قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع عشر

-هو انت فاكر انك لما تجبرني عليها هقولك سمعًا وطاعة
صاح بها سراج صارخًا بقوة، يشتم الجميع، لا يصدق ما تتفوه به والداه ووالدته وكل ذلك امام ارملة اخيه، ارملة اخيه التي لا يظهر على ملامحها شيئا سوى البرود، لوهلة ظن انه يتخيل وربما تخفي حزنها كما رآها في عزاء اخيه لكن لا هي جامدة، ذات وجه قاسي
صاحت والدته توبخه رغم الشيب الذي يغزو شعره وسنوات عمره التي ستتخطي الأربعون.

- اتأدب يا ولد واعرف انت بتتكلم أبوك
التفت إلى والدته وصاح بسخرية مبطنة
- ايه يا غالية للدرجة دي شايفاني معنديش قيمة، تقوليلي روح اتجوز دي اتجوز، روح طلقها اطلقها، ايه للدرجة دي مش شيفاني راجل
صاح الوالد منهيا ذلك النقاش العقيم
-دي من مصلحة العيلة، انت مش هتتجوز حد مش غريب، انت هتتجوز فرد من العيلة مرات اخوك الله يرحمه.

رمقها بشيء من الإزدراء وشيء من السخرية، اللعنة انها باردة، كيف احبها اخيه، لقد كانت تستفزه فيما مضي بوجهها الجامد، لقد كانت تجعله كالوتر المشدود، صاح معترضًا
- وديه بالذات لأ
قام الوالد من مقعده وهو ينظر إلى زوجته نظرة ذات مغزي قبل ان يقول لولده
-انا هسيبكم مع بعض ومش عايزة اشوف غير الموافقة
والده جن حتمًا.

اللعنة ماذا حدث لهم ذلك الصباح ليتفوهوا بتلك الحماقة، استمع إلى صوت اغلاق الباب وبقي عيناه محدقة إلى المرأة الباردة بشيء من السخرية
-للدرجة دي مسلمة نفسك عادي، نسيتي جوزك ووافقتي على طلبهم
نظرت إلى طلاء اظافرها بشيء من الإهتمام قبل أن ترد بلا مبالاة وهي ترفع عيناها اليه بشيء من التحدي.

-لأ يا استاذ، انا بعمل اللي بمزاجي محدش يجبرني، والاستاذة اللي بتشخط فيك زي العيل في ست سنين متقدرش تعمل كده معايا انا
انفجر في ضحك ساخر، وهو يهز رأسه قائلاً
-يعني موافقة؟
عقدت ذراعيها على صدرها وهي ما زالت تتحداه، تثير في داخله شيء من الغضب والثوران وكم يود أن ينزع ذلك القناع البارد من وجهها، زحف الغضب إلى ملامح وجهه حينما قالت بنفس النبرة الجليدية
-والله كده كده مش هيفرق وجودك كتير في حياتي.

جلس على المقعد قبالتها واللعنة حتى هي مسها جني، قال بغموض
-هتتجوزي اخو جوزك الميت عادي؟
زفرت مجيبه
-عادي جدا
ألقي قنبلته في وجهها بجمود
-هتتجوزيني حتى لو قولتلك اني متجوز وتقبلي انك تكوني ضرة؟!
للحظات خيل اليه انه رأي اهتزاز حدقتيها
خيل اليه انها نزعت قناع جمودها
خيل اليه، وبات عقله يسبح في مدار يقوده للجنون والخرافات
اجابته، والجواب صدمه
-حتى لو كنت انا الرابعة يا زوج المستقبل.

اسند ذقنه على قبضة يده ليرفع حاجبه بمكر وصاح بوقاحة
-جوازي مكتمل الشروط
عيناها الزرقاء الشاحبة جعلته يكاد يشد خصلات شعره جنونا، اللعنة أيتزوج امرأة باردة عملية، كيف تحملها اخيه؟!
مطت شفتيها وتمتمت بالا مبالاة
- حقك
صدح سؤاله بأهتمام وهو يعلم انه لا جدوي من حديثه العقيم
- ايه سبب العداوة اللي بينكم؟
قابلت عيناه الغامضة التي بها مكرا ودهاءا وملامحه البوهيمية المخالفة لملامح زوجها الراحل الاستقراطية.

لطاما ضياء وسراج مخالفان دائما في ملامحهم وطباعهم
هما بمثابة
الثلج والنار
السكر والملح
صاحت بجمود
- لو قولتلك هتصدقني ولا هتصدقها
غمغم بالا مبالاة
- على حسب اللي هتقوليه
تشدقت ابتسامة ساخرة وهي تنهض من مقعدها قائلة بعملية اثارت جنونه
- يبقي بلاش، اختار امتي كتب الكتاب علشان اجهز
واستدارت مغادرة تاركه اياه في الغرفة بمفرده وقبل ان تخرج إلتفت نحوه ساخرة من زوجته المزعومة قائلة.

- واه لو عايز تخلي مراتك تعيش هنا خليها تيجي، متقلقش مش هقرب منها
أقسم في داخله، أن اسرار الغانم حتما سيعلم ما تخبيء من اسرار
ليس اهتماما بعائلته لكن فضولا بمعرفة كيفية انجذاب شقيقه بأمراة مثلها
تلك الباردة يقسم ان سيحولها إلى جمر متقد بين ذراعيه
حينما تصبح زوجته سيتأكد من انصهار جليدها وتشكيلها بين يديه
وهو لم يقسم في اي شيء والا أصر على تأديتها على اكمل وجه.

عندما تصبح حواء في لعبة ادم
فستستسلم يوما ما!
شهر فقط وبضعة ايام هي المدة التي سيتحول اسمها من أرملة إلى متزوجة ومن من؟!
من شقيق زوجها المرحوم، تلألألت الابتسامة الساخرة المريرة وهي تتسائل.

لما؟، شخصية سراج جامحة ومتمردة بطبعها، ما الذي جعله يوافق على تلك الزيجةالفاشلة، تعلمه انه كان ماجنا واثار العديد من الفضائح حينما كان شابا في بداية عمره، وعزوفه عن الزواج حتى ذلك الوقت مثير للريبة، أحقا هو متزوج دون علم أحد؟!

يا سطور تشهد ما أخطه من تاريخ وحياة لا أعلم كيف ستعطيني من صفعات، أحقا الحياة تسخر مني بعد كل تلك السنوات وبدأ اليأس ينهش في جسدي، هل بعد تلك السنوات العجاف تهبط قطرة غيث لتصبح طوفان لحياتي؟!

لقد تركته يخط الحروف الاولى من تلك الحياة المحكمة عليها بالفشل وانتهي الامر بها في قاعة تم تجهزتها من أشهر منظمي الافراح في المدينة، الاضواء المتدلية من الثرايا عكست ثوبها الاسود البراق الذي يكاد يصل الى كاحلها مبرزا عظام ترقوتها وفتحة مثلثية يظهر نصاعة بشرتها ومن الخلف فتحة مثلثية تشابه الامامية ولكنها اكثر اتساعا من الامام كاشفا عن معظم الظهر واول الكتفين، ابتسامتها ساخرة أكثر من كونها مجاملة، تتقابل عيناها مع صاحب العينين العميقتين تراه واقفا بتحفز وهو الاخر البوهيمي تخلي عن البذلات السوداء الانيقة التي يحبها زوجها السابق واكتفي فقط بقميص أنيق أسود وبنطال اسود وكأنه يتماشي مع مزاجها العكر...

اللعنة لو كانت في جنازة لكان أفضل من ذلك الحفل الأنيق المبهرج، التقطت كأس عصير ترطب حلقها لتشعر بيد حانية تحتضن خصرها وتلفها اليه لتسمع نبرة ساخرة من نضال يقول بمشاكسة
- اهلا ببنت العم.

اتسعت ابتسامتها للامتنان كونه لم يتركها في ذلك اليوم لتسارع بألقاء نفسها بين ذراعيه غير عابئة بالتي بجواره، لم تشعر بمكر نضال وهو يراقص حاجبيه للبوهيمي الذي انقبضت ملامحه وضم قبضته استعدادا لملاكمته، ابتعدت وهي تلكزه في ذراعه قائلة
- نضال، الصحافة مش سيباك يا سارق قلوب العذاري.

انفجر ضاحكا بعباثية وعيناه لا تخطيء ذلك اللهيب الناري المتألق في عيني سراج، تلكأ بذراعه على خصرها وهو يقترب من جسد فرح التي انكمشت وهي تري تلك الفلاشات الضوئية اللعينة تلتقط لهم صورا لتشعر بنضال يحتضن خصرها قائلا بصوت ناعم
- لكن انا اخترت منهم فرح
لكزته مرة اخري على صدره ليتأوه بخفة من قبضتها لتقول بصوت ماكر إلى فرح التي تزداد انكماشا من تلك الالوان المبهرجة التي لم تعتاد عليها.

- نضال اناني يا فرح في كل حاجه، علشان كده هو زي ما انتي شايفة والبنات بتموت عليه
رأى نضال اقتراب ذلك البوهيمي منهما لكن رجلا ما قطع طريقه في حديث، لم يمنع نفسه من مشاكسة غريمه وقال
- بقي دمك خفيف يا اسرار، عدوة سراج انتقلت ليكي
اكثر شيء سخيف في ذلك الحفل ليس الثوب الذي اختارته ولا القاعة لكن اللعنة انها لا تشعر ابدا بتلك الرهبة، الرهبة منه أهي غبية لتلك الدرجة أم واثقة الى حد الغرور؟!

تأففت ساخرة وهي ترد بصراحة
- بلا بلا بلا، انا مش عارفة الحفلة دي هتخلص امتي
لم يغفل نضال عن تملل سراج من ثرثرة الرجل لكنه تمسك بكف اسرار، يرسل لها دعما خفيا وقال بصوت يغلفه السخرية المعتادة منه
- العروسة مستعجلة على كفنها
نظرت إلى كعب حذائها الاسود ثم إلى رأسه لتصيح بحنق
- نضال شوية وهتلاقيني باللي في رجلي وانت عارف مش بيهمني حد.

تلك المرة انفجر مقهقا مما جعل جميع من في القاعة يديرون رؤسهم نحو صاحب الضحكة المجلجلة المخالفة لقواعد الطبقة الاستقراطية، اقترب يشاكسها متعمدا وهو يدنو نحو اذنها هامسا بصوت خشن
- اووه الباشا مش هيعجبه
كانت فرح تنظر الى ما يحدث بشيء من العجب والدهشة، نضال يبدو أكثر تفتحا وانطلاقا وهذا عكس طبيعته الساخرة المتأصلة به، متي رأته يضحك بتلك الطريقة؟ بل متي ضحك أو ابتسم ابتسامة هادئة في وجهها؟

الاجابة هي ابدا، ابدا لم يفعلها، لكن ابنة عمه قريبه منه بطريقه اثارت غيرتها، ابتلعت غصة مريرة وهي تختبر ذلك الشعور المقيت.

حرارة مشتعلة تدب في أطرافها وتود ان تنفجر به صارخة وبتلك تكيل بها الصفعات، ذلك الاقتراب اقتراب حميمي وإن كان من طرف واحد فقط والاخر غافل عنه، سحقت شفتها السفلي بحنق محاربة سقوط دموعها، غافلة عن أعين سراج مندلعة كالنيران ما إن رآى ذلك الاقتراب وتلك القبلة التي طبعها ذلك السافل على خد من ستصبح ملكه خلال دقائق، رغم كون تلك الاشياء الحقيرة منتشرة في طبقتهم وكونهما اقارب مما لا يدع شك لعقل أحدهم لكنه كان متيقظا بجميع حواسه ما إن خطي نضال داخل القاعة وبجواره امرأة...

كيف لا يعلم نضال الغانم ولا شراسته مع النساء صاحبات العيون الملونة، يقسم ما ان تصبح ملكه وان اقترب ذلك السافل منها سيحطم فك اسنانه البيضاء المستفزة..
بهت وهو يفكر، منذ متي وهو يفكر في تلك المرأة؟!
منذ مدة كافية جدًا وهو يستمع إلى شكوي والدته لشهور عديدة عنها، رغما عنه شعر بالفضول نحوها ونحو غموضها وتلك الهالة التي تجذب الرجال من جميع اجناسهم، هو دوما لم يكن من محب تلك الطبقة الغبية عكس اخيه...

اخيه المحب الظهور الدائم للصحافة والحديث، لطاما كانا على النقيضين تماما، تحكم في أعصابه وهو يشيح بوجهه عنها باحثا عن ذلك المأذون المتأخر.

تمتمت أسرار ببرود مجيبه
- مهيب باشا مش هيقدر يجبرني على حاجة بعد كدا
انتبها من وصول السيدة ألفت التي قالت بلهفة لم تستطيع اخفاءوها
- هي رهف لسه موصلتش
عاد يتمسك ب فرح وعلم ما هي الصراعات التي تحدث بداخلها ليجيب ببرود
- واضح ان حامي العيلة خايف عليها حبتين
زمجرت الفت بعصبية
- نضال
رمقها ببرود وصاح بلهجة جامدة ذات مغزي.

- الوقت ده مش وقت عتاب او غضب يا مدام الفت، النهاردة فرح بنتك الاولي، افرحي بحلمها اللي اتحقق
تلك الزمجرة القادمة من اسرار جعله يكاد يتحكم في ضحكته وهو يري ابتعاد ذلك البوهيمي عن محيطهما
- نضااااال.

شعر بسرقة الاضواء من حوله نحو من تقدم بقدمه الى داخل القاعة وبجواره العصفورة وامرأة تتأبط ذراعه تسير بغنج وفستانها الاسود الخالي من أي بهرجة جعله يتمعن نحوها، قدوم وقاص مع امرأة تتأبط ذراعه فهو يعلن بصراحة عن زوجة مستقبلية، تقدم بعدها المأذون ليصيح وقتها بنبرة لعوب
- المأذون جيه وعصفورة العيلة وصلت.

يا سطور أخطها بيدي أخبريني أقرار ما أفعله صحيح أم خاطئ، أتلك مأساة اخري أسلكها ويجب على أن تجنبها؟!، يا سطور اخطها بيدي أصدقيني واريحي عقلى الذي جن من التفكير، أيعقل ان يكون السراج هذا زوجي؟! اهو القدر ام ان القدر يسخر مني؟
اغمضت جفنيها ما ان استمعت إلى نبرة المأذون يقول
- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمعا بينكما في الخير.

فتحت عيناها لتواجه فلاشات اعمت عيناها، تجمد جسدها وهي تنظر الى تلك الأضواء الساطعة بخواء شديد لتشعر بيد غريبة لم تستأنسها قط تلمس ذراعها رافعا إياها من مقعدها، ورائحة غريبة تتسلل انفها مزيج من رائحة صابون ورائحة رجولية، رفعت عيناها الزجاجتين لتستقبل تلك الهوة في عينيه.
فغرت شفتاها وهي تحاول أن تبث في بدنها الاطمئنان و من يلمسها أصبح زوجها، زوجها الذي هو شقيق زوجها الراحل!

اما عنه ما إن وقعت عقد الزواج حتى امتلكها، لقد سقطت في قبضته وهو لن يرحمها ابدًا حتى ينتزع كل قناعاتها المزيفة الباردة، اللعنة هي افسدت مخططاته كان زواجه من اهم شروطه امرأة دافئة بل تشتعل بالجمرات المتقدة من قربه، لكن تلك...! جسدها رغم نعومته التي تلمسها به شيء بارد وكأن جسدها معزول عنه
اقترب لاثما جبهتها وهو يغمغم بنبرة متهكمة
- مبروك يا مراتى الباردة.

النظرة الزجاجية لم تتضطرب مما جعله يزيد من وعيده نحوها وإلى سوف يحيل حياتها إلى نيران، نيران يصهر ذلك الجبل الجليدي، شفتيها المرسومتين بدقة همست بها حروف اسمه بنبرة ممطوطة فعلت به الاعاجيب
- سراج.

اللعنة عليه وعليها وعلى دماءه الحارة، منذ متي لم يلمس امرأة في حياته، اعوام اعتزل النساء وحينما قرر الزواج، صمت وهو يتذكر مثل شعبي يصوم يصوم ويفطر على بصلة، راقبها وهي تتابع همسها الابح المغناج في كلامها الجاد
- برودي ده أحسن ليا وليك، متنساش إنى أسرار الغانم
إقترب يطل عليها بسواد عينيه، ك هوة سحقية تنجرف إليها دون أن تشعر، مال إلى أذنها مجيبًا بنبرة أجشة متوعدة.

- وأنا سراج الحسيني وأقسملك يا أسرار برودك ده هحوله لكتلة جمر
إن خيل له إرتعادة جسدها فهو كاذب
إن خيل له إضطراب تلك العينين الزجاجيتين فهو كاذب
لكن تلك الإبتسامة الواسعة الناعمة التي كانت تلقي نصيبًا وافرًا من قريبها السافل تمنح له فهو صادق، ربتت على صدره قائلة
- احذر باللي تتمناه يا سراج.

انسلت رهف من جميع الحشد وتلك الرهبة من رؤية الجميع يستحقرونها ما زالت تطغي عليها، ربما وجود فريال هو ما ساعدها!
وعن الحديث عن فريال فيجب أن تقر أن تقدم شقيقها لخطبتها لم تثر تعجبها، الكيمياء الغريبة التي تشعر بها وهما مقربان لا تنكرها وهما ايضا لا يستطيعان إنكارها، وجودها اليوم سيعجل من ميعاد زفافهما الذي وللعجب سيسري في أسرع وقت قد تتخيله.

فريال أصبحت تتعامل مع وقاص معاملة خاصة، الغنج والدلال الفطري المتأصل بأسمها ملتصق بأفعالها معه، تعلم أن شقيقها ما إن تعجبه امرأة فانه لن يماطل ويطالب بالتعجل في الزواج لكن تلك المدة القصيرة التي تعارفا بها الأ يستدعي الشك؟ وإن كان، ألا يجب أن يدرسا بعضهما جيدًا، هزت راسها يائسة من أفكارها التي تصل إلى حائط سد في النهاية، شهقت منتفضة ما إن شعرت بصحفي لزج إقترب منها قائلا بعملية.

- رهف الغانم ممكن نعرف فترة اختفائك لمدة سنتين دي فين؟
ازدردت ريقها بتوتر وهي تلعن لحظة ابتعادها عن حضن شقيقها، وقفت تنظر إلى الصحفي بنظرة زائغة جعلت عيناه تزداد إصرارًا، إصرار ذئب للحصار على غزالة شاردة ليشحب وجهها وهي تمتم بنبرة خافتة قبل ان تهرب منه
- معنديش تعليق
استدركها وهو يقف امامها لتعود عدة خطوات للخلف وهي تراه يزيد من حصاره الخانق ويعيد فتح ذكريات ماضية، وجروح ظنت انها إلتئمت!

- طيب يا تري علاقة الحب بين صديقتك المرحومة نادية وماجد الجوهري حقيقة فعلا؟
زمت شفتيها بقوة وشحوب وجهها جعل الصحفي يعلم أن اسئلته تجاب فقط من خلال عيناها المذعورتين وجسدها المرتجف بقوة، زمت شفتيها وأجابت بصوت مبحوح
- قولت معنديش حاجه
وكادت أن تهرب منه ليجمدها وهو يصوب طلقة في موضعها
- بعد موت نادية هل ده كان سبب لتحويلك لمصحة نفسية برا مصر كما ذكر في احدي الصحف ام لا؟

أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تعلم أن الصحفى يأخذ جوابه من عينيها، تشجعي رهف ما هو إلا مجرد شخص باحث عن معلومات قديمة، رفعت عيناها نحوه وهي تنظر اليه بجمود صارخة في وجهه
- قولت معنديش حاجه أقولها، ابعد بقي
استمعت إلى نبرة امرأة صقيعية جمدت أطرافها وهي تتحدث إلى حارس شخصي قائلة
- شيلي البني ادم ده وروقه، وانتي تعالي.

رفعت عيناها لتقع عيناها على أسرار التي تنظر اليها بجمود، سارت خلفها حتى خرجا من القاعة وتوجهتا نحو شرفة بعيدة عن أعين الناس، عقدت أسرار ساعديها على صدرها وهي تقول بجفاف
- فوقي يا رهف، احمدي ربنا إنك اتنجدتي من اللي حصل.

ضيقت رهف عيناها وهي تنظر إليها بذهول، أتستهين بما رأته وما مرت به؟!، والدها قد ضاق به الارض ذرعا من العلاج الذي لم يؤثر بها، ووالدتها التي كانت لا تكف عن البكاء والنواح طيلة الأيام السابقة، نضال الذي لم ينبس ببنت شفه ومضي في طريقه دون أن يهتم بها، حتى هي ايضا؟!
الجميع في عملها الجديد يراها مدللة لا نفع بها حتى نزار، الوحيد الذي لم يراها هكذا وقاص، انفجرت صارخة في البكاء قائلة.

- افوق، بقي انتي يا اسرار تقوليلي كدا
اقتربت أسرار تهزها بقوة، تفيق تلك التي تضيع أيام عمرها هباءً من معاناة لا تقارن بشيء من معاناتها، قبضت على ذراعيها وهي تنفجر صارخة
- أيوا بقولك كدا لأن مجرد اللي حصلك خدش، عارفة يعني ايه خدش
رمقت تلك العينان الزجاجية، تموج بالإعاصير والدوامات لتهمس
- كل اللي حصلي وتقولي خدش.

كفي لقد ضاق بها ذرعا تلك الغبية، شهور صامتة عن ردة فعلها للصدمة الكبري في حياتها، شهور تعذرها لكن ما يبنيه وقاص وتأتي ريح تهدم بناءه لن تصمت، صاحت بلهجة قاسية
- فوقي بقي وشوفي بلاوي اللي حواليكي، شوفيني أنا من غير أب ولا أم من أول ما وعيت على الدنيا، كنت قاعدة وسطكم وأنا حاسة إن مكاني مش هنا، لا ولما كبرت وعمي مهيب اختار لي راجل اتجوزه، مكنش عندي فرصة اني ارفض لاني عارفة كدا كدا لازم امشى.

ابتسمت رهف بشحوب
- لكن جوازك من سراج هيعوضك
توسعت عينا أسرار وأزاحت يديها عن ذراعيها وهي لا تصدق ذلك الهراء الذي تفوهت به، ضحكت ساخرة
- انتي ليه مصرة تبقي غبية، انا مكنش عندي خلق اتعرف على راجل تاني
بهتت معالم وجه رهف وهمست
- انتي لسه بتفكري تتنقمي منها، تنتقمي من حماتك؟!
اضطربت معالم وجه أسرار قبل أن تقول بسخرية
- وهي اللي عملته سهل بردو.

أي دائرة هم يلهثون خلفها؟!، لما الجميع أصبحوا أغبياء لتلك الدرجة؟ّ!، همست بنحيب
- نضال بينتقم من بابا ووقاص بينتقم من الكل وأنتي منهم، وتقوليلي إنى غبية، لا يا أسرار الغبي اللي مفكر نفسه مش هيتحرق في انتقام حفرة بإيده
ملامح رهف أصبحت حادة وهي تصيح بقوة هادرة
- كلكم بنتقموا من أسباب تافهه، حتى أنا وبتستغربي وأنا بدفن نفسي بنفسي
هزت أسرار رأسها بلامبالاة وإستعاد وجهها الجامد لتقول
- كلنا بسبب لعنة راجل.

واستدارت مغادرة غافلين عن امرأة استمعت لهما عن الطريق الخطأ، إمرأة منبوذة في ذلك المجتمع اللامع بطريقة مبهرجة، ألا وهي فرح التي تمتمت بألم
- لعنة رجال، كلنا في دايرة واحدة.

تشع فريال بالحيوية والأناقة المفرطة، دلال يليق بأسمها الذي جعلها تصبح في محط أنظار الجميع، لا يعلم سر تشبثها ب ملابسها السخيفة الوقحة لكن صبرًا، هي أضحت أسيرته وهو الإمبراطور وسيسري أحكامه عليها، ولا يحق لها سوى القبول والطاعة الكاملة.
ابتسم ما إن تأبطت ذراعه في سبيل صور تنشر للصحافة للغد وخاتم الخطبة الذي يزين بنصرها قد أدي المهمة.

ما إن شعر وقاص بوجود الجميع في حلقه واحدة ورهف التي عادت صامته واجمة، قرر أن يعلم ما بها حين عودتهما للمنزل، ولكن الآن دوره، قال بصوت جامد
- بما إن الكل هنا هستغل وجودكم علشان أعلن عن جوازي من فريال الشواف
صمت الجميع ليتخلله صوت نضال الساخر وهو يصفق يديه بمرح
- والله وعملتها يا بكر العيلة
نظر إلى مهيب نظرة ذات مغزي وقال بنبرة صارمة
- هنتم الجواز في اقرب فرصة.

وتابع مفسرا عائلتها إلى والدته التي تنظر اليها بتفحص
- فريال حفيدة عيلة الشواف، ملهاش قرايب غير خالها اللي من عيلة السويسري
بدي الاستيعاب يظهر جليا على وجه ألفت لتقول باستنكار
- مش انتِ كنتِ متجوزة عزيز الريحاني؟!
أومأت فريال التي اتخذت الصمت وهي في أرضهم، يجب عليها أن تدرس كل شخصية في عائلته قبل أن تجازف، تمتمت ببساطة
- أيوا، واتطلقنا من فترة طويلة.

اتسعت عينا ألفت ونظرت إلى ابنها البكر بأستنكار شديد، ابنها البكرى يتزوج من مطلقة؟، صاح بصوت جامد نحو والده
- عموما، يا باشا مهيب مساهمتك في مشروع القرية هبعتلك فلوسه على حساب البنك ووقتها تشيل ايدك من قريتي
حك مهيب طرف ذقنه بسبباته وقال
- وهل القرار ده جيه بسبب المدام؟
رد وقاص بهدوء وعملية
- فلوسك هترجع وفوقيها زيادة، أظن أنا كدا عادل.

اقترب نضال وهو يسارع بالقاء جسده في أحضان أخيه المتصلب، ليقترب من أذنه هامسًا بمكر
- مبروك يا بكر عيلة الغانم، بس يا تري القطة عارفة موضوع صابرين؟
إندلعت نيران في عيني وقاص لتظهر شبح ابتسامه على شفتي نضال، غمغم وقاص بنبرة خفيضة
- قربت أوصل للي مخبيه عني
ربت على كتفه وهمس بصوت غير مكترث
- أنا مخبية لاني خايف عليه منك، لكن لو عاوزة هبعته مع حد من رجالتك، هو شوية وهتلاقيه مات منك.

تعلقت عينا وقاص إلى فرح المنكمشة في ذلك التجمع العائلي، وجودها هنا أربك والدته كثيرا بل تعاملها بترفع وأنفه، مط شفتيه وقال
- رحيم اووي يا نضال، جوازك منها هل ده بسبب انك تحط الباشا في اقرب وقت للمستشفي
- كنت عملتها من بدري الصراحة، حربي مش معاك، حربي مع كل اللي يقرب مني واللي يخصني
ارتسمت ابتسامة عملية وهو يهتف بنبرة ذات مغزي
- شوفت بنتك اللي مبهدل أمها في المحاكم، اكاد اجزم انها قرصة ودن ليها.

هز نضال رأسه وقال
- كل واحد فينا بيلعب على طريقته، لكن مع ذلك مصلحة العيلة اننا نكون مع بعض ونبارك لأسرار
تمتم ببرود
- طول عمرها من أول ما جيت مدافعة ليك
نعم، مدافعته الأولى والوحيدة، أسرار الغانم
ألقى نظرة نحوها ليجدها تستقبل التهاني بابتسامة باردة وزوجها أصبح محيطا حولها في كل حركة وسكنة منها، الايام القادمة تبدو مشتعلة للغاية عندها، ما ان تقابلت عيناه مع عينا سراج حتى شاكسه وهو يغمز بمكر ليقول.

- لان انا وهي شبه بعض.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة