطف، تشبه رهف، صغيرته، حاول ان يتجاهل احساس الذنب الآن وهو يرى عيونها التي تنظر اليه باهتمام، نظر إلى كوب القهوة وقال
- تسلم ايدك على القهوة
غمغمت بصوت غير مفهوم ثم صاحت بهدوء وهي تغير دفة الحديث
- اخبار عصفورة الغانم ايه؟

كتم تأوه شديد حينما شعر بالذنب يخترق مسامات جسده، ظن هو انها بوجود نضال الذي كان يحوم حولها أفضل من وجوده، كان يستشعر بوجوده الغير مرحب بسبب نظرات نضال التي كانت تخبره علانية اهتم بشقيقتك ودع من يهتم بى لوحدي ، يا الهى كم هو مخطئ، كلاهما كانا يحتاجنه، أغمض جفنيه ورد بهدوء
- وقعت مصيدة جديدة
شهقت اسرار بفزع وهي توليه جميع اهتمامها، سألت بقلق شديد
- مين؟

ابتسم وقاص وهو يفكر اعتراف رهف عن ذلك الطباخ السوري، غمغم بصوت هاديء
- مصيدة شوام
نظر اليها بصرامة شديدة جعلتها تتخشب للحظة قبل أن تعود لهدوئها، صاح بنبرة جامدة
- ارجعي، بنت الغانم عمرها ما تستخبي من حد
اجلت حلقها وهي تمسد عنقها بكف يدها قائلة
- وقاص دي فترة مؤقتة
اقترب منها قائلا
- أسرار الغانم دايما بتقف قدام الدوامة مش كدا؟

يمدها بالقوة والصلابة التي تمنتها، لا تعلم أى سحر يمتلكه وقاص عليها، بل على النساء بأكملها، ابتسمت بنعومة قائلة
- كدا
ثم همست بصوت خافت
- بحب علاقتك برهف اووى
غمغم بصلابة شديدة
- قوتنا مع بعض
اجلي حلقه وهو يقول بجدية
- جمعي لبسك يلا، ورانا مشوار للعاصمة
هزت رأسها نافية
- مش حاليا، كام يوم وهنزل
قاطعها باعتراض
- لكن
همست بهدوء
- كده افضل، مقدرش امشى من غير ما أدى خبر لاهل الحتة.

يعلم انها عنيدة ولن ترضخ له، تنهد بحرارة
- هسيبلك عربية تحت تتكفل بخدمتك
اوصلته حتى باب الشقة وفتحتها وحينما كان على وشك المغادرة أوقفته بصوت ممتن
- شكرا
التفت اليها وقال
- مفيش شكر بين العيلة
اغرورقت دموعها وهي تغلق باب الشقة لتستند عليه بظهرها، من يظن انه يعود طالبا شمل العائلة المفككة؟!

لمن قرأ مسرحية شكسبير العالمية، هامليت العظيمة
سؤال طرحته كثيرا لما كان هامليت دائما شخص متردد، ليس صاحب قرار حازم
يحاول دائما أن يضع اسبابا كى لا يقتل عمه الحقير الذي خطط بدناءة قتل والده وتزوج والدته ليتولى حكم الدنمارك.
لا تتذكر أسرار هل قرأتها مرة أم مرتين لكى تعلم مبررات هامليت السخيفة من توقفه للأخذ بالثأر لقاتل والده، الجانى يتصرف بطبيعه وحرية أمامه وداخله يعطى مبررات وأعذار واهية!

تتسألون ما دخل هذا بى أو بالرواية نفسها؟!
هذه هنا، أسرار الغانم التي ترونها صلبة، باردة المشاعر، كتلة غامضة تسير بقدمين، دائما كنت أضع للجميع مبررات، وترددت كثيرا للأخذ بثأرى، لكننى فعلتها بالنهاية.
ها انا اقف على ساحة معركة القتال بعد تدمير جيوش العدو، اسير بتفاخر نحو المملكة المنهزمة، ابتسمت اسرار بسخرية وهي تراقب القصر الذي ضمها لسنوات منذ زواجها بضياء.

رأت شيراز المقبلة عليها وامارات الشر مرتسمة على وجهها الممتلئ بالتجاعيد، بالطبع لم تعد تمتلك رفاهية للسفر وحقن وجهها لأكبر خبراء التجميل في العالم، غمغمت شيراز بحنق
- هو انتى، لا فيكى الخير يا مرات ابنى
لولا مجيئ وقاص ما كانت ستكون هنا، عقدت ساعديها على صدرها وهي تغمغم ببرود
- ايه رأيك في لعبتي حلوة مش كده، التلميذ قدر يتفوق على استاذه.

نظرت اليها شيراز بحقد، حتى الان لم تعتبرها كنة لعائلتها العريقة، مجرد لا شيء هنا، صاحت شيراز بحقد
- لعبتيها صح يا أسرار، لعبتيها صح وفضلتى كل يوم تخططى كويس توقعي ابنى وشركتي
ابتسمت أسرار وهي تغمز بمكر
- انتي ليه مش مقتنعة انها كانت هتبقي ليا في لمح البصر، بس للاسف ضميرى صحي شوية وقال كفاية عليها لحد كده
كظمت شيراز، لا تصدق تلك عديمة الاخلاق اتت الى هنا بعد هروبها من سراج، ابتسمت بسخرية قائلة.

- الشركة هترجع تتبنى من تانى
وكأن الشركة ستعود تثبت أقدامها بعد شهر!، غمغمت أسرار ببرود
- ظهر وشك الحقيقي يا شيراز هانم، قابلينى دلوقتي جمعية خيرية ايه دي اللى هتخليكى تبقى عضوة فيها مش منتخبة للرئاسة
كظمت شيراز حنقها، كيف علمت تلك الحقيرة من طردها لجمعيتها الخيرية، صاحت بحدة
- أسراااار
عبثت في خصلات شعرها قائلة
- مش جاية اشمت، مجرد درس صغير يا شيراز هانم أن الأدوار تتبدل والصغير هو اللي يبقي كبير.

جالت بعينيها نحو ارجاء القصر ثم عادت تنظر إليها لتقول
- راجعي نفسك، اللي خسرتيه مش هين، بلاش غرور وترفعى مناخيرك للسما وانتى مش بايدك لا سلطة ولا جاه
رأت الشرر المرتسم في عيناها، لتصعد ابتسامة متهكمة
- تشاوو يا حماتى العزيزة، لقائنا ممكن يبقي على كفنك أو كفنى.

قبل مجيئها نحو شقة سراج لم تجد بدا سوى أن تفتح هاتفها وتلقيه في أقرب قمامة لتنطلق نحو الشقة، تعلم أن سراج يبحث عنها وينتظر أى اشارة منها، لذلك ستنتهز فرصة خروجه من المنزل وتتفقد الشقة، تتأكد أنه قرأ الرسالة كما استلمها ثم ستعود بعد فترة لتواجهه.

أجلت حلقها وهي تنظر الى شريط اختبار الحمل الذي اجرته هذا الصباح بعد مقابلتها مع حماتها، شهقت بألم وهي تبكى بحرقة، جفت دموعها وهي تستقل المصعد الى الطابق المنشود.
تدمي شفتها السفلى بأسنانها وهي تراقب تصاعد الرقم في الشاشة الرقمية حتى وصل الى طابقها، خرجت منه وهي تتوجه نحو الشقة وما ان همت باخراج بمفتاح الشقة، شهقت بفزع ما أن رأته امامها.

كانت تتأمله مليا، انفرجت فاها وقد جذبتها عيونه الحارقة ما ان صاح اسمها بعدم تصديق، ضمت اناملها بقوة على اختبار الحمل، وهي تحاول أن تتجلد
تتجلد بالصبر، بالبرود كما نجحت في فعلها معه دائما، هطلت دموعها وهي تراه يراقبها ببهوت كما فعلت، منذ متى لم تقترب ماكينة الحلاقة نحو شاربه وشعره، قطعت الصمت المريب وهي ترفع شريط الحمل هامسة بسخرية
- مش حامل.

كان هو في عالم آخر، يلتهم تفاصيل عيناها التي كسرت برودهما، عيناه هبطت نحو جسدها الذي نحل بدرجة مرعبة، هل عزفت عن تناول الطعام طوال تلك الأسابيع المرهقة لذهنه؟!، راقب ملابسها المهلهلة لترتفع عيناه نحو عيناها التي تنظر اليه بعاطفة اربكته.

لا يصدق انها امامه حية، كل وعيد طار في مهب الرياح ما أن رآها أمامه، سليمة، تنظر الى عيناه بطريقة زعزعت به أرض قاحلة، احتقنت عيناه بشرر شيطاني ما ان رأى شريط حمل أمام عينيه، عقد حاجبيه وهو يستوعب تلك الصاعقة التي حلت عليه، قدمت إلى هنا لأنها لم تشتاق اليه، قدمت إلى هنا لتخبره ان تلك الليلة لم ينتج منها حمل، لم ينتج حمل؟!

تلك المخادعة، جذبها بقوة من ذراعها لتشهق بألم ما إن ارتطم ظهرها بالحائط وحينما همت بالخروج من ذلك الاسر ارجعها بذراعه بخشونة ألمت جسدها، وضع كلا ذراعيه على الحائط، صاح بنبرة مرعبة
- الليلة دي عشان تحملي مني مش كدا
فكرت بأنانية، فكرت بها، لكن غريزة الام اسكت اي ضمير حي في جسدها، همست بنبرة قلقة وهي تري الشرر المتطاير في عيناه، جسده المتحفز للانقضاض عليها
- سراج انا.

قاطعها بنبرة هادرة وهو يضم يديه ليضرب على الحائط بجوارها بطريقة افزع جسدها
- اخرسي، مش عايز اسمع صوتك
المخادعة، اللصة، تمنعت عن تناول تلك الحبوب دون علمه بل وجعلت تلك الليلة في محاولة بائسة للحمل ثم تهرب بطفلها الى مكان الله يعلم إلى أين؟، قبض على عنقها وهو يتنفس بهدر ليغمغم بخشونة
- انتى عارفة انا كنت هعمل ايه فيكي بس لما اشوفك.

اين قوتها؟، اين جمودها؟، لا شيء من هذا، لا تستطيع ان تقف امام وحش كاسر وهو يحاول أن يزهق روحها، ازدردت ريقها وهي تهمس بألم
- كان عندي امل الشهر ده يكون معايا طفل اقدر اربيه.

ما زالت تتحدث عن نفسها تلك الجاحدة، تحسس بانامله عرقها النابض الذي ينبض بعنف، عيناها التي تنظر اليه بتوسل شديد غريب عليها، رباااه اين تلك الجافئة الباردة؟!، يرغبها حتى يقتلها بدم بارد، ليست تلك التي تنظر اليه بعاطفة محرقة وجسدها الذي يرتجف بشدة من اقل لمسة منه، غمغم بحدة
- وتمشي وميكنش عندى خبر مش كدا، كنتى ناوية تقوليلي امتى، لما يكون عنده سنة ولا خمسة ولا وقت ما يبقى شاب.

قاطعته هامسة بألم وهي تلمس بيدها على ذراعه
- سراج، انا
نزع يدها عنه بقوة وأحكمت أنامله لأزهاق روحها، صاح بنبرة مخيفة
- اتوعدت اني أموتك بايديا
شهقت بقوة وهي تشعر بأنامله تضغط على عرقها النابض، تحول وجهها للحمرة وهي تشعر بالاختناق، همست اسمه
- سراج.

اغمض جفنيه وهو يسبها بقوة قبل ان يتركها، زفر بحنق وهو يمرر يده على شاربه الذي لم يقترب منه أى ماكينة حلاقة منذ هروبها، القى شتيمة نابية قبل ان ينظر اليها بطرف عينه قائلا
- بكل بجاحة تجيلي البيت تقوليلي انك مش حامل، جاية علشان احاول مرة تانية وتهربى شهر و تقوليلي نتيجة الليلة مش كدا.

ارتمت على الأرض وجسدها انهك من تلك المواجهة التي لم تستعد لها، مثل ضربة غادرة من مملكة منافسة للاستيلاء على ارضها، تستمع الى صوته الغاضب وهي تمسد عنقها بهدوء، ارتعد جسدها بقوة من صوته الجهوري
- ساكتة ليه، ما تنطقي.

ماذا تقول؟، كلامها نفذ، لاتعلم ماذا تقول وما يود سماعه، فكلا الحالتين سيصرخ في وجهها، استقامت بوهن وهي تضغط على شفتها تنظر اليه بقلق، تخشى نوبة جنون اخرى منه ان اقتربت ولمست جسده، همست بهدوء
- سراج
نظر نحوها بجنون ليقترب منها ممسكا ذراعيها بعنف، رفعت رأسها لتقابل عيناه المشتعلة بجنون لتنظر الى شفتيه التي صاحت مزمجرة
- بتحبينى وانتى عندك كام سنة.

عادت النظر الى عينيه، هل قرأ رسائلها؟، دمعت عينيها بضعف وهي تشعر باناملها التي تلمس عنقها بتروي، وذراع حاوطت خصرها بقوة مانعة اياها من الفرار، عقدت جبينها وهي تهمس باستنكار
- سراج.

هذا ما تستطيع ان تقوله، تنطق اسمه بغنج لم يعتاده منها اطلاقا، غنج يليق بها، يليق بملكة الجليد التي اضحت نارية، مسح دموعها التي تهبط الى وجنتيها الشاحبة، هي الاخري تعذبت بفرارها السخيف، اقترب مستنشقا انفاسها، يسلبها بقوة منها وليس لها حق الاعتراض، همس بخشونة
- بكل جحود سبتيني ومشيتي، بكل جحود يا اسرار
تعلم ان اجابتها ستخرج وحشه، او اضافة الزيت في النار
- كان افضل حل.

امسك شعرها بقسوة وهو تقترب من وجهه ومسافة لا تقدر تفصل بينهما، راقبت عيناه وهي تتوقع حركة مجنونه منه في اي وقت، صاح بسخرية
- افضل حل، افضل حل، انتي مصدقة نفسك، خوفتي اتصرف زيه مش كدا
تمتمت بنبرة خاوية
- خوفت من نفسي، خفت اقع زى ما وقعت قبل كده
نزع يده من شعرها ليقترب منها، لمس وجنتيها بشغف شديد جعل عيناها تتأثر من لمسته، اسدلت اهدابها وهي تسمعه يسأل بجمود
- موتى قلبك؟
اجابت بنبرة خاوية.

- موته، كان لازم ادوس على كل حاجة، مش ذنبه انه ياخد واحدة عانت من مراهقة ساذجة من اخوه، ونجحت في كدا، عرفت اطلعك من جوايا لاني مش عايزة احس بالخيانة
بكل صبر يمتلكه يحاول ان لا يقتلها، يحاول ان يتجاهل ماقالته بفشل، ان تزوجها وعلم ان هناك اخر في قلبها لن يتردد ان ينزع قلبها بيديه العارتين، هو يريد امرأة بكل ما فيها له، لن تسمح لاحد ان يلمسها بعد مماته، يتساءل كيف لم يلاحظها؟

وان لاحظها فستكون مجرد مراهقة منجذبة إليه بمشاعر مراهقة وانجذاب لحظى، وهذا لم يكن يبحث عنه، يبحث عن علاقة ابدية لم يجدها في أى امرأة سواها هي، زفر بنفاذ صبر
- الصبر يا رب
همست بصوت خاوى
- الصور مبعتهاش
هل كانت تدافع عن نفسها منذ القاء التهمة عليها، هل توسلت لاخيه الراحل لتصديقها؟، تدافع عن نفسها لدرجة بائسة!

سيعمل على نزع كل ما يتعلق بضياء، يجب عليهما ان يتخطيانه حتى يستطيعا العيش بهدوء، صاح بنبرة لاذعة
- مش محتاج منك انك تبرري
عضت اسرار على شفتها السفلي وهي تكاد تكتم شهقتها، كيف يريدها ان تصمت، هي ظلت لاعوام تحاول ان تنفي تهم حماتها وافترائها، اعوام تحاول الدفاع عن نفسها ويأتي هو يصمتها من اول دفاع!
تمتمت بنبرة باردة
- جيت علشان...

بترت عبارتها حينما دارت بها الدنيا رأسا على عقب، انه رجل كهف، تقسم على ذلك، تلك ليست تصرفات رجل متحضر ليحمل امرأة على كتفه، صاح بنبرة غاضبة وهو يتوجه بها نحو غرفة النوم
- جتيلى برجلك يا أسرار الغانم
اغلق باب الغرفة بساقه وهو يسير بضع خطوات ليلقيها على الفراش بعنف، تأوهت بألم وهي تمسك ظهرها لتسمع إلى نبرتها الحادة
- مش هسيبك انتي عارفة كدا
دمدمت بنبرة ساخطة
- انت مجرد...
قاطعها بجفاء.

- شهواني، عارف ومعترف بكده
انتظرت خطوته التي تعلمها، ان ينزع ملابسه ويجري معها حوار اخر يصمت لسانها ويشل علقها ويذوب جسدها، إلا أنه ما زال يقف أمامها بجبروت ليصيح بنبرة باردة
- محبوسة لمدة شهر مش هتشوفي نور الشمس غير من الاوضة
اتسعت عيناها بذهول وهي تنتفض من مجلسها قائلة متجاهلة الم ظهرها
- سراج بطل جنان
ابتسم بدون معنى وهو يقول.

- لسه معبى للجزء ده الفترة الجاية، مش هسامحك على اليوم ده يا بنت الغانم، حسيتي انك انتصرتي وانا بعترفلك بحبي
زفرت بعمق وهي ترد بهدوء
- اتوجعت، كنت مجرد تحدي بالنسبة ليك يا سراج
صاح بعنف
- كنتي، بس كل حاجة اتغيرت، اسرار اللى اصدرت عليها حكم من كلام الناس، غير اللي شوفتها وعاشرتها
هزت رأسها نافية، تمتمت بألم
- هنتعب بعض يا سراج.

اكتفي بالقاء نظرة زاجرة ثم توجه نحو الباب خارجا، صفق الباب خلفه بعنف، تنهدت أسرار وهي تستمع الى صوت توصيد الباب، توجهت نحو الفراش وهي تلقي جسدها عليه، مرغت انفها في وسادته باشتياق شديد، تحاول ان تخرس تهليل قلبها الذي يكاد يقفز فرحا وهي تشم رائحته الرجولية، اغمضت جفنيها وهي تغوص في سبات عميق لترتسم ابتسامة ناعمة على ثغرها وهي تسحب الوسادة لاحضانها، تستطيع الان ان تعبر عن مشاعرها دون خوف من احد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة