قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس عشر

نظرت إلى الساعة التي تخطت السابعة والنصف مساءً، لقد استنزفت طاقتها وهي تضع الاطباق في المغسلة الضخمة وإعادة ترتيبها إلى مواضعها ثم التأكد من عدم وجود أي خدش، بل واستخراج اطباق جديدة مخصصة للحلوى
اليوم قضته كله في تلك الغرفة ولم تعلم ماذا يدور خارج تلك الغرفة التي حبست فيها لساعات، لكن ما صبرها هو الطعام والحديقة الخلفية التي قررت أن تخبرها حظها السيء عن يومها الأول.

وهي التي سهرت لتتعرف على اطباق ووصفات المطبخ السوري، كانت ستفاجئه اليوم بوجبة من بلاده لكن كل ذلك ذهب هباءا
نظرت إلى ثياب عملها المكونة من بنطال أسود وقميص ابيض لتمسح العرق المتصفد على جبينها بكم قميصها قائلة بلهاث وهي ترتمي على أقرب مقعد
- اليوم كان متعب
وافقتها هنادي بهزة من رأسها قبل أن تصيح بمرح
- بس محستيش بيه، صح؟!
لما اصرت ان تظل حتى اخر اليوم لا تعلم الاجابة.

لربما هي تعطيه فرصة كي لا تشكوه لشقيقها
كي لا يظن الفتاة التي من الطبقة المخملية مجرد فتاة مدللة
أو ربما لتزيد من سخطها عليه!
التفت إلى هنادي قائلة
- هو كل يوم كده
أشفقت هنادي على ملامح رهف المجهدة لترد
- مش عايزة اصدمك واقولك انه احنا لسه في بداية الأسبوع
نكست رأسها أرضا هامسة بتعب، تود العودة الى منزلها وفراشها الناعم الآن
- مكنتش اتخيل انه شغله متعب
بطبيعة هنادي الثرثارة قالت.

- شيف نزار مقسم الشغل علينا كلنا، كل واحد هيمر عليه نفس العذاب ده، مش عايزة اقولك حتى هو بذاته بيعمل نفس الشغل اللي عملناه مع حد من مساعدينه
ضيقت عيناها بعبوس
- طب وليه؟
تابعت هنادي بعد ان جذبت اهتمامها
- بيقول ان اي شيف لازم يمر بكل حاجه في المطبخ من أكبرها لا صغرها، وبما ان النظافة هي شيء اساسي قرر هو يشرف عليه بنفسه، شيف نزار طيب جدا، هو حفر الصخر بايديه علشان يطلع بالصورة اللي انتي شيفاها.

هزت راسها بدون معنى لتتفاجئ بسماع صوت أجش يقول
- روحي انتي يا هنادي، الوقت دوامك خلص
جاء الفرج وقامت هي الأخرى من مقعدها للخروج لكي تري التي سابقت الرياح لكن جسدها تخشب حينما سمعت تلك النبرة الاجشة تقول
- وقفي عندك يا انسه
التفتت اليه بيأس قائلة بضجر
- مش ده ميعاد الانصراف
غمغم بنبرة لا تقبل النقاش.

- الموظفين اللي تحت بينصرفوا مو اللي لساتن تحت الاختبار، البسي المريول وشوفي بالمكونات اللي عندك شوفيكي تطبخي
سارعت بتنفيذ أوامره وقد بلغ منها الصبر لمنتهاه، ارتدت المريول ولحقته حتى وقفت على طاولة بعيدة نسبيا عن الطباخين والتي من المرجح أنها طاولته، كادت أن تبلغه أنها لا تستطيع القيام بأي عمل
- انا بس
قاطعها بنبرة باردة
- نص ساعة و بدي شوفك رديتي الطبخه.

تركها و استدار مبتعدا لتنظر الى المكونات، رأت باذنجان وبطاطس وطماطم والباقي لا تعلم كهنة، أخذت تدب الحماس في عروقها لكي تخرج ابداعا...
بعد نصف ساعة عاد وتبدلت ملامحه الواجمة لصدمة وهو يرى الباذنجان الذي احترق والبطاطس التي قطعتها بغير تساوي أما عصير الطماطم فحدث ولا حرج لقد انسكب نصفه على الرخام، صاح بغضب هادر ارعبها بشدة وهي تكتم دموعها
- شو اللي صار؟

انفجرت في بكاء مرير وهي تعلم تلك النظرة، سيطردها شر طردة وهو محق في ذلك، هي مجرد طفلة أرادت أن تقلد والدتها مستغلة غيابها من المنزل، ترقرقت الدموع من مآقيها قائلة
- معرفتش اعمل غير مسقعة، وواضح انها...
عبث في خصلات شعره البنية المائلة للاشقرار ليقول بصوت هادئ
- اهدي ماصار شي
وزاد بكائها أضعافا حينما استمعت إلى نبرته الهادئة لتصيح
- انا فشلت اعمل مسقعة، انا مش بعرف اطبخ، واضح اني جيت هنا غلط.

ثم خلعت مريولها واستدارت خارجة قبل ان يطردها ليصيح بهدر
- انسه رهف انا ماسمحتلك أنك تمشي
مسحت دموعها بذراع قميصها ليشيح ببصره متقززا وقال وهو يرتدي مريوله وينظف أرضه التي عاثت فيها فسادا، امرها بالجلوس على المقعد والتفت اليها قائلا بصوت حازم
- اليوم هو الدرس الاول لعمل المسقعه.

ولا تعلم كيف مر الوقت وهي تراقب يداه الخبيرتين لتقطيع الباذنجان والبطاطس، بل رشاقة وخفة حركته في المطبخ وحرصه على النظافة بعد انتهاءه من كله خطوة وهي التي تترك تلالا من الاطباق خلفها، راقبته بأعين مبهورة وهي تراه يخرج الصينية من الفرن ووضع قطعة في طبقها ليقول بصوت رخيم
- خبريني رأيك
وضعت اللقمة الأولى في فمها وذابت فيها بسهولة، غامت عيناها الزرقاء ورفعت بعينها إلى عيناه الراكدتين هامسة
- حلوة اوووي.

هز رأسه بعرجفه تليق به، أي طباخ ماهر يليق به التعجرف حينما يستمع مدحا من النساء اللاتي استطاع الفوز عليهن في ما هن مبدعات فيه، القي مريولة على المشجب وصاح بصوت جامد
- كويس بكرا الصبح بتكوني مجهزه هالطبق لألي
سقطت الشوكة على طبقها حتى اصدر ضجيجا مزعجا، رمشت أهدابها عدة مرات بغباء، أيطلب منها أعداد نفس الطبق وبنفس كفاءته؟!

زمجرت شيراز وهي تهب من المقعد هادرة
- انت بتتكلم وبتقول ايه يا سراج؟
هز سراج رأسه وقال بلا مبالاة وهو عالم أن ذلك الانفجار ما هو الإنذار بانفجار البركان
- زي ما سمعتي قبل النكسة خسرنا كتير وتراكمت الديون علينا
هزت رأسها وهي لا تصدق تلك الحية اسرار تفعل ذلك، تلك الخبيثة ازدادت خبثا ويجب عليها ان تقطع رأسها
- ايوا لكن ضياء قال كل حاجة اتحلت بعد كدا
غمغم سراج بنبرة متهكمة وهي يعبث بلحيته.

- واضح انه مقالش ان مراته ساعدته
تذرع الأرض مجيئا وذهابا، كيف تأسر على جزء من أملاكهم تلك الحقيرة، كيف تجرأت وفعلتها، زمت شفتيها بحنق
- ونسبتها قد ايه، نديها فلوسها و نخلص منها
الاب يشاهد ما يحدث ببرود وسراج كان ينظر إليه بنظرة ذات مغزى قبل ان يلتفت الى والدته قائلا
- مش هينفع اسمها واسم عيلتها هو اللي مخلينا ثابتين في مؤسستنا
دبت ب قدمها على الأرضية المصقولة وصاحت بصراخ
- عملتها، عملتها بنت الغانم.

قام سراج من مجلسه وقال بنبرة لا مبالية
- امي، واضح انه مفيش مشاكل زي ما كنتي بتقولي، شغلها سليم وميه ميه وبالعكس بتطور في المؤسسة
استدرات شيراز نحوه بحدة، لقد أصبحت في خطر وغرورها جعلها تهبط الى سابع ارض لتقول
- انت مش فاهم، احنا وقعنا تحت ايدين رحمتها بنت الغانم
تأفف سراج بضجر وهو ينهي ذلك الحديث العقيم
- امي
عضت شفتيها بحنق مغمغة بإقرار
- لأول مرة اشهد بذكائها، انا شيراز اقع بين ايديها.

لن تعيد تلك الكرة مرة اخرى، لن تخدع نفسها وذكائها الذي خانها تلك المرة، شعرت بأيدي ابنها الذي يحتضن ذراعيها
- امي اهدي، مفيش داعي لكل ده
ألا يعلم هو في أي مصيبة وقع! ألتلك الدرجة هو غير مكترث، هي ببساطة ستمد يدها إلى تلك الحية لتطلب منها المال، تستأذن منها من مالها
اشاحت بذراعيها بعيدا عنه وقالت
- فيه يا سراج، فيه ان كلنا بقينا تحت ايدين رحمتها، هتتدخل في كل قرش طالع وخارج
تألقت عيناها بشرر وهي تهمس.

- انا لايمكن اسكت على اللي حصل ده اطلاقا
تدخل الأب ببرودة أعصاب قائلا بجفاء
- شيراز اهدي
التفتت إلى زوجها وصرخت في وجهه
- أهدي، بعد كل ده اهدي
سحب سراج مفاتيحه من المنضدة واستدار مغادرا وهو يقول ببروده اعصاب
- طيب انا هسيبكم وهشوف مشاويري
راقبته شيراز وهو يغلق باب المكتب لتصفع بيدها على سطح المكتب وهي تمتم بحقد
- بنت الغانم اتفوقت عليا، لكن انا عمري ما هسيبها
غمغم زوجها ببرود
- هتعملي ايه يا شيراز؟

للحظات ظلت تفكر في أي حل يخرجها من تلك المصيبة، اي حل يجعل تلك الطامعة الصغيرة تعيد اموالها وأموال عائلتها، ظهر وميض في عيناها والتفتت إلى زوجها وهي تهمس بظفر
- مفيش غير حل واحد، أسرار هتبقي لسراج
اتسعت حدقتا زوجها وقال
- انتي اتجننتي والناس تقول ما صدقت تخلص عدتها علشان تروح لأخوه
اشاحت بيدها بعدم إكتراث، تقسم انها لن تسامح زوجها العالم بكل ما حدث منذ فترة غرق الشركة بالديون، تمتمت بتصميم.

- يقولوا اللي يقولوه، مش انا على اخر الزمن اشحت منها فلوسي
وقد أًصدرت الملكة فرمانا غير قابل للنقاش
فرمان خاضع للتنفيذ
ابتسامة شيطانية زينت ثغرها وهي تهمس
- سراج ل أسرار وانتهي الامر.

توقف وقاص أمام منزل فريال والهدوء الساكن يلف المكان، حدق وقاص في الاضاءة الخافتة الصادرة من الغرفة العلوية، وتساءل من هي فريال الشواف؟
امرأة تثير به شيئان
إما اسقاطها من برجعها العاجي أو ابقاؤها فيه
هي ببساطة تربكه وتثير به نوازع الحماية الذكورية، رغما عن انفها هي امرأة تستنجد به وهو دائما ملبي لنداء الحماية والعون، عيناها البنية تصرخ دائما للنجاة لكنه مكبل بالالاف الخيوط.
والسؤال يطرح نفسه...

- يا تري ايه العلاقة بين عزيز وعيلة الجوهري؟
...
أما عنها...
فهي مقيدة بأغلال لعنته، لا تستطيع الفكاك منه، أفرض حصاره عليها حتى ما عادت تستطيع الخلاص منه، شعرت بمن يخنق عليها مجري التنفس في نومها، فتحت عيناها بنعاس لتقابل ظل اسود ضخم ودوي قلبها هلعًا حينما استمعت إلى نبرته المتوحشة
- افتكرتي اني مش هعرف اجيبك.

اتسعت عيناها البنية هلعا وتراقصت دقات قلبها جزعا وهي تشعر بشلل في اطرافها الاربعة وأزداد من اختناقها حتى استحال وجهها للحمرة المتقدة، همست بثقل وهي تحاول حث يديها للحركة لتنفلت منه
- عزيز؟
اقترب ذلك الظل الضخم يقتحم عيناها المذعورة لينتشي الأحساس بالسادية في داخله، انتفخت أوداجه غرورا قائلاً وهي يقبل شفتيها الشاحبتين بقبلة دامية كادت ان تخنقها
- ايوا عزيز يا فريال، فين اللي خبتيه؟

خف قبضته وهو يلامس جسدها بحسية مقززة هابطا برأسه دامغا عنقها بملكيته، ليتهز بدنها خوفًا عزيز هنا، تلك المرة لا تحلم، وما ان شعرت بتمزق منامتها بشق طولي حتى اتسعت عيناها ونيران مستعرة تخرج من مقلتيها وهي تزيح يديه صائحة
- مش معايا حاجه.

رأت ذلك الجنون في عيناه، ذلك الجنون قبل ان يمارس ساديته عليها بكل اجحاف وتقزز، تلك السادية اللعينة المخبأة خلف اطار انيق وثياب باهظة الثمن، امسك خصلات شعرها القصيرة وشدها بعنف المها وهي تجر خلفه كذبيحة، ألقاها بكل قسوة على الحائط وصاح بجنون وهو يري مفاتنها المخبئة خلف صدريتها
- فين يا فريال السي دي.

اغمضت جفنيها بأرهاق، كلا لن تعود لتلك الأيام مرة سابقة، تحاملت على ساقيها منفضة عنها رداء الذل قائلة بجمود
- مش معايا حاجه
قلص المسافات التي بينهما وهي ينظر اليها بجنون والي صدريتها اللعينة قبل ان تمد يده يتنزع منها الصدرية لتغلق عيناها والحيوان يستبيح النظر إلى شيء لم يكن له...

الخضوع والاهانة وذكريات قديمة مرت عليها من العذاب الجسدي والنفسي معه جعلها ضعيفه مستسلمة امامه فقط، وضعت يديها على صدرها وهي تستمع إلى صوته الغاضب
- هعرف اجيبه كويس، واللي بتتحامي فيه مش هيقدر يعملي حاجه.

تلك المرة نظرت إلى الارضية وصوته ورائحته الخانقة اختفت من محيطها، نظرت إلى المراة وهي تنظر إلى مجرد علامات مقززة وشمت جسدها، تراخت ذراعيها وهي تنظر إلى ما خلفه، صرخت بأعلي صوتها وهي تمسك بزجاجة العطر ترميها بقوة على المراة صائحة بوعيل
- ليه يا ربي كدا؟
...

انتفض وقاص ما إن استمع إلى اصوات خافته تصدر من تلك الشرفة اللعينة، خشي ان يكون مجرد مكالمة تجريها في منتصف الليل، وما ان استمع إلى البكاء المذبوح حتى شد قامته وسارع بأقتحام منزلها، لكن عينان شديدتان السواد لم تجفل عن دخول الرجل لمنزل زوجته!

صوت الصراخ كاد يصم اذنيه وهو يتذكر الصراخ الشبيه بصراخ شقيقته، ما ان وصل لباب غرفتها حتى تخشب جسده من هول ما رآه، أغمض جفنيه وهو لا يصدق حالتها تشبه حالة رهف، اقترب منها وقد غامت عيناه بالشراسة البدائية، هو هنا ولم يحميها، انتقلت عيناه إلى جيدها المحفور بعلامات رجل وما ان اخفض بصره حتى اشاح رأسه شاتمًا بعنف وهو يخلع سترته ويغطيها به...

رفعت عيناها ما إن شعرت بذراعين حانيتين تهدأ قلبها الملكوم، رغم عيناه التي تصرخ بالثأر لكن التمست به دفئا لم تشعره قبلا، احاطت يدها على وجنته وهمست بنجدة
- وقاااص
استندت عليه وهي تعود معه للفراش لتضم سترته بقوة عليها، وهو يكاد يموج ويعصف غضبًا، يقسم انه لن ينفلت منه ومن بطشه، يحاول قدر الاماكن التحاشي من النظر لشعرها المشعث وشفتيها الداميتين ليهمس بصوت دافئ
- مين اللي عمل كده؟

سالت الدموع من مآقيها وهي تدس بجسدها بين ذراعيه، انفجرت في البكاء حينما شعرت بذراعيه تحيطها من كل جانب، لتمهس بنبرة مجهدة
-انا تعبت، بعده عني
لقد سئمت من كل شئ، ضعفها وقلة حيلتها امامه، يخبرها ببرود انها لم تتغير، استمعت إلى صوته الامر
- فريال
رفعت عيناها إلى عيناه الملبدة بالغيوم لتهمس اسمه
- عزيز رجع
وتم وضع عزيز إلى القائمة السوداء.

- ها؟
تساءلت بها رهف وهي تكاد تفرك يديها من التوتر، انه ثالث يوم على التوالي تفشل ما تصنعه، كادت تشعر انها ستخنقه من عنقه وتريحه من البشرية، ذلك الرجل ذو النبرة الشامية التي تجعل رواد المطعم نساءً أكثرهم في المرحلة المراهقة متهافتين عليه، تستعجب تحوله اللطيف خارج اسوار المطبخ وما ان يدلف حتى يتحول لغضب الليل.
اغمضت جفنيها بيأس حينما استمعت إلى صوته الجاف بعد تذوقه القضمه الاول.

لتالت مره مو مضبوط-
تم وضع ذلك الرجل في لائحة تحت عداد الموتي، نظرت إلى المدعوة بيسان التي علمت انها سورية الاصل تنظر اليها بتشفي شديد قبل ان تغادر وتنتبه إلى عملها، نظرت إلى الجميع المنشغل في عمله لتقع عيناها على عيناه الخضراء الراكدة لتهمس بأحباط
-يعني انا كده فشلت.

اومأ براسه ببرود، وتلك النقطة انفجرت في بكاء طفلة صغيرة منعتها والدتها من الحلوي، بكاء مخزي لسنها وأمامه وهو يتملل في وقفته قبل ان تسمعه يشتم شتيمة لا تعلم معناها، ووجدت صوته الحاني ينساب على مسامع اذنيها المرهفة
-ليش عم تبكي؟

لما عليه ان يتحدث بتلك النبرة اللعنة، ليعود إلى نبرته الحازمة الباردة تلك بدلا من نبرته الناعمة التي تجعل فتيات المطعم يكادون يقذفون عليه بالقبلات والأحضان الحارة، زاد بكاءها وهي تلعن تفكيرها المنحرف لتنظر إلى عيناه هامسة بصوت مخجل
-عشان فشلت، كل حاجه ادخلها افشل فيها
هز رأسه يائسا وتقزز ما ان ابصر انها تمسح دموعها بيدها، ابتعد لعدة مسافات وصاح بصوت امر لايخفي عليه تقززه.

-اهدي وماتبكي، عشر دقايق استراحه وبترجعي مره تانيه
استجابت له وهي تزجر نفسها على طفولتها ومنظرها المخزي امامه، تعلم تقززه وقرفه من عدم النظافة سارعت بتبديل قميصها ومريولها لاخر نظيف ودلفت إلى الحمام تهدأ من روعها قبل ان تعود اليه لتجده ينظر إلى طبقها بتدقيق جعلها تفكر ساخرة من منظورته العجيبة
ما ان ابصرها تتقدم اليه سألها ببرود تمقته
-احسن؟

حسنا تعترف بروده وجفاءه افضل بكثير من تلك النبرة الناعمة، ردت بجفاء
-احسن
عقد ساعديه على صدره وهو يقول بصوت رخيم
-كل شيف هون مر بمراحل اسوأ بكتير منك، الطبخ مو مجرد اكلة لنسد جوعنا، الطبخ فن واجب نقدسه، كل مرحلة فاشلة لطبق مو معنا انو نحنامو قد المستوي لأ مرة عن مره بنتعلم خطوة وبنصلح الغلطة اللي قبلها
هزت رأسها لتسمعه يقول
-تعي شايفة الشيف اللي هنيك.

عبست وهي تنظر إلى يديه التي تشير إلى رجلا يطير بالعجين في السقف ثم يعود بها إلى الرخام لتهمس
-ايوا
غمغم بهدوء
-الشيف هادول اختبار ألو كان الرز، الرز كان تحضيره سهل ياترى كل مره رح يطلع بنفس الكفاءه
ضيقت عيناها بعبوس شديد وهمست بعدم فهم
-مش فاهمه؟ تقصد انه فشل
تري عيناه التي ازدادت قتامة لكنه فسر ببرود.

-فيه انواع للرز وبيختلف من واحد للثاني حسب كمية المي اللي عايزا، انت ك شيف واجب انك تعرف من النظرة للرز محتاج قديش مي ليستوي
نعم ياروح والدتك الغالية هتفت بها سرا وهي تبتسم ببلاهة، جعل نزار يستشاط غضبا من غباءها ليصيح بعنف
-ايديك مهزوزة يا انسة رهف محتاجه تظبيط في التقطيع، لان التساوي في تقطيع البيتنجان والبطاطا رح يخلي عميلة السوا للصنية وحده غير شكلها الجمالي.

يا راجل مش تقول كده هتفت بها سرا ولا تستجرأ ان تقولها امامه لتهتف بوداعة
-تمام فهمت يا شيف
تنهد زافرا بحرارة وهو يستعجب من كمية صبره على تلك الفتاة، رباااه لما وافق على طلب شادية من الأساس كان يجب ان يتأكد انها خبيرة وليست فتاة لعبة مدللة اعجبها شيء يدعي بالمطبخ، لكنه سيبذل قصاري جهده إن لم تفلح سيطردها شر طريدة منها، قال بوجوم
-بقية اليوم إجازه ألك بكرا ان شاء الله بشوف الطبق.

انشرحت أساريرها وصاحت بمرح
-شكر يا شيف
حالة ميؤسة منها تأكد من ذلك، صاح محذرا
-اهم شيء المواعيد متتأخري
ادت التحية العسكرية صائحة بمرح وهي تنزع مريولها
-ابدا شيف
ثم ذهبت إلى غرفة تبديل ملابس النساء لتجد هنادي وهي ترفع يديها بمرح
- مش قولتلك انه طيب
عدلت قميصها القطني وخصلات شعرها قبل تلقي قبلة في الهواء
- عندي اجازة هروح الحق اضبط الطبق
تمنت لها هنادي الحظ قائلة
-بالتوفيق يا رهف.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة