رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والثلاثون
- مالك
صاح بها نضال وهو يراقب شاشة التلفاز باهتمام، يحاول اخفاء ابتسامة شقية وهو يراها تحاول جذب انتباهه وهي ترتب الغرفة وتصدر اصوات مرتفعة وضجيج من حولها، تعجبه تلك القطة التي تخربش على باب شقة سيدها بعزيمة كى يفتح لها الباب
كادت فرح ان تزفر راحة ما ان تخلي عن بروده لتصيح بجفاء
- مالي؟، ما انا كويسة شايفني بشد في شعرى مثلا
صاح نضال بحدة
- فرح.
زمت فرح شفتيها وهي ترى تلك النظرة المخيفة في عينيه، وددت أن تلكم وجهه، كم ترغب في لكم وجهه الوسيم ذلك، غمغم بصوت جامد
- سألتك سؤال وردى عليه
اقتربت منه وهي تصيح بحنق
- مضايقة ومخنوقة، ايه استريحت كدا؟!
تألقت حدقتيه الذهبيتين ليهمس بوقاحة
- عايزة تتخنقي بسببى ولا تتخنقي بحاجة تانية.
اتسعت عيناها دهشة، هل يمازحها الان؟!، تود ان يقرصها احد الان، هل يتعامل مع امر زواجهما تلك المرة بطبيعية وسلاسة ام انها تخشي ان يكون هناك هدفا من بساطته في الحديث معها، غمغمت بسخط
- بتهزر يا نضال
هز رأسه وقال بهدوء
- ومهزرش ليه
نظر إلى عيناها الدافئتين ليقترب قائلا
- حد من عيلتك اتصلوا بيكى
ابتسمت بسخرية وقالت
- ما انا رجعتلك، يعني مصدر الفلوس موجود هيقلقوا ليه وانا مراتك.
لم يعقب على حديثها، اقتربت منه وهي تصيح في وجهه
- مش عارفة هتتحتفظ ببرودك لحد امتي
نظر الى عينيها قبل أن يغمغم ببرود
- لحد لما تبطلي تمردك يا فرح
زادت عيناها شراسة شديدة وهي تهتف بحدة
- تمرد!، كل اللي حصل وتقولى تمرد
تعجبه فرح الجديدة، السابقة كانت عملية باردة معه لكن تلك الجديدة تثيره اكثر، صاح بسخرية
- مش انتي اللى روحتى للمكان القذر ده برجلك عشان اجيبك
اندفعت قائلة بحدة.
- ما ده مكان يا نضال، اي نعم انت جبتني من مطعم، بس كان اصلى انك تجبني من شقة دعارة زى ما جبتنى يومها
عقد جبينه وقال بنبرة جامدة
- امشي من وشى علشان مرتكبش جناية
سابقا كانت تخشى من ان ترى وجهه الآخر، لكن اليوم كلا، منذ ان عادت الى هنا حاملة اسمه سيتغير كل شيء، صاحت بشجاعة
- اعملها ودلوقتى
غمغم بحدة
- فرح لآخر مرة بقولك امشي من وشى
لم ترمش بجفنها وهي تعقد ذراعيها على صدرها قائلة.
- ولو ممشتش، ايه هتعمل فيا؟ هتضربني؟ ولا تغتصبنى؟
اغلق التلفاز بجهاز التحكم ليستقيم واقفا قائلا بجفاء
- لا سايبلك البيت وماشي
ارتفعت حاجبها بدهشة، منذ متى هما زوجان طبيعيان؟!
كأن تلك مشاجرة طبيعية بين زوجين، رأته يسحب سترته متجها نحو باب الشقة كما قال، دبت على الارض بحنق وهي تصيح صارخة
- مش هسيبك يا نضال الا لما اعرفك، مش هسيبك
ابتسم نضال وهو يغلق باب الشقة خلفه متمتما
- جميل.
فكروني اربيه الواد ده اخر الفصل.
عضت رهف على شفتها السفلى بتوتر وهي تخشي ردة فعل وقاص، تعلم أنها أخفت الكثير عنه من عملها مع ذلك الشامي، لكن ماذا تخبره وهي نفسها لا تعلم ما الذي يحدث معها
بدايه من مجيئه المفاجيء للمشفي، بل وحين ذهابها الى المطعم لمقابلة هنادي، تتفاجيء بوجوده، زفرت بقلة حيلة وهي تقر أنها تأتي لتراه، تريد ان تضع اسمًا لما يحدث لها، مسدت عنقها وهي تسترجع أحداث اخر مرة ذهبت الى مطعمه...
كانت تنتظر هنادي لإنهائها من العمل، تفاجئت بمن يطل عليها قائلا بصوت حانق
- تقدري تقوليلي بتستفادي ايه؟
عبست رهف وهي ترى ملامح بيسان الغاضبة، صاحت بعدم فهم
- بتقولى ايه؟
ضربت بيسان بيدها على الطاولة وهي تصيح في وجهها هادرة
- بتاخدي حاجه مش بتاعتك ليه
راقبت بيسان عينا رهف الباردة لتقترب منها هامسة بحدة
- كل اللي في المطبخ عارفين انه هيبقي خطيبى وجوزي وانتى بكل بجاحة مكملة وعايزة تخطفيه منى.
انتصبت رهف واقفة وهي تهدر في وجهها بقوة
- انتى مجنونة، انتى عارفة انا مين
كل تلك الخصال التي اكتسبتها بداية من القوة، برودة الاعصاب، الجمود، الحدة، الشراسة، صفات اكتسبتها من بنات عائلة السويسري وبنت عائلة الشواف.
جزت بيسان على اسنانها لتصيح بسخط
- وهي بقى طبقتكم الراقية عادي بتخطف رجالة غيرها
اتسعت عينا رهف بدهشة لتزمجر بغضب
- انتى اكيد اتجننتى
رمقتها بيسان باستهزاء، لتهز كتفيها بلا مبالاة قائلة.
- اتجننت، واضح انك مش حاسة باللي بتعمليه
صمتت للحظات وهي ترى شحوب وجه رهف لتسترسل بجفاء
- وعموما الف سلامة عليكى، زيارتك كترت هنا واللسان مبيرحمش
جلست رهف على المقعد وهي تشيعها حتى اختفت خلف باب المطبخ، أغمضت جفنيها وهي تفكر في ما تقوله بيسان.
يكفي ان الصحافة توقفت عن الحديث عنها، ضمت قبضة يدها السليمة لتسقطها على الطاولة بعنف وهي تستقيم من مكانها بحدة، لا تريد اعادة ما حدث من عامين مرة أخرى هنا في ذلك المكان الجديد، ليس بعد أن تعلمت السير على أرض صلبة.
- رهف، مالك انتى كويسة؟
صاح بها محمد حينما ابصرها تهرول خارج المطعم، اوقفها بجسده الذي كان ك حاجز عن خروجها من بوابة المطعم، قلبت رهف عيناها بلا مبالاة قائلة
- مفيش يا محمد، كويسة.
عبس وجهه وهو يقول
- عايزاني اعملك حاجه قوليلي لحد لما هنادي تخلص الوردية بتاعتها
نفت رأسها وهي تود ابعاد جسده عن باب المطعم
- لا لا كويسة
زفر محمد وهو يدمدم بسخط
- متبقيش عنيدة كدا
كادت ان تتوسله ليبعد جسده عن الباب، تخشب جسدها وهي تشعر بمن يلقي سهام نارية خلف ظهرها، تقسم انها شعرت بذلك، أغمضت جفنيها ما ان استمعت الى صوته الجامد
-محمد روح عشغلك وانتِ تعي لهون.
زفر محمد وهو يومئ برأسه مجيبًا مبتعدًا عن الباب متوجهًا نحو المطبخ، دارت على عقبيها لتراه يشير إليها لملاحقته
تغضنت ملامحها للحنق وهي تري ساقيها تسير نحو غرفة مكتبه، ما إن أغلق الباب حتى قال بهدوء
-هلا انسة رهف بدك شي
غمغمت بصوت جامد
-لا مستنية هنادي، انت عارف اني بستناها هنا زي كل مرة
-فيكي شي؟
تفحصت عينيه الراكدتين، تريد أن تعلم سر اهتمامه بها، سر زيارته للمشفي وقد قطع طريق سفر لرؤيتها، أجلت حلقها وهي تقول
-عارفة ان الموضوع مش من حق ادخل فيه لكن بجد عايزة اعرف
عقد ذراعيه على صدره وقال
-شو حابة تعرفي
صاحت بصراحة دون مماطلة
-انت وبيسان يعني مرتبطين
شبح ابتسامة زينت ثغره ليقترب منها وهو يقول بصوت رخيم
-بتهمك القصة.
ازدردت ريقها بتوتر وهي تراه يتقدم نحوها بخطوات بطيئة ومدروسة، أسدلت أهدابها بحرج قائلة
-علشان اعرف حدودي مع كل شخص واسفة لو يعني ادخلت بطريقة مش لطيفة بينكم
زفرة حارة خرجت من شفتيه ارعد بدنها وهي تسمعه يهمس بصوت خافت
-ارفعى عيونك وتطلعى عليي
تشعر بحرارة بجسده التي احرقتها، ارتدت للخلف وهي تقابل عيناه لتهمس بتوتر
-نزار، اقصد.
شهقت بفزع حينما مال بوجهه بالقرب من وجهها، تأملت خطوط وجهه الوسيمة وتحول عيناه الراكدة إلى عينين لامعتين بوهج سلب أنفاسها، غمغم بنبرة فاقدة السيطرة
-اسمى حلو من بين شفافك
فغرت فاها وهي ترتد خطوة للخلف ليتقدم نحوها، تعثرت في خطوتها لتهمس ببهوت
-نزار
امسك بكلتا ذراعيها بقوة وهو يحميها من السقوط ليغمغم بنبرة حادة
-شو عملتي فيني يا بنت الغانم.
ارتعش جسدها من اثر لمسته وهي تري فيض سائل من مشاعر اجشه لم تختبرها مطلقًا، لم تري عينان بهما مشاعر فياضة الى ذلك الحد، رفرفرت بأهدابها وهي تسمعه يغمغم بخفوت
-والله لما تكوني معي بتخربط كياني، شو هالسحر يلي عملتيلي ياه.
كان مراقبًا لاتساع حدقتيها الزرقاوان، بهوت وجهها وتصلب جسدها من اثر لمسته، نظر الى عينيها اللتين تأثرت من اثر كلماته، كانت على وشك همس شيء ما الا ان حدقتيها عادت لطبيعتها وصوتها خرج خافتًا
-لا لا، ميصحش، انت مرتبط بغيرى مقبلش على نفسي كدا
جز على اسنانه غاضبًا، تلك ما زالت تريد الفرار منه بعد ما فعله، امسكها بقوة وهو يغرس انامله في ذراعيها، اشتعلت عيناه ليصيح بحدة
-تعي لهون، وحاج تهربي وواجهيني.
تأوهت بألم وهي تتملص من ذراعيه بضعف لتهمس
-نزار
ثبت عيناها الهاربتان على عينيه الحازمتين ليصيح بلهجة حادة
-انت حاسة تجاهى نفسى احساسى تجاهك، ماهيك؟
هزت رأسها نافية وهي تهمس بغباء
-مش فاهمة
زمجر بخشونة وهو يرفع ذقنها إليه ليصيح بحدة
-بطليلي هالغباوة هي، حط عينك بعيني وقليلي حاسة بنفس احساسي تجاهك
تمتمت بصوت خافت
-انت خاطب
قست أنامله دون وعى على جلدها ليصيح بلهجة حادة
-رهفففف
تأوهت بضعف وهي تهمس.
-براحة يانزار بتوجعني
خفت قبضته من عليها، الا انه لم يسمح لها بالفرار، نظر الى عينبها، راغبًا بمعرفة تلك النظرة المكسورة ليقول
-عطيني اجابة واضحة يا اي يا لا
اسدلت بإهدابها وهي تنكس برأسها ارضا، إلا انه امسك ذقنها بخشونة لتسقط عيناها على عينيه القاتمتين، ارتفعت وتيرة انفاسها لتلهث بحدة وهي تراه يدمدم بقوة
-خلص عرفت الاجابة.
ضربت رهف على الحاجز بقوة وهي تلعن ضعفها امامه، ستسمي خاطفة الرجال في ذلك المجتمع، رائع ما صنعته، لا تعلم كيف لا تتجرأ للحديث امامه، عيناه تخرسها، ولسانه يجعلها تقف امامه صاغرة، شهقت بعنف من صوت فريال
- سرحانة في ايه
وضعت يديها على صدرها وهي تنظر اليها بعتب قبل ان تجيب بهدوء
- في الدنيا
اقتربت منها قائلة
- خايفة من وقاص؟
غطت وجهها بكفيها وهي تلتقط انفاسها قبل ان تنظر الى فريال قائلة.
- بوصيلي كدا، انا خايفة، مش خايفة بس انا مرعوبة
شددت من ازرها وهي تلمس كتفها قائلة
- الماضي فات، ارميه في البحر بقي وركزى على حياتك، محتاجه توسعي نطاق المعرفة بالناس
هزت رأسها نافية، وهي تحاول ان تنسى نظرة عيناه الصارمة بعد بهوتها، علم اجابتها من عينيها، همست بإختناق
- مرعوبة
صاحت فريال بقوة
- انتى بنت الغانم يا رهف، محتاجه تكملى دراستك وتواجهى الناس، اخزقى عين كل اللى يقرب منك.
رغمًا عنها انفجرت في ضحك خافت لتعبس فريال قائلة
- بتضحكي على ايه؟
غمغمت رهف قائلة وهي تهز رأسها بإستسلام
- بقيتي زي جيجي
ثم تابعت بتساؤل
- والله مش عارفة جينات قلة الادب دي موجودة من فين
اجابت فريال ببساطة
- مكتسبة
ابتسمت رهف بشحوب وعينا نزار لا تغيب عن بالها اطلاقا، مضي فترة من اخر مقابلة لهما ومنذ اعترافها نحو وقاص بمشاعرها الغريبة والتي لم تحدد اسمًا لها بعد، تري ما القادم؟!
استقام سراج من مكتبه وهو يقابل والده قائلاً
- عثمان باشا نور المكتب
صاح عثمان بهدوء
- حمدلله على سلامتها
جلس عثمان على المقعد ليقابله سراج الذي قال بجمود
- والله كتر خيرك يا عثمان بيه
نظر سراج الى والده وهو يعقد حاجبيه، إن كل تلك الكوارث تحدث وأسرار صامته لا تخبر عائلتها بشيء، ماذا عنه؟
صاح بجمود وهو يسند ذراعيه على فخذيه
- اقدر افهم ايه اللي حصلها من ورايا
تمتم عثمان بلا مبالاة
- بلاش نفتح دفاتر قديمة.
احتد عينا سراج وصاح بزمجرة خشنة
- هو فيه حاجه تاني بعد الصور وسقوط الجنين
هز عثمان رأسه نافيًا
- لا مفيش
يعلم انه كان المشاهد الوحيد لما يحدث، بل لم يشارك في التصدى لزوجته، كان بداية الامر مشاكل عادية بين الكنة والحماة، صاح عثمان بجمود
- شيراز كانت مريضة اهتمام، ضياء غصب عنه اتشد لمراته وتناسى والدته، ما هي بردو عروسة جديدة.
نطق آخر كلمة بنبرة ذات مغزى، تجهمت ملامح سراج وهو يكبح وحوشه الشيطانية، الا يكفي انه تركها محبوسة في جدران غرفة نومها، لم تمس شيئًا من الطعام الذي اعدته أم سعيد في الصباح واختارت النوم بدلا منه، يأتي والده يتحدث عن ماضيها وعلاقتها الحميمية مع اخيه، استمع الى نبرة والده الماكرة
- قولتلك بلاش نفتح دفاتر وانت مصمم.
صاح بعنف وهو ينهض من مقعده، ينتظر الى اتصال ام سعيد لتخبره انها تناولت شيئًا منذ عودتها ليلة أمس، تلك العنيدة ذات الرأس اليابس المتحجر، ما إن يعود حتى سيجبرها على الاكل إجبارًا، زفر بحدة وهو يسمع الى ابيه يقول.
- انت عارف انها مكنتش حابة اسرار وخصوصا انها بنت يتيمة الاب والام، مش هتقدر تعمل مظاهر وتقول والدها عمل كذا ووالداتها عملت كذا، الصراحة مكنتش عارف سبب الكره الشديد ده بس رجحته انه شعور الحماة
ازدرد سراج ريقه وهو يقترب من والده قائلا
- عملت تصرف وحش معاها؟
نفى عثمان قائلاً
- مشهدتش بكدا، كنت حاسس انها مبسوطة ببداية جوازها، لحد يوم ما عرفنا بالحمل
دمدم بسخط
- كنت ساكت ليه
غمغم عثمان ببرود.
- افتكرت جنون علشان بتاخد اهتمام ابنها وهتهدي، مكنتش عارف بموضوع انها تسقط الجنين الا يوم ضياء ما عمل حادثة
لا يصدق انها واجعت كب ذلك بمفردها، بل صمدت للنهاية دون أن تشتكي لأحد؟، غمغم سراج بسخرية وهو يعلم موقف والده مما حدث
- وسكت
صاح عثمان بلا مبالاة
- على اساس شيراز يجي معاها الكلام مثلا
جز سراج على اسنانه وهو يصيح بحدة.
- يالله، نفس الكلمتين دوول، هي كانت عايشة مع ناس زيكم ازاي، كتر خيرها انها مطبعتش بيكم
استقام عثمان من مجلسه وهو يقول بجمود
- كنت شايفاها مناسبة ليك اكتر من ضياء الله يرحمه، بس ضياء لما شافها اصر عليها
على شفا جرف الى السقوط، ابيضت سلميات اصابعه وهو يكظم غيظه ليسمع صوت عثمان العملي
- ارمي دفاتر الماضي، مش هتقدر تغير من تصرفات شيراز هي خلاص مفيش منها فايدة، اهتم بعيلتك وبيها، هي محتجالك.
رمقه سراج ببرود وهو يخرج من غرفة المكتب، ليسحب مفاتيحه حينما تلقى رسالة من أم سعيد تخبره من كثرة محاولتها الفاشلة في إطعامها، شتم ببذاءة وهو يتوجه الى زوجته، تحتاج إلى عقاب، يقسم انها تحتاج لذلك ليعدل اعوجاجها.