قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والخمسون

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والخمسون

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والخمسون

عبثت مارية بخصلات شعرها وهي تغمض عيناها لثوانى، ثوانى فقط قبل أن تعود تفتحهما وهي تسمع الى تذمرات وصراخ ماهر، عضت على شفتيها وهي لا تصدق أحداث آخر عشر دقائق، كانت مندمجة في الحديث مع عاملة المتجر قبل أن تسمع جلبة جعلت الجميع يهرع لمشاهدة المشاجرة وكأنه مشهد سينمائي، كانت ستلقى عدم اهتمام بالموضوع لولا أنها وجدت تخشب فرح وهي تراقب بعينيها المذعورتين الى الشباك بين الرجلين، لم تجد نفسها سوى أن تنتفض وتسارع بإبعادها عن الوحش الكاسر، تنهدت بحرارة وهي تحتضن فرح وتبث في قلبها القوة التي استنفذت قبل أن تهمس لماهر.

- ايوا يا ماهر، بقولك فيه خناقة جامدة هنا وفرح مش عارفة تتصرف
صاح ماهر بحنق شديد وهو ينطلق بأقصي سرعة نحو المول التجاري
- انتى عارفة اني مش بطيقه
همست مارية بجدية
- ماهر ارجوك فرح منهارة
لعنه في سره قبل أن يقول بجفاء
- طيب مستنيكي ولما تخلصي رنى عليا
اومأت صاغرة
- حاضر
اغلقت الهاتف ثم وضعته في جيبها قبل أن تلتفت إلى المذعورة قائلة
- انتى هببتي ايه بس.

دموعها محتجزة، لا تقدر على إخراجها خارج حدود رمشيها، عضت على شفتيها وجسدها كله يرتجف من نظرة نضال النارية، همست بارتجاف
- معملتش حاجه، انا كنت مستنياه برا، لقيت ده جالى فجأة وبيعرض عليا شغل
عقدت مارية جبينها ثم قالت بدهشة
- لا والله
كادت أن تجيب لتفزع حينما استمعت الى نبرته الهادرة
- عاجبك كده يا هانم، يا ريت تكونى مبسوطة.

رفعت عيناها، وياليتها لم تفعل، لم يكن نضال، بل شخص آخر يشبه ملامحه لكن بجانب مظلم أكثر، جانب موحش تتمنى لو لم تقترب منه، هلع قلبها وكاد يخرج من صدرها وهي تهمس بتلكؤ
- نضال انا
قاطعها بحزم وهو يسحب ذراعها لتسير بجواره
- ولا كلمة، لينا كلام في البيت
رفع نظره نحو مارية، ليقول بجفاف شديد
- حازم السواق هيوصلك مكان ما انتى عايزة
ماذا سيحدث إن سمعه ماهر، صاحت معترضة
- لا لا ماهر مستنيني، هكلمك بليل يا فرح.

لم يهتم نضال بكلامها، بل غادر وهو يمسك تلك المسكينة وكأنه قبض على متلبس يسرق شيئا منه، زفرت مارية وهي تدور بعيناها نحو الجميع وبقت لفترة شادرة تفكر ماذا سيحدث لتلك المسكينة، ه بحياتها لم تراه عابسا، همجيا مثل اليوم، شقت ابتسامة ناعمة وهي لا تصدق، هل يحبها لتلك الدرجة؟!، رباااااه الرجل عاشق للمرأة ولا يظهر أى من تلك الأشياء أمامها، يا لجبروته حقا، انتبهت من شعورها بأن عيون نارية تحرقها من موضعها، جحظت عيناها حينما رفعت رأسها لتجد ماهر واقفا امامها بعدائية، همست بتعجب.

- انت مش قولت انك مستنيني
نظر الى ساعة معصمه قبل أن ينظر إليها قائلا بسخرية
- وطولتى
صاحت بدفاعية وهي تستقيم لتقف في مقابلته
- كنن قلقانة عليها، فرح كانت منهارة واقل كلمة بتتأثر بيها.

أشاح ماهر بوجهه كى لا يفقد أعصابه أمامها، تتصل به وتخبره أنها ستذهب لرؤية ابنتها، وافق على مضض كونها لن تكون في منزله، لكن يتصل بها بعد فترة وتخبره أن القذر يتشاجر مع أحد الرجال بسبب زوجته، من يعلم ربما غضب ذلك الحقير يطولها هي الأخرى، أحس بها تقترب منه وتضع يدها على كتفه هامسة باهتمام
- مالك
ابتسم بجمود وهو يكظم غيظه وغيرته ليقول بجفاء
- بحاول مفقدش اعصابى انا كمان
زادت قربا وهي تهمس بنعومة.

- ماهر فرح صحبتى ايا كان
ما زال مشيحا بوجهه، مما جعله تهمس اسمه بتوسل شديد
- ماهر
رغما عنه استجاب لندائها، اللعنة عليه وعلى قلبه المتيم بحبها، اقتربت تحتضن وجهه بكفيها الناعمتين لتهمس بصلابة وعيناها مثبتة على عينيه، تجبره على ألا يحيد بعيناه بعيدًا عنها، وكأنه يستطيع؟!
- عينى مش شايفه راجل غيرك، واللي بيربطني بيه بس مجرد انه ابو بنتى.

تمتم بجفاء شديد وهو يحاول أن يتخلص من غيرته، يبدو أنه سيعانى منها قليلا بعد!
- طيب
تأبطت مارية ذراعه ثم قالت بمرح
- يلا وديني مكان بقي حلو علشان عايزة اكل، علشان مش هتشوفني الا على ميعاد الفرح
سألها وهو يحاول أن يخلق المرح في صوته العبوس
- هو ميعاد الفرح امتي؟
رفعت أصابعها العشرة أمام وجهه وعيناها تلتمع بشوق مثير، جذبها نحوه وهو يقول بتعجل
- طب نلحق قبل ما الاقى شادية عملت اعتصام.

انفجرت مارية ضاحكة وهي تسير بجواره، السعادة كانت بجوارها وهي لم تشعر بها، السعادة كانت تطرق بابها لكنها امتنعت عن الاستجابة وإختارت أن تدلف باب محظور، مالت برأسها تضعها على كتفه وهي تغمض عيناها، تشعر أخيرا أنها تتذوق طعم السعادة مع ماهر فقط دون غيره من الرجال.

عيناه كان جحيم آخر، يمرر يده على خصلات شعره بحدة يكاد ينتزعهما من جذورهما، يداه تنقبضان وتنبسطان كى لا يقوم بفقد رشده ويصب جنونه عليها، لكن كيف ترحمه وهي تبكى، استشاط غضبا وهو ينظر نحوها ليقول بصراخ هادر
- بطلي عياط بقى
عضت فرح على شفتيها وهي تنكمش على نفسها أكثر، تحاول أن تبتعد عن وجهه كى تكون آمنة من بطشه، هي على حافة الوصول للجنون بسببه
زمجرت بحدة وهي تصيح ببكاء
- بطل انت زعيق.

اقترب منها وقدماه تنفسان عن شعلته النارية، امسك معصمها وقربها منه وهو يقول بحدة
- مش كان مضايقك برودى، مش كان مضايقك
أشاحت بعينيها بعيدة عن مستوى عيناه، تخشى أن تراهما، همست فرح بضعف
- نضال انا
قبضت يده الاخرى بقوة غاشمة على كتفها، يقربها منه حتى يكاد يلمس بشفتيه دموعها المناسبة، همس بنبرة خفيضة
- الحيوان ال ده مش هسيبه الا لما اعرفه ان الله حق.

أجلت حلقها وهي تحاول أن تتحلى بالشجاعة التي انسحبت من كل أوردتها، زادت قبضته قسوة وهو يهمس بنفس ذات النبرة الخفيضة التي تفعل الأفاعيل بها
- واقفة جمبه بتعملي ايه
حاولت أن تتشجع وترد، لكن صوت أنفاسه الخشنة تحرقها حية، همست بتأتأة
- انا
رفع رأسها لتصبح في مستوى بصره، عيناها تدور بجنون وهي تلمس كل جزء من وجهه بعينيها، يصرخ في وجهها وكأنها السبب فيما حدث، جحظت عيناها حينما استمعت إلى نبرته الخشنة.

- مش ده القذر بتاع الخطوبة
الجملة هنا محلها لم يكن سؤالا، كانت جملة مؤكدة وتهكم ساخر منه، أسبلت بأهدابها والحرج طفق على ملامحها مما جعله يقول بجنون
- يعني هو
نضال هنا كان يرقص الرقصة الأخيرة قبل القذف نحو البركان الهائج، سلم نفسه لغضبه ولا عزاء على الضحايا وإن كانت أولهما فرح، هو يمرر كل شيء منها، يمرر كل شيء إلا خيانته، لم يقابل معاملتها بالخيانة ليجدها تبادر بذلك.

نشجيها ودموعها التي تنهمر على صفحة وجهها لم تؤثر على مقدار غضبه مقدار ذرة، قال بعنف
- كان كلامكم ايه بقي قبل ما اجي، هيدفع فلوس اكتر مني مش كده، ترجعي لنفس القذارة تاني برجلك
صاحت فرح بحدة وهي تتلوى من قبضته بعنف
- اخرس
واجهته بصلابة شديدة، ترفع رأسها بإباء، ليست مجرمة كى تضع رأسها في الوحل، صاحت بصلابة.

- انا عمري ما كنت كدا، اه اضطريت بس مكنش بإرادتي، كان غصب عني وانا بلاقي كل الدنيا مقفلة أبوابها في وشى
إن كان يخبرها أنها عاهرة فهى أصبحت ذلك بسببه، دموعها التي تهطل لم تؤثر مقدار ذرة على ثباتها أمامه وهي تنظر إلى عينيه بتحدى صارخ
- انت السبب، انت السبب في كل ده
كانت تشير بالسبابة في وجهه وهي تصيح بجنون تلبسها
- لولا طمعك ليا مكنتش هبقى في موضع جارية أى حد يعجبه شكلها يطلبها.

وضع نضال يديه في جيب بنطاله وهو ينظر إليها من بين أهدابه، حينما هدأت من طور جنونها قال بسخرية
- فوقي لنفسك، انت وانتى مصلحة متبادلة وانتهت
قاطعته بنفى
- لا منتهتش، مش كل مرة تيجى تكلمنى عن الماضي عنى وكأنى كنت بنت ليل بترمى جسمها على أى راجل مطلع فلوسه، كأن انا الوحيدة الممسوكة بالجرم ده وانت يا عيني الملاك هنا.

ثم رمت ما في جعبتها قبل أن تغادر من مكانها وتهرب نحو غرفة الصغيرة كى تقتبس منها صبرا على ما يحدث
- طول ما انت مش متصالح مع نفسك عمرك هتكون متصالح مع اللي حواليك
وجملتها كانت في مقتل
أصابت به وترا حساسا في داخله
والسؤال هنا، ماذا سيحدث بعد الإنفجار؟!
يبدو أنها استسلمت وكل ما بنته هدمه هو في لحظة خروج مارده.

في النادى الخاص
تجلس شادية مستمعة إلى طلبات شقيقتها ثم العروسان لترتيب زفافهما، الأمر كان س يسير بهدوء وسلاسة بدون تدخلات شقيقتها وطلباتها المبهرة، وحينما بلغ الأمر منتهاه صاحت بحدة تصمت أى حديث جانبى أو أمور يجب عليها تنفيذه
- ده إطلاقا ما هيحصل يا جيهان، ممكن نسكت شوية بقى علشان اركز
امتعضت ملامح جيهان ثم تمتمت بجفاء
- سكتنا.

ابتسمت شادية بجفاء قبل أن تصيح بجدية وهي تمسك دفترها المدون عليه جميع ترتيبات زفاف شقيقها
- اول حاجه ننسي ال fire works، لأن ده بقى بلدي اووى
غمغمت جيهان بنبرة متسلية
- نجيب شماريخ طيب، أو نجيب ليزر
لم تلقى بالا بها وهي تلتفت نحو نزار قائلة
- الأكل عليك يا نزار وبص عايزة اتفاجئ زي كل مرة
هز نزار رأسه وأخيرا بعد ساعة من المناقشات التافهة سيعود لمطعمه، قال بهدوء
- تكرم عيونك يا ست شادية.

وضعت جيهان يدها على ذقنها و غمغمت بلوع وهي تتنهد بحرارة
- يا قلبي، أول مرة أشوف قلبى بيتكلم
حدجها نزار بنظرة مميتة جعل جيهان تراقص حاجبيها باستمتاع، جاء صوت شادية الحاد
- وانتي بشعرك اللطيف ده عايزاه يتعدل
امسكت جيهان بأطراف شعرها، حسنا هي ربما توقفت عن صبغة بألوان عجيبة لكن هذا لا يمنع من تغير تصفيفة شعرها، تمتمت ببرود
- اسمه كيرلى يا جاهلة.

هزت شادية رأسها بلا مبالاة وهي تغلق دفترها ثم صاحت بجمود وهي تنظر إلى العروسان اللذان لم يبديا أى رأى من وصولهما مما جعلها تستشاط غضبا
- اظن كدا كل حاجه تمام لبكرا وعاجب العروسين
توقفت المناقشات الحادة بين شادية وجيهان لتقع ثلاثة أزواج من العيون على عصفورى الكنارى، حمحمت مارية بحرج وهي تدعس بحذائها على قدم ماهر، نظر ماهر نحوهم ببلاهة ثم تمتم بجمود
- عملتى اللى عليكى وزيادة يا حبيبتى.

تخضبت وجنتى مارية من الحرج، لولا ماهر والذي شتت انتباهها لكانت جلست تتناقش معهم، ابتسمت نحو شادية بامتنان
- تعبناكى يا شادية جدا
ابتسامة صفراء زينت ثغر شادية وهي ترى قيام ماهر ثم سحب جسد مارية التي اعتذرت بحرج، تغضن جبين شادية وهي تزفر بحدة، تطلب الصبر حتى لا تفقد رشدها من جنون عائلتها...
صمت أطبق ثلاثتهم، حتى جاء وسيم مقتربا منهما قائلا بابتسامة مهلكة
- مش محتاجين مساعدة
نفت شادية برأسها قائلة.

- لا تمام يا وسيم كل حاجه تمام
نظرت جيهان من بين أهدابها وسيم الذي يزداد يوما عن اليوم الآخر جاذبية، مما يشتعل براكين من نيران الحقد والغضب، وضعت هاتفها جانبا وهي توجه حديثها نحو شادية غير مكترثة إطلاقا نحو ذلك القادم
- شادية ضيفي كدا ايهم علشان تبعي
عبس ملامح وسيم وهو يرى تلك المتبجحة لا توجه نظرة إليه حتى، استفسر قائلا بحدة
- مين ايهم؟

ظلت تنقر بأصبعها على شاشة هاتفها، ترى تعليقات المعجبين على صفحة التواصل الأجتماعى، وآرائهم على تسريحة شعرها الجديدة، أجابت بجفاء
- وانت مالك
تنحنح نزار بحرج وهو يستقيم واقفا
- طيب بستأذن انا منشان ما اتاخر
استقامت شادية هي الأخرى من مجلسها، وهي تصيح بنبرة جامدة
- رايحة اشوف شغلى
لحقت نزار الذي سار بجوارهما يتناقشان أمر الطعام بهدوء مبتعدين عن تلك الصاخبة...

ما إن شعرت جيهان أنها تجلس بمفردها تحت نظرات وسيم الغريبة استقامت من مجلسها قائلة
-وانا كمان..
بترت باقى عبارتها حينما أعادها وسيم بكل قسوة على مقعدها، صاح بجفاء وهو يقترب من مقعده نحو مقعدها فارضا حصار مريب
- تعالي هنا
اختلج قلبها وهي ترفع بعينها لتقع على عينيه السوداويين من شدة الغضب، أزاحت بذراعها بعيدة عن قبضة يده لتصيح بشراسة
- ايدك دى لتوحشك.

قست نظرات وسيم وهو يقترب منها قائلا بتحذير، غير عابئا بتحذيراتها الكلامية
- جيهاااان، اتعدلي مين أيهم
أشاحت بعينيها بعيدة عنه قبل أن تعود وتسقطها عليه قائلة بنبرة ماكرة
- هو انت فاكرني اي حد هعزمه على فرح اخويا وخصوصا انه هيكون جنبي طول الوقت
خبط على سطح الطاولة بعصبية وجنون وهو يصيح بحدة
- انت عايزة تطلع اشاعات عليكى مش كفاية اللى بتعمليه
استوقفته بنبرة باردة.

- ثواني كدا، وسيم انت واخد مساحة كبيرة في حياتنا وكأنك ماهر بالضبط، اللى هو اصلا مش معترض لطالما كل حاجه هتبقي رسمي ما بينا
اقترب منها مدمدما بصلابة
- تقصدي ايه؟
- اللي فهمته يا عنيا
غمزت بعينها نحوه قبل أن تلقى قبلة في الهواء نحو شخص معين، رفع وسيم أنظاره نحو ذلك الذي تلقي قبلتها الهوائية ليضعها بعرض مسرحي داخل قلبه، اقترب منهما غير مكترث بالذى ينظر نحوهما بغموض شديد
- اتأخرت يا جيجي؟

- فيه ميعادك تمام يا ايهم، يلا بينا
استقامت بحماس وهي تأخذ حقيبتها لتقترب من ايهم الذي سارع باحتضانها، اسودت ملامح وسيم قتامة وهو يحفر أنامله في راحة يده، تلك الصغيرة تحتاج إلى إعادة تربية، الشفيع الوحيد هو تخشبها بين ذراعيه، لكن عاد مرة أخرى يغلى من الغضب مهددا بالانفجار وهي ينظر من بين أهدابه اقترابهما الحميمى، خبط بقبضة يده على الطاولة وهو يستقيم بحدة متوعدا لتلك الصغيرة بأشد عقاب.

ازدردت أسرار ريقها بتوتر وهي تنظر إلى الباب، بداخله يوجد سبب معاناتها في الماضى بل في الحاضر وتؤثر على مستقبلها، لم تخبر سراج بذلك ابدا، لكنها تود أن تشعر أنها أفضل، أفضل كى تستطيع أن تستمر حياتها بطبيعية مع زوجها، تشجعت وهي تفتح غرفى حماتها في المصحة، الطبيب أخبرها أن عقلها يسبح في أمجاد الماضى، تستنكر أحداث انهيارها..

فتحت باب غرفتها وهي تراها كما هي، تجلس بكل غرور على مقعد بسيط، عيناها شاردة في السقف، ملامحها أصبحت أكثر طبيعية من دون مساحيق التجميل أو العمليات التجميلية، أغلقت الباب خلفها لتنتبه شيراز من وجود زائرة
ملامحها كانت صلبة وهي تنظر نحو كنتها لتقول بجمود
- انت ايه اللي جابك هنا.

سحبت مقعد وجلست في مقابلتها، جلسة أسرار لا تقل ثقة بل صاحبة النفوذ بعكسها، ابتسامة ماكرة زينت ثغرها وهو تضع ساقا فوق الأخرى لتقول بلا مبالاة
- جيت اطمن على حماتي
تجهمت ملامح شيراز وكادت أن تنفجر بها إلا أن أسرار صححت كلمة حماتى ل
- شيراز هانم
ارتخت ملامح شيراز ليتلألأ المكر في عينى أسرار قائلة
- وحماتي برضو رغم كل اللى حصل
استقامت شيراز بحدة وهي تصيح بجنون.

- انتى مجرد حثالة في مجتمعنا، نكرة ملهاش أهمية، مش عارفة ازاي ابنى اتجوزك
بكل برودة أعصاب تحسد عليه، شعرت بوجود طرف تالت في الغرفة ردت بجمود وهي تنظر نحو حماها الذي يبدو أنه تفاجئ بوجودها
- فيه حاجه اسمها حبني ده لو تعرفيه، شايفة الراجل ده، لسه باقى عليكى رغم كل مساوئك يا هانم
نظرت شيراز نحو زوجها نظرات ذات مغزى قبل أن تقول بصلابة
- عثمان ميقدرش يبعد عنى
هزت أسرار رأسها وقالت بنبرة هادئة.

- انا معرفش ازاى كل السنين دى استحمل يفضل جنبك، بجد مستغربة حتى شكيت انه متجوز عليكي بس فاجئنى انك انت الوحيدة ونفسه سدت عن الستات غيرك
اتسعت عينا شيراز بجنون وهي تصيح بحدة
- انتي يا وقحة انتي ازاى تتجرأي تكلميني بالطريقة دي
كانت ما زالت تجلس مرتخية في جلستها، غير عابئة بها وهي ترى تدخل عثمان ونظرته الثاقبة لكنها تمتمت ببرود.

- لا لسانك يا شيراز هانم خليه يعرف هو بيقول ايه، وعلشان انتى تعبانة هعديها المرة دي بس
ثم تحولت نبرتها للحدة وهي تنفجر في وجهها
- كارهانى ليه، نفسى ألاقى سبب مقنع لكرهك ليا
- خطفتي عقل عيالى، فاهمة يعني ايه اصحى ألاقي عيالى واقعين في حب واحدة انا مش طايقاها، بيحاولوا بكل الطرق يسعدوها وانا اتركنت على جنب
انفجرت بها شيراز وهي تلتقط أنفاسها، رمشت أسرار بأهدابها وهي تهمس باختناق.

- عشت في بيتك وتقوليلى مركونة على جنب
تلكأت شيراز وهي تجلس بوهن على الفراش، تمرر يدها على شعرها لتهمس بضعف غريب تلاحظه أسرار لأول مرة
- أجبرت ضياء على دا، اجبرته لاني هلاقيه يوم عن يوم بعد عني زى ما عملتي في سراج
ثم رفعت شيراز عيناها نحو أسرار وهي تهمس بحشرجة
- حاولت، حاولت ومقدرتش كل يوم اشوفك فيه بنفر منك اكتر، اللى عمله سراج صح في النهاية ومقدرش ألومه
ثم بررت لها كرهها قائلة.

- كنت بدافع عن ممتلكاتى، بأي شكل وأى صورة، لما تبقى أم هتعرفى دا كويس وخصوصا لما توصلى في سنى
صمتت أسرار وهي تمسح دمعة انفلتت منها لتقول بحدة
- مكنتش حطمت سعادة ولادى على سعادتى، دى اسمها انانية
تمتمت شيراز بجفاء
- اللي حصل حصل، وبعدين مش انتى قاعدة في مكان لوحدك مع ابنى عايزه ايه منى
ردت أسرار بصراحة تامة
- بحاول اتغلب على الشفقة اللي حسيت بيها تجاهك
انفلتت ضحكة شيراز ساخرة وهي تغمغم بذهول.

- شفقة!، شيراز هانم مبتاخدش شفقة من حد
كان عثمان يراقب الوضع بين المرأتين، عيونهما لا يوجد بها أى حقد دفين، الجلسة ربما جلسة مصارحة بينهما، إنهاء ما بينهما، انتبه على صوت شيراز وهي تهمس بحنان
- ابني حبيبي، وحشتنى
اقترب سراج نحوها وهو يقبل رأسها ليقول
- وانت كمان يا أمى، اهتمي بنفسك اكثر وارجعلينا أحسن.

ثم وجه عيناه القاتمة نحو أسرار التي انتفضت من وجوده، عيناها كانت تنظر نحوه بعطف شديد إلا أنه قال بصرامة
- يلا يا أسرار
استقامت أسرار وهي تلقي التحية قبل أن تصبح بين ذراعى زوجها وهو يستأذن مغادرا، تنهد عثمان ما إن غادرا ليقول بنبرة ذات مغزى
- صدقتي ولا لسه؟
التفتت شيراز نحوه بحدة، لا تصدق أنها أصبحت تسير على خطته، بداية من إدعاء جنونها حتى جلوسها هنا في المصحة النفسية، تمتم عثمان بصلابة.

- بيحبها وسراج مش ضعيف الشخصية زى ضياء الله يرحمه
نظر عثمان نحو شيراز نظرة ذات مغزى، كان لا بد أن ينهى الأمر، لا بد تدخل منه وإبعاد المرأتين في صورة نهائية حتى لا يحدث أى صدام في المستقبل..
كان يعلم أنه مهما بلغ حقد أحداهما إلا أن أسرار ستكون هي المبادرة بالسلام، هو هدد شيراز، هدد بطلاقها إن أقتربت من كنتها مرة أخرى، لكن يبدو أن شيراز استسلمت إلى شروطه والدليل أنها موجودة هنا.

تمتمت شيراز بارتباك، لقد أربكتها أسرار، أظهرت لها أنها الأفضل رغم كل شيء، كانت ستطلب استدعائها إلا أنها الآن أصبحت في عينى زوجها هي البطلة الحقيقية
- انا، انا
صاح عثمان بصرامة
- شيراز اسكتي بقي، سبيهم في حالهم لو عايزة تدميرها وهي قدامك بس صدقيني ابنك مش هيرجعلك تاني
انفجرت في البكاء وهي تغطي وجهها بكفيها، لا تصدق ما يحدث، لا تصدق أنها ستخسر كل شيء، همست بنحيب
- انا، انا حاسة انى خسرت كل حاجه.

امسك عثمات ذراعيها ثم رفع رأسها لتصبح في مقابلته، قال بجمود
- انتي مخسرتيش، حتى كنتك جت لانها حسن بالذنب تجاههك، نفتح صفحة جديدة، احنا مع بعض وهما لوحدهم
سيترتب عليهما السفر لدولة بعيدة كل البعد عنهما، همست اسمه بنحيب
- عثمان.

احتضنها عثمان لتبكي شيراز، بكل جبروتها وصلابتها تصبح إمرأة ضعيفة أمام زوجها وحبها الأوحد، هي ستترك جانبها المظلم، كى لا تستيقظ يوما وتراه هجرها، تستطيع تحمل كل شيء لكنها لا تستطيع أبدا تحمل خسران جديد، تنهد عثمان قائلا بحرارة
- مقدرتش اكرهك رغم كل اللى حصل، موجوع منك بس مش قادر اكرهك
تشبثت بقميصه وهي تدفن وجهها في صدره قائلة
- متسبنيش يا عثمان، انت اكتر واحد عارفنى.

ربت على خصلات شعرها، غدا سيغادرا ويقضيان حياتهما مبتعدين عن الجميع، يستطيع أن يتصرف بأمور المؤسسة ويجعل سراج يهتم بمشروعه، سيعيد كل شيء لنصابه حتى وإن تأخر الوقت، همس في أذن شيراز بحنان
- عشان عارفك مش قادر اكرهك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة