رواية في قبضة الإمبراطور الجزء الأول للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والعشرون
راقب نضال من بعيد فرح وهي تحمل شمس التي تضحك بصخب نتيجة احدي مداعبتها
اهتز قلبه بعنف واصبح صدى ضحكات الصغيرة تتردد في أذنيه، اغمض جفنيه وهو لا يكاد يصدق ما يفعله هنا، بل ولما قرر اصطحاب فرح لزيارة شمس التي يراها لأول مرة من خلف جدار...
ربما لانه متيقن انها ابنته
ربما لانه غير مستعد لتلك المرحلة ابدا.
فتح جفنيه وهو يستمع الى النغمات الناعمة المنبعثة من شفتي فرح، راحة، راحة كبيرة تسللت قلبه وكأنه رحال باحث عن نبع ماء في الصحراء القاحلة وبعد بحث طويل عن النبع جاءت قطرة غيث تزهر صحراءه
هل شمس هي قطرة الغيث؟!، لطاما عاش حياته منبوذا من اقرب الاشخاص
ابيه، اخيه، اخته، زوجة الاب المكفهرة الملامح والتي لم تتواني عن ذكر اصله الدنيء.
مواجهته للحياه واحاديث تلك الطبقة اللعينة عن ذكر اصل امه الوضيع، كل ذلك جعله ناقما على الجميع، بل ناقما من علاقة وقاص ورهف حتى الغيرة حتى قدمت أسرار الى حياته، يعترف انه حاول مرارا وتكرارا كرههم لكنه لم يقدر، لم يقدر سوى ان يتابع بخفاء حياة كل شخص منهم وما ان يشعر بالخطر يحوط حول احد يسارع بالأنقاذ حتى وان لم يطلبوا العون منه، تلك هي مشكلته الوحيدة انه ليس بقادر الابتعاد عن العائلة التي تكرهه.
تنهد وهو يتقدم نحو فرح حاملة صغيرته التي توقفت عن الضحك واتسعت عيناها الشبيهة بعيناه تنظر اليه بتأمل
توقف قلبه عن النبض ليعاود النبض بصورة اسرع وهو ينظر اليها، انها تشبهه
سمع تعليق فرح الهاديء
-شبههك
همست بنعومة
-عيونها زي لون عينيك
صاح ساخرا
-متهيألك
قدمت الصغيرة اليه لتقول
- هتكون احلي بنت في الدنيا، جرب شيلها
لاحظت تردده والرفض القاطع الذي طغى على ملامحه لتقول وهي تضع الصغيرة في مهدها
- مش هتعضك على فكرا.
نظرت اليه فرح بيأس شديد، ترغب أن تصرخ في وجهه وتعلن صراحة عن حبها له، ترغب في صفع وجهه الساخر ليريها وجهه الحقيقي المتألم، تريد ان تري أى رجل هو متألم، لو يعطيها فقط الفرصة، فرصة واحدة ستغيرهما للأفضل، غادرت لتتركه هو يتطلع الى الصغيرة
الصغير تنظر اليه دون ان ترمش جفانها وكأن هناك رابطة سحرية نشأت بينهما، اقترب يلمس جلدها هامسا
- شمس.
اتسعت بؤبؤ عينا شمس، لتضحك بأشراق وهي تصفق بيدها مبرطمة ببضع كلمات انجليزية ليعيد نداء اسمها
- شمس الغانم
لا يعلم استظل الشمس متوهجة في سماءه ام ستتكاثف الغيوم لتمنع ضوءها، تلك المرة الاولي التي يختبر بها هذا الشعور
ان له عائلة، له كائن صغير تحمل ملامحه، صغيرة جدا لتطلب الحماية، وهو اكثر ما يضعفه انه حامى العائلة السري.
الجميع ينظرون اليه من جهه واحدة فقط، من ناحية المظاهر ولم يتدخل احد إلى عمقه سوى اسرار التي تعاني هي الاخري من افتقاد الجو الأسري، وفرح، التي تعمل جاهدة لتستفز شعور الأب الذي وللغرابة تكون امام الصغيرة في لقاء صغير لعدة دقائق، همس بسخرية لاذعة
- هتكوني شمس ليا ولا هطفي شمسك.
تلمست الصغيرة اصابع ابيها لتنطق كلمة بابا امامه بسهولة وعيناها تلمعان بتوهج شديد اثار ارتباكه، شمس هي نيران محرقة، انتفض كالملسوع واتسعت عيناه وهو ينظر اليها تضحك بأشراق
يفكر في حديث فرح، اسيطفأها وسيجعلها تعيش ما عاناه هو وهو صغير؟!
غمغم هامسا
- جيتي حياتي وقدرتي تربكى وجودي ازاي مكنتش حاسس بوجودك.
وفرح من بعيد تتابعه، تبكي بصمت تام وهي تراقب الجو الحميمي الذي انطلق في الاجواء، لما لا يحدث معها ذلك الشيء؟!، تقاربهما مجرد حاجة جسدية يتطلبها هو دائما ولم تشعر انه تائق لها كما هي تريده، مقابلة لدقائق لكائن صغير فعلت بالسيد الساخر الافاعيل وهي التي قضت شهورا تحاول الفكاك من قيود عشقه ولم تفلح، اغمضت جفنيها وهي تنادي قلبه الجاحد
متى ستشعر بحبي لك يا نضال؟، بل متى ستحبني؟!
كابوس آخر زعزع السلام الذي كنفها منذ أن ارتبطت بالقرصان، هي ابدا لم تتخيل ان تتزوجه، بل لم تكن تلك مخططاتها ابدا، كانت ستتحالف معه للأنتقام من عزيز ومن دمر حياة رهف
هي كانت تريد رأس عزيز وهو كان يريد رأس ماجد.
علاقة عزيز بماجد كانت علاقة عمل، علمت من خلال بحث جيجى ان ماجد ما هو الا ديلر لبيع العقاقير الفاسدة الى المجتمع البراق اللامع مصطادا فتيات ساذجات الى شِركه، والممول الأكبر ما هو الا عزيز، كانت تريد فساد عمله بأي طريقة التي كان يحافظ عليها بجنون ولم يعد يكترث بها.
ظنت ان الحرب تستطيع ان تقودها بمفردها لكن تلك الكوابيس التي لا تنتهي جعلها تتراجع وتختار الفرار، هي في النهاية انسانة تضعف في النهاية وتنفجر بثوارن نتيجة الكبت الذي عانته.
عزيز الحب الأول والدقة الأولي كما تعترف، كان شخصا مسالما وكائنا رومانسيا، صفات مشتركة جمعتهما وقررا فجأة أن يعلنا الزواج والسفر لخارج البلاد في بناء مستقبلهما الوردي معا..
تظهر معه في الحفلات كثيرا، يرقصان ويمرحان، تتعرف على شركاء عمله برسمية حتى جاء ذلك المستثمر الذي غير طباعه الى 180 درجة.
ساديته كانت تزداد كل يوم بوحشية، يكيل الصفعات والضرب المبرح الى حد الموت وهي كانت صابرة لمجرد فتات حب
علاقتهما الزوجية تحولت الى اغتصاب تحت مسمي زواج، وجسدها تحول الى علامات مشوهة من اثر حزامه الجلدي، كأنها كانت متنفس عن غضبه، كيس ملاكمه يخرج بها حنقه!
تذكرت لقطة مريرة ما ان جردها من آدميتها وشدها بقسوة إلى غرفة نومهما التي حولها إلى غرفة يمارس بها عهره عليها، نظرت الى الاسواط الجلدية بفزع شديد لتهمس برعب وساقيها الهلامية اسقطتها ارضا لتهمس بتوسل باكي
- عزيز
كان يلف السوط حول يده لينفجر ضاحكا
- جنوني لسه منتهاش.
حملها الى الفراش والقاها بخشونة لتتأوه بألم وهي تشعر ان عمودها الفقري كاد يتحطم، احتقن وجهها وهلعت ما ان رأته يحكم وثاقها بحبال متينة، اختض قلبها رعبا وهي تحاول ان تستوعب ان هذا هو عزيز القلب، الذي كان في بداية زواجهما يعاملها بكل رقة، ما الذي غيره وغير طباعه؟!
بكائها يزداد قوة وقلبه لا يتأثر، جسده لا يتشنج اطلاقا، ولا اي ذنب يشعره اتجاه ما يفعله بها، همست
- ارجوك انت بتدمر كل حلو بينا.
اقترب منها وهو يلمس وجهها المكدوم وشفتيها التي تسيل منها الدماء، ليهمس بنعومة وهو يلمس شعرها الطويل
- بحب شعرك الطويل يا فريال
جذبه بقسوة اليه لتتألم وهي تشعر انه نزع خصلات شعرها، صاحت بوجع
- اااااااه
ابتسم بنشوة وعيناه يتراقص بهما الجنون ليزداد من مرضه وهو يصيح
- اكتر
عيناها تنغلقان وتمر بمرحلة فقدان الوعي الا ان كل صفعة على وجهها تجعلها تفتح جفناها بألم لتهمس
- هه، هموووت
ربت على ذقنها بخشونة.
- لسه معملتش حاجه يا
وكانت البداية
والنهاية كانت سقوطها ضحية بين براثن مختل مجنون يجب أن يوضع في مصحة عقلية
سمعته يهمس بقذارة ما ان انهي فسقه
- كنتي هايلة يا بيبى
كادت ان تغلق جفناها لتمر بحالة موت قصيرة لا تفيق منها سوى بصفعة منه او ركلة، لكن احست بشيء يحرق بداية فخذيها لتفتح عيناها وتتسع عيناها بجحوظ ما ان رأته يحمل شمعة، تلوي جسدها كالسمكة التي أخرجت من الماء وصارت تبكي بألم وهي تقول بخوف.
- انت هتعمل ايه
اجابها بنبرة شرسة
- كنت بسخن وجيه وقت اللعب
توسلته حرفيا، كانت تصرخ بصوت أم ثكلي ولكن لم يكن من منقذ، لم يكن من يد عون تساعدها من الابتعاد عن ذلك المختل، صاحت بصوت كاد ان يذبح احبالها الصوتية
- ا اا رجووو ك، لا
كانت تتلوي في فراشها ويده الحازمة تحاول ان تثبتها...
سمعت صوت ينادى من مكان بعيد
- فريال انتي كويسة.
الصوت يزداد قوة لتفتح عيناها وبصرها وقع على رهف، تذكرت انها تبيت معها تلك الليلة قبل فرحها، استمعت الى نبرة رهف القلقة وما ان سمعت منها انها ستتصل بوقاص حتى همست
- كويسة، مجرد كوابيس
اقتربت رهف تنظر الى عينى فريال المتألمة، لا تعلم ما مرت به لكنها تشعر انها تالمت بعمق اكبر كما تألمت هي، وما كان الا ذئب بشرى!
ضمتها رهف بقوة اليها، لتبكي فريال بقهر وشاركتها رهف في الدموع.
يرفعون شعار الحداد على السذاجة التي مرا بها
حداد على ما صنعتاه وما وصلا اليه
ازداد تعلق رهف بفريال وهي تتذكر ليالى المصحة التي كانت تفقد عقلها
كانت لا تريد ان تبدأ حياتها من جديد وهي تعلم أنه في أى وقت سيعود الناس يتجمعون حولها وسيعيدون النبش في الماضي، تعلم ان عائلتها كانت تتخلص من الشائعات الخاصة بها سريعا.
لكن يبقي حديث الناس معلقا في اذنيها، انها مدللة وانجرفت الى التيار السيء، جلبت العار الى عائلتها حينما عالجت في مصحة ادمان ومصحة نفسية نتيجة الحقير ماجد.
مسحت دموعها وهي تفيق من دوامتها تنظر الى فريال التي توقفت عن البكاء، نظرت اليها بعمق لتهمس رهف
- انتي ازاي كده
كيف هي هكذا، كيف تظهر للناس انها قوية صامدة وما خلف الاسوار مجرد امرأة هشة ضعيفة..
عبثت فريال بخصلات شعرها القصيرة وهي تتذكر الى ما وصلته نتيجة قرارها، هي لا تعلم أى شيء عن حياة القرصان، لكنه يعرف فقط القليل من حياتها، لكن ما هي متأكدة منه انه مختلف عن المجنون السابق، تنهدت بحرارة قائلة
- خايفة لاكون بظلمه معايا، خايفة اكون انانية
طمئنتها رهف وهي تبتسم بشحوب
- الفرح بكرا متخافيش
ابتسمت فريال بمرارة لتمسك رهف بذراعها تصيح في وجهها بحدة
- فين فريال اللي قابلتها، فين كلامك ليا.
لمعت عينا فريال بدموع، للاسف هي لم تستجمع شتاتها في وقت قياسى كما تفعل رهف وان كانت ترتجف فزعا ما ان تتحدث إلى شخص امامها، لكنها مثابرة لتتخلص من عقدتها
همست فريال بأنبهار الى التكوين العجيب في رهف
- بتبهريني يا رهف كل يوم وانطلاقك للحياة، قعدت فترة طويلة علشان استجمع نفسي مرة تانية.
تركت رهف ذراعى فريال، أتضحك عليها فريال، هي تكاد تتمزق كلما تتعامل مع احد من الطباخين وتري بعض نظرة الشكوك في عيونهم لكنها تنمحي ما ان يقترب ذلك السيد العظيم الذي يزعق هادرا عن ترك الطباخين اعمالهم المتراكمة، استمعت الى نبرة فريال الحانية
- ارجعي لدراستك يا رهف وكمليها، ارجعي انطلقى لحياتك مينفعش تحصري نفسك وتتعاملي مع عدد قليل من الناس وأى حد يتكلم عنك اديله بالجزمة فوق دماغه.
ضحكت رهف بمرارة وهي تسحب فريال ليستلقيا على الفراش، نظرت رهف الى سقف حجرة فريال التي تبيت بها تلك الليلة بعد احتفال شاق مع ابنتى خالتها اللتان تنامان في الحجرة السفلية ويبدو أن التعب اهلك عظامها ولم يسمعا الى صراخ فريال، التفتت إلى فريال وهمست
- اسرار عندها حق احنا هنا بسبب لعنة راجل دخل حياتنا
وافقتها فريال وهمست بتعب
- صح، لعنة ومش هتتفك.
ليلة غد حفلة زفافها وتعلم الاستعدادت الامنية التي اتخذها وقاص، ستبعث له القرص المدمج الذي يحتوي على فضائحه كلها.
اخر انفجار حدث بيننا لم تكن تعلم انه سيتخذ تلك الليلة منزوى عني ثم يعود مرة اخري يطالب حقوقه الزوجية وينفذ واجباته، ليتني أستطيع أن اقول حياتي مملة أو تسير في وضع الركود، لكن ذلك السراج يتفنن في مفاجئتي كل يوم، حديثه عن اجهاض طفلي الذي كنت اتمناه اصابني في عمق، وعلمت الى أى مدي أن علاقتي الزوجية مع ضياء السابقة كان الجميع يعلم ما يجري خلف الأبواب، لا اعلم كم تزداد حقارة تلك الشيراز وكم يزداد غضبي ومقتي لها لانها انجبت طفلين لا يستطيعا ان يخرجا عن طاعتها، ضياء كان لا يستطيع ان يكسر لها كلمة وسراج رغم خشونته ولا مبالاته الا انه داعما بقوة لعائلته، اما انا فلا عائلة لدى، انا كما قالت مجرد وحيدة منبوذة، يتيمة تفضل علىّ ضياء للزواج بي، لكنها لم تكن تعلم ان وقع على الاختيار بين ابنائها الافاضل..
كنت صغيرة وقتها وكانت فضائح سراج في ذلك المجتمع المخملي جعلني انفر منه، لما اختار رجلا فضل دراسة الهندسة الميكانيكية عن ادارة الأعمال؟، لما اختار رجلا كل حفلة اراه مع امراة تحمل مواصفات مهلكة؟، لما اختار رجلا مجرد عبد لشهواته؟، ودارت بي الايام وبين ليلة وضحاها اصبحت زوجته، هو لا يعلم انني لا اهتم به، لا اهتم به اطلاقا، جل همى هو الاستحواذ على مال تلك العائلة التي كانت تفتخر بها حماتها امامها، المال أولا ثم ستحرق قلبها.
اغلقت دفتر مذاكرتها الذي كان بحوزتها دائما، انهت ما يدور في مشاعرها لتتنظر الى الساعة التي تنبهها ان موعد عودة زوجها من العمل اقترب، ملابسها كانت كما يرغب وشعرها كان حر طليق كما يحب واكتفت فقط بحمرة على شفتيها كما أمر، ما ان انهت من تسخين الطعام الذي يحبه وكل ذلك بمساعدة تلك السيدة التي تأتي بطعامه ساخن كل يوم، سمعت صوت المفتاح في عقب الشقة ليدخل وهو يجفل ما ان راها امامه تقول
- العشا جهز.
اومأ وهو ما زال يفعل حركاته العابثة، غسل يديه وتوجه نحو الطعام يتناوله بنهم شديد، راقبته وهي تحاول ان تفك شفراته، إلى اي حد هو غامض، والى أى درجة هو تغير قبل ان يغادر البلاد في سبيل حلمه، مررت بيدها على عنقها وهي تقول بجفاء
- انا زهقت من قعدة البيت
رفع عيناه العميقتان يراقب برودة عيناها ليقول بمشاكسة
- لسه شهر العسل بتاعي مخلصش.
اقتربت منه بأغواء تعلم تأثيرها عليه جيدا، ترى تفاحة ادم تتحرك بأضطراب شديد لتهمس
- سراج
اغمض سراج جفنيه وهو يريد ان يزهق روحها، لما تمط السين الى تلك الدرجة التي تثيره ويجعله يرغب في سماع اسمه منها مرارا وتكرارا، بلل طرف شفتيه وقال بخشونة
- هجيبك تيجي تشوفي شغلى
صاحت بقرف
- وهعمل ايه وسط الشحوم والخردة اللي هناك
غمز بمشاكسة وهو يعلم انها تستفزه في عمله، لكن ليس كل يوم تثير حنقه ويتحول الى رجل لا يعلمه.
- هبهرك
اقتربت تضيق عيناها لتجعله يهبط بعيناه الى ثوبها الفاتن قائلة
- عايزة اللاب بتاعي
نفي بصوت حازم وهو يقضم قطعة خبز يلوكها في فمه بحنق وضروسه تطحن الطعام وكم ود أن يطحنها تحت ضروسه
- مفيش شغل يا اسرار وده اخر كلام بعد الشهر هترجعي شغلك وهوديكي واجيبك
صاحت بجفاء
- بعرف اسوق لوحدي وعندي عربية.
غمغم بلا مبالاة الى ثرثتها، لا يعلم لما شعر حديثهما تلك المرة حميمي وكأن هناك بينهما ألفة وهي مجرد زوجة تسترضي زوجها بكافة الطرق ليحقق طلبها
- انتي بقيتي مسؤولة من راجل
ابتسمت بخبث، تعلم انه لن يمنعها من العمل ولن يقدر انه يمنعها الخروج من المنزل، لكن ان يتعمد العيش في مكان شبكته مقفرة هذا جنون حتما، تمتمت بلا مبالاة وهي تعلم على أى جرح هي تضع الملح عليه
- ما ضياء كان بيسبني ارجع للبيت حتى بعد 12.
استقام سراج بحدة من مقعده لينظر اليها بجنون، لما دائما تذكره بزوجها الراحل في أى حديث عابر، أى شيء زوجها فعل هذا، زوجها تصرف هكذا، صاح بغضب اعمي
- انا غير، وواضح أن زوجتي محتاجة تأدييب
حملها على كتفه بسهولة لتنقلب بها الدنيا رأسا على عقب، سائرا نحو غرفتهما، تفاجئت من معامتله الغير الادمية وكأنه رجل كهف يؤدب زوجته
- سراااج انت اتجننت.
ازداد جنونه ما ان اختفى حرف الراء من اسمه، يعلم انها تنطق جميع الحروف بسلالسة الا حرف الراء في اسمه فقط تتجاهلها كما تتجاهل انه اصبح زوجها، صاح بخشونة
- لأ بس واضح انك بستفزيني وبتخرجيني عن شعوري وانا بقولك انت صح ونجحتي
اغلق باب غرفتهما بكعب قدمه ليضعها على الفراش بنعومة شديدة فارضا حصار ذراعيه حول جسدها، ينظر الى عينيها التي سينصهر جليدها ليهمس
- جيه وقت تأدييب الزوجة.
حفلة زفاف وقاص وفريال...
كان واقفا ينظر اليها تتقدم نحوه بفستانها الذي يلف قدها الممشوق برقة، وتسريحة شعرها الرقيقة واضعة تاج من الزهور الطبيعية كان يبدو عليها خرافيا، تبدو كساحرة فتنته، يشكر قريبتها شادية التي عملت على قدم وساق في انهاء تلك القاعة في زمن قياسي.
كانت بجوارها رهف الملتفة بثوب ازرق رقيق جعلها تبدو كأميرة صغيره وشعرها مناسب بحرية على ظهرها، القت اليه ابتسامة ناعمة لتتسع عيناه فرحًا وهو يراقب عيناها الزرقاء اللامعتين بسرور ما ان اقتربت فريال منه هامسة بنبرة ناعمة
- وقاص
كانت تتأمل وقفته الشامخة وعيناه التي تأكلها بقوة وهي تتقدم نحوه، رأت وميض يلمع في عينيه لتبهت ما ان استمعت إلى نبرته الاجشة
- مبهرة يا فريال
بدون وعي منها همست
- قرصانى.
عقد جبينه بعدم فهم، لتبتسم بتألق وهي تغمز ماكرة
- انت قرصاني الخاص بيا
انفجر ضاحكا وهو يقول
- اول مرة اسمع اسم تدليل بالشكل المرعب ده
لمعت عيناها البنية التي تشبه القهوة الدافئة في برد الشتاء لتقول
- وانا ساحرتك الشريرة يا قرصانى
اقتربت تصيح بمشاكسة وهي تضع كفها على موضع قلبه الخافق بجنون جراء لمستها الجريئة
- تقبل ساحرتك تستولي على سفينتك.
علمت الاجابة من عينيه التي تثير العواصف في عينيه البلورتين لتسمعه يضع كفه العريض على كف يدها التي تلمس خفقات قلبه التي تنبض بجنون قائلا
- وتقبل الساحرة انها تبطل اعمالها وتبقي معايا لاخر دولة هنهب كنوزها
هزت رأسها وهمست بنبرة هادئة
- موافقة، كنزي موجود في الحفظ والصون تقدر تشوفه قبل ما نتم جوازنا
شعر بأزيز في جيب بنطاله ليعقد حاجبيه قائلا
- لكن قولتي
قاطعته بجمود
- غيرت رأيي.
ومن بعيد كانتا الاختان تتابعان ما يجري من همسات العروسين لتقرص جيهان على ذراع شادية العارى
- شكلهم يجنن والفستان يهبل
وافقتها شادية وهي تري فستان جيهان الاحمر الصارخ الذي جعل عنق الرجال تلتف الى انسيابة خصرها وجمالها الناصع خلافا لها ولبشرتها السمراء
- وقاص اصر انه يبقي متقفل.
رأت من بعيد حارس شادية الذي يهتم بعمله وترى نظرته المختلسة لها والي فستان شادية الاسود ذو الشق الطويل من الاسفل كاشفا عن ساقيها بأمتعاض لتهمس جيجي بمكر
- عقبال اللي يجي يربيكي ويربيني
ابتسمت شادية ببرود
- مستفزة يا جيهان
قاطعتها جيهان بطفولية حانقة جعلت شادية تبتسم بنعومة
- اسمي جيجي على فكرا
لاحظت شادية حركة مريبة وابتعاد وقاص عن فريال وهو يخرج هاتفه لتصيح بدهشة
-ايه ده هو رايح فين.
سارعت عينا جيهان لرؤية تعابير فريال الجامدة وهمساتها ونظرة وقاص الجامدة لتتسع عيناها دهشة وهي لا تصدق انها سترسل له كل شيء قبل عقد قرانهما، شتمتها بوقاحة وصاحت بحنق
- يا نهار اسود فريال اتجننت
نظرت شادية نحوها بعدم فهم وقالت
- فيه ايه؟
سقط قلب جبهان بين قدميها وهي ترى مغادرة وقاص من القاعة لتهرول جيهان نحو فريال التي تبتسم بنعومة، هزتها بقوة منفجرة في وجهها
- بعتيله الزفت ليه.
صاحت فريال بلا مبالاة، هذا افضل له، يجب ان يعلم اي منطقة محملة بالاعاصير هو يذهب اليها
- لازم يعرف في اي عاصفة هو بيروحها
نهرتها جيهان وهي تكاد ان تفقد اعصابها
- انتي اتجننتي، مش هيرجع وكل اللي عملته راح
اقتربت فريال هامسة ببرود وهي تعلم انه الان يشاهد الفيديو بعيدا عن الضجيج
- وقاص شخص مسالم وحظه انه من برج القوس.
كانت شادية تقف تنظر امامها ببهوت، لا تعلم عن ماذا تتحدثان لكن يبدو ان فريال فعلت كارثة عظيمة وهي تسمع جيهان تكز على اسنانها بغيظ
- انتي تعرفي لما يقلب برج القوس بيحصل ايه
ستعود وقتها إلى نقطة الصفر.
او تتابع حياتها للهرب من ذلك المختل الذي من المؤكد يترصدها وما يمنعه انها في حماية القرصان، وهو مجرد رجل جبان لا يستقوي سوى على إمرأة، لكن بمساعدة القرصان تقسم انها ستجعله يتذوق مرارة ايامها وستقذفه في جحيم نيرانها، رفعت عيناها تنظر الى شادية التي تنظر نحوهما بعدم فهم لتهمس
- هختفي من حياته ومن حياة الناس.
تعلم بعد ما ارسلته لن يعود، وأى غبى هو ليسقط في فوهة بركان نشط، شدت من عزيمتها وهي تهم بالرحيل لتسمع صوت شادية تقول
- وقاص رجع
استدارت على عقبيها وتوقفت الدنيا من حولها وهي تري جسده يسير ك وتر مشدود وعيناه هما حكاية آخرى...
عيناه عبارة عن أسنة اللهب وهو يجمد جسدها عن الفرار منه، يتحداها أن ترمش جفناها لثانية بل يتحداها إن فكرت الهرب من قبضته.